فجزاكم اللّه جميعا خيرا ، ثم تفرقوا في سوادكم ومدائنكم حتى يفرج اللّه فان القوم انما يطلبونني ، ولو اصابونني لهوا عن طلب غيري» (١).
وتمثلت روعة الايمان بهذا الخطاب العظيم الذي كشف جانبا كبيرا عن نفسية الامام رائد الكرامة الانسانية ، فقد تجنب في هذا الموقف الدقيق جميع الوان المنعطفات ، فجعل أصحابه وأهل بيته أمام الأمر الواقع وحدد لهم النتيجة التي لا مفر منها وهي القتل والتضحية وليس هناك شيء آخر غيرها .. وقد رغب أن يخلوا عنه ، وينصرفوا تحت جنح الظلام فيتخذون منه ستارا دون كل عين فلعلهم يخجلون أن يبتعدوا عنه في ضوء النهار ، أو انهم يخشونه فجعلهم في حل من التزاماتهم تجاهه ، وعرفهم
__________________
(١) ابن الاثير ٣ / ٢٨٥ ، المنتظم لابن الجوزي ، وروي كلامه بصورة اخرى فقد جاء في مقتل الحسين لعبد اللّه ، انه (ع) قال : انتم في حل من بيعتي فالحقوا بعشائركم ومواليكم ، وقال لأهل بيته : قد جعلتكم في حل من مفارقتي فانكم لا تطيقوهم لتضاعف اعدادهم وقواهم وما المقصود غيري فدعوني والقوم فان اللّه عز وجل يعينني ولا يخليني من حسن نظره كعادته مع اسلافنا الطيبين ، ففارقه جماعة من معسكره فقال له اهله : لا نفارقك ويحزننا ما يحزنك ، ويصيبنا ما يصيبك ، وانا اقرب ما تكون الى اللّه اذا كنا معك ، فقال لهم : إن كنتم وطنتم انفسكم على ما وطنت نفسي عليه ، فاعلموا ان اللّه انما يهب المنازل الشريفة لعباده لاحتمال المكاره ، وان اللّه كان خصني مع من مضى من اهلي الذين أنا آخرهم بقاء في الدنيا من الكرامات بما يسهل علي معها احتمال المكروهات فان لكم شطرا من كرامات اللّه ، واعلموا ان الدنيا حلوها ومرها حلم والانتباه في الآخرة والفائز من فاز فيها والشقي من شقي فيها.