جواهر الكلام - ج ٣٠

الشيخ محمّد حسن النّجفي

معنى التحليل منه الذي هو من العقود الجائزة التي لم يعتبر فيها لفظ مخصوص ، بل هو شبه الإباحات المتعلقة بالأموال ( يلزمه الجواز هنا ) لاتحاد المدرك بعد فرض جريان استعمال هذه الألفاظ في المعنى المزبور مجرى القانون اللغوي ، ولو على جهة المجازية التي لا بأس بها في العقد الجائز ، وخصوصا مثل هذا العقد الذي هو شبه الإباحات ( ومن اقتصر على التحليل ) ولم يجوز العقد بلفظ الإباحة المرادفة له اقتصارا على المتيقن في الفرج المطلوب فيه الاحتياط ( منع ) هنا سيما الهبة والتمليك ضرورة أولويتهما بذلك من لفظها ، لكون الأعيان مورد الهبة والتمليك وإن وقع عليها وعلى المنفعة لكن لا عين هنا ولا منفعة وإنما هو اباحة انتفاع ، بل كان مفاد الهبة والتمليك مقابلا للتحليل الظاهر في رفع المنع من المالك بالاذن على حسب التحليل في أكل المال ونحوه ، وقد عرفت قوة القول بالجواز ، خصوصا بعد إمكان إرادة التحليل في الخبرين (١) السابقين ، بل ربما أشعر به تعليل الفرق بين الحرة والأمة أيضا في الصحيح (٢) المتقدم في الأمة المشتركة بأن الحرة لا تهب ولا تعير ولا تحلل ، لكن الاحتياط لا ينبغي تركه.

( و ) كيف كان فـ ( هل هو عقد ) نكاح ( أو ) عقد ( تمليك منفعة؟ فيه خلاف بين الأصحاب منشؤه عصمة الفرج عن الاستمتاع بغير العقد أو الملك ) للآية (٣) ودعوى الاتفاق على ذلك ، فبعد معلومية جوازه في الشرع لا يخلو من أحدهما ( ولعل الأقرب ) عند المصنف ( هو الأخير ) وفاقا للمحكي عن الأكثر ، بل لم يعرف حكاية الخلاف فيه إلا عن المرتضى في الانتصار مع أن كلامه المحكي عنه في المختلف ـ كما اعترف به في كشف اللثام ـ إنما يعطى اشتراط العقد وعدم الاجتزاء بلفظ الإباحة كما لا يجتزأ بلفظ العارية ، فهو حينئذ خارج‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ١ و ٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ٤١ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ١.

(٣) سورة المؤمنون : ٢٣ ـ الآية ٦.

٣٠١

عما نحن فيه ، ولذا حكي خلافه في أصل مشروعية التحليل.

وعلى كل حال فالوجه للمشهور ـ بعد الاتفاق على كونه أحدهما أو ملك يمين كما في كشف اللثام ـ انتفاء لوازم عقد النكاح من الطلاق والمهر والمدة وغير ذلك ، فتعين الثاني ، مضافا الى‌ صحيح السراد (١) « سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن قوله تعالى (٢) ( وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلاّ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ) ، قال : هو أن يأمر الرجل عبده وتحته أمته ، فيقول : اعتزل امرأتك ولا تقربها ، ثم يحبسها عنه حتى تحيض ، ثم يمسكها فإذا حاضت بعد مسه إياها ردها عليه بغير نكاح » ‌فان الظاهر إرادة التحليل وقد نفى عنه النكاح ، فليس هو حينئذ إلا ملك يمين ، بل ربما أشعر به أيضا خبر أبى بصير (٣) والحضرمي (٤) ‌قال في أولهما : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن امرأة أحلت لابنها فرج جاريتها ، قال : هو له حلال ، قلت : أفيحل له ثمنها؟ قال : لا ، إنما يحل له ما أحلت له » ‌وقال في ثانيهما : « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إن امرأتي أحلت لي جاريتها ، فقال انكحها إن أردت ، قلت : أبيعها ، قال : لا ، أحل لك منها ما أحلت » ‌باعتبار أن ذلك منهما مقتض لصيرورتها ملك يمين بذلك ، ولم ينكر عليهما الامام عليه‌السلام ذلك ، وإنما منعهما من البيع مؤمنا إلى أن ذلك ملك يمين على حسب ما أحل ، وصحيح الأمة بين الشريكين (٥) المصرح فيه بجواز التحليل من أحدهما للآخر ، المبنى على اتحاد السبب حينئذ بصيرورة الجميع ملك يمين وإن كان النصف ملك رقبة والأخر ملك منفعة ، ولو لا ذلك لكان من التبعيض في سبب النكاح ، ولذا لم يجز له نكاحها بالعقد ، هذا أقصى ما يمكن أن يقال‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ١ وهو صحيح السراد عن محمد بن مسلم كما في التهذيب ج ٧ ص ٣٤٦ الرقم ١٤١٧.

(٢) سورة النساء : ٤ ـ الآية ٢٤.

(٣) الوسائل الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ٢.

(٤) الوسائل الباب ـ ٣٦ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ٢.

(٥) الوسائل الباب ـ ٤١ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ١.

٣٠٢

للمشهور.

لكن الجميع كما ترى ، ضرورة صراحة عقد التحليل بلفظه أو الإباحة في عدم الملك ، ولم يقصد المملك إلا رفع المنع ، أو التصريح بإنشاء الاذن في ذلك ، ودعوى صيرورته ملكا شرعا وإن لم يقصداه واضحة الفساد ، على أنه لا منفعة هنا صار العقد سببا لتملكها على نحو الإجارة ، وإنما هو انتفاع لا منفعة ، وفرق واضح بينهما ، وجواز الانتفاع بعقد التحليل بعيد عن صدق ملك اليمين وإلا لكان جميع الإباحات كذلك ، والحصر في الآية (١) المتفق عليه مع انتفاء لوازم العقد لا يقتضي شمول الكلي لغير فرده ، بل هو فرد لكلي آخر مباين له ، وكذا نفي النكاحية عنه في صحيح السراد ، وليس في كلام الامام عليه‌السلام في خبري أبي بصير والحضرمي ما يتوهم منه كونه ملك يمين ، بل ولا صحيح الأمة المشتركة ، وجوازه فيها دون النكاح أعم من ذلك قطعا كما هو واضح ، بل التأمل الصادق يقتضي تنزيه كلام الأساطين عن كونه ملك يمين على وجه يندرج فيه موضوعا ، ضرورة صراحة النصوص في عدمه ، فان من أفراده تحليل القبلة ونحوها.

نعم قد يقال : إنه بعد ثبوت مشروعيته بالمتواتر من السنة (٢) والإجماع مع الاتفاق على حصر حكم النكاح في السببين فهل الثابت لهذا القسم من النكاح حكم العقد أو حكم ملك اليمين؟ ولا ريب أن الأقوى الثاني ، لا لدخوله في اسمه ، بل لأن أحكامه الثابتة له من جواز وطء الأزيد من الأربع وغيره على وفق الأصول المقتضية نحو ذلك في التحليل ، بخلاف الأحكام التي موضوعها النكاح والتزويج ونحوهما مما لا يدخل فيه التحليل موضوعا ، ولا حكمه على وفق الأصل ، فالمراد حينئذ ثبوت أحكام ملك اليمين له دون عقد النكاح المعلوم ، وإن كان هو قسما مستقلا برأسه لا يدخل في موضوع أحدهما ، بل لو فرض حكم من أحكام ملك اليمين المخالفة لمقتضى الأصل وليس في أدلته ما يفهم منها شمول التحليل ولو بمعونة‌

__________________

(١) سورة المؤمنون : ٢٣ ـ الآية ٦.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣١ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء.

٣٠٣

الإجماع أشكل ثبوته لوطء التحليل ، لعدم اندراجه في موضوعه.

ولعل من ذلك تحريم المملوكة على الأب بالاستمتاع بها بنظر وتقبيل ولمس ونحو ذلك مما عرفته سابقا بالنصوص (١) الدالة عليه ، فان ثبوته للمحلل لا يخلو من إشكال ، اللهم إلا أن يفهم من تلك أن ذلك ونحوه نزله الشارع منزلة الوطء في تسبيب التحريم ، كما هو المفهوم من تلك النصوص التي قدمنا الكلام ، والغرض أن الضابط ما عرفت.

وربما كان هذا الاستقراء تاما في سائر الأفراد ، فلاحظ وتأمل كي تعرف الحال في تحليل المسلمة للكافر ، فإنه غير جائز للمنع منه في سائر أقسامه ، وكذا تحليل المؤمنة للمخالف ، فان فيه البحث السابق ، وأما العكس وهو تحليل الكافرة للمسلم والمخالفة للمؤمن فإنه جائز على الوجه الذي قدمناه في محله الذي منه يعرف الحال في الوثنية والناصبية المعلنة بعداوة أهل البيت عليهم‌السلام وغير ذلك من أقسام الكفار الممنوع وطؤهن بالملك وغيره.

وعلى كل حال فمما يتفرع على ما ذكرنا عدم حرمة المحللة للأب قبل الوطء على الابن ، لعدم اندراجها فيما نكح الأب لا وطأ ولا عقدا ، لما عرفت من عدم دخول التحليل في النكاح بمعنى العقد ، ولا محللة الابن من دون وطء على الأب ، لعدم اندراجها في الحليلة المراد منها الزوجة هنا ولو للانصراف ، لا مطلق ما يحل وطؤها وإلا لحرمت عليه بالملك ، فهو حينئذ في هذا الحكم كملك اليمين ، وكذا غيره من الأحكام ، والحرمة بالوطء لظهور الأدلة بل صراحتها في تسبيبه التحريم بأي سبب كان ، لا لكون التحليل ملك يمين ، وهكذا الكلام في غير ذلك من الأحكام المتعلقة بالمصاهرة وغيرها ، كالتحليل على ذات العدة وغيرها.

بل منه يعلم الوجه فيما ذكره المصنف بقوله وفي تحليل أمته لمملوكه روايتان إحداهما المنع ، وهي‌ صحيح ابن يقطين (٢) « إنه سأل الكاظم عليه‌السلام

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ٢.

٣٠٤

عن المملوك يحل له أن يطأ الأمة من غير تزويج إذا أحل له مولاه ، قال : لا تحل له » ‌( ويؤيدها أنه نوع تمليك والعبد بعيد عن التملك ، والأخرى الجواز إذا عين له الموطوءة ) وهي‌ خبر فضيل مولى راشد (١) قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : « لمولاي في يدي مال فسألته أن يحل لي ما أشترى من الجواري ، فقال : إن كان يحل لك إن أحل لك فهو حلال ، فسألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن ذلك فقال : إن أحل لك جارية بعينها فهي لك حلال ، وإن قال : اشتر منهن ما شئت فلا تطأ منهن شيئا إلا ما يأمرك إلا جارية يراها ، فيقول : هي لك حلال ، وإن كان لك أنت مال فاشتر من مالك ما بدا لك » ‌المؤيد بما في صحيح السراد (٢) المتقدم آنفا القائل فيه ردها بغير نكاح ، وبالنصوص المستفيضة (٣) الدالة على جواز تسرى العبد ما شاء من الإماء بإذن مولاه ، المعلوم إرادة التوكيل في تحليل ذلك له عن مولاه ، بناء على عدم ملكية العبد وعدم جواز التحليل مع عدم التعيين.

( ويؤيدها ) أيضا ( أنه ) أي التحليل ( نوع من الإباحة وللمملوك أهلية الإباحة و ) قد تقدم لك ما علمت منه أن ( الأخير أشبه ) بأصول المذهب وقواعده وأصح ، ضرورة عدم كون التحليل من الملك الممنوع منه العبد ، وأدلته شاملة للعبد وغيره ، بل استحقاق الانتفاع بالبضع بالعقد أتم في مجازية الملك من هنا ، ودعوى الفرق ـ بأن الانتفاع هناك من لوازم العقد وهنا مورده ، فهو كما لو قال : « وهبتك بضع الجارية » أو « ملكتك إياه » والعبد غير قابل لذلك ، ومن هنا بنى بعضهم المسألة على كون التحليل عقدا أو ملك يمين ، وأن العبد مما يملك ما يملكه مولاه أولا ـ واضحة الفساد ، للقطع بالجواز على كل تقدير ، فإن القائل بكونه ملكا هنا لا يريد منه الملك الممنوع منه العبد ، بل المراد منه الاستحقاق ،

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ١ وهو صحيح السراد عن محمد بن مسلم كما في التهذيب ج ٧ ص ٣٤٦ الرقم ١٤١٧.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء.

٣٠٥

أو أن له أحكام ملك اليمين على الوجه الذي قدمناه ، ضرورة أنه لا عين ولا منفعة ، فالخبر المزبور محمول على التقية أو على إرادة عدم النكاح له بمجرد الاذن من مولاه ، بل لا بد من إيجاد العقد على من يريد نكاحها من أمة الغير مثلا أو على غير ذلك.

وكيف كان فعلي القولين لا بد له من قبول ، لكونه عقدا عليهما ، ومن أركان العقد القبول وعدم ذكر المعظم له اتكالا على الظهور ، ولأنه لا يختلف ألفاظه بالنسبة إلى سائر العقود ، وإنما المختلف ألفاظ الإيجاب ، ولذا اقتصروا هنا على التعرض له ، مع أن قولهم : « هل هو عقد أو تمليك؟ » كاف في ذلك ، ضرورة معلومية كون التمليك من العقود ، وأنه ليس من قسم الإيقاعات ، فالمراد حينئذ ما صرح به غير واحد من الأصحاب كالمحقق الثاني والشهيد الثاني والفاضل الهندي وغيرهم أنه عقد نكاح أو عقد تمليك.

فما عن الصيمري ـ من عدم الحاجة إلى القبول حاكيا له عن إطلاق الأكثر بل ربما كان ذلك سببا لغرور بعض الأفاضل فحكم بذلك محتجا بظهور النصوص أنه من قسم الإباحات التي لا تحتاج إلى التعاقد ـ واضح الفساد ، فان النصوص في سائر العقود خالية عن التعرض لألفاظ العقد للمعلومية ، ومن هنا لم يكن إشكال عند الفقهاء في العقدية في سائر المقامات ، وكأن المسألة من الواضحات ، فلا يكفي حينئذ مجرد إنشاء التحليل والإباحة عن مراعاة التعاقد ، بل ظاهر الأصحاب هنا معاملة هذا العقد ـ وإن كان من العقود الجائزة ـ معاملة العقود اللازمة في التعرض لضبط ألفاظه وعدم الاكتفاء بأي لفظ اتفق ومراعاة كيفية العقد في فورية القبول وغيرها ، ولعله لكونه متعلقا بالفرج المطلوب فيه الاحتياط ، وأنه ليس كغيره من الأموال.

ولقد فتح هذا المتوهم بابا لتشنيع المخالفين أعظم مما افتروه علينا : من جواز عارية الفروج حتى للأحرار ، إذ الإباحة ليست من العقود أصلا فضلا عن أن تكون‌

٣٠٦

عقد عارية ، وجميع ذلك اشتباه وتوهم ، فان الفروج لا تحل عند الشيعة بنحو ذلك كما صرح به المرتضى وابن إدريس والمحقق الثاني وغيرهم ، بل هو صريح جميع الأصحاب ، كما لا يخفى على من لاحظ تعرضهم لضبط ألفاظه ، وجواز عقده ببعضها وعدمه ، ولاعتبار الهيئة وغيرها مما هو جار على حسب ما تعرضوا لغيره من العقود اللازمة ، والله العالم.

( و ) كيف كان فلا إشكال في أنه ( يجوز تحليل المدبرة وأم الولد ) لعدم خروجهما بذلك عن الملك المقتضي لاندراجهما في النصوص ، نعم ليس له ذلك في المكاتبة ( و ) خصوصا ( لو ملك بعضها ) بأن أدت بعض ما عليها على وجه يكون به بعضها حرا ( فـ ) انه حينئذ إذا ( أحلته نفسها لم تحل ) بذلك ، وكذا الحال في كل مبعضة ، لما عرفته سابقا من عدم جواز تحليل الحرة نفسها ، وعدم التبعيض في أسباب النكاح ، ( و ) لا يرد أنها ( لو كانت مشتركة ) بين اثنين مثلا ( فأحلها الشريك ) لشريكه ، فإنه على ما قيل تحل بذلك ، بل قد عرفت فيما مضى أنه الأصح ، لعدم التبعيض فيه ، بناء على أن التحليل ملك يمين وإن كان للمنفعة ، فإن سبب الوطء حينئذ متحد النوع.

( و ) حينئذ فـ ( الفرق أنه ليس للمرأة الحرة أن تحل نفسها ) لما علمت أن التحليل مختص بالإماء بخلاف الأمة ، فإن لسيدها تحليلها ، أو للصحيح (١) المتقدم سابقا المصرح فيه بالحكمين كما عرفته سابقا ، بل هو العمدة في الجواز كما أنه لا يرد جواز العقد من الشريكين على الأمة المشتركة للأجنبي مع عدم تأثير العقد من كل منهما إلا في البعض المملوك فيه ، ضرورة عدم كون ذلك تبعيضا في سبب النكاح بعد فرض كونه عقدا منهما بوكالة ثالث أو أحدهما الأخر أو إجازته بعد أن كان مورد العقد الجميع ، نعم لو قال كل منهما : « زوجتك حصتي » أو « أحللتها لك » ففي القواعد إشكال ، ولعله من أن تحليل كل منهما إنما يتعلق حقيقة بحصته ، فالإطلاق إنما يعتبر لانصرافه إليه ، فالتصريح به أولى بالصحة ، ومن‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤١ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ١.

٣٠٧

ظهور الأدلة في كون مورد العقد الكل دون البعض ، بل لا يؤثر فيه صحة حتى يقارنه التأثير بالبعض الأخر بلفظ واحد ، ومن أن الوطء لا يتبعض ، والإحلال مثلا إنما يتعلق به حقيقة ، وإن أريد بالحصة الحصة من الرقبة حصل الشك في الحل من كونه مجازا في إحلال الوطء وإن كان في الأخيرين ما لا يخفى ، ولا ريب أن الأحوط عدم العقد بهذه الكيفية إن لم يكن الأقوى ، خصوصا مع التعاقب في القبول ، والله العالم ، هذا كله في الصيغة وما يتبعها.

( أما الحكم فـ ) فيه ( مسائل : )

( الأولى )

( يجب الاقتصار على ما تناوله اللفظ ) الكاشف عن إرادة اللافظ حقيقة أو مجازا بالقرائن المقالية ( و ) الحالية التي منها ( ما شهد الحال بدخوله تحته ) في الإرادة على حسب غيره من العقود ، بل الظاهر أنه مثلها أيضا في دخول التوابع في الحكم وإن لم يستحضرها العاقد حال إنشائه ، بل ولا هي من لوازم معنى اللفظ الذي هو متعلق العقد ، نحو ثياب العبد ورحل الدابة وبعض مرافق الدار ونحو ذلك مما هي قطعا ليست من مدلولات اللفظ ، ولكن بيع الدار مثلا يتبعه بيع ذلك عرفا على وجه لو نبهته عليه لأدخله فكذلك هنا ما كان من هذا القبيل أيضا.

وعلى كل حال ( فلو أحل له التقبيل اقتصر عليه ) وعلى اللمس المتوقف تحقق التقبيل عليه ( وكذا لو أحل له اللمس ) أو النظر اقتصر عليهما ( فلا يستبيح الوطء ) الذي هو غير داخل في شي‌ء منها لا حقيقة ولا مجازا ولا تبعا ( و ) الأصل حرمة التصرف في مال الغير بغير إذنه ، نعم ( لو أحل له الوطء حل له ما دونه من ضروب الاستمتاع ) للفهم العرفي المؤيد بقول الصادق عليه‌السلام في خبر ابن عطية (١) : « إذا أحل الرجل للرجل من جاريته قبلة لم يحل له غيرها ، وإن أحل له الفرج حل له جميعها » ‌مع أن الظاهر حلية ذلك ما لم يصرح بالمنع فيما زاد على ما يتوقف عليه تحقق الوطء ، وإلا كان التحليل مقتصرا عليه أيضا ، لإطلاق‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣٦ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ١.

٣٠٨

النصوص أنه ليس له إلا ما أحل له ، قال فضيل بن يسار (١) : « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : جعلت فداك إن بعض أصحابنا قد روى عنك أنك قلت : إذا أحل الرجل لأخيه جاريته فهي له حلال ، فقال : نعم يا فضيل ، قلت : فما تقول في رجل عنده جارية له نفيسة وهي بكر أحل لأخيه ما دون فرجها إله أن يفتضها؟ قال : لا ليس له إلا ما أحل له منها ، ولو أحل له قبلة منها لم يحل له ما سوى ذلك ، قلت : أرأيت إن أحل له ما دون الفرج فغلبته الشهوة فافتضها؟ قال : لا ينبغي له ذلك ، قلت : فان فعل أيكون زانيا؟ قال : لا ، ولكن يكون خائنا ، ويغرم لصاحبها عشر قيمتها إن كانت بكرا ، وإن لم تكن بكرا فنصف عشر قيمتها » وفي خبر هشام ابن سالم وحفص بن البختري (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في الرجل يقول لامرأته أحلي لي جاريتك فإني أكره أن تراني متكشفا ، فتحلها له ، قال : لا يحل منها إلا ذاك ، وليس له أن يمسها ولا أن يطأها » بل زاد فيه هشام « أله أن يأتيها؟ قال : لا يحل له إلا الذي قالت » ‌إلى غير ذلك من النصوص (٣) التي مضى بعضها أيضا المتفقة في الدلالة على ذلك.

( و ) حينئذ فـ ( لو أحل له الخدمة ) المتوقفة على عقد التحليل للاحتياج إلى لمس ونظر ونحوهما ( لم ) يجز له أن ( يطأ ، وكذا لو أحل له الوطء لم يستخدم ) من غير إشكال في شي‌ء من ذلك نصا (٤) ولا فتوى ، بل هو مقتضى أصول المذهب ( و ) قواعده فـ ( لو وطأ ) مثلا ( مع عدم الاذن كان عاصيا ) قطعا مع العلم بالتحريم ( ولزمه عوض البضع ) لمولاها عشر القيمة أو نصفه ، كما تقدم الكلام فيه سابقا وفي أرش البكارة وتقييده بجهلها أو إكراهها. ( وكان الولد رقا لمولاها ) بلا خلاف ولا إشكال في شي‌ء من ذلك ، لكونه نماء ملكه ، والفرض عدم العقد المقتضي لتبعية الولد ، ولا الشبهة ، بل هو زان لا حق له في مائه ، ولا‌

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ١.

(٤) الوسائل الباب ـ ٣٥ و ٣٦ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء.

٣٠٩

ينافي ذلك نفي الزنا عنه في خبر فضيل (١) المحمول على غير الفرض ، ولو توهم الاذن أو الجهل بحرمة ذلك عليه أو على التجوز في نفي الزنا عنه باعتبار كونها محللة له في الجملة أو نحو ذلك.

هذا وقد يتوهم من نصوص الباب جواز التحليل لغير الوطء لمتعددين في زمان واحد ، وخصوصا مع اختلاف المحلل صنفا أو عضوا ، كما لو أحل النظر مطلقا لشخص واللمس لاخر ، أو أحل نظر الوجه لشخص والبطن لاخر ، أو أحل النظر مثلا لجماعة ، إلا أن المعلوم من مذاق الشرع خلافه ، بل يمكن دعوى معلومية ذلك من الشريعة ، كمعلومية عدم البعلين للامرأة الواحدة ، وأنه لا فرق في عدم جواز الاشتراك بين الوطء وبين غيره من باقي الاستمتاعات.

وربما كان في تصريح بعضهم بصيرورة المحللة ولو نظرا أجنبية بالنسبة إلى السيد شهادة على ما ذكرنا ، ضرورة أولوية الأجنبي بالمنع منه ، لعدم الاستصحاب فيه ، بل هو مقتض للحرمة فيه ، بخلاف المالك الذي قد توقف في حرمة ذلك عليه بتحليل الوطء فضلا عن غيره بعض متأخري المتأخرين ، بل المتجه عليه عدم جواز تحليل النظر إلى ما لا يجوز النظر إليه للأجنبي وإن لم يكن بشهوة إذا كانت محللة للغير ولو لمسا.

وكان إغفال الأصحاب لذلك ، ونحوه اتكالا على ما ذكروه في عقد النكاح ، وأنه مشترك معه في ذلك ، وفي تعيين المحللة والمحلل له ، والكمال في المتعاقدين ، وجواز التصرف في المحللة وغير ذلك مما هو معلوم اعتباره في النكاح وتوابعه ، قال في جامع المقاصد عند البحث عن حرمة الأمة المزوجة على سيدها : « أما إذا أحل المملوكة لغيره فلم يتعرض المصنف لحكمها ، وينبغي أن يكون في جميع الاستمتاعات كالمزوجة ، لأن الاحتياط في الفروج أشد من تجويز شي‌ء من الاستمتاع لغير واحد » وقال في المسالك : « الوجه في ذلك ـ أي حرمة الأمة المزوجة على سيدها ـ أن وجوه الاستمتاع صارت مملوكة للزوج ، فيحرم على غيره ، لامتناع‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ١.

٣١٠

حل الاستمتاع بالمرأة لأزيد من واحد شرعا ، وفي معناها المحللة للغير بالنسبة إلى المالك مع كون التحليل متناولا للوطء » وهو وان أوهم تقييده أخيرا بجواز الاستمتاع له إذا كان التحليل غير متناول للوطء ، لكن ظاهر تعليله الأول العموم ، على أن ذلك منه للمالك ، وهو غير التحليل لمتعددين وإن كان الذي يقوى في النظر عدم الفرق بين المالك وغيره.

المسألة ( الثانية )

( ولد المحللة ) للحر ( حر ) شرطها أو أطلق ، تغليبا لها ولعموم الأخبار (١) بتبعية الولد للحر من الأبوين ، وخصوص‌ صحيح زرارة (٢) قال الباقر عليه‌السلام : « الرجل يحل لأخيه جاريته قال : لا بأس به ، قال : قلت : فإنها جاءت بولد ، قال : يضم إليه ولده ، ويرد الجارية إلى صاحبها ، قلت : إنه لم يأذن له في ذلك ، قال : إنه قد أذن له وهو لا يأمن أن يكون ذلك » ‌ونحوه الصحيح الآخر (٣) بل‌ في الحسن أو الصحيح (٤) أيضا « الرجل يحل جاريته لأخيه وحرة أحلت جاريتها لأخيها ، قال : يحل له من ذلك ما أحل له ، قلت : فجاءت بولد ، قال : يلحق بالحر من أبويه » والخبر (٥) « عن الرجل يقول لأخيه : جاريتي لك حلال ، قال : قد حلت له ، قلت : فإنها ولدت ، قال : الولد له والام للمولى ، وإني أحب للرجل إذا فعل ذا بأخيه أن يمن عليه فيهبها له » ‌

يعني إذا جاءت بولد.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣٧ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء.

(٢) أشار إليه في الوسائل الباب ـ ٣٧ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ٤ وذكره في التهذيب ج ٧ ص ٢٤٧ والاستبصار ج ٣ ص ١٣٩ والكافي ج ٥ ص ٤٦٩ والفقيه ج ٣ ص ٢٩٠.

(٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ـ ٣٧ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ٤ ـ ٧ ـ ٦.

٣١١

( ثم إن شرط الحرية مع لفظ الإباحة فالولد حر ولا سبيل على الأب ) بلا خلاف ( وإن لم يشترط قيل ) والقائل الشيخ في غير خلافه : ( يجب على أبيه فكه بالقيمة ) ، بل هو المحكي عن الصدوق أيضا. ( وقيل ) والقائل المشهور شهرة عظيمة ، وفيهم من لا يعمل إلا بالقطعيات ( لا يجب وهو ) مع كونه كذلك ( أصح الروايتين ) وإن كانت الأخرى أيضا صحيحة ، كصحيح ضريس بن عبد الملك (١) « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل يحل لأخيه فرج جاريته وهي تخرج في حوائجه ، قال : هو له حلال ، قلت : فان جاءت بولد منه ما يصنع به؟ فقال : هو لمولى الجارية إلا أن يكون قد اشترط على مولى الجارية حين أحلها له إن جاءت بولد فهو حر ، قلت : فيملك ولده ، قال : إن كان له مال اشتراه بالقيمة » ‌وصحيح الحسن بن زياد العطار (٢) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن عارية الفرج ، فقال : لا بأس ، قلت : فان كانت أتت منه بولد ، فقال : لصاحب الجارية إلا أن يشترط عليه » ‌ورواية إبراهيم بن عبد الحميد (٣) عن أبي الحسن عليه‌السلام « في امرأة قالت لرجل : فرج جاريتي لك حلال ، فوطأ فولدت ولدا ، قال : يقوم الولد عليه بقيمته » ‌نعم ناقش في المسالك في سندها ، لكن يدفعها صحة الأولى بطريق الصدوق وأحد طريقي الشيخ والنص على توثيق الحسن بن زياد العطار.

بل يمكن الجمع بينها وبين الاولى بحمل تلك على صورة الاشتراط أو على الفك بالقيمة ، مؤيدا بإمكان الفرق بين عقد النكاح والتحليل بكون ذلك عقد نكاح يقتضي التشريك في النماء بخلاف التحليل الذي هو بمنزلة الإباحة ورفع المنع الذي لا يرفع مقتضى قاعدة تبعية نماء الملك لمالكه ، إلا أنه لما كان الجمع مشروطا بالمعادلة المفقودة هنا ـ للشهرة العظيمة بين الأصحاب المؤيدة بما سمعته سابقا من تبعية الولد لأشرف الأبوين نصا (٤) وفتوى التي لا فرق فيها بين عقد النكاح وغيره بعد‌

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ٣٧ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ١ ـ ٢ ـ ٥.

(٤) الوسائل الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء.

٣١٢

فرض كون الوطء صحيحا ولو شبهة ، بل في نصوص المسألة الإشارة إلى أن المقام فرد من أفرادها ، مضافا ، إلى بناء الحرية على التغليب والسراية وإلى ما في هذه النصوص من الاختلاف في الجملة باعتبار دلالة بعضها على كونه رقا وآخر على الحرية مع غرامة الأب قيمته ، بل كلام الخصم أيضا غير محرر بالنسبة إلى ذلك ـ عمل المشهور على تلك الأخبار ، وأطرحوا هذه النصوص ، أو حملوها على استحباب دفع القيمة من الأب أو غير ذلك ، ولعله الأقوى والله العالم.

المسألة ( الثالثة )

( لا بأس أن يطأ الأمة وفي البيت غيره ) يراه أو يسمعه وإن كره ذلك في الحرة ، للأصل وانحطاط رتبتها عنها ، و‌صحيح ابن أبي يعفور (١) عن الصادق عليه‌السلام : « في الرجل ينكح الجارية من جواريه ومعه في البيت من يرى ذلك ويسمعه ، قال : لا بأس » ‌بعد القطع بعدم الفرق بين المملوكة وغيرها ، وظهور إرادة عدم الكراهة من نفي البأس هنا ولو بقرينة معرفة السائل ونقصانه (٢) وأنه لا يسأل عن أصل الجواز المعلوم في الحرة فضلا عن الأمة ، وإنما سؤاله عن الكراهة الثابتة في الحرة ولكن مع ذلك للتسامح في الكراهة ومطلوبية الحياء للشارع والتستر في هذا الأمر قال في كشف اللثام : « لا يبعد القول بالكراهة ، لعموم النهي (٣) عن الوطء وفي البيت صبي يراهما ويسمع نفسيهما » وهو محتمل لإمكان حمل الصحيح على نفي الشدة خصوصا بعد‌ الخبر (٤) « لا يجامع الرجل امرأته ولا جاريته وفي البيت صبي » ‌والأمر سهل.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٧٥ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ١.

(٢) هكذا في النسخة الأصلية المبيضة ، وفي المسودة التي هي بخط المصنف طاب ثراه « وفقاهته » وهو الصحيح.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ـ ٦٧ ـ من أبواب مقدمات النكاح الحديث ـ ٠ ـ ١.

٣١٣

( و ) كذا لا بأس ( أن ينام بين أمتين ) لمرسل ابن أبي نجران (١) « إن أبا الحسن عليه‌السلام كان ينام بين جاريتين » ‌( و ) إن كان ( يكره ذلك في الحرة ) عند المشهور بين الأصحاب احتراما لهن بالتجنب عن إيذائهن ، لكن‌ في الخبر (٢) « لا بأس أن ينام الرجل بين أمتين والحرتين ، إنما نساؤكم بمنزلة اللعب » ‌ومن أجله وسوس بعض متأخري المتأخرين فيها ، لكن التسامح في أدلتها سهل الخطب فيه.

( ويكره ) أيضا ( وطء ) الأمة ( الفاجرة ) بالملك والعقد ، للعار ، وحذرا من اختلاط الماءين ، ومخالفة ظاهر الآية (٣) و‌في خبر محمد بن مسلم (٤) « سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن الحبشية يتزوجها الرجل ، قال : لا وإن كان له أمة وطأها ، ولا يتخذها أم ولد ».

بل ( و ) يكره له وطء ( من ولدت من الزنا ) وإن كانت هي عفيفة ، للعيب ، ولأنها لا تفلح ، و‌خبر الحلبي (٥) عن الصادق عليه‌السلام « سئل عن الرجل يكون له الخادم ولد زنا عليه جناح أن يطأها ، قال : لا وإن تنزه عن ذلك فهو أحب إلى » وحسن ابن مسلم (٦) عن أحدهما عليهما‌السلام « في رجل يشتري الجارية ويتزوجها بغير رشدة ويتخذها لنفسه ، قال : إن لم يخف العيب على نفسه فلا بأس » ‌بل عن ابن إدريس تحريم وطئها لكفرها ، وفيه منع تقدم في محله.

وبالجملة فلا ريب في دلالة فحوى هذه النصوص على مرجوحية وطء الزانية‌

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٨٤ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ٣ ـ ١.

(٣) سورة النور : ٢٤ ـ الآية ٣.

(٤) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٢ والباب ـ ٦٠ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ١ وفي الموضعين : « الخبيثة يتزوجها الرجل. كما في الكافي ج ٥ ص ٣٥٣.

(٥) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٥.

(٦) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٤‌ إن لم يخف العيب على ولده ».

٣١٤

مضافا إلى‌ خبر الحسين بن أبي العلاء (١) المروي عن خرائج الراوندي قال : « دخل على أبي عبد الله عليه‌السلام رجل من أهل خراسان فقال : إن فلان بن فلان بعث معي بجارية وأمرني أن أدفعها إليك ، قال : لا حاجة لي فيها ، إنا أهل بيت لا يدخل الدنس بيوتنا ، قال : لقد أخبرني أنها ربيبة حجره ، قال : لا خير فيها ، فإنها قد أفسدت ، قال : لا علم لي بهذا ، قال : أعلم أنه كذا » ‌بل‌ في خبر آخر عنه (٢) « أنه لما دخل عليه الرجل من خراسان قال له : ما فعل فلان؟ قال : لا علم لي به ، قال : أنا أخبرك به ، بعث معك بجارية لا حاجة لي فيها ، قال : ولم؟ قال : لأنك لم ترقب الله فيها حيث عملت ما عملت ليلة نهر بلخ ، فسكت الرجل ، وعلم أنه علم بأمر عرفه ».

المسألة الرابعة

لا يشترط في التحليل تعيين المدة ، للأصل وإطلاق النصوص (٣) خلافا للمحكي عن المبسوط ، ولا وجه له ، ولا ذكر مهر ، كما أنه لا نفقة لها ، بل لا سلطان له عليها لا ليلا ولا نهارا إلا بإذن السيد ، بخلاف الأمة المزوجة ، ففي القواعد إن عليه تسليمها للزوج ليلا وله استخدامها نهارا ، وكأنه لأنه إنما ملكه الانتفاع ببضعها فيبقى له الاستخدام ، والغالب في زمانه النهار ، كما أن الغالب في زمان الأول الليل ، ولذا بنى عليه القسم ، فلو أراد أحدهما عكس ماله لم يلزم الأخر إجابته وكذا لو آجرها للاستخدام ، فان عليه تسليمها نهارا ، وله الاستمتاع بها ليلا ، فلو أراد أحدهما الاستبدال لم يلزم الإجابة ، وقد وافقه على ذلك شارحاه : المحقق الثاني والفاضل الهندي.

بل فيها أيضا « أنها لو كانت محترفة وأمكنها ذلك في يد الزوج ففي وجوب تسليمها إليه نهارا لو أراده إشكال » بل في الشرحين أقربه وأصحه عدمه ، لأن‌

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٦٣ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ١ ـ ٢.

(٣) الوسائل الباب ـ ٣١ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء.

٣١٥

التزويج لم يقتض إلا التسليم ليلا وربما بدا للسيد استخدامها نهارا ، بل في الثلاثة أيضا أن للسيد أن يسافر بها ولعله لسبق حقه ، ولأنه مالك للرقبة وإحدى المنفعتين ، فكان جانبه أقوى ، نعم لو أراد الزوج السفر معها ليصحبها ليلا لم يكن له منعه ، لأن ذلك حق ثابت له ، لكن لا نفقة لها وإن تمكن منها نهارا ما لم يكن السفر برضاه ، فإنه يكون بمنزلة سفره بها ، كما في الثلاثة أيضا أن الأقرب تسلط الزوج على إخراجها من دار السيد ليلا لو أراده ، حتى أنه لو بذل لهما بيتا في داره لم تجب على الزوج إجابته.

وفيها أيضا أن النفقة إنما تجب على الزوج في الحضر لو تسلمها ليلا ونهارا ، أما لو تسلمها ليلا فقط فالأقرب كما عن المبسوط عدم وجوب شي‌ء منها لعدم التمكين التام ، ويحتمل وجوب الكل ، ككون التخلف بحق كالحيض والمرض ، ونصف النفقة أو نفقة الليل خاصة.

وفي القواعد أيضا « أنه لو قتلها السيد قبل الوطء ففي سقوط المهر نظر أقربه العدم ، كما لو قتلها أجنبي أو قتلت الحرة نفسها » وفي جامع المقاصد احتمال السقوط حتى في الأخيرين أيضا بل عن المبسوط إسقاطه في الأخير ، كما أن سقوطه بقتل الأجنبي الأمة قول ، لكونها حينئذ كتلف المبيع قبل قبضه.

لكن لا يخفى عليك ما في الجميع ، وعدم انطباقه على ما عند الإمامية من حرمة القياس والاستحسان والمصالح المرسلة ونحو ذلك من القول بالرأي ، ومن هنا خلت عن هذه الأحكام معظم كتب الأصحاب ، وانما وجدتها في كتب العامة كالاسعاد ونحوه ، بل أكثروا فيها من الخرافات ، وخصوصا في تحرير الوقت من الليل الذي يجب تسليمها فيه.

ولعل العمدة فيما ذكره الفاضل ما رواه‌ الراوندي في المحكي في نوادره بإسناده (١)

__________________

(١) المستدرك الباب ـ ٥٨ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ١ عن الجعفريات.

٣١٦

عن موسى بن جعفر عن آبائه عليهم‌السلام « إن عليا عليه‌السلام قال : إذا تزوج الحر أمة فإنها تخدم أهلها نهارا وتأتي زوجها ليلا ، وعليه النفقة إذا فعلوا ذلك » ‌بناء على كونه جامعا لشرائط الحجية ، ولم يكن خارجا مخرج التقية ، وإلا كان ذلك كله مشكلا ، فان المتجه على أصول الإمامية جريان حكم الزوجة عليها ، فيجب تسليمها حينئذ ليلا ونهارا ، نعم يجوز للسيد الانتفاع بها في كل منهما ما لم يعارض حق الاستمتاع بها ، وملك السيد لها لا يزيد على ملك الحرة نفسها الذي قد انقطع بعقد التزويج الوارد على ذلك والمقتضى تسلط الزوج على زوجته في جميع الأزمنة والأمكنة ، فإن الرجال قوامون على النساء ، وهن حرث لهم ، فليأتوا حرثهم أنى شاؤوا.

بل الظاهر عدم جواز سفر السيد بها بدون إذن الزوج بخلاف العكس ، وملك الرقبة لا ينافي ذلك ، فإنها أمانة في يد الزوج كالعين المستأجرة ، فإن لم يأمنه تولى هو حفظها ولو بالسفر معها على وجه لا يمنع استمتاع الزوج.

وبذلك يظهر وجوب تمام نفقتها عليه ، كما هو مقتضى إطلاق الأدلة المقتضي وجوب تسليمها إليه ، لمعلومية كون النفقة عوضا عن الاستمتاع ، اللهم إلا أن يدعى أن بناء نكاح الأمة على ذلك ، أي على الاستحقاق ليلا على وجه يكون كالشرط ، وإلا لم ينطبق شي‌ء من ذلك على أصولهم.

كما أنه لا ينطبق عليها سقوط المهر بالقتل الذي هو ليس من أسباب الفسخ للعقد المقتضى لوجوب المهر ، والنكاح ليس من المعاوضات المحضة فضلا عن أن يكون كالبيع حتى يشاركه في حكم التلف قبل القبض ، نعم بناء على سقوط المهر بالموت قبل الدخول للنصوص (١) التي تسمعها وتسمع الكلام فيها في محله يتجه هنا ذلك ، لا للقتل من حيث كونه قتلا فتأمل جيدا كي تعرف الحال فيما ذكره العامة أيضا من حكم تزويج العبد باذن سيده ، فإنهم أيضا قد ذكروا فيه أيضا ما يقرب مما سمعته ، لكن المتجه على أصولنا عدم تسلط السيد عليه ، حيث يجب عليه الوطء والقسم ونحوهما ، أما مع عدم شي‌ء منهما فللسيد منعه واستخدامه ليلا ونهارا ، فإن الإذن‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٥٤ و ٥٨ من أبواب المهور.

٣١٧

بتزويجه لا تقتضي رفع اليد عنه ليلا على وجه تستحقه الزوجة مطلقا ، اللهم إلا أن يستفاد من فحوى ما سمعته في الأمة بناء على ثبوت الحكم فيها ، والله العالم.

( ويلحق بالنكاح النظر في أمور خمسة )

( النظر الأول ما يردّ به النكاح )

( وهو يستدعي بيان ثلاثة مقاصد )‌

( المقصد الأول في العيوب )

( في العيوب وهي إما في الرجل ) وإما في المرأة ، فعيوب الرجل المتفق على الفسخ بها ( ثلاثة ) بل أربعة ( الجنون والخصاء والعنن ) والجب ( فالجنون ) الذي هو مرض في العقل يقتضي فساده وتعطيله عن أفعاله وأحكامه ولو في بعض الأوقات ، من الجنان أو الجن بالكسر أو الجن بالفتح ، فالمجنون من أصيب جنانه أي قلبه ، أو أصابته الجن ، أو حيل بينه وبين عقله فستر عقله ، نعم لا عبرة بالسهو الكثير السريع الزوال ، ولا الإغماء الذي يكون عن هيجان المرة أو غلبة المرض أو نحو ذلك مما لا يصدق معه اسم الجنون ، وإلا فلو فرض كونه على وجه يصدق عليه ذلك ترتب عليه حكمه ، بل لعله داخل في مفهومه لغة وإن خص في العرف باسم آخر ، حتى قيد الجنون بأن لا يكون في عامة الأطراف فتور ، وإليه يرجع ما عن الشيخ وابن البراج من أن الجنون ضربان : أحدهما خنق والثاني غلبته على العقل من غير حادث مرض ، وهذا أكثر ، وأيهما كان فالخيار لصاحبه ، وإن غلب عقله المرض فلا خيار ، فإن بري‌ء من مرضه فلا كلام ، وإن زال المرض وبقي الإغماء فهو كالجنون لصاحبه الخيار ، وكيف كان فالجنون فنون.

وعلى كل حال هو ( سبب لتسلط الزوجة ) الجاهلة ( على الفسخ دائما‌

٣١٨

كان ) الجنون ( أو أدوارا ) للصدق إذا كان سابقا على العقد أو مقارنا له بلا خلاف معتد به أجده فيه ، بل الإجماع إن لم يكن محصلا ، فهو محكي عليه ، لنفي الضرر والضرار والغرور والتدليس ولفحوى خبر علي بن أبي حمزة (١) الآتي في المتجدد بعد التزويج بناء على أولوية غيره منه في ذلك ، قيل : ولصحيح الحلبي (٢) « إنما يرد النكاح من البرص والجذام والجنون والعفل » ‌والذي عثرنا عليه في الأصول عنه‌ عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه قال : « في رجل يتزوج إلى قوم ، فإذا امرأته عوراء ولم يبينوا له ، قال : لا يرد ، إنما يرد النكاح من البرص والجذام والجنون والعفل ، قلت : أرأيت إن كان قد دخل بها كيف يصنع بمهرها؟ قال : لها المهر بما استحل من فرجها ، ويغرم وليها الذي أنكحها مثل ما ساق إليها » ‌ورواه‌ في الكافي (٣) « سألته عن رجل يتزوج إلى قوم ، فإذا امرأته عوراء ولم يبينوا له ، قال : يرد النكاح من البرص والجذام والجنون والعفل » ‌وكان بناء الاستدلال على عدم تخصيص الوارد بالمورد ، ولكن فيه أنه كذلك بعد معلومية استقلال الجواب ، ومن المحتمل قراءة الفعل هنا بالمعلوم ، فيكون الضمير فيه راجعا إلى الرجل ، فلا يكون مستقلا ، ولعله لذا لم يحكم الأكثر ـ كما ستعرف ـ بالخيار لها في الجذام والبرص ، نعم رواه‌ الشيخ في موضع من التهذيب (٤) « إنما يرد النكاح ـ إلى قوله ـ : والعفل » ‌من دون تقدم شي‌ء آخر وتأخره ، لكن من المعلوم أن ذلك من تقطيع الشيخ ، لا أنه خبر مستقل للحلبي كما يومئ إليه اتحاد السند. وعلى كل حال فالاستدلال به لا يخلو من إشكال.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب العيوب والتدليس الحديث ١.

(٢) ذكر صدره في الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب العيوب والتدليس الحديث ٦ وذيله في الباب ـ ٢ ـ منها الحديث ٥.

(٣) أشار إليه في الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب العيوب والتدليس الحديث ٦ وذكره في الكافي ج ٥ ص ٤٠٦.

(٤) التهذيب ج ٧ ص ٤٢٤ ـ الرقم ١٦٩٣.

٣١٩

ومنه يعلم أيضا ما في الاستدلال عليه بأولوية ثبوته للمرأة في الرجل من العكس الثابت نصا (١) وفتوى كما ستعرف ، لكون الرجل له طريق تخلص بالطلاق دونها فإنه يمكن منع القطع بها ، خصوصا بعد‌ قول الصادق عليه‌السلام في خبر عباد الضبي (٢) الآتى : « والرجل لا يرد من عيب » ‌كما أن الواضح منع كونها من قبيل فهم حرمة مطلق الإيذاء من النهي عن التأفيف (٣).

ولعله لذا توقف في الحكم بعض متأخري المتأخرين ، وخصه في المتجدد دون السابق ، قال : « والظاهر أن الوجه فيه عدم صحة النكاح لو فرض قبل العقد ، إلا أن يكون الجنون أدوارا وعقد في حال الصحة ، أو قلنا بجواز تزويج الولي فيه » لكن قد عرفت ما فيه مع فرض الصحة التي هي محل البحث ولو بالعقد من الولي حال كونه صغيرا مجنونا : من أنه يكفى أولويته من الجنون بعده في الحكم المزبور والإجماع المحكي وغير ذلك.

بل الظاهر عدم الفرق فيه بعد صدق اسمه بين عقله أوقات الصلاة وعدمه ، خلافا لظاهر المحكي عن ابن حمزة من تقييد الخيار بذلك مطلقا بل ربما حكي أيضا ذلك عن المبسوط والمهذب مشعرين بالإجماع عليه ، كما عن الصدوق نسبته إلى الرواية (٤) ولعله لدعوى توقف الصدق على ذلك ، وفيها منع ، وما عن‌ الفقه المنسوب إلى الرضا عليه‌السلام (٥) « إذا تزوج رجل فأصابه بعد ذلك جنون فبلغ منه مبلغا حتى لا يعرف أوقات الصلاة فرق بينهما ، وإن عرفت أوقات الصلاة فلتصبر‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب العيوب والتدليس.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب العيوب والتدليس الحديث ٢ عن عباد الضبي كما يأتي.

(٣) سورة الإسراء : ١٧ ـ الآية ٢٣.

(٤) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب العيوب والتدليس الحديث ٣.

(٥) المستدرك الباب ـ ١١ ـ من أبواب العيوب والتدليس الحديث ١.

٣٢٠