يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (٢٩))
اسم (أَهْلُ الْكِتابِ) لقب في القرآن لليهود والنصارى الذين لم يتديّنوا بالإسلام لأن المراد بالكتاب التوراة والإنجيل إذا أضيف إليه (أهل) ، فلا يطلق على المسلمين : أهل الكتاب ، وإن كان لهم كتاب ، فمن صار مسلما من اليهود والنصارى لا يوصف بأنه من أهل الكتاب في اصطلاح القرآن ، ولذلك لما وصف عبد الله بن سلام في القرآن وصف بقوله : (وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ) [الرعد : ٤٣] وقوله : (وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ) [الأحقاف : ١٠] ، فلما كان المتحدث عنهم آنفا صاروا مؤمنين بمحمد صلىاللهعليهوسلم فقد انسلخ عنهم وصف أهل الكتاب ، فبقي الوصف بذلك خاصا باليهود والنصارى ، فلما دعا الله الذين اتبعوا المسيح إلى الإيمان برسوله محمد صلىاللهعليهوسلم ووعدهم بمضاعفة ثواب ذلك الإيمان ، أعلمهم أن إيمانهم يبطل ما ينتحله أتباع المسيحية بعد ذلك من الفضل والشرف لأنفسهم بدوامهم على متابعة عيسى عليهالسلام فيغالطوا الناس بأنهم إن فاتهم فضل الإسلام لم يفتهم شيء من الفضل باتباع عيسى مع كونهم لم يغيروا دينهم.
وقد أفاد هذا المعنى قوله تعالى : (لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللهِ).
قال الفخر : قال الواحدي : هذه آية مشكلة وليس للمفسرين كلام واضح في اتصالها بما قبلها اه أي هل هي متصلة بقوله : (يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ) [الحديد : ٢٨] الآية ، أو متصلة (فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ) إلى قوله : (وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [الحديد : ٢٧ ، ٢٨]. يريد الواحدي أن اتصال الآية بما قبلها ينبني عليه معنى قوله تعالى : (لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللهِ).
فاللام في قوله : (لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ) يحتمل أن تكون تعليلية فيكون ما بعدها معلولا بما قبلها ، وعليه فحرف (لا) يجوز أن يكون زائدا للتأكيد والتقوية.
والمعلّل هو ما يرجع إلى فضل الله لا محالة وذلك ما تضمنه قوله : (يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ) أو قوله : (فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ) إلى (غَفُورٌ رَحِيمٌ) [الحديد : ٢٧ ، ٢٨].
وذهب جمهور المفسرين إلى جعل (لا) زائدة. وأن المعنى على الإثبات ، أي لأن