لا يقال : يتمّ في الأموات بالإجماع المركّب كما هو كذلك في العمل برواياتهم ، فإنّ المستدلّين بالآية لاثبات حجّية خبر الواحد لا يفرّقون في العمل بالرواية بين حياة الراوي ومماته ولا جهة له إلاّ الإجماع المركّب.
لأنّ الإجماع المركّب إنّما يسلّم في الرواية وأمّا الفتوى فإن لم ندّع الإجماع على الفرق ـ كما يرشد إليه الإجماعات المنقولة على منع تقليد الميّت ـ فلا أقلّ من كون القول به مشهورا ، وإن لم ندّع الشهرة أيضا فلا أقلّ من دعوى وجود قائل به بل مصير جماعة إليه.
ومع هذا كلّه فكيف يعقل الإجماع على عدم الفرق بين العمل بفتوى الحيّ والعمل بفتوى الميّت.
ولو سلّم عدم ظهورها في العمل بفتاوى المنذرين في حال حياتهم فلا نسلّم أيضا ظهورها في الإطلاق ، فيكون مفادها وجوب العمل بفتاوى المنذرين على وجه الاهمال ، ومن حكم القضيّة المهملة وجوب الأخذ فيها بالقدر المتيقّن وهو هنا فتاوى الأحياء والرجوع في غيره وهو فتاوى الميّت إلى الأصل المنحلّ إلى اصول متعدّدة حسبما قرّرناها في بيان مستند القول المختار.
ولو سلّم الإطلاق فوجب الخروج عنه بتخصيص الآية بالأحياء بالإجماعات المنقولة المتقدّمة المعتضدة بالشهرة العظيمة القريبة من الإجماع ، بل ظهور إجماع السلف على المنع مع اعتضادها بالاعتبار المتقدّم القاضي بزوال الظنّ بالموت.
وأمّا آية الكتمان ، فيرد عليها :
أوّلا : أنّ دلالتها على وجوب القبول والعمل ليست بطريق المطابقة بل بطريق الالتزام ، للملازمة بين وجوب إظهار الهدى ووجوب قبوله الّذي هو التقليد عرفا أو عقلا ، بتقريب : أنّه لو لا جواز القبول لزم خروج الاظهار لغوا خاليا عن الفائدة وهو قبيح ، فيكون الأمر به أمرا بالقبيح وهو قبيح مناف للحكمة ، وهذا المدلول الالتزامي أمر معنويّ لا لفظ فيه ليكون عنوانا للعموم أو الإطلاق.
فأقصى ما يسلّم فيه ثبوته على طريقة القضيّة المهملة ، فيجري فيها ما تقدّم من وجوب الأخذ بالقدر المتيقّن والرجوع في غيره إلى الأصل.
وثانيا : أنّه على تقدير ثبوت الإطلاق يجب الخروج عنه في الأموات بما مرّ من الإجماعات واعتضاداتها.