[نحو : (أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ)(١) (١)] فإنّه لمّا كأن ممّا يوهم أن يكون ذلك لضعفهم دفعه بقوله : (أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ) تنبيها (٢) ، على أنّ ذلك (٣) تواضع منهم للمؤمنين ، ولهذا عدّي الذّلّ بعلى لتضمّنه (٤) معنى العطف ، ويجوز أن يقصد بالتّعديّة بعلى الدّلالة على أنّهم مع شرفهم وعلوّ طبقتهم ، وفضلهم على المؤمنين خافضون (٥) لهم أجنحتهم.
________________________________________
(١) تمام الآية ، (أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ) ، والشّاهد في قوله : (أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ) ، حيث أوتي به لدفع إيهام خلاف المقصود ، وتوضيح ذلك أنّ (أَذِلَّةٍ) من التّذلّل والخضوع ، لا من الذّلّة والهوان ، ولما كان ممّا يوهم أن يكون ذلك الوصف لضعفهم ، والإيهام نظرا إلى ظاهر لفظ الذّلّ من غير مراعاة قرينة المدح ، أو نظرا إلى أنّ شأن المتذلّل أن يكون ضعيفا أوتي بقوله : (أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ) لدفع ذلك الوهم ، أي القوم ، أقوياء وأشدّاء على الكافرين ، فتذلّلهم للمؤمنين ليس لضعفهم ، وعدم قوّتهم بل تواضعا منهم للمؤمنين ، والتّذلّل مع التّواضع إنّما يكون عن رفعة.
(٢) عّلة لقوله : «دفعه».
(٣) أي وصفهم بالذّلّة تواضع من القوم للمؤمنين ، فلو اقتصر على وصفهم بالذّلّة لتوهّم أن ذلّتهم لضعفهم ، فلمّا قال : (أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ) دلّ على أن الذّلّة تواضع منهم.
(٤) أي لتضمّن الذّل معنى العطف ، بمعنى العطوفة والرّحمة ، كأنّه قيل عاطفون وارحمون عليهم على وجه التّذلّل والتّواضع ، وإلّا فهو يتعدّى باللّام يقال : ذلّ له.
(٥) أي باسطون لهم جانبهم ، وحاصل هذا الوجه : أنّه لا يراعي التّضمين في الذّلّة بل تبقى الذّلّة على معناها ، وإن فهم من القرائن أنّها عن رحمة ، إلّا أنّه على نحو تعدّد الدّالّ والمدلول ، وإنّما ارتكب التّجوّز في لفظ على باستعماله موضع اللّام للإشارة إلى أنّ لهم رفعة واستعلاء على غيرهم من المؤمنين ، وأنّ تذلّلهم تواضع منهم لا عجز.
والفرق بين الوجهين :
أنّ محطّ التّصرف في الأوّل هو الفعل ، وفي الثّاني وبعبارة أخرى هو وجود التّضمين في الفعل ، وانتفاؤه على الثّاني ، وإنّما استعمل الحرف موضع حرف آخر.
__________________
(١) سورة المائدة : ٥٤.