جواهر الكلام - ج ٣٠

الشيخ محمّد حسن النّجفي

والجنون ، وأما ما سوى ذلك فلا » ‌وخصوص النصوص (١) في الزاني والزانية والمحدود والمحدودة التي قد تقدمت سابقا ، والله العالم.

( المقصد الثاني في أحكام العيوب )

( وفيه مسائل ) :

( الأولى )

لا خلاف نصا وفتوى في أن ( العيوب الحادثة بالمرأة قبل العقد مبيحة للفسخ ) بل الإجماع بقسميه عليه ، بل هو مورد النصوص (٢) التي هي مستفيضة أو متواترة ( و ) أما ( ما يتجدد بعد العقد والوطء ) فالمشهور نقلا وتحصيلا أنه ( لا يفسخ به ) بل لا أجد فيه خلافا بين العامة والخاصة إلا من ظاهر موضع من المبسوط وصريح آخره ، فخيره مطلقا ، ومن أبي علي في خصوص الجنون ، ولا ريب في ضعفهما ، للأصل بل الأصول السالمة عن معارضة النصوص بعد ظهورها في غير الفرض كما ستسمع إنشاء الله تعالى ، بل ظاهر صحيح عبد الرحمن (٣) فيها التصريح باشتراط الخيار بعدم الوقوع عليها ، بناء علي ما ذكرناه فيها سابقا ، واقتصاره على الأول غير قادح بعد الإجماع بقسميه على عدم الفرق ، كما أن ظاهر الشرط التدليس في صحيح أبي عبيدة (٤) السابق يقتضي اعتبار السابق أيضا ( و ) بذلك مضافا إلى الإجماع على الظاهر من عبارة المصنف يقيد إطلاق بعض النصوص (٥) إن كان.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة والباب ٩ من أبواب المتعة.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب العيوب والتدليس الحديث ـ ١.

(٤) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب العيوب والتدليس الحديث ١.

(٥) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب العيوب والتدليس الحديث ٢ و ٧ و ١١ و ١٣.

٣٤١

نعم ( في المتجدد بعد العقد وقبل الدخول تردد ) من إطلاق بعض (١) النصوص الرد بها ، ومن أصالة اللزوم واشتراط التدليس في صحيح أبي عبيدة (٢) ولذا قال المصنف ( أظهره أنه لا يبيح الفسخ تمسكا بمقتضى العقد السليم عن معارض ) بل هو المشهور شهرة عظيمة كادت تكون إجماعا ، بل لعلها كذلك في الأعصار المتأخرة على المخالف على وجه كان قوله من الشواذ المقطوع ببطلانها ، خصوصا بعد ظهور أكثر النصوص في السابق ، كقوله في خبر عبد الرحمن (٣) : « تزوج امرأة فوجد بها قرنا » ‌إلى آخره ، و‌في خبر الحذاء (٤) « تزوج امرأة فوجد بها عيبا » ‌وفي خبري الحسن بن صالح (٥) و‌الكناني (٦) « تزويج امرأة فوجد بها قرنا » وفي خبر غياث (٧) « تزوج امرأة فوجدها برصاء » ‌بل هو صريح‌ صحيح ابن مسلم (٨) « من تزوج امرأة فيها عيب دلسته ولم تبين » ‌وخبر رفاعة (٩) « زوجها وليها وهي برصاء » ‌بل قد يقال فيما لم يكن في لفظه دلالة على السبق كقوله عليه‌السلام (١٠) : « يرد النكاح من البرص » ‌إلى آخره : إن الغالب في أمثال هذه العاهات طول المدة وتقادم العهد ، على أن في بعضها اشتراط التدليس ، كقوله في صحيح الحذاء : « إذا دلست العفلاء » ‌إلى آخره وقد سمعت صحيح ابن مسلم ، فيقيد حينئذ الإطلاق به ، ومع قطع النظر عن النصوص أجمع فلا ريب في استصحاب اللزوم الذي هو مقتضى الأصل في العقود ، والضرر منجبر بإمكان الطلاق منه ، فما عن الخلاف والمبسوط وظاهر أبي علي من ثبوت الخيار بذلك واضح الضعف بعد الإحاطة بما ذكرنا ، والله العالم.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب العيوب والتدليس الحديث ٢ و ٧ و ١١ و ١٣.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب العيوب والتدليس الحديث ١.

(٤) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب العيوب والتدليس الحديث ٢.

(٥ و ٦ و ٧) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب العيوب والتدليس الحديث ٣ ـ ٤ ـ ١٤.

(٨ و ٩ و ١٠) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب العيوب والتدليس الحديث ٧ ـ ٢ ـ ٥.

٣٤٢

المسألة ( الثانية )

( خيار الفسخ على الفور ) بلا خلاف أجده فيه ، بل حكى غير واحد الاتفاق عليه ، واقتصارا فيما خالف الأصل على المتيقن ، وتحرزا من الضرر اللازم بالتأخير والعمدة الإجماع ، ولولاه لأمكنت المناقشة بما سمعته غير مرة.

وحينئذ ( فلو علم الرجل أو المرأة بالعيب فلم يبادر بالفسخ لزم العقد ) وإن لم يكن ذلك منهما عن رضي باللزوم ، ( وكذا الخيار مع التدليس ) بالعيب أو غيره مما ستعرف ، ضرورة كون الفورية فيه قيدية ، فيسقط الخيار بفواتها ، لا أنها أمر آخر على حسب التكاليف الفورية التي من الواضح الفرق بينهما ، نعم قد عرفت فيما تقدم أن الجهل بالخيار بل والفورية عذر ، لإطلاق ما دل على الخيار المقتصر في تقييده على محل الإجماع الذي غير المفروض ، بل قد يقوى ثبوته أيضا لو أكره على عدم الخيار بالقبض على فيه أو بالتهديد لذلك ، كما صرح به في جامع المقاصد ، بل في المسالك « أن العيب إن كان ظاهرا لا نزاع فيه بينهما ، فالفورية معتبرة في الفسخ ، وإن توقف ثبوته على المرافعة إلى الحاكم فالفورية في المرافعة إلى الحاكم ، فإذا ثبت اختار الفسخ فورا » وفي التحرير : « أطلق أن الفوري هو المرافعة إلى الحاكم وإن كانا متفقين على العيب ، وكذلك عن الشيخ ، وهو حسن حيث يتوقف الأمر على الحاكم ».

قلت : ستعرف عدم التوقف على الحاكم في جميع أفراد الفسخ ، وإنما يتوقف عليه ضرب الأجل في خصوص العنين ، فإذا مضى لم تحتج الامرأة في الفسخ إليه ، ومع فرض النزاع بينهما في ثبوت العيب المسلط على الخيار وعدمه قد يقال : إن الفورية في الفسخ أيضا وإن كان لا يترتب عليه أثره ظاهرا إلا بعد إثبات مقتضى الفسخ ، بل قد يقال : إن تأخيره إلى المرافعة مناف لفوريته التي قد عرفت كونها قيدا ، ضرورة تعليق الخيار على وجود العيب لا على إثباته عند الحاكم ، فمع معلومية‌

٣٤٣

حصوله عنده كان خياره فوريا ، لكن لا يمضى ذلك على الخصم مع إنكاره إلا بعد إثبات مقتضى الخيار ، لا أن انفسخ نفسه موقوف على حكم الحاكم ، وكذا لو فرض النزاع في أصل كون ذلك عيبا ما لم يرجع إلى الجهل بالخيار به ولو للجهل بموجبه ، على أن الفورية في المرافعة لا دليل عليها ، خصوصا مع كون المراد أنه مع عدم الفور فيها يسقط الخيار ، فالأقوى حينئذ بقاء معقد الإجماع ، وهو فورية الفسخ على حاله في جميع ذلك ، ومنه يعلم ما في كشف اللثام أيضا « إن توقف الفسخ على حكم الحاكم فالفورية بمعنى فورية المرافعة إليه ، ثم طلبه منه بعد الثبوت » إن كان مراده ما سمعته من المسالك ، وإلا فليس في أفراد الفسخ ما يتوقف على حكم الحاكم على وجه يراد منه حتى يطالب به ، وكذا الكلام فيما تسمعه إن شاء الله من المبسوط ، فتأمل جيدا.

المسألة ( الثالثة )

( الفسخ بالعيب ليس بطلاق ) قطعا لعدم اعتبار لفظ الطلاق فيه وحينئذ ( فلا يطرد معه تنصيف المهر ، ولا يعد في الثلاث ) ولا غير ذلك من أحكام الطلاق كما لا يشترط فيه شي‌ء من شرائطه بلا خلاف ولا إشكال ، وثبوت النصف في العنين للدليل ، ولذا قال المصنف : لا يطرد.

المسألة ( الرابعة )

( يجوز للرجل الفسخ من دون إذن الحاكم ، وكذا للمرأة ) لإطلاق الأدلة ( نعم مع ثبوت العنن يفتقر إلى الحاكم لضرب الأجل ) كما ستعرف ( ولها التفرد بالفسخ عند انقضائه وتعذر الوطء ) كما هو مقتضي الأدلة المثبتة للخيار لذي الخيار السالمة عن معارضة ما يدل على اعتبار حضور الحاكم أو إذنه فضلا عن مباشرته نفسه‌

٣٤٤

الفسخ ، ومن هنا أفتى الأصحاب في الحكم المزبور من غير إشكال فيه ولا تردد ، نعم عن ابن الجنيد منهم إذا أريدت الفرقة لم يكن إلا عند من يجوز حكمه من والي المسلمين أو خليفته أو بمحضر من المسلمين إن كانا في بلاد هدنة أو سلطان متغلب ، وكأنه مذاق العامة كما حكاه في جامع المقاصد عن بعض العامة وابن الجنيد منا.

بل يومئ إليه ما عن موضع من المبسوط « لسنا نريد بالفور أن له الفسخ بنفسه ، وإنما نريد أن المطالبة بالفسخ على الفور ، يأتي إلى الحاكم على الفور ، ويطلب الفسخ ، فان كان العيب متفقا عليه فسخ الحاكم ، وإن اختلفا فيه فالبينة على المدعي واليمين على المدعى عليه ، فأما الفسخ فالى الحاكم ، لأنه فسخ مختلف فيه ـ ثم قال ـ : ولو قلنا على مذهبنا أن له الفسخ بنفسه كان قويا ، والأول أحوط ، لقطع الخصومة » وظاهره أن الأول جار على مقتضي أصول العامة أو إذا كان المراد قطع الخصومة بتسجيل الحاكم فيما هو مختلف فيه ، وكذا ما عنه في موضع آخر « لا يجوز أن يفسخ بغير حاكم ، لأنه فسخ مختلف فيه » خصوصا مع ملاحظة تعليله ، ولذا حكى عنه في موضع ثالث الجزم بأن للامرأة الاستقلال بالفسخ محتجا بإطلاق الأخبار ، وعلى كل حال فالوجه ما عرفت ، فان كان هو المراد لهم فمرحبا بالوفاق ، وإلا كان منافيا لإطلاق الأدلة كما سمعت ، والله العالم.

المسألة ( الخامسة )

( إذا اختلفا في العيب ) فان كان جليا كالعمى والجنون ونحوهما مما لم يحتج إلى إقامة بينة وإلى يمين نظر الحاكم فيه ، وحكم بمقتضى ما ظهر له ، وإن كان خفيا ( فالقول قول منكره مع عدم البينة ) كغيره من الدعاوي التي لا يخفى عليك جريان حكمها من رد اليمين والنكول ونحوهما في المقام الذي هو أحد أفرادها ، والله العالم.

٣٤٥

المسألة ( السادسة )

( إذا فسخ الزوج ) أو الزوجة ( بأحد العيوب ) السابقة ( فـ ) لا يخلو إما أن يكون قبل الدخول أو بعده ، حيث يجوز للجهل بالحال ، وعلى التقديرين إما أن يكون العيب متقدما على العقد أو متأخرا عنه ، قبل الدخول أو بعده بناء على تحقق الخيار بذلك ، والفاسخ إما الزوج أو الزوجة ، وعلى كل تقدير إما أن يكون هناك مدلس أم لا ، فالصور أربعة وعشرون صورة.

وخلاصة الحكم فيها في فسخ الزوج أنه ( إن كان قبل الدخول فلا مهر ) بلا خلاف ، بل لعل الإجماع بقسميه عليه ، مضافا إلى‌ قول الباقر عليه‌السلام في صحيح أبى عبيدة (١) : « وإن لم يكن دخل بها فلا عدة لها ، ولا مهر لها » ‌والصادق عليه‌السلام في خبر أبي الصباح (٢) « يردها على أهلها صاغرة ، ولا مهر لها » ‌وقول علي عليه‌السلام في خبر غياث (٣) عن جعفر عن أبيه عليهما‌السلام « في رجل تزوج امرأة فوجدها برصاء أو جذماء : إن كان لم يدخل بها ولم يبين له فان شاء طلقها ، وإن شاء أمسك ، ولا صداق لها ، وإذا دخل بها فهي امرأته » ‌المراد من الطلاق فيه الفراق قطعا ، ضرورة عدم اشتراط الطلاق المخصوص بالشرط المزبور ، إلى غير ذلك من النصوص الدالة عليه منطوقا ومفهوما ، ولأنه وإن كان الفسخ منه لكنه لعيب فيها ، فهو سبب منها ، بل الأصل في الفسخ اقتضاؤه رد كل عوض إلى مالكه.

( وإن كان بعده فلها المسمى ) بما استحل من فرجها و ( لـ ) ظهور النص (٤) والفتوى في ( أنه يثبت بالوطء ثبوتا مستقرا ، فلا يسقط بالفسخ ) الذي قلنا : إن مقتضاه لو لا ذلك رد كل عوض إلى مالكه ، على أن أحد العوضين هنا وطء البضع ولو مرة ، والفرض أنه قد استوفاه ، ولا يمكن إرجاعه ، فالفسخ حينئذ‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب العيوب والتدليس الحديث ١.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب العيوب والتدليس الحديث ٤ ـ ١٤.

(٤) الوسائل الباب ـ ٥٤ ـ من أبواب المهور.

٣٤٦

ليس إلا لإزالة قيد النكاح هنا حال الفسخ ، وليس هو إبطالا له من أصله ، ودعوى إمكان رد الوطء بغرم مهر المثل الذي هو قيمة له تحتاج إلى دليل ، وليس بل الدليل على خلافها متحقق ، كما عرفت. مضافا إلى خبر الحسن بن صالح (١) وغيره المصرح فيه بذلك ( و ) بها يخرج عن ذلك لو سلم اقتضاء الفسخ الرجوع إلى مهر المثل ، نعم صرح في النصوص (٢) المزبورة بأن ( له الرجوع به على المدلس ) متحدا كان أو متعددا ، وليا شرعيا كان أو غيره ، كما ستعرف تحقيق الحال فيه في فصل التدليس ، وقد أفتى به الأصحاب من غير خلاف يعرف فيه بينهم ، لذلك ولقاعدة الغرور ، فما عساه يقال أو قيل ـ من إشكاله بأنه إن كان حقا ثابتا لها بالدخول فلا رجوع على المدلس ـ مدفوع بما عرفت.

نعم على الزوج البينة لو أنكر الولي مثلا علمه بالعيب وأمكن في حقه ، فان فقدها فله عليه اليمين ، فإذا حلف رجع الزوج إلى المرأة ، لأنها الغارة حيث لم يعلم الولي بذلك ، فإذا ادعت اعلامه حلف أيضا إن لم يكن لها بينة ، ولا تكفى اليمين الأولى ، لأنها لمدع آخر ، فان نكل أو رد اليمين حلفت ، وثبت الرجوع لها بحسب هذه الدعوى ، ويحتمل أن لا تحلف ، لاستلزامه إبطال الحكم بعدم الرجوع بالحكم بالرجوع ، وأن يبنى على اليمين المردودة كالإقرار ، فتحلف لسماع إقرار المنكر بعد الإنكار والحلف أو كالبينة ، فلا تحلف لعدم سماع البينة بعد حلف المنكر. ولعل الأولى من ذلك القول بأن لها الرجوع لا له كي يتأتى الخلاف.

وعلى كل حال فان لم يكن مدلسا حتى هي بأن لم تعلم المرأة ما بها من العيب لخفائه أو لجهلها بكونه عيبا فلا رجوع له بشي‌ء حينئذ ، بلا خلاف أجده فيه ، بل هو ظاهر النصوص (٣) المعللة باستحقاقها المهر باستحلاله فرجها ، بل هو مقتضى‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب العيوب والتدليس الحديث ٣.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب العيوب والتدليس.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب العيوب والتدليس الحديث ٢ و ٥ والباب ـ ٣ ـ منها الحديث ٣.

٣٤٧

ما دل على استقرار المهر بالوطء ، فيدفع حينئذ لها تمام المسمى لما عرفت.

نعم لو كانت هي المدلسة رجع عليها التدليس ، و‌في خبر رفاعة (١) عن أمير المؤمنين عليه‌السلام « لو أن رجلا تزوج امرأة أو زوجها رجل لا يعرف دخيلة أمرها لم يكن عليه شي‌ء ، وكان المهر يأخذه منها » وفي صحيح الحلبي (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في رجل ولته امرأة أمرها أو ذات قرابة أو جارة له لا يعرف دخيلة أمرها ، فوجدها قد دلست عيبا هو بها ، قال : يؤخذ المهر منها ، ولا يكون على الذي زوجها شي‌ء » ‌بل ذلك مقتضى غيرهما أيضا.

كما أن مقتضى الجميع عدم استثناء شي‌ء من المهر لها إذا رجع عليها ، لكن في القواعد : « رجع عليها إلا بما يمكن أن يكون مهرا » وهو أقل ما يتمول لئلا يخلو البضع عن العوض ، وعن أبى على إلا بمهر مثلها ، فإنه العوض للبضع إذا وطأ لا عن زنا ، ويمكن القول برجوعه أجمع من حيث التدليس ، لإطلاق الأدلة ، وعدم خلو البضع عن العوض حتى في مثل الفرض التي كانت هي السبب في ذلك ممنوع وبذلك ظهر لك أنه لا وجه لما عن التحرير من الرجوع على الولي المحرم مع التغرير وبدونه ، للتفريط بترك الاستعلام.

كما ظهر لك أنه لا فرق في ثبوت الأحكام المزبورة بين كون العيب الذي فسخ به حادثا قبل العقد وبعده ، بناء على الخيار به ، لكن في محكي المبسوط « إن كان الفسخ بالمتجدد بعد الدخول فالواجب المسمى ، لأن الفسخ انما يستند إلى العيب الطاري بعد استقراره ، وإن كان بعيب موجود قبل العقد أو بعده قبل الدخول وجب مهر المثل ، لأن الفسخ وإن كان في الحال إلا أنه مستند إلى حال حدوث العيب ، فيصير كأنه وقع مفسوخا حين حدوث العيب ، بل فيصير كأنه وقع فاسدا ، فيلحقه أحكام الفاسد إن كان قبل الدخول ، فلا مهر ولا نفقة ، وإن كان بعده فلا نفقة‌

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب العيوب والتدليس الحديث ٢ ـ ٤ وفى الثانى « أو جار لها. ».

٣٤٨

للعدة ، ويجب مهر المثل ».

ولا يخفى عليك ضعفه ، إذ فيه ـ مع منافاته لما سمعته ـ أن النكاح وقع صحيحا ، والفسخ وإن كان بسبب العيب السابق لا يبطله من أصله بل من حين الفسخ ، ولا يزيل الأحكام التي سبقت عليه ، خصوصا إذا كان العيب حادثا بعد العقد ، فان دليله لا يجي‌ء عليه ، ولم أجد أحدا وافقه عليه من أصحابنا ، نعم في شرح الإرشاد لبعض العامة ذلك على وجه يظهر كونه مفروغا منه عندهم ، وربما توافقه قاعدة الفسخ في الجملة التي أشرنا إليها سابقا ، لكن هي هنا من الاجتهاد في مقابلة النصوص التي سمعتها ، والله العالم.

( وكذا ) الحكم ( لو فسخت الزوجة قبل الدخول ) بل هي أولى من الزوج بذلك باعتبار كون الفسخ من قبلها ( فلا مهر ) لها حينئذ بلا خلاف ولا إشكال نصا (١) وفتوى ( إلا في العنن ) للدليل عليه بخصوصه ، كما تعرفه.

( ولو كان بعده كان لها المسمى ) الذي استقر بالوطء وبما استحل من فرجها بلا خلاف معتد به أجده فيه ، بل حكي بعضهم الإجماع عليه ، فالفسخ لو سلم اقتضاؤه الرجوع إلى مهر المثل نحو الإقالة والخيار في البيع مع تلف أحد العوضين يجب الخروج عنه بذلك كما عرفته في الزوج ، ولعل تفصيل الشيخ في العيب بين المتجدد بعد الوطء والسابق يأتي هنا بناء على فسخها بالمتجدد ، فيكون له المسمى به ، ومهر المثل بالسابق ، بل لعل إطلاق كلام الشيخ كذلك وإن حكي بعضهم الإجماع هنا غير مشير إلى خلافه.

( وكذا لو كان ) الفسخ ( بالخصاء بعد الدخول فـ ) انه ( لها ) أيضا المهر كملا إن حصل الوطء إذ هو مع اندراجه في الأدلة المزبورة دلت عليه المعتبرة المتقدمة (٢) خلافا للمحكي عن الصدوقين فالنصف ، ولعله لما‌ عن الفقه‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب العيوب والتدليس الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من أبواب العيوب والتدليس.

٣٤٩

المنسوب إلى الرضا عليه‌السلام (١) « وإن تزوجها خصي وقد دلس نفسه لها وهي لا تعلم فرق بينهما ، ويوجع ظهره كما دلس نفسه ، وعليه نصف الصداق ، ولا عدة عليها منه » ‌وربما جمع بينه وبين غيره بحمل ما عداه على صورة الدخول وحمله على ما قبل الدخول للصحيح المروي عن قرب الاسناد (٢) عن « خصي دلس نفسه لامرأة ما عليه؟ قال : يوجع ظهره ، ويفرق بينهما ، وعليه المهر كملا إن دخل بها ، وإن لم يدخل بها فعليه نصف المهر ».

وفيه ـ مع عدم ثبوت نسبة الكتاب المزبور إليه عليه‌السلام عندنا ـ أنه مخالف للقولين معا ، إذ هما بين مثبت للنصف مطلقا والجمع بالدخول ، ومن هنا كان المتجه مساواة الخصاء لغيره في الحكم الذي ذكرناه ، وهو لا مهر مع عدم الدخول والكل معه.

نعم ظاهر بعض وصريح آخر إلحاق الخلوة بالدخول في وجوب الكل ، وهو بحث آخر يأتي في محله ، اللهم إلا أن يقال : إنا وإن لم نقل بكون الخلوة كالدخول في ذلك مطلقا لكنها كذلك في المقام لظهور النص والفتوى ، وفيه منع ، ضرورة ظهور لفظ « الدخول » في المتن وغيره في الوطء ، بل كاد يكون صريح قرب الاسناد (٣) وبه يقيد خبر سماعة (٤) كما أنه يعلم المراد من الدخول عليها في صحيح ابن مسكان (٥) المتقدمين آنفا ، واحتمال العكس يدفعه رجحان الأول بانسياقه وغيره عليه ، والله العالم. وعلى كل حال فقد ظهر لك الكلام في جميع صور المسألة.

كما أنه ظهر لك أيضا عدم سقوط الخيار في الزوج والزوجة بالدخول قبل العلم بالعيب السابق الذي لم أجد فيه خلافا ، بل يمكن تحصيل الإجماع ، للأصل‌

__________________

(١) المستدرك الباب ـ ١٢ ـ من أبواب العيوب والتدليس الحديث ٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من أبواب العيوب والتدليس الحديث ٥.

(٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من أبواب العيوب والتدليس الحديث ٥ ـ ٢ ـ ٣.

٣٥٠

وصحيح أبي عبيدة (١) وخبري الحسن بن صالح (٢) والكناني (٣) المتقدمة سابقا وغيرها ، نعم‌ في الأخيرين منها « إن علم بها قبل أن يجامعها ثم جامعها فقد رضي بها » ‌وعليه حينئذ ينزل إطلاق ما دل (٤) على سقوط الخيار بالدخول ، كما أن منه يعلم الحال في الزوجة بالنسبة إلى سقوط خيارها بعد العلم والرضا بمواقعته ، إذ الظاهر عدم الفرق بينهما في ذلك.

وكذا منها يستفاد عدم الخيار فيهما أيضا مع العلم بالعيب قبل العقد الذي لم أجد فيه خلافا بيننا أيضا ، لذلك وللأصل ، واشتراطه بالتدليس في صحيح أبي عبيدة (٥) وصحيح ابن مسلم (٦) بل مورد أكثر النصوص الجاهل فما عن الشافعي ـ من ثبوته للعالم لإطلاق بعض النصوص المراد منه حال الجهل قطعا ولو بقرينة ما عرفت ـ واضح الفساد.

إنما الكلام في المراد من‌ قوله عليه‌السلام : « فقد رضي » ‌هل هو السقوط بذلك تعبدا بمعنى أن هذا الفعل يكون منه بحكم الرضا بالنسبة إلى اللزوم مطلقا أو ما لم يعلم منه عدم كون ذلك منه عن رضا بالفعل سقط الخيار أيضا أو أن السقوط به من حيث دلالته على الرضا ، فلا يسقط الخيار مع فرض عدمها بقرينة ونحوها ، بل له حينئذ التصريح ببقاء خيار العيب على مقتضاه مع العقد أو الوطء ما لم يناف الفورية لجهل بها وغيره ، وليس هو من اشتراط الخيار في النكاح ، وعلى التقديرين الأولين فهل يقتصر في ذلك على الوطء أو يلحق به كل فعل يقع منه على مقتضي الزوجية ، كاللمس والتقبيل والتفخيذ ونحو ذلك ، وجهان : أقواهما الثاني ، كما أنه الأقوى في الثلاثة السابقة فتأمل جيدا ، فاني لم أجد ذلك محررا في كلامهم ، وقد تقدم‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب العيوب والتدليس الحديث ١.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب العيوب والتدليس الحديث ٣ ـ ٤.

(٤) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب العيوب والتدليس الحديث ١٤ والباب ـ ٣ ـ منها الحديث ٢.

(٥ و ٦) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب العيوب والتدليس الحديث ١ ـ ٧.

٣٥١

لنا في البيع عند البحث عن سقوط الخيار بالتصرف ما يشبه هذا الكلام ، فلاحظ وتأمل.

ولو رضى ببرص مثلا ثم اتسع بعده في ذلك العضو ففي الخيار وعدمه وجهان أقواهما العدم ، كما عن التحرير والجامع ، لأن الرضا بالشي‌ء رضا بما يتولد منه ، ولأنه عيب واحد وقد حصل الرضا به ، خلافا للفاضل في القواعد فله الخيار ، لأنها عيب لم يحصل الرضا به ، نعم لو حصل البرص في غير ذلك العضو اتجه ثبوت الخيار فيه ، لظهور المغايرة حينئذ مع أن المحكي عن المبسوط التوقف منه ، لأن اتفاق الجنس يوجب الرضا بفرد منه الرضا بغيره ، أما مع اختلاف الجنس فلا إشكال في ثبوت الخيار ، والله العالم.

المسألة ( السابعة )

العيب جلي أو خفي ، فالجلي قطع المنازعة فيه سهل ، وأما الخفي فلا شك في وجوب البينة على مدعيه ، كما أن على نافيه اليمين ، بل يعتبر في الشاهدين مع العدالة العلم بذلك العيب ، ككونهما طبيبين عارفين يقطعان بوجوده إن كان مما يمكن علم الغير به كالبرص والجذام الخفيين ، وإن كان لا يعلمه غالبا إلا صاحبه كالعنن لم تسمع البينة.

ولذا ذكر غير واحد من الأصحاب بل لم أجد فيه خلافا منهم أنه ( لا يثبت العنن إلا بإقرار الزوج أو البينة بإقراره ) أو اليمين المردودة ( أو نكوله ) بناء على القضاء به وإن لم يرد اليمين.

( و ) حينئذ فـ ( لو لم يكن ذلك وادعت عننه فأنكر فالقول قوله مع يمينه ) لأن الأصل السلامة أو لأنه يترك لو ترك ، ولما تسمعه من الصحيح (١)

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٥ ـ من أبواب العيوب والتدليس الحديث ١.

٣٥٢

الاتي ، ولا تسمع منها البينة على العنن نفسه ، لكونه لا يعلم إلا من قبله ، ضرورة كونه أعم من العجز عن وطء امرأة بخصوصها ، بل أشكل في المسالك ثبوته باليمين المردودة بناء على أنها كالبينة بكونها حينئذ كالبينة منها ، والفرض عدم سماعها منه فكذا ما قام قيامها ، وإنما تسمع البينة بإقراره وهي لم تدع إقراره بذلك كي ينزل يمينها المردودة منزلته ، وانما ادعت العيب فينزل يمينها منزلة البينة عليه ، وإن كان قد يدفع بأن المراد كونها بحكم البينة المسموعة في إثبات الحق ، لا أن المراد بحكم البينة حينئذ في السماع وعدمه ، نعم قد يشكل أصل الحكم بأن قبول يمينها يقتضي إمكان اطلاع الغير عليه لا من جهة الإقرار ، فيتجه سماع البينة عليه.

اللهم إلا أن يفرق بين الزوجة وغيرها بإمكان اطلاعها عليه بدور الأيام وتكرر الأحوال وتعاضد القرائن بخلاف غيرها ، وهو كما ترى ، ضرورة إمكان تعاضد القرائن للغير أيضا خصوصا مع الاختبار مع ذلك بالعلامات المذكورة عند الأطباء ، ( و ) وردت بها بعض النصوص (١).

بل ( قيل ) والقائل ابنا بابويه وابن حمزة : إنه ( يقام في الماء البارد فان تقلص ) أي تشنج ( حكم بقوله ، وإن بقي مسترخيا حكم لها ) بل عن الفقيه روايته (٢) عن الصادق عليه‌السلام وفقه الرضا عليه‌السلام (٣) وظاهرهم الحكم بها وإن لم تفد القطع بذلك ( و ) إن كان هذا القول ( ليس بشي‌ء ) عند المتأخرين ، لعدم الوثوق بالانضباط ، وعدم الوقوف على مستند صالح لإرسال الخبر ، نعم هو قول الأطباء ، وكلامهم يثمر الظن الغالب بالصحة إلا أنه ليس طريقا شرعيا ، لكن الغرض أن هذه الأمارة المعروفة عند الأطباء ووردت بها الرواية إذا انضمت أيضا إلى ما‌ في المرسل (٤) من « أنه يطعم السمك الطري ثلاثة أيام ثم يقال له : بل على‌

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ١٥ ـ من أبواب العيوب والتدليس الحديث ٤.

(٣) المستدرك الباب ـ ١٤ ـ من أبواب العيوب والتدليس الحديث ١.

(٤) الوسائل الباب ـ ١٥ ـ من أبواب العيوب والتدليس الحديث ٥.

٣٥٣

الرماد ، فان ثقب بوله الرماد فليس بعنين ، وإن لم يثقب بوله الرماد فهو عنين » ‌بل ظاهر الفقيه العمل به أيضا لروايته له فيه ، وإلى غير ذلك من القرائن ، والأمارات قد تفيد القطع كما استفادته الزوجة حتى قبل منها اليمين ، مع أن العجز عنها لا يقتضي العنن ، فدعوى إمكانه منها دون غيرها ـ على وجه ترد البينة العادلة لو شهدت به لعدم إمكان العلم لها فهي حينئذ مشتبهة في الظن بالقطع ـ كما ترى.

ولعله لذا قبل بعض العامة البينة عليه ، وهو قوي جدا ، بل هو الوجه فيما سمعته من الخبرين السابقين على معنى إمكان حصول القطع بما فيهما بعد فرض غيرهما من الأمارات ، بل لعل ذلك مراد بني بابويه وحمزة ، لا أن المراد الحكم بذلك وإن لم يحصل القطع منهما ، فلا خلاف حينئذ في المسألة ، والله العالم.

( و ) كيف كان فـ ( لو ثبت العنن ) بإقراره وغيره ورفعت أمرها إلى الحاكم وأجله سنة على ما ستعرف ( ثم ادعى الوطء فالقول قوله ) أيضا ( مع يمينه ) على الأشهر ، كدعوى عدم العنن أصلا ، لأنه لا يعلم أيضا إلا من قبله ، ويتعذر أو يتعسر إقامة البينة عليه فيقبل قوله ، كدعوى الامرأة انقضاء العدة بالأقراء ، ولعدم ثبوت العنن قبل مضى سنة التأجيل ، وإنما الثابت قبلها العجز الذي يمكن معه العنة وعدمها ، ولذا أجل سنة لتنظر أيقدر على الوطء أم لا؟ فان قدر فلا عنة وإلا ثبت ، فيرجع حينئذ دعواه إلى إنكارها ، كالأول الذي قد عرفت عدم الخلاف والاشكال في ثبوت قوله فيه ، واستصحاب العجز الثابت سابقا لا يصلح لإثبات العنن بناء على اعتبار العجز سنة فيه ، ضرورة عدم كون ذلك مما يثبت بالاستصحاب ، بل هو بالنسبة إليه من الأصول المثبتة التي ليست بحجة ، ولأنه ـ بموافقته لأصالة اللزوم ، ويترك لو ترك ـ يكون منكرا ، فيقبل قوله حينئذ بيمينه ، ولإطلاق‌ صحيح أبي حمزة (١) « سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : إذا تزوج الرجل المرأة الثيب التي قد تزوجت غيره فزعمت أنه لم يقربها منذ دخل بها ، فان القول في ذلك قول الرجل ،

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٥ ـ من أبواب العيوب والتدليس الحديث ١.

٣٥٤

وعليه أن يحلف بأنه لقد جامعها ، لأنها المدعية ، قال : فان تزوجها وهي بكر فزعمت أنه لم يصل إليها ، فإن مثل هذا يعرفه النساء ، فلينظر إليها من يوثق به منهن ، فإذا ذكرت أنها عذراء فعلي الامام أن يؤجله سنة ، فان وصل إليها وإلا فرق بينهما ، وأعطيت نصف المهر ، ولا عدة عليها » ‌وفي المحكي‌ عن فقه الرضا عليه‌السلام (١) « وإذا ادعت أنه لا يجامعها عنينا أو غير عنين ، فيقول الرجل : إني قد جامعتها فعليه اليمين وعليها البينة ، لأنها المدعية ».

أما ما في المسالك ـ من إشكال الاستدلال بالصحيح بأن محل البحث ما إذا ثبت عننه ومورد الرواية دعواها عليه ذلك مع عدم ثبوت ذلك ، وقبول قوله هنا واضح ، كما مر في المسألة الأولى ، لأنها المدعية وهو المنكر ، لموافقة قوله أصل السلامة بخلاف موضع النزاع ، لتحقق العيب ، فهو فيه المدعى ، لزوال ما كان قد ثبت ـ يدفعه ظهور الصحيح في أن مورد الخلاف بينهما في الوطء وعدمه الشامل بإطلاقه محل النزاع ، وقد جعلها المدعية فيه مع موافقة قولها لأصالة عدم وطئها ومخالفة قوله لذلك ، وما هو إلا لأنها تريد بذلك إثبات التسلط على الفسخ الشامل للصورتين.

ولعله لذلك ( و ) غيره مما سمعته لم أجد أحدا قال بتقديم قولها عليه بيمينها. نعم ( قيل ) والقائل الصدوق في المقنع والشيخ في الخلاف وجماعة : ( إن ادعى الوطء قبلا وكانت بكرا نظر إليها النساء ، وإن كانت ثيبا حشى قبلها خلوقا فان ظهر على العضو صدق ) بل عن الخلاف دعوى إجماع الفرقة وأخبارها عليه ، ولعلها للصحيح (٢) المزبور في البكر ولخبر عبد الله بن الفضل (٣) عن بعض مشيخته قالت امرأة لأبي عبد الله عليه‌السلام أو سأله رجل « عن رجل تدعى عليه امرأته أنه عنين وينكر الرجل ، قال : تحشوها القابلة بالخلوق ولم يعلم الرجل ،

__________________

(١) المستدرك الباب ـ ١٤ ـ من أبواب مقدمات النكاح الحديث ١.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ١٥ ـ من أبواب العيوب والتدليس الحديث ١ ـ ٢.

٣٥٥

ويدخل عليها الرجل ، فان خرج وعلى ذكره الخلوق صدق وكذبت ، وإلا صدقت وكذب » ‌وخبر غياث بن إبراهيم (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « ادعت امرأة على زوجها على عهد أمير المؤمنين عليه‌السلام أنه لا يجامعها ، وادعى أنه يجامعها ، فأمرها أمير المؤمنين عليه‌السلام أن تستذفر بالزعفران ثم يغسل ذكره ، فان خرج الماء أصفر صدقه ، وإلا أمره بطلاقها » ‌لكنه كما ترى ليست في العنن بعد ثبوته ، بل العبارة المحكية عن الخلاف كذلك أيضا ، فينبغي أن يجعل قولا في المسألة السابقة ، مضافا إلى القول بوضعه في الماء ، اللهم إلا أن يقال بعد فرض اعتبار ذلك شرعا : لا فرق فيه بين الحالين ، نعم ينبغي الاطمئنان بعدم احتيال الزوج في وضع الخلوق ، كأن يكون غير عالم أو يشد يداه كما أومأ إليه في الخبر (٢).

وينبغي أن يكون محل ذلك النزاع في الوطء فعلا وعدمه ، إلا أن المصنف وغيره أطلق تقديم قوله بيمينه في الصورتين على كل حال ، من غير فرق بين البكر والثيب ، بل قال بعد حكايته القول المذكور ( وهو شاذ ) ولعله لما عرفت من أنه منكر بالتقرير الذي سمعته ، ولفقد شرائط الحجية في الخبرين ، ولأن عدم الوطء في القبل على تقدير ثبوت البكارة لا يستلزم العنن ، لإمكان وطئه غيرها ، وكذا الكلام في ذات الخلوق ، وثبوت كذبه فيما ادعاه لا يثبت العنن ، ومن هنا لم يأمرها عليه‌السلام بالفسخ عنه ، بل أمره بطلاقها.

لكن قد يناقش بصحة الخبر المشتمل على الكبر ، ودعوى الشيخ الإجماع على مضمون الخبرين السابقين ، فلا يبعد القول بهما بعد ثبوت العنن ولو بإقراره ودعواه ارتفاعه بالسبب الخاص الذي يمكن تبين صدقه من كذبه فيه بالطريق المزبور فيختبر حينئذ ويحكم به.

بل قد يقال : بصحة الاختبار المزبور قبل ثبوت العنن أيضا في إثباته ، ثم يحكم بالأجل له بناء على الاكتفاء فيه بالعجز عن خصوص المدعية ، مع عدم العلم بإمكانه وطء غيرها ، فمع فرض تبين كذبه في دعواه وطءها يضرب له الأجل‌

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ١٥ ـ من أبواب العيوب والتدليس الحديث ٣ ـ ٢.

٣٥٦

( و ) يختبر فيها حينئذ بالطريق المزبور مع فرض دعواه عدم العنن بوطئها فعلا.

نعم ( لو ادعى أنه وطأ غيرها أو وطأها دبرا كان القول ) حينئذ ( قوله مع يمينه و ) يحكم له ، كما أنه ( يحكم عليه إن نكل ، وقيل : بل يرد اليمين عليها ، وهو ) أي الحكم المردود في المسألة ( مبني على القضاء بالنكول ) أو باليمين من المدعي ، وسيأتي إنشاء الله تحريره في كتاب القضاء ، نعم قيل : إنه على تقدير توقف القضاء على اليمين برده أو مع نكوله إنما يتم لو كان النزاع في وطئها دبرا مثلا ، لا مكان حلفها حينئذ ، أما لو كانت وطأ غيرها لم يمكنها الحلف على عدمه مطلقا لأنه حلف على نفي فعل الغير على وجه لا ينحصر ، وفيه أنه يمكن فرضها العلم بكذبه بحصر دعواه الوطء في وقت مخصوص مثلا وكان في ذلك الوقت حاضرا معها ، أو بغير ذلك.

هذا وقد يقال أيضا بالاختبار بالطريق المزبور أيضا مع فرض إمكانه وكون الدعوى على وجه يتميز صدقها وكذبها به ، وعدم ذكره نصا وفتوى لتعسر إمكانه غالبا في غير المدعية.

وبالجملة يكون المحصل من النصوص أجمع أنه إن أمكن معرفة صحة الدعوى وفسادها بطريق من الطرق على وجه يحصل العلم بذلك فعل ، وإلا كان المرجع إلى قاعدة المدعى والمنكر ، وأنها هي المدعية وهو المنكر كما عرفت ، والله العالم.

٣٥٧

المسألة ( الثامنة )

( إذا ثبت العنن ) بأحد الوجوه السابقة ( فإن صبرت ) عالمة بالموضوع والحكم راضية ( فلا كلام ) كما لا خلاف في عدم الخيار لها بعد ذلك إذا أرادته ، بل لعل الإجماع بقسميه عليه ، ولأنه حق متحد يسقط بالإسقاط ، وللمرسل في الفقيه (١) « متى أقامت المرأة مع زوجها بعد ما علمت أنه عنين ورضيت به لم يكن لها خيار بعد الرضا » ‌وبذلك افترقت عن المطالبة في الإيلاء التي لا تسقط بالإسقاط ، لتجدد الحق في كل وقت ، بل الظاهر سقوط هذا الخيار بالإسقاط ولو في أثناء السنة لعدم الفرق بين ما قبلها وبعدها وأثنائها ، بل لو لم تعلم بعننه فأسقطت خيارها على تقدير عننه فالظاهر السقوط على نحو إسقاط خيار العيب في البيع قبل العلم بثبوته بلا خلاف أجده في شي‌ء من ذلك ، نعم عن العامة وجه بعدم اللزوم في الاختيار في الأثناء بناء على أن لا خيار لها إلا بعد الأجل ، فلا عبرة باختيارها المقام كما لا عبرة بفسخها ، وضعفه ظاهر.

إنما الكلام في اقتضاء نفس الصبر عن المرافعة ذلك ، كما هو الظاهر من الشيخ وجماعة ، بل صرح بعضهم بفورية المرافعة كفورية الفسخ ، إلا أنه مع وجوب تقييده بعدم العذر لها في ذلك لجهل ونحوه قد يناقش بأعمية الصبر من ذلك ، خصوصا مع التصريح منها بعدم كون ذلك عن رضا به ، وبعدم الدليل على وجوب الفور في المرافعة على وجه يقتضي سقوط خيارها بعد ذلك ، حتى لو صرحت بعدم كون ذلك عن رضا منها ، خصوصا مع وضوح الفرق بينها وبين الخيار بأن مشروعيته على الفور على وجه لو تواطئها على التراخي لم يكن لهما بخلاف المرافعة ، اللهم إلا أن تدفع بمنافاة التراخي في المرافعة لفورية الخيار وللأمر بالتربص سنة الذي‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب العيوب والتدليس الحديث ١٠.

٣٥٨

قد يجمع بينه وبين الخبر الآخر (١) المصرح فيه بكون المبدء يوم المرافعة بأن المراد سنة من حين العنن بأمر الحاكم ، وذلك لا يكون إلا مع الفور برفع الحال إليه وإلا تأخر الخيار عن زمانه.

( و ) كيف كان ف ( ان ) لم تصبر بل ( رفعت أمرها إلى الحاكم أجلها سنة من حين المرافعة ، فإن واقعها أو واقع غيرها فلا خيار ) لعدم العنن حينئذ بناء على ما عرفته سابقا في بيان موضوعه ، خلافا للمفيد فاكتفى بالعجز عنها ، وقد عرفت ضعفه فيما تقدم ، ( وإلا كان لها الفسخ ) من غير فرق بين العنن السابق على العقد والحادث بعده ، بلا خلاف معتد به أجده فيه ، بل عن جماعة الإجماع عليه ، وهو الحجة مضافا إلى صحيح أبي حمزة (٢) السابق ، و‌صحيح محمد بن مسلم (٣) عن أبى جعفر عليه‌السلام « العنين يتربص به سنة ثم إن شاءت امرأته تزوجت وإن شاءت أقامت » ‌وخبر البختري (٤) عنه أيضا عن أبيه عليهما‌السلام : « إن عليا عليه‌السلام كان يقول : يؤخر العنين سنة من يوم مرافعة امرأته ، فإن خلص إليها وإلا فرق بينهما ، فإن رضيت أن تقيم معه ثم طلبت الخيار بعد ذلك فقد سقط الخيار ولا خيار لها » وخبر الكناني (٥) قال : « إذا تزوج الرجل المرأة وهو لا يقدر على النساء أجل سنة حتى يعالج نفسه » ‌إلى غير ذلك من النصوص المؤيدة بالاعتبار ، لأن العجز قد يكون لحر فيتربص به إلى الشتاء ، أو برد فيتربص به إلى الضيف ، أو رطوبة فيتربص به إلى الخريف ، أو يبوسة فيتربص به إلى الربيع ، فما عن أبى على من قصر التأجيل على الحادث بعد العقد دون السابق ، فيجوز لها الفسخ فيه في الحال ، لقول الصادق عليه‌السلام في خبر غياث (٦) « إذا علم أنه عنين لا يأتي النساء فرق بينهما » وخبر أبى الصباح (٧) « سألته عن امرأة ابتلى زوجها فلا يقدر على الجماع أبدا أتفارقه؟

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب العيوب والتدليس الحديث ٩ ـ ١٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٥ ـ من أبواب العيوب والتدليس الحديث ١.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب العيوب والتدليس الحديث ٥ ـ ٩.

(٥ و ٦ و ٧) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب العيوب والتدليس الحديث ٧ ـ ٢ ـ ٦.

٣٥٩

قال : إن شاءت » ‌وهما مع الضعف مطلقان لا بد من حملهما على التفصيل في الأخبار الأول ، بل في المختلف « إن العلم بعننه إنما يحصل بالتأجيل سنة ».

هذا ومن المعلوم سقوط حكم العنة بتغيب الحشفة في الفرج بحيث يشتمل عليها شفراها اتفاقا ، فإنه أقل وطء معتبر شرعا مستوجب لسائر أحكامه ، نعم لو لم يشتمل عليها الشفران بأن انقلبا ففي الاعتبار وجهان للشافعية : أظهر هما الاعتبار لحصول التقاء الختانين ، فان المشهور في معناه التحاذي ، ولتحقق الإيلاج الذي لا يقدر عليه العنين ، وكون الشفرين بمنزلة ما يلف على الذكر من خرقة ونحوها.

ولو كان مقطوع الحشفة فالظاهر اعتبار قدرها ، وربما احتمل اعتبار دخول المجموع لأنه مع وجود الحشفة يكون للوطء المعتبر حد يرجع إليه ، ولا كذلك مع القطع ، فلا يقطع بحصول المعتبر منه إلا بتغيب الجميع ، وعن التحرير التردد.

( و ) على كل حال فلها أيضا بعد الفسخ ( نصف المهر ) بلا خلاف معتد به أيضا ، بل لصحيح أبي حمزة (١) السابق المعتضد بالعمل وبما عن فقه الرضا عليه‌السلام (٢) الذي يجب به الخروج عن مقتضى قاعدة الفسخ ، خلافا لأبي على أيضا ، فالجميع إذا خلا بها وإن لم يدخل ، بناء منه على إلحاق الخلوة بالدخول بالنسبة إلى قرار المهر ، وستسمع الكلام فيه في محله إنشاء الله بل لو سلم كان المتجه هنا القول بالنصف ، للصحيح المزبور المعتضد بما عرفت الذي لا يعارضه‌ المروي عن قرب الاسناد (٣) « عن عنين دلس نفسه لامرأة ما حاله؟ قال : عليه المهر ، ويفرق بينهما إذا علم أنه لا يأتي النساء » ‌بعد قصور سنده والاعراض عنه ، مع أنه خال عن التقييد بالخلوة.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٥ ـ من أبواب العيوب والتدليس الحديث ١.

(٢) المستدرك الباب ـ ١٣ ـ من أبواب العيوب والتدليس الحديث ٤.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب العيوب والتدليس الحديث ١٣.

٣٦٠