جواهر الكلام - ج ٣٠

الشيخ محمّد حسن النّجفي

« وإن مات وعليه دين قومت على ابنها ، فان كان ابنها صغيرا انتظر به حتى يكبر ثم يجبر على قيمتها » ‌وهو مع ضعفه سندا ودلالة معارض بغيره مما عرفته وتعرفه ضرورة كون المقام غير مقامه ، وإنما ذكر المصنف ذلك كله مقدمة لقوله ولو كان ثمنها دينا فتزوجها المالك وجعل عتقها مهرها ثم أولدها وأفلس بثمنها ومات بيعت في الدين.

( وهل يعود ولدها رقا؟ قيل ) والقائل الشيخ وابنا الجنيد والبراج : ( نعم ) هو رق للمولى الأول بل وامه كذلك أيضا ( لرواية هشام بن سالم ) (١) له صحيحا عن الصادق عليه‌السلام في موضع من التهذيب ، وفي آخر عن أبي بصير (٢) عن الصادق عليه‌السلام قال : « سئل وأنا حاضر عن رجل باع من رجل جارية بكرا إلى سنة فلما قبضها المشتري أعتقها من الغد وتزوجها ، وجعل مهرها عتقها ، ثم مات بعد ذلك بشهر ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : إن كان الذي اشتراها له مال أو عقدة تحيط بقضاء ما عليه من الدين في رقبتها فان عتقه ونكاحه جائز ، وإن لم يملك مالا أو عقدة تحيط بقضاء ما عليه من الدين في رقبتها كان عتقه ونكاحه باطلا لأنه عتق مالا يملك ، وأرى أنها رق لمولاها الأول ، قيل له : وإن كانت علقت من الذي أعتقها وتزوجها ما حال ما في بطنها؟ فقال : الذي في بطنها مع أمه كهيئتها ».

( و ) لكن مع ذلك ( الأشبه ) بأصول المذهب وقواعده ( أنه لا يبطل العتق ولا النكاح ، ولا يرجع الولد رقا ) وفاقا لابن إدريس وأكثر المتأخرين ( لتحقق الحرية فيهما ) والحر لا يعود رقا ، والخبر مطرح أو محمول على ما في القواعد من حمل عود الرق فيه على وقوع العتق في مرض الموت والفرض عدم الثلث له ، لاستغراق الدين ، وإن كان فيه أن ذلك يفسد عتقها لا حرية الولد ، إلا أن يحمل قوله عليه‌السلام : « كهيئتها » على المساواة في الحرية ، لكنه بعيد جدا من اللفظ ومن انكشاف عدم الحرية.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٥ ـ من كتاب العتق الحديث ١.

(٢) التهذيب ج ٨ ص ٢١٣ الرقم ٧٦٢.

٢٦١

أو على ما عن بعضهم من وقوع العتق مضارا ، فلا ينفذ لخلوه عن القربة حينئذ وإن كان فيه أيضا أن ذلك لا يتم في الولد.

أو على ما عن آخر من كون البيع فاسدا وعلم المشتري بذلك على وجه يكون زانيا ، فإنه حينئذ يفسد العتق والنكاح ، ويكون الولد رقا ، وإن أورد عليه في كشف اللثام بأنه لا جهة لفساده إلا أن يقال : إنه حينئذ سفيه لا ينفذ عتقه ولا عقده ، وفي غيره بأنه لا وجه للتقسيم حينئذ في الخبر ، قلت : يمكن أن يكون وجه الفساد اعتبار وجود المقابل في صحة الاستدانة ولو بطريق الشراء نسيئة كما ذهب إليه بعض الأفاضل من مشايخنا ، أو اعتبار العزم على الأداء كما سمعته في كتاب القرض وغيره ولم يكن عازما بقرينة مبادرته للإعتاق مع علمه بعدم شي‌ء عنده ، ولعل هذا وسابقه أولى من جميع ما ذكر في تأويله ، بل يمكن إرادة القائل بالفساد ذلك. ومنه يعلم ما في كشف اللثام من ان الأجود طرحه ، لأن الخبر لضعفه ومخالفته الأصول لا يصلح للعمل ، وكأنه تبع بذلك ثاني الشهيدين في المسالك ، فإنه طعن في صحتها باشتراك أبي بصير بين الثقة وغيره وباضطرابها ، لأن الشيخ ـ ره ـ تارة رواها عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه‌السلام من غير واسطة ، واخرى عن أبي بصير ، فهي مضطربة الإسناد ، فلا تكون حجة كما قرر في علم دراية الحديث ، ثم قال : فإذا كانت الرواية هكذا حالها لم يصعب اطراحها في مقابلة الأمور القطعية التي تشهد لها الأصول الشرعية ، وقد يناقش بمنع اشتراك أبي بصير بين الثقة وغيره ، بل كل منهما ثقة كما حر في محله ، ولو سلم فالخبر صحيح أو موثق ، وكل منهما حجة ، فالأولى تأويلها بما سمعت.

ثم لا يخفى أن اللائق بالعمل بالخبر المزبور الجمود على ما فيه من القيود المحتمل مدخليتها في الحكم المزبور ، ولعل إطلاق الشيخ الثمن مع كونه في الرواية نسيئة للقطع عنده بعدم احتمال المدخلية ، فضلا عن احتمال مدخلية خصوص النسيئة ، كالقطع بعدم اعتبار البكارة ، بل لم يعتبر الشيخ الحمل ، فلم يفرق بين موته وهي حامل أو بعد وضعها ، مع احتمال الفرق بتبعية الحمل للحامل في كثير من الأحكام أو مطلقا عند قوم ، اللهم إلا أن يقطع في خصوص المقام بذلك ، ضرورة عدم الفرق‌

٢٦٢

في حريته بين كونه حملا أو مولودا ، نعم يتجه الفرق بين الأمة والعبد ، فلو اشتراه نسيئة أو مطلقا وأعتقه لم يعد رقا ، هذا كله مع العمل بالخبر المزبور ، لا على ما ذكرناه من الوجه في تأويله ، أما عليه فلا فرق بين جميع ذلك كله ، كما أنه لا إشكال في شي‌ء منه على من أطرح الخبر المزبور ، كما هو واضح ، والله العالم. كل ذلك في العتق من الطواري‌

( أما البيع )

( فإذا باع المالك الأمة ) المزوجة بعبد مملوك للبائع أو غيره أو لهما أو حر كلا أو بعضا من واحد أو متعدد ( كان ذلك كالطلاق ) بلا خلاف ، بل الإجماع بقسميه عليه ، مضافا إلى‌ خبر الحسن بن زياد (١) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل اشترى جارية يطأها فبلغه أن لها زوجا ، قال : يطؤها ، فإن بيعها طلاقها ، وذلك أنهما لا يقدران على شي‌ء من أمرهما إذا بيعا » وصحيح عبد الرحمن (٢) « سأله عليه‌السلام عن الأمة تباع ولها زوج ، فقال : صفقتها طلاقها » وصحيح محمد بن مسلم (٣) عن أحدهما عليهما‌السلام « طلاق الأمة بيعها أو ربيع زوجها ، وقال في الرجل يزوج أمته رجلا حرا ثم يبيعها ، قال : هو فراق ما بينهما إلا أن يشاء المشتري أن يدعهما » وحسنة بريد وبكير عن الباقر والصادق عليهما‌السلام (٤) « من اشتري مملوكة لها زوج فان بيعها طلاقها ، فان شاء المشتري فرق بينهما ، وإن شاء على نكاحهما ».

( و ) منه يعلم إرادة أن ( المشتري بالخيار بين إمضاء العقد وفسخه ) من حمل الطلاق على البيع فيه وفي غيره ، مضافا إلى‌ خبر الكناني (٥) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « إذا بيعت الأمة ولها زوج فالذي اشتراها بالخيار ، إن شاء فرق بينهما ، وإن شاء تركها معه ، فان هو تركها معه فليس له أن يفرق بينهما بعد ما أمضي ، قال : وإن بيع العبد فان شاء مولاه الذي اشتراه أن يصنع مثل ما صنع صاحب‌

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ـ ٤٧ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ٢ ـ ٣ ـ ١ ـ ٤‌ « وإن شاء تركهما على نكاحهما ».

(٥) الوسائل الباب ـ ٤٨ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ١.

٢٦٣

الجارية فذلك له ، وإن هو سلم فليس له أن يفرق بينهما بعد ما سلم » ‌لا أنه طلاق حقيقة ، بل ولا أنه في حكم الطلاق من حرمة المواقعة وغيرها قبل أن يفسخ المشتري إلا أن يشاء المشتري إبقاء العقد وإن كان هو أقرب إلى الحمل والتشبيه ، بل هو ظاهر خبر ابن زياد وصحيح ابن مسلم ، فيكون شبه الفضولي قبل الإجازة بمعنى احتياج الصحة فيه إلى إنشاء الرضا دون الفساد ، فإنه يكفي فيه عدم إنشاء الرضا أو شبه الطلاق الرجعي المتوقف تحقق الرجعة فيه على إنشائها ، دون مضي الطلاق الذي يكفي فيه عدم إنشاء ما يقتضي الرجوع ، بل لعله لا ينافي ذلك الخبران بعد أن كان التفريق يكفي فيه عدم إرادة إبقاء العقد ، فتجتمع حينئذ جميع النصوص على معنى واحد ، خصوصا بعد تعذر العمل على ظاهري خبري التخيير المقتضي توقف إمضاء العقد على إرادة إمضائه المخالف لمقتضى الخيار ، ضرورة كون المحتاج فيه إلى الإنشاء الفسخ خاصة دون الإمضاء الذي يكفي فيه العقد الأول ، كما في سائر أفراد الخيار لكن الإجماع ظاهرا على كون المراد بذلك الخيار منع منه ، فان تم كان هو الحجة وحينئذ فالنكاح باق إلا أن يفسخ كغيره من أفراد النكاح ذي الخيار وإلا كان الأقوى ما عرفت.

وعلى كل حال فما‌ في الخبر البصري (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في الرجل يبتاع الجارية ولها زوج حر ، قال : لا يحل لأحد يمسها حتى يطلقها زوجها الحر » ‌قاصر عن معارضة ما عرفت من وجوه ، فيجب حمله على صورة إقرار المشتري الزوج على عقده أو تخصيصه باختيار المشتري الفسخ أو غير ذلك ، لقوة تلك الأدلة المؤيدة بتضرر المالك بالتزامه ببقاء النكاح الذي من المحتمل اعتبار استدامة الملك في مضيه.

ومن ذلك وما هو كالتعليل في خبر زياد (٢) يعلم عدم الفرق في الحكم المزبور بين البيع وغيره من الناقل الاختياري ، بل والقهري كالإرث ، ضرورة كون المنشأ في ذلك تجدد المالك ، بل لأنه يحتمل ثبوته للبائع لو عاد إليه ولو بفسخ أو إقالة.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٤٧ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ٢ والثانى خبر ابن زياد.

٢٦٤

ولو أوقف العبد المتزوج مثلا على الفقراء أو على جهة عامة وقلنا بانتقال العين الموقوفة كذلك لله أو للفقراء احتمل أن الخيار بيد الحاكم ، وكذا لو دفعه إلى الحاكم خمسا للسادة أو زكاة للفقراء ، ويحتمل العدم اقتصارا فيما خالف الأصل على المتيقن ، ولعل الأول لا يخلو من قوة ، ولو دفعه الحاكم إلى خصوص فقير احتمل أيضا كون الخيار له ، لتجدد ملك للشخص غير ملك الجنس ، فيثبت الخيار حينئذ له وإن كان قد أمضاه الحاكم من قبل ، فتأمل جيدا.

ثم لا فرق في ذلك بين أفراد النكاح ، لأن ثبوته في الأقوى يقتضي ثبوته في الأضعف بالطريق الأولى ، والتشبيه بالطلاق لا يقتضي اختصاصه فيما يقبله ، بل الظاهر عدم ثبوت الخيار في التحليل منه ، لانقطاع الاذن بانتقال الملك ، فيحتاج حينئذ إلى عقد جديد ، نعم لو كان منقطعا ففسخ المشتري قبل مضى المدة احتمل رجوع الزوج على البائع بما قابل المدة من المهر ، وفيه إشكال يعرف مما قد مناه سابقا ، بل وفي الفسخ قبل الدخول فضلا عن ذلك.

( و ) كيف كان فـ ( خياره على الفور ) وحينئذ ( فإذا علم ولم يفسخ لزم العقد ) بلا خلاف في الظاهر كما اعترف به في الرياض ، بل فيه أن ظاهرهم الإجماع عليه ، لخبر الكناني (١) مؤيدا بما دل من النصوص (٢) على أن سكوت الموالي بعد بلوغهم تزويج عبيدهم إجازة ، وبقاعدة الاقتصار على المتيقن ، واندفاع الضرر معها ، ودلالة التأخير على الرضا ، لكن الجميع كما ترى غير صالح لقطع الاستصحاب وتقييد الإطلاق ، والمراد بتركها معه في خبر الكناني إن شاء الإبقاء الذي يؤول إلى إسقاط حق الفسخ وهو غير ما نحن فيه ، نعم إن تم الإجماع كان هو الحجة وإلا كان للنظر فيه مجال ، ومن هنا اتجه بقاء الخيار مع الجهل به ، كما صرح به عن غير واحد ، بل في الرياض نفي الخلاف عنه ، بل لا يبعد إلحاق الجهل‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤٨ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء.

٢٦٥

بالفورية به أيضا وفاقا لبعضهم ، للأصل والإطلاق السالمين عن معارضة الإجماع هنا قطعا.

( وكذا حكم العبد إذا كان تحته أمة ) وبيع فان مشتريه بالخيار أيضا على حسب ما سمعته في الأمة بلا خلاف أجده ، لصحيح ابن مسلم (١) وخبر الكناني (٢) المتقدمين ، والتعليل في خبر ابن زياد (٣) المؤيدة بما سمعته.

( و ) أما ( لو كان تحته حرة فبيع ) فالمشهور أيضا أنه ( كان للمشترى الخيار ) في نكاحه ، لخبر الكناني (٤) والتعليل (٥) المؤيدين بقاعدة تسلط المالك على ملكه في ابتداء النكاح ، فكذا استدامته ، خلافا لابن إدريس وجماعة كما قيل ، بل في محكي السرائر أن الشيخ أورد ذلك في النهاية إيرادا لا اعتقادا ، وقد رجع عنه في مبسوطه فقال : « وإن كان للعبد زوجة فباعه مولاه فالنكاح باق بالإجماع ، للأصل واختصاص المثبت للحكم بغيره مع حرمة القياس » بل ظاهر قول المصنف هنا ( على رواية فيها ضعف ) سندا ودلالة الميل إليه مشيرا بذلك إلى‌ خبر محمد بن علي (٦) عن أبي الحسن عليه‌السلام « إذا تزوج المملوك حرة فللمولى أن يفرق بينهما ، فإن زوجه المولى حرة فله أن يفرق بينهما » ‌إذ ليس له التفريق إلا بالبيع المعرض له ، وإن كان لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما قلناه من أنا في غنية عن هذا الخبر بما سمعت ، على أن ضعف السند ينجبر بالشهرة ، بل والدلالة التي لا يقدح فيها عدم جواز التفريق له بغير البيع ، ضرورة أن أقصى ذلك خروج مثل هذا الفرد من الإطلاق ومعقد إجماع المبسوط بقاء النكاح الذي لا ينافي ثبوت الخيار ، ولكن مع ذلك كله‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤٧ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٤٨ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ٤٧ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ٢.

(٤) الوسائل الباب ـ ٤٨ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ١.

(٥) الوسائل الباب ـ ٤٧ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ٢.

(٦) الوسائل الباب ـ ٦٤ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ٤.

٢٦٦

فالاحتياط لا ينبغي تركه.

( ولو كانا ) أى العبد والأمة ( لمالك ) متحد ( فباعهما لاثنين ) دفعة أو ترتيبا على جهة الشركة بينهما أو اختصاص كل واحد بواحد ( كان الخيار لكل واحد من المبتاعين وكذا لو اشتراهما واحد ) بلا خلاف ولا إشكال لإطلاق الأدلة ( وكذا لو باع أحدهما كان الخيار للمشترى ) أيضا لذلك ( وللبائع ) عند المصنف وجماعة استصحابا لحاله السابق قبل البيع ، ولإطلاق النصوص (١) كون البيع طلاقا ، ولاشتراكه مع المشتري في المعنى المقتضى لجواز الفسخ ، وهو التضرر بمضي تزويج مملوكه لغير مملوكه ( و ) حينئذ ( لا يثبت عقدهما إلا برضا المتبايعين ) ضرورة عدم الاكتفاء بأحدهما بعد أن كان الخيار لكل منهما ، لتقدم الفاسخ على غيره كما في كل خيار مشترك ( ولو ) أمضيا و ( حصل بينهما أولاد كانوا لموالي الأبوين ) كالمتناكحين ابتداء باذن من مولييهما الذي قد عرفته فيما تقدم ، وعرفت ضعف الخلاف فيه وهو الإلحاق بالأم.

إنما الكلام في ثبوت الخيار للبائع ، وتفصيل البحث فيه أنه لا إشكال في عدم ثبوت الخيار له إذا لم يكن مالكا إلا من باعه ، ضرورة انقطاع سلطنته حينئذ ، وما عساه يظهر من ثاني الشهيدين في الروضة وفي أول البحث من المسالك أن ثبوت الخيار له حينئذ اشتباه قطعا ، أما إذا كان مالكا للآخر فقد عرفت تصريح المصنف وغيره بثبوت الخيار له لما عرفت ، لكن ظاهرهم اختصاصه بذلك ، فلا يثبت الخيار لمالك العبد مثلا غير البائع ببيع الأمة منه خلافا للشيخ وابن حمزة والفاضل وغيرهم فإنه يثبت الخيار له عندهم ، ولعل وجهه جريان الاستصحاب فيه دون غيره ، ودعوى ظهور انسياق البائع من‌ قوله عليه‌السلام (٢) : « طلاق الأمة بيعها » ‌في نحو الفرض دون المالك الأخر الذي يقتضي الأصل لزوم العقد بالنسبة إليه.

فيتحصل حينئذ في المسألة أقوال ثلاثة : ( أحدها ) عدم الخيار لغير المشتري مطلقا كما‌

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٤٧ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ـ ٠ ـ ١.

٢٦٧

هو خيرة ابن إدريس للأصل وظهور النصوص (١) في إرادته عن نحو‌ قوله عليه‌السلام (٢) : « طلاق الأمة بيعها » ‌بقرينة تفريع ذلك عليه في بعضها ، وظهور الفرق في بطلان القياس عليه بأنه لم يحصل منه رضا بالنكاح أصلا بخلاف المالك الأول.

( ثانيها ) ثبوته لمالك الأخر الذي لم يبع سواء كان هو البائع أو غيره ، لاختلاف الأغراض في نكاح المماليك بالنسبة إلى المالكين ، ولإطلاق نحو‌ قوله عليه‌السلام (٣) : « بيع الأمة طلاقها ».

( ثالثها ) التفصيل بين البائع وغيره ، فيثبت الخيار له دون غيره ، للفرق بينهما بالاستصحاب فيه وعدمه في غيره ، لكنه كما ترى هو أضعفها ، ضرورة أن التخيير الذي كان له إنما هو من حيث كونه مولى لهما ، والفرض زواله بالبيع ، فلا وجه لاستصحابه ، على أن محل البحث في التخيير الحاصل بسبب البيع ، وغير الاستصحاب مما ذكرناه دليلا لذلك لا يخص البائع.

وبذلك ظهر لك أن المتجه أحد القولين دون التفصيل ، والأقوى اختصاص الخيار بالمشتري ، للأصل السالم عن معارضة النصوص ، أما على ما قلنا ـ من كون المراد من « بيع الأمة طلاقها » حصول حكم الطلاق بمجرد البيع من غير فرق بين كون الزوج مثلا ملكا للبائع أو لغيره إلا أن شاء المشتري إبقاء نكاحهما ، لصيرورته استدامة النكاح بالنسبة إليه كالنكاح الفضولي ابتداء ، أو صيرورة البيع بالنسيئة كالطلاق الرجعي وأن أمر الرجعة إليه ـ فواضح ، إذ ليس في شي‌ء من النصوص اعتبار رضا مولى الأخر سواء كان هو البائع أو غيره ، وأما على إرادة الخيار منه فلا ريب في كونه غير الظاهر منه ، لكن للقرينة ـ وهي‌ قوله عليه‌السلام (٤) : « فان شاء المشتري » ‌إلى آخره و‌قوله عليه‌السلام (٥) : « إلا أن يشاء المشتري » ‌إلى آخره ـ حمل على ذلك ، ولا ريب‌

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٤٧ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ـ ٠ ـ ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ٤٧ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ٢ ـ ٤ ـ ٩.

(٤ و ٥) الوسائل الباب ـ ٤٧ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ٤ ـ ١.

٢٦٨

في اقتضائها خصوص المشتري دون غيره ، ودعوى أن التفريع لا يقتضي التخصيص يدفعها عدم المقتضى للتعميم ، ضرورة كونه خلاف الظاهر على أنه غير تام في‌ قوله عليه‌السلام « هو فراق ما بينهما إلا أن يشاء المشتري » ‌كدعوى كون المراد ولو بالقرينة تزلزل العقد بالنسبة إلى كل من له تعلق به ، فيعم المشتري ومولى الأخر ، بل والبائع وإن لم يكن مولى كما سمعته من ظاهر عبارة الروضة ، ضرورة عدم الشاهد عليها. والقرينة لا تصلح لغير ما عرفت ، فتبقى حينئذ أصالة اللزوم سالمة عن المعارض ، ويختص الخيار بالمشتري ، ودعوى الاشتراك في العلة من القياس الممنوع ، والله العالم.

( مسائل ثلاث )

( الأولى : )

( إذا زوج أمته ملك المهر ) بلا خلاف ولا إشكال ( لثبوته في ملكه ) باعتبار كونه عوضا للبضع المملوك له ( فان باعها قبل الدخول ) وقلنا إن البيع نفسه بحكم الفسخ أو فسخ المشتري بخياره ( سقط المهر ، لانفساخ العقد الذي ثبت المهر باعتباره ) من غير قبل الزوج ، لا نصفه إن قبضه كما عن المبسوط ، ضرورة عدم كونه طلاقا ولا فسخا من قبل الزوج ملحقا به لو قلنا بحجية القياس ، وإطلاق النصوص (١) كون البيع طلاقا يراد منه ما عرفت ، لا أن المراد لحوق حكم الطلاق على وجه يشمل ذلك قطعا.

نعم قد يتخيل ثبوته أجمع لسيد الأول ، لملكه له بالعقد ، فالاستصحاب يقتضي ثبوته له بعد فرض عدم الدليل على ثبوت حكم البيع من المعاوضات هنا باعتبار عدم التقابض ، خصوصا بعد أن كان الصحيح ثبوت المهر بالموت ، لكن فيه أن الإجماع‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤٧ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ـ ٠.

٢٦٩

ظاهرا على أن الفسخ منها أو مما في حكمها قبل الدخول مسقط للمهر ، وفي النصوص ما يدل (١) عليه ، بل ربما كان في قوله تعالى (٢) ( وَقَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ ) إلى آخره ، نوع إشعار به في الجملة ، بل قد عرفت فيما مضى أن مقتضى انفساخ العقد رد كل عوض إلى صاحبه ، والموت لا انفساخ فيه ، والفرض هنا أنه فسخ بالخيار الذي جعله الشارع له ، ولا يرد على ذلك الفسخ بعد الدخول ، ضرورة حصول العوض لمن له فيه باستيفائه ولو مرة ، نعم لو فرض هنا كون العقد منقطعا وقد مضت مدة وكان عدم الدخول منه لا منها توجه استقرار ملك السيد لما قابل المدة من المهر ، هذا كله فيما إذا فسخ المشتري.

( فان أجاز ) أي ( المشتري كان المهر له ) عند ابن إدريس ـ ره ـ ومن تأخر عنه ( لأن إجازته كالعقد المستأنف ) المقتضي ملك المهر لمالك البضع ، وفيه أنه لا يتم على ما ذكروه من الخيار الذي معناه أن له فسخ العقد ، فمع فرض عدمه يكون العقد السابق تاما في الاقتضاء على حسب ما وقع ، والفرض أنه كان مقتضيا لملك السيد الأول المهر ، ودعوى أنه بعدم فسخه ينتقل ملك المهر من السيد الأول إلى السيد الثاني من الغرائب التي لا توافق شيئا من الأدلة ، بل الأدلة أجمع على خلافها ، ومن هنا لو أعتقت الأمة المزوجة قبل الدخول ولم تفسخ كان المهر للسيد بلا إشكال ولا خلاف.

ودعوى الفرق بين المقامين ـ بعدم اقتضاء العتق نقل المنافع ، لكونه فك ملك ، فيكون التزويج فيه حينئذ كاستثناء المنفعة له التي يتبعها بقاء عوضها له أيضا ، بخلاف البيع الذي يقتضي نقل المنفعة للمشتري المقتضى انتقال عوضها إليه دون البائع ـ كما ترى لا محصل لها ، ضرورة أنه إن كان التزويج السابق شبيها باستثناء المنفعة فليكن ذلك فيهما وإلا فلا ، فإن المنفعة تابعة للعين ، من غير فرق بين الحرية والملكية وإن كانت في الأول تكون للمحرر وفي الثاني تكون للمالك ،

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب العيوب والتدليس الحديث ١.

(٢) سورة النساء : ٤ ـ الآية ٢١.

٢٧٠

فلا ريب في أن المتجه في مفروض البحث كون المهر ملكا للسيد الأول كما اقتضاه العقد أولا ، بل لا يبعد ذلك في العقد الموجب لمهر المثل أيضا بخلاف ما يوجبه الدخول فيه لفساد العقد ، فإنه للثاني ، لكون الموجب له قد وقع في ملكه دون الأول.

وبالجملة كل ما كان من مقتضي العقد فهو للأول مع فرض عدم الفسخ ، وكل ما يوجبه الدخول فهو للثاني لما سمعت ، على أنه لا إجازة هنا حقيقة بناء على ما ذكروه من الخيار ، بل أقصاه عدم فسخ ، والعقد تام في الاقتضاء ، نعم لو قلنا :

إن البيع بحكم الفسخ وإن استدامة العقد كالعقد فضولا على المالك الجديد فأجازه اتجه حينئذ ملكه للمهر دون السيد الأول لكون العقد حينئذ على ملكه بعد انفساخ العقد بالنسبة إلى الأول وسقوط استحقاقه للمهر لكونه قبل الدخول ومن قبله لا من قبل الزوج بناء على اقتضائه ذلك ، فتكون الاستدامة حينئذ كالعقد الجديد (١) وبذلك يظهر لك الحال في المنقطع أيضا ، فإنه كالدائم بالنسبة إلى ذلك ، كما هو واضح.

( ولو باعها بعد الدخول ) الموجب لاستقرار المهر ( كان المهر للأول ، سواء أجاز الثاني أو فسخ ، لاستقراره ) وهي ( في ملك الأول ) ودعوى ـ أن بيعه لها متلف للبضع على الزوج أو معرض للتلف فيضمن له مهر المثل ـ واضحة الفساد بعد أن عرفت فيما تقدم أن البضع ليس من الأموال التي تضمن بأمثال ذلك مما هو جائز شرعا إيقاعه ، نعم ربما أشكل بعض الناس ذلك في المنقطع بأن الفسخ فيه وإن كان بعد الدخول يقتضي توزيع المهر على المدة ، فلا يتوجه استحقاق السيد المهر أجمع فيه ، وقد يدفع باحتمال إرادة الأصحاب خصوص الدائم هنا ، وبإمكان منع اقتضاء ذلك في المنقطع أيضا ، بل المهر فيه كالمهر في الدائم ، وانما شابه الإجارة في خصوص تخلف المرأة في المدة مع استحقاقها عليها ، والمقام ليس من ذلك قطعا ( منه رحمه‌الله )

__________________

(١) فهو حينئذ شبه اجارة الموقوف مدة قد انتقل الموقوف في أثنائها إلى البطن الأخر فأجاز الإجارة ، فإن الأجرة حينئذ فيما قابل المدة الباقية تكون لهم لا للمؤجر الأول.

٢٧١

كما تكرر ذلك منا غير مرة ، فتأمل ، والله العالم.

وكيف كان فالتحقيق في أصل المسألة ما سمعته ( و ) إن كان ( فيها أقوال مختلفة ، و ) لكن ( المحصل ) للمحصل ( ما ذكرناه ).

( منها ) ما في النهاية « إذا زوج الرجل أمته من غيره وسمى لها مهرا معينا وقدم الرجل من جملة المهر شيئا معينا ثم باع الرجل الجارية لم يكن له المطالبة بباقي المهر ، ولا لمن يشتريها إلا أن يرضى بالعقد » ونحوه عن ابن البراج ، وهو مع عدم صراحته في المخالفة لا يوافق شيئا من الأدلة حتى‌ خبر أبي بصير (١) الفاقد شرائط الحجية عن أحدهما عليه‌السلام « في رجل زوج مملوكته من رجل على أربعمائة درهم ، فعجل لها مأتي درهم ثم أخر عنه مأتي درهم ، فدخل بها زوجها ، ثم إن سيدها باعها بعد من رجل ، لمن يكون المائتان المؤخرة عنه؟ فقال : إن لم يكن أوفاها بقية المهر حتى باعها فلا شي‌ء عليه له ولا لغيره » ‌الذي حمله في المختلف على إرادة الخلوة من الدخول لا الإيلاج ، و‌قوله عليه‌السلام « إن لم يكن » ‌إلى آخره ، معناه إن لم يكن فعل الدخول الذي باعتباره يجب أن يوفيها المهر ثم باعها لم يكن له شي‌ء في الفسخ بالبيع من قبله قبل الدخول ولا لغيره إذا لم يجز العقد.

( ومنها ) ما في محكي المبسوط المضطرب ، فإنه تارة حكم بأن البائع إن قبض المهر لم يكن للمشتري شي‌ء ، لأنه لا يكون مهران في عقد ، وإن لم يقبض استحقه كملا إن دخل بعد الشراء أو نصفا إن لم يدخل ، واخرى بأنه إن دخل بعد الشراء كان نصف المهر له بالدخول والنصف الأخر للبائع بالعقد ، من غير فرق بين أن يكون البائع قبضه أولا ، واخرى بأن البائع إن قبض بعض المهر لم يكن له المطالبة بالباقي فإن أجاز المشتري طالب به ، واخرى بأن البائع إن قبض المهر‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٨٧ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ١ مع الاختلاف والنص موافق للفقيه ج ٣ ص ٢٨٨ الرقم ١٣٧٠.

٢٧٢

استرده الزوج من غير تفصيل ، وكأنه لحظ في بعض ما ذكره الخبر المزبور (١) الذي قد عرفت فقده شرائط الحجية ، فلا محيص حينئذ عما ذكرناه ، والله هو العالم.

المسألة (الثانية )

( لو زوج عبده بحرة ثم باعه ) بعد الدخول استقر المهر على السيد ، لما سمعته سابقا من كون مهر العبد على مولاه وإن فسخه المشتري.

وإن باعه ( قبل الدخول قيل : كان للمشترى الفسخ ) أيضا ، وهو الأقوى كما عرفته فيما سبق ، خلافا لابن إدريس ، فلم يثبت الخيار لمشتري العبد إذا كانت زوجته حرة ، وقد عرفت ضعفه فيما سبق. ( و ) حينئذ فإذا فسخ المشتري كان ( على المولى نصف المهر ) عند المشهور إلحاقا لمثل هذا الفسخ قبل الدخول بالطلاق ، ولخبر علي بن حمزة (٢) المنجبر ضعفه بالشهرة عن الكاظم عليه‌السلام « في رجل زوج مملوكا له امرأة حرة على مائة درهم ثم إنه باعه قبل أن يدخل عليها ، فقال : يعطيها سيده من ثمن نصف ما فرض لها ، إنما هو بمنزلة دين استدانه بأمر سيده » ‌ومنه يعلم وجوب المهر كملا عليه إذا لم يفسخ المشتري إلا إذا قلنا : إن البيع نفسه فسخ بالنسبة إليه ، فيجب حينئذ النصف الأخر على السيد الثاني مع الإجازة ، كما كان المهر كله له في الأمة عندهم.

( ومن الأصحاب ) وهو ابن إدريس من أنكر الأمرين أي الخيار للمشتري في نكاح العبد الحرة كما تقدم ، وتنصيف المهر بالفسخ على تقديره أيضا لاختصاص الدليل بالطلاق وحرمة القياس ، فالمهر كملا واجب على السيد.

قيل : وهو متجه على أصله من عدم العمل بمثل الخبر المزبور ، وفيه أن المتجه‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٨٧ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٨٧ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ١ عن على بن أبي حمزة.

٢٧٣

حينئذ مع قطع النظر عن الخبر سقوط المهر أصلا ، لما عرفته سابقا من مقتضي الفسخ في الخيار المشروع له رد كل عوض إلى صاحبه اللهم إلا أن يكون النكاح على غير قياس المعاوضات ، والله العالم.

المسألة ( الثالثة )

( لو باع أمته وادعى ) بعد ذلك ( أن حملها منه ) على وجه يحتمل الصحة ( وأنكر المشتري لم يقبل قوله في إفساد البيع ) المخالف للأصل ، ولا يجديه إقرارها ، لأنه في حق الغير ، نعم إن ادعى علمه كان له إحلافه. ( ويقبل في التحاق الولد ) عندنا كما عن الخلاف والسرائر ، سواء كان داخلا في ملك المشتري بالتبعية أو الشرط أو غير داخل ( لأنه ) على كل حال ( إقرار لا يتضرر به الغير ) فيكون ولدا في حقه مملوكا للمشترى ، ولا منع في قبول أحد جزئي الدعوى دون الأخر ، فيحكم بكون الولد ولده في حقه ، وهو وامه مملوكان للمشترى ، ودعوى إمكان الضرر على المشتري بشرائه قهرا لو مات أبوه عن غير وارث يدفعها منع إجباره على ذلك ، لعدم ثبوت كونه ولدا في حق المشتري ، نعم إن باعه اختيارا جاز شراؤه من التركة وإعتاقه وإن انتقل إليه انعتق عليه أخذا بإقراره ، هذا.

( و ) حينئذ فقول المصنف ( فيه تردد ) واضح الضعف ، ضرورة عدم وجه يعتد به للتردد بعدم حصول التضرر على الوجه المذكور وعدم البأس في قبول أحد جزئي الدعوى دون الأخر ، لعدم التنافي في الأحكام الظاهرية ، ونظائره في الفقه كثيرة ، كما هو واضح ، والله العالم.

٢٧٤

( أما الطلاق )

( فإذا تزوج العبد باذن مولاه ) ابتداء أو استدامة ( حرة أو أمة لغيره لم يكن له إجباره على الطلاق ولا منعه ) على المشهور بين الأصحاب‌ للنبوي (١) « الطلاق بيد من أخذ بالساق » ‌وخبر ليث المرادي (٢) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن العبد هل يجوز طلاقه؟ فقال إن كان أمتك فلا ، إن الله عز وجل يقول (٣) ( عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ‌ءٍ ) ، وإن كان من قوم آخرين أو حرة جاز طلاقه » والكناني (٤) عنه عليه‌السلام أيضا « إذا كان العبد وامرأته لرجل واحد فالمولى يأخذها إذا شاء ، وإذا شاء ردها ، وقال : لا يجوز طلاق العبد إذا كان هو وامرأته لرجل واحد إلا أن يكون العبد لرجل والمرأة لرجل وتزوجها باذن مولاه وإذن مولاها ، فان طلق وهو بهذه المنزلة فإن طلاقه جائز » وخبر عبد الله بن سنان (٥) عنه عليه‌السلام أيضا « سألته عن رجل تزوج غلامه جارية حرة فقال : الطلاق بيده ، فان تزوجها بغير إذن مولاه فالطلاق بيد المولى » وخبر أبي بصير (٦) « سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن الرجل يأذن لعبده أن يتزوج الحرة أو أمة قوم الطلاق إلى السيد أو إلى العبد؟ قال : الطلاق إلى العبد » ‌وخبر علي بن يقطين (٧) عن العبد الصالح عليه‌السلام « سألته عن رجل يتزوج‌

__________________

(١) سنن البيهقي ج ٧ ص ٣٦٠.

(٢ و ٤) الوسائل الباب ـ ٤٣ ـ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ٢ ـ ١ من كتاب الطلاق.

(٣) سورة النحل : ١٦ ـ الآية ٧٥.

(٥ و ٦) الوسائل الباب ـ ٤٣ ـ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ٥ ـ ٣ من كتاب الطلاق والثانى عن أبى عبد الله عليه‌السلام الا أن الموجود في الكافي ج ٦ ص ١٦٨‌قال : « سألت أبا جعفر عليه‌السلام » ..

(٧) الكافي ج ٦ ص ١٦٨.

٢٧٥

غلامه جارية حرة ، فقال : الطلاق بيد الغلام » وخبر محمد بن الفضيل (١) عن أبي الحسن عليه‌السلام « طلاق العبد إذا تزوج امرأة حرة أو تزوج وليدة قوم آخرين إلى العبد ، وإن تزوج وليدة مولاه كان هو الذي يفرق بينهما إن شاء ، وإن شاء انتزعها منه بغير طلاق » ‌وحسن علي بن جعفر (٢) عن أخيه عن آبائه عن علي عليهم‌السلام « إنه أتاه رجل بعبده فقال : إن عبدي تزوج بغير إذني ، فقال علي عليه‌السلام لسيده : فرق بينهما ، فقال السيد لعبده : يا عبد الله طلق ، فقال علي عليه‌السلام : كيف قلت له؟ فقال : قلت له : طلق ، فقال علي عليه‌السلام للعبد : الان فإن شئت فأمسك وإن شئت فطلق ، فقال السيد : يا أمير المؤمنين أمر كان بيدي جعلته بيد غيري ، قال : ذلك لأنك حيث قلت له : طلق أقررت له بالنكاح » ‌وغير ذلك ، وهي مع تعاضدها واستفاضتها وفتوى المشهور بها فيها الصحيح والموثق وغيرهما ، فما في المسالك من عدم خبر صحيح للمشهور لا يخفى ما فيه.

نعم يعارضها‌ صحيح العجلي (٣) عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام « في العبد المملوك ليس له طلاق إلا بإذن مولاه » ‌وصحيح زرارة (٤) عنهما عليهما‌السلام أيضا « المملوك لا يجوز طلاقه ولا نكاحه إلا بإذن سيده ، قلت : فان كان السيد زوجه بيد من الطلاق؟ قال : بيد السيد ، ( ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ‌ءٍ ) (٥)

__________________

(١) ذكر ذيله في الوسائل الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ٥ عن عبد صالح عليه‌السلام كما في التهذيب ج ٧ ص ٣٣٨ والاستبصار ج ٣ ص ٢٠٥ ، وذكر تمامه في الفقيه ج ٣ ص ٣٥٠ الرقم ١٦٧٢ عن أبى الحسن عليه‌السلام.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ٧.

(٤) الوسائل الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ١ ـ من كتاب الطلاق.

(٥) سورة النحل : ١٦ ـ الآية ٧٥.

٢٧٦

الشي‌ء الطلاق » وصحيح البجلي (١) عن أبي إبراهيم عليه‌السلام « سألته عن الرجل يزوج عبده أمة ثم يبدو له فينتزها منه بطيبة نفسه أيكون ذلك طلاقا من العبد؟ قال : نعم ، لأن طلاق المولى هو طلاقها ، ولا طلاق للعبد إلا بإذن مولاه » ‌وصحيح العقرقوفي (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « سئل وأنا عنده أسمع عن طلاق العبد ، قال : ليس له طلاق ولا نكاح ، أما تسمع الله يقول (٣) ( عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ‌ءٍ ) ، قال : لا يقدر على نكاح ولا طلاق إلا بإذن مولاه ».

بل عن العماني وابن الجنيد أن الطلاق مطلقا إلى السيد إن شاء فرق بينهما ، بل ظاهر ثاني الشهيدين الميل إلى ذلك ، لصحة هذه النصوص التي تقصير تلك النصوص ـ لضعف سندها ـ عن تخصيصها وموافقتها للكتاب ، لكن فيه أن تلك خاصة وهذه عامة ، بل قد يشعر خبر العجلي منها بإرادة خصوص نكاح أمة السيد ، كما أن ظاهر بعض النصوص السابقة إرادة ذلك خاصة من الأمة ، فلا تكون مخالفة للكتاب حينئذ.

واحتمال الجميع بين النصوص بحمل أخبار المشهور على طلاق العبد باذن المولى يدفعه ـ مع أنه خرق للإجماع ـ تصريح بعضها بالاستقلال وعدم التوقف على الاذن ، فليست هي حينئذ بالنسبة إلى ذلك إلا متنافية يفزع فيها إلى الترجيح ، ولا ريب في تحققه ، للشهرة والتعاضد والأخصية وغير ذلك.

واحتمال العكس ـ بموافقة التقية التي تظهر من‌ خبر العياشي بسنده (٤) عن جعفر بن محمد عليهما‌السلام قال : « كان علي بن أبي طالب عليه‌السلام يقول : ( ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْ‌ءٍ ) ويقول : العبد لا طلاق له ولا نكاح ، ذلك إلى سيده ، والناس يرون خلاف ذلك ، وإذا أذن سيد لعبده لا يرون له أن يفرق بينهما » ‌ـ يدفعه ـ مع أنه مخالف للمحكي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام فيما سمعته من‌ خبر علي

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٦٦ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ١.

(٣) سورة النحل : ١٦ ـ الآية ٧٥.

(٤) المستدرك الباب ـ ٤٣ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ١.

٢٧٧

ابن جعفر (١) ـ أن الموجود فيما حضرني من كتب العامة إطلاق كون الطلاق بيد العبد ، فيمكن أن يكون إنكار أمير المؤمنين عليه‌السلام في عموم ذلك على وجه يشمل نكاح أمة السيد ، فليس هذا الخبر إلا كغيره من الأخبار العامة التي يجب تخصيصها بأخبار المشهور ، بل قد يقال : إن هذه النصوص مطرحة حتى من الخصم ، فان الطلاق عنده إلى السيد ، لا أنه من العبد ولكن باذن السيد كما هو ظاهر هذه النصوص.

ومن ذلك كله يعلم ضعف المحكي عن الحلبي من أن للسيد إجباره على الطلاق محتجا بما دل من وجوب الطاعة عليه ، ضرورة إمكان منع وجوبها عليه في ذلك وإن وجبت عليه الطاعة في غيره كالولد ، على أن ذلك ليس خلافا عند التأمل في المسألة ، لظهوره في كون الطلاق للعبد وبيده ، ولكن للسيد إجباره عليه لوجوب امتثال العبد سيده فيما يأمره به ، وهو أمر خارج عما نحن فيه ، كما هو واضح. بل إن أراد من الإجبار أن للمولى الطلاق قهرا عليه نحو قولهم : « له إجبار على النكاح » كما عساه يومئ إليه ما ذكره له دليلا في المختلف كان راجعا إلى القول الثاني.

وربما انقدح من ذلك وجه قوة للأول فإنه لا فائدة في السلطنة على نكاحه قهرا مع كون الطلاق بيده ، على أنه ربما تعلق غرض للمولى في بقاء نكاحه لاستمناء ونحوه ، كل ذلك مضافا إلى خبر محمد بن علي (٢) المتقدم سابقا بأن للمولى أن يفرق بينهما لو زوجة حرة ، وهو غير قابل للتخصيص بهذه الأخبار ، نعم هو ضعيف محتمل لما عرفت ، وعلى كل حال ففي لحوق هبة المدة في المنقطع بالطلاق وجهان ، هذا في نكاح العبد الحرة أو أمة الغير.

( و ) أما ( لو زوجه أمته كان عقدا صحيحا ) عند المشهور بين الأصحاب ،

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٦٤ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ٤.

٢٧٨

بل هو الظاهر بينهم ومن النصوص (١) خصوصا التي ذكر فيها الطلاق ، بل لعله صريح‌ صحيح ابن يقطين (٢) سأل الكاظم عليه‌السلام « عن المملوك يحل له أن يطأ الأمة من غير تزويج إذا أحل له مولاه ، قال : لا يحل له » ‌لا إباحة كما عن ابن إدريس ، لجواز تفريق المولى بينهما كما ستعرف بالأمر بالاعتزال ونحوه ، ولو كان عقد نكاح لم ينفسخ إلا بالطلاق ونحوه من فواسخ النكاح ، وفيه منع واضح بعد ثبوت ذلك بالأدلة كغيره من الفواسخ ، ولقول الباقر عليه‌السلام في صحيح ابن مسلم (٣) وقد سأله عن الرجل كيف ينكح عبده أمته : « يجزؤه أن يقول : قد أنكحتك فلانة ويعطيها ما شاء من قبله أو من قبل مولاه ولو مدا من طعام أو درهما أو نحو ذلك » ‌وربما كان دلالته على الأول أوضح للفظ الإنكاح والاجزاء به عن ذكر القبول لظهوره ، أو يقال : لا حاجة هنا إلى القبول ، لأن العبد ممن لا يملكه ، لجواز إجباره من المولى فهو يتولى طرفي العقد ، و « أنكحتك فلانة » يتضمنهما ، وفي المسالك عد ذلك بعد أن حكاه عن المختلف قولا ثالثا واستوجهه لما عرفت إلا أنه كما ترى ليس قولا في المسألة ، ضرورة كونه عقد نكاح عند القائل به ، إلا أنه اكتفى بالقبول الضمني ، وهو غير ما نحن فيه ، على أنه قد يناقش بعدم التلازم بين تولية طرفي العقد وبين الاكتفاء في الإيجاب عن القبول ، فإن باقي الأولياء وإن جاز لهم تولى طرفي العقد لكن لا بد من ذكر صورة العقد ، اللهم إلا أن يفرق بكونه هنا مالكا لا أنه قائم مقام المولى عليه ، وفيه أنه مع ذلك لا بد من ذكر صورة العقد ، لمعلومية كون النكاح من العقود ، كمعلومية عدم الاكتفاء بنحو ذلك عن القبول فيه وفي غيره من العقود اللازمة ، وأوفق بالاحتياط في الخروج عن أصل عدم الانتقال ، وخصوصا في الفروج ، والله العالم.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤٣ و ٤٥ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء والباب ـ ٤٣ ـ من أبواب مقدمات الطلاق من كتاب الطلاق.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ٢.

(٣) الوسائل الباب ـ ٤٣ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ١.

٢٧٩

( و ) كيف ( كان ) فـ ( الطلاق بيد المولى ) إجماعا بقسميه ونصوصا (١) مستفيضة بل متواترة ، فما‌ في مكاتبة علي بن سلمي (٢) « كتبت إليه جعلت فداك رجل له غلام وجارية فزوج غلامه جاريته ثم وقع عليها سيدها هل يجب في ذلك شي‌ء؟ قال : لا ينبغي له أن يمسها حتى يطلقها الغلام » ‌من الشواذ المتحملة لا سقاط « من » من النساخ وغير ذلك ، كما أن ما في القواعد ـ من أنه « لو استقل العبد بالطلاق وقع على إشكال » ـ من الغرائب ، ضرورة اتفاق النصوص ( و ) الفتاوى كما سمعت على انحصاره في السيد ، بل قد يشكل صحته من العبد باذن السيد ، إذا لم يكن بطريق الإقالة ، بل ( له أن يفرق بينهما بغير لفظ الطلاق ، مثل أن يقول : فسخت عقد كما ) أو فرقت بينكما ( أو يأمر ) هما أو ( أحدهما بالاعتزال عن صاحبه ) أو نحو ذلك بلا خلاف أجده فيه ، بل الإجماع بقسميه عليه ، مضافا إلى استفاضة النصوص (٣) أو تواترها به ، كصحيح ابن مسلم (٤) « سأل الباقر عليه‌السلام عن قول الله عز وجل (٥) ( وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلاّ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ) ، قال : هو أن يأمر الرجل عبده وتحته أمته فيقول له : اعتزل امرأتك ولا تقربها ، ثم يحبسها حتى تحيض ، ثم يمسها » ‌وغيره فما في كشف اللثام ـ من أنه يشكل على القول بكونه نكاحا إن لم يكن عليه إجماع ، للاحتياط وعدم نصوصية الأخبار ـ واضح الضعف لتحقق الإجماع الذي به تخرج الأدلة عن الظهور إلى الصراحة ، فلا احتياط حينئذ ، على أن ظاهر الدليل كصريحه حجة شرعية لا يجوز الاجتهاد في مقابلته ، ولا استبعاد في انفساخ النكاح ـ وإن كان عقدا ـ بذلك بعد الدليل ، نحو الفسخ بالعيب وغيره ، بل ربما ظهر من بعضهم احتمال تحقق فسخ هذا العقد بأمر العبد بالطلاق ، لأولويته من الأمر‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤٣ و ٤٥ ـ من أبواب مقدمات الطلاق من كتاب الطلاق.

(٢) الوسائل الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ٣ عن على بن سليمان كما في التهذيب ج ٧ ص ٤٥٧ الرقم ١٨٢٧.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ـ ٠ ـ ١.

(٥) سورة النساء : ٤ ـ الآية ٢٤.

٢٨٠