سنة فضلا عن خمسمائة سنة.
وأمّا الاستدلال بعدم علم الصحابة بتلك الأدلّة والدقائق والجواب عن شبهات الفلاسفة.
ففيه : أنّه إن اريد من الصحابة الجبت والطاغوت وأتباعهما فهم لم يكونوا عالمين بها بل بما دونها ، وإن اريد بهم الوصيّ وأبا ذر وسلمان ومقداد وأضرابهم فهم كانوا عالمين بها بل بما فوقها فلا اعتداد بعدم علم الطائفة الاولى ، على أنّ في أصل إيمان هؤلاء بل وإسلامهم ألف كلام.
وبالجملة نحو الكلمات المذكورة في الضعف والسقوط بمثابة لا ينبغي الإصغاء إليها.
وإذا ظهر بطلان الوجه الثاني يظهر منه بطلان الوجهين الآخرين أيضا إذا التخيير بين العلم وخلافه غير معقول ، لأن غير الواقع في اصول الدين ممّا لم يتعلّق بالاعتقاد به غرض الشارع أيضا فيقبح أخذه طرفا للتخيير ، غاية ما هنالك أنّ من لم يتمكّن من العلم لقصوره ونحوه لا تكليف عليه في اصول الدين ، لا أنّ تكليفه في الاعتقاد المخالف جزما أو ظنّا.
ومن هنا ظهر سقوط احتمال الوجه الأخير ، إذ غاية ما يلزم من عدم التمكّن من العلم في الواقع إنّما هو سقوط التكليف رأسا لا تعلّقه بما ليس بمطلوب للشارع أصلا ، فالقاصرون من الكفّار لعدم تماميّة الحجّة عليهم لا تكليف عليهم في موارد قصورهم بالواقع لا أنّهم مكلّفون بخلاف الواقع.
فظهر أنّ ما عليه الجمهور من إثبات الإثم على المخطىء في العقائد عن نظر واجتهاد لتقصيره وعدم استيفائه النظر وعدم استفراغه الوسع في طلب الأدلّة القاطعة الموصلة إلى الواقع أوفق بالصواب.
لكن هذا كلّه في كلّيات المعارف واصولها الكلّية من نحو وجود الباري عزّ وجلّ وتوحيده وصفات كماله الراجعة إلى العلم والقدرة ونفي الحدوث ، والحاجة بنبوّة نبيّنا وما جاء به من الله ، وإمامة الأئمّة الاثني عشر عليهمالسلام ومعاد الآخرة في الجملة وغير ذلك ممّا يمتاز به فرق الكفر عن أهل الإسلام ، وأمّا جزئيّاتها وتفاصيلها الّتي يختصّ الخلاف بها بالمسلمين على فرقهم المختلفة كتجرّده تعالى وعينيّة صفاته وعدم إمكان رؤيته وعدم جسميّته وعدم كونه خالقا لأفعال العباد ، وصفات النبيّ والوصيّ وغير ذلك ممّا لا يحكم بكفر مخالف الواقع ومنكر الحقّ فيها بالذات ـ وإن كان قد يكفر لعارض مثل صيرورته