يذكر في علم البديع (١) من نحو لقيت بزيد أسدا ، أو لقيني أسد ، فإنّ في هذه الثّلاثة (٢) دلالة على مشاركة أمر لأمر في معنى مع أنّ شيئا منها (٣) لا يسمّى تشبيها اصطلاحا وإنّما قيّد
________________________________________
التّشبيه المضمر في النّفس هو الأظفار ، ولا يخفى عليك أنّ الاستعارة بالكناية إنّما هي نفس إضمار التّشبيه ، لا إثبات الأظفار ، فإنّ إثباتها كما يأتي عن قريب استعارة تخييليّة ، والاستعارة بالكناية هنا هي استعارة المنيّة للسّبع ، ثمّ إثبات الأظفار للمنيّة استعارة تخييليّة.
(١) والمذكور في علم البديع أنّ التّجريد قسمان :
الأوّل : أن ينتزع من الشّيء شيء آخر مساو له في صفاته للمبالغة في ذلك الشّيء حتّى صار بحيث ينتزع منه شيء آخر مساو له في صفاته ، كقوله تعالى : (لَهُمْ فِيها دارُ الْخُلْدِ)(١) ، فإنّه مسوق لانتزاع دار الخلد من جهنّم ، وهي عين دار الخلد لا شبيهة بها ، وهذا ليس فيه مشاركة أمر لأمر آخر حتّى يحتاج لإخراجه ، فإنّ المجرّد عين المجرّد منه ، والمشاركة تقتضي المغايرة بين الشّيئين.
والثّاني : أن ينتزع منه المشبّه به ، نحو لقيت بزيد أسدا ، فإنّه لتجريد الأسد من زيد ، وأسد مشبّه به لزيد لا عينه ، ففيه تشبيه مضمر في النّفس ، فيحتاج إلى الاحتراز عنه ، ثمّ إخراجه إنّما هو بناء على أنّه لا يسمّى تشبيها اصطلاحا ، وهو الأقرب ، إذا لم يذكر فيه الطّرفان على وجه ينبئ عن التّشبيه ، وأمّا بناء على ما قيل من أنّه تشبيه ، حيث ذكر فيه الطّرفان فلا حاجة إلى إخراجه ، بل الواجب إدخاله لئلّا يبطل التّعريف طردا ، ثمّ أصل قوله : لقيت من زيد أسدا لقيت زيدا المماثل للأسد ، ثمّ بولغ في تشبيهه به حتّى أنّه جرّد من زيد ذات الأسد ، وجعلت منتزعة منه.
(٢) أي الاستعارتين والتّجريد.
(٣) أي مع أنّ شيئا من الثّلاثة لا يسمّى تشبيها في الاصطلاح ، أي لا يسمّى شيء منها تشبيها اصطلاحا فقدّم معمول يسمّى عليها ، ولو أخّره ليكون في حيّز النّفي لكان أوضح ، وإنّما لم يسمّ شيء من هذه تشبيها اصطلاحيّا. لأنّ التّشبيه في الاصطلاح ما كان بالكاف ونحوها لفظا أو تقديرا ، هذا ما ذهب إليه المصنّف ، وخالفه السّكاكي في التّجريد ، أعنى : ثالث الثّلاثة ،
__________________
(١) سورة فصّلت : ٢٨.