جواهر الكلام - ج ٣٠

الشيخ محمّد حسن النّجفي

( تتمة )

يثبت غير العنن من العيوب بإقرار صاحبه ، واليمين المردودة ، والنكول على قول ، وشهادة عدلين ، وفي العيوب الباطنة للنساء بشهادة أربع من النساء عادلات ، لصحيح داود بن سرحان (١) السابق وغيره.

ولو كان لكل من الرجال والامرأة عيب موجب للخيار يثبت لكل منهما ، لإطلاق الأدلة ، حتى في الرتق الممتنع إزالته مع الجب ، وإن كان لا يخلو من إشكال باعتبار ظهور النص في أن العلة في ذلك تضرر أحدهما بعدم التمكن من الوطء ، وهنا لا ضرر لاشتراكهما.

ولو طلق قبل الدخول ثم علم بالعيب لم يسقط عنه ما وجب بالطلاق : ولا فسخ له هنا لعدم الزوجية ، بل وكذا بعده حتى في الرجعية ، لذلك أيضا مع احتماله فيها ، لبقاء العلقة ، فيفيد حينئذ تعجيل البينونة ، وحل الخامسة ، والأخت ، وانقطاع الإرث ، ونفقة العدة ، وليس له الرجعة ثم الفسخ بالعيب ، لكونها بعد العلم به رضا به ، نعم لو لم يعلم إلا بعد الرجعة كان له الفسخ بلا إشكال.

وهل يثبت للأولياء الخيار إذا ظهر لهم العيب؟ الوجه ذلك ، كما في القواعد مع مصلحة المولى عليه ، زوجا كان أو زوجة ، للعموم المقتصر على خروج الطلاق منه نصا وإجماعا ، وحينئذ فإذا اختار الإمضاء لم يكن للمولى عليه بعد كما له فسخ ، لكن في القواعد لم يسقط خياره ، وكأنه مناف لإثباته للولي ، نعم قد يحتمل عدم الخيار للولي كما سمعته سابقا في نظائر المقام ، لأنه منوط بالشهرة ، فهو كالطلاق ، بل لعله المشهور في غير المقام ، لكن سمعت المناقشة فيه هنا ، والله العالم.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب العيوب والتدليس الحديث ١.

٣٦١

( المقصد الثالث في التدليس : )

وهو تفعيل من المدالسة بمعنى المخادعة ، والدلس محركا الظلمة ، فكأن المدلس لما دلس وخدع أظلم الأمر على المخدوع ، ذكروه في كتاب البيع ، وأثبتوا به الخيار إن فعل ما يظهر به ضد الواقع ، كتحمير وجه الجارية ووصل الشعر ، والتصرية للشاة ونحو ذلك ، ولعل ذلك هو المنساق منه ، إلا أن الذي يظهر من نصوص (١) المقام بل هو صريح جماعة من الأصحاب تحققه هنا بالسكوت عن العيب مع العلم به ، فضلا عن الإخبار بضده : من السلامة وبوصف الحرية ونحوها واشتراط البكارة على حسب ما ستعرفه ، وكأنه المنشأ في ذلك أدلة المقام.

ومنه يعلم ما فيه من الاشكال به في القواعد ، قال فيها : « ويتحقق بإخبار الزوجة أو وليها أو ولي الزوج أو السفير بينهما على إشكال بالصحة أو الكمالية عقيب الاستعلام أو بدونه ، وهل يتحقق لو زوجت نفسها أو زوجها الولي مطلقا؟ إشكال ، ولا يتحقق بالاخبار لا للتزويج أو له لغير الزوج » بل في كشف اللثام بعد أن ذكر وجه الاشكال من عدم الاخبار ، ومن انصراف الإطلاق إلى السالم الكامل ، وإطلاق‌ قوله عليه‌السلام في خبر رفاعة (٢) « وإن المهر على الذي زوجها ، وانما صار عليه المهر لأنه دلسها » ‌قال : « وهو عندي ضعيف مخالف للأصول ، خصوصا في الكمال ، ولا سيما بالنسب ونحوه ، ولو فرق بين ما يعلم عادة عدم الرغبة في النكاح معه من عيب أو نقص مطلقا أو بالنظر إلى حال الزوج وخلافه كان حسنا ، ومثله الكلام لو زوج نفسه أو زوجه الولي مطلقا ».

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب العيوب والتدليس الحديث ٦ و ١٤ والباب ـ ٢ ـ منها الحديث ٧.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب العيوب والتدليس الحديث ٢.

٣٦٢

قلت : لا إشكال في عدم التدليس بالسكوت عن صفة الكمال ، كما لا إشكال في تحقق حكمه بالسكوت عن العيب من العالم به ، هي أو وليها ، وليس الدليل منحصرا في خبر رفاعة الذي وصفه بالضعف والمخالفة للأصول.

بل يشعر به‌ صحيح الحلبي (١) عن الصادق عليه‌السلام « في الرجل الذي يتزوج إلى قوم فإذا امرأته عوراء ولم يبينوا له ، قال : لا ترد إنما يرد النكاح من البرص والجذام والجنون والعفل ، قلت : أرأيت إن كان قد دخل بها كيف يصنع بمهرها؟ قال : لها المهر بما استحل من فرجها ، ويغرم وليها الذي أنكحها مثل ما ساق إليها » ‌ضرورة ظهورهما في تحقق التدليس الذي يرجع به على الولي بعدم بيان مثل هذه العيوب ، ونحوه صحيح محمد بن مسلم (٢) عن الباقر عليه‌السلام.

وإطلاق‌ مرسل ابن بكير (٣) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يتزوج المرأة بها الجنون والبرص وشبه ذلك ، قال : هو ضامن للمهر ».

وما يشعر به‌ صحيح الحلبي (٤) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في رجل ولته امرأة أمرها أو ذات قرابة أو جارة له لا يعرف دخيلة أمرها فوجدها قد دلست عيبا هو بها ، قال : يؤخذ المهر منها ، ولا يكون على الذي زوجها شي‌ء ».

وخبر محمد بن مسلم (٥) عن أبي جعفر عليه‌السلام إنه قال : « في كتاب علي عليه‌السلام من زوج امرأة فيها عيب دلسه ولم يبين ذلك لزوجها فإنه يكون لها الصداق بما استحل من فرجها ، ويكون الذي ساق الرجل إليها على الذي زوجها ولم يبين » ‌إلى غير ذلك من النصوص الدالة على ذلك ، ك‍ صحيح الحذاء (٦) وصحيح داود بن سرحان (٧)

__________________

(١) ذكر صدره في الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب العيوب والتدليس الحديث ٦ وذيله في الباب ـ ٢ ـ منها الحديث ٥.

(٢) أشار إليه في الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب العيوب والتدليس الحديث ٦ وفي الباب ـ ٢ ـ منها الحديث ٥ وذكره في الفقيه ج ٣ ص ٢٧٣ الرقم ١٢٩٧.

(٣ و ٤ و ٥ و ٦ و ٧) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب العيوب والتدليس الحديث ٣ ـ ٤ ـ ٧ ـ ١ ـ ٦ وفى الثانى‌ «. أو جار لها. ».

٣٦٣

وخبر غياث بن إبراهيم (١) وغيرها.

بل هو أيضا ظاهر المحكي عن مبسوط الشيخ وابن الجنيد ، وصريح المحكي عن التحرير ، بل صرح به أيضا ثاني الشهيدين والمحققين ، بل في موضع من جامع المقاصد أنه المفهوم من كلام الفقهاء والنصوص عن أئمة الهدى صلوات الله عليهم أجمعين ، فلا إشكال حينئذ في تحققه في ذلك هنا.

كما لا إشكال في اعتبار الاشتراط أو الوصف بالنسبة إلى صفات الكمال ، كما تسمع ما ورد فيها من النصوص (٢).

وأما إشكاله في السفير ففي جامع المقاصد « إن أراد به المتولي للعقد بين الزوجين لم يكن للإشكال فيه وجه ، لأن النص وكلام الأصحاب صريحان في أن العاقد على ذات العيب يغرم مهرها إلا إذا لم يكن عالما بحالها ، فالغرم عليها ، وإن أراد به الرسول بينهما والمتولي للعقد غيره فالغرم على العاقد لا عليه ، نعم يجي‌ء الإشكال فيما إذا كان العاقد بعيدا عن العلم بأحوال الزوجة والواسطة عالما بحالها ، لأنه حينئذ غار يتغرم وظاهر النص ينفي الغرم عنه لتعليقه بالمنكح ، ومثله ما لو أخبر السفير الولي بأنه أعلم الزوج بالعيب مثلا وكان كاذبا ، فإن الإشكال في تغريمه من حيث إنه غار ، ومن حيث إن الولي مفرط في الركون إلى خبره ، هذا حكم العيب ، وأما حكم النقص فان الغرم على وصف المرأة بالحرية فظهرت أمة ، وعلى من شرط البكارة فظهر ضدها ، ولا تفاوت بين كونه وليا وأجنبيا ».

ولا يخفى عليك ما في كلامه من التشويش الذي لم يرجع إلى محصل ، والذي يظهر من نصوص (٣) المقام أن المدلس الذي يرجع عليه بالمهر هو المتولي شرعا لأمر الامرأة ، أو عرفا ولو بتوليتها هي أمرها إذا كان عالما بعيبها عارفا بدخيلة أمرها ، ولا مدخلية للأجنبي المباشر للفظ العقد ، والإنكاح الموجود في‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب العيوب والتدليس الحديث ١٤.

(٢) الوسائل الباب ـ ٨ و ١٠ ـ من أبواب العيوب والتدليس.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب العيوب والتدليس.

٣٦٤

النص (١) لا يراد منه مباشرة العقد ، بل المراد منه من يسند اليه التزويج على وجه إسناده إلى الأولياء العرفيين الذي يكون العقد عليها حد ما وقع بأمرهم من مقدمات النكاح ، وهو الذي يراد منه الاعلام بالأمر وإظهار الحال للزوج ، كما أنه هو الذي يسند اليه التفريط بترك الاخبار ، بل الظاهر اختصاصه بالغرامة وإن كان قد شاركته الامرأة بعد إعلام الزوج إلا أنه حيث كان المتولي الذي يراد منه الاخبار بنحو ذلك اختص بالغرامة دونها ، بل ربما كان القول قولها بيمينها لو أنكر العلم بالعيب الظاهر فيها الذي يبعد خفاؤه على مثله ، كما صرح به في جامع المقاصد في مقام آخر بعد أن ذكر ما لا يخلو من تشويش أيضا فيما يصير الشخص مدلسا ، قال : « ويناسب الحال أن يراد بالولي هنا المتولي لأمرها وإن كان وكيلا بحيث يكون تزويجها مستندا اليه ، سواء باشر العقد أم لا ، والأخبار لا تدل على أمر غير ذلك ، والدليل لا ينهض إلا عليه ، لأن التدليس منوط بالباعثية » وكأنه أراد ما ذكرنا ، إلا أنه ينبغي أن يعلم أن ذلك من خواص المقام ، ضرورة عدم جريان مثله في التدليس بالبيع.

كما أنه ينبغي أن يعلم أنه قد ظهر لك مما ذكرنا مجامعة العيب للتدليس وانفراد كل منهما عن الأخر ، فقد يكون عيبا من غير تدليس كما لو كان خفيا على الزوجة ووليها ، وما في جامع المقاصد من التوقف في ذلك في غير محله ، وتدليس من غير عيب ، كمسائل هذا الفصل المشتملة على فقد صفات الكمال ، وتدليس وعيب ، كما لو دلس بالعيب ، وهو الذي تقدم في الفصل السابق ، إلا أنه لا حكم له زائدا على خيار العيب إلا في الرجوع بالمهر الذي قد عرفت الكلام فيه ، وأما احتمال إثبات الخيار من جهته فهو واضح الفساد ، ضرورة ظهور النص والفتوى في اتحاد جهة الخيار بالتدليس بالعيب الذي قد عرفت أنه يتحقق بمجرد السكوت عن الإخبار بالعيب مع العلم به الذي لا يصح فيه إسقاط الخيار من جهة العيب‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب العيوب والتدليس الحديث ٥.

٣٦٥

وبقاؤه من جهة الكتمان ، بل النصوص صريحة في فساده ، كما هو واضح.

( و ) كيف كان فـ ( فيه ) أى هذا المقصد ( مسائل : )

( الأولى )

( إذا تزوج ) الحر أو العبد ( امرأة ) معينة ( على ) شرط ( أنها حرة فبانت أمة ) كلا أو بعضا صح العقد مع إذن السيد أو إجازته وكون العاقد ممن يجوز له نكاح الأمة ، لا طلاق الأدلة ، والإجماع المحكي عن السرائر ، نعم ( كان له الفسخ ولو دخل ) قيل : لأن فائدة الشرط قلب العقد اللازم جائزا ، بل لا يسقط الخيار الحاصل منه بالتصرف كما عرفته في محله.

وفيه أن الأولى الاستدلال بظاهر النص (١) والفتوى بتحقق الخيار بالتدليس بنحو ذلك ، لا للشرط المزبور ، وإلا لكان مقتضاه ثبوت الخيار بتعذر كل شرط في عقد النكاح ، أو بالامتناع من الوفاء به على نحو ما سمعته في البيع ، واحتمال الالتزام بذلك ينافيه اقتصارهم في خيار النكاح على العيوب المخصوصة ، والتدليس بالأمور المذكورة ، بل تصريحهم بعدم قبول النكاح لاشتراط الخيار.

( و ) على كل حال فما ( قيل ) والقائل الشيخ في المحكي من مبسوطة وخلافه ( العقد باطل ) لقاعدة لزوم الوفاء بالشرط المتعذر هنا ، بل هو مشخص للمعقود عليها ، فمع انتفائه يكون الواقع غير مقصود والمقصود غير واقع ـ كما ترى ، إذ فيه أن لزوم الوفاء به لا يقتضي بطلان العقد بتعذره ، خصوصا مع كونه حقا للمشروط له ، فله إسقاطه ورفع اليد عنه ، وتشخيصه للعقد لا يزيد على تشخيص الوصف الذي قد عرفت في محله تسلط الخيار لانتفائه ، لا فساد العقد.

( و ) حينئذ فلا ريب في أن ( الأول أظهر ) منه ، بل هو واضح الضعف ، بل لو لم يكن ذلك باذن المولى كان صحيحا أيضا موقوفا على الإجازة ، لما عرفته‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب العيوب والتدليس.

٣٦٦

في محله ، نعم لو لم يكن العاقد ممن يجوز له نكاح الأمة كان فاسدا ، اللهم إلا أن يريد الشيخ ذلك أو الأول مع التجوز في البطلان أو أن مذهبه ذلك في نكاح الأمة من دون إذن سيدها ، لما تقدم في محله ، وخصوص‌ خبر الوليد بن صبيح (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في رجل تزوج امرأة حرة فوجدها أمة قد دلست نفسها ، قال : إن كان الذي زوجها إياه من غير مواليها فالنكاح فاسد ، قلت : كيف يصنع بالمهر الذي أخذت منه؟ قال : إن وجد مما أعطاها شيئا فليأخذه ، وإن لم يجد شيئا فلا شي‌ء له عليها ، وإن كان زوجها إياه ولي لها ارتجع على وليها بما أخذت منه ، ولمواليها عليه عشر قيمتها إن كانت بكرا ، وإن كانت غير بكر فنصف عشر قيمتها بما استحل من فرجها ، قال : وتعتد منه عدة الأمة ، قلت : فان جاءت منه بولد ، قال : أولادها منه أحرار إذا كان النكاح بغير إذن الموالي » ‌لكن الظاهر إرادته الفساد مع عدم إجازة الموالي ، ولا ريب في الفساد حينئذ ، وهو واضح كوضوح الحال في لزوم العقد على الصحة مع رضا السيد والزوج بعد العلم بالحال.

( و ) أنه ( لا مهر لها مع الفسخ قبل الدخول ) لهما تقدم من أن مقتضاه رد كل عوض إلى صاحبه ، بل ( و ) لا في أن ( لها المهر ) تماما ( بعده ) لما تقدم من قراره بالدخول ، وقد فرض كون العقد صحيحا ، ومقتضى صحته لزوم ما تضمنه من المسمى ، ولا يعارضه أن مقتضى الفسخ رجوع المسمى إلى مالكه وغرامة مهر المثل عوض ما استوفاه من منفعة البضع ، لما عرفت من أن الفسخ وإن اقتضى ذلك لكن في خصوص المقام ونظائره لا يقتضي سوى فسخ العقد ورد البضع إلى أهله ، للأدلة الدالة على قرار المهر بالدخول وإن فسخ بعده ، كما عرفته فيما سبق وتعرفه فيما يأتي ، فما عن ابن الجنيد هنا أيضا من وجوب مهر المثل واضح الضعف ، كما عرفته فيما تقدم.

( و ) كذا ما ( قيل ) عن المقنع والنهاية وغيرهما ( لمولاها العشر ) إن كانت بكرا ( أو نصف العشر ) إن كانت ثيبا ( ويبطل المسمى ) لصحيح الوليد (٢) الذي هو‌

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٦٧ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ١.

٣٦٧

وإن كان معتبر السند ، وقابلا لتخصيص ما دل (١) على خلافه ، وموافقا لقاعدة الفسخ في الجملة ولما دل (٢) على عدم خلو البضع عن مهر إلا أنه ـ لإعراض المعظم واحتمال وجوب العشر ونصفه في صورة الفساد وإن رجع هو به على المدلس إن كان ، بل لعله الظاهر منه عند التأمل فهو حينئذ خارج عما نحن فيه ، وغير ذلك ـ كان قاصرا عن معارضة ما دل (٣) على وجوب المسمى مع صحة العقد من وجوه ( و ) من هنا كان ( الأول أشبه ) بأصول المذهب وقواعده ، كما عرفت تفصيل الكلام فيه ، بل وفي أن لها المسمى أو مهر المثل أو العشر ونصف العشر في النكاح الفاسد ، بل وفي أن وطء الشبهة أيضا يوجب مهر المثل أو المقدر ، وفي أنه يغرم أرش البكارة مع ذلك أيضا أولا وفي استحقاقها العوض مع علمها بالتحريم ، وغير ذلك مما تقدم في المباحث السابقة ، فلا حظ وتأمل ، والله العالم.

( و ) على كل حال ( يرجع بما اغترمه ) من مهر بل وقيمة ولد ونفقة ( على المدلس ) إن كان النكاح فاسدا قطعا ، بلا خلاف معتد به أجده فيه ، لقاعدة الغرور ، والنصوص (٤) السابقة في التدليس بالعيب ، وصحيح الوليد (٥)

__________________

(١ و ٣) الوسائل الباب ـ ٥٤ ـ من أبواب المهور.

(٢) لم نعثر على ما يكون صريحا في عدم خلو البضع عن المهر ، والظاهر أنه استفيد من الروايات التي دلت على أنه يجب على الرجل كذا بما استحل من فرجها وهي كثيرة منها ما رواه في الوسائل في الباب ـ ١٦ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٦ والباب ـ ٦٧ ـ من نكاح العبيد والإماء الحديث ١ والباب ـ ٣ ـ من العيوب والتدليس الحديث ٣ والباب ـ ٦ ـ منها الحديث ١ والباب ـ ٢ ـ منها الحديث ٢. نعم‌ ورد « لا يصلح نكاح الا بمهر » ‌في روايات عديدة ذكرها في الوسائل في الباب ـ ٢ ـ من أبواب عقد النكاح.

(٤) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب العيوب والتدليس.

(٥) الوسائل الباب ـ ٦٧ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ١.

٣٦٨

المتقدم آنفا و‌خبر إسماعيل بن جابر (١) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل نظر إلى امرأة فأعجبته ، فسأل عنها ، فقيل : هي ابنة فلان فأتى أباها ، فقال : زوجني ابنتك ، فزوجه غيرها ، فولدت منه ، فعلم بعد أنها غير ابنته ، وأنها أمة ، قال : ترد الوليدة على مواليها ، والولد للرجل ، وعلى الذي زوجه قيمة الولد ، يعطيه موالي الوليدة كما غر الرجل وخدعه » وفي خبره الآخر (٢) عنه عليه‌السلام أيضا قلت : « جاء رجل إلى قوم فخطب إليهم أن يزوجوه من أنفسهم فزوجوه وهو يرى أنها من أنفسهم فعرف بعد ما أولدها أنها أمة ، قال : الولد له ، وهم ضامنون لقيمة الولد لمولى الجارية » ‌إلى غير ذلك مما هو معتضد بعدم الخلاف فيه وعدم الاشكال.

نعم ( لو كان مولاها دلسها قيل ) والقائل الشيخ والجماعة كما في المسالك : ( يصح ) العقد ( و ) لا خيار فيه ، لأنها ( تكون حرة بظاهر إقراره ) أو إنشائه لو كان قد قال : « هي حرة » أو « هذه حرة » أو نحو ذلك مما يقتضي الحكم بحريتها إقرارا أو إنشاء قبل حصول العقد عليها ، فمع فرض رضاها بالنكاح سابقا أو لاحقا يصح العقد على جهة اللزوم ( و ) يكون المهر لها.

نعم ( لو لم يكن تلفظ بما يقتضي العتق ) لا إقرارا ولا إنشاء ( لم تعتق ) بل هي باقية على الرق ، خلافا لما عن ظاهر المبسوط ( ولم يكن لها مهر ) لأن الفرض تدليس المولى إياها ، والمهر راجع إليه ، بل لو كان قد دفع إليها شيئا من المهر باذنه وأتلفته يرجع به عليه ، للغرور أيضا ، بل في القواعد احتمال الرجوع عليه وإن لم يأذن ، والرجوع به في كسبها والتبعية به بعد العتق ، وهو وإن كان جيدا ، بل وافقه عليه جماعة من المتأخرين ومتأخريهم ، لكنه خروج عن موضوع المسألة الذي هو تدليسها حرة ثم ظهر بعد ذلك أنها أمة ولو للعلم بكذب إقراره ، ولعله لذا نسبه المصنف إلى القيل مشعرا بتمريضه ، نعم قيل : ينبغي استثناء أقل ما يتمول أو مقدار مهر المثل في صورة الرجوع بالمهر لئلا‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب العيوب والتدليس الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٦٧ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ٧.

٣٦٩

يخلو البضع عن المهر ، وفيه ما عرفته سابقا من منافاته لدليل الرجوع الظاهر أو الصريح في المسمى جميعه الموافق لفتوى المعظم ، اللهم إلا أن يقال في خصوص المقام باستثناء العشر أو نصفه منه ، لصحيح الوليد (١) السابق ، ويمكن تنزيل ما سمعته من المقنع والنهاية على هذه الصورة خاصة ، وإن كان فيه ما عرفته أيضا.

ولو تحررت بعد النكاح فعلم الزوج في حال حريتها أنها كانت أمة مدلسة قبل النكاح فالظاهر ثبوت الخيار ، خلافا لمحتمل القواعد في نظير المسألة من عدم الخيار ، لارتفاع الضرر ، وأصالة اللزوم ، ونحو ذلك مما لا يعارض إطلاق دليل الخيار ، والله العالم.

( ولو دلست ) هي ( نفسها كان عوض البضع لمولاها ) وهو المسمى في العقد مع إجازته على الأصح ومهر المثل أو العشر ونصفه إن لم يجز ( و ) لكن ( رجع الزوج به عليها إذا أعتقت ) لقاعدة الغرور ( ولو كان دفع إليها المهر استعاد ما وجد منه ) ودفعه بعينه إلى المولى إذا كان العقد واقعا عليه وإلا إن شاء دفعه أو غيره من الأفراد وأما ما تلف منه فـ ( يتبعها به عند حريتها ) للقاعدة السابقة.

ولا فرق في هذه الأحكام بين الحر والعبد ، لإطلاق الدليل ، نعم حكم الرجوع ونحوه لسيده ، بل والخيار بناء على اختصاص الطلاق في كونه بيد العبد دون غيره كما تقدم الكلام فيه سابقا ، نعم لو أعتق. قبل الفسخ فالأقرب أن الرجوع به للعبد ، لأنه حينئذ من كسبه وهو حر ، وربما احتمل كونه للمولى ، لأنه عوض ما دفعه عن عبده الذي لم يدخل في ملكه ، بل خروجه عن ملك المولى كان متزلزلا ، وفيه منع.

ثم إن كان الغار هو الوكيل لها أوله رجع بالجميع وإن كانت هي فكذلك ولكن يتبعها به بعد العتق ، ولا يرجع على سيدها الذي قد استحق غير المهر‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٦٧ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ١.

٣٧٠

بالوطء ، ولو حصل الغرور بينهما رجع بنصفه على الوكيل حالا ونصفه عليها بعد العتق.

ولو أولدها ففي القواعد « كان الولد رقا لمولاه إن كان المدلس سيدها وأذن لها في التزويج مطلقا أو في التزويج به بخصوصه أو بأي عبد كان » وفيه نظر مع فرض المسألة على وجه يثبت الخيار المتوقف على حصول الاذن منهما المستلزم شركة الولد بينهما ، لكونه نماء ملكيهما ، وتدليس السيد بالحرية لا ينافي ذلك ، وفرض المسألة إذن مولى الجارية دون العبد حتى يكون الولد لمولى العبد ينافي الحكم بالخيار ، وهذا كله مع الشرط في متن العقد.

أما إذا تزوجها على أنها حرة بالاخبار بذلك قبل العقد من الولي أو الجارية أو أجنبي من دون اشتراط لفظا ففي المسالك وغيرها وعن المبسوط عدم الخيار ، للأصل المستفاد من عموم ( أَوْفُوا ) (١) وغيره ، بل صريح بعضهم ذلك حتى مع اشتراط ذلك قبل العقد ، تمسكا بما دل على عدم العبرة بالشرائط السابقة قبل العقد من النصوص السابقة ، لكن قد عرفت ما فيه في محله ، مضافا إلى ظهور الأدلة هنا التي منها صحيح الوليد (٢) وخبر إسماعيل بن جابر (٣) المتقدمة في تحقق التدليس بالأعم من ذلك ومن الاخبار بالحرية قبل العقد على وجه يكون الباعث له على تزويجها ذلك ، بل هو قائم في نفسه قيام الداعي وإن لم يشترطه في العقد ولا قبله ، بل لعل العرف أيضا كذلك.

نعم قد يتوقف في تحققه بالسكوت منها أو ممن يتولى نكاحها مع العلم ، كما عرفته فيما تقدم ، مع إمكان القول بكونه تدليسا أيضا إذا فرض علم الساكت بقدوم الزوج على الحرية وإن استفادها من الأصل ونحوه ، ومن هنا أطلق المصنف وغيره ، بل لعله المشهور في موضوع المسألة من غير اعتبار للاشتراط.

ثم إنه قد ظهر لك مما ذكرنا أنه لا فرق في ثبوت هذه الأحكام بين ظهورها‌

__________________

(١) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٦٧ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب العيوب والتدليس الحديث ١.

٣٧١

أجمع أمة أو بعضها ، فيثبت الخيار حينئذ بالتدليس برقية بعضها للتنقيح ، ولأن السبب في الخيار التدليس بهذا الوصف ونحوه من غير فرق بين الجميع والبعض ، كما هو ظاهر النصوص ، لكن في القواعد « إنما يرجع على المدلس بنصيب الرقية ، لأن التدليس إنما وقع بالنسبة إلى ذلك البعض ، بخلاف الأخر الذي صدق بالإخبار بحريته ».

قلت : قد يحتمل قويا الرجوع بالكل إلا ما استثنى من أقل المهر أو مهر المثل إن رجع عليها ، لأنه لم يسلم له ما يريده من النكاح ، وعلى الأول فإن كانت هي المدلسة وكان نصفها مثلا رقا أغرم للمولى نصف المهر ، ورجع عليها بنصف ما غرمه معجلا ، وتبعها بالباقي بعد العتق ، ولو كان المولى المدلس لم يكن له شي‌ء من المهر ، بل لو دفعه إليها بإذنه فتلف كان الرجوع عليه بنصفه ، بل قد سمعت احتمال الرجوع عليه بذلك وإن لم يأذن ، لكونه غارا ، فهو سبب في الإتلاف أقوى من المباشر ، ولو كان أجنبيا رجع عليه بما غرمه للمولى من نصف المهر ، بل يرجع عليه بذلك وبما دفعه لها باذنه فأتلفته ، بل وإن لم يأذن بناء على احتمال الرجوع به على السيد كذلك.

المسألة ( الثانية )

عكس المسألة السابقة ، وهي ما ( إذا تزوجت المرأة برجل على أنه حر فبان مملوكا ) مأذونا ( كان لها الفسخ قبل الدخول وبعده ، ولا مهر لها مع الفسخ قبل الدخول ) لأنه من قبلها ، ( و ) لاقتضاء الفسخ ذلك كما عرفته سابقا ، نعم ( لها المهر ) المسمى ( بعده ) لما عرفته أيضا فيما تقدم ، بلا خلاف أجده في شي‌ء من ذلك ، بل ولا إشكال ، لما تقدم ولصحيح محمد بن مسلم (١) « سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن امرأة حرة تزوجت مملوكا على أنه حر ، فعلمت بعد أنه مملوك ، قال : هي أملك بنفسها إن شاءت أقامت معه وإن شاءت فلا ، فان كان دخل بها فلها‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب العيوب والتدليس الحديث ١.

٣٧٢

الصداق ، وإن لم يكن دخل بها فليس لها شي‌ء » ‌وظاهر قوله عليه‌السلام : « الصداق » أنه المسمى كما حققناه سابقا ، لا مهر المثل ، كما أن ظاهره كون العبد مأذونا وإلا لم يكن الخيار بيدها مع عدم إجازة السيد ، ولكن لها المهر على العبد تتبعه به بعد العتق ، بخلاف ما إذا كان مأذونا ، فإن المهر يرجع به على السيد ، لما تقدم سابقا من أن مهر العبد المأذون على السيد ، وكذا ظاهر الصحيح المزبور عدم الفرق بين شرطية الحرية في متن العقد وعدمها بعد صدق التدليس والغرور والخديعة ، كما سمعته في السابق ، بل لا يخفى عليك إجراء جميع ما ذكرناه من الأحكام في المسألة السابقة حتى حكم ظهوره مبعضا وحكم ما لو كانت الامرأة أمة وإن كان الخيار حينئذ بيد المولى قطعا ، نعم في القواعد هنا « لو ظهر الزوج معتقا فلا خيار » وفيه ما عرفت بناء على كون المراد عدم الخيار لو ظهر كون حريته بعتقه بعد كونه زوجا ، أما لو كان المراد أنه حين النكاح معتقا لا حرا بالأصل فوجه عدم الخيار حينئذ ظاهر ، ضرورة صدق الحرية ، والله العالم.

المسألة ( الثالثة )

( قيل ) في محكي المقنعة والنهاية والمهذب والسرائر والوسيلة بل نسب إلى أكثر المتقدمين ( إذا عقد على بنت رجل على أنها بنت مهيرة ) أي حرة ( فكانت بنت أمة كان له الفسخ ) للتدليس في الصفة المستفاد تسبيبه الخيار من فحاوي النصوص السابقة والتعليل في بعضها ، ولعله لا يخلو من قوة ، خصوصا مع احتمال إرادته من الخبرين (١) الآتيين في المسألة الاتية ، بل لعله الظاهر من أحدهما. ( و ) لكن مع ذلك ( الوجه ) عند المصنف ، وغيره من المتأخرين ( ثبوت الخيار مع الشرط ) في متن العقد تحقيقا أو تقديرا على القول به ( لا مع إطلاق العقد ) ووقوع ذلك على نحو الداعي أو الشرط قبله ، لأصالة اللزوم ، بخلافه‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب العيوب والتدليس الحديث ١ و ٢.

٣٧٣

مع الشرط فيه الذي لا خلاف في ثبوت الخيار معه حينئذ ، بل عن بعضهم دعوى الإجماع عليه صريحا ، لعموم‌ « المؤمنون عند شروطهم » (١) ‌المنحصر فائدته في نحو المقام في التسلط على الخيار.

وعلى كل حال ( فان فسخ قبل الدخول فلا مهر ) لها على الزوج إجماعا ، ولا على أبيها الذي زوجها على المشهور ، للأصل مع انتفاء المقتضي ، خلافا للشيخ في محكي النهاية ، فأثبت عليه المهر ، وعلله غير واحد بالرواية ، ولم نقف إلا على خبري محمد بن مسلم (٢) الآتيين في المسألة الاتية ، ولا دلالة فيهما على ذلك ، فالأصل حينئذ بحاله بعد قصور الرواية المرسلة لو فرض إرادة غيرهما منها عن قطعه كما هو واضح.

( نعم لو فسخ بعده كان لها المهر ) المسمى الذي استقر بالدخول على الزوج ، كما عرفته فيما تقدم من نظائر المسألة ( و ) لكن ( يرجع به على المدلس أبا كان أو غيره ) لقاعدة الغرور وفحاوي النصوص السابقة في أمثال المسألة وصحيح محمد بن مسلم (٣) الاتي حتى لو كانت هي المدلسة رجع عليها إن كان قد دفع إليها ، وإلا لم يكن لها شي‌ء حتى أقل ما يتمول فضلا عن مهر المثل ، كما عرفت تحقيق المسألة فيما تقدم ، هذا وفي القواعد « ولو خرجت بنت معتقة فإشكال » ولعله من دخولها في المهيرة عرفا ، لأنها الحرة كما عن الجوهري وغيره ، مضافا إلى الأصل والاحتياط ، ومن دعوى تبادر الحرة بالأصل وفيها منع ، والأولى أن يحمل على ظهور أنها كانت أمها أمه حين ولدت ثم أعتقت ، فإن الإشكال فيها أظهر من صدق أنها الان مهيرة ، ومن أنها حين ولدت منها لم تكن بنت مهيرة ، والظاهر أن العبرة بذلك حين الولادة ، والأمر سهل بعد وضوح الحال في أصل المسألة ، والله العالم.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب المهور الحديث ٤.

(٢) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب العيوب والتدليس الحديث ١ و ٢.

(٣) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب العيوب والتدليس الحديث ١.

٣٧٤

المسألة ( الرابعة )

( لو زوجه بنته من مهيرة وأدخل عليه بنته من الأمة فعليه ) اجتنابها مع العلم بالحال و ( ردها ، ولها مهر المثل إن دخل بها ) وهي غير عالمة وإن كان هو عالما. ( ويرجع به ) من جهله ( على من ساقها إليه ) لقاعدة الغرور. ( وترد عليه التي تزوجها ) لأن الفرض كونها امرأته ( وكذا كل من أدخل عليه غير زوجته فظنها زوجته سواء كانت أرفع أو أخفض ) أو مساوية فوطأها ، فإنه يغرم لها مهر المثل إن لم تكن عالمة ، ويرجع به إن لم يكن عالما على المدلس ، للقواعد المقررة ، وإنما ذكر الأصحاب هذه بخصوصها لتعرض النصوص لها ، ففي صحيح محمد بن مسلم (١) عن أبي جعفر عليه‌السلام « سألته عن رجل خطب إلى رجل ابنته له من مهيرة فلما كانت ليلة دخولها على زوجها أدخل عليه ابنة له اخرى من أمة ، قال : ترد على أبيها ، وترد إليه امرأته ، ويكون مهرها على أبيها » ‌وفي صحيحه الآخر (٢) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يخطب إلى الرجل ابنته من مهيرة فأتاه بغيرها ، قال : ترد التي سميت له بمهر آخر من عند أبيها ، والمهر الأول للتي دخل بها » ‌بناء على كون المراد منهما إدخال الأخرى بعد العقد على الاولى ، مع احتمال إرادة لخطبة بنت المهيرة ولكن العقد وقع على بنت الأمة بعنوان أنها بنت المهيرة تدليسا من الأب ، فيكون الخبران حينئذ دليلي المسألة السابقة ، بل لعل الثاني منهما ظاهر في ذلك ، بل والأول بناء على أن المراد من « امرأته » فيها المسماة له بالخطبة ونحوها.

وعلى كل حال فالمراد من الأول بقرينة الثاني كون مهر المردودة إلى زوجها على أبيها ، ووجهه أن الزوج يرجع بالمهر الذي غرمه للأولى على الأب المدلس ، فيأخذه منه ، ويدفعه إلى المعقودة عليه بعد فرض تساوى مهر المثل الذي‌

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب العيوب والتدليس الحديث ٢.

٣٧٥

غرمه للمهر الذي عقد عليه ، وحينئذ فيوافق الخبران القواعد المعلومة.

ومنه يعلم ما في فتوى الشيخ السابقة المبنية على رجوع الضمير في الخبر الأول للبنت من الأمة ، وكون الرد قبل الدخول ، مع احتماله مضافا إلى ما عرفت العلم بعد الدخول وحينئذ فالمراد من كون المهر على أبيها باعتبار رجوع الزوج به عليه ، فقراره حينئذ عليه.

وقال في هذه المسألة في النهاية : « وإن كان للرجل بنتان إحداهما بنت مهيرة والأخرى بنت أمة فعقد لرجل على بنته من المهيرة ثم أدخل عليه بنته من أمة كان له ردها ، وإن كان قد دخل بها وأعطاها المهر كان المهر لها بما استحل من فرجها ، وإن لم يكن دخل بها فليس لها عليه مهر ، وعلى الأب أن يسوق إليه ابنته من المهيرة ، وكان عليه المهر من ماله إذا كان المهر الأول قد وصل إلى ابنته الاولى ، وإن لم يكن وصل إليها ولا يكون قد دخل بها كان المهر في ذمة الزوج لرواية محمد بن مسلم عن الباقر عليه‌السلام » وذكر الخبر الأول ، وفي المسالك بعد حكاية ذلك عنه قال : « ولا يخفى أن في دعوى الشيخ زيادات عن مدلول الرواية لا توافق الأصول ، مع أن في طريق الرواية ضعفا » قلت : الخبر حسن كالصحيح وليس في كلام الشيخ زيادات عليه بعد فرض كون مراده ما ذكرنا ، فتأمل جيدا ، والله العالم.

المسألة ( الخامسة )

( إذا تزوج امرأة وشرط كونها بكرا فوجدها ثيبا ) وثبت بالإقرار أو البينة سبق ذلك على العقد كان له الفسخ ، لانتفاء الشرط الذي قد عرفت أن فائدته ذلك ، ولعله لا خلاف فيه كما لا إشكال ، لكن في كشف اللثام أن ظاهر الأكثر وصريح بعض عدم الخيار ، للأصل والاحتياط ، وأن الثيبوبة ليست من العيوب ، وفيه أنا لم نتحقق ما حكاه ، بل لا وجه له مع الفتوى من غير خلاف منهم في تحقق‌

٣٧٦

الخيار مع شرط الصفات ، ككونها بنت مهيرة ونحوها ، لدليل الشرطية القاطع للأصل ، وغير متوقف على العيب حينئذ ، نعم أطلق كثير من الأصحاب فيمن تزوج جارية على أنها بكر فوجدها ثيبا لم يكن له الفسخ إلا أن ذلك منهم لإمكان تجدده بسبب خفي كما أومأ إليه المصنف ، فلا ينافي اشتراطه ، بل هو المراد من‌ خبر القاسم بن الفضيل (١) عن أبي الحسن عليه‌السلام « في الرجل يتزوج المرأة على أنها بكر فيجدها ثيبا أيجوز أن يقيم عليها؟ قال : قد تفتق البكر من المركب ومن النزوة » ‌أو المراد أنه لا دلالة في انتفاء بكارتها على فجورها ، أو أن لها بعلا أو نحو ذلك مما لا ينبغي معه القيام معها ، لأن البكارة قد تذهب بالنزوة ونحوها.

وعلى كل حال فهو غير مفروض المسألة الذي هو اشتراط البكارة المعلوم سبق انتفائها ، بل لا يبعد ثبوت الخيار معه وإن لم يذكر ذلك شرطا في متن العقد ، وإنما كان بتدليس منها أو من وليها ، لما سمعته في المسائل السابقة ، نعم لو تزوجها من دون اشتراط بكارة ولا تدليس وإنما قدم عليها على احتمالها الأمرين لم يكن له خيار ، بل ولا رجوع بمهر وإن ظهر سبقها ، للأصل السالم عما يقتضي شيئا منهما.

وكيف كان فإذا فسخ حيث يكون له الفسخ فان كان قبل الدخول فلا مهر ، وإن كان بعده استقر المهر ورجع به على المدلس ، وإن كانت هي ، بل الأصح عدم استثناء قدر ما يتمول أو مهر المثل له إذا رجع عليها ، لما عرفته في المسائل السابقة.

( و ) أما إذا اختار البقاء أو لم يكن له الفسخ لاحتمال التجدد ( كان له أن ينقص من مهرها ) على المشهور بين الأصحاب ، لصحيح محمد بن جزك (٢) « كتبت إلى أبي الحسن عليه‌السلام سألته عن رجل تزوج جارية بكرا فوجدها ثيبا هل يجب لها الصداق وافيا أو ينقص؟ قال : ينتقص » ‌خلافا للحلبي وابن البراج فلم ينقصا منه شيئا ، للأصل المقطوع بالدليل ، فلا ريب في ضعفه ، إنما الكلام في‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب العيوب والتدليس الحديث ١ عن محمد بن القاسم بن الفضيل كما في الكافي ج ٥ ص ٤١٣.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب العيوب والتدليس الحديث ٢.

٣٧٧

مقدار النقصان ، ففي محكي النهاية شي‌ء ، لإطلاق لفظ النقصان في الصحيح المزبور.

وفي القواعد ومحكي السرائر والتحرير والإرشاد والتلخيص هو ( ما بين مهر البكر والثيب ، ويرجع فيه إلى العادة ) فينقص من المسمى مقدار التفاوت بينهما نصف أو ثلث أو غيرهما ، لأنه الذي فوته المدلس باعتبار أنه بذل المسمى في مقابلة الوصف بالبكارة ولم تكن كذلك ، فيلزم التفاوت كأرش ما بين كون المبيع صحيحا ومعيبا ، وضعفه في المسالك بأن ذلك إنما يتم حيث يكون فواته قبل العقد أما مع إمكان تجده أو العلم بتجدده بناء على كونه كذلك فلا ، لعدم مقتضي السقوط حينئذ أو عدم العلم به.

( وقيل ) والقائل قطب الدين الراوندي ( ينقص السدس ) لأنه المراد من الشي‌ء في الوصايا ( وهو غلط ) لخلو الخبر عن لفظ « الشي‌ء » ولو سلم فالحمل على الوصية ممنوع ، وعن المصنف في النكت إحالته على رأي الحاكم كما هو الشأن في كل مالا تقدير له شرعا ، وقد يرجع إليه القول الأول ، ضرورة أنه لا وجه لا يكال أمر الشي‌ء إلى الزوج أو الزوجة المؤدي إلى النزاع في تعيين أفراد الشي‌ء ، ولا نظير له في الشرع.

قلت : وقد يقال : إن الأولى تقديره بالنصف عملا بالنصوص (١) المعتبرة المستفيضة الواردة في تقديره بالأمة بعشر قيمتها ونصف عشر قيمتها الظاهرة في كون التفاوت بين البكارة والثيوبة التي لا فرق فيهما بين الأمة وغيرها بالنصف وإن اختلفا في كون ذلك نصف عشر القيمة ونصف المسمى الذي قد وقع العقد والتراضي عليه ، بل هو الأقوى في النظر إن لم يكن إجماع على خلافه ، كما أنه يقوى ثبوت النقصان مع العلم بتجدد الثيبوبة ، لترك الاستفصال في الصحيح المزبور الذي يمكن تأييده بكونه كالمبيع قبل قبضه في ضمانه على البائع حتى يقبض ، اللهم إلا أن‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ١ و ٢ والباب ٦٧ منها الحديث ١.

٣٧٨

يدعى ظهور النص في سبق الثيوبة أو مجهول الحال ، فيكون ترك الاستفصال فيه لذلك ، ويمكن منعه ، والله العالم.

المسألة ( السادسة )

( إذا استمتع المرأة فبانت كتابية ) مثلا ( لم يكن له الفسخ من دون هبة المدة ) للأصل السالم عما يقتضي خياره ( ولا له إسقاط شي‌ء من المهر ) لعدم نقص الاستمتاع عليه بشي‌ء ، نعم له فسخ عقدها بهبة المدة كغيرها من النساء التي استمتع بها. ( وكذا لو تزوجها دائما ) بناء ( على أحد القولين ) ولكن له أن يطلقها كغيرها من النساء ( نعم لو شرط إسلامها ) مثلا ( كان له الفسخ إذا وجدها على خلافه ) لما عرفت من اقتضاء الشرط ذلك ، بل قد عرفت قوة ثبوت الخيار بالتدليس بنحو ذلك على وجه تزوجها على أنها مسلمة مثلا فبان الخلاف. وعلى كل حال فحكمها في الفسخ قبل الدخول وبعده وفي الرجوع بالمهر على المدلس وغير ذلك حكم نظائرها السابقة ، ولو شرط كونها كتابية فبانت مسلمة ففي تسلطه على الخيار وجهان : أقواهما الأول ، لعموم المقتضي ، ولعل له غرضا في ذلك ، وكذا كل شرط صفة نقص فبان الكمال ، وفي إلحاق التدليس به هنا إشكال من صدقه ، ومن ظهور تلك الأدلة في تدليس الناقص بالكامل لا العكس ، ولعله الأقوى.

٣٧٩

المسألة ( السابعة )

( إذا تزوج رجلان ) مثلا ( بامرأتين فأدخلت امرأة كل واحد منهما على الأخر فوطأها فلكل واحدة منهما على واطئها ) مع جهلها ( مهر المثل ) ويرجع به على الغار إن كان ( وترد كل واحدة على زوجها ، وعليه مهرها المسمى ) بالعقد عليها ( وليس له وطؤها حتى تنقضي عدتها من وطء الأول ) إلا إذا كان الوطء زنا منهما ، فإنه لا عدة حينئذ ( ولو ماتتا في العدة أو مات الزوجان ورث كل واحد منهما زوجة نفسه وورثته ) لحصول السبب وإن امتنع الوطء لعارض كالحيض ونحوه بلا إشكال في شي‌ء من ذلك ولا خلاف ، وإنما ذكره الأصحاب بخصوصه للنص فيه ، ففي‌ الصحيح (١) « في رجلين نكحا امرأتين ، فأتى هذا بامرأة هذا ، وهذا بامرأة هذا ، تعتد هذه من هذا وهذه من هذا ، ثم ترجع كل واحدة إلى زوجها » وفي مرسلة جميل بن صالح (٢) عن الصادق عليه‌السلام « في أختين أهديتا إلى أخوين في ليلة ، فأدخلت امرأة هذا على هذا وأدخلت امرأة هذا على هذا ، قال : لكل واحدة منهما الصداق بالغشيان ، وإن كان وليهما تعمد ذلك أغرم الصداق ، ولا يقرب واحد منهما امرأته حتى تنقضي العدة ، فإن انقضت العدة صارت كل واحدة منهما إلى زوجها بالنكاح الأول ، قيل له : فان ماتتا قبل انقضاء العدة ، فقال : يرجع الزوجان بنصف الصداق على ورثتهما ، ويرثهما الرجلان ، قيل : فان مات الرجلان وهما في العدة ، قال ترثانهما ، ولهما نصف المهر المسمى لهما ، وعليهما العدة بعد ما تفرغان من العدة الأولى ، تعتدان عدة المتوفى عنها زوجها » ‌نعم هي تتضمن تنصيف المهر بالموت قبل الدخول من أيهما كان ولم يقل به أحد كما في كشف اللثام ، قال : « ولذا عمل بها الشيخ في محكي النهاية إلا في تنصيف المهر لهما إذا مات الزوجان فأثبت لهما تمام المسمى » وستسمع إنشاء الله تحقيق الحال في ذلك.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٤٩ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ١ ـ ٢.

٣٨٠