وربّما احتمل التخيير كما عن النهاية وشرح الزبدة ، لأنّ مناط التقليد وهو العلم والورع موجود فيهما ولا ترجيح لأحدهما فيما يتعلّق بالاجتهاد الّذي هو العلم.
احتجّوا بوجوه منها : أنّ البراءة اليقينيّة من التكليف بالتقليد الثابت يقينا إنّما تحصل بالرجوع إلى الأورع دون غيره.
ومنها : أنّ قوّة الظنّ في جانب الأورع دون غيره ، والعمل بأقوى الظنّين واجب.
ومنها : حصول الرجحان المقتضي لقبح ترجيح المرجوح عليه ، لوضوح أنّ زيادة الورع مزيّة فيه موجبة لرجحانه.
ومنها : ما في مقبولة عمر بن حنظلة ورواية داود بن حصين من الأمر بالرجوع إلى أورعهما ، وما في خبر موسى بن اكيل من الأمر بتقديم أعدلهما ، بناء على أنّ الأعدل والأورع هنا بمعنى.
ولا خفاء في ضعف ما عدا الأوّل من الوجوه المذكورة.
وتحقيق المقام بحسب بادئ النظر : أنّ زيادة الورع إذا لم يكن لها تأثير في الملكة وقوّة الاستنباط الّتي عليها مدار التقليد بعد حصول أصل العدالة ولم توجب الأعلميّة بمعنى أقوائيّة ملكة الاستنباط فلم يعقل
تأثيره في الحكم المتعلّق بالتقليد ، وكونها مزيّة في الأورع لا يقضي برجحانه من حيث مقام الإفتاء وإن كان راجحا في حدّ ذاته ، وذلك كما لو كان المجتهد هاشميّا.
اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ زيادة الورع تدعو صاحبها إلى مزيد الاهتمام في استفراغ الوسع والنظر والتأمّل أزيد من القدر المتعارف المكتفى به عند أهل الاجتهاد ، ويلزم منه كون فتواه أقرب إلى الواقع بالنظر إلى فتوى غيره وإن لم توجب أقوائيّة الملكة وازدياد القوّة.
غاية الأمر أنّ التقريب إلى الواقع له أسباب منها زيادة الورع الباعثة على مزيد الاهتمام في استفراغ الوسع ، هذا مضافا إلى أنّها في الأورع مزيّة يحتمل كونها مرجّحة في نظر الشارع ، وقد أشرنا سابقا إلى أنّ الأمارتين المتعارضتين إذا اشتمل إحداهما على ما يحتمل كونه مرجّحا في نظر الشارع لا يحكم العقل فيهما بالتخيير ، فيدور الأمر حينئذ بين التعيين والتخيير فيرجع إلى أصالة الاشتغال المقتضية للتعيين ، فالقول بوجوب الرجوع إلى الأورع لا يخلو عن قوّة بل متعيّن.
الثالثة : أن يتعارض الأورعيّة والأعلميّة ففي تعيّن الرجوع إلى الأعلم ـ كما عن