شأن تلك الجثث الزواكي ولم يهتدوا لمعرفتها لأن الرءوس قد فصلت عنها وبينما هم كذلك اذ أطل عليهم الامام زين العابدين فأوقفهم على شهداء أهل البيت وغيرهم من الأصحاب ، وبادر الى حمل جثمان أبيه فواراه في مثواه الأخير وهو يذرف أحر الدموع قائلا :
«طوبى لأرض تضمنت جسدك الطاهر ، فان الدنيا بعدك مظلمة والآخرة بنورك مشرقة ، أما الليل فمسهد ، والحزن سرمد أو يختار اللّه لأهل بيتك دارك التي أنت بها مقيم ، وعليك مني السلام يا ابن رسول اللّه ورحمة اللّه وبركاته».
ورسم على القبر الشريف هذه الكلمات : «هذا قبر الحسين بن علي بن أبي طالب الذي قتلوه عطشانا غريبا» ودفن عند رجلي الامام ولده علي الأكبر ، ودفن بقية الشهداء الممجدين من هاشميين وغيرهم في حفرة واحدة ، وانطلق الامام زين العابدين مع الأسديين الى نهر العلقمي فواروا قمر بني هاشم العباس بن أمير المؤمنين ، وجعل الامام يبكي احر البكاء قائلا :
«على الدنيا بعدك العفا يا قمر بني هاشم ، وعليك مني السلام من شهيد محتسب ورحمة اللّه وبركاته» (١).
وأصبحت تلك القبور الطاهرة رمزا للكرامة الانسانية ، ورمزا لكل تضحية تقوم على العدل يقول العقاد : «فهي اليوم مزار يطيف به المسلمون متفقين ومختلفين ومن حقه أن يطيف به كل انسان لأنه عنوان قائم لأقدس ما يشرف به هذا الحي الآدمي من بين سائر الأحياء
فما اظلت قبة السماء مكانا لشهيد قط هو اشرف من تلك القباب
__________________
(١) مقتل الحسين للمقرم (ص ٣٩٧ ـ ٣٩٨)