فإنّ فهم الجزء
(١) سابق على فهم الكلّ. قلت
: نعم (٢) ،
ولكنّ المراد هنا انتقال الذّهن إلى الجزء وملاحظته بعد فهم الكلّ.
________________________________________
متوقّف على أجزائه بحسب التحقّق الذّهني ، بمعنى أنّه ما لم يعرف أجزاء
الكلّ لا يمكن أن يعرف نفسه ، مثلا من لم يعرف مفهوم الجوهر ، والجسم المطلق ،
والجسم النّامي ، والحيوان النّاطق ، لا يمكن أن يعرف معنى الإنسان ، فمن أراد
تعليم الجاهل بمفهوم الإنسان لا بدّ أن يفسّر له أوّلا الجوهر بأنّه شيء إذا وجد
وجد في الخارج لا في الموضوع ، ثمّ يفسّر له الجسم المطلق بأنّه جوهر قابل لأبعاد
ثلاثة ، ثمّ يفسّر له الجسم النّامي بأنّه جوهر قابل لأبعاد ثلاثة نام ، ثمّ يفسّر
له الحيوان بأنّه جوهر قابل لأبعاد ثلاثة نام متحرّك بالإرادة ، ثمّ يفسّر له
النّاطق بأنّه ذات ثبت له النّطق ، أي قوّة مدركة للكلّيّات ، فوقتئذ يقول له : الإنسان
جوهر جسم نام حيوان ناطق ، فبعد ذلك عندما سمع لفظ الإنسان ينتقل منه أوّلا إلى
الجوهر ، ثمّ إلى الجسم ، ثمّ إلى النّامي ، ثمّ إلى الحيوان ، ثمّ إلى النّاطق ،
ثمّ إلى المجموع بالأسر ، فالقضيّة القائلة بأنّ دلالة اللّفظ على جزئه أوضح من
دلالته على جزء جزئه ممنوعة ، بل الأمر بالعكس ، لأنّ فهم الجزء سابق على فهم
الكلّ ، كما عرفت ، وما كان أسبق في الفهم فهو أوضح.
(١) أي فإنّ
فهم الجزء من اللّفظ الدّالّ على الكلّ سابق على فهم الكلّ ، ثمّ ما كان أسبق في
الفهم كان أوضح دلالة.
(٢) أي نسلّم
أن الأمر ، وإن كان بالعكس ، بمعنى أنّ فهم جزء الجزء مقدّم على فهم الجزء ، فإنّ
الكلّ متوقّف على الجزء بحسب الوجود الخارجي ، وبحسب الوجود الذّهني معا بالبيان
المتقدّم ، إلّا أنّ القوم اصطلحوا على أنّ التّضمّن هو فهم الجزء بعد فهم الكلّ ،
ففهمه قبل فهم الكلّ ليست دلالة تضمنيّة.
توضيح ذلك :
أنّ السّامع عندما سمع لفظ إنسان مثلا ، وكان عارفا بمعناه يحصل في نفسه ترتيبان :
ترتيب صعودي ، وترتيب نزولي ، والأوّل مقدّم على الثّاني تصوّرا ، فإنّ ذهنه أوّلا
ينتقل من لفظ إنسان إلى الجوهر ، ثمّ إلى الجسم المطلق ، ثمّ إلى الجسم النّامي ،
ثمّ إلى الحيوان ، ثمّ إلى النّاطق ، ثمّ إلى مجموع الحيوان والنّاطق ، وهذا
المجموع هو معنى الإنسان وبعد صعود ذهنه من الجوهر على التّرتيب المذكور ، إلى هذا
المجموع يشرع في الدّخول في التّرتيب الثّاني نازلا ، بمعنى أنّه يبني على أنّ
المتكلّم أراد تفهيم المجموع ، وأراد تفهيم