أحدهما مع الواو (١) ، والآخر بدونه (٢) ، واقتصر في المنفي بلمّا على ما هو بالواو ، وكأنّه (٣) لم يطّلع على مثال ترك الواو ، إلّا أنّه (٤) مقتضى القياس ، فقال [وقوله : (أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ)(١) (٥) ،
________________________________________
(١) أي وهو (وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ) في المثال الآتى.
(٢) أي بدون الواو وهو (لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ) في المثال الآتى.
(٣) أي كأنّ المصنّف لم يطّلع على مثال ترك الواو ، أي الاقتصار في النّفي بلمّا على مثاله بذكر الواو ، نشأ من عدم إطّلاع المصنّف على مثاله بتركها ، مع أنه مقتضى القياس.
(٤) أي ترك الواو مقتضى القياس ، فقوله : «إلّا أنّه ... ، جواب سؤال مقدّر وهو أن يقال : إذا لم يطّلع المصنّف على مثال ترك الواو ، فلماذا ادّعى فيه جواز ترك الواو ، ولم يقتصر على ادّعاء جواز تركها ، كما اقتصر على مثال ذكرها.
فأجاب بأنّ ادّعاء جواز تركها إنّما نشأ من اقتضاء القياس إيّاه وعدم الإطّلاع على مثاله لا يوجب عدم اقتضاء القياس حتّى يقتصر على ادّعاء جوازه ، كما اقتصر على مثاله ، فثبوت الاقتضاء دليل على ثبوت الادّعاء.
(٥) والشّاهد في قوله تعالى حكاية عن مريم : (وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ) حيث وقع موضع الحال مقترنا مع الواو ، فيكون هذا مثالا للمنفي بلم مع الواو.
لا يقال : إنّ عدم مساس البشر إيّاها لم ينتقل ، فكيف أورده ههنا مع أنّ الكلام في الأحوال المنتقلة.
لأنّا نقول : إنّ الحال المنتقلة هي الّتي تكون من الأعراض المفارقة ، ولا تكون من الصّفات اللّازمة ، وعدم المسّ المذكور من هذا القبيل إن لم ينفكّ عنها.
فإن قلت : عدم مسّ البشر ماض ، والعامل وهو يكون مستقبلا ، فلا مقارنة بين الحال وعاملها.
قلت : التّقدير كيف يكون لي غلام ، والحال إني أعلم حينئذ أنّي لم يمسسني بشر فيما مضى ، هكذا قيل ، ولكن يمكن أن يقال : إنّ قوله تعالى : (وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ) وإن كان ناطقا بعدم المسّ في الماضي إلّا أنّ هذا العدم يستمرّ إلى زمان تكوين الولد فتحصل المقارنة.
__________________
(١) سورة مريم : ٢٠.