يعلم ، وهو قول ابن عباس وقرأ ليعلم ، وقرأ أيضا لكي يعلم (وقراءته تفسير). وهذا قول الفرّاء والأخفش ، ودرج عليه الزمخشري في «الكشاف» وابن عطية وابن هشام في «مغني اللبيب» ، وهو بناء على أن (لا) قد تقع زائدة وهو ما أثبته الأخفش ، ومنه قوله تعالى : (ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا أَلَّا تَتَّبِعَنِ) [طه : ٩٢ ، ٩٣] وقوله : (ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ) [الأعراف : ١٢] وقوله : (فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ) [الواقعة : ٧٥] ونحو ذلك وقوله : (وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ) [الأنبياء : ٩٥] على أحد تأويلات ، وروي أن العرب جعلتها حشوا في قول الشاعر أنشده أبو عمرو بن العلاء :
أبى جوده لا البخل واستعجلت به |
|
«نعم» من فتى لا يمنع الجود قائله |
في رواية بنصب (البخل) ، البخل وأن العرب فسروا البيت بمعنى أبى جوده البخل(١).
والمعنى : على هذا الوجه أن المعلّل هو تبليغ هذا الخبر إلى أهل الكتاب ليعلموا أن فضل الله أعطي غيرهم فلا يتبجحوا بأنهم على فضل لا ينقص عن فضل غيرهم إذا كان لغيرهم فضل وهو الموافق لتفسير مجاهد وقتادة.
وعندي : أنه لا يعطي معنى لأن إخبار القرآن بأن المسلمين أجرين لا يصدّق به أهل الكتاب فلا يستقر به علمهم بأنهم لا فضل لهم فكيف يعلل إخبار الله به بأنه يزيل علم أهل الكتاب بفضل أنفسهم فيعلمون أنهم لا فضل لهم.
وذهب أبو مسلم الأصفهاني وتبعه جماعة إلى أن (لا) نافية ، وقرره الفخر بأن ضمير (يَقْدِرُونَ) عائد إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم والذين آمنوا به (أي على طريق الالتفات من الخطاب إلى الغيبة وأصله أن لا تقدروا) وإذا انتفى علم أهل الكتاب بأن الرسولصلىاللهعليهوسلم والمسلمين لا يقدرون على شيء من فضل الله ثبت ضد ذلك في علمهم أي كيف أن الرسول صلىاللهعليهوسلم والمسلمين يقدرون على فضل الله ، ويكون (يَقْدِرُونَ) مستعارا لمعنى : ينالون ، وأن الفضل بيد الله ، فهو الذي فضلهم ، ويكون ذلك كناية عن انتفاء الفضل عن أهل الكتاب الذين لم يؤمنوا بالرسول صلىاللهعليهوسلم.
ويرد على هذا التفسير ما ورد على الذي قبله لأن علم أهل الكتاب لا يحصل بإخبار.
__________________
(١) وروي البيت بخفض البخل فيكون (لا) محكية وهي مضافة إلى البخل ، أي لا التي تقال عند البخل بالبذل وهذا هو الظاهر لأنه مناسب لمقابلته بكلمة «نعم».