هذه الأربعة هي أوائل الملموسات ، فالأوّليان منها (١) فعليّتان ، والأخرويان منها انفعاليّتان [والخشونة] وهي كيفيّة حاصلة من كون بعض الأجزاء أخفض وبعضهما أرفع (٢) [والملاسة] وهي كيفيّة حاصلة عن استواء وضع الأجزاء (٣) ، [واللّين] وهي كيفيّة
________________________________________
والجفاف ، والخشونة ، واللّين ، والصّلابة ، والخفّة ، والثّقل ، تدرك به بواسطة هذه الأربعة ، فهي ثوان في الإدراك بالنّسبة إلى هذه الأربعة.
(١) أي من الأربعة «فعليتان» ، أي مؤثّرتان في موصوفهما ، لأنّهما يقتضيان الجمع ، والتّفريق ، وهما فعلان ، لأنّ الحرارة كيفيّة من شأنها تفريق المختلفات ، وجمع المتشاكلات ، أمّا تفريقها للمختلفات فلأنّ فيها قوّة مصعدة ، فإذا أثّرت في جسم مركّب من أجزاء مختلفة باللطّافة والكثافة ، ولم يكن الالتيام بين بسائطها كالماء ، والنّار ، والتّراب ، والهواء ، انفعل منها ، فيتبادر للصّعود الألطف فالألطف دون الكثيف ، فيلزم منه تفريق المختلفات ، مثلا النّار إذا أضرمت بشجرة سالت منها الرّطوبة ، وخرج منها دخّان مرتفع إلى العلوّ ، وهو الهواء المشوب بالنّار ، وتبقى الأجزاء الكثيفة التّرابيّة ، فحرارة النّار الّتي تعلّقت بالشّجرة قد فرّقت المتخالفات المجتمعة في الشّجرة من النّار ، والهواء ، والماء ، والتّراب.
وأمّا جمعها للمتشاكلات فبمعنى أنّ الأجزاء بعد تفرّقها تجتمع مع أصولها مثلا ، الهواء والنّار الخارجتان من الشّجرة تصاعدان حتّى تصلا إلى كرة الهواء والنّار ، لو لم يعقهما عائق ، والماء يسيل حتّى يصل إلى البحر ، لو لم يعقه عائق ، والتّراب يقع في وجه الأرض ، فقد اجتمعت المتشاكلات.
وبالجملة إنّ البرودة كيفيّة من شأنها تفريق المتشاكلات وجمع المتخالفات.
وأمّا الأوّل : فكما في الطّين اللّين إذا يبس ، فإنّه ينشقّ لشدّة البرودة ، وكثيرا ما تنشقّ الأرض عند بلوغ البرودة غاية الشّدّة في الشّتاء.
وأمّا الثّاني : فكالجمع بين الرّطب واليابس ، ألا ترى أنّ البرودة في الشّتاء كيف تجمع الماء مع الحجر والخشب ونحوهما ، «والأخريان انفعاليان» ، لأنّهما يقتضيان تأثّر موصوفهما ، فيكون سهل التّشكل في الرّطوبة ، وصعبه في اليبوسة.
(٢) فيقال هذا القميص كالعباء النّائيني في الخشونة.
(٣) فيقال هذا الإبريق مثل البلّور في الملاسة.