ووقع صريعا على
الأرض قد تناهبت السيوف والرماح جسمه مشى إليه الامام مع حبيب بن مظاهر وكان البطل
يعاني آلام الاحتضار ، فطلب منه حبيب أن يوصي إليه بما أهمه ، فقال له بصوت خافت
حزين النبرات :
«أوصيك بهذا ـ وأشار الى الامام ـ أن
تموت دونه»
أي وفاء هو معرض للزهو والفخار مثل هذا
الوفاء؟ لقد أعطى لأجيال الدنيا الدروس في الولاء الباهر للحق ، فهو في لحظاته
الأخيرة ، وحشرجة الموت في صدره لم يفكر الا بالامام ، وأعرض عن كل شيء في حياته.
وهذا البطل العظيم سويد بن أبي المطاع
الذي هو من أنبل الشهداء وأصدقهم في التضحية هوى جريحا في المعركة فتركه الأعداء ،
ولم يجهزوا عليه لظنهم انه قد مات ، فلما تنادوا بمصرع الامام لم يستطع أن يسكن
لينجو ، فقام والتمس سيفه فاذا هم قد سلبوه ، ونظر الى شيء يجاهد به فوقعت يده على
مدية ، فأخذ يوسع القوم طعنا فذعروا منه ، وحسبوا أن الموتى أعيدت لهم حياتهم
ليستأنفوا الجهاد ثانيا مع الامام ، فلما تبين لهم ان الأمر ليس كذلك ، انعطفوا
عليه فقتلوه ، فكان ـ حقا ـ هذا هو الوفاء في اصحاب الامام حتى الرمق الأخير من
حياتهم.
ولم يقتصر هذا الوفاء على الرجال ، وانما
سرى إلى النساء اللاتي كن في المعركة ، فكانت المرأة تسارع إلى ابنها تتضرع إليه
ليستشهد بين يدي الامام ، والزوجة تسارع الى زوجها ليدافع عن الامام ، وهن لم
يحفلن بما يصيبهن من الثكل والحداد.
ومما يثير الدهشة ان الاطفال من الأسرة
النبوية قد اندفعوا نحو الامام وهم يقبلون يديه ورجليه ليمنحهم الأذن في الشهادة
بين يديه ،
__________________