من بالغ في الطلب والبحث فنمنع أنّه قتله ، سلّمنا قتله لكن نمنع عقابه.
ومنها : إجماع المسلمين على قتال الكفّار وعلى أنّهم من أهل النار ، ولو كانوا غير آثمين لما شاع ذلك ، هذا على ما في النهاية وغيرها.
وفي شرح العضدي : « إجماع المسلمين قبل ظهور المخالف على قتل الكفّار وقتالهم وعلى أنّهم من أهل النار يدعونهم بذلك إلى النجاة ، ولا يفرّقون بين معاند ومجتهد ، بل يقطعون بأنّهم لا يعاندون الحقّ بعد ظهوره لهم ، بل يعتقدون دينهم الباطل عن نظر واجتهاد.
واعترض عليه : بأنّ الجهاد مع الكفّار من الأحكام الثابتة لهم في الدنيا وهو لا يستلزم تعذيب الغير المقصّر منهم في الآخرة.
وأمّا الإجماع على أنّهم من أهل النار فنمنع في غير المقصّرين منهم للزوم الظلم عليه تعالى.
ومنها : قوله سبحانه ( ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ ) (١) ( وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ )(٢)( خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ )(٣) وذمّ المكذّبين للرسول ممّا لا ينحصر في الكتاب والسنّة.
واعترض عليه تارة : بأنّه غير مفيد للقطع ، لجواز التخصيص بغير المجتهد منهم ، واخرى : بأنّ الآيات وردت في ذمّ الكافر ، والكفر لغة : الستر ، وهو لا يتحقّق إلاّ في المعاند الّذي عرف الدليل ثمّ أنكره ، أو المقلّد الّذي يعرف أنّه لا يعرف الدليل على صحّة الشيء ثمّ يقول به ، أمّا العاجز المتوقّف الّذي بالغ في الطلب ولم يصل فلا يكون ساترا لما ظهر عنده فلا يكون كافرا.
ومنها : قوله تعالى : ( وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا )(٤) والمراد بـ « فينا » : في سبيلنا ، بشهادة « سبلنا » وعمومها يعمّ الاصول وغيرها ، فإذا جاهد الجاهل ونحوه في الله يهتدي إلى الإسلام فإذا لم يهتد يتبيّن كونه مقصّرا.
واعترض عليه : بأنّ المجاهدة مفاعلة مستلزم لاثنين وحملها على الجدّ والاجتهاد مجاز لا يصار إليه إلاّ بدليل ، فالمعنى : الّذين يدافعون الخصماء من شياطين الجنّ والإنس ونحوهما لنرشدنّهم إلى سبلنا ولنعينّنهم على دفاع الأعداء ، وأكثر هذه الأدلّة عدا الدليل الأوّل وإن احتمل كبرويّة النزاع إلاّ أنّه أمكن إرجاعها بقرينة اعتراضاتها إلى الصغرى.
__________________
(١) ص : ٢٧.
(٢) فصلت : ٢٣.
(٣) البقرة : ٧.
(٤) العنكبوت : ٦٩.