في ظهره وضربه ضربة غادرة بالسيف على رأسه ففلق هامته ، واعتق علي فرسه يظن انه يرجعه إلى أبيه ليتزود بالنظر إليه ، إلا ان الفرس حمله الى معسكر الأعداء فأحاطوا به من كل جانب ولم يكتفوا بقتله وانما راحوا يقطعونه بسيوفهم اربا اربا تشفيا منه لما الحقه بهم من الخسائر الفادحة ، ونادى علي رافعا صوته :
«عليك مني السلام أبا عبد اللّه ، هذا جدي رسول اللّه قد سقاني بكأسه شربة لا اظمأ بعدها ، وهو يقول : إن لك كأسا مذخورة».
وحمل الأثير هذه الكلمات الى أبيه الثاكل الحزين فقطعت قلبه ومزقت احشاءه ففزع إليه وهو خائر القوى منهد الركن فانكب عليه ، ووضع خده على خده ، وهو جثة هامدة قد قطعت شلوه السيوف في وحشية قاسية ، فأخذ يذرف أحر دموعه وهو يقول بصوت خافت قد لفظ شظايا قلبه فيه :
«قتل اللّه قوما قتلوك ، يا بني ما اجرأهم على اللّه ، وعلى انتهاك حرمة الرسول على الدنيا بعدك العفا» (١).
وهرعت إليه الفتية من عمومته وأبناء عمومته فالقوا بنفوسهم عليه وهم يوسعونه تقبيلا ويلثمون جراحاته ، ويقسمون على أن يمضوا على ما مضى عليه ، وأمرهم الامام أن يحملوه إلى المخيم.
وهرعت الطاهرة البتول حفيدة النبي (ص) زينب (ع) فانكبت على جثمان ابن أخيها تضمخه بدموعها ، وتندبه بأشجى ما تكون الندبة ، وقد انهارت امام ابن أخيها الذي كان قبل ساعة يملأ العين اهابه ، وأثر منظرها الحزين في نفس الامام فجعل يعزيها بمصابها الأليم ، وهو يردد :
«على الدنيا بعدك العفا».
__________________
(١) تأريخ ابن الأثير ٣ / ٢٩٣ ، نسب قريش (ص ٥٧)