نعم إنّما يتبعّض الدلالة بحسب إرادة المتكلّم بإرادة بعض الأفراد دون بعض ، وهذا هو الّذي يوجب الإجمال عند فقد القرينة على التعيين ، غير أنّه من لوازم الأخذ بالسندين لا من آثار طرح أحدهما بالقياس إلى بعض مدلول العامّ.
وبالجملة التفكيك بين أفراد العامّ في الصدور وبالنسبة إلى السند بأن يؤخذ به بالنسبة إلى مورد الافتراق ويطرح بالنسبة إلى مورد الاجتماع غير معقول ، هذا على القول بكون العمل بالأخبار من باب الطريقيّة وظنّ الصدق ورجحان الصدور.
وأمّا على القول به من باب التعبّد الصرف فقد يظنّ جواز التفكيك وإمكان التبعيض ، لجواز أن يتعبّدنا الله سبحانه بأخذ السند في بعض المدلول دونه في البعض الآخر ، غير أنّه سهو لأنّ التعبّد بالخبر عبارة عن التعبّد بمدلوله من دون نظر فيه إلى الواقع ولا إلى أنّه صدر أو لا؟ فالتفكيك هنا في الحقيقة راجع إلى المدلول ولا كلام فيه لا إلى السند والصدور.
وأمّا الثاني : فلأنّ الأخذ بالسندين لا يستتبع خروجا عن مقتضى أدلّة حجّية الظاهر ، بأن يلزم معه طرح ظاهر لا يلزم طرحه على تقدير طرح أحد السندين ، إذ على التقديرين لا بدّ من الأخذ بظاهر واحد ، وهو ظاهر أحد المتعارضين معيّنا على تقدير طرح أحد السندين ، أو مردّدا فيه بين هذا وذاك على تقدير الأخذ بالسندين ، فلم يتفاوت الحال بينهما بالقياس إلى أدلّة حجّية الظاهر لتكون تلك الأدلّة مانعة عن الأخذ بالسندين.
فإن قلت : إنّ المقتضي للأخذ بهما معا غير موجود لما تقدّم الإشارة إليه في مسألة تعارض الصدور مع جهة الصدور من الإيراد على من قدّم مرجّح جهة الصدور على مرجّح الصدور استنادا إلى أدلّة التعبّد بالسند والحكم بالصدور ، من أنّ هذا تعبّد بالسند لأجل إبطال العمل بالرواية بسبب حملها على التقيّة وهذا غير مفيد ولم يظهر من أدلّة السند شمولها لنحو هذا التعبّد به بل هو في معنى الطرح له ، لأنّ أدلّة التعبّد به إنّما أوجبته ليظهر فائدته في العمل بالدلالة والأخذ بالمدلول ، بل لا معنى لوجوب تصديق الراوي العدل في روايته إلاّ وجوب الأخذ بمضمون خبره ومدلول روايته ، وهذا بعينه يرد عليك هنا لأنّك تعبّدت بالسندين لأجل إبطال العمل بالدلالة وإهمال المدلول فيهما معا ، فلم يظهر من أدلّة السند شمولها لمثل ذلك ، لوضوح أنّ الأخذ بالسندين إن كان للعمل بهما في غير محلّ التعارض ـ كمادّتي افتراقهما إن كانا عامّين من وجه ، والقدر المشترك بين مضمونيهما وهو مطلق الرجحان إن كانا نظير « اغتسل » و « ينبغي » ـ فهو ليس من المتنازع فيه ، لأنّ القائل