وأدلّة الحجّية أيضا إنّما دلّت على وجوب العمل بكلّ واحد لا بشرط انضمام العمل بالآخر ولا بشرط عدمه ، والامتناع إنّما ينشأ من فرض الانضمام لا مطلقا.
وقضيّة ذلك سقوط الوجوب عن العمل بأحدهما لطروّ الامتناع له بعد ثبوته ، لا عدم ثبوت الوجوب له رأسا ، فلا يلزم خروج من مقتضى أدلّة الحجّية بالنسبة إلى شيء من المتعارضين لا بعنوان التخصيص ولا بعنوان التخصّص.
وبالجملة خروج الفرد عن العامّ بالتخصيص أو التخصّص دفع لحكم العامّ عن الفرد ومنع لثبوته له ابتداء ، وسقوطه عن الفرد بعد ثبوته لطروّ الامتناع رفع له وهو فرع اندراجه تحته وشموله له ، نظير من وجب عليه الصلاة أوّل الوقت لاجتماعه شرائط الاختيار ثمّ طرأه في أثناء الوقت عذرا أوجب سقوط الوجوب عنه.
فظهر من جميع ما قرّرناه أنّ القول بأنّ الأصل في المتعارضين خروجهما عن الحجّية من جهة عدم تناول أدلّة الحجّية ليتفرّع عليه القول بأنّ الأصل في عنوان « التعادل » التساقط بإطلاقه ليس بسديد.
نعم ربّما يتّجه ذلك فيما كان من الأدلّة الغير العلميّة حجّيته منوطة بالظنّ الشخصي كالشهرة والأولويّة الظنّية بل خبر الواحد والإجماع المنقول إن قلنا بالحجّية فيهما من باب الظنّ المطلق استنادا إلى دليل الانسداد ، أو غيره ممّا يفيد إناطة الحجّية بالظنّ الاطمئناني الّذي لا يكون إلاّ فعليّا ، فإنّ التعارض الواقع بينهما على هذا التقدير أوجب عدم حصول الظنّ الشخصي منهما فيخرجان عن الحجّية رأسا لفقدهما ما هو مناط الحجّية فيتساقطان ، كما أومأنا إليه أيضا في مفتتح الباب عند بيان عدم وقوع التعارض بين ظنّيين شخصيّين كالقطعيّين ، بل ما ذكرناه من التساقط لخروجهما عن الحجّية على التقدير المذكور من متفرّعات هذه القاعدة.
ثمّ بعد ما ثبت أنّ الأصل في المتعارضين على وجه التعادل ليس هو التساقط بقول مطلق ، وهل الأصل فيهما حينئذ مع قطع النظر عن الأدلّة الخاصّة هو التخيير مطلقا أو التوقّف كذلك؟
فقد يقال : بأنّ الأصل هو التخيير تنظيرا للمتعارضين بالواجبين المتزاحمين كإنقاذ الغريق وإطفاء الحريق في موضع مزاحمة أحدهما للآخر أو لمثله بحيث لم يمكن الجمع بينهما في الامتثال لاتّفاقهما في زمان واحد ، فكما أنّ العقل المستقلّ لا يجوّز تركهما معا