جواهر الكلام - ج ٣٠

الشيخ محمّد حسن النّجفي

بغيره ، لما عرفت من قضاء العرف بتشخصه ، بل قد عرفت في السابق بطلان العقد بالأجل الكلي أي الشهر من الشهور ، والله العالم.

( ولو ) ترك التعيين بالأجل بل ( قال ) : أواقعك ( مرة أو مرتين ) مثلا ( ولم يجعل ذلك مقيدا بزمان ) على وجه يكون أجلا لعقد المتعة ويكون ذكر المرة والمرتين شرطا فيه بمعنى عدم استحقاقه الزائد مطلقا أو مع عدم إذنها ( لم يصح ) متعة لما عرفت من اعتبار الأجل فيها ، والمشروط عدم عند عدم شرطه ( وصار دائما ) بناء على ما ذكرنا من التحقيق في فاقد الأجل ، وتعيين المرة والمرتين هنا لا يقتضي ارادته المنقطع من لفظ الصيغة على وجه يكون الأجل كاشفا كي يتجه البطلان هنا وإن قلنا بالصحة هناك ، خصوصا بعد جواز اشتراط المرة والمرتين في الدائم أيضا كالمتعة فلا محيص حينئذ عن القول بالدوام هنا من القول به هناك ، ويؤيده مضافا إلى ما سمعت خبر هشام بن سالم (١) المتقدم سابقا الوارد في خصوص الفرض.

( و ) لكن ( في ) مقابل ما عرفتـ ( ـه رواية دالة على الجواز ، وأنه لا ينظر إليها بعد إيقاع ما شرطه ، وهي )‌ خبر القاسم بن محمد (٢) عن رجل سماه قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يتزوج المرأة على عرد واحد فقال : لا بأس ولكن إذا فرغ فليحول وجهه ولا ينظر إليها » ‌وخبر خلف بن حماد (٣) قال : « أرسلت إلى أبى الحسن عليه‌السلام كم أدنى أجل المتعة؟ هل يجوز أن يتمتع الرجل بشرط مرة واحدة؟ قال : نعم » وخبر زرارة (٤) قلت له : « هل يجوز أن يتمتع الرجل من المرأة ساعة أو ساعتين؟ فقال : الساعة والساعتان لا يوقف على حدهما ، ولكن العرد والعردين ، واليوم واليومين ، والليلة وأشباه ذلك » ‌إلا أنها ( مطرحة لضعفها ) وعدم معرفة القائل بها سوى ما يحكى عن الشيخ في التهذيبين من حمل هذه الأخبار‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب المتعة الحديث ٣.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب المتعة الحديث ٤.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب المتعة الحديث ٥ ـ ٢.

١٨١

على الرخصة وأن الأحوط والأولى اضافة المرة ونحوها إلى أجل معين.

قلت : بل يمكن حمل خبر خلف فيها عليه وغيره وإن بعد سيما خبر القاسم إلا أنه لا بأس به بعد قوة المعارض من النص والإجماع بقسميه على اعتبار الأجل ، نعم أبطله جماعة هنا دائما ومتعة على حسب ما عرفته سابقا في ترك الأجل ، بل ظاهر بعضهم وصريح آخر أولوية ما هنا من البطلان هناك.

( و ) فيه ما سمعت مما علم منه أنه ( لو عقد على هذا الوجه انعقد دائما ) ، ( و ) أنه ( لو قرن ذلك بمدة صح متعة ) بلا إشكال ولا خلاف ، نعم لو اشترط ذلك في وقت معين بحيث يكون ظرفا له كاليوم مثلا بمعنى أنه لا يقع خارجه شي‌ء وأنه متى انتهى العدد المشروط فيه بانت منه كما أنها تبين بانقضائه وإن لم يفعل اتجه البطلان حينئذ ، لجهالة الأجل على وجه يحتمل الزيادة والنقصان ، لكون الفرض تقييده بانقضاء العدد ، خلافا للمحكي عن الشيخ في النهاية من الصحة ، مع أنا لم نتحققه ، لأن الموجود فيها ما لفظه بعد أن ذكر اعتبار الأجل فيها قال : « وأما الأجل فما تراضيا عليه من شهر أو سنة أو يوم ، وقد روى (١) أنه يجوز أن يذكر المرة والمرتين ، والأحوط ما قدمناه من أنه يذكر يوما معلوما أو شهرا معينا ، فان ذكر المرة والمرتين جاز ذلك إذا أسنده إلى يوم معلوم ، فان ذكر المرة مبهمة ولم يقرنها بالوقت كان العقد دائما » الى آخره ، ولا ريب في إرادته من الإسناد إلى يوم معلوم بقرينة اعتبار الأجل ضرب الأجل للمتعة أو اشتراطها فيه ، لأن المراد الأعم من ذلك ، ومن جعلهما أجلا واليوم ظرفا كما فهمه منه الفاضل في المختلف ، حيث أنه بعد أن حكى عنه ما سمعت قال : « والحق البطلان في الجميع معللا له بالجهالة ـ ثم قال ـ : ويجي‌ء على قول الشيخ بانعقاد المشروط فيه المرة المبهمة دائما صحته هنا كذلك ، لأن الأجل المجهول باطل ، فيساوي غير المذكور » وفيه أن الفرق بينهما واضح ، ضرورة بطلان العقد بذكر الأجل المجهول فيه الذي هو الشرط الباطل بخلاف ما إذا لم يذكر الأجل فيه أصلا ،

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب المتعة.

١٨٢

فإنه لا بطلان للعقد فيه بذلك ، فيتم حينئذ قصد النكاحية للعاقد التي هي مقتضى الدوام كما عرفته مفصلا والله العالم.

( أما أحكامه فثمانية الأول : )

( إذا ذكر المهر والأجل صح العقد ) من هذه الحيثية بلا خلاف ولا اشكال ، كما أنه لا خلاف ( و ) لا إشكال في أنه ( لو أخل بالمهر مع ذكر الأجل بطل العقد ) لما عرفته من كون ذكر المهر شرطا في صحة هذا العقد ، والمشروط عدم عند عدم شرطه ( ولو أخل بالأجل حسب ) فلم يذكره ( بطل متعة ) أيضا لذلك ( و ) لكن هل ( انعقد دائما ) أولا؟ وفيه البحث السابق.

( الثاني )

( كل شرط يشترط فيه ) مما هو سائغ سواء كان شرطا للموجب أو القابل ( فلابد ) في لزوم الوفاء به من ( أن يقترن بالإيجاب والقبول ) كغيره من العقود ليكون من جملة العقد المأمور بالوفاء به ( ولا حكم لما يذكر قبل العقد ) خاصة إجماعا في الرياض ( ما لم يستعد فيه ) أي العقد على وجه يكون من جملته ، للموثق (١) عن الصادق عليه‌السلام « ما كان من شرط قبل النكاح هدمه النكاح ، وما كان بعد النكاح فهو جائز » ‌ونحوه الآخر‌ عن محمد بن مسلم (٢) عن أبى جعفر عليه‌السلام « في الرجل يتزوج المرأة متعة إنهما يتوارثان ما لم يشترطا ، وإنما الشرط بعد النكاح » وموثق ابن بكير (٣) قال أبو عبد الله عليه‌السلام : « إذا اشترطت على المرأة بشروط المتعة فرضيت به وأوجبت التزويج ، فاردد عليها شرطك الأول بعد النكاح ، فان أجازته فقد جاز ، وإن لم تجزه فلا يجوز عليها ما كان من الشروط قبل النكاح » ‌

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ١٩ ـ من أبواب المتعة الحديث ٢ ـ ٤ ـ ١.

١٨٣

الى غير ذلك من النصوص الدالة على عدم اعتبار ما كان قبل النكاح من الشرط ، بل ربما ظهر من بعضهم ذلك وإن كان مضمرا لهما ، فيكون هذا الحكم حينئذ خاصا في المقام بناء على اعتبار الشروط المضمرة في غيره ، كما عن المحكي عن آخر مساواة المقام لغيره في اعتبار المضمر بناء على القول به ، فتحمل النصوص المزبورة حينئذ على ما كان من الشروط سابقا ولم يكن مضمرا حال العقد على وجه يكون مبنيا عليه ، ولعل هذا أولى لاستبعاد اختصاص المقام عن غيره بذلك ، وعدم وفاء النصوص به ، ضرورة عدم صدق كون الشرط قبل النكاح خاصة بعد فرض قصده في أثنائه مدلولا عليه بالقرائن الحالية.

وعلى كل حال فلا عبرة بالشرط السابق من حيث سبقه ، لعدم المقتضى للزومه ، ضرورة كون المراد من‌ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) : « المؤمنون عند شروطهم » ‌ما يشترطونه في العقد اللازم مثلا الذي قد أمرنا بالوفاء به (٢) إذ الشرطية لا يتحقق معناها مع الاستقلال ، لظهور إرادة الفرعية منها ، ومع تسليم اقتضاء ذلك اللزوم فلا بد من تخصيصه بالنصوص المزبورة.

نعم قد يقال إنها منافية لما ذكره المصنف ( و ) غيره ، بل المشهور على أنه ( لا ) حكم أيضا ( لما يذكر بعده ) أي العقد من الشروط خاصة ، بل في الرياض لم يقل أحد بذلك حتى الشيخ في النهاية ، لاعتباره فيها ذكر الشروط في العقد البتة ، وإنما أوجب ذكرها بعد العقد ثانية ، ولم يكتف بذكرها فيه خاصة ، نعم حكى عنه في التهذيب الاكتفاء بذلك ، إلا أنه كما ترى قول شاذ ، ويمكن إرادته المتصلة بالعقد على وجه يكون من متعلقات القبول ، فإنه لا إشكال حينئذ في لزومه ، بل يمكن حمل النصوص المزبورة عليه أيضا أو على ما ذكره غير واحد من الأصحاب من إرادة الإيجاب والقبول من النكاح فيها ، كما أومأ إليه موثق ابن بكير (٣)

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب المتعة الحديث ٤.

(٢) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٩ ـ من أبواب المتعة الحديث ١.

١٨٤

السابق ، وأوضح منه ما‌ عن فقه الرضا عليه‌السلام من أنه (١) بعد أن ذكر سؤالها وخلوها عن الزوج والعدة قال : « وإذا كانت خالية من ذلك قال لها تمتعيني نفسك على كتاب الله ـ الى أن قال ـ : فإذا أنعمت ، قلت لها : متعيني نفسك ويعتد جميع الشروط عليها ، لأن العقد الأول خطبة وكل شرط قبل النكاح فاسد ، وإنما ينعقد الأمر بالقول الثاني ، فإذا قالت في الثاني : نعم دفع إليها المهر أو ما حضر منه ، وكان ما بقي دينا عليك ، وقد حل لك وطؤها » ‌قيل ونحوه المروي في البحار من خبر المفضل (٢) أو على إرادة خصوص زيادة الأجل بزيادة المهر بعد العقد كما عساه يومئ اليه‌ خبر محمد (٣) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله تعالى (٤) ( وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ ) ، قال : ما كان بعد النكاح فهو جائز ، وما كان قبل النكاح فلا يجوز إلا برضاها وبشي‌ء يعطيها فترضى به » ‌أي بعد النكاح ، وكذا‌ قوله عليه‌السلام : « إلا برضاها » ‌أي بعد النكاح.

( و ) على كل حال فـ ( لا يشترط ) في وجوب الوفاء به ( مع ذكره في العقد إعادته بعده ) وفاقا للمشهور لعموم‌ « المؤمنون » (٥) ‌وغيره ( و ) لكن ( من الأصحاب ) وهو الشيخ في النهاية على ما قيل ( من شرط ) ذلك بـ ( اعادته بعد العقد ) للنصوص المزبورة ( وهو بعيد ) لما عرفته من عدم دلالتها على ذلك ، أي اعتبار التكرار المزبور ، كما هو واضح. نعم قد يقال : إن عبارة النهاية ليست كما حكي عنها ، قال فيها : « كل شرط يشترطه الرجل على امرأة إنما يكون له تأثير بعد ذكر العقد ، فان ذكر عند الشروط وذكر بعدها العقد كانت التي قدم ذكرها باطلة لا تأثير لها ، فان كررها بعد العقد ثبتت على ما شرط » ضرورة‌

__________________

(١) المستدرك الباب ـ ١٤ ـ من أبواب المتعة الحديث ٢.

(٢) البحار ج ١٠٣ ص ٣٠٤ ط الحديث.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٩ ـ من أبواب المتعة الحديث ٣.

(٤) سورة النساء : ٤ ـ الآية ٢٤.

(٥) الوسائل الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب المتعة الحديث ٤.

١٨٥

عدم تعرضه للمذكور في أثناء العقد ، بل هو إما مكتف بذكر الشروط بعد العقد كما هو ظاهر النصوص المزبورة وحكي عن التهذيب أو معتبر للتكرير بذكر الشرط قبل العقد وبعده ، وكيف كان فهو مناف لقواعد المذهب وفتاوى الأصحاب.

( الثالث )

( للبالغة الرشيدة أن تمتع نفسها ، وليس لوليها اعتراض بكرا كانت أو ثيبا على الأشهر ) الأظهر الذي قد عرفت تمام البحث فيه سابقا.

( الرابع )

( يجوز ) لها وله ( أن يشترط عليها ) وعليه ( الإتيان ليلا أو نهارا وأن يشترط المرة والمرات في الزمان المعين ) وغير ذلك من الشرائط السائغة التي هي غير منافية لمقتضى العقد ، نعم هي منافية لمقتضى إطلاقه كما في كل شرط سائغ ، وقد‌ سأل عمار بن مروان (١) الصادق عليه‌السلام « عن امرأة تزوجت نفسها من رجل على أن يلتمس منها ما شاء إلا الدخول فقال : لا بأس ليس له إلا ما اشترط » ‌وهو كغيره صريح فيما ذكرناه من عدم منافاة ذلك ونحوه مقتضى العقد.

نعم لو أسقط حقه من له الشرط فالظاهر السقوط كما أومأ إليه‌ خبر إسحاق بن عمار (٢) قال للصادق عليه‌السلام : « رجل تزوج بجارية على أن لا يفتضها ثم أذنت له بعد ذلك فقال : إذا أذنت له فلا بأس » ‌فما عن بعضهم ـ من عدم الجواز ، للزوم الشرط ، ولأن العقد إنما سوغ ما عداه ـ لا يخفى ما فيه بل الظاهر لحوق الولد به مع عدم الوفاء بالشرط وإن اثم وقلنا بترتب مهر عليه للوطء المشروط عليه عدمه ، لكن ذلك لا يخرج الزوجة عن كونها زوجة له.

ولو لم يشترط هو ولا اشترطت هي عليه فله ما شاء في الأجل ، وليس لها‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣٦ ـ من أبواب المتعة الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب المتعة الحديث ٣.

١٨٦

الامتناع عنه في أي وقت شاء إذا لم يكن لها مانع شرعي ، نعم الظاهر أنه لا سلطنة له عليها مدة عدم استمتاعه بنهي عن الخروج عن دار أو بلد أو نحو ذلك كما في الدائم ، والله العالم.

( الخامس )

( يجوز العزل للمتمتع ) إجماعا بقسميه على ذلك ( و ) على أنه ( لا يقف على إذنها ) نعم الأولى له الاشتراط عليها ، لتضمن الأخبار (١) له ( و ) لكن ( يلحق الولد به لو حملت وإن عزل ) بلا خلاف أجده فيه ، بل الإجماع بقسميه عليه ( لاحتمال سبق المني من غير تنبه‌ ) و « الولد للفراش » (٢) وللنصوص (٣) وكذا في كل وطء صحيح أو شبهة.

( و ) لكن ( لو نفاه عن نفسه ) وإن لم يعزل فضلا عما إذا عزل ( انتفى ظاهرا ) إلا فيما بينه وبين ربه المطلع على ما في قلبه ( ولم يفتقر إلى اللعان ) بلا خلاف بل الإجماع أيضا بقسميه عليه ، مضافا إلى النصوص (٤) نعم لا يجوز له النفي إلا مع العلم بالانتفاء وإن عزل أو اتهمها أو ظن الانتفاء بالقرائن ، فما في الحدائق من احتمال اللحوق حتى مع النفي لإطلاق النصوص (٥) في غير محله قطعا ، ضرورة معلومية كونها أنقص فراشا من الدائمة التي ينتفي الولد عنه بنفيه مع اللعان ، فهي بطريق أولى ، لأنه لما أطلق في النص (٦) الاتي عدم لعانها علم حينئذ‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٨ ـ من أبواب المتعة الحديث ٥ و ٦ والباب ٣٣ منها ـ الحديث ٢ و ٣ والباب ـ ٤٥ ـ منها الحديث ٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ٥٨ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء.

(٣ و ٥) الوسائل الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب المتعة.

(٤ و ٦) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من كتاب اللعان.

١٨٧

انتفاء الولد بدونه كما هو واضح ، نعم الظاهر أن نفيه يقتضي الانتفاء إذا لم يعلم إثمه فيه بصدوره منه مع الاحتمال ، وإلا كان نفيه لغوا ، لا أنه يأثم وينتفي الولد عنه ، كما قد يتوهم ، لإطلاق ما دل (١) على لحوقه به المقتصر في تقييده على المتيقن ، وهو النفي الذي لم يعلم حاله ، والله العالم.

( السادس )

لا خلاف نصا (٢) وفتوى في أنه ( لا يقع بها طلاق و ) أنها ( تبين بانقضاء المدة ) أو هبتها على وجه ليس له الرجوع في العدة ، وليس ذلك طلاقا قطعا وإن أطلق عليه في بعض النصوص (٣) المعلوم إرادة حكم الطلاق في خصوص البينونة ، ومن الغريب توقف بعض المتفقهة من الأعاجم في أن له حكم الطلاق أيضا بالنظر إلى عدم جواز وقوع الهبة من ولي الطفل ، وهو كما ترى.

( و ) على كل حال فـ ( لا يقع بها إيلاء ) على المشهور ، لمخالفة أحكامه للأصل ، فيقتصر فيها على موضع اليقين ، وليس هو إلا الدائمة ، فإن الآية (٤) بقرينة قوله تعالى فيها ( وَ ) ( إِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ ) ظاهرة في تخصيص المولى عليها بالقابلة للطلاق ، فلا تدخل المتمتع بها نحو ما ورد (٥) في اعتبار الدوام في التحليل بأن قوله تعالى (٦) فيها ( فَإِنْ طَلَّقَها ) إلى آخرها ظاهر في القابلة للطلاق وهي‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب المتعة.

(٢) الوسائل الباب ـ ٤٣ ـ من أبواب المتعة.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٨ ـ من أبواب المتعة الحديث ٣ والباب ـ ٢٠ ـ منها الحديث ٣.

(٤ و ٦) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٢٦ ـ ٢٣٠.

(٥) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب أقسام الطلاق من كتاب الطلاق.

١٨٨

الدائمة ، ولأن من لوازم الإيلاء المطالبة بالوطء ، وهو هنا منتف ، لعدم استحقاقها إياه ولو زاد على الأربعة أشهر ، نعم لا إشكال في جريان أحكام اليمين على ذلك لإطلاق أدلته ، إنما المراد نفي أحكام الإيلاء. فما عن المرتضى ـ من وقوعه بها مع أنا لم نتحققه ، بل المحكي من كلامه في الانتصار صريح في خلافه للآية (١) بعد معلومية كونها من النساء وعدم اقتضاء قوله تعالى ( وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ ) التخصيص ـ واضح الضعف ، لما عرفت.

( ولا ) يقع بها ( لعان على الأظهر ) الأشهر ، بل المشهور ، بل حكى غير واحد الاتفاق عليه لنفى الولد ، وان كان فيه أنه مناف للمحكي عن صريح الجامع من وقوعه ، نعم يرده‌ صحيح ابن أبي يعفور (٢) عن الصادق عليه‌السلام « لا يلاعن الرجل امرأته التي يتمتع بها » وصحيح ابن سنان (٣) عنه عليه‌السلام أيضا « لا يلاعن الحر الأمة ولا الذمية ولا التي يتمتع بها » ‌كما أنهما يرد ان المفيد والسيد فيما حكى عنهما من وقوعه للقذف ، ضرورة إطلاقهما ، ومع فرض كون التعارض بينهما وبين ما دل عليه من وجه فلا ريب في أن الترجيح لهما بالشهرة العظيمة ومخالفة أحكام اللعان للأصل.

( وفي الظهار تردد ) من صدق الزوجية ، فتندرج في إطلاق الأدلة وعمومها ، ومن كون أحكامه على خلاف الأصل فيقتصر فيه على موضع اليقين ، ولأن من لوازمه الإلزام بالفيئة أو الطلاق وليس هنا إذ لا حق لها في الوطء ، مع أنه لا يقع بها طلاق وقيام هبة المدة مقامه لا دليل عليه ( أظهره ) عند المصنف ( أنه يقع ) بها وفاقا للمحكي عن الأكثر ، ومنهم ابن إدريس في بعض فتاواه ، وخلافا له أيضا وابن أبي عقيل والجنيد ، لانقطاع الأصل بإطلاق الأدلة وعمومها ، والإلزام بأحد الأمرين لا يوجب التخصيص ، إذ من الجائز اختصاصه بمن يمكن معه أحد الأمرين ، وهو الدائمة وكذا المرافعة دون غيرها ، فيبقى أثره فيها باقيا وهو اعتزالها ، لكن‌

__________________

(١) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٢٦.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من كتاب اللعان الحديث ١ ـ ٢.

١٨٩

فيه أنه مناف لمرسل ابن فضال (١) عن الصادق عليه‌السلام « لا يكون الظهار إلا على مثل موضع الطلاق » ‌واحتمال أنها من المثل كما ترى ، بل عدم وقوع اللعان والإيلاء عليها مما يومئ أيضا إلى عدم وقوعه فيها ، كايماء ما ذكر من أحكامه إلى ذلك كما لا يخفى على من تأمل.

( السابع )

( لا يثبت بهذا العقد ميراث بين الزوجين شرطا سقوطه أو أطلقا ) وفاقا للأكثر ، بل المشهور بل عن الغنية نفي الخلاف عنه ولعله كذلك إلا من القاضي ، فجعله كالدوام ، لصدق الزوجة التي لا يصح اشتراط سقوط إرثها كغيرها من الورثة ، ومن ابن أبي عقيل والمرتضى ، وكذلك ما لم يشترط السقوط ، جمعا بين ذلك وبين ما دل على لزوم الشرط من‌ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) « المؤمنون » ‌وغيره ، وخصوص‌ موثق ابن مسلم (٣) في الرجل يتزوج المرأة متعة إنهما يتوارثان إذا لم يشترطا ، وانما الشرط بعد النكاح » ‌لكنهما معا كما ترى ، ضرورة إرادة غير المستمتع بها من الزوجة بالنصوص (٤) المعتبرة التي يمكن دعوى تواترها.

( منها ) خبر‌ أبان بن تغلب (٥) قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : « كيف أقول لها‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٠ ـ من كتاب الظهار الحديث ٣.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب المهور الحديث ٤.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٩ ـ من أبواب المتعة الحديث ٤.

(٤) الوسائل الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب مقدمات النكاح والباب ـ ٤ ـ من أبواب المتعة الحديث ٤ و ٥ والباب ـ ١٨ ـ و ٢٣ منها الحديث ٥ والباب ـ ٣٢ ـ منها الحديث ٣ و ٦ و ٧ و ٨ و ١٠ والباب ـ ١٧ ـ من أبواب ميراث الأزواج من كتاب المواريث.

(٥) الوسائل الباب ـ ١٨ ـ من أبواب المتعة الحديث ١ وذكر ذيله في الباب ـ ٢٠ ـ منها الحديث ٢.

١٩٠

إذا خلوت بها؟ قال : تقول : أتزوجك متعة على كتاب الله وسنة نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا وارثة ولا موروثة كذا وكذا يوما ، وإن شئت كذا وكذا سنة ، بكذا وكذا درهما ، وتسمى من الأجر ما تراضيتما عليه قليلا كان أو كثيرا فإذا قالت : نعم فقد رضيت ، فهي امرأتك وأنت أولى الناس بها ، قلت ، فإني أستحيي أن أذكر شرط الأيام ، قال : هو أشر عليك ، قلت : وكيف ذاك؟ قال : إنك إن لم تشترط كان تزويج مقام ، ولزمتك النفقة ، وكانت وارثة ، لم تقدر على أن تطلقها إلا طلاق السنة » ‌ضرورة كون المراد من ذلك بيان أن المتعة حكمها ذلك كي لا تكون الامرأة مخدوعة ، خصوصا بعد أن صرح فيه بالفرق بين من ترك الأجل فيها ومن ذكر ، بصيرورة الاولى دائمة وارثة بخلاف الثانية ، فإنه كالصريح في أن ذلك حد المتعة ومنه يعلم وجه الدلالة في هذا القسم من النصوص ، كخبر أبي بصير (١) وخبر ثعلبة (٢) وخبر مؤمن الطاق (٣) وخبر هشام بن سالم (٤).

و ( منها ) خبر عبد الله بن عمر (٥) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام : عن المتعة ، فقال : حلال لك من الله ورسوله ، قلت : فما حدها؟ قال : من حدودها أن لا ترثها ولا ترثك » ‌إلى آخره.

و ( منها ) صحيح سعيد بن يسار (٦) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « سألته عن الرجل يتزوج المرأة متعة ولم يشترط الميراث ، قال : ليس بينهما ميراث ، اشترطا أو لم يشترطا » ‌ونحوه المرسل في الكافي (٧).

و ( منها ) مرسل ابن أبي عمير (٨) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « لا بأس بالرجل يتمتع بالمرأة على حكمه ، ولكن لا بدله من أن يعطيها شيئا ، لأنه إن حدث به حدث لم يكن لها ميراث ».

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ـ ١٨ ـ من أبواب المتعة الحديث ٤ ـ ٢ ـ ٥ ـ ٣.

(٥ و ٦ و ٧) الوسائل الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب المتعة الحديث ٨ ـ ٧ ـ ٤.

(٨) الوسائل الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب المتعة الحديث ١.

١٩١

و ( منها ) صحيح عمر بن حنظلة (١) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن شروط المتعة ، فقال : يشارطها على ما شاء من العطية ويشترط الولد إن أراد ، وليس بينهما ميراث ».

و ( منها ) خبر زرارة (٢) عن أبي جعفر عليه‌السلام في حديث « ولا ميراث بينهما إذا مات واحد منهما في ذلك الأجل ».

و ( منها ) ما دل على (٣) « أن المتمتع بها ليست كالحرة ، هي مستأجرة كالأمة ، خصوصا‌ خبر محمد (٤) منها عن أبي جعفر عليه‌السلام « في المتعة ، قال : ليست من الأربع ، لأنها لا تطلق ولا ترث ولا تورث وإنما هي مستأجرة » ‌الظاهر أو الصريح في اختصاص الإرث بالأربع من الزوجات بخلاف المتعة التي هي مستأجرة وبمنزلة الأمة ، بل لا يخفى على من تأمل ما ورد في المتعة وخصوصا نصوص النهي عنها لمن يتمكن من التعفف بالتزويج (٥) أنها ليست زوجة توارث ، وإنما هي استمتاع وانتفاع ، كما عساه يومئ إليه مقابلة ذلك بالتزويج ، بل يعرف ذلك منا العامة فضلا عن الخاصة ، فإن‌ أبا حنيفة قال لمؤمن الطاق في مباحثته له : « آية الميراث تنطق بنسخ المتعة ، فقال له مؤمن الطاق : قد ثبت النكاح بغير ميراث ، فقال أبو حنيفة من أين قلت ذاك؟ فقال : لو أن رجلا من المسلمين تزوج بامرأة من أهل الكتاب ثم توفي عنها ما تقول فيه؟ قال : لا ترث منه ، فقال : قد ثبت النكاح بغير ميراث ».

__________________

(١) ذكر صدره في الوسائل في الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب المتعة الحديث ١ وذيله في الباب ـ ٣٢ ـ منها الحديث ٦.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب المتعة الحديث ١٠.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب المتعة الحديث ١.

(٤) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب المتعة الحديث ٤ وليس فيه‌ « ولا تورث » ‌وهي مذكورة في الاستبصار ج ٣ ص ١٤٧ الرقم ٥٣٩.

(٥) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب المتعة.

١٩٢

ومن ذلك كله يعلم ما في كلام القاضي بل وما في كلام المرتضى ، ضرورة اقتضاء العموم المزبور جواز اشتراط عدم التوارث في الدائم أيضا ، وهو معلوم البطلان والموثق المزبور بعد الغض عما فيه من حصر الشرط فيما بعد النكاح الذي قد عرفت البحث محمول على إرادة اشتراط الأجل ، أي يتوارثان ما لم يشترطا الأجل ، فيكون متعة لا توارث بينهما ، أو مطرح لقصوره عن معارضة ما سمعت من وجوه ، هذا كله فيما إذا لم يشترطا أو اشترطا السقوط الذي قد بان عندك أنه مؤكد عندنا لا مؤسس.

( و ) أما ( لو شرطا التوارث أو شرط أحدهما قيل ) والقائل به جماعة من الأصحاب ( يلزم عملا بالشرط ، وقيل ) والقائل جماعة أيضا ، بل هو المحكي عن أكثر المتأخرين ، بل عن الفاضل أنه المشهور ( لا يلزم لأنه ) أي الإرث ( لا يثبت إلا شرعا ، فيكون اشتراطا لغير وارث ، كما لو شرط لأجنبي ) ومن المعلوم بطلانه ، ضرورة كون الشرط ملزما لما هو مشروع لا أنه شارع ( و ) لكن مع ذلك ( الأول أشهر ) بل في الرياض كاد يكون مشهورا ، لصحيح محمد بن مسلم (١) عن الصادق عليه‌السلام في حديث « وإن اشترط الميراث فهما على شرطهما » ‌وصحيح البزنطي (٢) عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام قال : « تزويج المتعة نكاح بميراث ونكاح بغير ميراث ، إن اشترطت الميراث كان ، وإن لم تشترط لم يكن » ‌قيل ونحوه الصحيح الآخر المروي عن قرب الاسناد للحميري (٣) والظاهر أنه وهم ، فان الحميري إنما رواه عن البزنطي أيضا بهذا اللفظ على ما حكى عنه.

وعلى كل حال فهذان الخبران لمكان اعتبار سنديهما قد اغتر بهما جماعة من المتأخرين منهم الشهيدان ، حتى قال ثانيهما : « إنه بهما يجاب عن أدلة الفريقين ، لدلالتهما على كون اشتراط الميراث سائغا لازما ، فيثبت به ، وعلى أن أصل‌

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب المتعة الحديث ٥ ـ ١.

(٣) أشار إليه في الوسائل الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب المتعة الحديث ١ وذكره في البحار ج ١٠٣ ص ٣١٣ ط الحديث.

١٩٣

الزوجية لا يقتضيه ، فتكون الآية (١) مخصوصة بهما ، كما خصصت في الزوجة الذمية برواية (٢) « إن الكافر لا يرث المسلم » ‌ويظهر أن سببية الإرث مع اشتراطها تصير ثابتة بوضع الشارع وإن كانت متوقفة على أمر من قبل الوارث كما لو أسلم الكافر ، وكذا يظهر جواب ما قيل : إنه لا مقتضي للتوارث هنا إلا الزوجية ، ولا يقتضي ميراث الزوجة إلا الآية ، فان اندرجت هذه في الزوجة في الآية ورثت وإن لم يشترط ثبوته ، وبطل شرط نفيه ، وإن لم يندرج في الزوجة في الآية لم يثبت الشرط ، لأنه شرط توريث من ليس بوارث ، وهو باطل ، ووجه الجواب عنه بعد تسليم اندراجها في الآية أنها بدون الشرط مخصوصة بالروايتين المعتبرى الاسناد ، وبالشرط داخلة في العموم ، لعدم المقتضي للتخصيص ».

وفيه أن ذلك غريب في النظائر ، بل في كشف اللثام عديم النظير ، بل يبعد رجحانهما على صحيح ابن يسار (٣) المؤيد بالمرسل في الكافي (٤) وبظاهر ما سمعته من النصوص المزبورة (٥) الظاهرة والمصرحة بعدم اقتضاء عقد المتعة الإرث وإنما هو كالإجارة بالنسبة إلى ذلك ، بل ربما ظهر من خبر هشام بن سالم (٦) منها اقتضاؤه عدم الإرث وأن ذلك من حدودها نحو حد الاعتداد بما تسمعه ، فشرط إرثها حينئذ مع كونه من شرط إرث غير الوارث المعلوم بطلانه سبب (٧) مخالفته للكتاب والسنة مناف لما اقتضاه عقد المتعة أيضا ، ودعوى كون الإرث بالزوجية حال الشرط لا به كما ترى ، خصوصا بعد القطع من الأدلة السابقة أن زوجيتها الحاصلة منها ليست سبب إرث ، بل سبب منع منه.

وحمل خبر ابن يسار على اشتراط سقوط الإرث ليس بأولى من حمل الخبرين‌

__________________

(١) سورة النساء : ٤ ـ الآية ١٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب موانع الإرث الحديث ٣ من كتاب المواريث.

(٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب المتعة الحديث ٧.

(٦) الوسائل الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب المتعة الحديث ٣.

(٧) هكذا في النسختين الأصليتين المبيضة والمسودة والصحيح « بسبب ».

١٩٤

على إرادة الوصية من الإرث فيهما ، بل هذا أولى لما عرفت ، ولأنه مقتضى إفادة الشرط الإرث أن يكون ذلك على حسب ما يقع منه ، ولذا لو اختص الشرط بأحدهما كان الإرث له خاصة ، هي بمكان الشرط مع غلبة التوارث من الجانبين ، وحينئذ فيتجه صحة اشتراط إرثهما لا على حسب إرث الزوجة والزوج ، وهو من المستغربات.

وأغرب منه التزام صحة شرطية إرث الزوجة والزوج على حسب حالهما من وجود الولد وعدمه بالنسبة إلى النصف والثمن والربع ، وإرث العقار وعدمه ، من غير فرق بين مقارنة مقتضيات ذلك وتجدده ، بمعنى أن الشرط يصيرها كذلك ولا ينبغي لمن رزقه الله معرفة مذاق الشرع أن يحتمل ذلك ، فضلا عن أن يكون فتوى ، وخصوصا بعد معلومية (١) عقد المتعة بالموت ، وأنه بمنزلة الهبة ، بخلاف عقد الدوام ، فلا زوجية حينئذ بينهما كي يقتضي التوارث ، بل يكون بالموت كمن وهبت المدة ، بل لعل ذلك هو السبب في عدم اقتضاء المتعة الإرث ، ضرورة كونها حينئذ كموت العين المستأجرة الذي من المعلوم بطلان الإجارة بها ، ويتفرع عليه عدم جواز تغسيلها والنظر إليها وعدم أولويته بها ، فمن الغريب بعد ذلك جرأة من عرفت على الفتوى بذلك ، فالتحقيق عدم إرثها مطلقا بل لو اشترطا ذلك في العقد على غير جهة الوصية بطل العقد بناء على اقتضاء بطلان الشرط بطلانه ، والله هو العالم.

__________________

(١) هكذا في النسخة الأصلية.

١٩٥

( الثامن )

( إذا انقضى أجلها بعد الدخول ) أو وهبت الأجل حرة كانت أو أمة بلا خلاف في التسوية بينهما ( فعدتها حيضتان ) وفاقا للشيخ ومن بعده ، كما في كشف اللثام. ( وروى (١) حيضة ) وعمل به ابن أبي عقيل على ما قيل ، بل عن ابن أذينة أنه مذهب زرارة أيضا ( وهو متروك ) بين الأصحاب ، فلا يعارض الأول الذي يدل عليه‌ الصحيح أو الحسن عن إسماعيل بن الفضل (٢) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المتعة ، فقال : ألق عبد الملك بن جريح فاسأله عنها ، فان عنده منها علما ، فأتيته فأملى علي شيئا كثيرا في استحلالها ، وكان فيما روى ابن جريح قال : ليس فيها وقت ولا عدد ـ إلى أن قال : ـ وعدتها حيضتان ، فان كانت لا تحيض فخمسة وأربعون يوما ، فأتيت بالكتاب أبا عبد الله عليه‌السلام ، فعرضته عليه فقال : صدق وأقربه » وخبر أبي بصير (٣) المروي عن تفسير العياشي وعن كتاب الحسين بن سعيد على ما عن البحار عن أبي جعفر عليه‌السلام « في المتعة ـ إلى أن قال ـ : ولا تحل لغيرك حتى تنقضي عدتها ، وعدتها حيضتان » ‌وما في المسالك والروضة من‌ خبر محمد بن الفضل (٤) عن أبي الحسن الماضي عليه‌السلام « طلاق الأمة تطليقتان ، وعدتها حيضتان » ‌منضما إلى ما رواه‌ زرارة (٥) في الصحيح عن الباقر عليه‌السلام « إن على المتمتعة ما على الأمة » ‌فإن المجتمع من الروايتين أن عدة المتعة حيضتان ، وإن كان قد يناقش فيه ـ بعد الغض عن‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب المتعة الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب المتعة الحديث ٨.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب المتعة الحديث ٦ والبحار ج ١٠٣ ص ٣١٥ ط الحديث.

(٤) الوسائل الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب العدد الحديث ٥ عن محمد بن الفضيل.

(٥) الوسائل الباب ـ ٥٢ ـ من أبواب العدد الحديث ٢ من كتاب الطلاق.

١٩٦

اختلاف روايات الأمة كما ستعرفه في محله ـ بأن صحيح زرارة لا دلالة فيه على ذلك بقرينة صدره ، قال فيه : « وعدة المطلقة ثلاثة أشهر ، والأمة المطلقة عليها نصف ما على الحرة ، وكذلك المتمتع عليها مثل ما على الأمة » إذ هو ظاهر في إرادة المماثلة بالأشهر ، نعم قد ورد تشبيه المتمتع بها بالأمة في غير المقام ، فيمكن بإطلاق التشبيه تتميم الاستدلال ، وإن كان هو كما ترى أيضا.

وعلى كل حال فالعمدة حينئذ ما سمعت مما لا يعارضه ـ بعد ما عرفت ـ صحيح زرارة (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « عدة المتمتعة إن كانت تحيض فحيضة ، وإن كانت لا تحيض فشهر ونصف » ‌والموجود في الكافي كما اعترف به غير واحد إسقاط « عدة المتمتعة » منه ، نعم هو في التهذيب كذلك ، ويؤيده روايته في الكافي في عدة المتمتع بها ، مضافا إلى ما عرفته من مذهب زرارة المظنون كون سنده ذلك ، ولا‌خبر عبد الله بن عمر (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث إلى أن قال : « فكم عدتها؟ قال : خمسة وأربعون يوما أو حيضة مستقيمة » ‌ولا‌خبر محمد بن أبي نصر (٣) عن الرضا عليه‌السلام المروي عن قرب الاسناد « قال أبو جعفر عليه‌السلام : عدة المتمتعة حيضة ، وقال : خمسة وأربعون يوما » ‌لاحتمال إرادة الحيضة وطهرها التأمين بدخول الحيضة الثانية ، فيكون حيضتين بناء على الاجتزاء بالدخول في الحيضة هنا ، لخبر عبد الله ابن جعفر الحميري (٤) عن صاحب الزمان المروي عن كتاب الاحتجاج « إنه كتب إليه في رجل تزوج امرأة بشي‌ء معلوم وبقي له عليها وقت فجعلها في حل مما بقي له عليها ، وإن كانت طمثت قبل أن يجعلها في حل من أيامها ثلاثة أيام أيجوز أن يتزوجها رجل آخر بشي‌ء معلوم إلى وقت معلوم عند طهرها من هذه الحيضة أو يستقبل بها حيضة أخرى؟ فأجاب عليه‌السلام يستقبل بها حيضة غير تلك الحيضة ، لأن أقل العدة حيضة وطهرة تامة » وعن بعض النسخ « وطهارة » ‌بناء على أن المراد‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب المتعة الحديث ١ وليس فيه « عدة المتمتعة » والموجود في التهذيب ج ٨ ص ١٦٥ الرقم ٥٧٣‌ « عدة المتعة ان كانت تحيض ». ‌

(٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب المتعة الحديث ٤ ـ ٦ ـ ٧.

١٩٧

منه ما ذكرناه ، لا أن المراد الطهارة التامة من الحيضة ، بمعنى اعتبار نقائها تماما من الحيض ، بل بناء على ما ذكرناه يمكن تنزيل‌ صحيح ابن الحجاج (١) عليه « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المرأة يتزوجها الرجل متعة ثم يتوفى عنها هل عليها العدة؟ قال : تعتد أربعة أشهر وعشرا وإذا انقضت أيامها وهو حي فحيضة ونصف مثل ما يجب على الأمة » الحديث الذي قد حكي العمل به عن الصدوق في المقنع ، وإلا كان متروكا كسابقه.

نعم ما يحكى عن المفيد من أن عدتها طهران قول معروف بين الأصحاب محكي عن ابني زهرة وإدريس والعلامة في المختلف ، بل هو ظاهر ثاني الشهيدين بل عن ابن زهرة الإجماع عليه ، لكن لم أعرف له دليلا بالخصوص سوى ما ذكره في محكي المختلف له من أخبار الحيضة ، فإنه إذا كملت لها حيضة فقد مضى عليها طهران : أحدهما قبلها والأخر بعدها ، إذ يكفي منهما لحظة ، وفيه أنه أعم من ذلك ، ضرورة عدم تحقق الطهرين بها فيما لو فرض مقارنتها لانتهاء الأجل ، وسوى ما في المسالك من الاستدلال له بحسن زرارة (٢) عن الباقر عليه‌السلام « إن كان حر تحته أمة فطلاقه تطليقتان وعدته قرءان » ‌لكون المراد من القرءين في العدد الطهرين نصا (٣) وفتوى كما تسمعه في محله إنشاء الله منضما إلى ما سمعته سابقا من النص (٤) على أن على المتمتعة ما على الأمة.

وفيه منع كون المراد بالقرءين هنا الطهرين وثبوته في ذلك المقام لا يستلزم القول به هنا ، خصوصا بعد النصوص المعتبرة (٥) الدالة على أن عدة الأمة حيضتان ، بل يقوى تفسير هذا المجمل بها ، فإنه وإن تعارض الروايات في الأمة المشبه بها المتعة إلا أنك ستسمع إن شاء الله في محله ما يدل من المعتبرة على كون العدة فيها الحيضتين ، على أنه يمكن أن يقال بعد إرادة الكامل من الطهر ـ كما سمعته في خبر صاحب الزمان‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب المتعة الحديث ٥.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد الحديث ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب العدد من كتاب الطلاق.

(٤) الوسائل الباب ـ ٥٢ ـ من أبواب العدد ـ الحديث ٢ من كتاب الطلاق.

(٥) الوسائل الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب العدد من كتاب الطلاق.

١٩٨

روحي له الفداء ـ نتحقق الحيضتان أيضا.

وبذلك كله يظهر لك اجتماع النصوص جميعها على الحيضتين بناء على الاجتزاء بالدخول في الحيضة الثانية ، بل منه يعلم عدم أحوطية الحيضتين من الطهرين ، لإمكان تحققهما بدون الطهرين ، كما في المثال المفروض فيه مقارنة الحيضة لانقضاء الأجل ، إلا أني لم أجد تحريرا في كلامهم هنا لكيفية الاعتداد بالحيضتين ، وأنه هل لا بد من حيضتين تامتين ، فلا يجزى ، حينئذ انقضاء أجلها في أثناء حيضها والدخول في حيضة أخرى ، أو أنه يكفى فيهما بعض الحيضة الاولى ولو لحظة والحيضة الثانية ولو لحظة ، أو أنه لا بد من تمام الحيضة الثانية خاصة ، كما يومئ إليه خبر صاحب الزمان عليه‌السلام أو بالعكس ، أو لا بد من حيضة كاملة ولحظة من حيضة أخرى من غير فرق بين السابقة واللاحقة ، إلا أن الذي ينساق إلى الذهن الأول الذي هو مقتضى الأصل وعلى كل حال فلا ريب في أن الأقوى اعتبار الحيضتين بما عرفت مما لا يصلح غيره لمعارضته ولو للشذوذ والندرة ، هذا كله في التي تحيض.

( و ) أما ( إن كانت لا تحيض ولم تيئس ) لكونها في سن من تحيض ( فخمسة وأربعون يوما ) إجماعا بقسميه ، ونصوصا (١) بل‌ في خبر البزنطي (٢) عن الرضا عليه‌السلام قال : « قال أبو جعفر عليه‌السلام : عدة المتمتعة خمسة وأربعون يوما والاحتياط خمس وأربعون ليلة » ‌بمعنى أن الاحتياط خمسة وأربعون يوما بلياليها ، بل الأولى عدم اعتبار التلفيق.

وأما غير مستقيمة الحيض أو المسترابة فيه لرضاع ونحوه فقد يقوى أن العدة أسبقهما ، على معنى إن مضى لها خمسة وأربعون قبل الحيضتين تمت عدتها ، وإن اتفق الحيضتان قبل ذلك تمت العدة على حسب ما سمعته في الطلاق ، وربما يشهد له في الجملة خبر قرب الاسناد (٣) واحتمال أن المدار على الحيضتين وإن طال الزمان بعيد ، بل يمكن القطع بعدمه بملاحظة ما سمعته في كتاب الطلاق ، والله العالم.

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب المتعة الحديث ـ ٠ ـ ٢ ـ ٦.

١٩٩

( وتعتد ) المتمتع بها الحرة ( من الوفاة ولو لم يدخل بها ) إجماعا ( بأربعة أشهر وعشرة أيام إن كانت حائلا ) وفاقا للمشهور للآية (١) في وجه والأصل و‌صحيح ابن الحجاج (٢) عن الصادق عليه‌السلام « سألته عن المرأة يتزوجها الرجل متعة ثم يتوفى عنها هل عليها عدة؟ قال : تعتد بأربعة أشهر وعشرا » وصحيح زرارة (٣) « سألت أبا جعفر عليه‌السلام ما عدة المتعة إذا مات عنها الذي يتمتع بها؟ قال : أربعة أشهر وعشرا ، قال : ثم قال : يا زرارة كل النكاح إذا مات الزوج فعلي المرأة حرة كانت أو أمة وعلى أي وجه كان النكاح منه ، متعة أو تزويجا أو ملك يمين فالعدة أربعة أشهر وعشرا » ‌الحديث. خلافا للمفيد والمرتضى والعماني وسلار ، قعدتها شهران وخمسة أيام لأنها كالأمة في الحياة فكذلك في الموت ، و‌مرسل الحلبي (٤) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « سألته عن رجل تزوج امرأة متعة ثم مات عنها ما عدتها؟ قال : خمسة وستون يوما ».

وفيه عدم خروج الأول عن القياس ، إلا أن يراد التمسك بعموم المنزلة الذي يجب الخروج عنه بما سمعت ، والمرسل الذي لا جابر له ساقط عن الحجية على أن في سنده الطاطري الواقفي الذي قيل فيه إنه شديد العناد في مذهبه ، صعب العصبية على من خالفه من الإمامية ، فيجب حينئذ طرحه في مقابلة الصحيحين أو حمله على إرادة خصوص الأمة من الامرأة فيه كحمل‌ خبر ابن يقطين (٥) عن أبي الحسن عليه‌السلام. « عدة المرأة إذا تمتع بها فمات عنها خمسة وأربعون يوما » ‌على الموت متصلا بانقضاء الأجل وإلا كان من الشواذ.

( و ) تعتد ( بأبعد الأجلين ) منها أي المدة على المختار أو على قول المفيد ومن وضع الحمل ( إن كانت حاملا ) بلا خلاف ولا إشكال عملا بالعامين ، فقول المصنف حينئذ ( على الأصح ) راجع للأول ، وهو العدة في الحائل ، هذا‌

__________________

(١) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٣٤.

(٢ و ٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ـ ٥٢ ـ من أبواب العدد الحديث ١ من كتاب الطلاق.

٢٠٠