جواهر الكلام - ج ٣٠

الشيخ محمّد حسن النّجفي

كي يناقش بفرض الغفلة ونحوها ، بل وبعدم الملازمة بين القصدين ، فان اختيار فراق ما زاد على الأربع يلزمه بقاء الأربع لا قصد بقاء الأربع الذي هو معنى الاختيار كما هو واضح ، ولو قصد بالفراق الكناية عن الطلاق وقلنا إن الكناية ، عنه مثله في الدلالة على النكاح كما ستعرفه ثبت عقد المراد طلاقهن ، ولن يقع بهن طلاق ، وانتفى نكاح غيرهن ، فينعكس الحكم حينئذ ، وإن لم نقل بذلك لم يكن ثم اختيار.

( ولو قال لواحدة ) مثلا ( « طلقتك » صح نكاحها وطلقت ، وكانت من الأربع ، ولو طلق أربعا اندفع البواقي ) بالشرع ( وثبت نكاح المطلقات ثم طلقن بالطلاق ، لأنه لا يواجه به إلا الزوجة ، إذ موضوعه إزالة قيد النكاح ) فهو حينئذ جزء مفهومه ، ولازمه لزوما بينا ، فإثباته يستلزم إثباته ، خلافا لما عن بعض من عدم كونه معينا للنكاح في وجه ، لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لفيروز الديلمي (١) وقد أسلم على أختين : « طلق أيتهما شئت » ‌فلو كان الطلاق تعيينا للنكاح لكان ذلك تعيينا لنكاحهما عليه ، وفيه أن المراد من الطلاق فيه الفراق مجازا.

نعم قد يناقش ذلك بأن وقوع الطلاق صحيحا يستلزم ثبوت النكاح ، لأن (٢) قصد الطلاق يستلزم قصد اختيار النكاح ، ضرورة إمكان قصد معنى الطلاق في الأجنبية وإن لم يقع صحيحا ، فدعوى لزوم قصد الطلاق لقصد النكاح على وجه يتحقق به إنشاء الاختيار محل منع ، ومن ذلك يعلم أنه لو طلق جاهلا بعدم حاجة فراقهن إلى طلاق فأوقعه بقصد إرادة المفارقة لهن وبقاء نكاح غيرهن كان في الحقيقة دالا على اختيار ما عداهن ، اللهم إلا أن يقال في الفرض : إنه لما أنشأ طلاقهن ، دل ذلك على أنه قد اختار نكاحهن ثم أنشأ طلاقهن باعتبار معلومية عدم طلاق غير الزوجة ، فيحكم عليه بحسب ما وقع منه من الطلاق المحمول على الوجه الصحيح المتوقف صحته على كونه قد‌

__________________

(١) سنن البيهقي ج ٧ ص ١٨٤.

(٢) هكذا في النسخة الأصلية المبيضة ، والصحيح « لا أن قصد الطلاق يستلزم. » كما هو كذلك في المسودة التي هي بخط المصنف طاب ثراه.

٦١

اختار نكاحهن ، إلا أنه هو ـ مع كونه غير ما سمعته من تقرير الدلالة ـ قد يناقش فيه بإمكان منع الظهور هنا ، لإمكان الاشتباه فيه بالاكتفاء فيه بعلاقة الزوجية ، فلا ظهور حينئذ على كونه اختار قصد النكاح ثم قصد الطلاق.

مضافا إلى إمكان منع تحقق الاختيار بمجرد الإنشاء باطنا من دون دلالة عليه ولو فعلا كما أومأنا إليه سابقا وفي الفضولي وإن كان الأقوى خلافه ، وإلى عدم اختصاص الدعوى بالطلاق الصحيح ، بل ظاهرهم ثبوت الاختيار به وإن كان الطلاق فاسدا بعدم الشاهدين أو الصيغة أو غير ذلك ، بل ظاهر بعض وصريح آخر ثبوته به وإن وقع معلقا ، فإنه وإن لم يقع طلاق لكنه على كلامهم دال بالكناية على الاختيار ، وليس تعليقه تعليق له ، بل لعل قول المصنف : « ولو قال لواحدة » إلى آخره من ذلك أيضا بناء على عدم وقوع الطلاق بهذا اللفظ ، فتأمل جيدا.

( و ) ربما ألحق الفسخ بالعيب بالطلاق في الدلالة على الاختيار على الوجه الذي عرفت نعم ( الظهار والإيلاء ليس لهما دلالة على الاختيار ) كما صرح به غير واحد من العامة والخاصة ( لأنه قد يواجه به غير الزوجة ) بل لعل الأجنبية أليق بهما من الزوجة ، وإن كان لكل منهما أحكام مخصوصة لو خوطب بهما الزوج (١) إلا أن ذلك لا يقضي بالاختيار ، وبه فرقوا بينهما وبين الطلاق الذي جزء مفهومه النكاح أو لازمه لزوما بينا.

لكن قد يشكل ذلك بما سمعته سابقا من أن مفهومه إزالة قيد النكاح لا اختياره ، بل لا تلازم بين معنى اللفظ في نفسه وبين وقوعه ، فالطلاق لو وقع بالأجنبية كان له معنى ، لكنه لا يؤثر أثرا ، فوقوع النكاح حينئذ شرط تأثيره لا أن أصل المعني موقوف على حصول النكاح ، وبأنه كما لا يتحقق معنى الطلاق خارجا إلا في الزوجة كذلك الظهار والإيلاء أيضا وإن كانا لو وقعا بالأجنبية كان‌

__________________

(١) هكذا في النسخة الأصلية المبيضة ، والصحيح « الزوجة » كما هو كذلك في المسودة التي هي بخط المصنف طاب ثراه.

٦٢

لهما معنى صحيح ، بل لو حلف على ترك وطء (١) الأجنبية فتزوجها ووطأها كان عليه الكفارة ، لكن ذلك كله لا يسمى ظهارا ولا إيلاء.

ومنه لم يفرق الشيخ فيما حكى عن مبسوطة بين الجميع في كونهن اختيارا وإن كان غير خفي عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه ، وأن جعل الجميع ليس اختيارا إلا بالقرائن أولى وحينئذ فإن اختار التي ظاهرها أو آلى عليها صحا ، وكان ابتداء مدة الإيلاء من وقت الاختيار ، وكان في الظهار عائدا إن لم يفارقها في الحال من غير خلاف يعرف فيه منهم ، لكن قد يشكل بأنه بالاختيار انكشف سبق الزوجية فيكونان حينئذ قد بان أنهما وقعا على الزوجة من أول صدورهما ، ومنه يعلم حينئذ أنه لو طلق وقلنا إنه ليس اختيارا أو نصب قرينة على ذلك أمكن دعوى ظهور وقوعه وصحته بالاختيار الواقع بعده الكاشف عن الزوجية حال وقوع الطلاق ، وليس ذا من التعليق في شي‌ء ، بل هو كطلاق الامرأة المعقودة فضولا قبل تحقق إجازتها بناء على أن الإجازة للكشف خاصة ولا تأثير لها في النكاح ، ودعوى أن الاختيار ارتجاع لا استدامة والطلاق لا يقع إلا بالزوجة واضحة المنع.

ولو قذف واحدة واختار غيرها وجب الحد ، وسقط بالبينة خاصة دون اللعان ، لأنها بحكم أجنبية وإن كان لها حكم الزوجة قبل الاختيار.

ولو طلق أو ظاهر أو آلى أو قذف بعد إسلامه حال كفرهن فان خرجت العدة على كفرهن فلا حكم للجميع حتى القذف بالنسبة إلى اللعان وبالنسبة إلى الحد ، لأنهن كافرات ، وإنما عليه التعزير فيه ، ويسقط بالبينة ، وإن أسلمن فيها فالأقرب وقوع الطلاق عليهن إن لم يزدن على النصاب أو لم يطلق إلا النصاب فما دون ، فان بقاء الزوجية مراعي بالإسلام في العدة فكذا الطلاق ، ولا جهة لبطلانه ، فإن الإسلام كاشف عن بقاء الزوجية ، وإن زدن ووقع الطلاق على النصاب أو ما دونه كان اختيارا عند من عرفت ، ويحتمل العدم ، لأنه حين‌

__________________

(١) في النسخة الأصلية المبيضة والمسودة « بل لو حلف على وطء الأجنبية » والصحيح ما أثبتناه.

٦٣

طلق لم يكن له الاختيار ، وإن اختار لم يصح ، والإسلام مشترك بين الجميع ، نعم إن اختار المطلقات صح طلاقهن ، فهو طلاق مراعي بالإسلام والاختيار جميعا ، وإن زدن على النصاب وطلق الكل كشف الإسلام عن صحته على النصاب وتتعين بالاختيار أو القرعة ، وأما الظهار والإيلاء فإن اختار من أوقع عليها ذلك صح وترتب عليه أحكامه وإلا فلا ، وأما القذف فان اختار المقذوفة فعليه التعزير ، لأنه قذفها كافرة ويسقط باللعان أو البينة ، وإن لم يخترها أسقطه بالبينة خاصة.

ثم على فرض كون الطلاق اختيارا فهل ينزل الكناية عنه منزلته؟ إشكال أقربه عند الفاضل العدم ، لأنها لا تفيد الطلاق ، فلا تفيد الاختيار وإن قصد بما تلفظ به الطلاق ، لكن فيه أن الاختيار لا ينحصر في لفظ ، بل العبرة فيه بما في النفس ، فمع فرض أنا علمنا قصده الطلاق بذلك يكون اختيارا وإن لم يقع طلاق ، لما عرفت من دلالة قصد معنى الطلاق عليه عندهم ، ولذا يقع به عندهم وإن كان فاسدا ، بل قد يقال بكونه اختيارا لو أوقع طلاقا مشروطا بالإسلام ، كما لو قال : « كلما أسلمت منكن واحدة فهي طالق » بناء على تأثير الاختيار لو وقع حال الكفر ، ولكن يراعى بالإسلام في العدة ، ولو قال : « إن دخلت الدار ـ مثلا ـ فقد اخترتك للنكاح » مثلا لم يقع ، لاشتراط التنجيز فيه كغيره من أسباب المعاملات ، فان الدليل فيها جميعا متحد ، وليس ذا من قبيل تعليق الطلاق ، كما لو قال : « أنت طالق إن جاء زيد ، أو إن طلعت الشمس ، أو إن كانت الشمس طالعة » فإنه يمكن أن يكون اختيارا ، لأنه ليس تعليقا له ، بل للطلاق الذي قد عرفت دلالة قصده عندهم على الاختيار وإن لم يقع الطلاق بذلك ، هذا كله في الاختيار بالقول صريحا أو كناية.

( وإما بالفعل فـ ) لا خلاف أجده عندهم فيما دل عليه صريحا ، لأولوية اندراجه في‌ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) : « أمسك أربعا وفارق سائرهن » ‌من القول ، بل ظاهر المصنف‌

__________________

(١) سنن البيهقي ج ٧ ص ١٨٢.

٦٤

وغيره ذلك أيضا في ( مثل أن يطأها ، إذ ظاهره الاختيار ) باعتبار دلالته على الرغبة فيها ، وحمل فعله على الوجه الصحيح السالم عن الزنا ، ولذا عد رجوعا في الطلاق وفسخا في خيار البائع. ( و ) حينئذ فـ ( لو وطأ أربعا ثبت عقدهن واندفع ) عقد ( البواقي ) لكن قد يشكل ذلك بعد عدم الدليل شرعا على كونه اختيارا ، وإنما هو من حيث الدلالة بأنه لا بد من تقييده بالوطء المتذكر المتنبه ، لا مطلق الوطء ، وبما إذا لم يكن ثم قرينة تدل على عدم قصده الاختيار ، بل قد يشكل أيضا مع ذلك فيما إذا ادعى عدم خطور الاختيار في الذهن حال الوطء وعدم قصده ، فان الحكم عليه بمجرد وقوع الوطء منه خصوصا بعد الدعوى منه لا يخلو من إشكال ، خصوصا بعد إشكاله في التقبيل واللمس بشهوة.

قال : ( ولو قبل أو لمس بشهوة يمكن أن يقال : هو اختيار كما هو رجعة في حق المطلقة ، وهو يشكل بما يتطرق اليه من الاحتمال ) ، ضرورة عدم ظهور الفرق بينهما بناء على كون المدرك في ذلك حمل فعل المسلم على الوجه الصحيح الذي هو مشترك بينهما ، بل مقتضى ذلك عدم التقييد بشهوة ، فإن مطلق التقبيل واللمس محرم لغير الزوجة ، فمقتضى حمل فعل المسلم على الوجه الصحيح كونه اختيارا ، لكن هو كما ترى ، ضرورة عدم اقتضاء صحة فعل المسلم الحكم بوجود الشرط الذي عدمه مقتضى الأصل ، حتى بالنسبة الى غير ذلك الموضوع الذي فعله المسلم ، خصوصا بعد دعواه عدم القصد الذي هو أدرى به من غيره ، وخصوصا مع عدم معارضة الزوجة بالإنكار ، لعدم علمها أو لغيره ، فالوجه التوقف فيه ما لم تقم قرينة على قصد الاختيار قبله بعد عدم الدليل شرعا على عدم كونه اختيارا فتأمل جيدا ، والله العالم.

ولو تزوج بأخت إحداهن قبل الفسخ أو الاختيار لم يصح ، لبقاء علقة الزوجية ، وهل يكون اختيار الفسخ عقد أختها إذا كان تحته أكثر من النصاب سواء كان دواما أو متعة؟ إشكال من التنافي ، واختيار أحد المتنافيين يدل على كراهة الأخر وإن كان فاسدا ، ومن أن التنافي إنما يكون إذا صح وليس كما عرفت ، والعموم إذ ربما غفل أو جهل ، قلت : يتجه كونه اختيارا بناء على ما ذكروه من‌

٦٥

حمل فعل المسلم على الوجه الصحيح ، كما أنه يتجه حينئذ الحكم بصحة عقد الأخت وفسخ عقد السابقة مع فرض عدم العلم بحاله ، فيكون من الفعل الدال كناية ، نعم فيه ما قدمناه سابقا من الاشكال ، ولو قال : « حصرت المختارات في ست » مثلا وعينهن انحصرن فيهن ، فتعتد الباقيات حينئذ ، لدلالته على فسخ نكاحهن ، ولو لحقه أربع وتخلف أربع فعين الأوائل للنكاح صح ، لإطلاق الأدلة ، ولو عينهن للفسخ ففي القواعد لم يصح إن كان الأواخر وثنيات وإلا صح ، وكان وجهه إمكان أن لا يسلمن ، فيتعين الأوائل للزوجية بخلاف الكتابيات ، فان اختيارهن غير موقوف على إسلامهن ، ولو عين المتخلفات للفسخ فلا إشكال ، لكن فيه أنه يمكن أن يقال بالصحة في الأول على وجه المراعاة ، فإن أسلمن الأواخر علم أن الفسخ في محله وإلا كان باطلا ، فيكون حينئذ شرط الفسخ تجويز إمكان بقاء الزوجية لا العلم بإمكان بقائها ، لا طلاق الأدلة الذي لا يعارضه أصل عدم الانفساخ وعدم تعيين البواقي للزوجية ، فتأمل جيدا.

وكيف كان فيجب الفور في الاختيار على وجه لا يستلزم الضرر والتعطيل على الأزواج ، فإن امتنع مع ذلك ألزمه الحاكم به ، فإن أصر على الامتناع قيل إنه يعزر حتى يختار ، ولا يختار عنه الحاكم ، لأنه منوط بالشهوة ، قلت : يمكن دعوى تولي الحاكم مع ذلك ، لعموم ولايته على مثله ، ومنه يعلم تولي ولاية ولي المجنون له ، بل والصغير للعموم ، لكن في القواعد « ولو أسلم الكافر يعد أن زوج ابنه الصغير بعشر تبعه ابنه في الإسلام ، فإن أسلمن مع الأب اختار بعد البلوغ ، ويمنع أي وهو صغير من الاستمتاع بهن ، وتجب النفقة عليهن ، ولو أسلم المجنون ففي التبعية إشكال ، فإن قلنا به تخير الأب أو الحاكم » بل عن معطي كلام التذكرة الإيقاف فيه أيضا إلى البرء ، لأن الاختيار بالتشهي ، وفيه أن إطلاق الولاية يشمل ذلك ، خصوصا مع قاعدة نفى الضرار ، والقياس على الطلاق غير جائز عندنا ، فيقوى حينئذ وقوعه عن الولي فضلا عن الوكيل ، ولعل في ذلك كفاية عما يتصور من الفروع في المقام ، خصوصا بعد ملاحظة النظائر في الخيارات ونحوها ، فلا حظ وتأمل ، والله‌

٦٦

المؤيد والعالم.

( المقصد الثالث )

( في مسائل مترتبة على اختلاف الدين )

( الأولى )

( إذا تزوج ) الكافر ( امرأة وبنتها ) دفعة أو ترتيبا ( ثم أسلم بعد الدخول بهما ) وكن كتابيتين مثلا ( حرمتا ) أبدا عليه ، لصدق ( أُمَّهاتُ نِسائِكُمْ ) (١) وصدق ( رَبائِبُكُمُ اللاّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللاّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ ) (٢) ( وكذا لو كان ) قد ( دخل بالأم ) وحدها ، لذلك أيضا ، بخلاف ما لو دخل بالبنت وحدها ، فإنه يثبت نكاحه لها ، وتختص الأم بالحرمة أبدا بأمهات النساء ، والوجه في ذلك كله ما عرفت من أن الكفار مخاطبون بالفروع عندنا ، إلا أنه يحكم بصحة ما في أيديهم من النكاح وغيره ، بمعنى ترتب الآثار عليه وإن كان فاسدا عندنا ، بل يقرون عليه بعد الإسلام ما لم يكن المفسد مستمرا ، فإنه لا يقر عليه حينئذ بعد الإسلام ، ضرورة كونه كالمسلم الذي يعرض لنكاحه الصحيح ذلك ، فيفسد به ، فإن استدامة صحة نكاح الكافر المقر عليها لا تزيد على استدامة نكاح المسلم الصحيح ، ومن ذلك ما نحن فيه ، فإنه لا ريب في بطلان نكاح المسلم بعروض صدق أمهات النساء والربيبة المدخول بأمهات بالرضاع مثلا فاستدامة نكاح الكافر كذلك ، وكذا يبطل نكاح الأم خاصة لو فرض عروض الاندراج في أمهات النساء دون الربيبة التي لم يدخل بأمها ، كما لو أرضعت زوجته‌

__________________

(١) سورة النساء : ٤ الآية ٢٣.

(٢) سورة النساء : ٤ الآية ٢٣.

٦٧

الكبيرة التي لم يدخل بها زوجته الصغيرة فإنها تحرم الكبيرة دون الصغيرة ٧ فكذلك الكافر الذي أسلم ، فإنه بإسلامه يكون قد عرض لنكاحه المقر عليه صدق الاندراج الإسلام بعد فرض كونه مفسدا في الابتداء وفي الاستدامة.

ومن ذلك يعلم الوجه في قول المصنف وغيره هنا ( أما لو لم يكن ) الكافر ( دخل بواحدة ) منهما أي الأم والبنت وأسلم ( بطل عقد الام ) وحرمت عليه أبدا بأمهات النساء ( دون البنت ) فإنه يثبت عقدها ، لأنها ربيبة لم يدخل بأمها ، فهو حينئذ كالمسلم الذي أرضعت زوجته الكبيرة الصغيرة قبل الدخول ( و ) حينئذ فـ ( لا اختيار ) له ، ضرورة تعين المحللة له ( و ) هي البنت خاصة.

لكن ( قال الشيخ : له التخيير ) فإن المحكي عنه في الخلاف « إذا جمع بين العقد على الام والبنت في حال الشرك بلفظ واحد ثم أسلم كان له إمساك أيتهما شاء ويفارق الأخرى » وفي المبسوط « إن لم يدخل بهما قيل : يتخير في إمساك أيتهما شاء ، وقيل : يثبت نكاح البنت ، ويقوى في نفسي الأول » وفي المختلف « احتج الشيخ بأن المشرك إذا جمع بين من لا يجوز له الجمع بينهما في نكاح فإنما يحكم بصحة نكاح من ينضم الاختيار الى عقدها ألا ترى أنه إذا عقد على عشر دفعة واحدة وأسلم اختار منهن أربعا ، فإذا فعل حكمنا بأن نكاح الأربع وقع صحيحا ، ونكاح البواقي وقع باطلا ، بدليل أن نكاح البواقي يزول ، ولا يجب عليه نصف المهر إذا كان قبل الدخول ، فإذا كان كذلك فمتى اختار إحداهما حكمنا بأنه هو الصحيح والأخر باطل ، ولأنه إذا جمع بين من لا يجوز الجمع بينهما واختار في حال الإسلام لكان اختياره بمنزلة ابتداء عقد ، بدليل أنه لا يجوز أن يختار إلا من يجوز له أن يستأنف نكاحها حين الاختيار ، وإذا كان الاختيار كابتداء العقد كان كأنه الان تزوج بها وحدها ، فوجب أن يكون له اختيار كل واحدة منهما » ثم أجاب عنه في المختلف « بأن الذي ذكره إنما يتم في صورة‌

٦٨

الاختيار في حال الإسلام ، وهنا لا يمكن الاختيار في حال الإسلام ، فإن الام حرمت بمجرد العقد على البنت ».

وهذا الجواب منه ـ ره ـ مبنى على ما استدل به للمطلوب من أن المقتضي للتحريم موجود ، والمانع لا يصلح للمانعية ، أما وجود المقتضي فللأدلة المانعة من الجمع بين الام والبنت من الكتاب (١) والسنة (٢) المتواترة والإجماع ، وأما عدم صلاحية المانع فلما تقرر في الأصول من أن الكفار مخاطبون بالفروع ، وفيه أن هذه المسألة غير مبنية على ذلك ، وإلا كان المتجه ما ذكره الشيخ من عدم حرمة إحداهما عليه ، ضرورة أن المسلم لو عقد على الام والبنت دفعة لم تحرم إحداهما عليه ، بل له استئناف العقد على كل منهما ، فكذلك الكافر بناء على الشركة ، بل لو عقد على الأم أولا ثم عقد على البنت بعد ذلك لم تحرم بذلك الأم ، الى غير ذلك من الأحكام التي تترتب على قاعدة الاشتراك المنافية لإطلاق الأصحاب هنا بل ولصريحه ، فالأولى الاستدلال بما عرفت.

( و ) منه يعلم أن ( الأول أشبه ) لا ما ذكره الشيخ الذي يأتي مثله في مسألة الدخول ، ضرورة كونه حينئذ بمنزلة عدمه قبل الاختيار الذي هو ابتداء نكاح ، فإن‌ « الإسلام يجب ما قبله » (٣) ( ‌و ) فيه أنه لا يمنع صدق الاندراج في عنوان المحرم.

نعم قد يقال : إن الحكم فيما ( لو أسلم عن أمة وبنتها ) مبني على قاعدة الاشتراك ( فـ ) يقال حينئذ ( إن كان وطأهما حرمتا ) عليه أبدا ( وإن كان وطأ إحداهما حرمت الأخرى ) خاصة أبدا ( وإن لم يكن وطأ واحدة ) منهما ( تخيّر )‌

__________________

(١) سورة النساء : ٤ ـ الآية ٢٣.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٨ و ١٩ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة.

(٣) المستدرك الباب ـ ١٥ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث ٢ والخصائص الكبرى ج ١ ص ٢٤٩ وكنز العمال ج ١ ص ١٧ ـ الرقم ٢٤٣ والجامع الصغير ـ ج ١ ص ١٢٣.

٦٩

كالمسلم في ذلك كله في الصورة الأولى ، بناء على أن وطء الشبهة يحرم السابقة أيضا ، اللهم إلا أن يقال بالحرمة هنا وإن لم نقل به في وطء الشبهة ، فيختص الكافر حينئذ بذلك ، وينزل حينئذ وطؤه لكل منهما منزلة عقده على كل منهما ودخوله المحكوم بصحته في حال الكفر ، فيترتب حينئذ عليه بعد الإسلام ما يترتب على الصحيح ، فيفيد الحرمة على كل منهما أبدا.

( ولو أسلم عن أختين ) تزوجهما دفعة أو مرتبا ( تخير أيتهما شاء ولو كان ) قد ( وطأهما ) بعين ما عرفته سابقا ، فهو حينئذ كالمسلم الذي ارتضعت زوجته الصغيرة من لبن أم الكبيرة ، فإنه يتخير واحدة منهما ، نعم يفرق بينهما بالاحتياج الى عقد مستأنف في وجه في المسلم بخلاف الكافر.

( وكذا ) يتخير ( لو كان ) أسلم ( وعنده امرأة وعمتها أو خالتها ولم تجز العمة ولا الخالة الجمع ) لأنه بعد الحكم باستمرار صحة عقده المقر عليه ـ من غير فرق بين سبق العمة وتأخرها والمقارنة ـ يكون حينئذ بعد الإسلام بمنزلة مسلم قد عقد على العمة وبنت أخيها دفعة من غير رضا العمة ، فيتخير إحداهما بعقد مستأنف أو بدونه على الوجهين ، كالاختين أو كمسلم عرض ذلك لنكاحه برضاع مثلا. ( أما لو رضيتا ) أى العمة والخالة ( صح الجمع ) بلا إشكال ، بل الظاهر كفاية رضا هما في حال الكفر ، لإطلاق الأدلة ، فاحتمال أنه بعد الإسلام كابتداء نكاح لا بد له من رضا مستأنف مدفوع بها.

( وكذا لو أسلم عن حرة وأمة ) زوجتين يصح الجمع مع فرض رضا الحرة ولو حال الكفر ، وإلا انفسخ عقد الأمة ، لأنه يكون بعد إسلامه بمنزلة عقد المسلم عليهما دفعة الذي قد سمعت أن الحكم فيه انفساخ عقد الأمة مع عدم رضا الحرة نصا (١) وفتوى أو بمنزلة عروض ذلك للمسلم بعد نكاحه ، بأن أسرت إحدى زوجتيه فصارت أمة.

ومن ذلك يعلم أن الحكم في الحرة والأمة غيره في العمة والخالة وإن اشتركا‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤٨ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ١.

٧٠

في صحة الجمع مع الرضا ، مع أنه قد يشكل إن لم يكن إجماعا بأن المتجه الانفساخ في الأمة وإن رضيت الحرة ، بناء على عدم جواز نكاحها مع التمكن من الحرة كما جزم به العامة ، اللهم إلا أن يفرق بين الابتداء والاستدامة ، كما لو أسلم زوج الكتابية ، فإنه يقر عليه حتى على القول بعدم جواز نكاحها غبطة ابتداء ، لكن لا يخفى عليك احتياجه الى الدليل ، وليس إلا الإجماع إن ثبت ، والله العالم.

المسألة ( الثانية )

( إذا أسلم المشرك وعنده حرة وثلاث إماء ) وثنيات ( بالعقد فأسلمن معه تخير مع الحرة اثنتين إذا رضيت الحرة ) لعدم جواز نكاح الأزيد منهما له. ( و ) كذا ( لو أسلم الحر وعنده أربع إماء بالعقد تخير ) منهن ( أمتين ، ولو كن ) أربع ( حرائر ) ذميات مثلا ( ثبت عقده عليهن ، وكذا ) الحكم ( لو أسلمن قبل انقضاء العدة ) يتخير أمتين من الأربع إن كن إماء ، ويثبت عقده عليهن إن كن حرائر وثنيات ، لأن إسلامهن في العدة كاسلامهن معه.

( ولو كن أكثر من أربع فأسلم بعضهن كان بالخيار بين اختيارهن وبين التربص ، فان لحقن به أو بعضهن ولم يزدن عن أربع ) واختارهن ( ثبت عقده عليهن ، وإن زدن عن أربع تخير أربعا ، ولو اختار من سبق إسلامهن لم يكن له خيار في الباقيات ، ولو لحقن به قبل العدة ) بلا خلاف في شي‌ء من ذلك ولا إشكال لإطلاق الأدلة ، ولو اختار الأربع من الكافرات حال كفرهن واتفق لحوقهن به في العدة أمكن الاكتفاء به وثبوت عقده حينئذ عليهن ، وليس هو من التعليق بعد انكشاف كونهن من محل الاختيار بإسلامهن في العدة ، نعم لو علق اختياره على من سبق إسلامهن احتمل بطلانه للتعليق ، أما لو اختار أربعا مخصوصات منهن فاتفق‌

٧١

إسلامهن لحقه حكم الاختيار ، ولا يخفى عليك أن ما ذكرنا من الإماء مبني على جواز نكاح الأمة للحر القادر على الحرة وإلا لم يجز له اختيار الأمة وإن رضيت الحرة ، كما هو واضح.

المسألة ( الثالثة )

( لو أسلم العبد وعنده أربع حرائر وثنيات فأسلم معه اثنتان ) فصاعدا ( ثم أعتق ولحق به من بقي لم يزد على اختيار اثنتين ) وإن كان لحوقهن به في العدة ( لأنه كمال العدد المحلل له ) حال إسلامه الذي هو ابتداء جريان أحكام المسلمين عليه. ( ولو أسلمن ) جميعهن قبله ( ثم أعتق ثم أسلم أو أسلمن بعد عتقه وإسلامه في العدة ثبت نكاحه عليهن ) بلا إشكال في الصورة الاولى ( لاتصافه بالحرية المبيحة للأربع ) قبل إسلامه ، وسبق إسلامهن بعد أن كان زمان العدة لهن مراعى فيه حال الزوج غير مناف وإن انكشف حينئذ بإسلامه فيه حرا أنهن زوجات له من حين إسلامهن وإن كان عبدا فيه ، لأن العبودية حال الكفر المتعقبة للحرية والإسلام لا تنافي نصاب الأربع ، كما لا ينافي كفره المتعقب للإسلام في العدة كونهن زوجات له حال إسلامهن المفروض كفره فيه ، ودعوى أنه بإسلامهن قبله تبين اثنتان منهن وتبقى اثنتان مراعى بإسلامه في العدة يدفعها منع ذلك ، بل المتجه أن المراعاة زمان العدة لحال إسلامه ، فإن أسلم حرا لحقه حكم الحر المسلم ، وإن كان عبدا لحقه حكم العبد المسلم ، ضرورة أنه إذا أعتق ثم أسلم قبلهن لحقه حكم الحر المسلم ، ولا عبرة بنكاحه الأربع حال كونه كافرا عبدا بعد أن أقر عليه ، فكذا زمان العدة الذي أمهله الشارع فيه ( و ) جعل الشارع إسلامه فيه مثل إسلامه معهن ، فهو حينئذ حر قد أسلم هو وهن دفعة واحدة ، كما هو واضح.

٧٢

نعم ( في الفرق ) بين الصورة الاولى والصورة الأخيرة ( إشكال ) ضرورة اشتراكهما في مقتضى الأربع أو مقتضي الاثنتين ، فلا وجه لقصر اختياره في الأولى على اثنتين ، ولبقاء نكاحه على الأربع في الأخيرة ، بل لعل المتجه فيهما الاقتصار على اثنتين ، لأنه عبد حال إسلامه الذي هو ابتداء جريان الأحكام عليه ، وليس الاختيار ابتداء نكاح ، حتى تلحظ رقيته وحريته حاله ، على أن إسلام الاثنتين في الصورة الاولى لا يعين عليه الاختيار ، لأن له انتظار الأخيرتين في العدة ، فلو كان المدار على حاله عنده لاتجه حينئذ ثبوت نكاحه عليهن أجمع ، مع فرض لحوق الاثنتين في العدة وبعد عتقه ، ضرورة كونه حرا حينئذ كالصورة المتأخرة.

ومن هنا يتجه أن يقال : إن الضابط في بقاء نكاحه عليهن أجمع واقتصاره على الاثنتين سبق حريته على إسلامه وتأخرها عنه ، ففي الأول يثبت نكاحه عليهن ، سواء أسلمن قبله أو بعده أو معه أو بعضهن قبله أو معه وبعضهن بعده لكونه حال جريان حكم الإسلام عليه حرا ، ولا عبرة بعبوديته حال الكفر الذي قد أقر على نكاحه فيه وإن كان فاسدا عندنا ، وفي الثاني لا يزيد على اختيار اثنتين ، لكونه حال إسلامه عبدا ، فيثبت له حكم العبد المسلم ، من غير فرق بين إسلام اثنتين معه وعدمه ، لعدم مدخلية وجود محل الاختيار في ذلك بعد أن لم يكن متعينا عليه.

وبذلك ظهر لك حكم سائر الصور التي ذكرها في المسالك وغيرها ، وأطالوا الكلام فيها ، ولعل ما ذكرناه هو ظاهر الفاضل في القواعد ، حيث قال : « ولو أسلم العبد عن أربع حرائر فصاعدا وثنيات ثم أعتق ولحقن به في العدة تخيير اثنتين ، فإذا اختارهما انفسخ نكاح البواقي وكان له العقد على اثنتين أخريين ، ولو أعتق أولا ثم أسلم ولحقن به تخير أربعا ».

لكن في كشف اللثام « هذا يشمل ما إذا تقدم العتق على إسلامهن أو تأخر أو توسط ، وعلى الأول الأقوى وفاقا للمبسوط والتذكرة والتحرير ثبوت النكاح على الجميع ، فان استقرار الاختيار من حين إسلامهن ، وهو حينئذ حر ، وعلى التوسط بأن أسلم ثم أسلمت اثنتان أو أسلمتا معه ثم أعتق ثم لحقت به الأخريان‌

٧٣

في العدة يحتمل ثبوت النكاح على الجميع من أنه لا يتعين عليه اختيار من سبقت إلى الإسلام ، لجواز التربص إلى إسلام الباقيتين ، وإذا أسلمتا كان حرا ، والعدم كما في المبسوط من تحقق الاختيار من حين إسلام الأولتين وإن جاز له التربص إلى إسلام الأخيرتين ، وهو حينئذ عبد ، وقد تبع بذلك ثاني الشهيدين الذي قد جعل وجه الفرق بين الصورة الاولى والمتأخرة وجود محل الاختيار حال العبودية ، فيتعين عليه اثنتان بخلافه في المتأخرة ، وفيما لو أسلم معه واحدة وغير ذلك مما لا يتحقق معه خطاب الاختيار ، لعدم وجود موضوعه أو عدم كماله ، بخلاف ما لو أسلم معه اثنتان أو ثلاث مثلا ، فان الاختيار قد يتحقق وإن كان له تأخيره إلى التمام ، لكن تشخص أن اختياره اثنتين وإن أخر ذلك إلا أنه لا يتغير اختياره ، لأن الفرض تحقق موضوعه ، وهو عبد ، فيكون له اختيار العبد وإن تعقبت الحرية ، وقد شبهوا ذلك بما إذا طلق العبد امرأته طلقتين ثم أعتق ، فإنه لا يملك بالعتق طلقة ثالثة ولم يجز نكاحها إلا بمحلل ، ولو طلقها طلقة ثم أعتق ونكحها أو راجعها ملك طلقتين ، وبما إذا كانت تحته حرة وأمة فقسم للحرة ليلتين وللأمة ليلة ثم أعتقت الأمة ، فإن أعتقت بعد تمام ليلتها لم تستحق زيادة ، وإن أعتقت قبل تمامها كمل لها ليلتين ـ ثم قال ـ : والعبارة الجامعة لهذه المسائل أن يقال : الرقية والحرية إذا تبدل أحدهما بالاخر فإن بقي من العدد المعلق بكل واحد من الزائد والطاري شي‌ء أثر الطاري وكان الثابت على العدد المعلق به زائدا كان أم ناقصا ، وإن لم يبق منهما جميعا لم يؤثر الطاري ولم يغير حكما ، ففي مسألتنا إذا أسلم معه حرتان ثم عتق لم يبق من العدد المعلق بالزائد شي‌ء ، فلم يثبت العدد المعلق بالطاري وإذا أسلمت معه واحدة بقي من العدد المعلق بالزائد شي‌ء ، ومن العدد المعلق بالطاري شي‌ء ، فأثر العتق وثبت حكمه ، وعلى هذا قياس باقي المسائل ، ومما يتفرع على هذا الأصل ما لو طلق الذمي زوجته طلقتين ثم التحق بدار الحرب ناقضا للعهد فسبي واسترق ونكح تلك المرأة بإذن مالكه يملك عليها طلقة ، لأنه بقي من عدد الزائد شي‌ء ، ولم يبق من عدد الطاري شي‌ء ، فلم يؤثر الطاري ، ولو كان قد طلقها طلقة فإذا نكحها لا يملك عليها إلا طلقة ، لأنه بقي من عدد الزائد طلقتان ومن عدد الطاري طلقة ، وكان الثابت حكم الطاري ، وهو الرق ».

٧٤

ولا يخفى عليك بعد الإحاطة بما ذكرنا ما في جميع ذلك حتى الفرق بين المشبه والمشبه به ، ضرورة أن العبد إذا طلق طلقتين وقع الحكم بالتحريم المحتاج الى محلل ، فحصول العتق بعده لا يؤثر في رفعه ، وإذا مضى قرءان وقع الحكم ببراءة الذمة وبتحليلها للأزواج وكذا باقي النظائر بخلاف المقام ، فإنه لا يصير مستوفيا لحقه بإسلام اثنتين معه ، وإنما يصير متمكنا من الاستيفاء ، والتمكين من الشي‌ء لا يحل محل الشي‌ء ، وأما ما ذكره من العبارة الجامعة لم نعرف مدركه ، بل هي محض دعوى بلا دليل والمتجه ما عرفت من كون العبرة بالعتق قبل إسلامه وبعده ، ففي الأول يجري عليه حكم المسلمين الأحرار ، وفي الثاني يجرى عليه حكم المسلمين العبيد ، لأن حال إسلامه هو حال جريان الأحكام عليه ، والاختيار وعدمه لا مدخل له في ذلك ، كما لا مدخل له في صدق تناول الأدلة التي هي حر أسلم عن أربع وعبد أسلم عن ذلك ، كما هو واضح بأدنى تأمل ، والله العالم.

المسألة ( الرابعة )

( اختلاف الدين فسخ ) قطعا ( لا طلاق ) فلا يلحقه حكمه إلا بدليل ( فان كان من المرأة قبل الدخول سقط به المهر ) الذي هو بمنزلة العوض ، فإذا انفسخ العقد الذي كان قد أوجبه قبل استيفاء المعوض رجع استحقاق العوض الى مالكه ، سيما مع كون الفسخ من قبلها وإن كان بأمر واجب عليها ، من غير فرق بين كونه عينا أو دينا ، تصرفت به أولا وتقصيره بعدم إسلامه لا يرفع مقتضى قاعدة الفسخ وثبوته في ذمته لو ماتت أو مات على القول به ، لعدم ثبوت كون الموت فسخا ، ولذا جاز النظر واللمس والتغسيل ونحو ذلك ، و‌في صحيح ابن الحجاج (١) عن أبي الحسن عليه‌السلام « في نصراني تزوج نصرانية فأسلمت قبل أن يدخل بها ، قال :

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث ٦.

٧٥

قد انقطعت عصمتها منه ، ولا مهر لها ، ولا عدة عليها منه ».

( وإن كان من الرجل فنصفه على قول مشهور ) تنزيلا له منزلة الطلاق قبل الدخول ، وفيه منع ما يدل على التنزيل على وجه يقتضي ذلك ، ومن هنا استوجه غير واحد من المتأخرين ثبوت الجميع عليه ، بدعوى إيجاب العقد له أجمع ، فيستصحب ثبوته بعد أن لم يكن الفسخ من قبلها ، وتقصيرها بعدم الإسلام معه لا يرفع أصل استحقاقها الثابت لها بالعقد ، وفيه أن قاعدة الفسخ التي ذكرناها تقتضي رد كل عوض الى مالكه ، فيتجه حينئذ سقوط الجميع عنه ، خصوصا بعد أن كان سبب الفسخ ليس من تقصيره ، بل من وجوب ذلك شرعا عليه ، نعم قد يقال بثبوت النصف عليه ، لكونه القدر المتفق عليه بين القولين ، ولقوة إلحاقه به باعتبار كونهما معا فسخا للنكاح قبل الدخول ، وإن كان الأخير كما ترى لا يخرج عن القياس المحرم ، اللهم إلا أن يكون مستنده بعض النصوص (١) الواردة في الارتداد المشبهة له بالطلاق.

( وإن كان بعد الدخول ) منه أو منها ( فقد استقر ) المهر ( ولم يسقط بالعارض ) منه شي‌ء ، ضرورة تمامية المعاوضة حينئذ ولو بالانتفاع بالبضع آنا ما ، والفرض تعذر رده ، وإمكان رد مهر المثل مثلا ليس ردا له هنا شرعا ، لكون المقطوع به نصا (٢) وفتوى استقرار المهر بالدخول ، وفي المسالك إنه محل وفاق.

ولو أسلما دفعة بأن تقارن آخر الشهادتين منهما فلا فسخ ، ولو لم يعلم الحال وجهل التاريخ وأمكن الاقتران حكم به عند جماعة ، وإن علم عدم الاقتران أو قلنا : إن× الأصل أيضا يقتضي عدمه فلا شي‌ء لها عليه على ما قلناه ، ولها الجميع أو النصف على القولين الآخرين ، بل لو ادعت سبقه وادعى سبقها كان القول قولها عليهما ، فتأمل جيدا.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب موانع الإرث الحديث ٤ من كتاب المواريث.

(٢) الوسائل الباب ـ ٥٤ ـ من أبواب المهور.

٧٦

( و ) كيف كان فـ ( لو كان المهر فاسدا ) باختلال شرط من شروط صحته عندنا كالمعلومية مثلا لا من حيث تحريمه في شرع الإسلام كالخمر والخنزير الذي سيذكر حكمه ( وجب به مهر المثل مع الدخول ) كالمسلمة المساوية لها في الفروع ( وقبله ) لا شي‌ء لها إن كان منها ( ونصفه إن كان ) أي ( الفسخ من الرجل ) على القول المشهور ، وجميعه على القول الأخر ، ولا شي‌ء على ما عرفت ، بل قد يشكل الأول بأنه مناف لقاعدة إقرارهم على ما وقع منهم حال كفرهم ، فمع فرض جواز ذلك في دينهم وقد حصل القبض فيه يتجه عدم رجوعها عليه بشي‌ء.

( و ) إن كان قد دخل بها وأمهرها شيئا مجهولا بل ( لو لم يسم ) لها ( مهرا والحال هذه ) ودخل بها وكان في دينهم جواز ذلك لم يكن لها عليه شي‌ء لما عرفت ، لكنه خلاف المصرح به في كلامهم ، بل قالوا لو لم يسم لها مهرا ولم يدخل بها وأسلم دونها ( كان لها المتعة كالمطلقة ، وفيه تردد ) بل منع ، لما عرفت من عدم كون الفسخ طلاقا وعدم ما يقتضي جريان أحكامه عليه ، فيتجه حينئذ عدم شي‌ء لها عليه ، للأصل وغيره وفاقا لجماعة ، بل قد عرفت أن المتجه ذلك مع الدخول فضلا عن عدمه لقاعدة الإقرار ، اللهم إلا أن يقال : إن استيفاء البضع من قبيل الأسباب التي تترتب عليها مسبباتها ، فهو حينئذ كإتلاف كافر مالا من كافر مثلا على وجه لم يلتزم به في دينهم ثم أسلم وكان من دين الإسلام التزامه به ، فإنه يجب عليه أداؤه له ، وقاعدة الإقرار إنما هي بالنسبة إلى الصحة والفساد في العقد مثلا لا في نحو ذلك ، وما نحن فيه منه فتأمل جيدا.

( ولو دخل الذمي ) مثلا ( وأسلم وكان المهر خمرا ) مثلا وقد أقبضه تماما إياها حال الكفر لم يكن لها شي‌ء بلا خلاف ولا إشكال ، لأن‌ « الإسلام يجب ما قبله » (١) ‌( و ) إن كان ( لم تقبضه ) منه ( قيل : يسقط ) لأنها قد رضيت به ،

__________________

(١) المستدرك الباب ـ ١٥ ـ من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث ٢ والخصائص الكبرى ج ١ ص ٢٤٩ وكنز العمال ج ١ ص ١٧ الرقم ٢٤٣ والجامع الصغير ج ١ ص ١٢٣.

٧٧

فيدام حكم رضاها ، وقد تعذر إقباضه بعد الإسلام بالنسبة إلى المستحق عليه ، فسقطت المطالبة به ( وقيل : يجب ) به ( مهر المثل ) لأنها لم ترض إلا بالمهر ، والفرض امتناعه عليه بعد الإسلام ، فيرجع الى مهر المثل ، و‌عن طلحة بن يزيد (١) « سأل الصادق عليه‌السلام عن رجلين من أهل الذمة أو من أهل الحرب تزوج كل منهما امرأة وأمهرها خمرا أو خنازير ثم أسلما فقال : النكاح جائز حلال ، ولا يحرم من قبل الخمر ولا من قبل الخنازير ، قلت : فإن أسلما حرم عليه أن يدفع إليها الخمر والخنازير ، فقال : إذا أسلما حرم عليه أن يدفع إليها شيئا من ذلك ، ولكن يعطيها صداقا. » ‌

( وقيل : يلزمه قيمته عند مستحليه ، وهو أصح ) عند المصنف. لأنه أقرب شي‌ء إليه ، كما لو جرى العقد على عين وتعذر تسليمها ، ولأن مهر المثل قد يزيد عن قيمة المسمى مع اعتراف الزوجة بعدم استحقاقه ، وقد ينقص مع اعتراف الزوج باستحقاقها الأزيد ، ولوجوب قيمة الخمر لو أتلفها متلف على ذمي وترافعا إلينا ، ولخبر زرارة (٢) قال للصادق عليه‌السلام « النصراني يتزوج النصرانية على ثلاثين دنّا خمرا وثلاثين خنزيرا ثم أسلما بعد ذلك ولم يكن دخل بها ، قال : ينظر كم قيمة الخمر وكم قيمة الخنزير فيرسل به إليها ثم يدخل عليها ، وهما على نكاحهما الأول » ‌ولعله غير مناف للأول الذي يمكن إرادة ذلك من الصداق فيه لا مهر المثل ، نعم قد يشكل بضعف الخبر ، كما أنه قد يشكل سابقه بذلك أيضا والأول أوفق بأصول المذهب ، كأصل البراءة وقاعدة جب الإسلام وغير ذلك ، ومن هنا يقوى حينئذ سقوط المهر.

وعلى كل حال فظاهرهم بل صريح البعض عدم الفرق في ذلك كله بين أن يكون خمرا معينة أو كلية ، لاشتراكهما في تعذر الدفع ، لكن قد يقال مع التعيين وإمكان قبض الزوجة إياها بنفسها يتوجه عدم مطالبتها بمهر المثل أو القيمة ، وإن كان قد قبضت بعضا وبقي بعض سقط عن الزوج بقدر المقبوض ، ووجب بنسبة الباقي‌

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب المهور الحديث ١ ـ ٢.

٧٨

الى المجموع عن مهر المثل أو القيمة ، فإن كان المهر عشرة أزقاق خمرا وقد قبضت خمسة فان تساوت الأزقاق قيمة عند مستحليها برأ من النصف قطعا فان النصف عدد أو قيمة وإن اختلف قيمة احتمل اعتبار العدد ، إذ لا قيمة لها ، فيكون قد قبضت النصف أيضا تساوت الأزقاق صغرا وكبرا أم اختلفت ، واحتمل اعتبار الكيل أو الوزن ، فإنها ليست من المعدودات فإنما يتحقق قبض النصف إذا اتحد الزق أو تساوت الأزقاق في السعة والامتلاء ، أو عينا الكيل في العقد فقبضت نصف ما عين ، كما هو واضح ، والله العالم.

المسألة ( الخامسة )

( إذا ارتد المسلم بعد الدخول حرم عليه وطء زوجته المسلمة ) قطعا ، بل وغير المسلمة على ما عرفته سابقا ، من غير فرق بين كونه عن ملة وفطرة ، بل وبين ما قبل الدخول وبعده ، ولكن خصه بالثاني ليترتب عليه ما بعده ، ثم إن كان عن فطرة بانت عنه مطلقا ، فلو وطأها حينئذ بشبهة فعليه مهر آخر للشبهة إن كانت له ذمة ( و ) إن كان عن ملة ( وقف ) انفساخ ( نكاحها ) منه ( على انقضاء العدة ) فإن عاد إلى الإسلام فيها بان استمرار النكاح ، وإلا بان انفساخه من أول الارتداد كما عرفته سابقا.

( فلو وطأها ) حينئذ ( لشبهة وبقي على كفره الى انقضاء العدة قال الشيخ : ) كان ( عليه مهران : الأصلي بالعقد وآخر للوطء بالشبهة ، وهو يشكل بأنها في حكم الزوجة إذا لم يكن عن فطرة ) فلا يترتب على وطئه شي‌ء ، ولهذا لو رجع لم يفتقر الى عقد جديد ، فليس الارتداد حينئذ إلا كالطلاق الرجعي الذي لا يوجب البينونة ، ويدفع بأنه قد بان ببقائه على الكفر أنها قد بانت منه بأول ارتداده ، وليس في شي‌ء من الأدلة ما يقتضي كونها بحكم الزوجة حتى بالنسبة الى‌

٧٩

ذلك ما دامت العدة ولو تشبيها بها أو في حكم التشبيه كي تكون حينئذ كالمطلقة رجعيا ، وإثبات بعض اللوازم كالإرث ونحوه لا يقتضي ثبوت الجميع ، وما في بعض النصوص (١) من تشبيهها بالمطلقة لا يقتضي إرادة الرجعية ، خصوصا بعد ما في آخر (٢) من أنها كالمطلقة ثلاثا فتأمل جيدا.

وعلى كل حال فالمراد بالشبهة في المتن أنه وطأها غير عالمة وغير عالم بحرمة ذلك عليهما ، وقد يحتمل كون المراد شبهة شرعا فلا يقدح حينئذ علمها بالتحريم.

ثم لا يخفى عليك جريان المزبور في ارتداد الامرأة أيضا ، إذ هما من واد واحد ، بل لا فرق فيها بين كون ارتدادها عن فطرة أو ملة ، لما عرفت من عدم بينونتها بالفطري ، لقبول توبتها ، والله العالم.

المسألة (السادسة )

( إذا أسلم وعنده أربع وثنيّات ) غير مدخول بهن بن منه وإن كن ( مدخولا بهن ) لم يحكم بالبينونة منه حتى تنقضي العدة وهن على كفرهن وحينئذ ( لم يكن له العقد على أخرى ) خامسة ( ولا على أخت أحدا ) هن أي ( زوجاته ) التي أسلم عنهن على وجه يدخل بها ويعاملها معاملة الزوجة ( حتى تنقضي العدة مع بقائهن على الكفر ) لكونه منهيا عن الخامسة وعن أخت الزوجة ، ولا يتم امتثال ذلك إلا باجتناب هذين ، لاحتمال كونهما خامسة وأخت زوجة ، والتمسك بأصالة عدم الإسلام في العدة لا يرفع باب المقدمة بعد أن كان الإسلام‌

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب موانع الإرث الحديث ٤ من كتاب المواريث بطريق الشيخ ( قده ).

٨٠