مضمون واحد ، فإنّ ذلك لا يخرج عن حدّ التعارض بين دليلين ، بتقريب : أنّ العبرة في التعارض تنافي المدلولين ، والمدلول في المفروض لا يزيد على إثنين وإن كان الدالّ على أحدهما في أحد الجانبين أكثر منه في الجانب الآخر ـ بل المراد بالأكثريّة ما هو بحسب المدلول والمضمون بحيث رجع التعارض إلى تنافي مداليل ثلاث أو أزيد كوجوب شيء وحرمته وكراهته واستحبابه.
وبالجملة محلّ البحث هنا ما لو وقع التعارض بين ثلاثة أو أربعة أخبار مختلفة المضامين ، وهذا على قسمين :
أحدهما : أن يكون النسبة بين المتعارضات واحدة من تبائن أو عموم من وجه أو عموم مطلق.
ومن أمثلة الأوّل : ما لو قال في خبر : « يجب إكرام العلماء » وفي آخر : « يحرم إكرام العلماء » وفي ثالث : « يكره إكرام العلماء » وفي رابع : « يستحبّ إكرام العلماء ».
ومن أمثلة الثاني : ما لو ورد في خبر : « يجب إكرام العلماء » وفي آخر : « يحرم إكرام الفسّاق » وفي ثالث : « يكره إكرام الشعراء » فإنّ بين كلّ مع الآخر عموما من وجه فيجتمع الكلّ في العالم الفاسق الشاعر.
ومن أمثلة الثالث : ما لو ورد في خبر : « يجب إكرام العلماء » وفي آخر : « يكره إكرام الحكماء » وفي ثالث : « يحرم إكرام فسّاقهم » فإنّ الثاني أخصّ من الأوّل والثالث أخصّ منهما إن جعل الضمير للاصوليّين (١) وإن جعل للعلماء يكون أخصّ من العلماء والثاني أخصّ منهما.
وهذا القسم ممّا لا كلام فيه ولا إشكال في حكمه بعد ما علم حكم التعارض وعلاجه في الخبرين من الترجيح أو التخيير في المتبائنين ، والعمل بكلّ منهما في مادّة افتراقهما والتوقّف في مادّة اجتماعهما للإجمال في العامّين من وجه ، وإرجاع العامّ إلى الخاصّ بالتخصيص في العامّ والخاصّ فيخصّص كلّ عامّ بالخاصّ المقابل له ولو كان العامّ واحدا وقابله خاصّان خصّص بهما معا إن لم يستلزم محذورا ، كما لو ورد « أكرم العلماء » وورد « يستحبّ إكرام الاصوليّين » و « يكره إكرام النحويّين » فيحمل العامّ على إرادة إكرام غير الاصوليّين والنحويّين من العلماء ، بخلاف ما لو استلزم محذورا كما لو قال : « أكرم العلماء »
__________________
(١) كذا في الأصل ، والصواب : « للحكماء » بدل « للاصوليّين ».