الأمر الثاني : فيمن عجز عن العلم في مسائل الاصول كلّها أو بعضها مع التمكّن من الظنّ ، فالكلام فيه تارة في الموضوع من حيث إمكان تحقّقه ، فهو على حسبما بيّنّاه في مسألة التخطئة والتصويب في العقليّات من إمكان وجود القاصر فيما بين نوع المكلّفين فلا حاجة إلى إعادة البحث هنا.
واخرى في حكمه التكليفي من حيث إنّه بعد اليأس من العلم هل يجب عليه تحصيل الظنّ بالواقع ثمّ التديّن به ، أو لا بل يجب عليه الوقف؟ فالظاهر هنا عدم وجوب تحصيله ، إذ التكليف بالإيمان سقط بفرض تعذّر العلم حذرا عن التكليف بما لا يطاق والتكليف بالظنّ ممّا لا دليل عليه ، ولا مجرى لدليل الانسداد هنا لفرض عدم ثبوت التكليف بالواقع مع العجز عن الوصول إليه ، فلا مناص من الوقف عملا بعموم قوله عليهالسلام : « إذا جاءكم ما لا تعلمون » وغير ذلك ممّا تقدّم في أوائل باب الاجتهاد عند البحث مع الأخباريّين في مسألة حجّية الظنّ.
ومن مشايخنا من قال : « لو رجع الجاهل بحكم هذه المسألة إلى العالم ووجد العالم منه التمكّن من تحصيل الظنّ بالحقّ ولم يخف عليه إفضاء نظره الظنّي إلى الباطل فلا يبعد وجوب إلزامه بتحصيله ، لأنّ انكشاف الحقّ ولو ظنّا أولى من البقاء على الشكّ فيه ».
وثالثة في حكمه الوضعي من حيث الكفر وعدمه ، فظاهر طائفة من الأخبار أنّه مع الجحود والإنكار لما هو ضابط الإسلام كافر ، ومع الإقرار بما هو مناط الإسلام ليس بكافر وإن لم يكن مؤمنا أيضا ، فيكون من المرجين لأمر الله إمّا يعذّبهم وإمّا يتوب عليهم.
ففي رواية : « لو أنّ الناس إذا جهلوا وقفوا ولم يجحدوا لم يكفروا » ورواية محمّد بن مسلم : « قال سأل أبو بصير أبا عبد الله عليهالسلام قال : ما تقول فيمن شكّ في الله؟ قال : كافر يا أبا محمّد ، قال : فشكّ في رسول الله؟ قال : كافر ، ثمّ التفت إلى زرارة فقال : إنّما يكفر إذا جحد ».
ورواية زرارة الواردة في تفسير قوله تعالى : ( وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللهِ ) عن أبي جعفر عليهالسلام قال : قوم كانوا مشركين فقتلوا مثل حمزة وجعفر وأشباههما من المؤمنين ، ثمّ أنّهم دخلوا الإسلام فوحّدوا الله وتركوا الشرك ولم يعرفوا الإيمان بقلوبهم فيكونوا مؤمنين فيجب لهم الجنّة ، ولم يكونوا على جحودهم فيكفروا فيجب لهم النار ، فهم على تلك الحالة إمّا يعذبهم وإمّا يتوب عليهم ».
وظاهر الرواية الاولى أنّ المتوقّف الّذي لا يقرّ ولا يجحد أيضا لا يحكم بكفره ، وعليه