بخلاف العقل فإنّه إذا خلّي و (١) نفسه لم يحكم بذلك ، وذلك (٢) [بأن (٣) يكون بين تصوّريهما شبه (٤) تماثل ، كلونيّ (٥) بياض وصفرة ، فإنّ الوهم يبرزهما في معرض
________________________________________
الخمس كجواسيسه ، وتتأدّى إليه صور المحسوسات ، وتجتمع تلك الصّور في خزانته ، وهي الخيال ، هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى إنّ صور الموهومات والمعقولات إنّما تنتزع من تلك الصّور الكائنة في الخيال ، أعني صور المحسوسات ، فمن هاتين النّاحيتين نسبوا الجمع بسبب تقارن الصّور إلى الخيال.
فالضّابط في الجامع : أنّ الجمع إمّا بسبب التّقارن في خزانة الصّور أوّلا ، فالأوّل هو الخياليّ ، والثّاني إمّا أن يكون بواسطة أمر يناسب الجمع ، ويقتضيه بحسب نفس الأمر ، فهو العقليّ ، وإلّا فهو الوهميّ ، فالجامع ليس جامعا في الواقع ، بل باعتبار أنّ الوهم جعله جامعا.
(١) أي إذا خلّي العقل مع نفسه بأن لم يتبع الوهم ولم يستمع إلى مقالته التّزوريّة «لم يحكم بذلك» ، أي باجتماع الجملتين ، فالواو في قوله : «ونفسه» بمعنى مع.
نعم ، لو تبع العقل عن الوهم لحكم بذلك الاجتماع تبعا له.
(٢) أي وجود الجامع الوهميّ بين الشّيئين.
(٣) أي الباء للبيان والتّصوير ، أي الجامع الوهميّ مصوّر بأن يكون «تصوّريهما» أي الجملتين «شبه تماثل».
(٤) أي وقد عرفت أنّ المراد بالتّماثل اتّحاد الأمرين في الماهيّة مع اشتراكهما في أظهر الصّفات ، والمراد بشبهه كما سيظهر لك اشتراك الأمرين في أظهر الصّفات من دون الاتّحاد في الماهيّة النّوعيّة ، ولا ريب أنّ حضور أحدهما ليس عين حضور الآخر في المفكّرة واقعا ، لكنّ الوهم يحتال ويبرزهما في معرض المثلين فيحكم بأنّ حضور أحدهما في المتخيّلة عين حضور الآخر.
(٥) الإضافة بيانيّة ، أي كلونين هما بياض وصفرة ، فبينهما جامع وهميّ ، فيصحّ العطف في قولنا : بياض الفضّة يذهب الغمّ وصفرة الذّهب تذهب الهمّ ، فبياض الفضّة وصفرة الذّهب ليسا متماثلين لعدم صدق تعريف التّماثل السّابق عليهما ، متضادّين ، لأنّهما الأمران الوجوديّان اللّذان بينهما غاية الخلاف كالسّوادّ والبياض ، وليس بين البياض والصّفرة غاية الخلاف ، فلا يكونان ضدّين ، وإنّما كان بين البياض والصّفرة أيضا شبه تماثل ، لأنّ الوهم يبرزهما في