جواهر الكلام - ج ٣٠

الشيخ محمّد حسن النّجفي

من الآية (١) وهو إيهام المقصود بما لا يوضع له حقيقة ولا مجازا ولا لازما بخلاف الكناية المفهمة للمراد بذكر اللوازم.

( وصورة التعريض أن يقول : رب راغب فيك أو حريص عليك ) وإن الله لسائق إليك خيرا وإنك لجميلة ( وما أشبهه ) من الأقوال ( والتصريح أن يخاطبها بما لا يحتمل إلا النكاح ، مثل أن يقول إذا انقضت عدتك تزوجتك ) ونحو ذلك ، لكن لا يخفى عليك احتياج دلالة الآية (٢) على هذه التفاصيل إلى شي‌ء آخر من إجماع ونحوه ، خصوصا بعد خلو النصوص الواردة فيها عن ذلك ، ففي الحسن أو الصحيح (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « سألته عن قول الله عز وجل (٤) ( وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلاّ أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً ) ، قال : هو الرجل يقول للمرأة قبل أن ينقضي عدتها أواعدك بيت آل فلان ، ليعرض لها بالخطبة ، ويعني بقوله ( إِلاّ أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً ) ، التعريض بالخطبة ، ولا يعزم عقدة النكاح ( حَتّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ ) » ‌وخبر عبد الله بن سنان (٥) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عز وجل (٦) : ( لا تُواعِدُوهُنَّ ) ـ إلى آخرها ـ فقال : السر أن يقول الرجل ، موعدك بيت آل فلان ثم يطلب إليها أن لا تسبقه بنفسها إذا انقضت عدتها ، فقلت : فقوله ( إِلاّ أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً ) ، قال : هو طلب الحلال في غير أن يعزم عقدة النكاح قبل أن يبلغ الكتاب أجله » ‌وخبر أبي حمزة (٧) « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن قول الله عز وجل (٨) ( لا تُواعِدُوهُنَّ ) ـ إلى آخرها ـ قال : يقول الرجل : أواعدك بيت آل فلان ، يعرض لها بالرفث ويرفث يقول الله عز وجل ( إِلاّ أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً ) ، والقول المعروف‌

__________________

(١ و ٢ و ٤) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٣٥.

(٣) الوسائل الباب ـ ٣٧ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٢.

(٥) الوسائل الباب ـ ٣٧ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ١.

(٦ و ٨) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٣٥.

(٧) الوسائل الباب ـ ٣٧ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٣ عن على بن أبي حمزة.

١٢١

التعريض بالخطبة على وجهها وحلها ، ( وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ حَتّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ ) » ‌وخبر البصري (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في قول الله عز وجل ( إِلاّ أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً ) ، قال : تلقاها فتقول : إنى فيك لراغب ، وإني للنساء لمكرم فلا تسبقيني بنفسك ، والسر لا يخلو معها حيث وعدها ».

ضرورة كون المراد من هذه النصوص تفسير المواعدة المنهي عنها والمتضمنة للقول المعروف المرخص فيها ، وآخر الأخيرة تفسير للسر المنهي عن مواعدته ، أعني الخلوة بها ، وإنما قال : « لا يخلو » لأن النهي راجع للخلوة إلا للتعريض للخطبة على وجهها وحلها ، وكانوا يعرضون للخطبة في السر بما يستهجن ، فنهوا عن ذلك ، كما يستفاد من رواية أبي حمزة ، و‌في رواية العياشي عن الصادق عليه‌السلام (٢) في هذه الآية « المرأة في عدتها تقول لها قولا جميلا ترغبها في نفسك ، ولا تقول : أصنع كذا وأصنع كذا ، القبيح من الأمر في البضع وكل أمر قبيح ».

وهي جميعا كما ترى لا دلالة فيها على ما سمعته من الأصحاب ، بل قد يقال : استعمال التعريض في المعنى المخصوص الذي ذكروه شي‌ء حادث ، لا أن ذلك معناه لغة ، فان لم يكن إجماع أمكن أن يقال : إن المراد ولو بمعونة الأخبار المزبورة نفي الجناح عن التعريض بالخطبة بما لم يستهجن ويعد من الفحش ومناف للحياء ونحو ذلك ، وإن كان تصريح اللفظ مثل ما سمعته عن الصادق عليه‌السلام في تفسير القول المعروف ، ومثل‌ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لفاطمة بنت قيس (٣) « إذا حللت فآذنيني ولا تفوتينا نفسك » ‌بخلاف الألفاظ المستهجنة التي كانوا يستعملونها في الخطبة ، من ذكر الجماع وكثرته ونحو ذلك ، على أن يكون المراد بالمواعدة سرا نحو ذلك ، وعبر عنه بالسر لأنه مما يسر به ، قال امرئ القيس :

ألا زعمت بسباسة اليوم أنني

كبير وأن لا يشهد السر أمثالي

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٣٧ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٥ و ٦.

(٣) سنن البيهقي ج ٧ ص ١٧٨.

١٢٢

وقال الفرزدق :

موانع للإسرار إلا من أهلها

ويخلفن ما ظن الغيور التقشف

يعني أنهن عفائف يمنعن الجماع إلا من أزواجهن ، وحينئذ يكون السر مفعولا به ، وهو المنهي عنه ، بخلاف القول المعروف ، فالتصريح المنهي عنه في مقابل التعريض هذا ، لا التصريح بالنكاح على سنة الله وسنة رسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

أو يقال : إن المراد بالمواعدة سرا الخلوة بها إلا للقول المعروف ، لا للمفاكهة والتلذذ بها ، وإرادة القبيح بهن كما حكاه‌ الرازي في تفسيره ، قال : « روى الحسن (١) أنه كان الرجل يدخل على المرأة وهو يعرض بالنكاح ، فيقول لها دعينى أجامعك فإذا تممت عدتك أظهرت نكاحك ».

وحاصل الآية حينئذ أنه لا جناح عليكم في خطبة النساء أي طلبهن للنكاح وذكرهن لذلك وفيما أكننتم في أنفسكم من ذلك ، لأن الله قد علم أنكم لا بد وإن تذكروهن في أنفسكم وفي ألسنتكم ، فرؤوف بكم ونفي الجناح عنكم في ذلك كله ، وإذن لكم في ذكرهن للنكاح وخطبتهن ، ولو كن في عدة وفاة أو غيرها من عدة البائن فاذكروهن واخطبوهن ، ولكن لا تخطبوهن بأن تواعدوهن سرا أي جماعا ونحوه من الأشياء المستهجنة أو تواعدوهن خلوة إلا للقول بالمعروف لا لغيره ، وبذلك ظهر لك وجه الاستثناء متصلا ومنقطعا ، بل وجه الاستدراك ، وأما ما سمعته من الأصحاب من الفرق بين التعريض والتصريح فيصعب استفادته تماما منها إلا بمعونة إجماعهم ، والله العالم.

( و ) كيف كان فـ ( لو صرح ) بالخطبة ( في موضع المنع ) منه ( ثم انقضت العدة فنكحها لم تحرم ) قطعا وإجماعا بقسميه ، للأصل والعمومات بعد معلومية عدم اقتضاء الإثم في ذلك حرمة النكاح ، كما هو واضح. ولعله نبه عليه لخلاف بعض العامة.

__________________

(١) تفسير الرازي ج ٦ ص ١٤٢ ـ الطبعة الاولي.

١٢٣

المسألة ( الرابعة )

( إذا خطب ) منها ( فأجابت ) ولو بالسكوت الدال على ذلك أو من وليها الشرعي فأجاب ( قيل ) والقائل الشيخ في بعض كتبه : ( حرم على غيره خطبتها ) لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) « لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه » ‌وحرمة الدخول في سوم المؤمن الذي منه ذلك ، بقرينة‌ قوله عليه‌السلام (٢) « انه مستام يأخذ بأغلى ثمن » ‌ولوجوب الإجابة عليها ، ولما فيه من إيذاء المؤمن واثارة الشحناء ، وفيه منع صحة الخبر المزبور وكونه مستاما حقيقة وحرمة الدخول في السوم ولزوم إجابة كفو المنع من اجابة آخر خصوصا إذا رجح على الأول ولو بزيادة ركونها إليه مع كون الأمر بيدها ، فأصالة الجواز حينئذ سالمة عن المعارض ( و ) على تقدير الحرمة ( لو ) أثم وخطب و ( تزوج ذلك الغير كان العقد صحيحا ) قطعا ، للأصل والعمومات ، وعدم اقتضاء الإثم في ذلك الفساد في العقد الذي لم يتعلق به نهى ، وهو واضح ، كما أنه على ذلك التقدير أيضا لا يحرم خطبة المسلم على الذمي ، ضرورة عدم الأخوة بينهما ، كما هو واضح ، والأمر سهل.

المسألة ( الخامسة )

( إذا تزوجت المطلقة ثلاثا ، فلو شرطت في العقد ) على المحلل ( أنه إذا حللها فلا نكاح بينهما ) بمعنى ارتفاعه بنفسه بعد حصول ما يتحقق به التحليل ( بطل العقد ) لأنه ليس من حقيقة النكاح في شي‌ء ، لا من الدائم ولا من المنقطع ، فإنه نكاح منقطع بالإصابة ، وليس ذلك بنكاح شرعي ، وعن المبسوط الإجماع عليه ، بل‌ عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٣)

__________________

(١ و ٣) سنن البيهقي ج ٧ ص ١٧٩ ـ ٢٠٨.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣٦ ـ من أبواب مقدمات النكاح الحديث ٨ و ١.

١٢٤

« لعن المحلل والمحلل له » ‌وتسميته التيس المستعار ، وإن كان الظاهر إرادة كراهة الفرد الصحيح منه ، لا ما نحن فيه الذي قد عرفت فساد العقد فيه.

هذا ( و ) لكن ( ربما قيل ) بصحة العقد في الفرض ، و ( يلغو الشرط ) بل نسب إلى الشيخ ولم نتحققه ، نعم في المسالك « هو بابن إدريس أنسب ، لأنه صرح في غير موضع من النكاح وغيره أن فساد الشرط لا يفسد العقد ، محتجا عليه بعموم ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (١) ولأنهما شيئان كل منهما منفك عن الأخر ، فلم يلزم من بطلان أحدهما بطلان الأخر ـ ورده ـ بأن المراد من الوفاء بالعقد العمل بمقتضاه من صحة وبطلان ، سلمنا أن المراد به العمل بمضمونه لكنه مشروط بوقوعه صحيحا بالتراضي ، ولم يحصل هنا ، وانفكاك العقد عن الشرط في نفسه مسلم لكنه في العقد المخصوص مرتبط به ، لأن التراضي انما وقع كذلك ».

قلت : قد عرفت في كتاب البيع تمام البحث في ذلك ، إلا أن الظاهر عدم التزامه بما هو نحو المقام مما كان الشرط فيه راجعا إلى نقض العقد وإلى عدم قصد معنى النكاح المعتبر شرعا ، اللهم إلا أن يقال بعد مشروعية الانقطاع في النكاح لم يفسد بقصده فيه ، على أن المقصود هنا النكاح الدائم واشتراط ارتفاعه بما يؤكد كون المراد ذلك ، ولكن أراد ارتفاعه بالشرط ، فيبتني حينئذ على مسألة اقتضاء فساد الشرط فساد العقد وعدمه ، إذ لا كلام في فساد الشرط هنا ، لمخالفته ما دل من الكتاب والسنة على عدم ارتفاع النكاح إلا بالطلاق ، ودعوى شرعيته (٢) شرط كل نتيجة مشروعة بسببها ـ فيقوم هو حينئذ مقام كل سبب يقتضي ذلك من غير فرق بين النكاح والطلاق والعتق وبين غيرها ـ واضحة الفساد بعدم دليل يقتضي ذلك كما أوضحناه في محله.

( و ) على كل حال فـ ( لو ) شرطت الطلاق على المحلل مثلا ( قيل ) والقائل الشيخ في محكي الخلاف والمبسوط : ( يصح النكاح ويبطل الشرط ) بل‌

__________________

(١) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ١.

(٢) هكذا في النسخة الأصلية.

١٢٥

لعله لازم لابن إدريس وغيره ممن لا يرى بطلان العقد ببطلان الشرط ، والمراد ببطلانه عدم لزوم الوفاء به ، وظاهرهم المفروغية من بطلان الشرط ، بل في المسالك انه متفق عليه ، ولو لا ذلك لأمكن المناقشة فيه بأن مقتضى عموم‌ « المؤمنون » (١) ‌وغيره الصحة نحو البيع المشترط فبه الإقالة ، وليس اشتراط ذلك منافيا لقصد النكاح ، بل ولا لدوامه كما أنه ليس اشتراط ما يحصل به الفسخ اشتراطا للفسخ حتى يكون نحو الأول ، اللهم إلا أن يقال : إن اشتراط الطلاق يرشد إلى عدم قصد النكاح الدائم ، بل المنقطع لا على الوجه المعتبر فيفسد ، لكنه كما ترى. ويمكن أن يكون نسبة ذلك إلى القيل هنا والقواعد إشارة إلى ما ذكرناه من احتمال الصحة ، فيهما ، ويمكن أن يكون ذلك لاختيارهما اقتضاء بطلان الشرط بطلان العقد ، وفيه أنه مناف لجزمهما بالبطلان في الأول دونه.

وفي كشف اللثام أن الداخل في حيز القيل المؤمأ إلى تمريضه قول القائل بعد ذلك ( وإن دخل فلها مهر المثل ) باعتبار بطلان الشرط الذي له قسط من المهر ، لأنها إنما رضيت به لأجل الشرط ، فإذا سقط زيد على المسمى مقدار ما نقص لأجله ، وهو مجهول ، فتطرق حينئذ الجهل إليه ، ويبطل بذلك ، فترجع إلى مهر المثل ، وإلا فالوجه أن العقد صحيح قولا واحدا ، فان الخلاف إنما هو فيما إذا اقترن بشرط فاسد ، وقد عرفت أنه غير لازم لا فاسد كالأول.

قلت : قد صرح ببطلان العقد في جامع المقاصد والمسالك ، وأنه من مسألة اقتضاء بطلان الشرط بطلان العقد ، وهو كذلك كما لا يخفى على من لا حظ تلك المسألة وأدلتها التي لم يفرق فيما بين الشرائط حتى مثل هذا الشرط الذي ثبت بطلانه بالإجماع المحكي وإن كان مقتضى العمومات صحته ، فظهر حينئذ من ذلك أنه لا وجه لصرف القيل إلى ما ذكره ، على أنه لا وجه للنظر في الرجوع إلى مهر المثل ، اللهم إلا أن يقال : إن بطلان الشرط لا يقتضي ذلك ، فإنه ليس جزءا‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب المهور الحديث ٤.

١٢٦

للمسمى ، ولو سلم مدخليته فلا أقل من أن يسلط على الخيار في المسمى ، لا أنه يبطله ويحقق مهر المثل ، وكيف كان فعلي القول ببطلان العقد ببطلان الشرط يجب بالدخول مهر المثل مع جهلها بالتحريم ، وإلا فلا مهر لبغي ، هذا كله فيما إذا صرح بالشرط في العقد سواء كان الطلاق أو ارتفاع النكاح.

( أما لو لم يصرح بالشرط في العقد وكان ذلك ) إلى الطلاق أو ارتفاع النكاح ( في نيته أو نية الزوجة أو الولي لم يفسد ) شي‌ء من العقد ولا من المهر بلا خلاف أجده فيه ، بل في كشف اللثام لعله موضع وفاق ، بل في المسالك هو كذلك ، وهو الحجة مضافا إلى العمومات ، لكنه مكروه كما عن المبسوط والخلاف ، نعم في كشف اللثام لا بد من أن يكونا استعملا النكاح في حقيقته لكنهما يظنان أنه يرتفع بالتحلل أو ينويان إيقاعه بعده ، فلو أدخلاهما أو أحدهما في معنى النكاح لم يصح الأول ، لما عرفت من خروجه عن حقيقة النكاح ، وربما احتمل الثاني الفساد على قياس ما مر في اشتراط الطلاق ، قلت : وكذا لو كان من نيتهما الاشتراط على وجه أوقعا العقد عليه وإن لم يذكراه في متنه ، فإنه يأتي فيه البحث في أن الشرط المضمر كالمذكور أولا ، ولعل الأول لا يخلو من قوة ، ومن ذلك يعلم أن اسم الإشارة ونحوه في المتن وغيره راجع إلى الارتفاع أو الطلاق لا على جهة الاشتراط وإن كان اللفظ قد يوهم ذلك ، بل ربما أو همه عبارة المسالك ، لكن التحقيق ما عرفت.

( و ) على كل حال فاعلم أن ( كل موضع قيل ) فيه ( يصح العقد فمع الدخول ) الذي يحصل به التحليل ( تحل ) الامرأة ( للمطلق ) الأول ( مع الفرقة وانقضاء العدة ) بلا خلاف ولا إشكال ، لحصول الشرط ( وكل موضع قيل ) فيه ( يفسد ) العقد ( لا تحل ) وإن دخل بها شبهة ( لأنه لا يكفى الوطء ) في التحليل ( ما لم يكن عن عقد صحيح ) بلا خلاف ولا إشكال أيضا ، وبذلك تظهر الثمرة فيما سمعته سابقا من القول بفساد الشرط والعقد والقول بفساد الشرط خاصة ، ضرورة عدم حصول التحليل بالأول وإن حصل الوطء شبهة ، بخلافه على الثاني ،

١٢٧

فإنه يحصل التحليل ، لكون المفروض صحة العقد ، وهو مع الدخول كاف وإن فسد المسمى ، كما هو واضح ، والله العالم.

المسألة ( السادسة )

( نكاح الشغار ) بكسر الشين وفتحها والغين المعجمتين محرم و ( باطل ) عندنا ، بل الإجماع بقسميه عليه ، بل لعل المحكي منهما متواتر ، مضافا إلى‌ النبوي (١) « لا شغار في الإسلام » ‌وفي‌ خبر آخر « أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عنه (٢) ‌فما عن أبي حنيفة وجماعة من صحته وبطلان المهر خاصة اجتهاد في مقابلة النص والإجماع ، والظاهر أن الإضافة فيه بيانية من باب اضافة العام إلى الخاص ، قال في الصحاح : « الشغار بكسر الشين نكاح كان في الجاهلية ، وهو أن يقول الرجل لاخر : زوجني ابنتك أو أختك على أن أزوجك أختي أو ابنتي على أن صداق كل واحدة منهما بضع الأخرى كأنهما رفعا المهر وأخليا البضع عنه » وإن كان تفسيره بما سمعت كما عن المجمع جريا على طريقة أهل الأدب في تعريف الأشياء ببعض لوازمها ، بل ربما وقع ذلك في بعض الأخبار أيضا كمرفوع ابن جمهور عن أبى عبد الله عليه‌السلام (٣) قال : « نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن نكاح الشغار وهي الممانحة ، وهو أن يقول الرجل للرجل : زوجني ابنتك حتى أزوجك ابنتي على أن لا مهر بيننا ».

( و ) لكن من المعلوم أن الشغار ليس هذا القول ، بل ( هو أن يتزوج امرأتان برجلين على أن يكون مهر كل واحدة نكاح الأخرى ) بمعنى العقد‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب عقد النكاح الحديث ٢ وسنن البيهقي ج ٧ ص ٢٠٠.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب عقد النكاح الحديث ٣ وسنن البيهقي ج ٧ ص ٢٠٠.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب عقد النكاح الحديث ٣.

١٢٨

المشتمل على ذلك ، قال الصادق عليه‌السلام في خبر غياث بن إبراهيم (١) قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لا جلب ولا جنب ولا شغار في الإسلام ، والشغار أن يزوج الرجل ابنته أو أخته ويتزوج هو ابنة المزوج أو أخته ولا يكون بينهما مهر غير تزويج هذا من هذا وهذا من هذا » ‌بل هو المراد من‌ قول أبى جعفر عليه‌السلام في مرسلة ابن بكير (٢) عن أبى عبد الله عليه‌السلام أو أبي جعفر عليه‌السلام « نهى عن نكاح المرأتين ليس لواحدة منهما صداق إلا بضع صاحبتها وقال عليه‌السلام : لا يحل أن ينكح واحدة منهما إلا بصداق أو نكاح المسلمين » ‌وفي محكي القاموس « الشغار بالكسر أن تزوج الرجل امرأة على أن يزوجك أخرى بغير مهر ، صداق كل واحدة بضع الأخرى أو يخص به القرائب » بل المحكي عن الفقهاء أجمع أنهم يأخذون في تعريفه العقد ، وفي القواعد « هو جعل نكاح امرأة مهر اخرى ، فيبطل نكاح الممهورة ، ولو دار بطلا » وفي كشف اللثام في تفسيرها « هو جعل نكاح امرأة أي بعضها ، وهو الاستمتاع بها ، فالنكاح بمعنى الوطء ، مهر اخرى ، فيبطل نكاح الممهورة ، للزوم تشريك البضع بين كونه للزوج وكونه مهرا للزوجة ، مع أن البضع لا يصلح أن يكون مهرا ، وقيل بلزوم تعليق النكاح ، ولو دار الأمر بأن يجعل بضع كل مهرا للأخرى بطلا ، وفي أكثر الأخبار الاقتصار في تفسيره على الأخر المشتمل على الدور ».

وفيه أنه لا داعي إلى اعتبار النكاح بمعنى الوطء مهرا فيه ، بل قد سمعت ما يقتضي كون الشغار جعل العقد فيه على امرأة مهرا في العقد على اخرى ، نعم وقع في جملة من العبارات في أثناء البحث ذكر البضع مهرا ، لكن من المعلوم عدم كون المراد اعتبار ذكر نفس البضع فيه مهرا على وجه يقول : « زوجتك بنتي ببضع بنتك » والأخر كذلك ، ضرورة منافاته لما سمعته من النص والفتوى ومعاقد الإجماعات ، بل تعليل الفساد بأنه اشتراط عقد في عقد وغير ذلك ، بل المراد أن البضع هو المهر في الواقع باعتبار كونه هو نتيجة العقد وثمرته.

ومن ذلك يعلم ما في ضابطه الذي جعله في آخر المبحث قال : « والضابط أن‌

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب عقد النكاح الحديث ٢ ـ ١.

١٢٩

كل نكاح جعل البضع فيه مهرا أو جزءه أو شرطه فهو باطل ، وإن جعل النكاح مهرا أو جزءه أو شرطه في نكاح بطل المسمى دون النكاح ، وإن جعل شرطا في النكاح فان علق به بطل قطعا وإلا فالظاهر فساد الشرط ، ويحتمل فساد المشروط أيضا » اللهم إلا أن يريد في الثاني النكاح بمهر أو تفويض مثبت لمهر المثل ، لا أن المراد عدم تحقق الشغار بقصد كون النكاح مهرا في النكاح ، وأنه لا مهر بينهما إلا هذا ، وإلا كان مخالفا لصريح ما سمعته من النص وغيره.

وأما قوله : « مهرا أو جزء مهر أو شرطه » فقد تبع فيه الفاضل في القواعد قال فيها : « لا فرق أي في تحقق الشغار بين أن يكون البضع مهرا أو جزءه ، فلو قال :

زوجتك بنتي على أن تزوجني بنتك ويكون بضع كل واحدة مع عشرة دراهم صداقا للأخرى بطل ، أي إذا زوج المخاطب بنته كذلك ، وهو مع أنه لم يذكر الشرط فيها يمكن منع تحقق الشغار بذلك ، لما سمعته من اعتبار عدم مهر غير نكاح كل منهما في النصوص الثلاثة (١) والصحاح والقاموس ، بل لم أعرف من صرح بذلك قبله سوى ما في الإسعاد شرح الإرشاد ، لبعض العامة ، فإنه قال : « ويدخل تحت قوله في المتن : واصداق كل بضع الأخرى ما إذا ضم إلى البضع مال في الجانبين أو في أحدهما كان يزوج ابنته من آخر بشرط أن يزوجه الأخر ابنته ومهر كل منهما ألف وبضع الأخرى أو وبضع كل منهما مهر الأخرى مع اشتراط ألف لأحدهما ، وأظهر القولين فيه البطلان ».

وظاهره الخلاف في ذلك ، ولعل عدم كونه شغارا لا يخلو من قوة لما عرفت ، بل لولا ما يظهر من الأصحاب من عدم اعتبار الدورية فيه لأمكن اعتبارها فيه ، فلا شغار حينئذ مع عدم الدور ، لكونه اسما لنكاح الامرأتين على الوجه المزبور ، لا أنه للنكاح الذي يكون المهر فيه نكاح المرأة الأخرى ولو بمهر غير نكاح الأولى كي يتحقق حينئذ في واحدة دون الثانية ، بل قد يقال انه متى جعل النكاح مهرا لزمه العكس ، ضرورة كون المهر في النكاح كالعوض في غيره ، ولا ريب في‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب عقد النكاح الحديث ١ و ٢ و ٣.

١٣٠

أن معنى المعاوضة لا يتحقق في طرف دون الأخر ، فالمراد بالشغار حينئذ النكاح الذي يكون عوضه نكاح ، فيكون الدور لازما له لكن ظاهر ما تسمعه من المصنف وغيره المفروغية من ذلك ، ولعل مثله كاف في إثبات موضوع اللفظ إن كان ذلك منهم على وجه النقل وإلا كان للنظر فيه مجال ، خصوصا مع ملاحظة قاعدة الاقتصار على المتيقن فيما خالف القواعد ، وما ورد في تفسيره في النصوص (١) السابقة والصحاح والقاموس وغيرها ، نعم قد يشعر ذيل مرسلة ابن بكير (٢) بتحققه في طرف واحد فتأمل جيدا ، وعلى كل حال فالمحرم منه والفاسد ما عرفت.

( أما لو زوج الوليان ) مثلا ( كل منهما صاحبه وشرط لكل واحدة مهرا معلوما فإنه يصح ) قطعا بلا خلاف ولا إشكال فيه ، لعدم كونه من الشغار ، وإن كان الداعي لكل منهما تزويجه الأخر بل لو لم يذكرا مهرا صح النكاح أيضا ، وكانتا مفوضتين بعد فرض عدم قصد إمهار كل منهما نكاح الأخرى في متن العقد ولا في التواطؤ بناء على أنه كالمذكور فيه ، لا طلاق ما سمعته في تفسيره.

( ولو زوج أحدهما ) أو كل منهما ( الأخر ) تفويضا أو بمهر معلوم ( وشرط أن يزوجه الأخرى بمهر معلوم صح العقدان ) للعمومات ( وبطل المهر ) المسمى ( لأنه شرط مع المهر تزويجا وهو ) أي التزويج ( غير لازم ) خصوصا وقد اشترط على غير الزوجة ، فلا يلزمها الوفاء ، ويلزم من عدم لزومه عدم لزوم المشروط ( والنكاح لا يدخله الخيار ) فلا يجوز أن يجعل شرطا له ، وإلا لزم الخيار فيه إذا لم يتحقق الشرط ، فلا بد من أن يكون شرطا للمسمى ويلزم منه أن يكون جزء منه ، كما أن الأجل جزء من الثمن أو المثمن وهو أمر مجهول فيوجب جهل المسمى ( فـ ) يبطل ، و ( يكون لها مهر المثل ) كما هو الضابط في كل مهر فاسد.

( وفيه تردد ) من أنه شرط فاسد اشتمل عليه العقد ، فينبغي أن يفسد ، ولا يجدي الضم إلى المهر ، فإنه لا يخرجه عن الاشتراط في العقد ، أو أنه لا يلزم من‌

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب عقد النكاح الحديث ـ ١.

١٣١

عدم قبول النكاح للشرط أن لا يشترطه العاقد ، فينبغي التفصيل بأنه إن شرط به النكاح بطل ، وإن شرط به المهر بطل المهر دونه ، أو من أنه شرط سائغ يمكن الوفاء به إذا كان الزوج كفوا وكان للولي قهر المولى عليها على النكاح أو رضيت المولى عليها ، وجواز الشرط لا يوجب جواز المشروط ، بل لزوم المشروط يوجب لزوم الشرط ، أو منع أن فساد الشرط يوجب فساد المشروط ، فلا يفسد المهر إن شرط فيه ، ولا النكاح إن شرط ، أو منع صحة العقد لتحقق الشغارية فيه باشتراط التزويج الذي هو جزء من المهر بناء على ما عرفت من عدم الفرق فيه بين كون التزويج مهرا أو جزء مهر أو كالجزء ( وكذلك ) الكلام فيما ( لو زوجه وشرط أن ينكحه الزوج فلانة ولم يذكر مهرا ) ضرورة عدم الفرق فيما سمعت بين اشتراط التزويج مع ذكر المهر وعدمه ، كما هو واضح.

( تفريع : )

( لو قال : « زوجتك بنتي على أن تزوجني بنتك على أن يكون نكاح بنتي مهرا لبنتك » صح نكاح بنته ) التي لم يجعل نكاح بنت المخاطب مهرا لها ، فلا شغار بالنسبة إليها ( وبطل نكاح بنت المخاطب ) إذا زوجها كذلك ، لتحقق الشغار بالنسبة إليها ( ولو قال : « على أن يكون نكاح بنتك مهرا لبنتي » بطل نكاح بنته ) لتحقق الشغار بالنسبة إليها ( وصح نكاح بنت المخاطب ) التي لم يجعل مهرها نكاح بنت القائل ، فلا شغار كما هو واضح بناء على عدم اعتبار الدورية في الشغار الذي قد عرفت المناقشة فيه ، خصوصا بعد عدم العثور عليه من قدماء الأصحاب وغيرهم من العامة ، وانما ذكره في الإسعاد أيضا ، قال : « لو قال :

زوجتك ابنتي على أن تزوجني ابنتك وبضع بنتك صداق لبنتي وقبل ثم زوجه صح النكاح الأول وبطل الثاني ، وإن قال : وبضع بنتي صداق لبنتك صح وبطل الأول بناء على التشريك ، فيبطل نكاح من جعل بضعها صداقا ، للتشريك فيه‌

١٣٢

خاصة » وهو وإن كان صريحا في تحقق الشغار من جانب ، لكنه كأنه مخالف لما ذكروه من جعل الباطل من كان مهرها بضعا ، بل مناف لما ذكروه من أن الأقوى كون مبطل الشغار التشريك في البضع.

بل في المسالك جعل الضابط في مسألتنا ذلك ، فإنه بعد أن ذكر نحو ما سمعته من المتن قال : « والضابط أن البضع المشترك يبطل نكاحه ، والبضع المنفرد يصح عملا بقاعدة الشغار » مع أن الذي يتحقق التشريك فيه من جعل بعضها صداقا ، ضرورة كونه حينئذ مستحقا للزوج بالعقد وللامرأة بالمهر لا العكس ، فإنه لا تشريك ، ولعله لذا خصه في الإسعاد بما عرفت ، اللهم إلا أن يقال : إن التشريك في كل منهما غير متحقق إلا بنكاح الثانية على حسب ما وقع في عقد الاولى ، وحينئذ يتحقق التشريك في القسمين.

نعم يبقى السؤال عن تخصيص الأصحاب بعد القول بعدم اعتبار الدور فيه هذا الفرد بالشغار دون من جعل بضعها صداقا وتخصيص الإسعاد العكس ، مع أن الذي ورد في تفسيره ما سمعته من النص (١) وغيره قد اشتمل على جعل المهر بضعا والبضع مهرا ، فمع فرض عدم اعتبار الدور فيه يتجه تحققه بكل منهما ، اللهم إلا أن يقال : إن الأصحاب قد فهموا اختصاص الفرد الذي ذكروه من ظاهر النصوص المتقدمة التي محط النظر فيها كون المهر بضعا وإن لزم الدوري منه العكس أيضا ، إلا أنه لا ينكر ظهورها في الأول ، وخصوصا مع ملاحظة الذيل في مرسل ابن بكير (٢) فتأمل جيدا فإنه ربما دق.

وعلى كل حال فلا شغار فيما لو قال : « زوجتك جاريتي على أن تزوجني بنتك وتكون رقبة جاريتي صداقا لبنتك » وصح النكاحان ، أما نكاح الجارية فلأنه لم يشتمل على شغار ، وإنما اشترط فيه شرط لا يجب الوفاء به ، بناء على ما عرفت ، فيفسد نفس الشرط ، وأما نكاح البنت فلقبول الرقبة للنقل ، وهي التي جعلت مهرا ، وليس نكاحها تشريكا للمرأة والزوج فيما تناوله عقد النكاح ـ وهو البضع ـ ليكون‌

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب عقد النكاح الحديث ٢ ـ ١.

١٣٣

شغارا ، فان الرقبة غير البضع وإن تبعها ، وبطل المهر لكل منهما إن زوجه الأخر بنته على تزويج الجارية وكون الرقبة مهرا لأنه شرط نكاح إحداهما في الأخرى ، وقد عرفت أنه ليس شرطا للنكاح ، فجعل جزء المهر نكاح البنت ومهرا لنكاح الجارية وهو مجهول ، فيجهل المهر المسمى فيبطل ، ويجب مهر المثل لكل منهما ، وإن كان في ذلك كله ما عرفت. ولو زوج عبده من امرأة وجعل رقبته صداقا لها بطل المهر ، لأن صحته يؤدى إلى فساده ، إذ هي تقتضي ملكه ، وهو يمنع العقد ، فيبطل المهر حينئذ ويثبت مهر المثل ، ويصح العقد على الأقوى.

وكيف كان فالأقوى أن بطلان الشغار للنهي عنه المقتضي للفساد في المعاملة على ما حققناه في الأصول ، لا لأنه تعليق بمعنى أنه علق فيه التزويج على التزويج ، ضرورة عدم اعتبار التعليق فيه في متن العقد ، بل هو غير مقصود للمتعاقدين به ، وإنما قصدهما إلزام كل منهما الأخر بالتزويج بلا مهر غير البضع ، وهو المسمى في عرفنا الان بالمباضعة ، ولا لأنه اشتراط عقد في عقد ، ضرورة عدم اقتضاء ذلك الفساد ، وقد سمعت تصريحهم بالصحة في اشتراط النكاح في النكاح بمهر معلوم ، ولا لاشتراك البضع بين الامرأة المجعول في مهرها وبين الرجل الذي وقع له عقد النكاح ، فأشبه نكاح الامرأة من رجلين ، مضافا إلى عدم قابلية البضع مهرا ، ضرورة اقتضاء ذلك كله فساد المهر لا العقد ولا ملازمة بينهما في النكاح.

ومن هنا ذهب أبو حنيفة إلى صحة نكاح الشغار والرجوع الى مهر المثل لكن يرده ما سمعت من اقتضاء النهي عنه الفساد ، ودعوى رجوع النهي إلى المهر لا إلى أصل النكاح يدفعه أنه واقع عن الشغار ، وهو اسم للنكاح المخصوص ، بل لا ينكر ظهور النصوص (١) المزبورة في إرادة النهي عنه من حيث كونه شغارا نحو النهي (٢) عن بيع الحصاة والملامسة ، وحلية أصل النكاح لا ينافي ذلك ، ولعل هذا‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب عقد النكاح.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب عقد البيع وشروطه الحديث ١٣ من كتاب التجارة.

١٣٤

أولى من تعليل الفساد بما سمعت وإن كان الذي وقفت عليه ممن تعرض ذلك من أصحابنا تعليله بما عرفت ، وفي المسالك وكشف اللثام اختيار التعليل فيها بالاشتراك بالبضع الذي يمكن منع حصوله في شغار المملوكتين اللتين لا يملكان المهر ، بل قد يمنع فيما أثبتوه من الشغار في جانب كما في المثال الذي سمعته ، فإنه ليس فيه بضع مشترك بين الامرأة وبين الرجل ، وكأنهم تبعوا بعض العامة في تعليل الفساد ، لكن الذي حكاه في شرح الإسعاد عن الامام منهم أنه أبطل تعليل الفساد بالاشتراك وبالتعليق ، وجعل منشأ الفساد النهي كما قلناه.

ثم لا فرق في حرمة الشغار وفساده بين الدائم والمنقطع ، بل يمكن جريانه في التحليل بناء على أنه عقد ، لكن ينافيه ما سمعته في تفسيره مما لا يشمل التحليل ، ولا ريب في أن الأحوط اجتنابه ، والله العالم.

المسألة ( السابعة )

( يكره العقد على القابلة إذا ربته وبنتها ) للنهي عنه‌ في خبر إبراهيم بن عبد الحميد (١) « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن القابلة تقبل الرجل أله أن يتزوجها؟ فقال : إن كان قد قبلته المرة والمرتين والثلاثة فلا بأس ، وإن كانت قد قبلته وكفلته فإني أنهى نفسي عنها وولدي » وفي خبر آخر (٢) « وصديقي » ‌وخبر عمرو بن شمر (٣) عن أبى عبد الله عليه‌السلام « قلت له : الرجل يتزوج قابلته ، قال : لا ولا ابنتها » وخبر أبى بصير (٤) عنه عليه‌السلام أيضا « لا يتزوج المرأة التي قبلت ولا ابنتها » وخبر جابر بن يزيد (٥) عن أبى جعفر عليه‌السلام « سألته عن القابلة أيحل للمولود أن ينكحها؟

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٧.

(٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٣ ـ ٨ ـ ١عن أبى جعفر عليه‌السلام.

١٣٥

قال : لا ولا ابنتها هي كبعض أمهاته » وخبر إبراهيم (١) « إذا استقبل الصبي القابلة بوجهه حرمت عليه وولدها » ‌المحمول على الكراهة ، للإجماع ظاهرا على الحل الذي هو مقتضى الأصل ، وخصوص‌ صحيح البزنطي (٢) « قلت للرضا عليه‌السلام يتزوج الرجل المرأة التي قبلته ، فقال : سبحان الله ما حرم الله عليه من ذلك » ‌المؤيد بإشعار الخبر الأول بها ، فما في محكي المقنع من التعبير بعدم الحلية واضح الضعف ، أو يراد منه الكراهة أيضا.

لكن ظاهر المتن وصريح المسالك اختصاص الكراهة بالمربية ، ولعله للخبر الأول ، ولقول الصادق عليه‌السلام في خبر ابن عمار (٣) المسؤول عن حل القابلة للمولود : « إن قبلت ومرت فألقوا بل أكثر من ذلك ، وإن قبلت وربت حرمت عليه » ‌إلا أن الأولى الجمع بين النصوص بشدة الكراهة وخفتها ، وفي شمول الكراهة للبنت وإن نزلت ولبنت الابن كذلك وجه ، كالوجه في كراهة نكاح ولدها البنت التي قبلتها ، بل قد يحتمل كراهة أمهات القابلة وأختها لا طلاق المنزلة ، نعم الظاهر تحقق الكراهة بالنسبة إليها أيضا ، فيكره لها أن تتزوجه ، كما يكره له أن يتزوجها ، لأن ذلك مقتضى حرمتها عليه ، وإلا فلا ملازمة بين الكراهتى ، والنهي في أكثر النصوص متوجه إليه كما هو واضح.

( و ) يكره أيضا أن يزوج ابنه بنت زوجته من غيره إذا ولدتها بعد مفارقته لخبر إسماعيل بن همام (٤) قال : « قال أبو الحسن عليه‌السلام : قال محمد بن علي في الرجل يتزوج المرأة ويزوج ابنتها ابنه ففارقها ويتزوجها آخر فتلد منه بنتا فكره أن يتزوجها من ولده ، لأنها كانت امرأته فطلقها ، فصار بمنزلة الأب كان قبل ذلك أبا لها » ‌وهو القرينة على إرادتها من البأس في مفهوم‌ خبر الهلالي (٥) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يتزوج المرأة ويزوج ابنه ابنتها ، قال : إن كانت الابنة لها قبل أن يتزوج بها فلا بأس » ‌والنهي‌ في خبره الآخر (٦) « سألت‌

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٤ ـ ٦ ـ٢.

(٤ و ٥ و ٦) الوسائل الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٥ ـ ٤ ـ ٤ والثالث بطريق الصدوق ( قده ).

١٣٦

أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يتزوج المرأة ولها ابنة من غيره أيزوج ابنه ابنتها؟ قال : إن كانت من زوج قبل أن يتزوجها فلا بأس ، وإن كانت من زوج بعد ما تزوجها فلا ».

واحتمال إرادة الحرمة بقرينة هذا النهي يدفعه العمومات والإجماع على الظاهر ، وخصوص‌ صحيح العيص بن القاسم (١) عن أبى عبد الله عليه‌السلام « سألته عن الرجل يطلق امرأته ثم خلف عليها رجل بعد فولدت للآخر فهل يحل ولدها من الأخر لولد الأول من غيرها؟ قال : نعم ، وسألته عن رجل أعتق سرية له ثم خلف عليها رجل بعده ثم ولدت للآخر يحل ولدها لولد الذي أعتقها؟ قال : نعم ».

بل في كشف اللثام لا كراهة لابن السرية من غيره على ابنه ، للأصل من غير معارض والصحيح المزبور ، قلت : و‌خبر العقرقوفي (٢) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يكون له الجارية يقع عليها يطلب ولدها فلم يرزق منها ولدا فوهبها لأخيه أو باعها فولدت له أولادا أيزوج ولده من غيرها ولد أخيه منها؟ قال : أعد علي فأعدت عليه ، قال : لا بأس » ‌وخبر علي بن إدريس (٣) « سألت الرضا عليه‌السلام عن جارية كانت في ملكي فوطأتها ثم خرجت من ملكي فولدت جارية يحل لا بنى أن يتزوجها؟ قال : نعم لا بأس به ، قبل الوطء وبعد الوطء واحد ».

ولعله لذلك اقتصر المصنف وغيره على ذكر الكراهة في غيرها لكن قد يشعر بها‌ خبر الحسين بن خالد الصيرفي (٤) « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن هذه المسألة ، فقال : كررها علي ، قلت له : إنه كانت لي جارية فلم ترزق مني ولدا فبعتها ، فولدت من غيري ولي ولد من غيرها ، فأزوج ولدي من غيرها ولدها ، قال : تزوج ما كان لها من ولد قبلك يقول قبل أن تكون لك » ‌بل منه يستفاد عدم اختصاص الكراهة في نكاح الولد بنت الزوجة ، بل يكره نكاح ابنها لبنت الزوج لتناول لفظ الولد للجميع ، مضافا إلى إشعار التنزيل منزلة الأب في خبر إسماعيل بن همام‌

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ١ ـ ٢ ـ٦.

(٤) الوسائل الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٣.

١٣٧

المتقدم في عموم المنزلة ، فيكره له أن يتزوج بنت بنتها مثلا ، لصيرورته بمنزلة الخال لها ، وبنت أمها ، لصيرورته بمنزلة العم لها.

وربما أومأ إليه‌ خبر محمد بن عيسى (١) قال : « كتبت اليه خشف أم ولد عيسى بن علي بن يقطين في سنة ثلاثين ومأتين تسأل عن تزويج ابنتها من الحسين بن عبيد ، أخبرك يا سيدي ومولاي أن ابنة مولاك عيسى بن علي بن يقطين أملكتها من ابن عبيد بن يقطين ، فبعد ما أملكتها ذكروا أن جدتها أم عيسى بن علي بن يقطين كانت لعبيد بن يقطين ثم صارت إلى علي بن يقطين فأولدها عيسى بن علي ، فذكروا أن ابن عبيد قد صار عمها من قبل جدتها أم أبيها أنها كانت لعبيد بن يقطين ، فرأيك يا سيدي ومولاي أن تمن على مولاتك بتفسير منك ، وتخبرني هل تحل له؟ فان مولاتك يا سيدي في غم الله به عليم ، فوقع في هذا الموضع بين السطرين إذا صار عما لا تحل له ، والعلم والد وعم » ‌

بناء على أن المراد في السؤال كونه بمنزلة العم باعتبار أن أم عيسى كانت موطوءة لأبي الحسين بن عبيد الذي ملك البنت ، كي يكون الجواب محمولا على ضرب من الكراهة ، لا أن المراد أنها كانت أما للحسين ، ضرورة أن ذلك لا ينبغي أن يسأل عنه ، فإنه عم لها حقيقة ، لأنه أخو أبيها من أمه ، والله العالم.

( و ) كيف كان فـ ( لا بأس ) ولا كراهة ( بـ ) نكاح ابنه لـ ( من ولدتها قبل نكاح الأب ) للأصل وخبري ابن الجهم المتقدمين ، والتنزيل بمنزلة الأب إنما هو فيمن تلده بعد نكاحه لا قبله وإن كانت هي ربيبة له أيضا ، مع احتماله لأولوية تنزيله منزلة الأب لها من المتأخرة ، ويكون التفصيل في خبري ابن الجهم لبيان شدة الكراهة ، فتأمل والله العالم.

( و ) يكره أيضا ( أن يتزوج بمن كانت ضرة لامه قبل أبيه ) بل وبعده لخبر زرارة (٢) « سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : ما أحب للرجل المسلم أن يتزوج امرأة كانت ضرة لامه مع غير أبيه » ‌ولعل المصنف فهم من المضي هنا التقدم على نكاح الأب ، فلذا خص الكراهة به ، ولكنه غير متعين ، بل الظاهر‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٧.

(٢) الوسائل الباب ـ ٤٢ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ١.

١٣٨

التقدم على التزويج.

( و ) كذا يكره أيضا التزويج ( بالزانية قبل أن تتوب ) وفاقا للمشهور ، لا شعار لفظ « لا ينبغي » بها ٢٦٠٣٥‌ في صحيح أبي الصباح وغيره (١) عن أبى عبد الله عليه‌السلام قال : « من أقيم عليه حد زنا أو شهر به لا ينبغي لأحد أن يناكحه حتى يعرف منه التوبة » ‌خلافا لأبي الصلاح ، فحرمه للآية (٢) التي قد عرفت تمام الكلام فيها وفي غيرها مما يدل على ذلك فيما تقدم ، فلا حظ والله العالم.

( القسم الثاني )

( في النكاح المنقطع )

( وهو سائغ في ) صدر ( دين الإسلام ) باتفاق المسلمين ، وإنما اختلفوا في بقائه ونسخه ( لتحقق شرعيته ) في زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ( وعدم ما يدل على رفعه ) وإن المسلمين كانوا يفعلونه من غير نكير ، وكذا في خلافة أبي بكر ومدة من خلافة عمر ، نعم هو حرمه في المدة الأخرى من تلقاء نفسه بعد أن روى شرعيته عن صاحب الشرع ، فإنه فيما‌

اشتهر عنه بين الفريقين (٣) صعد المنبر وقال :

« أيها الناس متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنا أنهى عنهما وأحرمهن‌

__________________

(١) أشار إليه في الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٢ وذكره في الكافي ج ٥ ص ٣٥٤.

(٢) سورة النور : ٢٤ ـ الآية ٣.

(٣) سنن البيهقي ج ٧ ص ٢٠٦ والوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب المتعة الحديث ٤ راجع الغدير للامينى (ره) ج ٦ ص ٢١١.

١٣٩

وأعاقب عليهن : متعة الحج ومتعة النساء » وفي لفظ (١) آخر « ثلاث كن على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنا أنهى عنهن واحرمهن وأعاقب عليهن وهي : متعة النساء ، ومتعة الحج ، وحي على خير العمل » ‌وهو صريح في تحريمه ما روى عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شرعيته ، وجعل تحريمه أولى بالاتباع والقبول ، حيث توعد من خالفه بالعقوبة والزجر ، بل في متعة النساء بالحد والرجم ، فعن صحيح مسلم عن قتادة عن أبي نضرة (٢) قال : « كان ابن عباس يأمر بالمتعة وكان ابن الزبير ينهى عنها ، فذكرت ذلك لجابر بن عبد الله ، فقال تمتعنا على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلما قام عمر قال : إن الله كان يحل لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما شاء بما شاء ، وإن القرآن قد نزل منازله فأتموا الحج والعمرة لله كما أمركم الله عز وجل وأبتوا نكاح هذه النساء فلن أوتي برجل نكح امرأة إلى أجل إلا رجمته بالحجارة ».

وهذا من جملة ما طعن به أهل التشيع ، وقد اختلف أتباعه في الجواب عنه ، فمنهم من بنى رفعه على كون النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مجتهدا في الأحكام الشرعية ويجوز لمجتهد آخر مخالفته ، وهو من السخافة كما ترى ، أما على أصول الإمامية فظاهر ، لقولهم بعصمة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأن ما يحكم به عن وحي إلهى لا يتطرق اليه السهو والخطأ ، كما قال عز من قائل (٣) ( وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحى ) ـ ( قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاّ ما يُوحى إِلَيَّ ) (٤) ( قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاّ ما يُوحى إِلَيَّ ) (٥) وحينئذ فلا يسوغ لأحد مخالفته ولا اجتهاد في مقابلة قضائه وحكمه أصلا ، وأما على رأى الجمهور النافين عصمة الأنبياء فلأنهم إنما نفوا عصمتهم‌

__________________

(١) راجع الغدير للامينى (ره) ج ٦ ص ٢١٣.

(٢) راجع الغدير للامينى (ره) ج ٦ ص ٢١٠.

(٣) سورة النجم : ٥٣ ـ الآية ٣ و ٤.

(٤) سورة يونس : ١٠ ـ الآية ١٥.

(٥) سورة الأحقاف : ٤٦ ـ الآية ٩.

١٤٠