من مدلول العامّ والمخصّص اللبّي عنوانا برأسه ملحوظا لتعليق الحكم به من حيث هو ، وهذا هو مبنيّ على كون مرجع التخصيص بذلك المخصّص إلى تخصيص المادّة في العامّ الّتي ورد عليها الهيئة المفيدة للعموم باعتبار وضعها لغة أو عرفا ، وهذا غلط لأنّ التخصيص المذكور لا يفيد إلاّ خروج الفرد عن مدلول الهيئة ولا يوجب تقييد المادّة ، بل قد عرفت أنّ المخصّصين في الكشف عن إرادة المتكلّم في مرتبة واحدة ولا ترتّب بينهما ، ضرورة أنّ « أكرم العلماء » قبل الاطّلاع عليهما كان شاملا للاصوليّين بجميع أفراده شموله للنحويّين بجميع أفراده.
بتقريب : أنّ المادّة في « العلماء » اخذت مطلقة والهيئة اعتبرت في المادّة المطلقة فأفادت العموم في أفراد كلّ من الصنفين فإذا حصل الإجماع على حرمة إكرام النحويين كشف عن خروج أفراد هذا الصنف عن مدلول الهيئة ، لا أنّه يوجب تقييدا في المادّة مستلزما لورود الهيئة من أوّل الأمر على المقيّد ، وإذا ورد الخاصّ الآخر في قوله : « لا تكرم الاصوليّين » كشف أيضا عن خروج أفراد هذا الصنف أيضا من مدلول الهيئة ، فهما معا كاشفان عمّا هو المراد من « العلماء » من حين صدوره من معناه المجازي ، لا أنّ الأوّل يوجب تقييدا فورد الثاني على المقيّد ، كيف ولو صحّ احتمال التقييد هنا فهو متساوي النسبة إلى كلّ منهما حيث لا ترتّب بينهما ، فيوجب كلّ منهما تقييدا بحسبه ، وقضيّة الجمع بين التقييدين كون المراد من العامّ « العلماء الغير النحويّين والاصوليّين » فلم يحصل هناك مفهومان متنافيان ، وهكذا يقال أيضا فيما لو خصّ بمتّصل كالاستثناء ثمّ ورد عليه مخصّص منفصل آخر بالبيان المتقدّم وإن كان طريق توهّم التقييد هنا أوضح.
وثانيهما : أن تكون النسبة بين المتعارضات مختلفة ، بأن يكون بين أحدها وآخر عموم مطلق ثمّ بينه وبين الثالث عموم من وجه وهكذا ، ويسهّل العلاج هنا بأن تلاحظ المتعارضات فإن كان فيها ما يقدّم على بعض منها إمّا لمزيّة في الدلالة كالنصّ والظاهر أو الأظهر والظاهر أو لمرجّح آخر قدّم ما حقّه التقديم ، ثمّ يلاحظ مع ثالث فإن كانت النسبة الاولى باقية عمل بحسبها من الجمع أو الترجيح أو الوقف ، وإن كانت منقلبة عمل بحسبها أيضا من أحد الوجوه المذكورة ، فقد لا تكون منقلبة كـ « أكرم العلماء » و « يستحبّ إكرام الاصوليّين » و « لا تكرم الفسّاق » فإذا خصّص الأوّل بالثاني كان النسبة بين العلماء بعد إخراج الاصوليّين منه وبين الفسّاق أيضا عموما من وجه ، إذ كما أنّ العالم المطلق أعمّ من وجه من الفاسق