جواهر الكلام - ج ٣٠

الشيخ محمّد حسن النّجفي

كله في الحرة.

( و ) أما ( لو كانت أمة ) فـ ( كانت عدتها حائلا بشهرين وخمسة أيام ) وفاقا للمشهور أيضا‌ للمعتبرة المستفيضة (١) « أن عدة الأمة إذا توفي عنها زوجها شهران وخمسة أيام » ‌مؤيدة بما دل (٢) على أنها على النصف من الحرة على وجه كان ذلك كالأصل ، خلافا للحلي والفاضل وغيرهما فكالحرة ، لصحيح زرارة (٣) السابق مؤيدا بما دل (٤) على اعتدادها من الوفاة بذلك الشامل بإطلاقه للدائمة والمتمتع بها ، كصحيح سليمان بن خالد (٥) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الأمة إذا طلقت ما عدتها؟ ـ إلى أن قال ـ قلت : فإن توفي عنها زوجها ، فقال : إن عليا عليه‌السلام قال في أمهات الأولاد : لا يتزوجن حتى يعتددن أربعة أشهر وعشرا وهن إماء » وموثقه عنه عليه‌السلام (٦) أيضا « عدة المملوكة المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرا » وصحيح وهب بن عبد ربه (٧) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام « عن رجل كانت له أم ولد فزوجها من رجل آخر فأولدها غلاما ، ثم إن الرجل مات فرجعت إلى سيدها إله أن يطأها؟ قال : تعتد من الزوج الميت أربعة أشهر وعشرة أيام ثم يطؤها بالملك بغير نكاح » والصحيح (٨) « إن الأمة والحرة كلتيهما إذا مات عنهما زوجهما سواء في العدة إلا أن الحرة تحد والأمة لا تحد » ‌وعن الشيخ الجمع بينها بحمل هذه على أمهات الأولاد ، وهو غير نام في الأخيرين الظاهرين أو الصريحين في غيرها ، نعم لا يبعد الجمع بالحمل على الاستحباب في غير ذات الولد ، وأما فيها فكالحرة ، للصحيح السالم عن المعارض.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤٢ ـ من أبواب العدد الحديث ٦ و ٧ و ٨ و ٩ و ١٠.

(٢) الوسائل الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب العدد الحديث ٣ والباب ٤٢ منها الحديث ١٠ والباب ٤٧ منها الحديث ٢.

(٣) الوسائل الباب ـ ٥٢ ـ من أبواب العدد الحديث ٢ من كتاب الطلاق.

(٤) الوسائل الباب ـ ٤٢ ـ من أبواب العدد من كتاب الطلاق.

(٥ و ٦ و ٧ و ٨) الوسائل الباب ـ ٤٢ ـ من أبواب العدد الحديث ١ ـ ٥ ـ ٣ ـ ٢ من كتاب الطلاق.

٢٠١

وأما الحامل فعدتها أبعد الأجلين من المدة والوضع ، وتركه المصنف لوضوحه ، واتكالا على ما ذكره سابقا.

( التاسع )

لا يصح له تجديد العقد عليها دائما ومنقطعا قبل انقضاء الأجل وفاقا للمشهور لعدم قابلية تأخر أثر عقد النكاح ، واستحالة تحصيل الحاصل ، ومفهوم‌ الصحيح (١) « لا بأس بأن تزيدك وتزيدها إذا انقطع الأجل فيما بينكما ، تقول لها : استحللتك بأجل آخر برضا منها ، ولا يحل ذلك لغيرك حتى تنقضي عدتها » وخبر أبان بن تغلب (٢) قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : « جعلت فداك الرجل يتزوج المرأة متعة فيتزوجها على شهر ، ثم إنها تقع في قلبه فيحب أن يكون شرطه أكثر من شهر ، فهل يجوز أن يزيدها في أجرها ويزداد في الأيام قبل أن تنقضي أيامه التي شرط عليها؟ فقال : لا يجوز شرطان في شرط ، قلت : فكيف يصنع؟ قال : يتصدق عليها بما بقي من الأيام ، ثم يستأنف شرطا جديدا » ‌فان المراد من الشرطين المدتان المتخالفتان والأجران المتباينان في شرط ، أي في عقد واحد ، ومقتضاه حينئذ عدم صحة ذلك حتى لو فعله في أول العقد ، بل لعل المراد أنه كما لا يجوز أجلان في عقد واحد فكذا لا يجوز عقد جديد قبل انفساخ عقد الأول ، فيكون أصرح في الدلالة على ذلك وعلى كل حال فهو واضح الدلالة على المطلوب.

خلافا للمحكي عن ابن حمزة والفاضل في المختلف مستظهرا له أيضا من العماني ـ وإن كان فيه ما فيه ـ لإطلاق الأدلة الذي لا ينافيه اشتغالها بأجله ، كما لا ينافي عقده عليها في أثناء عدته وإن لم يجز ذلك لغيره ، كما تطابقت عليه‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب المتعة الحديث ٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب المتعة الحديث ١.

٢٠٢

النصوص (١) والفتاوى ، خصوصا بعد تصريح الأدلة (٢) بأنهن مستأجرات ، ولا ريب في جواز ذلك في الإجارة.

وفيه أنه يجب الخروج عن ذلك كله بما عرفت ، كما أنه يجب تقييد ما ادعى وروده (٣) من نفى البأس عن زيادة الأجل بزيادة الأجر في تفسير قوله تعالى (٤) ( وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ ) إن كان بما عرفت كما هو واضح ، والله العالم. (٥)

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب المتعة الحديث ـ ٠.

(٢) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب المتعة الحديث ٢ و ٤ و ٥ والباب ـ ٢٦ ـ منها الحديث ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب المتعة الحديث ٨.

(٤) سورة النساء : ٤ ـ الآية ٢٤.

(٥) بما أن كتاب النكاح قسم الى جزءين في النسخة الأصلية المبيضة لذلك ذكر هنا ما يأتي « تم المجلد الأول من كتاب النكاح الذي هو المجلد السابع من قسم العقود زاد الله توفيق الشارح ، انه رؤوف ودود ، ويتلوه المجلد الثامن وهو جلد آخر النكاح في نكاح الإماء بعون الله خالق الأرض والسماء » ومن هنا افتتح الجزء الثاني منه بالبسملة ، وحيث ان شيئا من ذلك لم يكن في النسخة الأصلية المسودة لذلك أسقطناه من الكتاب.

٢٠٣

( القسم الثالث )

( في نكاح الإماء )

أي وطئهن ( وهو إما بالملك أو بالعقد ) لعدم خروج أصل النكاح عن ذلك لقوله تعالى (١) ( إِلاّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ ) وغيره ، والتحليل عقد أو ملك منفعة كما ستعرفه إن شاء الله.

( و ) قد عرفت أن ( العقد ضربان دائم ومنقطع ، وقد مضى كثير من أحكامهما ) المشتركة بين الإماء وغيرهن‌ ( و ) لكن ( يلحق هنا مسائل ).

( الأولى )

( لا يجوز للعبد ولا للأمة أن يعقدا لأنفسهما نكاحا إلا بإذن المالك ) بل ولا يجوز على الأصح أن يعقدا لغير هما أيضا ذلك ولا غيره من المعقود ، وإن كان لو وقع منهما ترتب الأثر وإن إثما من غير حاجة إلى إذن السيد ، نعم قد يقال بوجوب الأجرة على من له العقد على إشكال فيما إذا لم يكن ذلك بأمره من وصول منفعة مال الغير إليه ومن عدم حصول سبب الضمان منه ، فالأصل البراءة.

وكيف كان ( فان عقد أحدهما من غير إذن وقف على إجازة المالك ) بناء على المختار من صحة الفضولي خصوصا في النكاح وسيما في العبد الذي عن الخلاف الإجماع عليه ، مضافا إلى المعتبرة (٢) المستفيضة فيه ، فان أجاز انكشف صحة العقد على‌

__________________

(١) سورة المؤمنون : ٢٣ ـ الآية ٦.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٤ و ٢٥ و ٢٦ و ٢٩ من أبواب نكاح العبيد والإماء.

٢٠٤

الأصح وإلا انكشف بطلانه.

( و ) لكن مع ذلك ( قيل ) والقائل النهاية والتهذيب والمهذب فيما حكى عنها بل تكون اجازة المالك كالعقد المستأنف قال فيها : « إن من عقد على أمة الغير بغير إذنه فنكاحه باطل ، فإن رضي المولى كان رضاه كالعقد المستأنف » ويمكن بل في كشف اللثام أنه الظاهر إرادة التزلزل من البطلان فيه كما عن النكت والمختلف ، أو البطلان ان لم يرض المولى ، فيكون موافقا للمشهور حينئذ وإلا كان واضح الفساد ضرورة عدم التحليل بما لم يقصد منه ذلك ، إذ الفرض رضاه بالعقد السابق.

( وقيل ) والقائل من أبطل الفضولي ( يبطل ) العقد ( فيهما ) أي في العبد والأمة ، وحينئذ ( فتلغى الإجازة ) إذ لا تصير الفاسد في نفسه صحيحا إلا أنك قد عرفت ما فيه.

( وفيه ) أيضا ( قول رابع ) قد اختاره ابن حمزة فيما حكى عنه ( مضمونه اختصاص ) تأثير ( الإجازة بعقد العبد ) للنصوص (١) الكثيرة ( دون الأمة ) التي نهى عن العقد عليها بدون الاذن (٢) وهو يقتضي الفساد ، بل في بعض الأخبار (٣) ٢٦٨٥٩ النص على البطلان ، وفي آخر أنه زنا (٤) ومال إليه في الحدائق بل لعله ظاهر محكي الخلاف والسرائر.

( و ) لا ريب في أن ( الأول أظهر ) بل الرابع منها واضح الضعف ، ضرورة إرادة النكاح تاما من دون مراعاة الاذن ولو لا حقا من النهي المزبور ، وكذا البطلان والزنا كما عرفته في نظائر ذلك ، وخلو النصوص بالخصوص عن التعرض للأمة اتكالا على ما ذكر في العبد الذي يمكن إرادة المملوك الشامل لهما منه ، بل قد سمعت سابقا‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٤ و ٢٥ و ٢٦ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ٤.

(٣) الوسائل الباب ـ ٦٧ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ١.

(٤) الوسائل الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ٢ و ٣.

٢٠٥

أنه ورد (١) جواز نكاح أمة المرأة من غير إذنها وإن كنا لم نعمل به.

على أن بعض النصوص هنا قد اشتملت علي التعليل الذي هو كالصريح في عدم الفرق بين العبد والأمة ، كحسن زرارة (٢) أو موثقه عن أبي جعفر عليه‌السلام « سألته عن مملوك تزوج بغير إذن سيده ، فقال : ذاك إلى سيده إن شاء أجازه وإن شاء فرق بينهما ، قلت : أصلحك الله إن الحكم بن عيينة وإبراهيم النخعي وأصحابهما يقولون : إن أصل النكاح فاسد ، ولا يحلله إجازة السيد له ، فقال أبو جعفر عليه‌السلام : إنه لم يعص الله وإنما عصي سيده ، فإذا أجازه فهو جائز له » ‌وخبره الآخر (٣) عنه عليه‌السلام أيضا « سألته عن رجل تزوج عبده بغير إذنه فدخل بها ثم اطلع على ذلك مولاه ، فقال : ذلك إلى مولاه إن شاء فرق بينهما وإن شاء أجاز نكاحهما ، وللمرأة ما أصدقها إلا أن يكون اعتدى فأصدقها صداقا كثيرا ، فإن أجاز نكاحه فهما على نكاحهما الأول ، فقلت لأبي جعفر عليه‌السلام : فإنه في أصل النكاح كان عاصيا ، فقال أبو جعفر عليه‌السلام : إنما أتى شيئا حلالا ، وليس بعاص الله ، وإنما عصى سيده ولم يعص الله ، إن ذلك ليس كإتيانه ما حرمه الله عليه من نكاح في عدة وأشباهه » ‌إذ هي صريحه في أن عصيان الله تعالى في النكاح الذي هو من قبيل المعاملة يقتضي فساده ، وأن نكاح العبد الغير المأذون إنما لم يفسد ، لأنه لم يعص الله وإنما عصى سيده ، وهذا لا فرق فيه بين العبد والأمة.

وتحقيق ذلك على وجه يجدي في غير المقام أيضا أن المعصية المنفية في‌ قوله عليه‌السلام : « لم يعص الله » ‌ليست مطلق المعصية ، بل المراد منها معصية مخصوصة تقتضي فساد النكاح ، والمعنى أنه لم يعص الله سبحانه عصيانا يوجب الفساد كما في نكاح المحرمات والنكاح في العدة وغيرهما مما يحرم لعينه أو وصفه اللازم كما يدل عليه‌ قوله عليه‌السلام : « إنما أتى شيئا حلالا » وقوله عليه‌السلام : « إن ذلك ليس كإتيانه » ‌إلى آخره وإلا فعصيان السيد يستلزم عصيان الله ، لأن الله أوجب على العبد طاعة سيده ، فإذا عصى سيده فقد عصى الله ، فلا يصح نفى المعصية عنه مطلقا ، وإنما يصح نفى المعصية‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب المتعة.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ١ ـ ٢.

٢٠٦

الناشئة من أصل النكاح ، فإن معصية الله في نكاح العبد بدون إذن سيده إنما نشأ من عصيان سيده ، وهو أمر خارج عن النكاح مفارق إياه.

وحاصل الوجه المذكور أن المعصية الموجبة لفساد النكاح هي مخالفة أمر الله تعالى في نفس النكاح ، وعصيان المملوك في نكاحه بدون إذن سيده ليس كذلك فإنه قد حصل منه في نكاحه ذلك معصيتان : معصية لسيده في أصل النكاح ومعصية لله تعالى باعتبار مخالفته لسيده ، ومن المعلوم أن شيئا منهما ليس عصيانا لله في أصل النكاح فلا يكون عصيانه موجبا لفساد النكاح ، فمعنى‌ قوله عليه‌السلام : « إنه لم يعص الله ولكن عصى سيده » ‌انه لم يعص الله عصيانا راجعا إلى أصل النكاح حتى يفسد نكاحه ، وإنما عصى سيده معصية موجبة لعصيان الله فيما هو خارج عن النكاح ، وذلك لا يوجب فساده ، وهو صريح فيما اخترناه من التفصيل في الأصول ، وحجة على كل من إطلاقي القول بالفساد وعدمه.

لا يقال : إن ذلك يقتضي الصحة وإن لم تحصل الإجازة ، وهو معلوم البطلان لأنا نقول : عدم الصحة مع فقد الإجازة ليس للتحريم ، بل لاشتراط رضا المولى في صحة النكاح وإن كان متأخرا عن العقد ، فمع حصوله لم يبق إلا عصيانه في فعله ذلك ، وقد عرفت أنه لا يقتضي الفساد ، فيصح العقد حينئذ لوجود المقتضي وارتفاع المانع ، فقوله عليه‌السلام : « لم يعص » إلى آخره ، إشارة إلى الثاني ، و‌قوله عليه‌السلام : « فإذا أجازه » ‌إلى آخره ، إشارة إلى الأول.

كما أن ما يقال : إنه لا دليل على خصوص المعصية المنفية التي تكون مدار الفساد يدفعه ما عرفت من ظهور الخبرين في عدم اقتضاء المعصية بأمر خارج الفساد ، واقتضائها ذلك فيما كان راجعا إلى أصل النكاح أو وصفه اللازم ، كما يشهد له‌ قوله عليه‌السلام : « إنما أتى شيئا حلالا » ‌إلى آخره ، على أنه لا إشكال في دلالة الخبرين المزبورين على بطلان إطلاقي القول بالفساد وعدمه ، وذلك يستلزم التفصيل ، إذ ليس في المسألة تفصيل آخر يمكن الحمل عليه.

كما يدفع ما عساه يقال ـ من أن العصيان مخالفة الأمر ، والسؤال في الرواية‌

٢٠٧

لم يقع إلا عن التزويج بغير إذن الذي هو العنوان في كلام الفقهاء ، فالمراد من العصيان حينئذ هو الوقوع بغير إذن ، ولا شك أن العمومات تقتضي صحته ، بل المفروض فيما إذا كان هناك دليل شرعي يقتضي الصحة ، وحينئذ يكون معنى‌ قوله عليه‌السلام : « لم يعص الله » ‌أن فعل العبد موافق لقول الله الذي يقتضي الصحة ، غاية ما في الباب أنه وقع بغير إذن السيد ، فلو كان السيد هو المعقود له بغير إذنه تكون الإجازة له فكذا العقد على عبده ، لاتحاد دليل الصحة ومقتضاها ، فالخبر حينئذ دال على عدم الاقتضاء كما عليه المعظم ، ولو أريد من العصيان ظاهره لم يصح الحكم بأنه « لم يعص الله » إلى آخره ، بل كان الأمر بالعكس ، إذ المفروض أنه لم يقع منه نهي ، وانما عصى الله في عقده بدون إذن سيده ، لنهيه عن ذلك بدون إذن مولاه ـ بأن العصيان انما يستعمل في مخالفة الحكم الشرعي ، وإطلاقه على مخالفة الحكم الوضعي كمخالفة الصحة غير معهود ، وإنما المعهود فيه إطلاق الفساد والبطلان مع أن الحمل عليه لا يستقيم في‌ قوله عليه‌السلام : « وإنما عصى سيده » ‌إذ ليس للسيد قول يقتضي الصحة حتى يكون فعل العبد مخالفا له.

وحمل العصيان هنا على حقيقته مع إرادة المعني المذكور في قوله عليه‌السلام : « لم يعص » تفكيك ركيك لا يلائمه الحصر ، فإنه انما هو بالقياس إلى ما نفى في‌ قوله عليه‌السلام : « لم يعص الله » ‌فيكون إثباتا للمعنى المنفي هناك ، فلا يصح التفكيك على الحقيقة ، على أن الحقيقة في‌ قوله عليه‌السلام : « عصى سيده » ‌متعذرة بناء على ما ذكر من أن العصيان مخالفة الأمر إلى آخره ، فينبغي حمله على ما يوجب العقوبة في الجملة وإن لم يكن لمخالفة الأمر ، فيلزم الخروج عن ظاهر اللفظ في الموضعين ، مع التفكيك بحمله فيهما على معنيين مختلفين ، مع أن امتناع الحقيقة في قوله عليه‌السلام « عصى سيده » انما اقتضي الصرف عن الظاهر في قوله عليه‌السلام : « لم يعص الله » للزوم التفكيك بدونه على ما يفهم من كلامه ، وإلا فالحمل على الظاهر فيه ممكن بإرادة نفي العصيان على بعض الوجوه ، فالعدول عنه ليس إلا للفرار عن لزوم التفكيك ،

٢٠٨

والحمل على المعنى المذكور كر فيما أريد الفرار منه.

فالصواب أن يقال : إن العصيان في قوله عليه‌السلام : « لم يعص الله » جار علي أصله أعنى مخالفة الأمر ، والمعنى أنه لم يخالف أمر الله في النكاح ، فإنه لم يمنعه من النكاح ولم يحرم عليه ، وفي قوله عليه‌السلام : « عصى سيده » مبني على تنزيل العادة منزلة النهي ، فإنها قاضية بمنع استقلال العبد بالنكاح وأشباهه مما يجب أن يصدر عن أمر المولى ورأيه أو محمول على فعل ما يجب العقوبة وإن لم يكن لمخالفة الأمر مجازا ، ولا يلزم التفكيك القبيح حينئذ للمناسبة الظاهرة بين المعنيين وصحة الحصر بالقياس إلى المعنى المنفي ، بخلاف الحمل على مخالفة مقتضى الصحة على ما عرفت. ويمكن حمله في الموضعين على ما يوجب العقوبة مطلقا ، أما في عصيان السيد فلتعذر الحقيقة الموجب للحمل على المجاز ، وأما في عصيانه فلئلا يختلف ، وحينئذ فلا يلزم التفكيك ، غاية الأمر حصول المعنى في أحدهما بمخالفة الأمر ، وفي الأخر بأمر آخر غير ذلك ، وهذا لا يوجب التفكيك في المعنى المراد من لفظ العصيان ، كما هو واضح.

( و ) على كل حال فـ ( لو ) كان قد ( أذن المولى ) ابتداء ( صح ) بلا خلاف ولا إشكال ( وعليه مهر مملوكه ونفقة زوجته ) كما تقدم الكلام فيه مفصلا ( وله مهر أمته ) وإن تأخرت الإذن بلا خلاف ولا إشكال ، كما أن الظاهر وجوب النفقة عليه بالإذن المتأخرة للعبد ، لأنها يجب يوما فيوما ، فهو بالنسبة إلى المتجدد كالإذن المبتدأة من غير فرق ، ولأنها تلزم كل يوم ، فإنها لا تعيش بلا نفقة ، ولا ملك للعبد ، فلو لم نوجبها على المولى بقيت بلا نفقة.

أما بالنسبة إلى المهر ففيه إشكال ، ولعله من أن الإجازة مصححة أو كاشفة وأن الاذن في الشي‌ء إذن في لوازمه التي منها هنا المهر المعلوم لزومه للعقد الصحيح ، والعبد لا يملك شيئا ، ومن أن العقد لما وقع تبعه المهر ولم يلزم المولى حينئذ ، وإنها رضيت بكونه في ذمة العبد ، وفيهما منع ظاهر ، فالأقوى وجوبه بها بناء على وجوبه بها في السابقة ، لعدم ظهور الفرق بينهما عند التحقيق.

٢٠٩

نعم في القواعد احتمال ثبوت المهر والنفقة في كسب العبد المتجدد ، ومنه ربح تجارته ، فيصرف حينئذ ما يكسبه كل يوم في نفقتها ، فما فضل يعطي من المهر حتى إذا وفى أعطى الفاضل لمولاه ، ولا يدخر لنفقة اليوم الاتي شيئا ، فإن نفقة كل يوم إنما تتعلق بكسبه ، وعلى هذا لا يضمن السيد شيئا من النفقة والمهر إن أعوز الكسب ، لأنهما لم يتعلقا بذمته ، بل بمال معين له ، كما أن أرش الجناية يتعلق برقبته لا بذمة المولى ، وانما يجب عليه أن يمكنه من الاكتساب بما يفي بهما ، فإن منعه من الاكتساب بأن استخدمه يوما أو أياما فأجرة المثل ، لأنه كالأجنبي ويحتمل وجوب أقل الأمرين من الأجرة والكسب ، وتحتمل أقل الأمرين من الكسب والنفقة إن وفي المهر ، هذا كله في ذي الكسب.

أما إذا لم يكن ذا كسب أو قصر كسبه عن النفقة احتمل ثبوتها في رقبته وفي ذمة المولى ، بل عن الشيخ في المبسوط ثبوت النفقة في رقبته حتى في ذي الكسب ، فيباع حينئذ كل يوم جزء منه فيها ان أمكن وإلا فجملة ، ولم يذكر المهر ، ولعله أولى بتعلقه بها من النفقة ، لكونه عوض البضع ، فتنزيله منزلة أرش الجناية أظهر اللهم إلا أن يقال : إنها لما مكنته من نفسها فقد رضيت بالتأجيل فيتبع به بعد العتق وقد يحتمل أيضا عدم وجوب الكسب على العبد في النفقة مع عدم التزام المولى بها ، فتخير الامرأة حينئذ بين الصبر إلى أن يتمكن العبد من الإنفاق عليها وبين الفسخ بنفسها أو بالحاكم بناء على جواز ذلك في زوجة المعسر عن الإنفاق ، ولكن قد عرفت التحقيق في ذلك كله هناك ، فلا حظ وتأمل.

وكيف كان فلو اشترته زوجته أو اتهبته انفسخ النكاح ، فان كان قبل الدخول سقط نصف المهر الذي في ذمة السيد ، لكونه انفساخا قبل الدخول باختيارها ، مع من عليه المهر ، فتكون كالخالعة قبل الدخول ، ويحتمل سقوط جميعه ، لانه فسخ من قبلها من دون اختيار للزوج ، وهو مسقط للمهر ، وإن ضمنه غيره فان اشترته من مولاه بالمهر الذي لها في ذمته بطل الشراء على الثاني ، لخلو البيع حينئذ عن العوض ، فصحته حينئذ تقتضي بطلانه ، وبطل النصف خاصة على الأول ، نعم لها‌

٢١٠

شراؤه بما يساوى المهر في الذمة ، ثم تقاصه ، كما أنه يصح شراؤها له بالمهر المضمون بعد الدخول ، ضرورة استقراره ، نعم في القواعد « لو جوزنا إذن المولى في نكاح العبد على وجه يكون المهر في ذمة العبد ـ لأن له ذمة ولذا يضمن المتلفات ـ فاشترته به بطل البيع » أي قبل الدخول وبعده ، لأن تملكها له يستلزم براءة ذمته من المهر فيخلو البيع عن العوض ، فتأمل.

ولا فرق في جميع ما ذكرنا بين اتحاد المالك وتعدده كما أشار إليه المصنف بقوله ( وكذا لو كان كل واحد منهما ) أي العبد والأمة ( لمالك أو أكثر ) وحينئذ ( فـ ) ان ( اذن بعضهم لم يمض إلا برضا الباقين أو إجازتهم بعد العقد على الأشبه ) بأصول المذهب وقواعده المقتضية صحة الفضولي الذي من جملته محل الفرض ، كما تقدم الكلام فيه مفصلا.

المسألة ( الثانية )

( إذا كان الأبوان رقا كان الولد كذلك ) بلا خلاف ولا إشكال ، لأن نماء المال ملك لمالكه ( فان كانا ) أي العبد والأمة ( لمالك واحد فالولد له وإن كانا لاثنين كان الولد بينهما نصفين ) وفاقا للمشهور بين الأصحاب ، بل كافتهم عدا أبي الصلاح ، فجعله لمولى الأمة كسائر الحيوانات ، وفيه أن السبب هنا في التنصيف اقتضاء العقد لحوق الأولاد بهما ، والفرض عدم مزية لأحدهما على الأخر كي يختص اللحوق به. كما يومئ إليه ما تسمعه من نصوص (١) تزوج العبد حرة وبالعكس الظاهرة في كونه اللحوق هناك للحر منهما ، باعتبار أشرفيته التي منها يعلم التساوي في اللحوق بهما مع عدم المزية ، أما إذا لم يكن ثم لحوق لعدم العقد كما في زنا العبد بأمة فإنه يلحق بالأم كما صرح به الفاضل في القواعد وغيره ، بل لم يحك فيه خلاف ، لكونه نماء لها كباقي الحيوانات ، ولعل الوجه فيه أن الانعقاد‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء.

٢١١

من نطفة الأم وأن نطفة الفحل من المعدات كما عساه يشهد له ما قيل من اتفاق الانعقاد من رائحة مني الفحل ، فهي حينئذ كالماء في نبات الأرض ، أو أن الوجه فيه عد ذلك من نماء الام وتوابعها عرفا ، نحو البيض في الطير مثلا والثمر في الشجر أو غير ذلك.

أما لو زنى العبد بحرة فلا لحوق شرعا ، والأصل الحرية ، لكن في كشف اللثام أنه قطع الأصحاب برقية الولد من الحرة التي تزوجت عبدا غير مأذون عالمة بذلك وكأنه مناف لذلك ، اللهم إلا أن يحمل العقد بالنسبة إليه شبهة أو في حكمها لنقصان عقله ، فيتجه حينئذ الرقية باعتبار تحقق سبب اللحوق به بالنسبة إليه دونها ، كما لو تزوجت أمة حرا بغير إذن مولاها عالما بذلك ، فان ولدها منه رق ، لعدم اللحوق به ، لكونه زانيا ، وهي كالمشتبهة ، لنقصان عقلها ، فيبقى ولدها رقا مضافا إلى أنه نماء الملك ، نحو ما لو زنى الحر بأمة ، فإن الولد رق ، لعدم اللحوق ، فإنه لا سبب له شرعا ، ولكن يبقى مقتضى تبعية نماء الملك.

أما لو تزوج عبد غير مأذون بأمة غير مأذونة فالظاهر التنصيف أيضا إجراء لحكم العقد منهما مجرى الشبهة الملحقة بالنكاح الصحيح المقتضي للحوق الولد بهما كما عرفت.

وعلى كل حال فالتنصيف في المتن وغيره كما عرفت لكونه نماء ملكهما كما علله به غير واحد ، حتى أشكله في المسالك وكشف اللثام والحدائق بعدم ظهور الفرق بين الإنسان وغيره من الحيوانات التي لا إشكال في تبعية النماء للام فيها ، إذ قد عرفت أن الإنسان كغيره أيضا في ذلك حيث لم يكن عقد أو ما هو بمنزلة العقد من الشبهة للطرفين أو أحدهما ، بل لعله لذا وجب على من اشترى أمة وأولدها ثم بان أنها للغير دفع قيمة الولد ، كمن تزوجها على أنها حرة فبان أنها أمة ، وغير ذلك مما ذكرناه وما لم نذكره مما هو مبنى أيضا على كون الإنسان كالحيوان في التبعية للأم ، فتأمل جيدا.

( ولو اشترطه ) أي الولد ( أحدهما أو شرط زيادة عن نصيبه لزم الشرط‌ )

٢١٢

بلا خلاف أجده فيه لعموم‌ « المؤمنون عند شروطهم » (١) ‌بل لا يبعد صحة هذا الشرط في الحيوانات غير الإنسان أيضا ، بل في كل مال مشترك شركة تقتضي الشركة في الفرع على حسب الأصل لولا الشرط ، وليس ذلك من الشرائط المخالفة للسنة ، فإن تبعية الملك للنماء لا تنافي تمليك من هو له بالشرط لغيره كما يملك ماله المعين به ، واحتمال الفرق بكونه في الثاني كالهبة بخلافه في الأول يدفعه ظهور النص (٢) والفتوى في صحة التملك بالشرط لكل ما يقبل التمليك مجانا أو بالعوض وإن لم نقل بقيام الشرط مقام الأسباب في غير ذلك ، ولعله لعدم انحصار نحو هذا التمليك بسبب خاص ولفظ كذلك ، فيكفي فيه حينئذ الرضا بالشرط ممن اشترط عليه ، ويكون ذلك بمنزلة الإيجاب والقبول في ضمن عقد لازم ، فتأمل جيدا فإنه دقيق نافع ، أو يقال : إنه من اشتراط إسقاط حقه من النماء واختصاص الحق بالاخر أو غير ذلك.

وكيف كان فـ ( لو كان أحد الزوجين حرا لحق الولد به سواء كان الحر هو الأب أو الأم ) وفاقا للمشهور لأصالة الحرية وغلبتها ، والمعتبرة المستفيضة ، كمرسل مؤمن الطاق (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « إنه سئل عن المملوك يتزوج الحرة ما حال الولد؟ فقال : حر ، فقلت : والحر يتزوج المملوكة ، قال : يلحق الولد بالحرية حيث كانت ، إن كانت الأم حرة أعتق بامه ، وإن كان الأب حرا أعتق بأبيه » ‌وخبر جميل وابن بكير (٤) في الولد بين الحر والمملوكة قال : « يذهب إلى الحر منهما » ‌وخبر جميل (٥) أيضا « سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : إذا تزوج العبد الحرة فولده أحرار ، وإذا تزوج الحر الأمة فولده أحرار » ‌وخبره (٦)

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب المهور الحديث ٤.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب أحكام العقود من كتاب التجارة.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ٧.

(٥) الوسائل الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ٦.

(٦) الوسائل الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ٨.

٢١٣

أيضا « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الحر يتزوج الأمة أو عبد تزوج حرة ، قال : فقال لي : ليس يسترق الولد إذا كان أحد أبويه حرا إنه يلحق بالحر منهما أيهما كان : أبا أو اما » ‌إلى غير ذلك من النصوص الدالة على ذلك ، مؤيدا بأصالة الحرية وبنائها على التغليب ، وقد عرفت أن مقتضى العقد التشريك في الولد ، فيكون جزء منه حرا ويسري إلى الجزء الأخر تغليبا ، مضافا إلى أصالة عدم لحوق أحكام العبيد من التحجير وغيره مما هو مناف لإطلاق ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (١) ونحوه.

خلافا للإسكافي فقال ـ كما في المختلف ـ : « إذا زوج الأمة سيدها ومولاتها فولدت فهو بمنزلتها رق إلا أن يشرط الزوج عتقهم ، ولو تزوجت بعده فولدت كان المولى بالخيار في الولد ، إن شاء أعتق ، وإن شاء رق ما لم يشترط الثاني كما اشترط الأول » نعم حكى عنه في المختلف أنه حكم بأن العبد إذا تزوج الحرة كان ولده أحرارا كقولنا ، فدليله فيما ذكر‌ حسن الحلبي وصحيحه (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في رجل تزوج أمة من رجل وشرط له أن ما ولدت فهو حر ، فطلقها زوجها أو مات عنها فزوجها من رجل آخر ، ما منزلة ولدها؟ قال : منزلتها ما جعل ذلك إلا للأول ، وهو في الأخر بالخيار إن شاء أعتق وإن شاء أمسك » وصحيح البصري (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام أيضا « في رجل زوج جاريته رجلا واشترط عليه أن كل ولد تلده فهو حر فطلقها زوجها ثم تزوجها آخر فولدت منه ، قال : إن شاء لم يعتق » وخبر أبي بصير (٤) عنه عليه‌السلام أيضا « أن رجلا دبر جارية ثم زوجها من رجل فوطأها كانت جاريته وولدها منه مدبرين ، كما لو أن رجلا أتى قوما فتزوج إليهم مملوكتهم كان ما ولد لهم مماليك » وصحيح أبان (٥) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل دبر مملوكة ثم زوجها من رجل آخر فولدت منه أولادا ثم مات زوجها وترك أولادا منها فقال : أولاده منها كهيئتها ، فإذا مات الذي دبر فهم أحرار ،

__________________

(١) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ١.

(٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ١٣ ـ ١١ ـ ١٠.

(٥) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب التدبير الحديث ١.

٢١٤

قلت : أيجوز للذي دبرا مهم أن يرد في تدبيره إذا احتاج؟ قال : نعم ، قلت : أرأيت إن ماتت أمهم بعد ما مات الزوج وبقي أولادها من الزوج الحر أيجوز لسيدها أن يبيع أولادها أو يرجع عليهم في التدبير؟ قال : إنما كان له أن يرجع في تدبيرا مهم إذا احتاج ورضيت » ‌وخبر عبد الله بن سلمان (١) في حديث « سألته عن رجل زوج وليدته رجلا ، قال : أول ولد تلد منه فهو حر ، قلت : فتوفي الرجل وتزوجها آخر فولدت له أولادا ، فقال : أما من الأول فهو حر ، وأما من الأخر فإن شاء استرقهم » ‌وخبر الحسن بن زياد (٢) قلت له : « أمة كان مولاها يقع عليها ثم بدا له فزوجها ما منزلة ولدها؟ قال : منزلتها إلا أن يشترط زوجها » ‌مؤيدا ذلك كله بأنه نماء ملكه ، ومعلومية تقدم حق العبد على حق الله ، إلا أنها ـ وإن كان فيها الصحيح وغيره ـ قاصرة عن معارضة السابقة المفتي بمضمونها ، الموافق لما عرفت ، المخالف للعامة الذين جعل الله الرشد في خلافهم ، ومن هنا حكي عن بعضهم حمل هذه الأخبار على التقية ، كما أنه يمكن حملها على كون الرجل عبدا أو حرا قد اشترط عليه ذلك ، بناء على صحة الشرط أو غير ذلك مما لا بأس به بعد وضوح قصورها ولو بالاعراض من الطائفة المحقة.

فلا مناص حينئذ عن القول بالحرية مع حرية أحدهما ( إلا أن يشترط المولى ) للأمة أو العبد ( رق الولد فـ ) إنه ( إن شرط لزم الشرط على قول مشهور ) بين الأصحاب ، بل لم أجد فيه ترددا فضلا عن الخلاف قبل المصنف ، بل ظاهر حمل الشيخ والفاضل خبر أبي بصير السابق (٣) على الشرط المفروغية عنه ، ولعله‌ لعموم « المؤمنون » (٤) ‌وإطلاق النصوص المزبورة الشامل لحالي الشرط وعدمه ، كشمول إطلاق الأدلة إلا أنها رجحت على هذه في صورة عدم الشرط بالعمل بين الأصحاب‌

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ١٤ ـ ١٢ عن عبد الله بن سليمان.

(٣) الوسائل الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ١٠.

(٤) الوسائل الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب المهور الحديث ٤.

٢١٥

عدا ابن الجنيد ، فلترجح هذه على تلك أيضا بالعمل بين الأصحاب في صورة الشرط على أن شرط الرقية في الفرض نحو شرط الحرية التي صرح بصحته فيها وإن كان لا يفيد إلا على مذهب ابن الجنيد ، ضرورة اشتراكهما في كونهما شرطي نتيجة شرعية لأسباب خاصة ، فمع فرض صلاحية الشرط للأول منهما يتجه صلاحيته للثاني منهما ، بل هو لازم له عند التأمل ، واستبعاد صلاحية الشرط لذلك اجتهاد في مقابلة النص.

ودعوى عدم صلاحية الشرط لرقية الحر ـ وإلا لصح اشتراطها في المتولد من الحرين ـ يدفعها أن المسلم امتناعه تأثير الشرط في رقية المتصف بالحرية فعلا بل والمستعد لها مع عدم مقتضى لها غيره ، كالمتولد من الحرين ، فان رفع اليد من كل من الأبوين عن مقتضى تأثير إطلاق العقد الشركة يقتضي عدم لحوق المتولد منهما بكل منهما في الصفة ، وذلك لا يقتضي الرقية ، بل أقصاه نفي حريته من حيث التبعية ، أما حريته للأصل فهي باقية لم ترتفع بشي‌ء بخلاف ما نحن فيه ، فان رفع يد الحر عن مقتضي ما أثبته العقد له من الشركة في الولد يقتضي اختصاص الأخر بالنماء فيتبعه في الملك حينئذ ، ففي الحقيقة صيرورته رقا بالتبعية لا بالشرط ، وإنما أفاد رفع مقتضي الحرية الذي كان حاصلا بسبب إطلاق العقد ، بل عند التأمل الجيد لا يزيد ما نحن فيه على اشتراط مالك العبد على مالك الجارية كون النماء له وبالعكس الذي قد ذكرنا أنه لا خلاف في صحته.

ودعوى منع صلاحية الشرط لذلك أيضا ممنوعة ، فإنه لا عقل ولا نقل يقتضي حرية المتولد بين الحر والمملوك على وجه ينافي الشرط المزبور ، بل لعلهما شاهدان على خلافه كما عرفت ، نعم أقصى ما دلت عليه الأدلة أنه مع الإطلاق يقتضي الشركة في الولد ، فيكون جزؤه حرا ، وقد عرفت غير مرة أن الحرية تسرى لبنائها على التغليب ، فمن هذه الجهة حكم بالحرية في النصوص المزبورة مع الإطلاق ، وهو المراد من‌ قوله عليه‌السلام فيها : « ليس يسترق الولد » ‌إلى آخره ، لا أن المراد أنه لا يصح الاشتراط على الحر من مولى المملوك كون النماء له الذي قد عرفت ظهور الأدلة في خلافه.

٢١٦

بل منه يعلم ما في كلام هؤلاء المتأخرين الذين أقدموا على مخالفة الحكم المسلم فيما بينهم بمثل هذه التشكيكات ، ضرورة أنه إن كان المانع أن الشرط غير صالح لإثبات النتائج من دون أسبابها فلا معنى لإثبات الرقية به ، ففيه بعد التسليم أنه كاشتراط كون النماء له في المملوكين وغيره مما جاء بالأدلة ، وإن كان المانع أنه شرط غير مقدور باعتبار أن رقية الولد ليست للأب كي يصح اشتراط ذلك عليه ، ففيه منع كون ما نحن فيه من هذا القبيل ، بل هو من اشتراط مولى المملوك أن النماء له ، فيتبعه في الملك ، وليس في العقل ولا في النقل ما يدل على عدم صحة اشتراط ذلك ، بل هما شاهدان لنا على الصحة ، ولا ينافيه استعداد النطفة للحرية لو لا الشرط للتقريب الذي ذكرناه ، فهو في الحقيقة اشتراط إسقاط ما اقتضاه إطلاق العقد من الشركة في النماء كغيره من الشرائط ، لا من اشتراط رقية الحر كي يكون من المستبشعات.

بل منه يعلم النظر في حصرهم الدليل في خبر أبي بصير (١) الذي ناقشوا فيه بالضعف تارة ، وبكونه مقطوعا في رواية التهذيب اخرى وبنحو ذلك ، ولم يلتفتوا إلى إطلاق الروايات المعتبرة المعتضدة بفتوى الأصحاب في صورة الشرط ، بل لا ينكر صراحتها في قابلية الشرط لحرية الرق لولاه التي يعلم منها كون ذلك وعكسه مما يصلح لإثباته بالشرط بالتقريب الذي قد سمعته فتأمل جيدا ، فإنه دقيق نافع ، مضافا إلى ما تسمعه من النصوص في ولد المحللة (٢) ما لم يشترط حريته فضلا عن اشتراط رقيته.

وعلى كل حال فعلى القول ببطلان الشرط وأنه يقتضي بطلان العقد تثبت حرية الولد مع الوطء شبهة ، لعدم العلم بالفساد ، أما مع علمه فالظاهر الرقية‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ١٠.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣٧ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء.

٢١٧

حينئذ لكونه من الزنا المقتضي لعدم لحوق الولد ، فتبقى قاعدة تبعية النماء للملك سالمة حينئذ ، أما على القول بعدم اقتضاء بطلان الشرط بطلان العقد فلا ريب في ثبوت الحرية ، ضرورة كون العقد حينئذ كالمطلق ، وإن كان قد يقال : إن إقدام المالك على ذلك يقتضي إثبات القيمة له على الحر ، لكنه كما ترى.

أما على القول بصحة الشرط فلا إشكال في ترتب مقتضاه حينئذ ، بل في القواعد والمسالك وغيرهما أنه لا يسقط بالإسقاط وإنما يعود الولد إلى الحرية بسبب جديد كملك الأب له ، وفيه منع عدم صلاحية الشرط المزبور للإسقاط ، لتناول ما دل على صحة إسقاط مثله له ، فيعود حينئذ بعد الإسقاط إلى اقتضاء العقد الحرية بالتقريب الذي عرفته ، والله العالم.

المسألة ( الثالثة )

( إذا تزوج الحر أمة من غير إذن المالك ) سابقا ولاحقا ( ثم وطأها قبل الرضا عالما بالتحريم ) ولم يلحقه ثم رضا ( كان زانيا ) قطعا ( وعليه الحد ) بلا خلاف ولا إشكال ، لا أن المراد قبل تبين الرضا مع احتمال حصوله ، إذ ذاك ليس بزنا قطعا وإن أثم هو أيضا به ، لكن من المحتمل مصادفته للزوجية واقعا ، لاحتمال حصول الإجازة ، والحدود تدرأ بالشبهات ، نعم يترتب عليه تعزير بإقدامه المحرم عليه ، بل والحد أيضا ، بناء على أن الإجازة ناقلة ، لكن التحقيق أنها كاشفة كما عرفت في محله.

( و ) علي كل حال ( لا مهر ) لها عند المصنف وبعض ( إذا كانت عالمة مطاوعة ) لأنها حينئذ ، بغي ، ولا مهر لبغي وليس منفعة البضع على حسب غيرها من الأموال التي تضمن بالاستيفاء على كل حال ، بل وكذا باقي الاستمتاعات ، ومن هنا لم يترتب عوض على من استمتع بأمة الغير بغير الوطء وإن ضمن الأجرة لو استخدمها ، وإنما يضمن البضع خاصة في الأمة بالعقد أو الشبهة أو الإكراه.

٢١٨

لكن فيه ـ مضافا إلى ما تسمعه من الصحيحين ـ (١) أن الخبر (٢) ظاهر في الحرة بقرينة ذكر المهر المتعارف إطلاقه على صداقها ، بخلاف عوض بضع الأمة المسمى بالعقر ونحوه ، ومن هنا سميت الحرة مهيرة دونها ، على أن‌ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٣) « لبغي » ‌يقتضي الملك أو الاستحقاق المنفيين عن الأمة التي مهرها لسيدها ، فهو حينئذ قرينة ثابتة على إرادة الحرة من الخبر ، ولو سلم إمكان إرادة الاختصاص نحو السرج للدابة فهو مجاز لا قرينة عليه ، مؤيدا ذلك كله بعدم صلاحية بغيها لإسقاط حق الغير ، فان ذلك ليس عقوبة لها ، وبمنع عدم مالية بضع الأمة الذي لا وجه لقياسه على غيره من الاستمتاع لو سلم الحكم في المقيس عليه باعتبار عدم عده ما لا في العرف والشرع بخلاف الوطء المقابل به عرفا وشرعا.

هذا وفي وجوب المسمى عليه أو مهر المثل أو العشر إن كانت بكرا ونصفه إن كانت ثيبا وجوه بل أقوال لا يخلو الأخير منها من قوة ، وفاقا للمحكي عن ابن حمزة واختاره سيدا المدارك والرياض على ما حكى عن أولهما ، لصحيح الوليد بن صبيح (٤) عن الصادق عليه‌السلام في « رجل تزوج امرأة حرة فوجدها أمة دلست نفسها له ، قال : إن كان الذي زوجها إياه من غير مواليها فالنكاح فاسد ، قال : قلت : كيف يصنع بالمهر الذي أخذت منه؟ قال : إن وجد ما أعطاها فليأخذه ، وإن لم يجد شيئا فلا شي‌ء له عليها ، وإن كان زوجها إياه ولي لها ارتجع على وليها بما أخذت منه ، ولمواليها عشر قيمة ثمنها إن كانت بكرا وإن كانت غير بكر فنصف عشر قيمتها بما استحل من فرجها ، قال : وتعتد منه عدة الأمة ، قلت : فان جاءت منه بولد ، قال :

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣٥ و ٦٧ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ١ منهما.

(٢) سنن البيهقي ج ٦ ص ٦.

(٣) لم نعثر على ما اشتهر‌ « لا مهر لبغي » ‌وانما الموجود في سنن البيهقي ج ٦ ص ٦‌ « نهى النبي ص عن. مهر البغي » ‌و « لا يحل. ولا مهر البغي » ‌وأنه « سحت » أو « خبيث ».

(٤) الوسائل الباب ـ ٦٧ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ١.

٢١٩

أولادها منه أحرار إذا كان النكاح بغير إذن الموالي » ‌الظاهر في أن ذلك بسبب ما استوفاه من منفعة البضع التي لا فرق في كيفية استيفائها بزنا أو شبهة ، عقد أو شراء أو غير ذلك ، كما يؤيده فتوى المشهور بين الأصحاب في باب البيع أن من اشترى أمة فخرجت مستحقة للغير أغرم له ذلك ، حتى أن المصنف نفسه أفتى به هناك ، بل ظاهرهم ما صرح به بعضهم هناك من عدم الفرق بين كون الأمة عالمة وغير عالمة إلا من الشهيد في الدروس.

واحتمال اختصاص ذلك بصورة الوطء شبهة لا ما يشمل الزنا الذي هو محل البحث بقرينة‌ قوله عليه‌السلام : « بما استحل » ‌يدفعه أولا ظهور إرادة المقابلة من قوله عليه‌السلام : « بما استحل » لا خصوص الوطء بعنوان كونه حلالا له ، نحو‌ قول أبي جعفر عليه‌السلام في خبر زرارة (١) الذي سئل عمن اشترى جارية ثم ظهر كونها مستحقة بالبينة « ترد إليه جاريته ويعوضه مما انتفع » ‌بناء على إرادة ذلك منه ، على أن‌ صحيح الفضيل بن يسار (٢) صريح في عدم مدخلية الاستحلال « سأل الصادق عليه‌السلام عما إذا أحل له ما دون الفرج فغلبته الشهوة فافتضها ، قال : لا ينبغي له ذلك قال : فان فعل أيكون زانيا؟ قال : لا ولكن يكون خائنا ويغرم لصاحبها عشر قيمتها إن كانت بكرا وإن لم تكن بكرا فنصف العشر » ‌بل من إطلاق الصحيحين يعلم الحكم في أصل المسألة ، وأنه لا مدخلية لبغيتها في سقوط حق المولى خصوصا إذا كانت بكرا ، فإنه ينبغي القطع بثبوت ذلك له.

واحتمال القول بخروجه عن محل البحث باعتبار كونه جناية على المملوك موجبة لنقصه فضمانه من هذه الحيثية لا من حيث كونه مهرا يدفعه معلومية كون العشر الذي أثبته الشارع نصفه أرشا للبكارة ونصفه من حيث الانتفاع بالوطء ، بقرينة‌ قوله عليه‌السلام : « وإن لم تكن بكرا فنصف العشر » ‌كما هو واضح بأدنى تأمل.

ومنه يعلم الحكم فيما لو كان المتزوج بالأمة من غير إذن سيدها عبدا وكانت‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٨٨ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ١.

٢٢٠