ومتعلّق (يُوحى) محذوف تقديره : إليه ، أي إلى صاحبكم.
وترك فاعل الوحي لضرب من الإجمال الذي يعقبه التفصيل لأنه سيرد بعده ما يبينه من قوله : (فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى).
وجملة (عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى) إلخ ، مستأنفة استئنافا بيانيا لبيان كيفية الوحي.
وضمير الغائب في (عَلَّمَهُ) عائد إلى الوحي ، أو إلى ما عاد إليه ضمير (هُوَ) من قوله : (إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ). وضمير (هُوَ) يعود إلى القرآن ، وهو ضمير في محلّ أحد مفعولي (علّم) وهو المفعول الأول ، والمفعول الثاني محذوف ، والتقدير : علمه إياه ، يعود إلى (صاحِبُكُمْ) [النجم : ٢] ويجوز جعل هاء (عَلَّمَهُ) عائدا إلى (صاحِبُكُمْ) والمحذوف عائد إلى (وَحْيٌ) إبطالا لقول المشركين (إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ) [النحل : ١٠٣].
و (علّم) هنا متعدّ إلى مفعولين لأنه مضاعف (علم) المتعدي إلى مفعول واحد.
و (شَدِيدُ الْقُوى) : صفة لمحذوف يدل عليه ما يذكر بعد مما هو من شئون الملائكة ، أي ملك شديد القوى. واتفق المفسرون على أن المراد به جبريل عليهالسلام.
والمراد ب (الْقُوى) استطاعة تنفيذ ما يأمر الله به من الأعمال العظيمة العقيلة والجسمانية ، فهو الملك الذي ينزل على الرّسل بالتبليغ.
والمرّة ، بكسر الميم وتشديد الراء المفتوحة ، تطلق على قوة الذات وتطلق على متانة العقل وأصالته ، وهو المراد هنا لأنه قد تقدم قبله وصفه بشديد القوى ، وتخصيص جبريل بهذا الوصف يشعر بأنه الملك الذي ينزل بفيوضات الحكمة على الرسل والأنبياء ، ولذلك لما ناول الملك رسول الله صلىاللهعليهوسلم ليلة الإسراء كأس لبن وكأس خمر ، فاختار اللبن قال له جبريل : اخترت الفطرة ولو أخذت الخمر غوت أمتك.
وقوله : (فَاسْتَوى) مفرع على ما تقدم من قوله : (عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى).
والفاء لتفصيل (عَلَّمَهُ) ، والمستوي هو جبريل. ومعنى استوائه : قيامه بعزيمة لتلقي رسالة الله ، كما يقال : استقل قائما ، ومثل : بين يدي فلان ، فاستواء جبريل هو مبدأ التهيّؤ لقبول الرسالة من عند الله ، ولذلك قيد هذا الاستواء بجملة الحال في قوله : (وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى). والضمير لجبريل لا محالة ، أي قبل أن ينزل إلى العالم الأرضي.
والأفق : اسم للجو الذي يبدو للناظر ملتقى بين طرف منتهى النظر من الأرض وبين