جواهر الكلام - ج ٣٠

الشيخ محمّد حسن النّجفي

( ليس بمحرم ) للأصل وظهور النصوص المزبورة بالكراهة ، خصوصا بعد اشتمال بعضها على التعليل المعلوم أنها لها بقرينة وروده في أصل التمتع بالبكر ، والله العالم.

( فروع )

( ثلاثة )

قد تقدم تفصيل الكلام فيها.

( الأول : إذا أسلم المشرك وعنده كتابية بالعقد المنقطع كان عقدها ثابتا ) للأصل وما عرفته من جواز ابتدائه للمسلم فضلا عن استدامته. ( وكذا لو كن أكثر ) من واحدة ، بل وأكثر من أربع ، لما تقدم من جواز ذلك في المنقطع. ( ولو سبقت هي ) في الإسلام ( وقف على انقضاء العدة إن كان ) قد ( دخل بها ) وإلا انفسخ عقدها ، لعدم العدة حينئذ لها ( فان انقضت ) العدة من ذات العدة المدخول بها ( ولم يسلم بطل العقد ) بل قد عرفت سابقا أنه ينكشف بطلانه من أول ( وإن لحق بها قبل ) انقضاء ( العدة فهو أحق بها ما دام أجله باقيا ، ولو انقضى الأجل قبل إسلامه لم يكن له عليها سبيل ) وإن كانت في العدة ، كما هو واضح.

( الثاني : لو كانت غير كتابية فأسلم أحدهما بعد الدخول وقف الفسخ ) أيضا ( على انقضاء العدة وتبين منه بانقضاء الأجل أو خروج العدة ، فأيهما حصل قبل إسلامه انفسخ به النكاح ) على نحو ما سمعته في الكتابية لما سمعته سابقا من أنه وإن كان لا يجوز للمسلم التزويج بغير الكتابية لكن إذا أسلم عنها جرى عليها حكم الكتابية ، للفرق بين الابتداء والاستدامة ، كما تقدم الكلام فيه.

١٦١

( الثالث : لو أسلم وعنده حرة وأمة ثبت عقد الحرة ووقف عقد الأمة على رضاء الحرة ) وإن كان عقد الحرة المتأخر ، لكن فيه البحث السابق ، فلاحظ وتأمل كي يظهر لك جريان غير ذلك مما تقدم هناك في المقام ، والله العالم.

( وأما المهر فهو شرط في عقد المتعة خاصة ويبطل بفواته العقد ) بلا خلاف ، بل الإجماع بقسميه عليه ، وهو الحجة بعد‌ قول الصادق عليه‌السلام في صحيح زرارة (١) : « لا تكون متعة إلا بأمرين : بأجل مسمى وأجر مسمى » ‌بل يومئ اليه‌ قوله عليه‌السلام أيضا في خبر آخر (٢) : « إنهن مستأجرات » ‌كقول الباقر عليه‌السلام (٣) : « إنما هي مستأجرة » ‌بل منه يعلم الوجه في الفرق بين الدائم الذي يراد منه النسل ونحوه وبين المتعة المراد منها الانتفاع والاستمتاع ونحو ذلك مما هو شبه الإجارة ، ولذا كان المهر فيها كالعوض في الإجارة شرطا في الصحة.

( ويشترط فيه ) حيث يكون عينا ( أن يكون مملوكا ) للمتمتع ، فلو كان غير مملوك كالخمر والخنزير أو لغير العاقد لم يصح ، لامتناع أن يملك البضع بمال غيره وإن رضي المالك بعد ذلك ، بخلاف البيع ونحوه من عقود المعاوضات ، فإن الإجازة تؤثر في نقله الى ملك المالك ، وهنا لا يتصور ذلك ، لمعلومية اعتبار تعيين الزوج والزوجة في النكاح ، بخلاف البيع والإجارة وغيرهما مما لا يعتبر فيه ، بل لو اتفق قصد المؤجر خصوص المستأجر كان لاغيا ، فيقع للموكل مثلا وإن لم يقصده المؤجر ، ومن هنا كان البائع والمشتري مثلا تابعا لملك المال بخلاف النكاح ، بل لا يبعد البطلان أيضا فيما لو أباح له جميع التصرفات في المال فتمتع به المباح له ، لعدم دخوله في ملكه بهذه الإباحة ، اللهم إلا أن يكون قصد به التملك قبل صيرورته مهرا ، وقلنا بتأثير هذا القصد في التملك ، وليس جعله مهرا في المتعة قصد لتملكه واحتمال أن يكون مثل « أعتق عبدك عني » ‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من أبواب المتعة الحديث ١.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب المتعة الحديث ٢ ـ ٤.

١٦٢

يدفعه عدم الدليل على الصحة هنا حتى يلزم تقدير الملك جمعا بينه وبين القواعد ، بل مقتضى معاملة المهر هنا معاملة العوض في الإجارة عدم جواز كونه في ذمة شخص ولو برضاه ، لعدم جواز مثله في البيع والإجارة على وجه يكون المعوض ملكا لغير من في ذمته العوض ، كما لا يجوز كونه عينا مملوكة لشخص آخر ولو بعد سبق رضاه ، كل ذلك بناء على كون المتعة بالنسبة الى ذلك كغيرها من المعاوضات.

نعم قد يناقش في أصل اعتبار الملكية للعوض فيها على هذا الوجه ، لعدم الدليل ، بل مقتضى إطلاق أدلة المقام خلافه ، إنما المعتبر كونه من الأعيان المملوكة بمعنى عدم كونه مما لا يملك ، كالخمر والخنزير ونحو هما.

وعلى كل حال فقد عرفت أن المراد من هذا الشرط حيث يكون المهر من الأعيان لا مطلقا ضرورة صحة كونه منفعة وعملا بل حقا من الحقوق المالية ، كحق التحجير ونحوه لا طلاق الأدلة.

( و ) كذا يشترط فيه أن يكون ( معلوما ) بما يتحقق به صدق ذلك عليه ( إما بالكيل ) للمكيل ( أو الوزن ) للموزون أو العد للمعدود ( أو المشاهدة أو الوصف ) الذي يتحقق به ما عرفت أو نحو ذلك مما يتحقق به ما عرفت بلمس أو ذوق أو غيرهما لإطلاق الأدلة والتصريح بالاكتفاء بنحو الكف من البر أو السويق أو نحو ذلك مما يعلم منه عدم اعتبار المعلومية المعتبرة في البيع مثلا الذي قد نهي فيه عن الغرر (١) بخلاف المقام الذي لم نعثر فيه على دليل كذلك ، واعتبار التسمية في المهر والعلم أعم من ذلك ، فمن هنا قلنا : يكفي فيه تحقق صدق كونه معلوما بمشاهدة ونحوها.

( ويتقدر بالمراضاة قل أو كثر ، ولو كان كفا من بر ) ونحوه مما هو صالح لأن يكون عوضا ، لإطلاق الأدلة ، بل صراحتها في ذلك ، وإن كان المذكور فيها بعد « إن » الوصلية « الكف من بر » ونحوه لكن لا على أن المراد منه عدم إجزاء الأقل ، بل المراد ذلك ونحوه مما يقع التراضي عليه مما هو صالح للعوضية ،

__________________

(١) سنن البيهقي ج ٥ ص ٣٣٨.

١٦٣

فما عن الصدوق من تحديد القلة بدرهم لقول الباقر عليه‌السلام في خبر أبى بصير (١) : « يجزئ الدرهم فما فوقه » ‌الذي هو مع الضعف في سنده والمعارضة بغيره لا يدل على التحديد بعد ما عرفت من إرادة ما سمعت من نحو هذا اللفظ هنا المعلوم بقرائن المقام إرادة الاجتزاء بكل ما يقع عليه التراضي مما هو صالح للتعاوض وإن ذكر القدر المزبور بناء على تعارف عدم الأقل منه ، نحو‌ قول الصادق عليه‌السلام للأحول (٢) وقد سأله عن أدنى ما يتزوج به الرجل متعة : « كف من بر » ‌ولأبي بصير (٣) وقد سأله عليه‌السلام عنه أيضا : « كف من طعام دقيق أو سويق أو تمر » ‌مع أنه أقرب الى إيهام التحديد من خبر الصدوق ، إلا أن المتجه بعد ملاحظة النصوص التي قدرته بما يقع عليه التراضي إرادة ما ذكرناه من ذلك ، كما هو واضح ، والله العالم.

( و ) كيف كان فـ ( يلزم دفعه ) أي المهر ( بالعقد ) المقتضي لملكيته ولكونه كالمهر المستحق دفعه عقيبه وإن كان استقراره هنا مراعى بالدخول والوفاء بالتمكين في المدة ولظاهر قوله تعالى (٤) ( فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ) الذي قد استفاضت النصوص (٥) في ورودها في المتعة وأنه في قراءة أبي وغيره ، « إلى أجل » ولخبر عمر بن حنظلة (٦) قال للصادق عليه‌السلام : « أتزوج المرأة شهرا فتريد مني المهر كملا فأتخوف أن تخلفني ، فقال : لا يجوز أن تحبس ما قدرت عليه ، فان هي أخلفتك فخذ منها بقدر ما تخلفك » ‌على ما عن أكثر النسخ ، وعن بعضها « يجوز أن تحبس » لكن لا يوافق ظاهر قوله عليه‌السلام « فخذ منها » بل قد يشعر به أيضا‌ مكاتبة الريان (٧) إلى أبى الحسن عليه‌السلام قال : « كتبت إليه : الرجل‌

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ٢١ ـ من أبواب المتعة الحديث ١ ـ ٢ ـ ٥.

(٤) سورة النساء : ٤ ـ الآية ٢٤.

(٥) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب المتعة.

(٦) الوسائل الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب المتعة الحديث ١.

(٧) الوسائل الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب المتعة الحديث ٢.

١٦٤

يتزوج المرأة متعة بمهر إلى أجل معلوم وأعطاها بعض مهرها وأخرته بالباقي ثم دخل بها ، وعلم بعد دخوله بها قبل أن يوفيها باقي مهرها أنها زوجته نفسها ولها زوج مقيم معها ، أيجوز له حبس باقي مهرها أم لا يجوز؟ فكتب : لا يعطيها شيئا ، لأنها عصت الله » ‌فان ظاهر نسبة التأخير إليها مشعر باستحقاقها الأخذ منه قبل المدة ، بل قد يشعر به غيره (١) أيضا من الأخبار ، ولعله لذا كان المحكي عن المفيد والمرتضى والقاضي التصريح بذلك ، بل لعله الظاهر من المصنف والفاضل وغيرهما على معنى إرادة المصاحبة من الباء أو السببية التامة في الدفع ، لا أن المراد كون العقد سببا في الوجوب في الجملة على وجه لا ينافي اشتراطه بأمر آخر ، وذلك لأن المهر أحد العوضين الذي لا يجب تسليمه على أحدهما قبل أن يتسلم العوض الأخر ، فمع التعاسر يتقابضان معا ، بل قد سمعت في كتاب الإجارة عدم وجوب تسليم العوض قبل تسلم العمل ، وخبر عمر بن حنظلة معارض بما سمعته من بعض نسخه ، ومن هنا جزم جماعة بعدم وجوب دفع تمام المهر.

لكن فيه ( أولا ) أن المتجه على تقدير إلحاق ما هنا بالإجارة التفصيل بين الأمة والحرة ، فيجب دفع المهر بتسليم الاولى بخلاف الثانية على قياس استئجار العين المملوكة واستئجار الحر اللهم إلا أن يفرق بين الدابة والأمة باعتبار استقلال المستأجر في الاولى في الاستيفاء بخلاف الثانية التي يمكن أن تتمتع عليه في الاستيفاء ، ( وثانيا ) أنه ينبغي توزيع المهر على تمام المدة ، ولا أظنه يلتزمونه ، ( وثالثا ) أنه يمكن منع كون المقام من ذلك ، بل هو أشبه شي‌ء بالمهر الذي يستقر بالدخول ، لما سمعته من الآية (٢) والرواية (٣) ( بل في جامع المقاصد الإجماع عليه خ ل ) نعم هو باعتبار ضرب المدة فيه لا يستقر ملكها له حتى تمضي المدة ممكنة كما سيأتي ، والله العالم.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٧ و ٢٨ ـ من أبواب المتعة.

(٢) سورة النساء : ٤ ـ الآية ٢٤.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب المتعة الحديث ١.

١٦٥

( و ) كيف كان فـ ( لو وهبها المدة ) أو تصدق بها عليها وجعلها في حل منها كما عبر بذلك عنه في النصوص المعلوم إرادة ما يشبه الإبراء من ذلك فإنه في الحقيقة إسقاط ما يستحقه عليها ، فلا يحتاج إلى قبول ولا إلى قابلية المتمتع بها لذلك ، فيصح له الهبة المزبورة للصغيرة والمجنونة والأمة وغيرها ، والشك في ذلك من بعضهم بأنه يتجدد شيئا فشيئا فلا يتعلق به الإبراء قبل حصوله اجتهاد في مقابلة النصوص ، على أنه في الحقيقة إسقاط للاستحقاق المتحقق فعلا وإن تأخر المستحق ، فهو كإبراء الأجير مما يستحق عليه في الزمان المتأخر.

وعلى كل حال فإذا جعلها في حل من ذلك ( قبل الدخول لزمه النصف ) من المهر وفاقا للمشهور ، بل في جامع المقاصد إجماع الأصحاب عليه ، وفي كشف اللثام هو مقطوع به في كلام الأصحاب ، وحكى عليه الإجماع في السرائر ، وبه مقطوع‌ زرعة عن سماعة (١) « سألته عن رجل تزوج جارية أو تمتع بها ثم جعلته في حل من صداقها يجوز أن يدخل بها قبل أن يعطيها شيئا ، قال : نعم إذا جعلته في حل فقد قبضته منه ، فان خلاها قبل أن يدخل بها رد المرأة على الزوج نصف الصداق » ‌ولمكان ضعف الخبر المزبور وإمكان إرادة خصوص الطلاق من التخلية فيه شكك بعض الناس في الحكم ، باعتبار أن العقد قد أوجب الجميع وحرمة القياس على الطلاق ، إلا أن يقال : إنه بمنزلة الأجرة ، ولا أجرة إذا وهبت المنفعة للمؤجر ، كما في كشف اللثام ، وفيه إمكان منع كون الحكم كذلك أيضا في المشبه به نعم أصل الشك في الحكم المزبور في غير محله بعد ما عرفت من الإجماع المعاضد للخبر المزبور الذي لا يقدح قطعه في الحجية عندنا بعد ما ذكرناه غير مرة من الظن القوى بكون المراد أن مرجع الضمير الامام عليه‌السلام.

ثم الخبر وكلام الأصحاب يشمل هبة جميع المدة وبعضها كما صرح به غير واحد ، بل الظاهر هبة البعض ، لأنه لا يمكن هبة الجميع في المدة المتصلة ، نعم في كشف اللثام « إن أقر بعضها كأن يهبها عقيب العقد على شهرين شهرا دون آخر‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب المتعة الحديث ١.

١٦٦

اتجه العدم ، لخروجه عن النص من الخبر وكلام الأصحاب » وفيه أنه ـ بعد أن علم من الأدلة قابلية هذا الحق للإسقاط والإبراء ، وأنه مقتضى الحكمة بعد أن لم يقع بها طلاق ، وربما أراد الفراق فلو لم يصح ذلك لم يقع الفراق ـ لم يكن فرق بين هبة الكل والبعض ، ولو على الوجه الذي ذكره ، خصوصا إذا كان الموهوب المتأخر من الزمان ، وعدم تعرض النصوص لهذا بالخصوص لا يقتضي العدم بعد أن عبرت عن ذلك بالهبة والصدقة والإحلال وغيرها مما لا يتفاوت فيه بين الجميع.

ومن هنا يتم ما فرعه في المسالك قال : « واعلم أن الظاهر من هبة المدة قبل الدخول هبة جميع ما بقي منها عند الهبة ، وذلك هو المقتضي لسقوط نصف المهر إذا وقع قبل الدخول ، وهل المقتضى له هو مجموع الأمرين أو حصول الفرقة قبل الدخول؟ وجهان ، من ظهور اعتبار الدخول وعدمه في ذلك كالطلاق ، ومن الوقوف على موضع اليقين فيما خالف الأصل ، وتظهر الفائدة فيما لو وهبها بعض المدة كنصفها مثلا وقد بقي منها أكثر من النصف ، ولم يتفق فيها دخول حتى انقضى ما بقي منها بغير هبة ، فعلى الأول يثبت لها المجموع ، وعلى الثاني النصف ، وإطلاق الرواية يدل على الثاني لو كانت معتبرة في الدلالة » قلت : قد عرفت اعتبارها فالمتجه حينئذ أن الموجب للتنصيف كونه فرقة قبل الدخول ، وإلا فهبة المدة بمنزلة استيفائها له في الحقيقة نحو هبتها المهر إياه ، ولا ينافي ذلك كونها ممكنة له ، ولا تقصير منها ، إذ هو كالاجتهاد في مقابلة النص والإجماع الذي سمعته الشامل معقده لهبة ما بقي من المدة ولو اليسير ، وإن كانت هي في السابق ممكنة له لم يكن منها تقصير ولا إخلال ، ومن ذلك يعلم أن لها النصف بطريق أولى فيما إذا كان المانع من الدخول بها حيض أو شبهه حتى مضت المدة.

( و ) كيف كان فـ ( لو دخل استقر المهر بشرط الوفاء بالمدة ) أي تمكينها من نفسها في تمام مدته إلا أن يهبها هو ، فإنه يجب عليه دفع الجميع الذي قد استحق بالعقد واستقر بالدخول مع عدم حصول إخلال منها بما بقي له من مدته ، لكن في جامع المقاصد « لو دخل ثم وهبها الجميع أو البعض ففي سقوط شي‌ء من المهر باعتبار ما ظهر من المدة نظر ولم أقف للأصحاب على كلام في ذلك » ( و ) فيه أنه‌

١٦٧

لا ريب في ثبوت الجميع بذلك لما عرفت.

نعم ( لو أخلت هي ببعضها كان له أن يضع من المهر بنسبتها ) إن نصفا فنصف وإن ثلثا فثلث بلا خلاف أجده فيه ، بل ولا إشكال ، لكونها كالمستأجرة وللمعتبرة المستفيضة التي منها خبر ابن حنظلة (١) السابق و‌خبره الآخر (٢) قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : « أتزوج المرأة شهرا بشي‌ء مسمى فتأتي بعض الشهر ولا تفي ببعض ، قال : يحبس عنها من صداقها بقدر ما احتبست عنك إلا أيام حيضها ، فإنها لها » ‌ونحوه خبره الثالث (٣) عنه عليه‌السلام أيضا ، و‌خبر إسحاق بن عمار (٤) قلت لأبي الحسن عليه‌السلام : « الرجل يتزوج المرأة متعة بشرط أن تأتيه كل يوم حتى توفيه شرطه أو يشترط أياما معلومة تأتيه فيها فتغدر به فلا تأتيه على ما شرط عليها ، قال : نعم ينظر ما قطعت من الشرط ، فيحبس عنها من مهرها بمقدار ما لم نف له ما خلا أيام الطمث ، فإنها لها ، فلا يكون عليها إلا ما حل له فرجها » ‌وظاهر الأخير بل وغيره عدم التوزيع على ما يفوت عليه من الاستمتاع غير الوطء ، ولعله كذلك.

فما عن التحرير من الاشكال فيه من ذلك ومن نقصان الاستمتاع في غير محله ، كما أنه قد يومئ استثناء أيام الحيض فيه وفي غيره إلى استثناء غيره من الاعذار كالمرض ونحوه مما لا يعد حبسا منها وإخلالا ، لكن في المسالك « فيه وجهان ، من المشاركة في المعنى وكون ذلك على خلاف الأصل ، فيقتصر فيه على مورده » وفي القواعد « لو منع العذر عن الجميع كل المدة كالمرض المدنف فكذلك أى لا ينقص من مهرها شي‌ء على إشكال ، ولعله من انتفاء الاستيفاء رأسا وهو أحد العوضين ، فانتفى الأخر كسائر المعاوضات ، والفرق بينه وبين الحيض بأنه عادي ، فأيامه في حكم المستثناة في العقد بخلاف غيره ، ومن أنها مسلمة لنفسها ، وإنما عرض المانع من خارج وقد ثبت المهر بالعقد ، ولا يعلم سقوطه بمثل ذلك مع جواز التمتع بمن لا يمكنه الاستمتاع بها ابتداء ـ ثم قال ـ : وكذا الاشكال لو منع هو أو هي بظالم كل المدة » وبالجملة لو منع العذر من بعض الاستمتاع كل المدة أو بعضها أو من‌

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب المتعة الحديث ١ ـ ٤ ـ ٢ ـ ٣.

١٦٨

الجميع في كلها أو بعضها فإشكال عنده من احتمال توزيع المهر على المدة ووجوه الاستمتاع جميعا أو بالتفريق والعدم ، وفي كشف اللثام « ويقوى السقوط بالنسبة مع امتناعها اختيارا عن الاستمتاع رأسا ، لضرورة ملجأه لها لحفظ مال أو عرض أو نفس ، لصدق أنها لم تف له بالمدة ، وعدم السقوط إن استوعب الحيض المدة ، وأما نحو الأكل والشرب الضروريين والتنظف والتهيؤ للزوج فالظاهر استثناؤها أيضا ، لقضاء العادة بها ، فيدخل استثناؤها في مفهوم العقد » وكأنه تبع بذلك أحد احتمالي المحقق الثاني في جامعه.

ولكن التحقيق ما عرفته من أن العوض هنا مهر يجرى عليه حكمه ، وهو وجوبه بالعقد ، إذ هو نكاح بالنسبة الى ذلك وإن كان زمانه منقطعا ، نعم قد عوامل معاملة الأجرة فيما إذا أخلفت في بعض المدة ، للأدلة الخاصة ، فيبقى غيره على مقتضى وجوبه ، بل الظاهر ملاحظة الإخلال بحصول التمكين من الوطء في التوزيع دون غيره من الاستمتاعات ، كما عساه يومئ اليه‌ قوله عليه‌السلام : « فلا يكون عليها إلا ما حل من فرجها » ‌كايماء قوله عليه‌السلام : « تحبس » و « قطعت » ونحو ذلك إلى الإخلال لا لعذر شرعي يوجب عليها عدم المجي‌ء ولو حفظ نفس أو عرض ، وبالجملة فالأصل يقتضي وجوب المهر بالعقد خرج الإخلال منها بالمدة لا لعذر ، فيبقى غيره.

وبذلك يتجه وجوب المهر عليه أجمع بموتها كما جزم ثاني الشهيدين نعم في القواعد « الأقرب أن الموت هنا كالدائم ، أي كالموت فيه يثبت المهر وإن مات أو ماتت لثبوته بالعقد ، والموت لا يصلح لا سقاطه إلا بدليل وليس ، والفرق بينه وبين ما إذا منعت من الاستمتاع بين » ولعل قوله ، « الأقرب » لاحتمال السقوط بالنسبة بناء علي أنه في مقابلة الاستمتاع موزع عليه وعلى المدة ، فيسقط كلا أو بعضا بامتناعه كلا أو بعضا كما لو استأجر دابة فماتت ، وإن كان هو واضح الضعف كما اعترف به في جامع المقاصد ، لما عرفته من الأصل السابق ، بل الظاهر أنه بموته أو موتها المخرج لهما عن قابلية الانتفاع تكون كانتهاء المدة.

١٦٩

ومنه يعلم قوة انفساخ عقد المتعة بينهما بذلك ، لا أنه باق إلى أجله ، ولا أنه ينقلب دائما ولعله هو الوجه في استفاضة النصوص (١) بعدم التوارث بينهما بالموت ، لأن به ينفسخ هذا العقد بينهما ، فلا زوجية ، خصوصا المتضمنة (٢) منها أنها لا تطلق وليست إحدى الأربع ولا ترث إنما هن مستأجرات ، فإنه كالصريح في ذلك ، كما ستسمع إنشاء الله مزيد تحقيق له في محله.

( و ) كيف كان فـ ( لو تبين فساد العقد إما بأن ظهر لها زوج أو كانت أخت زوجته أو أمها ) ولو من الرضاعة ( أو ماشا كل ذلك من موجبات الفسخ ) للعقد ( ولم يكن دخل بها ) وإن استمتع بها بتقبيل ونحوه ( فلا مهر لها ) قطعا لا المسمى ( و ) لا غيره ، بل ( لو ) كان قد ( قبضته كان له استعادته ) ضرورة بقائه على ملكه ، بل الظاهر أن له المطالبة بمثله أو قيمته مع تلفه.

( و ) أما ( لو تبين ذلك بعد الدخول ) بها ففي محكي المقنعة والنهاية والتهذيب والمهذب ( كان لها ما أخذت ، وليس عليه تسليم ما بقي ) من غير فرق بين العالمة والجاهلة ، ولعله لحسن حفص (٣) عن أبى عبد الله عليه‌السلام « إذا بقي عليه شي‌ء من المهر وعلم أن لها زوجا فما أخذته فلها بما استحل من فرجها ، ويحبس عنها ما بقي عنده » ‌بل قد يقال إن مرادهم لها ما أخذت ولو جميع المهر ، وله حبس ما عنده ولو الجميع حينئذ ، لكنه هو كما ترى قول غريب مناف لما دل (٤) من عدم المهر للبغي ، ولعدم‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب مقدمات النكاح والباب ـ ٤ ـ من أبواب المتعة الحديث ٤ و ٥ والباب ـ ١٨ ـ والباب ـ ٢٣ ـ منها الحديث ٥ والباب ـ ٣٢ ـ منها الحديث ٣ و ٦ و ٧ و ٨ و ١٠ والباب ـ ١٧ ـ من أبواب ميراث الأزواج من كتاب المواريث.

(٢) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب المتعة الحديث ١ و ٢ و ٤ و ٥.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب المتعة الحديث ١.

(٤) سنن البيهقي ج ٦ ص ٦ وألفاظ الحديث مختلفة : « نهى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن. مهر البغي » ‌و‌ « لا يحل. ولا مهر البغي » ‌ونحو ذلك مثل « سحت » و « خبيث ».

١٧٠

خلو البضع عن المهر مع عدم الزنا ، بل ولقاعدة « ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده » بل ولمكاتبة ابن ريان (١) إلى أبى الحسن عليه‌السلام « الرجل يتزوج المرأة متعة بمهر إلى أجل معلوم وأعطاها بعض مهرها وأخرته بالباقي ، ثم دخل بها ، وعلم بعد دخوله بها قبل أن يوفيها باقي مهرها أنها زوجته نفسها ولها زوج مقيم ، أيجوز له حبس باقي مهرها أم لا يجوز؟ فكتب : لا يعطيها شيئا ، لأنها عصمت الله » ‌بناء على ظهوره ولو للتعليل في عدم دفع شي‌ء لها مع فرض علمها وفي استرجاع ما أخذته منه منها إلا أن السائل لما سأل عن حبس ما بقي مشعرا بالاعراض عما دفعه إليها كان الجواب بما سمعت ، لا أن المراد عدم جواز استرجاع شي‌ء مما دفعه إليها مع فرض كونها زانية ، فإنه مناف لما سمعت ، خصوصا مع بقاء العين التي لم يحصل سبب شرعي لخروجها عن ملك مالكها ، ضرورة تبين بطلان السبب المخصوص ، فلا أثر له وإن حصل بزعم التأثير كما هو واضح ، إذ هو كغيره من المقامات ، فيجب حمل الخبر المزبور بعد تسليم حجيته على صورة الجهل ، وكون المدفوع إليها مساويا لمهر المثل أو رضاها به أو نحو ذلك ، بل ربما حمل كلام الشيخين على ذلك أيضا.

ومن هنا كان ظاهر المصنف الاعراض عنه حيث قال ( ولو قيل : لها المهر إن كانت جاهلة ويستعاد ما أخذت إن كانت عالمة كان حسنا ) لكون الوطء شبهة في الأول ، فتستحق المهر بها وزنا في الثاني ولا مهر لبغي ، بل الظاهر أن له ذلك حتى لو أتلفته ، ضرورة ضمانه عليها ، وعدم المطالبة به في البيع الفاسد إن قلنا به ، فلدليل خاص ، والتسليط منه إنما كان بزعم الصحة ، بل لا يبعد ذلك حتى مع علمه بالفساد باعتبار أن دفعه له بعنوان كونه المسمى في العقد ، فكأنه اشترط في إباحته صحة العقد على وجه لا ينافي علمه بالفساد الذي أقصاه حينئذ علمه بعدم حصول شرط الإباحة.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب المتعة الحديث ٢ وهي مكاتبة ريان بن شبيب كما في الكافي ج ٥ ص ٤٦٢.

١٧١

نعم يبقى الكلام في المهر الذي يجب دفعه في الصورة الأولى ، فربما قيل : إنه المسمى ، بل ربما قيل : يلاحظ فيه التوزيع على المدة ، ولكن فيه أنه بعد ظهور الفساد لا مقتضي لوجوبه كي يدفعه كلا أو موزعا حتى لو فرض أقليته من مهر المثل ، ضرورة أن رضاها به إنما كان لزعم الصحة الذي قد بان خطاؤه ، ومن ذلك يظهر لك ما في احتمال وجوب أقل الأمرين من مهر المثل والمسمى ، نعم يتجه وجوب مهر المثل لها كما في غيره من أفراد وطء الشبهة.

إنما الكلام في أنه مهر أمثالها بحسب حالها لتلك المدة التي سلمت نفسها فيها متعة ، أو مهر المثل للنكاح الدائم ، لأن ذلك هو قيمة البضع عند وطء الشبهة من غير اعتبار لعقد الدوام والانقطاع؟ وجهان قويان من حيث إقدامها على ما هو شبه الإجارة ، فمع فرض فساده لها أجرة المثل بالنسبة إلى تلك المدة التي أقدمت عليها ، ومن تبين الفساد والشارع قد جعل مهر المثل للبضع باستيفاء منفعته ولو مرة ، ولعل ثانيهما أقواهما ، والله العالم.

( وأما الأجل فهو شرط في عقد المتعة ) إجماعا بقسميه ونصوصا (١) ( و ) لذا ( لو لم يذكره ) فيه لفظا ولا قصدا لم يكن عقد متعة ( وانعقد دائما ) في المشهور نقلا وتحصيلا ، بل لعله مجمع عليه مما عرفته سابقا من صلاحية اللفظ حتى لفظ المتعة لهما ، وإنما يتمحض المتعة بذكر الأجل ، فإذا أهمل في اللفظ والنفس تعين للدوام ، ولأصالة الصحة في العقد ، ولقول الصادق عليه‌السلام في موثق ابن بكير (٢) : « إن سمى الأجل فهو متعة ، وإن لم يسم الأجل فهو نكاح ثابت » ‌ولأن‌ أبان بن تغلب (٣) قال له عليه‌السلام لما علمه كيفية عقد المتعة : « إني أستحيي أن أذكر شرط الأيام فقال : هو أضر عليك ، قلت : وكيف؟ قال : إنك إن لم تشترط كان تزويج مقام ، ولزمتك النفقة والعدة ، وكانت وارثا ولم تقدر على أن تطلقها إلا طلاق‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٧ و ١٨ و ٢٠ و ٢٥ ـ من أبواب المتعة.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب المتعة الحديث ١ ـ ٢، فى الاول « فهو نكاح بات ».

١٧٢

السنة ».

بل في ظاهر المسالك وكشف اللثام وغيرهما أن المشهور انعقاده دائما بمجرد عدم ذكر الأجل في اللفظ وإن كان مقصودا له لما عرفت ، لكنهما أشكلاه بضعف الخبرين وعدم صراحتهما في ذلك ، بل في الأول منهما عدم دلالة الأول منهما ، إنما دل على أن الدوام لا يذكر فيه الأجل ، وهو كذلك لا على أن من قصد المتعة ولم يذكر الأجل يكون دائما ، وصلاحية اللفظ لا تجدي إذا خالفه القصد ، ضرورة كون المعتبر اتفاقهما على معنى واحد ، وهو غير حاصل هنا ، لأن المقصود هو المتعة والمطابق للفظ هو الدائم ، وذلك يقتضي البطلان لفوات شرط المقصود وعدم قصد الملفوظ. ومن هنا قال في المسالك : القول بالبطلان مطلقا أقوى ، وربما يؤيده‌ مضمر سماعة (١) « سألته عن رجل أدخل جارية يتمتع بها ، ثم إنه نسي أن يشترط حتى واقعها يجب عليه حد الزاني ، قال : لا ولكن يتمتع بها بعد النكاح ، ويستغفر الله مما أتى » ‌بناء على إرادة نسيان الأجل من الاشتراط فيه.

وفيه منع الضعف في السند أولا لكون الأول من قسم الموثق والانجبار بالشهرة ثانيا ، وعدم الصراحة لا ينافي الظهور الكافي في الاستدلال ، خصوصا بعد الاعتضاد بخبر هشام بن سالم (٢) قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : « أتزوج المرأة متعة مرة مبهمة ، قال فقال : ذاك أشد عليك ترثها وترثك ، ولا يجوز لك أن تطلقها إلا على طهر وشاهدين ، قلت : أصلحك الله فكيف أتزوجها؟ قال ، أياما معدودة بشي‌ء مسمى » ‌الى آخره فإنه كالصريح في كون المراد المتعة ، وبأن اعتبار الأجل في المتعة على جهة الشرطية الخارجة عن معنى النكاح ، فمع فرض عدم الذكر لا يؤثر بناء على أن المقدر لا يجرى عليه حكم المذكور ، بل هو حينئذ كعدم وجوده ، فلا يؤثر بطلانا للعقد لو كان باطلا مثلا ، فقصد النكاحية حينئذ بحاله ، نعم لو قلنا : المعتبر في الدائم قصد الدوام اتجه حينئذ الفساد ، ضرورة عدم قصد ذلك‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب المتعة الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب المتعة الحديث ٣.

١٧٣

في الفرض ، لكنه واضح المنع ، ومضمر سماعة بعد الغض عما في سنده وقطعه يمكن إرادة أصل العقد من الاشتراط فيه أو المتعة من لفظ الإيجاب على الوجه الذي ستعرفه.

ومن ذلك يعلم ما في المسالك حيث إنه بعد نقل القولين المزبورين والتفصيل عن ابن إدريس بأنه إن كان الإيجاب بلفظ التزويج والنكاح انقلب دائما وإن كان بلفظ التمتع بطل العقد ، لأن اللفظين الأولين صالحان لهما بخلاف الثالث فإنه مختص بالمتعة ، فإذا فات شرطها بطل قال : « وفيه أن بطلان عقد المتعة كما حصل بفوات شرطه وهو الأجل فكذلك الدوام بطل بفوات شرطه ، وهو القصد إليه ، فإنه الركن الأعظم في صحة العقود » إذ هو كما ترى صريح في اعتبار قصد الدوام في صحة الدائم ، لكن قد عرفت ما فيه من أن الدوام إن حصل فيما قصد به النكاحية فمن حيث ثبوت النكاح بذلك واحتياج رفعه إلى رافع شرعي ، نحو حصول الدوام فيما قصد به الملك من غير ملاحظة ذلك فيه ، لا أنه حاصل من حيث ملاحظة الدوام قيدا فيه على حسب ملاحظة الأجل في المنقطع.

فتلخص من ذلك أن الانقطاع الحاصل في المؤجل الذي شرعه الشارع من حيث اشتراط الأجل فيه ، فمع فرض عدم ذكره يكون كالعقد الفاقد للشرط ، لا أن لفظ « أنكحت » مستعمل في المنقطع على وجه يكون ذكر الأجل كاشفا عن المراد بها ، بل هي ليست إلا مستعملة في معنى النكاحية ، والانقطاع إذا أريد استعمل فيه ما يدل عليه من ذكر الأجل ، فهو معه حينئذ دالان ومدلولان ، ومع عدمه يبقى الأول على معناه ، ويحصل الدوام فيه من مجرد ثبوت النكاحية فيه وحينئذ فكلام المشهور والروايات مبنية على ذلك ، ولا ينافيها شي‌ء مما ذكروه من تبعية العقود للقصود ولا غيره ، فتأمل جيدا ، فإنه دقيق رشيق ، وكأن ما ذكره ابن إدريس مبنى على دعوى دخول الانقطاع في مفهوم لفظ « متعتك » وقد تقدم سابقا ما يبطله فلا فرق حينئذ بين الصيغ الثلاثة كما هو مقتضى النصوص التي في بعضها (١)

__________________

(١) المستدرك الباب ـ ١٤ ـ من أبواب المتعة الحديث ٢ والبحار ج ١٠٣ ص ٣٠٤ ط الحديث.

١٧٤

خصوص هذا اللفظ.

بل من ذلك يعلم فساد القول الرابع في المسألة ، وهو الفرق بين تعمد ترك الأجل وبين الجهل به ونسيانه ، فان كان الأول انعقد دائما وإلا بطل بدعوى ظهور تعمد الترك في إرادة الدوام ، بخلاف الأخيرين ، ضرورة أن ذلك بعد الإغضاء عما فيه من وجوه خارج عما نحن فيه فيما ( مما خ ل ) علم فيه إرادة المتعة ، ولكن لم يذكر الأجل ولو نسيانا أو حياء أو نحو ذلك.

كما أنه من الإحاطة مما ذكرناه يعلم ما في كلام جماعة من الأساطين الذين شددوا النكير على الأصحاب في صيرورة العقد دائما بعدم ذكر الأجل الذي قد عرفت وجهه.

نعم لا يبعد البطلان مع فرض قصد العاقد الانقطاع من نفس الصيغة وأن الأجل إنما يذكره كاشفا لما أراده من اللفظ ، ضرورة عدم قصد المطلق من النكاح حينئذ فلا مقتضى لصيرورته دائما ، كما لا وجه لصيرورته منقطعا ، لعدم ذكر الأجل فيه ، وقد عرفت أنه شرط في صحته ، ويمكن حمل مضمر سماعة السابق على ذلك ، والله العالم.

( و ) كيف كان فـ ( تقدير الأجل إليهما طال أو قصر كالسنة والشهر واليوم ) لإطلاق الأدلة الخالية عن تحديده قلة وكثرة ، بل صريح غير واحد منها التعليق على ما شاء من الأجل وتراضيا عليه مؤيدا ذلك بإطلاق الفتاوى على وجه يمكن دعوى الإجماع عليه ، وما عن ظاهر الوسيلة من تقدير الأقل بما بين طلوع الشمس والزوال محمول على المثال ، وإلا كان محجوجا بما عرفت.

نعم قد يناقش بما في المسالك (١) وكشف اللثام وغيرهما من جواز جعله الى وقت طويل يعلم عدم بقائهما إليه ، للإطلاق المزبور ، وعدم مانعية الموت إن لم يكن إجماعا بأن المنساق من النصوص الواردة في المشروعية وفي اعتبار الأجل فيها غير ذلك ، خصوصا بعد عدم جواز مثله في الإجارة المشبه بها المتعة ، ضرورة عدم القابلية‌

__________________

(١) هكذا في النسخة الأصلية والصحيح « ما في المسالك. ».

١٧٥

حينئذ للاستمتاع ، فلا وجه لإنشاء تملكه وتمليكه بالعوض ، بل هو حينئذ شبه المعاملة السفهية ، بل لا ريب في عدم مراعاة مثله في التوزيع ، لعدم تحقق حبس المنفعة فيه المقتضي للتوزيع الذي قد عرفته.

وكذا ما فيهما أيضا من جواز قتله إلى حد اللحظة المضبوطة ونحوها مما لا تسع للجماع ونحوه ، للإطلاق المزبور ، وعدم انحصار فائدة النكاح في الجماع وإن كان هو معظم المقصود منه ، بل من فوائده تحريم المصاهرة ونحوها.

ومنه يعلم جواز العقد متعة على الصغيرة التي لا يجوز وطؤها ، وللصغير الذي لا قابلية له للوطء بنحو ما سمعت من الشك في تناول الأدلة لمثل ذلك مما لا يسع تحقق ماهية الاستمتاع ، والعقد للصغير وعلى الصغيرة بعد فرض الأجل القابل لتحقق الاستمتاع كاف في الصحة وإن لم يكونا قابلين لوقوع ذلك ، ضرورة عدم اعتبارها بصغر أو مرض أو غيرهما فضلا عن عدم وقوعها ، إنما المراد اعتبار زمان يسع لتحقق ماهية الاستمتاع ، ولا ريب في أن الأحوط عدم الاكتفاء في جريان أحكام المصاهرة ونحوها بمثل هذا العقد ، كما هو واضح ، والله العالم.

( و ) على كل حال فـ ( لا بد أن يكون معينا محروسا من الزيادة والنقصان ) فلا يجوز أن يكون كليا ، كشهر من الشهور ويوم من الأيام وسنة من السنين ، ولا غير محروس من الزيادة والنقصان ، كقدوم الحاج وإدراك الثمرة ونحوهما مما يمكن فيه طول الزمان وقصره المؤدي إلى الجهالة عند المتعاقدين بلا خلاف أجده فيه ، بل الإجماع بقسميه عليه ، مضافا إلى التصريح في النصوص (١) المعتبرة باعتبار المعلومية والتسمية ، بل قد يدعى اعتبار معلومية الأجل في كل مقام يذكر فيه فضلا عن أن يكون شرطا وإن كان في العقود التي لا تقدح فيها الجهالة كالصلح ونحوه ، كما لا يخفى على من تتبع كلماتهم في سائر المقامات ، وإلى‌ خبر بكار بن‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ و ١٨ ـ و ٢٠ ـ و ٢٥ ـ من أبواب المتعة.

١٧٦

كردم (١) قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : « الرجل يلقى المرأة فيقول لها : زوجيني نفسك شهرا ولا يسمي الشهر بعينه ، ثم يمضي فيلقاها بعد سنين ، قال : فقال : له شهره إن كان سماه ، وإن لم يكن سماه فلا سبيل له عليها » ‌بل في مضمر زرارة (٢) أيضا عدم جوازه بالساعة والساعتين لأنه لا يوقف علي حدهما أي العرفية ، لا النجومية المعلوم انضباطها بسبب حركة الفلك وإن كان لا يعلم بالالة المعدة لذلك ، لعدم انضباطها واحتمال جريان عارض اختلالها إلا مع التعدد ونحوه مما يفيد الطمأنينة في كثير من الأحيان ، لكن عدم تيسر ذلك في غالب الأوقات لا يقدح في جواز التأجيل بها متمسكا بالاستصحاب حتى يعلم تحققها أو بالاحتياط فيما إذا لم يعلم بانقضائها ، هذا.

( و ) قد عرفت مما ذكرنا أنه ( لو اقتصر على بعض يوم جاز بشرط أن يقرنه بغاية معلومة كالزوال والغروب ) أو بمقدار معين كالنصف والثلث ونحوهما ، فيعملان حينئذ بما يعلمانه من ذلك مع اتفاقه ، وإلا رجعا فيه إلى أهل الخبرة به ، والظاهر اشتراط عدالة المخبر ، نعم في اشتراط العدد وجهان ، وإن اشتبه الحال لم يخف طريق الاحتياط وإن كان في تعيينه نظر من أصالة عدم انقضاء المدة إلا أن يعلم نحو ما سمعته في الساعة النجومية ، ولا يشترط ذكر وقت الابتداء في نحو ذلك مما هو محمول على الاتصال بالعقد ، فهو حينئذ أوله كيفما اتفق ، ويغتفر الجهل بمقدار ما بقي من النهار أو الزوال أو الثلث أو النصف مثلا ، كما يغتفر اعتبار زيادة الشهر ونقصانه حيث يجعلانه شهرا مثلا بلا خلاف ولا إشكال في شي‌ء من ذلك.

( و ) إنما الكلام في أنه ( يجوز أن يعين شهرا ) مثلا ( متصلا بالعقد أو متأخرا عنه ) بمدة طويلة أو قصيرة أو لا يجوز إلا المتصل؟ صريح الفاضل وجماعة ممن تأخر عنه الجواز ، بل نسبه غير واحد إلى ظاهر الأكثر لا طلاق الأدلة وعمومها ،

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب المتعة الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب المتعة الحديث ٢.

١٧٧

وخصوص خبر بكار (١) المنجبر بما سمعت ، والتشبيه بالإجارة التي يجب الخروج بها عن أصالة بقاء البضع على الحرمة ، وقاعدة الاحتياط في الفروج التي لا يجب مراعاتها أولا وعدم تماميتها في القول بالبطلان ثانيا ، وقاعدة توقيفية الوظائف الشرعية ، وقاعدة ترتب آثار العقد بمجرد وقوعه الممنوعة هنا ، ضرورة أن أثر العقد أن يجري أحكام المتعة في المدة المسماة متصلة أو منفصلة ، كمنع دعوى منافاة ذلك للتنجيز ، ضرورة عدم اشتراط العقد بذلك ، وإنما الاستمتاع مشروط بإتيان الوقت المضروب ، كما يستأجر الرجل للحج من قابل ، بل ومنع لزوم جواز التمتع بها لغيره في البين ، لصدق كونها ذات بعل ، وإلا فلا دليل على بطلان اللازم ، فلا بأس حينئذ بالتزامه ، كما استظهره الكركي وغيره.

ولكن الانصاف مع ذلك وفي النفس من أصل جواز ذلك شي‌ء ، للشك في تناول ما عثرنا عليه من نصوص المقام ، بل لعل ما تسمعه فيما يأتي من عدم جواز عقد الزوج عليها فضلا عن غيره قبل انقضاء أجله بأجل آخر أو مهر كذلك في النص (٢) والفتوى مؤيدا لذلك (٣) ضرورة أولويته بجواز المنفصل ، اللهم إلا أن يقال : إن المانع هناك الجمع بين الأجلين كما يومئ اليه تعليل الفساد في بعض نصوصه (٤) أنهما شرطان في شرط ، فلا حظ وتأمل ، لكن ستعرف هناك ما يدفع هذا الاحتمال.

ومنه يعلم وجه تأييده لما قلناه من ظهور الاتصال من الأدلة له ، بل لعل‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب المتعة الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب المتعة الحديث ٦ و ٧ و ٨ والباب ـ ٢٤ ـ منها.

(٣) هكذا في النسخة الأصلية المبيضة والصحيح « مؤيد لذلك » كما هو كذلك في المسودة التي هي بخط المصنف طاب ثراه فإنه خبر « لعل » في قوله‌ : « بل لعل ما تسمعه ».

(٤) الوسائل الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب المتعة الحديث ١.

١٧٨

ما ورد منها بلفظة « إلى أجل » نحو « ( فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ ) إلى أجل » (١) وشبهه ظاهر في اعتبار اتصال الأجل وأنه المراد من النكاح المنقطع في مقابلة الدائم ، بمعنى أن غيره يبقى على دوامه والمتعة يقطع فيها الدوام ، ومع فرض ظهور الأدلة في ذلك لا وجه للتمسك بالإطلاقات والعمومات ، والخبر المزبور فاقد شرط الحجية ، ولعله لذا قيل بالبطلان للوجوه المزبورة.

بل يمكن دعوى عدم ظهور عبارات الأكثر في الجواز بناء على انصراف ما ذكروه من اعتبار الأجل فيها إلى ما هو المنساق منه ، أي المتصل به ، بل لعل إغفال النصوص والفتاوى عدم تعيين المبدأ مبني على اعتبار الاتصال وإلا لذكروه ، كما ذكروا تعيين الغاية ، بل لعل الانسياق المزبور أشد من انسياق الاتصال فيما لو ذكر الأجل المطلق في متن العقد الذي ستعرف كونه من المسلمات عندهم.

نعم قد يقال بالصحة بناء على تحقق الزوجية بالعقد على وجه يحصل بها حرمة المصاهرة وغيره من استحقاق المهر بالموت وغيره ، ويكون الأجل المتأخر حينئذ إنما هو لتأخير نفس الاستمتاع بناء على صحة مثل هذا الشرط لعموم‌ « المؤمنون » (٢) ‌بل يمكن حمل خبر بكار (٣) عليه ولعل من منع من جواز تزويجها في البين ناظر إلى ذلك ، فيكون موافقا ، بل يمكن تنزيل كلام الجميع على ذلك إلا من صرح بجواز تزويجها في البين ، فإنه حينئذ يكون صريحا في تأخر وصف الزوجية بتأخر الأجل.

وفيه ما عرفت ، بل لم نتحقق القائل به ، قال في القواعد : « لو عقد على امرأة على مدة متأخرة لم يكن لها النكاح فيما بينهما ولا له أن ينكح أختها وإن وقت‌

__________________

(١) سورة النساء : ٤ ـ الآية ٢٤ ولم يذكر في الآية الكريمة « إلى أجل » وانما ذكر في بعض الروايات أنه من الآية الكريمة وفي بعضها أنه من قراءة ابن عباس كما في الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب المتعة الحديث ١٣ و ٣ و ١٩.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب المهور الحديث ٤.

(٣) الوسائل الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب المتعة الحديث ١.

١٧٩

المدة بالأجل والعدة » ونحوه المحكي عن ابن إدريس والمصنف في النكت ، وقال فيها أيضا : « لو مات أي الزوج فيما بينهما احتمل بطلان العقد رأسا ، فلا مهر لها ولا عدة ولا ميراث إن أوجبناه مطلقا أو مع الشرط ، وعدمه فيثبت النقيض ».

وفيه أن المتجه بناء على ما عرفت البطلان من حينه فيترتب عليه الأثر حينئذ حتى المهر وإن قال في كشف اللثام : « إن في ترتبه نظرا ظاهرا » لكنه في غير محله ، ضرورة كونها حينئذ زوجة ولكن مات زوجها قبل حصول شرط الاستمتاع ، فالاستمرار انقطع بالموت ، لا أنه انكشف من أول الأمر أنها ليست زوجة ، لما عرفت من بطلان ذلك ، وربما تسمع لذلك مزيد تحقيق إنشاء الله. وعلى كل حال فلا ريب في أن الاحتياط عدم إيقاع مثل هذا العقد وإجراء الأحكام عليه ، كما هو واضح ، والله العالم.

( و ) كيف كان فـ ( لو أطلق ) بأن قالت : « زوجتك نفسي إلى شهر » مثلا ( اقتضى ) الإطلاق ( الاتصال بالعقد ) لدلالة العرف وأصالة الصحة ، كما في الإجارة وغيرها ، وظهور خبر بكار (١) في ذلك ، لأن الفرض وقوع المطالبة بشهرة بعد مضي الشهر ، إذ لولا الحكم بالاتصال لبقي الشهر في ذمتها ، اللهم إلا أن يجعل نفي السبيل فيه كناية عن بطلان العقد ، لاستلزامه نفي السبيل أيضا ، لكنه كما ترى ، فما عن ابن إدريس من البطلان للجهل بالأجل باعتبار احتماله الاتصال والانفصال واضح الضعف بعد ما عرفت من دلالة العرف على الاتصال ، نحو التأجيل بالخميس وربيع ونحوهما مما يحمل على الأقرب فيه أيضا على الأقرب إليه منهما.

( و ) حينئذ فـ ( لو تركها حتى انقضى قدر الأجل المسمى ) الذي حكمنا باتصاله حال إطلاقه ( خرجت من عقده واستقر لها الأجر ) كغيرها مما صرح فيها بالأجل المخصوص وتركها فيه ، نعم استقرار تمام الأجر مبني على ما ستعرفه من اعتبار هبة المدة قبل الدخول في التنصيف ، لا مطلق الفرقة قبله ولو بانقضاء الأجل مع تقصيره في الاستيفاء ، وعلى كل حال فليس له مطالبتها بعد انقضائه‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب المتعة الحديث ١.

١٨٠