الشرعيّة وأدلّتها وكونها مفيدة لها شرعا وذلك يتوقّف على معرفة الله تعالى ، فإنّ معرفة الحكم الشرعي بدون معرفة الشارع محال.
ولا يذهب عليك أنّ تحصيل هذا الشرط على وجه يترتّب عليه الغرض المطلوب منه بالقياس إلى الامور المذكورة لا يستدعي لزوم مراجعة الكتب الكلاميّة ، ولا الخوض في علم الكلام والتبحّر فيه ، واستقصاء مسائله بالقراءة والمذاكرة والمناظرة لأهلها على وجه يصير متكلّما كما نصّ عليه غير واحد ، فإنّ الّذي يتقوّم به الشرطيّة من مسائله على قسمين :
أحدهما : المعارف الخمس وما يتعلّق بها ، بل بعض المعارف لا كلّها كما لا يخفى ، وهذا القسم ما يكفي فيه الإجمال الّذي يتيسّر حصوله لعامّة المكلّفين من غير حاجة إلى الخوض في الفنّ ومزاولة كتبه بالقراءة وغيرها ، ولذا كان هذا ما يشترك فيه العالم والعامي ، وهذا هو معنى ما في كلام غير واحد من أنّ كلّ ذلك بالدليل الإجمالي وإن لم يقدر على التحقيق والتفصيل.
وثانيهما : المسائل المتفرّقة المعبّر عنها عند الاصوليّين بالمبادئ الأحكاميّة ، كوجوب شكر المنعم ، والتحسين والتقبيح العقليّين ، وقبح التكليف بما لا يطاق ، وامتناع اجتماع الأمر والنهي ، وعدم جواز الأمر مع علم الآمر بانتفاء الشرط ، وجواز التعليق من العالم بالعواقب وعدمه ، وكون الامتناع بالاختيار منافيا للاختيار ، وقبح الخطاب بما له ظاهر وإرادة خلافه بلا بيان عند الحاجة إليه ، إلى غير ذلك ممّا لا يخفى على الخبير البصير.
وهذا القسم ما يكفي فيه تعرّض الاصوليّين له والبحث عنه بجميع خصوصيّاته في الكتب الاصوليّة على وجه أبسط ونمط أوفى ومعه يرتفع الحاجة إلى مراجعة فنّ آخر ، مع عدم ورود عنوان أكثر المذكورات في غير الكتب الاصوليّة.
وعلى ما ذكرنا يمكن حمل كلام المنكر لشرطيّة علم الكلام ، وعليه فلا مشاحّة ويعود النزاع لفظيّا.
ولا يذهب عليك أيضا أنّ في إطلاق القول بشرطيّة المعارف الخمس نوع مسامحة إذ الموقوف عليه منها للاجتهاد بعضها كما أشرنا إليه أيضا ، وهذا البعض هو الّذي فصّلته العبارة المحكيّة عن العدّة قائلة : « وذلك نحو العلم بالله تعالى وصفاته وتوحيده وعدله.
وإنّما قلنا ذلك لأنّه متى لم يكن عالما بالله لم يمكن أن يعرف النبوّة ، لأنّه لا يأمن أن يكون الّذي يدّعي النبوّة كاذبا ، ومتّى عرفه ولم يعرف صفاته وما يجوز عليه وما لا يجوز