الإمامة من تمام الدين ، ولم يمض عليهالسلام حتّى بيّن لامّته معالم دينهم ، وأوضح لهم سبيله ، وتركهم على قصد الحقّ ، وأقام لهم عليّا عليهالسلام علما وإماما ، وما ترك شيئا يحتاج إليه الامّة إلاّ بيّنه ، فمن زعم أنّ الله عزّ وجلّ لم يكمل دينه فقد ردّ كتاب الله عزّ وجلّ ، ومن ردّ كتاب الله عزّ وجلّ فهو كافر ، فهل يعرفون قدر الإمامة ومحلّها من الامّة فيجوز فيها اختيارهم ، إنّ الإمامة أجلّ قدرا وأعظم شأنا وأعلى مكانا وأمنع جانبا وأبعد غورا من أن تبلغه الناس بأبعد عقولهم أو أن ينالوها برأيهم أو يقيموا إماما باختيارهم ، إنّ الإمامة خصّ الله عزّ وجلّ بها إبراهيم الخليل عليهالسلام بعد النبوّة والخلّة مرتبة ثالثة وفضيلة شرّفه بها ، وأشاد بها ذكرها ، إنّ الإمام اسّ الإسلام النامي وفرعه السامي ، بالإمام تمام الصلاة والزكاة والصيام والحجّ والجهاد ، وتوفير الفيء والصدقات ، وإمضاء الحدود من الأحكام ، ومنع الثغور والأطراف ، الإمام يحلّ حلال الله ويحرّم حرام الله ، ويقيم حدود الله ، ويذبّ عن دين الله ، ويدعو إلى دين ربّه بالحكمة والموعظة الحسنة والحجّة البالغة ، الإمام واحد دهره لا يدانيه أحد ، ولا يعادله عالم ، ولا يؤخذ منه بدل ، ولا له مثل ونظير ، مخصوص بالفضل كلّه من غير طلب منزلة ولا اكتساب ، بل اختصاص من المفضّل الوهّاب ، راموا إقامة الإمام بعقول حائرة بائرة ناقصة وآراء مضلّة ، فلم يزدادوا منه إلاّ بعدا ، قاتلهم الله أنّى يؤفكون ، لقد راموا صعبا وقالوا إفكا ، وضلّوا ضلالا بعيدا ، ووقعوا في الحيرة إذ تركوا الإمام عن بصيرة ، وزيّن لهم الشيطان أعمالهم فصدّهم عن السبيل ، وكانوا مستبصرين رغبوا عن اختيار الله واختيار رسوله صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى اختيارهم ، والقرآن يناديهم ( وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحانَ اللهِ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ )(١) إنّ العبد إذا اختاره الله عزّ وجلّ لامور عباده شرح صدره لذلك ، وأودع قلبه ينابيع الحكمة ، وألهمه العلم إلهاما ، فلم يعي بعده بجواب ولا يحير فيه عن الصواب ، وهو معصوم مؤيّد موفّق مسدّد ، قد أمن الخطأ والزلل والعثار ، خصّه الله بذلك ليكون حجّة على عباده ، وشاهدا على خلقه ، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم » (٢).
وعن الكافي عن داود بن فرقد قال حدّثني رجل عن سعيد بن أبي الخضيب البجلّي قال : كنت مع ابن أبي ليلى مزاملة حتّى جئنا إلى المدينة ، فبينا نحن في مسجد الرسول إذ
__________________
(١) القصص : ٦٨.
(٢) أمالي الصدوق : ٥٣٦ ، ح ١.