جواهر الكلام - ج ٣٠

الشيخ محمّد حسن النّجفي

بكرا ، فإن الذي يتعلق برقبته نصف العشر وبذمته النصف الأخر ، لكن في القواعد « إن قلنا : إنه أرش جناية تعلق برقبته فلا بد أن يباع فيه ، وإن قلنا : إنه مهر تبع به بعد العتق » وفي كشف اللثام « الأقوى الأول خصوصا بالنسبة إلى المولى ، وعدم ضمان الأرش بوطء الحرائر لأنه تابع للوطء ، فهو جناية مباحة كالاختتان والخفض » وفيه ما عرفت من أن الظاهر تحقق الجناية فيه والوطء ، ولكل موجب كما عرفته.

بل منه يظهر أن ذلك تقدير شرعي لبضع الأمة في جميع أحوال استيفائه بغير العقد الصحيح من غير فرق بين الزنا وغيره ، والعلم والجهل من الواطئ أو الأمة ، للتعليل ، والقطع بعدم الفرق في مورد الصحيحين وغيره كما اعترف به في الرياض ، فالصور الأربعة المذكورة في المسالك وغيرها متحدة بالنسبة إلى هذا الحكم كغيرها من صور وطء الأمة بغير العقد الصحيح ، والله العالم.

( و ) على كل حال فلا إشكال في انها ( لو أتت بولد كان ) الولد ( رقا لمولاها ) لكونه نماء ملكه ، والفرض عدم العقد المقتضى لثبوت النسب ، فهو كولدها منه زناء من غير عقد ، كما أنه لا إشكال في ضمانه أرش عيبها بالولادة إن تعيبت بها ، كما عن ابن حمزة التصريح به ، هذا كله فيمن وطأ بلا إذن عالما بالتحريم.

( و ) أما ( إن كان ) أي ( الزوج جاهلا ) بحرمة ذلك عليه ( أو كان هناك شبهة ) وطأها بها بعد العقد كأن وجدها على فراشه ( فلا حدّ ) قطعا لعدم تحقق موجبه ، وهو الزنا ( ووجب المهر ) الذي هو العشر إن كانت بكرا ، ونصفه إن كانت ثيبا عندنا وإن كانت هي غير مشتبهة ( وكان الولد حرا ) إجراء للشبهة ـ وإن لم تكن عن عقد ـ مجرى العقد الصحيح في حصول النسب المقتضي للحرية على الوجه الذي ذكرناه. ( لكن يلزمه قيمته لمولى الأمة ) لكونه كالمتلف مال غيره بغير إذنه ، ضرورة كونه نماء للجارية وتابعا لها ، كما أوضحناه سابقا ، ووقت تقويمه ( يوم سقط حيا ) إذ مع السقوط ميتا ليس بمال كما أنه‌

٢٢١

كذلك قبله أيضا ، فأول أزمان تموله الذي قد حال بينه وبينه يوم سقوطه ، فيفرد حينئذ بالتقويم في ذلك الوقت ، ويضمن له قيمته ، كما أوضحناه في باب البيع.

( وكذا لو عقد عليها لدعواها الحرية ) بالأصل أو بالعارض مع قيام بينة لها بذلك أو قرائن أفادت القطع به أو الظن مع القطع بكفايته في الاقدام على تزويجها جهلا على وجه يعذر فيه أو نحو ذلك مما يكون به العقد والوطء شبهة بعد أن بان فساد دعواها ، فإنه لأحد حينئذ قطعا ، لعدم موجبه بعد فرض الشبهة ، و ( لزمه المهر ) المسمى في قول ضعيف ، ضرورة تبين فساد العقد المقتضى له من أصله لا من حينه ، كما عساه يتوهم من بعض العبارات ، ولا دليل يعتد به على لحوق عقد الشبهة بالصحيح بالنسبة إلى ذلك ، كما تقدم البحث في نظائره التي قلنا بوجوب مهر المثل فيها الذي هو المتجه هنا لولا الصحيح المزبور المعتضد بالصحيح الأخر.

( و ) من هنا كان الأقوى ما ( قيل ) من ( عشر قيمتها إن كانت بكرا ، ونصف العشر إن كانت ثيبا ) بل ظاهر قول المنصف ( وهو المروي ) (١) الميل اليه هنا وإن كان الظاهر عدم الفرق بين جميع أحوال وطء الأمة بغير العقد الصحيح المذكور فيه المسمى كما عرفت الكلام فيه مفصلا ، بل ظاهر الأصحاب الاتفاق هنا على عدم الفرق بين كونها بغيا وغير بغي ، بل في المسالك عن بعضهم دعوى إجماع المسلمين عليه ، وهو مما يؤيد ما قلناه سابقا من وجوب المهر لها وإن كانت بغيا ، ضرورة عدم الفرق المجدي بين الموضعين ، كما هو واضح.

( و ) على كل حال فـ ( لو كان دفع إليها مهرا استعاد ما وجد منه ، ) لكونه باقيا على ملكه ، وتبعها بالتالف منه بعد العتق ، ويغرم للمولى ما يستحقه عليه ، كل على مختاره فيه ، حتى أنه لو قلنا بكون اللازم له المسمى وفرض دفعها إليها وكان تالفا وجب دفع مثله أو قيمته اليه ، لكونه مضمونا عليه حتى يوصله إليه ، وقد بان أن الوصول إليها وصول إلى غير المستحق ، كما هو واضح.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٦٧ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ١.

٢٢٢

( و ) لو أولدت منه ( كان ولدها منه رقا ) عند الشيخ وأتباعه ، بل في الحدائق أنه هو المشهور ، بل لعله خيرة المصنف بناء على أن ذلك منه ، لا أنه مقول قيل ، فيكون منافيا لما اختاره سابقا في شبهة الزوج بغير دعوى الحرية ، ولعله لخصوص النصوص (١) هنا.

لكن الأقوى عدم الفرق بين أفراد الشبهة في حرية الولد ، وفاقا للمحكي عن المبسوط والسرائر ونكت النهاية ، للأصل ولظهور الأدلة في كونه كالعقد الصحيح في لحوق النسب المقتضي لحرية الولد على الوجه الذي قد عرفته سابقا ، مضافا إلى أصالة الحرية ، وأصالة عدم لحوق أحكام العبيد ، وإلى خصوص ما في ذيل صحيح الوليد بن صبيح (٢) الذي هو دليل المسألة ، ولا داعي إلى حمل ذلك فيه على الإنكار دون الاخبار بقرينة الشرط فيه المحمول على إرادة تقرير موضوع الحكم بالحرية لا التعليقية ، أو على كون الأب قد رد ثمنهم الذي هو كما ترى ، المعتضد بصحيح محمد بن قيس (٣) عن أبي جعفر عليه‌السلام « في رجل تزوج جارية رجل على أنها حرة ثم جاء رجل آخر فأقام البينة على أنها جاريته ، قال : يأخذها ويأخذ قيمة ولدها » ‌الظاهر في حرية الولد ، وإلا كان الجائز له أخذها وأخذ ولدها ، بل وبالنصوص (٤) في الأمة المشتراة ثم بان أنها مستحقة للغير المتقدمة في كتاب البيع ، بناء على عدم الفرق بين أفراد الشبهة ، بل وبموثق سماعة (٥) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٦٧ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء.

(٢) الوسائل الباب ـ ٦٧ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ٦٧ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ٨ عن محمد بن على بن الحسين ، عن أبى جعفر عليه‌السلام ، الا أن الموجود في الفقيه ج ٣ ص ٢٦٢ ـ الرقم ١٢٤٦‌« روى محمد بن قيس عن أبى جعفر عليه‌السلام. ».

(٤) الوسائل الباب ـ ٨٨ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء.

(٥) الوسائل الباب ـ ٦٧ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ٥.

٢٢٣

عن مملوكة أتت قوما وزعموا أنها حرة فتزوجها رجل منهم وأولدها ولدا ثم إن مولاها أتاهم فأقام عندهم البينة أنها مملوكة أو أقرت الجارية بذلك ، فقال : تدفع إلى مولاها هي وولدها ، وعلى مولاها أن يدفع ولدها إلى أبيه بقيمته يوم يصير اليه ، قلت : فان لم يكن لأبيه ما يأخذ به ابنه ، قال : يسعى أبوه في ثمنه حتى يؤديه ، ويأخذ ولده ، قلت : فان أبى الأب أن يسعى في ثمن ابنه ، قال : فعلى الامام أن يفديه ، ولا يملك ولد حر » ‌فإنه صريح في كون الولد حرا بناء على ما في جامع المقاصد من أنه ضبطه المحققون بالوصف لا الإضافة ، فيكون المراد حينئذ أنه ولد حر والولد الحر لا يكون مملوكا ، فيجب على الأب أو الإمام فداؤه.

ومنه يعلم حينئذ أن دفع القيمة ودفع الولد لمولى الجارية لا لكونه مملوكا ، بل لاستحقاقه القيمة على الأب ، فمن الغريب استدلال بعضهم به على الرقية ، كالاستدلال عليها أيضا بحسن زرارة (١) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أمة أبقت من مواليها فأتت قبيلة غير قبيلتها فادعت أنها حرة ، فوثب عليها رجل فتزوجها ، فظفر بها مولاها بعد ذلك وقد ولدت أولادا ، فقال : إن أقام الزوج البينة على أنه تزوجها على أنها حرة أعتق ولدها وذهب القوم بأمتهم ، وإن لم يقم البينة أوجع ظهره واسترق ولده » وموثق سماعة (٢) الآخر « سأله عن مملوكة أتت قبيلة غير قبيلتها فأخبرتهم أنها حرة ، فتزوجها رجل منهم ، فولدت له ، قال : ولده مماليك إلا إن يقيم البينة أنه شهد لها شاهدان أنها حرة فلا يملك ولده ، ويكونون أحرارا » وموثق محمد بن قيس (٣) الآخر عن أبى جعفر عليه‌السلام « قضى علي عليه‌السلام في امرأة أتت قوما فأخبرتهم أنها حرة ، فتزوجها أحدهم وأصدقها صداق الحرة ، ثم جاء سيدها ، فقال : ترد عليه ، وولدها عبيد » ‌وذلك لأن حسن زرارة ظاهر أو صريح في إرادة بيان أن الأصل تبعية النماء للجارية في المملوكية للسيد حتى يقيم البينة أنه تزوجها حرة مشتبها وإلا كان الولد رقا ، بل هو المراد من موثق سماعة المزبور وإن كان قد اقتصر‌

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ٦٧ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ٣ ـ ٢ ـ ٤.

٢٢٤

فيه على ذكر بعض أفراد الشبهة ، وهو إقامتها البينة ، بل منه يعلم المراد في موثق محمد بن قيس ، فليس شي‌ء من هذه النصوص دالا على رقية الولد في هذا الفرد من الشبهة ، بل حاله كحال غيره من أفرادها.

ومن ذلك يعلم ما في الجمع الذي ذكره في الحدائق وأطنب فيه ، وحاصله « إنه إن كانت الشبهة الحاصلة بشهادة الشاهدين لها على الحرية فأولادها أحرار من دون دفع قيمة ، لأنه أخذ بظاهر الشرع ، وإن كانت بدعواها العتق مثلا مع ظهور قرائن تورث الظن بصدقها وتوهم الحل بذلك فأولادها أرقاء ، ولكن يفكهم أبوهم بالقيمة ، لكونه ليس حلالا صرفا كشهادة الشاهدين حتى يكون الولد حرا ، ولا زنا صرفا حتى يكون رقا ، بل كان شبهة فيه شائبة زنا ، فكان حكمه الرقية التي يكون للأب سلطنة على الفك جمعا بين الشبهة وشائبة الزنا ».

لكنه كما ترى لا شاهد له ولا مقتضى ، والعذر الشرعي ولو بينة لا ينافي الضمان كما نطقت به النصوص (١) فيمن اشترى أمة فظهر أنها مستحقة للغير ، نعم هل يستحق الرجوع به على الشاهدين أو لا؟ فيه بحث ستسمعه إن شاء الله وكأنه أخذ هذا الجمع مما عن النهاية قال : « إن عقد عليها على ظاهر الأمر بشهادة الشاهدين لها بالحرية ورزق منها أولادا كان أولادها أحرارا ، وإن عقد عليها على ظاهر الحال ولم تقم عنده بينة بحريتها ثم تبين أنها كانت رقا كان أولادها رقا لمولاها ، ويجب عليه أن يعطيهم أباهم بالقيمة ، وعلى الأب أن يعطي القيمة ، فان لم يكن له مال استسعى في قيمتهم ، فان أبى كان على الامام أن يعطى مولى الجارية قيمتهم من سهم الرقاب ولا يسترق ولد حر ».

بل قد يرجع إلى ذلك كلامه في كتابي الأخبار ، بل في كشف اللثام حكايته عن المهذب أيضا ، بل فيه وكذا في الغنية ، لكنه أوجب للسيد القيمة على الأول أيضا ، وفي الجامع ، إلا أنه لم ينص على الرقية في الثاني ، وفي الوسيلة ، لكن جعل في حكم شهادة الشاهدين بالحرية تدليس مدلس عليه ، إلا أنه لا يخفى عليك ما في‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٨٨ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء.

٢٢٥

الجمع بعد الإحاطة بما ذكرنا من أنه لا معارضة في شي‌ء من هذه النصوص لما دل على الحرية كغيرها من أفراد الشبهة.

( و ) لكن صرح غير واحد بأنه يجب ( على الزوج ) الذي هو الأب ( أن يفكهم بالقيمة ويلزم المولى دفعهم إليه ) بمعنى أنه يضمن قيمة الولد للمولى ، لأنه كالمتلف لماله الذي هو نماء ملكه وإن كان مشتبها ، لأن الاشتباه لا يرفع الضمان الذي قد دلت عليه نصوص (١) الأمة المشتراة ثم ظهر أنها مستحقة ، وبعض نصوص المقام (٢).

نعم الظاهر أنه لا سلطنة للمولى على الأولاد بناء على الحرية ، فليس له حبسهم حتى تدفع إليه القيمة ، وموثق سماعة (٣) المزبور لم أجد به عاملا على هذا التقدير ، ضرورة نفى السلطنة على الحر ، وشغل ذمة الأب بالقيمة لا يقتضي ذلك ومن هنا قال في المسالك بعد نقل قولي الحرية والرقية : « وتظهر فائدة القولين مع اتفاقهم على وجوب القيمة والحرية بدفعها فيما لو لم يدفعها لفقر أو غيره ، فعلى القول بالحرية تبقى دينا في ذمته ، والولد حر ، وعلى القول الأخر يتوقف على دفعها ».

فالواجب حمل قوله عليه‌السلام فيها : « تدفع هي وولدها » على إرادة دفع قيمة ولدها كما أومأ إليه صحيح محمد بن قيس (٤) المذكور ، وإلا كان مخالفا للمسلمين فضلا عن المؤمنين ، ضرورة عدم حبس الحر بدين غيره.

كما أن ما فيها من سعى الأب في الثمن مخالف للمختار من عدم وجوب سعى المديون في وفاء دينه الذي وجوبه مشروط بالمطالبة التي أسقطها الشارع بالإعسار وأوجب الإنظار إلى الميسرة (٥) فهو في الحقيقة واجب مشروط ، وإخراج هذا‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٨٨ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ٦٧ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ـ ٠ ـ ٥.

(٤) راجع التعليقة ( الثالثة ) من ص ٢٢٣.

(٥) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٨٠ والوسائل الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب الدين والقرض من كتاب التجارة.

٢٢٦

الدين من بين الديون التي فيها أعظم منه كالغصب والسرقة ونحوهما كما ترى ، فيحب حمله على الندب ، كما احتمله في المسالك ، وربما يومئ إليه عدم الأمر بالقهر عليه عند الامتناع عنه في ذيل الخبر المزبور ، وإلا كان من الشواذ على هذا التقدير ، فانا لم نجد عاملا به.

كما لم نجد عاملا به عليه أيضا في تعيين القيمة وأنها يوم يصير إليه ، بل المعروف أنه قيمته يوم سقوطه حيا ، لأن ذلك أول وقت الحيلولة وكذا ما فيها من فداء الامام له ، مع أن الخطاب بالقيمة قد تعلق بذمة الأب.

وأغرب من ذلك ما عن النهاية من فداء الإمام له من سهم الرقاب ، ولذا اعترضه ابن إدريس فيما حكي عنه « بأن ذلك مخصوص بالعبيد والمكاتبين ، وهؤلاء غير عبيد ولا مكاتبين ، بل أحرار في الأصل انعتقوا لذلك ما مسهم رق أبدا ، لأنه عليه‌السلام قال : « ولا يسترق ولد حر » ‌وصفه بأنه حر ، فكيف يشترى الحر من سهم الرقاب؟ وإنما أثمانهم في ذمة أبيهم ، لأن من حقهم أن يكونوا رقا لمولى أمهم لكن لما حال الأب بينهم وبينه بالحرية وجب عليه قيمتهم يوم وضعهم أحياء أحرارا ، وهو وقت الحيلولة » وإن كان قد يدفع بأن الشيخ قد بنى ذلك على رقية الولد لا حريته ، وحينئذ يكون فداؤهم من سهم الرقاب في محله ، لعدم كون القيمة حينئذ في ذمة الأب وإن وجب عليه دفعها ثمنا لهم.

وفي الحدائق « والعجب منه أنه وافق الشيخ في هذه الصورة على رقية الولد ، وأوجب السعي على أبيه في قيمته ، فكيف يوافقه على ذلك ويمنع فكهم من سهم الرقاب؟ لكونهم أحرارا ما مسهم رق أبدا لقوله عليه‌السلام في الخبر المزبور (١) : « ولا يملك ولد حر ». قلت : يمكن أن يكون ذلك منه شاهدا على إرادة التجوز من الرقية ، ويكون هذا وجه جمع بين القولين ، كما احتمله في كشف اللثام مستظهرا له منها ومن نكت النهاية ، وهو غير بعيد.

وعلى كل حال فالخبر المزبور بعد البناء على الحرية لا بد من طرح هذه‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٦٧ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ٥.

٢٢٧

الاحكام فيه ، أو تأويلها بما يرجع إلى القواعد الشرعية ، وإلا فإنه من الشواذ ، كما هو واضح ، ومن ذلك ظهر لك الحال فيما في المتن ونحوه.

بل ( و ) ما فيه من أنه ( لو لم يكن له ) أي الأب ( مال سعى في قيمتهم ، وإن أبي السعي فهل يجب أن يفديهم الامام؟ قيل ) والقائل الشيخ ومن تبعه : ( نعم تعويلا على رواية ) ـ سماعة (١) و ( فيها ضعف ) بناء على أن الموثق من الضعيف. ( و ) لذا ( قيل : لا يجب لأن القيمة لازمة للأب لأنه سبب الحيلولة ) بين المالك والأولاد ، وفيه أنه بناء على الرقية لا منافاة بين ذلك وبين فكهم من سهم الرقاب.

( ولو قيل بوجوب الفدية على الامام فمن أي شي‌ء يفديهم؟ قيل : من سهم الرقاب ) كما سمعته من النهاية ( ومنهم من أطلق ) ولعله أولى ، للإطلاق ولأن بيت المال معد لمصالح المسلمين التي هذه منها ، لكن لا يخفى عليك أن ذلك كله غير متجه على ما اخترناه من الحرية.

ومن الغريب ما عن الوسيلة من أنه « إن انقطع تصرف الإمام أدى الأب عنه من جهات الزكاة ، فإن فقد جميع ذلك بقي الولد رقا حتى يبلغ ويسعى في فكاك رقبته » فإنه لم نجد ما يشهد له على ذلك ، والتحقيق ما عرفت.

نعم قد صرح في محكي السرائر برجوع الأب بالقيمة على شاهديها بالحرية اللذين قد تزوجها بشهادتهما ، قال : « لأن شهود الزور يضمنون بشهادتهم بغير خلاف بيننا ، والإجماع منعقد على ذلك » وعن أبي الصلاح إذا تزوج الحر بأمة على أنها حرة فخرجت أمة فولدها لاحقون به » ويرجع بقيمة الولد والصداق على من تولى أمرها ، وإن كانت هي التي عقدت على نفسها لم يرجع على أحد بشي‌ء ».

قلت : لا ريب في اقتضاء قاعدة الغرور الرجوع على الغار بما أنفقه المغرور كما تسمعه إنشاء الله في بحث التدليس ، وربما كان في خبري إسماعيل بن جابر إيماء‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٦٧ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ٥.

٢٢٨

إلى القاعدة المزبورة‌ قال في أحدهما (١) : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل نظر إلى امرأة فأعجبته فسأل عنها ، فقيل : هي ابنة فلان ، فأتى أباها ، فقال : زوجني ابنتك ، فزوجه غيرها ، فولدت منه ، فعلم أنها غير ابنته وأنها أمة ، قال : ترد الوليدة على مواليها ، والولد للرجل ، وعلى الذي زوجه قيمة ثمن الولد يعطيه لموالي الوليدة ، كما غر الرجل وخدعه » وقال في الآخر (٢) لأبي عبد الله عليه‌السلام أيضا : « رجل كان يرى امرأة تدخل على قوم وتخرج فسأل عنها ، فقيل : إنها أمتهم واسمها فلانة ، فقال لهم : زوجوني فلانة ، فلما زوجوها عرفوه أنها أمة غيرهم ، قال : هي وولدها لمولاها ، قلت : فجاء إليهم فخطب إليهم أن يزوجوه من أنفسهم ، فزوجوه وهو يرى أنها من أنفسهم فعرفوه بعد ما أولدها أنها أمة ، قال : الولد لهم ، وهم ضامنون قيمة الولد لمولى الجارية ، ولا بأس به » بل ربما يقال : بضمان الجارية ذلك لو كانت هي الغارة ، فتتبع به بعد العتق ، وكان المراد بالضمان قراره ، لما عرفت في محله أن المغرور لا يستحق الرجوع إلا بعد الدفع ، والله العالم.

المسألة ( الرابعة )

( إذا زوج عبده أمته هل يجب أن يعطيها المولى شيئا من ماله؟ قيل ) والقائل الشيخان وابنا حمزة والبراج وأبو الصلاح ( نعم ) يجب لصحيح ابن مسلم (٣) عن الباقر عليه‌السلام « سألته عن الرجل كيف ينكح عبده أمته؟ قال : يجزؤه أن يقول : قد أنكحتك فلانة ويعطيها ما شاء من قبله أو من مولاه ، ولو مدا من طعام أو درهما » ‌وحسن الحلبي (٤) قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : « الرجل كيف ينكح عبده‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب العيوب والتدليس الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٦٧ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ٧.

(٣) الوسائل الباب ـ ٤٣ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ١ مع اختلاف يسير.

(٤) الوسائل الباب ـ ٤٣ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ٢.

٢٢٩

أمته؟ قال : يقول : أنكحتك فلانة ويعطيها ما شاء من قبله أو من قبل مولاه ولو مدا من طعام أو درهما أو نحو ذلك ».

( و ) لكن مع ذلك فـ ( الاستحباب أشبه ) بأصول المذهب وقواعده وأشهر بل المشهور سيما بين المتأخرين ومتأخريهم للأصل وعدم تصور استحقاقه لنفسه على نفسه ، ضرورة أن مهر الأمة لسيدها ، كعدم تصوره استحقاق ماله عليه مالا ، بل التسامح في الخبرين المزبورين في تقدير ذلك أوضح قرينة على الاستحباب ، بل صراحتها بعدم ذكره مهرا في النكاح شاهد آخر عليه أيضا ، ومنه يعلم شذوذهما لو أريد الوجوب ، ضرورة كون القائل بالوجوب يجعله مهرا كما هو صريح النهاية والمحكي عن غيرها ، فظاهر الخبرين لم يقل به ، كما أن ظاهر القائلين لم يوافقه خبر.

ولا فرق في المختار بين القول بأن نكاح العبد تحليل أو عقد ، فما عساه يظهر من بعضهم من بناء هذه المسألة على ذلك لا وجه له ، والتحقيق فيها أنه عقد ، لإطلاق النص (١) والفتوى خلافا لابن إدريس ، فتحليل لعدم الحاجة فيه إلى قبول ، وللاكتفاء بأمر المولى بالاعتزال في فسخه ، ولو كان عقدا لاحتاج إلى طلاق من العبد الأخذ بالساق ، ودعوى كون هذا الأمر طلاقا يدفعها عدم اعتبار ما يعتبر في الطلاق فيه ، وفيه منع عدم الحاجة فيه إلى قبول ، والخبران إنما كان السؤال فيهما عن كيفية إنكاح المولى العبد أى ما يتعلق بالمولى من الإيجاب ، لا أن المراد كفاية ذلك من دون قبول لا من العبد ولا من السيد الذي هو وليه ، بل لعل دلالته على القبول أوضح ، كما في كشف اللثام ، للفظ الإنكاح ، واجتزئ به عن ذكر القبول ، لظهوره فحينئذ يبقى ما دل على اعتبار العقد به في النكاح بحاله.

ومن ذلك يعلم ما في القواعد من الإشكال في ذلك ، قال فيها : « ولو زوج عبده أمته ففي اشتراط قبول المولى أو العبد إشكال ينشأ من أنه عقد أو إباحة » إذ قد عرفت أن الأول هو الموافق للأصل والاحتياط في الفروج ، والظاهر من الأصحاب‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤٣ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ـ ٠.

٢٣٠

والأخبار ، بل هو صريح بعض الأصحاب أيضا كما اعترف بذلك كله في كشف اللثام ، بل ربما ظن من‌ صحيح علي بن يقطين (١) عدم جواز التحليل للعبد ، « سأل الكاظم عليه‌السلام عن المملوك يحل له أن يطأ الأمة من غير تزويج إذا أحل له مولاه ، قال : لا يحل له » ‌وإن كان الأقوى خلافه كما تعرفه من النصوص (٢) الدالة على جواز التحليل له ، واحتمال كون المراد من الخبر أن مطلق الاذن له في ذلك لا يكون نكاحا ، بل لا بدله من إنشاء عقد أو تحليل ، بل لعله الظاهر منه.

وعلى كل حال فلا ريب في كون الأقوى ما عرفت ، ولا يلزمه عدم الفراق إلا بالطلاق ، فان نكاح المتعة عقد ، ويحصل فراقه بغير الطلاق.

بل مما ذكرنا يعلم ما في المحكي عن المختلف من التزامه بعدم الحاجة إلى القبول ، معللا له بكونه ممن لا يملكه ، لجواز إجباره عليه ، إذ فيه أن ذلك لا يقتضي عدم القبول اللفظي المحقق للعقد ولو من السيد كباقي أفراد المولى عليهم ، فالتحقيق اعتباره في صحة العقد ، بل تحققه من العبد باذن السيد أو من السيد ، وكذا الإيجاب من الأمة بإذنه أو منه ، فان كلا منهما إذا حصل كفى.

( و ) كيف كان فـ ( لو مات ) السيد ( كان الخيار للورثة في إمضاء النكاح وفسخه ) لانتقال ما كان للسيد إليهم ، ( ولا خيار للأمة ) الباقية على الرقية وإن تغير المالك ، كما هو واضح.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ١ والباب ـ ٤٥ ـ منها الحديث ١ والباب ـ ٢٢ ـ منها الحديث ١ و ٢ و ٨.

٢٣١

المسألة ( الخامسة )

( إذا تزوج العبد بحرة مع العلم ) لها ( بعدم الاذن ) له من السيد في ذلك ( لم يكن لها مهر ولا نفقة مع علمها بالتحريم ) قطعا لكونها بغيا حينئذ ولخبر السكوني (١) عن الصادق عليه‌السلام قال : « قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أيما امرأة حرة زوجت نفسها عبدا بغير إذن مواليه فقد أباحت فرجها ولا صداق لها ».

نعم قيل كما في كشف اللثام وغيره لأحد عليها ، وربما كان ظاهر اقتصار المصنف وغيره على ما عداه ، ولعل وجهه أنه شبهة بالنسبة إليها باعتبار نقصان عقلها وعدم مخالطتها لأهل الشرع ، فيكفي العقد شبهة لها ، وبذلك يفرق بينها وبين الحر إذا تزوج أمة غير مأذونة عالما بحرمة ذلك عليه ، كما أنه قد يفرق بينها وبين ما إذا تزوجت حرا بعقد فعلم فساده بأن هذا العقد فضولي تجوز فيه إجازة المولى ، ويؤيده‌ ما في الأخبار (٢) من أنه « لم يعص الله وإنما عصى سيده » وحسن منصور بن حازم (٣) عن الصادق عليه‌السلام « في مملوك تزوج بغير إذن مولاه أعاص لله؟ قال : عاص لمولاه ، قلت : حرام هو ، قال : ما زعم إنه حرام ، وقل له : أن لا يفعل إلا بإذن مولاه ».

إلا أن الجميع كما ترى ، بل لعل اقتصار المصنف وغيره اتكالا على معلومية ذلك ، ضرورة صدق كونها زانية ، والشبهة العرفية منتفية بالفرض ، والشرعية لا دليل عليها ، ونقصان عقلها وعدم مخالطتها لأهل الشرع لا يقضي بذلك بعد فرض علمها بالتحريم ، كما أن توقع الإجازة لا يقضى به أيضا ، وإلا سقط الحد عنها بتزوجها حرا مولى عليه فضولا مع تمكينها من وطئه إياها ولم تحصل الإجازة بعد ذلك ،

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ٣.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ٢.

٢٣٢

بل كان المتجه سقوطه عن الحر الذي يتزوج أمة من غير اذن مولاها فضولا ووطأها ثم لم تحصل الإجازة ، فإنه لا اشكال عندهم في ثبوت الحد عليه فيما تقدم ، نعم الظاهر عدم تعجيل الحد عليه قبل تعرف عدم الإجازة ، لاحتمال حصولها ، وهكذا في كل فضولي ، فإنه لا شبهة في الواقع في كونه وطء أجنبية مثلا أو زوجة إلا أنا لا نعلم إلا بعد حين ، فحاله حينئذ كمن وطأ امرأة في ظلمة مثلا لا يعلم أنها زوجته أو غير زوجته عالما بحرمة ذلك عليه ، ثم بان أنها غير زوجته ، فان الظاهر ثبوت الحد عليه ، لا قدامه على وطئها أجنبية وكانت كذلك في الواقع ، وليس هذا معنى الشبهة الدارئة للحد ، كما هو واضح ، و‌خبر « لم يعص الله » ‌إلى آخره ونحوه يراد منه أن عقده مستعد للصحة بالإجازة لذلك ، كما عرفته في محله ، وإلا فقد ورد في النصوص (١) في الأمة إذا تزوجت بغير إذن مولاها فهي زانية ، كما أومأ إليه الإمام عليه‌السلام هنا بنفي الصداق لها ، إذ هو ليس إلا لكونها بغيا حينئذ ، فتأمل جيدا.

( و ) من ذلك يعلم أنه متى فعلت ذلك ( كان أولادها منه رقا ) لمولى العبد بلا خلاف ، بل في كشف اللثام نسبته إلى قطع الأصحاب مشعرا بدعوى الإجماع عليه كغيره ، ضرورة انتفاءهم عنها بالزنا الذي لا يثبت معه نسب ، فيبقى أصل تبعية نماء المال للمال المقتضي لكون الولد رقا للمولى على حاله ، نعم ربما أشكل ذلك بأنه مناف لما عندهم من أن العبد إذا زنى بحرة كان الولد حرا ، ضرورة إطلاق كلامهم في المقام رقية الولد عدم الفرق بين علم العبد بحرمة ذلك عليه وعدمه ، وليس هو في الأول إلا زنا ، واحتمال تخصيص كلامهم بالثاني معلوم عدمه ، وقد يدفع بأن ذلك كذلك أيضا لو لا‌ خبر العلاء بن رزين (٢) عن الصادق عليه‌السلام « في رجل دبر غلاما فأبق الغلام فمضى إلى قوم ، فتزوج منهم ولم يعلمهم أنه عبد ، فولد له أولاد وكسب مالا ومات مولاه الذي دبر فجاءه ورثة الميت الذي دبر العبد فطلبوا العبد ، فما ترى؟ قال : العبد وولده لورثة الميت ، قلت : أليس قد دبر العبد؟ قال : إنه لما أبق‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ١.

٢٣٣

هدم تدبيره ورجع رقا » ‌الشامل لصورتي علم العبد بحرمة ذلك عليه وعدمه ، ومن هنا فرق بينه وبين الزنا الذي لا عقد فيه الذي لا مقتضى لجهة الشركة فيه إلا قاعدة النمائية التي هي في الأم متحققة عرفا ، كسائر الحيوانات ، هذا كله في الحرة العالمة.

( و ) أما ( لو كانت جاهلة ) بكونه عبدا أو بحرمة ذلك عليها فلا حد عليها قطعا للشبهة و ( كانوا ) أي أولادها منه ( أحرارا ) وفاقا للمشهور شهرة عظيمة اجراء للشبهة مجرى الصحيح الذي قد عرفت تبعية الولد فيه للحر الذي هو أشرف الأبوين ، سواء كان العبد مشتبها أولا ، نحو الأمة التي دلست نفسها فتزوجها الحر مشتبها ، فإن أولادها منه أحرار نصا (١) وفتوى كما عرفته فيما تقدم ، وخلافا للمحكي عن المفيد ، من الحكم بكونهم رقا ، ولعله لإطلاق الخبر المزبور (٢) وتبعه في الحدائق لذلك ، لكن لا يخفى على من أحاط خبرا بما ذكرنا في نصوص الأمة (٣) ـ من كون المراد الحكم بالملكية التي هي مقتضى قاعدة نماء المملوك المتزوج بغير إذن حتى تقوم البينة للحر بكونه مشتبها كي يلحق به الولد ، فان احتمال الشبهة غير كاف في ذلك وإن كفت في درء الحد ـ أن المراد من الخبر المزبور هنا أيضا ذلك قطعا ، لا أن المراد كون الولد رقا حتى لو علم كون الحرة مشتبهة المخالف لقاعدة إجراء الشبهة مجرى الصحيح في لحوق الأولاد في كل مقام وكون المفروض في الخبر عدم إعلام العبد بالإباق لا يحقق الشبهة ، كما هو واضح ( و ) حينئذ فلا ريب في كون أولادها أحرارا للشبهة.

بل الظاهر أنه ( لا يجب عليها ) هنا ( قيمتهم ) بلا خلاف أجده فيه ، للأصل بعد اختصاص الدليل بالحر المتزوج أمة شبهة ، وحرمة القياس خصوصا مع إمكان إبداء الفرق بين المقامين ، اللهم إلا أن يقال : إن غرم القيمة هناك ليس إلا للحيلولة بين المالك ونماء ملكه المشترك بين المقامين ، وفيه أن ذلك تعليل بعد‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٦٧ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ٦٧ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء.

٢٣٤

النص ، على أن قاعدة النماء قد عرفت كونها في الأم دون الأب كما في سائر الحيوانات ، ولذا غرم الحر في إتلاف نماء الام بخلاف الحرة ، فتأمل.

( و ) على كل حال ففي الفرض ( كان مهرها ) المسمى أو مهر المثل ( لازما لذمة العبد إن دخل بها ) ضرورة كون الوطء محترما ، ومتى كان كذلك لم يخل من مهر ، ولكن حيث كان العبد غير قادر على شي‌ء فهو معسر حينئذ ومن هنا كان المتجه أنها ( تتبع به إذا تحرر ) هذا إذا لم يجز المولى ، وإلا كان اللازم المسمى تطالب به السيد ، لما عرفت من أن مهر العبد المأذون على مولاه كنفقة زوجته وذلك كله واضح بعد الإحاطة بما قدمنا في المباحث السابقة.

المسألة ( السادسة )

( إذا تزوج عبد بأمة لغير مولاه فان أذن الموليان ) سابقا أو لا حقا ( فالولد لهما ) بلا خلاف ولا إشكال ، لما عرفته سابقا من كون ذلك مقتضى العقد ، من غير فرق في ذلك بين حصول الولد منهما قبل الاذن أو بعده ، وبين علمهما بالتحريم وعدمه ( وكذا لو لم يأذنا ) بلا خلاف أيضا ولا إشكال بعد ما عرفت سابقا من الحكم برقية ولد الأمة المزوجة بغير إذن في النصوص (١) السابقة التي لا يضر فرض كون المتزوج بها حرا في بعضها ، وبرقية ولد العبد المتزوج بغير إذن سيده في خبر رزين (٢) السابق المعتضد بالفتوى.

بل ظاهر إطلاق المصنف وغيره عدم الفرق في ذلك بين علمهما بالتحريم وعدمه ، وإن كان ربما توهم الاشكال فيه بأنه متجه في صورة الجهل ، للشبهة الجارية‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٦٧ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ٣ و ٤ و ٦ و ٧.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ١ وهو خبر علاء بن رزين.

٢٣٥

مجرى العقد الصحيح المقتضي للشركة ، دون صورة العلم التي هي من الزنا الذي ستعرف فتوى الأصحاب بكون الولد لمولى الأمة ، ومن هنا قيد بعض الناس موضوع المسألة في غير المأذونين بالجاهلين ، إلا أنه لا يخفى عليك ما فيه ، لما عرفت سابقا من الفرق بين الزنا والعقد وإن كان معلوم الفساد لهما ، لخبر رزين (١) السابق المفروض فيه علم العبد بعدم إذن المولى له عالما بالحكم مع ذلك أولا فالمتجه حينئذ إبقاء إطلاق الأصحاب على حاله ، ودليله ما دل من النصوص (٢) على أن نكاح الأمة من غير إذن مولاها مقتض لرقية الولد ، ونكاح العبد من غير إذن مولاه مقتض لرقية الولد ، من غير فرق بين علمهما وبين اشتباههما ، فمع فرض عدم الاذن لكل منهما اتجه حينئذ الاشتراك إعمالا للسببين معا بعد معلومية امتناع تعدد المالك للمال الواحد ، نعم لو حصل اشتباه من حر أو حرة اقتضى ذلك حرية الولد إلحاقا له بأشرف الأبوين ، وتغليبا لجانب الحرية كما سمعته في نصوص (٣) الأمة التي دلست نفسها فتزوجها حر مشتبها وسمعته أيضا في العبد الذي تتزوجه الحرة مشتبهة.

( و ) من ذلك يعلم الحكم فيما ( لو أذن أحدهما ) خاصة دون الأخر ، وأنه متى تحقق ذلك ( كان الولد لمن لم بأذن ) منهما ، لا لأن الاذن قد أسقط حقه لإذنه ، لاحتمال تزوج المملوك حرا ، لإمكان المناقشة فيه بعدم اقتضاء الاذن ذلك ، ولذا لو كانا معا مأذونين اشترك الولد بينهما ، وبإمكان فرض اختصاص تزوج المملوك ، بل لما عرفته من اقتضاء عدم الاذن في نكاح العبد والأمة رقية الولد‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ١ وهو خبر العلاء بن رزين.

(٢) الوسائل الباب ـ ٦٧ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ٣ و ٤ و ٦ و ٧.

(٣) الوسائل الباب ـ ٦٧ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ١ و ٢ و ٥ و ٨.

٢٣٦

بالنصوص (١) التي سمعتها إلا إذا عارض ذلك شبهة حر ، لغلبة جهة الحرية حينئذ جهة الملكية ، أما الاذن فلا يقتضي ملكيته إلا إذا صادفت إذنا من آخر أو شبهة ، فيختص الملك حينئذ في الفرض بغير الاذن ، لانحصار مقتضى الملكية أعني عدم الاذن به دون الأخر الذي لا دليل على اقتضائه الملكية في الفرض ، بل ظاهر الأدلة خلافه ، خصوصا خبر رزين (٢) الشامل بإطلاقه تزوج الآبق حرة أو أمة مأذونه ، وخصوصا نصوص الأمة الآبقة (٣) التي دلست نفسها فتزوجت حرا التي قد عرفت اختصاص مولاها بالولد إلا إذا كان الحر مشتبها ، فإن الشبهة حينئذ تعارض مقتضى الملكية وترجح عليها ، لاقتضائها الحرية المبنية على التغليب.

ومن ذلك ينقدح شي‌ء لم يتعرض له الأصحاب ، وهو أن ذلك كله من حيث الاذن وعدمه ، وأما إذا كان في العبد المأذون جهة تقتضي الملكية غير عدم الإذن كالشبهة مثلا فأن المتجه حينئذ الاشتراك في الولد ، عملا بمقتضى عدم الاذن ومقتضى الشبهة ، ولا ينافي ذلك إطلاق الأصحاب الولد لمن لم يأذن المعلوم كون المراد به من حيث الاذن وعدمها لا إذا كانت جهة أخرى تقتضي الملكية ، نعم الظاهر أنه لا مدخلية لتعدد جهات الملك في أحدهما واتحادها في آخر ، كما لو فرض الشبهة أيضا في غير المأذون وفي المأذون الشبهة خاصة ، فإن الأول قد تعدد فيه مقتضى الملكية ، وهو عدم الاذن والشبهة ، بخلاف الثاني ، فإن الشبهة خاصة ، إلا أن الظاهر التشريك بينهما بالنصف ، لعدم الفرق بين اتحاد الجهة وتعددها في ذلك.

ولو اشترك أحدهما بين اثنين فأذن مولى المختص وأحدهما دون الأخر ففي القواعد الاشكال فيه ، ولعله من إطلاق الفتوى بأن الولد لمن لم يأذن واشتراك العلة ، ومن أن الأصل تبعية النماء للملك ، خرج منه موضع اليقين ، وهو ما إذا اتحد‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ١ والباب ـ ٦٧ ـ منها الحديث ٤ و ٦ و ٧.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ١ وهو خبر العلاء بن رزين.

(٣) الوسائل الباب ـ ٦٧ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء.

٢٣٧

المالك فالباقي على أصله ، لكن قد عرفت ما يقتضي صحة الوجه الأول ، فيختص حينئذ بالنماء وإن ضعف جزؤه.

ولو فرض كون العبد والأمة مشتركين فأذن أحد الشريكين في كل منهما دون الأخر في كل منهما أيضا كان الولد مشتركا بين من لم يأذن من الشركاء وإن ضعف جزؤهما ، هذا كله في النكاح.

( و ) أما ( لو زنى بأمة غير مولاه كان الولد لمولى الأمة ) من غير خلاف ولا إشكال ، لعدم العقد المقتضى للتشريك ، فلم يكن إلا قاعدة النمائية ، وهي متحققة عرفا في الإمام دون الأب نحو الحيوانات.

كما أنه لو زنى بحرة كان الولد حرا بلا خلاف أيضا ولا إشكال ، لعدم العقد المقتضي للتشريك والنمائية في الإمام المفروض كونها حرة ، فيتبعها في ذلك ، مضافا إلى أصالة الحرية.

أما العكس بأن زنى الحر بأمة كان الولد رقا ، لعدم العقد أيضا ، وقاعدة النماء في الأم ، ولا يشكل ما ذكرناه بالحرة التي تزوجت عبدا غير مأذون عالمة بالتحريم ، لما عرفته من الدليل المخصوص في النكاح دون الزنا كما أوضحناه سابقا.

ولو اشتبه العبد والأمة بلا نكاح فحصل ولد بينهما فالظاهر التشريك إجراء للشبهة مجرى الصحيح.

ولو كانت الأمة مشتبهة والعبد زانيا فالولد لمولى الأمة قطعا ، لقاعدة النمائية وللشبهة.

أما العكس فيحتمل التنصيف إعمالا للشبهة المقتضية الملك للمشتبه ، وللنمائية المقتضية الملك لمولى الأمة ، فيثبت التنصيف جمعا بين السببين ، ويحتمل اختصاص الولد بمولى العبد المشتبه الذي هو أشرف لجهة الاشتباه ، ولرجحان جهة الاشتباه على قاعدة النمائية ، ولذا ثبت التشريك في حال اشتراكهما في الاشتباه المقتضى للتشريك بينهما ، فمع فرض اختصاص الاشتباه بأحدهما يختص بحكم العقد دون‌

٢٣٨

غيره ، نحو اشتباه الحرة أو الحر من طرف دون آخر ، وقد يحتمل اختصاص مولى الأمة ، لقاعدة النمائية ، ولكنه كما ترى.

ولو اشتبه العبد فوطأ حرة مشتبهة أيضا كان الولد حرا قطعا ، أما لو كانت زانية فالولد لمولى العبد إجراء لحكم الشبهة مجرى الصحيح في حق العبد خاصة ، وقد ظهر بذلك كله الحال في جميع شقوق المسألة على وجه لم نسبق اليه بحمد الله تعالى.

المسألة ( السابعة )

( لو تزوج أمة بين شريكين ثم اشترى الزوج حصة أحدهما بطل العقد وحرم عليه وطؤها ) مع عدم رضا الشريك الأخر بلا خلاف ولا إشكال ، لعدم التبعيض في أسباب النكاح ابتداء واستدامة للأصل ولظهور الآية (١) في ذلك و‌موثق سماعة (٢) « سألته عن رجلين بينهما أمة فزوجاها من رجل ثم إن الرجل اشترى بعض السهمين ، قال : حرمت عليه باشترائه إياها ، وذلك أن بيعها طلاقها إلا أن يشتريها من جميعهم » ( ‌و ) من ذلك يعلم أنه ( لو أمضى الشريك الأخر العقد بعد الابتياع لم يصح ) ضرورة عدم تأثير الإمضاء في العقد بعد بطلانه ، ولو فرض بقاؤه على الصحة للأصل لم يحتج إلى إمضائه ، ضرورة صحته بالأصل باذنه.

( و ) لكن مع ذلك ( قيل ) والقائل الشيخ والقاضي في النهاية ومحكي المهذب ( يجوز له وطؤها بذلك ) الإمضاء ، قال في النهاية : « وإذا تزوج الرجل أمة بين شريكين ثم اشترى نصيب أحدهما حرمت عليه ، إلا أن يشترى النصف الأخر أو يرضى مالك نصفها بالعقد ، فيكون ذلك عقدا مستأنفا » ( وهو ) كما ترى‌

__________________

(١) سورة المؤمنون : ٢٣ ـ الآية ٦.

(٢) الوسائل الباب ـ ٤٦ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ٢.

٢٣٩

( ضعيف ) جدا ، إذ لا حاجة لا جازته ثانيا عقد النكاح المتقدم بعد أن كان المفروض وقوعه أولا بإذنه إن صح العقد على أمة مشتركة بين الزوج وغيره ، وإلا لم يفد ، وإن كان يريد الرضا بالعقد جديدا ففيه أنه إن صح العقد على مثلها لم يكن لبطلان المتقدم وجه ، ومن هنا حمله المصنف في محكي نكتة على النهاية على الرضا بعقد البيع للنصف الأخر ، وذكر أن « أو » من سهو الناسخ أو بمعنى الواو ، وهو وإن كان بعيدا إلا أنه أقرب من حمله على ظاهره الذي لا ينبغي نسبته الى من له أدنى معرفة بالفقه فضلا عن شيخ الطائفة.

نعم يمكن أن يكون أولى من ذلك حمله على إرادة الرضا بالإباحة الذي ذكره المصنف بقوله ( ولو حللها له ) أي الشريك ( قيل : تحل ، وهو مروي ) صحيحا في الكافي والتهذيب في باب السراري وملك الأيمان عن محمد بن قيس (١) ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، وفي الفقيه عن محمد بن مسلم (٢) عنه عليه‌السلام أيضا قد عمل به ابن إدريس وجماعة ، منهم الشهيد في اللمعة وفاضلا الكشف والرياض ، قال : « سألته عن جارية بين رجلين دبراها جميعا ثم أحل أحدهما فرجها لشريكه ، قال : هي له حلال ، وأيهما مات قبل صاحبه فقد صار نصفها حرا من قبل الذي قد مات ونصفها مدبرا قلت : إن أراد الثاني منهما أن تمسها إله ذلك؟ قال : لا ، إلا أن يثبت عتقها ويتزوجها برضا منها متى ما أراد ، قلت له : أليس قد صار نصفها حرا وقد ملكت نصف رقبتها ، والنصف الأخر للباقي منهما؟ قال : بلى ، قلت : فإن هي جعلت مولاها في حل من فرجها له ذلك ، قال : لا يجوز ذلك ، قلت : ولم لا يجوز له ذلك وقد أجزت للذي كان له نصفها حين أحل فرجها لشريكه منها؟ قال : إن الحرة لا تهب فرجها ، ولا تعيره ، ولا تحلله ، ولكن لها من نفسها يوم وللذي دبرها يوم ، فإن أحب أن يتزوجها متعة في اليوم الذي تملك فيه نفسها فيتمتع منها بشي‌ء قل أو كثر » ‌وهو صريح في المدعى أولا وآخرا.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٤١ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ١.

٢٤٠