الوسع في تتبّع اصول المسائل وفروعها الجزئيّة لضبط موارده ومعرفة كيفيّته وإحراز انتفاء احتمال الحرمة الذاتيّة في كلّ مسألة حاول فيها العمل بالاحتياط ، ومعرفة عدم كون الاحتياط في كلّ مورد في ترك الاحتياط ، ولو سلّم عدم الحاجة في إحراز جميع ذلك إلى وجود ملكة الاستنباط فلا أقلّ من أن يكون ممّن له حظّ وافر من العلم.
فتلخّص من ذلك أنّ العامي البحت لا حظّ له في العمل بالاحتياط على الوجه الكلّي ، ورجوعه إلى مجتهد أو عالم آخر لإحراز الامور بتلقين ذلك المجتهد وتعليمه إيّاه يوجب العدول من الطريق الأسهل إلى الأشقّ ، ضرورة أنّ التقليد الكلّي أسهل بمراتب من هذا الأخذ والتعلّم الّذي هو مقدّمة للعمل بالاحتياط كما لا يخفى.
وثانيها : أنّه قد عرفت على ما برهنّاه على جواز العمل بالاحتياط أنّ الجهة المجوّزة له في نظر العقل كونه براءة يقينيّة وامتثالا علميّا ، فليكن هذا هو معيار العمل لمن حاوله ، وعليه فيعتبر فيه كونه بحيث يطمئنّ على نفسه بعدم الخطأ في تشخيص مورده وكيفيّته لئلاّ يعمل به في غير مورده أو على غير كيفيّته ، بأن يقطع في كلّ واقعة عمد إلى العمل به فيها بكونها مورده ، ويقطع أيضا بالكيفيّة الخاصّة الّتي هي كيفيّته الواقعيّة في خصوص المورد ، ولم يحتمل في حقّه الخطأ في المقامين ، وإلاّ لم يكن ما يستعمله براءة يقينيّة فلا يجوز الاجتزاء به عن طريقه المجعول الّذي هو مبرئ يقيني أعني الاجتهاد أو التقليد ، ولا يجوز أن يقاس في محلّ عدم الأمن من الخطأ على طريق الاجتهاد الّذي هو أيضا غير مأمون من الخطأ بتوهّم أنّ الخطأ كما أنّه معفوّ ومغتفر في الاجتهاد فكذلك في طريق الاحتياط ، لوضوح الفرق بين المقامين بقيام الدلالة القاطعة على العفو والاغتفار في المقيس عليه دون المقيس ، لكون الدليل على مشروعيّته هو العقل وحكمه بها منوط بكونه براءة يقينيّة ، فمع احتمال الخطأ لا حكم للعقل بسلوكه فضلا عن حكمه بالعفو واغتفار الخطأ على تقدير وقوعه.
وثالثها : أنّ ما عرفته من عنوان المسألة وتحقيق الحال فيها إنّما هو في الشبهات الحكميّة الّتي يرجع فيها إلى الاجتهاد أو التقليد ، والظاهر أنّه لا فرق في مشروعيّة الاحتياط وجواز سلوكه بينها وبين الشبهات الموضوعيّة ، فمن اشتبه عليه القبلة وكانت مردّدة بين جهتين معيّنتين بحيث يقطع بعدم خروجها عنهما وتمكّن من الاجتهاد المورث للظنّ بها يجوز له العدول من الاجتهاد إلى العمل بالاحتياط بتكرار الصلاة إلى الجهتين لأنّه براءة يقينيّة ومؤدّ إلى المأمور به الواقعي ، وكذلك الكلام في مسألة اشتباه الثوب الطاهر بالثوب