جواهر الكلام - ج ٣٠

الشيخ محمّد حسن النّجفي

بل ربما أيد بأنها قبل التحليل محرمة وإنما حلت به ، فالسبب واحد ، وفيه أنه حينئذ يكون تمام السبب لا السبب التام في الإباحة ، ضرورة اختصاص التحليل بحصة الشريك لا بالجميع ، وتحقق المسبب عند تمام السبب لا يوجب كون الجزء الأخير سببا تاما ، اللهم إلا أن يريد باتحاد السبب بناء على التحليل من ملك اليمين كون الوطء حينئذ بالمتحد وإن اختلفت جهة ذلك بملك الرقبة في النصف والمنفعة في النصف الأخر.

لكن مع ذلك رده في النافع والمسالك وغيرهما بالضعف الذي قد يشعر به هنا نسبته إلى الرواية ، ولعلهم لحظوا رواية الشيخ له في أول كتاب النكاح عن محمد ابن مسلم (١) بطريق فيه علي بن الحسن بن الفضال ، وهو ـ مع أنه ليس ضعيفا ، لكونه من الموثق الذي قد ثبتت حجيته في الأصول ـ قد عرفت روايته صحيحا.

( و ) من هنا يظهر لك النظر فيما ( قيل ) من أنه ( لا ) يجوز ، بل لعله المشهور لأن سبب الاستباحة لا يتبعض فإنه ـ بعد تسليم كون ما نحن فيه من ذلك ـ كالاجتهاد في مقابلة النص الصحيح الصريح الذي لا يقصر عن تقييد ما يقتضي عدم الجواز من الأصل وقاعدة التبعيض ، فلا ريب في أن المتجه العمل به ، بل عن ابن حمزة أنه إذا هايأها مولياها فتمتع بها أحدهما في يوم الشريك باذنه جاز ، لفحوى الصحيح السابق التي لا ينافيها بعد فرضها أن المهاياة إنما تتعلق بالخدمة دون العين والبضع ، فتأمل.

( وكذا لو ملك ، نصفها وكان الباقي حرا لم يجز له وطؤها بالملك ولا بالعقد الدائم ) اتفاقا لتبعض السبب ، ولا بالمنقطع في غير محل النص كذلك ولا بالتحليل المختص جوازه بالمولى دون المرأة نفسها كما سمعت التصريح به في الصحيح ، ( فـ ) لا ريب في عدم جوازه ، نعم ( إن هايأها على الزمان قيل ) كما عن الشيخ وجماعة ( يجوز أن يعقد عليها متعة في الزمان المختص بها ) لكونها‌

__________________

(١) أشار الى هذا السند في الوسائل الباب ـ ٤١ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ١ وذكره في التهذيب ج ٧ ص ٢٤٥ الرقم ١٠٦٧.

٢٤١

كالإجارة في كون موردها المنفعة المفروض اختصاصها به في هذا الزمان ( و ) مع ذلك فـ ( هو مروي ) في الصحيح (١) الذي سمعته. ( و ) لكن ( فيه تردد ) عند المصنف لذلك و ( لما ذكرناه من العلة ) وهو لزومه تبعيض السبب ، فإنها لم تخرج بالمهاياة عن ملك المولى ، على أن منافع البعض لا تعلق لها بالمهاياة وإلا لحل لها المتعة بغيره في أيامها ، وهو باطل اتفاقا على ما في المسالك ومحكي نهاية المرام ، إلا أنا لم نتحققه ، وعلى تسليمه ينبغي اختصاص المنع به ، لا الأعم منه ومن المولى الذي جوازه صريح النص الصحيح القابل لتقييد دليل عدم الجواز ، ومن هنا كان العمل به متجها خصوصا بعد ظهور توهم الضعف ممن رده إلا أن الانصاف عدم ترك الاحتياط ، والله العالم.

( ومن اللواحق )

ومن اللواحق في نكاح الإماء ( الكلام في الطواري ) على عقد الأمة الموجبة حكما لم يكن قبلها من التسلط على الفسخ والتحريم في بعض الموارد ( و ) من هنا كان تسميتها بالطواري أولى من المبطلات ، ضرورة عدم إبطالها في جميع الأحوال ، نعم ( هي ) كثيرة لكن خص المصنف منها ( ثلاثة : العتق والبيع والطلاق ) لكثرة مباحثها وتشعب أحكامها مع ذكر الغير في ضمنها أوفى محل آخر يناسبه والأمر سهل.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤١ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ١.

٢٤٢

( أما العتق )

( فإذا أعتقت المملوكة كان لها فسخ نكاحها ) لا أن النكاح بينهما باطل ، وإن كان قد يوهمه‌ قول الصادق عليه‌السلام في صحيح عبد الله بن سنان (١) « إذا أعتقت مملوكيك فليس بينهما نكاح ، وقال : إن أحببت أن يكون زوجها كان ذلك بصداق » ‌لكن يجب إرادة الخيار منه بقرينة التصريح به في غيره من النصوص (٢) المعتضدة بالفتاوي ، بل وفيه بعد ذلك ، قال : و « سألته عن الرجل ينكح عبده أمته ثم أعتقها قال : نعم تخير فيه إذا أعتقت » ‌سواء كانت تحت عبد أو حر على المشهور بين الأصحاب ، بل هو في العبد مجمع عليه بين المسلمين فضلا عن المؤمنين ، مضافا إلى إمكان دعوى تواتر النصوص فيه (٣).

بل خص الخيار بعضهم به ، وإليه أشار المصنف بقوله ( ومن الأصحاب من فرق ) بين الحر والعبد مشيرا بذلك إلى الشيخ في محكي المبسوط والخلاف ، بل اختاره هنا ، فقال ( وهو أشبه ) بأصالة اللزوم في العقد وقاعدة الاقتصار على المتيقن ، ولأن الأصل في هذا الحكم عتق عائشة لبريرة فخيرها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٤) ولم تثبت حريته ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام في خبر العيص (٥) : « وبريدة كان لها زوجا فلما أعتقت خيرت » وقال عليه‌السلام أيضا في مرسل أبان (٦) : « قال أمير المؤمنين عليه‌السلام في بريرة ثلاث من السنن حين أعتقت في التخيير وفي الصدقة وفي الولاء » ‌بل‌ في خبر سماعة (٧) قال : « ذكر أن بريرة مولاة عائشة كان لها زوج عبد ، فلما أعتقت قال لها رسول‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٥٣ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ١ وذكر ذيله في الباب ـ ٥٢ ـ منها الحديث ١ وفي الذيل‌ « ثم أعتقها تخير فيه أم لا؟ قال : نعم » ..

(٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ٥٢ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء.

(٤ و ٥ و ٦ و ٧) الوسائل الباب ـ ٥٢ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ٢ ـ ٣ ـ ٥ ـ ٦.

٢٤٣

الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اختاري إن شئت أقمت مع زوجك ، وإن شئت فلا » وفي خبر العجلي (١) عن أبى عبد الله عليه‌السلام قال : « كان زوج بريرة عبدا » وفي خبر ابن سنان (٢) عنه عليه‌السلام أيضا « إنه كان لبريرة زوج عبد ، فلما أعتقت قال لها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اختاري » ‌بل ربما كان في الأخير رائحة اعتبار العبدية في التخيير ، مؤيدا ذلك بمعلومية كون المنشأ في هذا الخيار نفي الضرر والضرار ، وهو يتحقق في العبد باعتبار كونه ملكا للغير لا يورث ، ولا ولاية له على أولاده ، ولا ينفق عليهم ، إلى غير ذلك مما هو معلوم ، بخلاف الحر.

لكن الجميع كما ترى بعد إطلاق‌ قول الصادق عليه‌السلام في صحيح الكناني (٣) « أيما امرأة أعتقت فأمرها ، بيدها إن شاءت أقامت معه ، وإن شاءت فارقته » وقوله عليه‌السلام في مرسل ابن بكير (٤) : « في رجل حر نكح أمة مملوكة ثم أعتقت قبل أن يطلقها ، قال : هي أملك ببضعها » ‌وقوله عليه‌السلام أيضا في خبر الشحام (٥) و‌قول الرضا عليه‌السلام في خبر محمد بن آدم (٦) : إذا أعتقت الأمة ولها زوج خيرت ، إن كانت تحت حر أو عبد » ‌ومن هنا كان خيرة الأكثر عدم الفرق ، والضعف في السند منجبر بالشهرة والتعاضد ، بل ربما يومئ إليه‌ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لبريرة على ما في بعض الأخبار « ملكت بضعك فاختاري » ‌لا لإيمائه كقوله عليه‌السلام : « هي أملك ببضعها » ‌إلى كون المنشأ في التخيير صيرورتها حرة مالكة بضعها ، من غير فرق بين حرية الزوج ومملوكيته.

ومنه يعلم ما في دعوى كون منشئه الضرر ، كما أنه يعلم من ذلك كله ما في الأدلة السابقة التي لا تصلح معارضا لما عرفت ، بل‌ روى (٧) « أن زوج بريرة كان حرا » فلا ريب حينئذ أن الأشبه التعميم لا التفصيل ، كما أنه لا فرق في ثبوت الخيار المزبور بين ما قبل الدخول وبعده ، لإطلاق الأدلة ، نعم في القواعد وغيرها‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٥٢ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ٤ ـ ٩ ـ ٨.

(٤ و ٥ و ٦) الوسائل الباب ـ ٥٢ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ١١ ـ ١٣ ـ ١٢.

(٧) سنن البيهقي ج ٧ ص ٢٢٣.

٢٤٤

« إلا إذا زوج ذو المائة مثلا أمة بمأة وقيمتها مائة ثم أعتقها في مرض موته أو أوصى بعتقها لم يكن لها الفسخ قبل الدخول ، وإلا لسقط المهر بناء على سقوطه بذلك منها قبل الدخول ، فلم تخرج من الثلث ، لأنها حينئذ نصف ماله ، فيبطل عتق بعضها ، وهو ثلثها ، فيبطل خيارها المعتبر فيه عتقها أجمع على ما ستعرف ، فيدور الفسخ إلى الفساد ، ويكون مما يستلزم وجوده عدمه ».

وقد يناقش فيه بأن نفوذ العتق يكفى فيه سعة الثلث له حاله ، والنقصان بعد ذلك بسبب آخر من غير المريض لا ينافيه ، لكن يدفعها ظهور النص (١) والفتوى في ذلك المقام إن كل نقص يدخل التركة مرتب على فعل الموصى لا ينفذ إلا من الثلث ، نعم يمكن المناقشة بعدم اقتضاء الدور اختصاص الأمة بعدم الفسخ ، إذ يمكن رفعه بعد إرجاع مثل هذا النقص إلى الثلث لاستلزامه الدور أو بغير ذلك ، بل لعله أولى من تخصيص دليل عدم الفسخ لها لضعف دليل ما يقتضي الإرجاع إلى الثلث حتى في نحو المقام خصوصا بعد ملاحظة قاعدة التسلط وغيرها مما يقتضي بالنفوذ في الأصل وإن قلنا بخروج غير المقام ، فتأمل جيدا.

وعلى كل حال فإذا اختارت الفراق في موضع ثبوته قبل الدخول سقط المهر من غير خلاف يعرف فيه ، لكون الفسخ منها قبل الدخول ، ولأنه كتلف المبيع قبل قبضه ، ولكون النكاح كالمعاوضة المبنية على التسليم بالتسليم ، لكن قد يناقش بثبوت المهر بالعقد ، وكون الفسخ من قبلها على تقدير اقتضائه سقوط المهر انما يؤثر لو كان المهر لها لا إذا كان لغيرها ، والقياس على تلف المبيع قبل قبضه باطل عندنا وبناء هذه المعاوضة على احتمال جريان أمثال هذه العوارض فيها.

وإن اختارت الفراق في موضع ثبوته بعد الدخول كان المهر ثابتا لمولاها بلا خلاف أجده فيه ، بل ولا إشكال إذا كان العتق بعد الدخول ، أما إذا كان قبله ولم تعلم به حتى دخل بها ثم علمت ففسخت ففي محكي التحرير والمبسوط يثبت لها مهر المثل ، لاستناد الفسخ إلى العتق ، ولم يستقر المسمى قبله ، فالوطء خال‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من كتاب الوصايا.

٢٤٥

عن النكاح ، بل لا بد أن يكون مهر المثل لها لا للمولى ، وفيه أن الفسخ هو الموجب للانفساخ لا العتق ، فالمتجه كونه للسيد مطلقا ، نعم إن قلنا : إن المهر يجب بالدخول لا بالعقد اتجه حينئذ وجوب المسمى لا مهر المثل لها ، لأن الفرض كون الدخول بعد العتق.

ومن ذلك يعلم الحكم فيما لو اختارت المقام وكان العتق قبل الدخول ، فان المهر حينئذ للسيد إن أوجبناه بالعقد كما هو التحقيق ، ولها إن أوجبناه بالدخول ، وان اختارت المقام بعد الدخول بها أمة ثم أعتقت كان المهر للمولى قطعا.

ولو لم يسم المولى شيئا بل زوجها مفوضة البضع فان دخل قبل العتق فالمهر المفروض أو مهر المثل للسيد ، لوجوبه لها وهي في ملكه ، وإن دخل بعده أي العتق أو فرض المهر بعده وإن لم يدخل فان قلنا صداق المفوضة يجب بالعقد وإن لم يفرض لها ، وإنما الفرض كاشف عن قدر الواجب فهو للسيد ، وإن قلنا إنما يجب بالدخول أو بالفرض إن كان قبل الدخول فهو لها ، لوجوبه حال الحرية ، هذا كله في مفوضة البضع ، أما مفوضة المهر فهي هنا كمن سمي لها.

ثم إن ظاهر النص (١) والفتوى عدم الفرق في خيارها بين كون النكاح دائما أو منقطعا ، وهو كذلك إذ احتمال عدم الخيار لها في المنقطع لكونه كالإجارة التي لا تنفسخ بالعتق واضح الضعف ، نعم قد يناقش في استقرار المهر أجمع لو كان الفسخ بعد الدخول بعدم وفائها بالمدة ، فيتجه التوزيع ، وقد يدفع بمنافاة التوزيع للقواعد ، وأقصى ما ثبت فيمن لم تف بما هو حق عليها لا في مثل الفرض الذي كان لها الخيار بالشرع ، والله العالم.

ولو أعتقت في العدة الرجعية فالظاهر أن لها الفسخ في الحال ، ضرورة أولويته من فسخ النكاح المستقر ، وفائدته حينئذ سقوط الرجعة وعدم الافتقار الى عدة أخرى ، لأنها اعتدت بالطلاق ، والفسخ لم يبطل العدة ، ولكن لا تكفيها عدة الأمة بل تتم عدة الحرة ، لصيرورتها كذلك ، ولو اختارت المقام لم يصح ، لحصول الطلاق‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٥٢ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء.

٢٤٦

من الزوج ، فان لم يراجعها حينئذ في العدة بانت ، وإن راجعها فيها ففي القواعد كان لها خيار الفسخ ، ولعله لفساد الاختيار في العدة وانتفاء ما ينافي الفورية ، فإن الطلاق قاطع للنكاح ، فتعتد عدة أخرى حينئذ عدة حرة لانقطاع الاولى بالرجوع المفروض ، وإن سكتت قبل الرجعة لم يسقط خيارها بطريق أولى ، فإن السكوت لا يدل على الرضا ، ولو دل فلا يزيد على اختيار النكاح.

هذا ولكن قد يقال بمنع عدم تأثير اختيارها البقاء باعتبار وجود علقة النكاح التي هي صارت سببا لصحة الفسخ منها ، بل لعل ذلك لازم لصحة اختيارها البقاء وإن كان هو لا يمضى على الزوج المفروض حصول سبب آخر منه لفسخ النكاح ، نعم ثمرته عدم جواز الفسخ لها لو رجع بها ، لكون الفرض اختيارها بقاء علقة العقد الأول.

ومن ذلك يعلم حال السكوت بناء على دلالته على الرضا بالبقاء ، أو على منافاته الفورية بعد ما عرفت من صحة اختيارها الفسخ والبقاء حال الطلاق وترتب ما عرفت عليهما.

ولو كان الطلاق بائنا فأعتقت لم يكن محلا للفسخ ولا للبقاء ، فلا خيار لها حينئذ ، وكذا لو أعتقت ولم تفسخ لعدم علمه ونحوه مما لا ينافي الفورية ، لكن في القواعد احتمل إيقافه أي الطلاق ، فان اختارت الفسخ بطل وإلا وقع ، واحتمل وقوعه ، وكان منشأ الاحتمال الأول التنافي بين الطلاق والفسخ ، فان نفذ الطلاق بطل حقها من الفسخ ، ولا يمكن القول ببطلانه ، لوقوعه مستجمعا لشرائطه ، فيقع موقوفا كما لو طلق في الردة ، فإنه يوقف فان عاد إلى الإسلام تبين صحته وإلا تبين فساده.

وفيه ما لا يخفى من أنه لا وجه لوقوع الطلاق موقوفا بعد فرض استجماعه لشرائط الصحة من كامل صحيح العبارة مع بقاء الزوجية ، وعدم صلاحية الاختيار للمنع ، لاتحاد مقتضاهما ، وهو انفساخ النكاح ، والفرق بين العتق والردة بظهور البينونة حال الارتداد إن لم يعد بخلاف ما إذا أعتقت ، فإنها لا تبين إلا بالفسخ.

٢٤٧

وأضعف من ذلك ما عن المبسوط من احتمال بطلان الطلاق من رأس ، فإنها غير معلومة الزوجية ، وعدم وقوع الطلاق موقوفا وقال : إنه اللائق بمذهبنا ، إذ هو كما ترى ، وإنما اللائق ما عرفت من نفوذ الطلاق وعدم مصادفة العتق محلا للاختيار كما هو واضح.

ولا يفتقر فسخ الأمة إلى الحاكم لإطلاق الأدلة ، فما عن الشافعية من احتمال الافتقار في غاية الضعف ، كما أن ما عن بعضهم من ثبوت الخيار لها لو أعتق بعضها كذلك ، ضرورة عدم الخيار لها حينئذ عندنا ، للأصل وفهم عتق الكل من النص (١) والفتوى خصوصا من نحو‌ قوله عليه‌السلام (٢) « هي أملك ببضعها » ‌نعم إن كملت بعتق كلها اختارت حينئذ ، ضرورة كونها حينئذ كالأمة المعتقة كلا من أول الأمر.

ولو لم تختر حتى ينعتق العبد على وجه لا ينافي الفورية كان لها الخيار على المختار من عدم الفرق بين الحر والعبد في خيارها بلا إشكال ، بل يقوى على غيره أيضا كما عن المبسوط ، لأنه ثبت سابقا حين كان عبدا فلا يسقط بالحرية كغيره من الحقوق على العبد أو غيره ، فكما لا يسقط بعد الثبوت إلا بما يعلم إسقاطه لها فكذا الاختيار ، ويحتمل السقوط لزوال الضرر ، كالعيب إذا علم المشتري به بعد زواله ، ولأن زوجها حين الاختيار حر لا ينفذ فيه الاختيار ، ولأن الرقية شرطه ابتداء فكذا استدامة ، وفيه منع كون العبرة بحين الاختيار ، بل حين ثبوته ، ومنع الشرط استدامة.

ولو عتقت تحت من نصفه حر كان لها الخيار على المختار بلا إشكال ، بل في القواعد لها ذلك أيضا على غيره ، لعله لتحقق النقص برقية البعض ، وفيه أن الخيار على خلاف الأصل ، فينبغي الاقتصار فيه على المتيقن ، وهو غير المفروض.

( و ) كيف كان فـ ( الخيار على الفور ) اتفاقا على الظاهر كما في كشف اللثام ، بل في الرياض حكاية الاتفاق عن طائفة ، وهو إن تم الحجة ، لا ما قيل من‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٥٢ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء.

(٢) الوسائل الباب ـ ٥٢ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ١١.

٢٤٨

الاقتصار على المتيقن المنافي لإطلاق الأدلة ، بل لعل فورية الخيار على خلاف الأصل لمنع كونه من التخصيص بالأزمان ، فأصالة بقاء الزوجية ولزوم المناكحة منقطعة حينئذ بالعتق المقتضي للخيار المستصحب بقاؤه ، فيعكس الأصل حينئذ ، ومن تعليق الخيار على العتق بالفاء المفيدة للتعقيب بلا مهلة في بعض الروايات العامية (١) التي هي غير حجة عندنا بعد فرض تسليم الدلالة على أنها معارضة بما‌ في بعضها (٢) مما هو مقتض للتراخي من « دوران معتب خلف بريرة في سلك المدينة باكيا يترضاها وجعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شفيعا في ذلك ، حتى قال لها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقالت : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أتأمرني؟ فقال لها : لا بل إنما أنا شافع ، فقالت : لا حاجة لي فيه » ‌واحتمال أن ذلك كله قد كان للعقد عليها جديدا مناف لظاهر ما‌ في بعضها من أنه (٣) « يدور خلفها يترضاها لتختاره » ‌وقد ظهر من ذلك أن العمدة في الفورية الإجماع المزبور إن تم.

ومن هنا اتجه بقاء خيارها لو أخرت الفسخ للجهل بالعتق أو الخيار كما عن الأصحاب القطع به ، بل لعله كذلك لو جهلت الفورية ، وإن ناقش فيه بعضهم ، بل وفي صورة الجهل بالخيار بعد العلم بالعتق ، وكذا لو نست أحدهما ، ضرورة عدم الإجماع في هذا الحال ، بل لعله محقق على العكس ، ومنافاة السقوط لحكمة مشروعية الخيار وهي الإرفاق ، مضافا إلى بقاء إطلاق الأدلة في هذه الأحوال ، بل في المسالك والرياض قبول دعواها في الجهل والنسيان بيمينها مع الإمكان في حقها ، لأن ذلك لا يعرف إلا من قبلها ، وأصالة الجهل مستصحبة ، وهو جيد في الجهل ، أما في النسيان فقد يناقش بأصالة عدمه ، فهي مدعية محضة ، وعدم العلم بالنسيان إلا من قبلها لا يصيرها بحكم المنكر بعد أن لم يكن عنوانا للحكم ، وإلا لاقتضى ذلك تقديم مدعي النسيان في كثير من الموارد المعلوم كون الحكم بخلافها ، فتأمل.

ولو أعتقته الصغيرة أو المجنونة تخيرتا فورا عند البلوغ والرشد بناء على عدم‌

__________________

(١) سنن البيهقي ج ٧ ص ٢٢١.

(٢ و ٣) سنن البيهقي ج ٧ ص ٢٢٢.

٢٤٩

قيام الولي مقامهما في هذا الاختيار المبتني على الشهوة وإن كان لا يخلو من مناقشة إن لم يكن إجماعا ، خصوصا بعد مضي التزويج على المولوي عليها لو زوجها الولي بمملوك ، وعلى كل حال فللزوج الوطء قبل الكمال أو بعده قبل الفسخ ، وإن كان لها الفسخ ، لبقاء الزوجية من غير مانع ، كما هو واضح ، وليس الفسخ طلاقا خصوصا إذا كان منها ، فإذا فسخت ثم تزوجها بعقد جديد كانت عنده على ثلاث طلقات إن لم يطلقها قبله ، وهو واضح ، كوضوح عدم جواز المراجعة لها بعد أن تفسخ إلا بعقد جديد ، ضرورة انفساخ عقدها الأول بفسخها المفروض ، فما عن ابن الجنيد ـ من أنها لو اختارت رجعته بعد أن اختارت مفارقته كان ذلك لها ما لم تنكح زوجا غيره ـ واضح الفساد بعد معلومية كون المراد من نحو الدليل في المقام الخيار ابتداء كغيره من أفراده.

( ولو أعتق العبد لم يكن له خيار ) وإن كان قد زوجه مولاه مكرها ، للأصل بعد اختصاص الدليل بالأمة ، وحرمة القياس خصوصا مع الفرق بينها وبينه بأن الطلاق المستغنى به عن الخيار بيده دونها ، خلافا للإسكافي فأثبت له الخيار إذا أعتق وبقيت الزوجة أمة ، ولابن حمزة حيث قال فيما حكي عنه : « إذا كانا لمالكين وأعتق أحدهما كان له الخيار دون سيد الأخر ، وإن أعتقا معا كان للمرأة الخيار ـ ثم قال بعد ذلك ـ إن أعتق العبد سيده ولم يكرهه على النكاح لم يكن له الخيار ، وإن أكرهه كان له ذلك » ولكن الجميع كما ترى وإن كان الأخير خيرة الفاضل في المختلف ، معللا له بأنه كالحرة المكرهة ، وهو واضح الفساد ، ضرورة الفرق بينهما بمشروعية الإكراه فيه دونها ، فلا ريب في أن المتجه عدم الخيار له مطلقا بل ( ولا لمولاه ) وإن كان تحته أمته ، لخروجه بالحرية عن ولاية السيد عليه.

( و ) اولى من ذلك انه ( لا ) خيار ( لزوجته حرة كانت أو أمة لأنها رضيته عبدا ) فأحق أن ترضى به حرا ، كما أومأ إليه‌ الصادق عليه‌السلام في خبر علي بن‌

٢٥٠

حنظلة (١) « في رجل زوج أم ولد له من عبد فأعتق العبد بعد ما دخل بها يكون لها الخيار؟ قال : لا قد تزوجته عبدا ورضيت به ، فهو حين صار حرا أحق أن ترضى به » وفي خبر أبي بصير (٢) عنه عليه‌السلام أيضا « في العبد يتزوج الحرة ثم يعتق فيصيب فقال : لا يرجم حتى يواقع الحرة بعد ما ينعتق ، قلت : للحرة عليه الخيار إذا أعتق ، قال : لا قد رضيت به وهو مملوك ، فهو على نكاحه الأول ».

( ولو زوج عبده أمته ثم أعتق الأمة أو أعتقهما كان لها الخيار ) للإطلاق الذي لا فرق فيه بين اتحاد المولى وتعدده ، نعم قد يشكل الخيار فيما لو أعتقا معا على مختار المصنف بعدم كون الزوج عبدا حين عتقها ، لكون الفرض حريتهما دفعة ، نعم هو متجه على المختار.

( وكذا لو كانا لمالكين فأعتقا دفعة ) اللهم الا يكون الخيار عنده مطلقا إلا إذا كان الزوج حرا وهي أمة ، فإنه يتجه حينئذ جزمه بالخيار هنا وإن اختار هناك التفصيل ، فينحصر سقوط خيارها عنده بما إذا كان الزوج حرا وهي أمة ثم أعتقت ولو بان سبق عتقه عتقها ، لكن لا يخفى عليك صعوبة مساعدة الأدلة على ذلك والأمر سهل بعد ما عرفت من عدم الاشكال فيه وفي غيره على المختار ، والله العالم.

( و ) لا خلاف في أنه ( يجوز أن يجعل عتق الأمة صداقها ) ، بل الإجماع بقسميه عليه ، مضافا إلى استفاضة النصوص (٣) أو تواترها به وإن كان‌ الأصل فيه « أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٤) اصطفى صفية بنت حي بن أخطب من ولد هارون عليه‌السلام في فتح خيبر ثم أعتقها وتزوجها وجعل عتقها مهرها بعد أن حاضت حيضة‌ حتى زعم مخالفونا أن ذلك من خواصه ، لكن اتفقت النصوص (٥) والفتاوى على خلافهم ، وكفى بذلك دليلا على الحكم ، فلا وجه للإشكال فيه بعدم جواز نكاح المالك‌

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٥٤ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ٢ ـ ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ١١ و ١٢ و ١٤ و ١٥ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء.

(٤) البحار ج ٢٢ ص ٢٠٤ ط الحديث.

(٥) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء.

٢٥١

أمته ، وبعدم جواز جعل العتق مهرا ، ولأنه لا بد من تحقق المهر قبل النكاح ، وبلزوم الدور لتوقف النكاح على العتق وبالعكس ، إذ هو من الاجتهاد في مقابلة النص على أنه يمكن دفع الجميع بأن العتق لما اقترن بالنكاح لم يتزوج أمته ، ضرورة كون المسلم منعه عدم اجتماع التزويج والملك ، لا ما كان نحو المقام الذي يقتضي عموم الأدلة وإطلاقها جوازه ، وبمنع لزوم تحقق المهر قبل النكاح ، بل يكفى فيه المقارنة أيضا ، كما أن النكاح يتوقف على اقتران العتق به لا على سبقه له كي يلزم الدور ، إلا أن الانصاف مع ذلك مخالفة المسألة للقواعد في الجملة.

( و ) إنما الكلام في أنه ( يثبت عقده عليها بشرط تقديم لفظ العقد على العتق بأن يقول : تزوجتك وأعتقتك وجعلت عتقك مهرك ) كما هو المشهور على ما حكاه غير واحد ( لأنه لو سبق بالعتق لكان لها الخيار في القبول والامتناع ) كما تضمنه‌ خبر علي بن جعفر (١) عن أخيه موسى عليه‌السلام « سألته عن رجل قال لأمته : أعتقتك وجعلت عتقك مهرك ، قال : عتقت وهي بالخيار إن شاءت تزوجت وإن شاءت فلا ، فإن تزوجته فليعطها شيئا ، فإن قال : قد تزوجتك وجعلت مهرك عتقك فان النكاح واقع لا يعطيها شيئا » وخبر محمد بن آدم (٢) عن الرضا عليه‌السلام « في الرجل يقول لجاريته : قد أعتقتك وجعلت صداقك عتقك ، قال : جاز العتق والأمر إليها إن شاءت زوجته نفسها وإن شاءت لم تفعل ، فان زوجته نفسها فأحب له أن يعطيها شيئا ».

وربما أجيب عنهما باحتمال ابتناء ما فيهما من عدم حصول النكاح بذلك على عدم ذكر صيغة التزويج ، لا من حيث تقديم صيغة العتق عليها لو جاء بهما معا كما هو مفروض البحث ، بل قد يشكل ما فيهما من نفوذ العتق بأنه مخالف لقصد المعتق المفروض إرادته النكاح بعتقه ، فالمتجه حينئذ بطلانه أيضا كالتزويج ، مضافا إلى مخالفتهما لإطلاق‌ صحيح الحلبي (٣) عن الصادق عليه‌السلام « سألته عن الرجل يعتق‌

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ١ ـ ٢.

(٣) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ٣.

٢٥٢

الأمة ويقول : مهرك عتقك ، قال : حسن » وصحيح ابن مسلم (١) عن أبي جعفر عليه‌السلام « أيما رجل شاء أن يعتق جاريته ويجعل صداقها عتقها فعل » ‌وغيرهما ، وخصوص‌ خبر عبيد بن زرارة (٢) « سمع أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : إذا قال الرجل لامرأته : أعتقك وأتزوجك وأجعل مهرك عتقك فهو جائز » ‌والمصرح بالجواز (٣) فيه بمعنى المضي واللزوم في المتقدم فيه العتق على التزويج ، على أن تقدم العتق لفظا لا يقتضي ترتب أثره كي يلزم من تقدمه ثبوت الخيار لها حينئذ ، ضرورة كونه بعض الكلام الذي هو كالجملة الواحدة الممنوع ترتب أثره قبل تمامه.

( و ) من هنا ( قيل ) : والقائل الشهيدان وجماعة بل لعله المشهور بين من تأخر عنهما ( لا يشترط ) في الصحة تقدم صيغة التزويج ولا صيغة العتق ، بل يجوز كل منهما ، ( لأن الكلام المتصل كالجملة الواحدة ، وهو حسن ، و ) منه يعلم ضعف ما ( قيل ) من أنه ( يشترط ) في الصحة ( تقديم العتق ) كما هو المحكي عن الشيخين وأبي الصلاح وغيرهم ( لأن بضع الأمة مباح لمالكها ، فلا يستباح بالعقد مع تحقق الملك ) إذ قد عرفت أن الكلام المتصل كالجملة الواحدة التي يترتب أثرها دفعة واحدة عند التمام ، وحينئذ يتحقق العتق والنكاح في آن واحد من غير فرق فيه بين تقدم كل منهما وتأخر الأخر.

( والأول ) وإن كان ( أشهر ) إلا أن الثاني أقوى لما عرفت ، لأن التحقيق في كون المراد من إطلاق النص والفتوى عتق الأمة صداقها أن العتق يكون بالإصداق على معنى أن الشارع قد شرع جعل الأمة نفسها صداقا في تزويجها ، فتكون حينئذ مالكة نفسها ، وليست هي إلا الحرة ، فيكون طريقا مخصوصا للعتق غير العتق بإيجاد الصيغة الخاصة ، ضرورة أن ذلك بعد حصوله بسببه المعد له يقتضي كون الخيار بيدها إن شاءت تزوجت وإن شاءت لا تتزوج ، كما صرح به في الصحيح‌

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ٥ ـ ١ ـ ٦.

٢٥٣

الأول (١) وخبر محمد بن آدم (٢) ، وعزمه على جعل ذلك بعد حصوله صداقا لا يقتضي مشروعيته ، بل هو حينئذ كمن أبرأ ذمة امرأة بصيغة الإبراء ثم أراد أن يجعل ذلك صداقا لها ، فإنه غير جائز قطعا ، بخلاف ما لو جعل ما في ذمتها صداقا لها ، فإنه يكون حينئذ الإبراء بالصداق نفسه ، فكذا هنا ، واستبعاد جعل الإنسان نفسه صداقا له في غير محله بعد النص والفتوى ، وما عساه يتوهم من ظاهر بعض النصوص (٣) من جعل العتق نفسه صداقا إنما هو قبل إعطاء التأمل حقه ، وإلا فالمراد الإعتاق بالإصداق وإن تقدم في بعضها (٤) ذكر العتق بلفظ يشبه الصيغة ، لكن المعنى ما ذكرناه على نحو قوله للمرأة : « بمائة مثلا أتزوجك » فيكون الحاصل من النصوص « أعتقك بأن أجعل العتق صداقك » وبذلك تجتمع جميع الأخبار ، ويكون الخيار في الصحيح (٥) السابق و‌الخبر الآخر (٦) لمكان إرادة العتق بالصيغة الموجبة له ، لا من حيث تقدم العتق ، ولذا قال فيه « فان قال : قد تزوجتك وجعلت مهرك عتقك فان النكاح واقع ، فلا يعطيها شيئا » ‌مع عدم ذكر صيغة للعتق.

ومن الغريب روايته في المسالك « فان النكاح باطل » إلى آخره ، وجعله دليلا على ما سمعته سابقا من التأويل ، مع أنا لم نجده كذلك في شي‌ء من كتب الأصول والفروع ، نعم في كشف اللثام أنه‌ روى الحميري في قرب الإسناد عن عبد الله بن الحسن العلوي ، عن جده عن علي بن جعفر (٧) أول الخبرين كما سمعت ، إلا أنه قال : « فان قال : قد تزوجتك وجعلت عتقك مهرك كان النكاح واجبا إلى أن يعطيها شيئا » ‌قال : والمعنى أنه لما لم يأت بصيغة التحرير وقف النكاح إلى أن يأتي بها ، فيقول بعد ذلك : « فأنت حرة » والعبارة المتقدمة مروية في التهذيب والفقيه مبنية على إتيان‌

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ١ ـ ٢.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ـ ٠ ـ ٦.

(٥ و ٦) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ١ ـ ٢.

(٧) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ١ ، راجع التعليقة في الوسائل على هذه الرواية.

٢٥٤

المولى بصيغة التحرير » وهو مع أنه غير الرواية بلفظ « باطل » ، لا يخفى ما في التفسير المزبور من إرادة الواقف منه من الواجب ومن إعطاء الشي‌ء التلفظ بصيغة التحرير ، ولعله حمله على خطاء الراوي وأن الصحيح ما في التهذيب والفقيه خصوصا بعد قوله في السابق « يعطيها شيئا » لكونها حينئذ حرة قبل التزويج ، بخلاف الثانية التي قد صار صداقها عتقها ، فإنها لا تستحق حينئذ شيئا لحصول المهر لها كما هو واضح.

وبذلك ظهر لك قوة القول الثاني ، ضرورة أنه على ذلك لا فرق بين تقدم العتق الاصداق وتأخره ، لكونه حينئذ من توابع العقد ، لا أنه إيقاع في ضمن عقد أو بالعكس فان كلا منهما في غاية المخالفة للقواعد بخلاف ما قلناه ، فإنه ليس فيه إلا شرعية الإعتاق بالطريق المزبور.

إلا أنه ربما اشتهر جعل العتق صداقا ، وتوهم منه إيقاع العتق بصيغته ثم جعله بعد ذلك صداقا نصوا عليه في صحيح على (١) السابق وخبر ابن آدم (٢) على عدم إرادة ذلك وأنه تكون الامرأة معه حرة أمرها بيدها ، بل لو صرح فيه باشتراط التزويج لعدم كون الإيقاع كالعقد في لزوم الشرط ، بل إما أن يكون الشرط فيه خاصة فاسدا أو هو والإيقاع إلا ما دل عليه الدليل كاشتراط خدمة سنة ، و‌مضمر سماعة (٣) « سألته عن رجل له زوجة وسرية يبدو له أن يعتق سريته ويتزوجها ، قال : إن شاء اشترط عليها أن عتقها صداقها ، فان ذلك حلال ، أو يشترط عليها إن شاء قسم لها وإن شاء لم يقسم ، وإن شاء فضل عليها الحرة ، فإن رضيت بذلك فلا بأس » ‌يمكن حمله على إرادة الإعتاق الاصداقي من الاشتراط فيه ، لا أن المراد عتقها بالصيغة واشتراط أن يكون ذلك صداقا لها ولو في عقد التزويج الذي يوقعه بعد ذلك ، وعلى كل حال فالتحقيق ما عرفت وإن كان لا يوافقه بعض الفروع المذكورة في بعض كتب الأصحاب كما ستعرف.

ثم إنه قد يقوي في النظر عدم الحاجة في هذا العقد إلى القبول اكتفاء بوقوع‌

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ١ ـ ٢.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ١.

٢٥٥

ذلك من السيد الذي كان ينبغي وقوعه من الجارية عن القبول ، فيكون في الحقيقة موجبا قابلا ، وربما يؤيد ذلك خلو نصوص المقام عنه ، بل ظاهرها خصوصا الصحيح السابق الوقوع بدونه ، والتعليق على الرضا في مضمر سماعة لم يعلم رجوعه إلى ذلك بل ربما كان ظاهره الرجوع إلى الأخير ، وإن كان هو أيضا مشكل (١) لكنه يكون خارجا عما نحن فيه ، على أن الظاهر إرادة من اعتبر القبول تأليف صورة العقد لا أن المراد كون الأمر بيدها إن شاءت قبلت وإن شاءت لم تقبل ، كما عساه يوهمه المضمر ، بل ربما أو همه أيضا بعض عبارات الأصحاب إذ ذلك مناف لكونها أمة قبولها إلى مولاها ، وإنما تكون حرة بعد تمام العقد كما هو واضح ، فلا ريب في عدم اعتبار القبول بالمعنى المزبور.

نعم هو محتمل بالمعنى الذي ذكرناه مراعاة الصورة عقد التزويج ، فتقبل حينئذ هي تنزيلا لما وقع من سيدها منزلة الإيجاب منها أو يقبل سيدها عنها ، وربما كان خلو النصوص اتكالا على الظهور والمفروغية من اعتبار القبول في عقد التزويج وإن وقع ممن له القبول كولي الصغيرين ، ولا ريب في أنه أحوط وإن كان الأول أقوى ، كقوة عدم اعتبار صيغة العتق ضمنا فيه ، بل تكون حرة بالعبارة المذكورة خصوصا على ما سمعته منا من التحقيق.

لكن في القواعد الاشكال فيه من ذلك ، ومن أن العتق لا يقع إلا بلفظه الصريح في الإعتاق ، ولأصالة بقاء الملك والاحتياط ، وفي كشف اللثام هو الوجه ، إلا أنه لا يخفى عليك ما فيه بعد الإحاطة بما ذكرناه ، بل يمكن ظهور النصوص في خلافه ، بل كاد يكون صريح بعضها.

ومنه يعلم قوة ما سمعته من التحقيق المتقدم الذي منه أيضا يظهر لك النظر فيما في القواعد من أنه لو جعل ذلك أي التزويج بجعل العتق صداقا في أمة الغير فإن أنفذنا عتق المرتهن مع الإجازة فالأقرب هنا الصحة وإلا فلا ، ضرورة أنه على ما‌

__________________

(١) هكذا في النسخة الأصلية المبيضة والمسودة.

٢٥٦

ذكرناه يتجه الجواز حينئذ بناء على صحة الفضولي في النكاح وفي جعل مال الغير مهرا ، فان المفروض حينئذ يكون من ذلك ، ولا إشكال فيه بعدم صحة الفضولي في العتق إلا إذا قلنا بصحته من المرتهن بإجازة الراهن مع إمكان الفرق بينهما بأن للمرتهن حقا في المال وسلطنته عليه في الجملة بخلافه هنا ، على أنه هنا فيه أمر زائد على ذلك ، وهو جعل مال الغير مهرا ، وقد عرفت فساده فيما تقدم ، هذا كله من حيث العتق.

وأما من حيث النكاح فلا ريب في ابتنائه صحة وفسادا على صحة الفضولي وفساده ، إذ فساد المهر لا يقتضي بفساده ، كما هو واضح ، وربما كان في المحكي في جامع المقاصد عن الشارح الفاضل للقواعد إشارة في الجملة إلى ما ذكرناه ، فإنه بنى الحكم في المهر هنا وهو العتق على مقدمتين : إحداهما عتق المرتهن والأخرى أن المجعول عتقها مهرا هل المهر هو العتق ابتداء أو هو تمليكها لرقبتها ويتبعه العتق؟ كما لو تزوج جارية غيره وجعل أبا سيدها المملوك مهرا لها ، فإنه إذا أجاز السيد النكاح دخل أبوه في ملكه فانعتق عليه ، فان المقدمة الثانية صريحة فيما قلناه.

لكن في جامع المقاصد بعد أن حكى ذلك عنه قال : « والذي يقتضيه صحيح النظر وصادق التأمل أن هذا ليس من مسألتنا في شي‌ء ، لأن العتق في هذا الفرض واقع بلفظ صريح وعبارة تخصه ، وليس من الأمور الحاصلة بالتبعية في شي‌ء ، ومع ذلك فصريح اللفظ أن المهر حقيقة هو العتق ، والتعبير بتمليك الجارية رقبتها من الأمور المجازية كما حققناه ، وقد أبطله الشيخ في كلامه قبل ، فكيف يجعل هذا مقدمة للحكم في هذه المسألة؟ ولا يقال : إنه إنما بنى عليه على زعمهم وإن كان غير صحيح في نفسه ، لأنا نقول : قد بينا أنهم لا يريدون بذلك إلا المجازية ، فلا يعتد بهذا البناء ».

وفيه أنه لا داعي إلى حمل ذلك منهم على المجازية ، لما عرفت من أولويته من جعل العتق بصيغته مهرا بل ما سمعته من النصوص (١) الحاكمة بعود النصف رقا أو يسعى بقيمته لو طلقها قبل الدخول شاهدة على ذلك ، مضافا إلى ما سمعته وغيره مما يظهر بالتأمل‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٥ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء.

٢٥٧

من الشواهد ، نعم قد يشكل الفرض بجعل ملك الغير مهرا كما عرفته فيما تقدم ، هذا كله في الفضولية بهذا الوجه.

أما قوله : « زوجت أمتي من زيد وجعلت عتقها صداقها » وقبل عنه الفضولي ثم أجاز زيد احتمل قويا الصحة وإن كان فيه أيضا إشكال جعل مال الغير مهرا ، ولو قال : « زوجت زيدا أمتي وجعلت عتقها صداقها » فأجاز زيد فلا ريب في الصحة بناء على ما ذكرناه وعلى صحة الفضولي.

بل وما في قوله في القواعد أيضا : « الأقرب جواز جعل عتق بعض مملوكته مهرا ، ويسرى العتق خاصة » ضرورة كون المراد أنه كما جاز جعل الكل مهرا يجوز جعل البعض مهرا وإن جرى العتق حينئذ في الجميع ، لكن يسرى فيه من حيث كونه عتقا لا من حيث كونه مهرا ، وتظهر الفائدة فيما لو طلقها قبل الدخول ، فان ربعها يرجع رقا أو تسعى فيه لو كان المجعول مهر النصف ، ووجه السراية إطلاق‌ قوله (١) صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من أعتق شقصا من عبد سرى إليه العتق » ‌كما أن وجه عدم الجواز في أصل المسألة الاقتصار على المتيقن.

هذا ولكن عن الشارح الفاضل أنه قال : « على قول من يقول : إن المهر هو تمليك الجارية رقبتها تملك نصف رقبتها ، وتنعتق عليها ولا سراية هنا ، بل تسعى في قيمة نصفها » وفيه أنه قد يشكل حينئذ صحة التزويج بعدم جواز تزويج السيد أمته ، والمفروض بقاء نصفها رقا حقيقة ، وعتقه موقوف على السعي ، وإنما يكون ذلك مع نفوذ العتق في النصف ، وإنما ينفذ مع صحة التزويج ، وعليه يلزم صحة نكاح السيد أمته ، وهو معلوم البطلان وإنما صححناه في صورة كون عتق الجميع مهرا ، لأن العتق والتزويج يقعان معا كما تقدم ، نعم قد يقال بعموم دليل السراية لنحو الفرض فيتجه حينئذ الصحة.

كما تتجه أيضا في المبعضة التي بعضها حر ، فيتزوجها بجعل عتق ماله صداقا بناء على عدم الفرق بين الكل والبعض ، نعم لا ريب في اشتراط رضاها هنا ، لحرية البعض.

__________________

(١) سنن البيهقي ج ١٠ ص ٢٧٦ مع اختلاف يسير.

٢٥٨

ولو كانت مشتركة بينه وبين غيره فتزوجها وجعل عتق نصيبه مهرا لها ففي القواعد « الأقرب الصحة ، ويسرى العتق ، ولا اعتبار برضا الشريك ، وكذا لا اعتبار برضاه لو جعل الجميع مهرا أو جعل نصيب الشريك خاصة » وكأنه بنى ذلك على السراية قهرا وإن لم يؤد قيمة نصيب الشريك ، أو على أن الأداء كاشف ، فإنه حينئذ يكون صحيحا لانتقال نصيب الشريك إليه حينئذ بالسراية ، وصيرورتها بذلك كمملوكته التي جعل عتق بعضها مهرا ، ولا يشكل ذلك بأن السراية إنما تتحقق بعد تحقق العتق لنصيبه الموقوف على تمام العقد ، لإمكان دفعه بأن الجميع يتحقق بآن واحد ، والترتب ذاتي لا زماني ، وبذلك بان عدم اعتبار رضا الشريك ، بل وعدم اعتبار رضا المملوكة بناء على عدم اعتباره في مملوكته على ما سمعته ، ضرورة كون ذلك منها ، نعم يتجه توقف الصحة على اعتبار رضا الشريك بناء على عدم السراية حتى يؤدى القيمة ، لكون الجزء باقيا على ملك الغير ، فلا ينفذ النكاح بدون إذنه أو إجازته ، واحتمال إبقائه موقوفا على الأداء كما ترى ، بناء على تأثير الأداء في الحرية ، لا على كونه كاشفا ، ضرورة تحقق الحرية بعد حصول عقد النكاح ، كما هو واضح.

وممّا عرفت ظهر لك عدم الفرق بين جعل عتق نصيبه مهرا أو جعل عتق الجميع مهرا أو عتق حصة الشريك خاصة ، في اشتراك الجميع بعدم اعتبار رضا الشريك الذي قد عرفت زوال شركته بالسراية الحاصلة بعتق نصيبه المقتضى ذلك لانتقال حصة الشريك إليه.

لكن الانصاف مع ذلك عدم خلو المسألة عن إشكال من حيث عدم اندراجها في النص ، خصوصا بناء على ما ذكرناه من كون الإعتاق بالإصداق ، فإنه لا يتم معه صورة جعل الصداق حصة الشريك خاصة ، فتأمل جيدا.

كما أنّه لا يتم على ذلك أيضا ما لو أعتق جميع جاريته وجعل عتق بعضها مهرا أو بالعكس بأن جعل عتق الجميع بعض المهر ، كأن أمهرها معه ثوبا مثلا ، فإنه لا وجه مع فرض كون الإعتاق بالإصداق لعتق الكل وجعل البعض مهرا ، نعم لا بأس بصورة العكس بأن يجعل الصداق عتقها وشيئا آخر ، كما أنه لا بأس بإصداقها بعض‌

٢٥٩

رقبتها بناء على السراية بمثل ذلك ، والله العالم.

( و ) كيف كان فـ ( أم الولد لا تنعتق إلا بعد وفاة مولاها ) ضرورة عدم كون الاستيلاد عتقا وإن منع من بيعها ، بل مطلق نقلها ما دام الولد حيا ، نعم لو مات مولاها والولد حي عتقت ( من نصيب ولدها ) اتفاقا إن وفى ، لانتقالها كلا أو بعضا إليه بالإرث ، فينعتق عليه كلها أو بعضها ، ويسرى العتق في الباقي ، فتقوم عليه من نصيبه.

( ولو عجز النصيب ) عن الكل ( سعت ) هي ( في المختلف ) عند الأكثر ( ولا يلزم ولدها السعي فيه ) أو الفك من ماله غير الإرث ، ( وقيل ) والقائل الشيخ في محكي النهاية ( يلزم ) الولد السعي إن كان قيمتها دينا على المولى ولم يخلف سواها إلا أن يموت قبل البلوغ ، فتباع ويقضى بثمنها الدين ، وفي محكي الوسيلة كذلك إن كان عليه دين في غير ثمنها ، ( و ) لا ريب في أن ( الأول أشبه ) بأصول المذهب وقواعده ، كما عرفته في الجملة في كتاب البيع ، وتعرفه فيما يأتي إن شاء الله.

( ولو مات ولدها وأبوه حي جاز بيعها و ) غيره لأنها حينئذ ( عادت إلى محض الرق ) الخالي من تشبث الحرية ( و ) صارت كحالها قبل الولادة ، بل ( يجوز بيعها مع وجود ولدها في ثمن رقبتها إذا لم يكن لمولاها غيرها ) كما عرفته مفصلا في كتاب البيع ( و ) يأتي إنشاء الله له تتمة.

بل ( قيل ) والقائل ابن حمزة ( يجوز بيعها بعد وفاته في ديونه وإن لم يكن ثمنا لها إذا كانت الديون محيطة بتركته ، بحيث لا يفضل عن الدين شي‌ء أصلا ) لأنه لا نصيب للولد حينئذ ، وهو مبني على عدم انتقال التركة إلى الورثة مع الدين ، وهو ممنوع كما حققناه في محله ، ول‌

قول الصادق عليه‌السلام في خبر أبي بصير (١) :

__________________

(١) أشار إليه في الوسائل في الباب ـ ٦ ـ من أبواب الاستيلاد الحديث ٤ من كتاب التدبير والمكاتبة والاستيلاد. وذكره في التهذيب ج ٨ ص ٢٤٠ الرقم ٨٦٥.

٢٦٠