وقوله : (إِذْ أَنْشَأَكُمْ) ظرف متعلق ب (أعلم) ، أي هو أعلم بالناس من وقت إنشائه إياهم من الأرض وهو وقت خلق أصلهم آدم.
والمعنى : أن إنشاءهم من الأرض يستلزم ضعف قدرهم عن تحمل المشاق مع تفاوت أطوار نشأة بني آدم ، فالله علم ذلك وعلم أن آخر الأمم وهي أمة النبي صلىاللهعليهوسلم أضعف الأمم. وهذا المعنى هو الذي جاء في حديث الإسراء من قول موسى لمحمد عليهما الصلاة والسلام حين فرض الله على أمته خمسين صلاة «إن أمتك لا تطيق ذلك وإني جربت بني إسرائيل»
أي وهم أشد من أمتك قوة ، فالمعنى أن الضعف المقتضي لسعة التجاوز بالمغفرة مقرر في علم الله من حين إنشاء آدم من الأرض بالضعف الملازم لجنس البشر على تفاوت فيه قال تعالى : (وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً) [النساء : ٢٨] ، فإن إنشاء أصل الإنسان من الأرض وهي عنصر ضعيف يقتضي ملازمة الضعف لجميع الأفراد المنحدرة من ذلك الأصل. ومنه قوله النبي : «إن المرأة خلقت من ضلع أعوج».
وقوله : (وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ) يختص بسعة المغفرة والرفق بهذه الأمة وهو مقتضى قوله تعالى : (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) [البقرة : ١٨٥].
والأجنة : جمع جنين ، وهو نسل الحيوان ما دام في الرحم ، وهو فعيل بمعنى مفعول لأنه مستور في ظلمات ثلاث.
وفي (بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ) صفة كاشفة إذ الجنين لا يقال إلا على ما في بطن أمه. وفائدة هذا الكشف أن فيه تذكيرا باختلاف أطوار الأجنة من وقت العلوق إلى الولادة ، وإشارة إلى إحاطة علم الله تعالى بتلك الأطوار.
وجملة (فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ) اعتراض بين جملة (هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ) وجملة (أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى) [النجم : ٣٣] إلخ ، والفاء لتفريع الاعتراض ، وهو تحذير للمؤمنين من العجب بأعمالهم الحسنة عجبا يحدثه المرء في نفسه أو يدخله أحد على غيره بالثناء عليه بعمله.
و (تُزَكُّوا) مضارع زكى الذي هو من التضعيف المراد منه نسبة المفعول إلى أصل الفعل نحو جهّله ، أي لا تنسبوا لأنفسكم الزكاة.
فقوله : (أَنْفُسَكُمْ) صادق بتزكية المرء نفسه في سره أو علانيته فرجع الجمع في قوله : (فَلا تُزَكُّوا) إلى مقابلة الجمع بالجمع التي تقتضي التوزيع على الآحاد مثل : ركب القوم دوابهم.