جواهر الكلام - ج ٣٠

الشيخ محمّد حسن النّجفي

بالعدية كما هو صريح ابن بكير وأصحابه أو الاكتفاء فيهما جميعا بالسني ، فالاكتفاء حينئذ في الأولى بالسني وتخصيص الثانية بالعدى مناف لظاهرة ، بل وظاهر غيره ، بل والاعتبار ، ضرورة أن التحريم عليه بالثالث حتى تنكح نوع من العقاب وضرب من التأديب ، فان لم يحصل بذلك حتى فعله ثلاث مرات كان أدبه الحرمة أبدا بالتسع كما أومأ إليه الرضا عليه‌السلام في خبر ابن سنان (١) المروي في الفقيه في علة تثليث الطلاق وعلة تحريم المرأة بعد التسع.

لكن ربما دفع ذلك كله بشذوذ الصحيح الأخير ، وبإرادة المقابل للبدعة من السنة في الثلاثة الأخيرة من الثاني ، والمقيد من الثلاثة الثانية فيه على معنى التطليقات المذكورة أولا ، وبأن الأول وإن كان مطلقا إلا أنه مقيد بمفهوم القيد المعتبر في‌ المروي (٢) عن الخصال في تعداد المحرمات بالسنة قال : « وتزويج الرجل المرأة قد طلقها للعدة تسع تطليقات » ‌وبمفهوم الشرط في الرضوي (٣) حيث قال : « وأما طلاق العدة فهو أن يطلق الرجل امرأته على طهر من غير جماع ، ثم يراجعها من يوم واحد أدنى ما يريد من قبل أن تستوفي قرءها ، وأدنى المراجعة أن يقبلها أو ينكر الطلاق ، فيكون إنكار الطلاق مراجعة ، فإذا أراد أن يطلقها ثانية لم يجز ذلك إلا بعد الدخول بها ، وإذا أراد طلاقها تربص بها حتى تحيض وتطهر ثم يطلقها ، فإذا أراد راجعها. وإن طلقها الثالثة فقد بانت منه ساعة طلقها فلا تحل له حتى تنكح زوجا غيره ، فإذا انقضى عدتها منه تزوجها رجل آخر وطلقها أومأت عنها ، فإذا أراد أن يتزوجها فعل ـ الى أن قال ـ : فان طلقها ثلاث تطليقات علي ما وصفته واحدة بعد واحدة فقد بانت منه ،

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ٨ من كتاب الطلاق.

(٢) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ١.

(٣) ذكر صدره في المستدرك الباب ـ ٢ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ٣ وذيله في الباب ـ ٤ ـ منها الحديث ٦ وتمامه في البحار ج ١٠٤ ص ١٤٢ و ١٤٣ مع اختلاف في اللفظ فيهما.

٢١

ولا تحل له بعد تسع تطليقات أبدا ، واعلم أن كل من طلق تسع تطليقات على ما وصفت له لم تحل له أبدا » ‌إذ هو ظاهر في اعتبار ذلك ، خصوصا بعد ذكر طلاق السنة فيه مع عدم الإشارة إلى التحريم به إذا كان تسعا.

بل قد يدل على ذلك أيضا خصوص المعتبرين (١) بوجود ابن أبى عمير وعبد الله بن المغيرة اللذين هما مما أجمع العصابة على تصحيح ما يصح عنهما في سنديهما ، فلا يضر ضعف الراوي لو كان في وجه ، ففي أحدهما « عن رجل طلق امرأته ثم لم يراجعها حتى حاضت ثلاث حيض ، ثم تزوجها ثم طلقها فتركها حتى حاضت ثلاث حيض ، ثم تزوجها ثم طلقها فتركها حتى حاضت ثلاث حيض ، من غير أن يراجعها يعنى يمسها ، قال : له أن يتزوجها أبدا ما لم يراجع ويمس » ‌فان لفظ التأييد صريح في العموم ، كما لو طلقت كذلك ولو تجاوزت التسع ، وأنها لا تحرم بذلك إلى حصول الأمرين من الرجوع والوقاع ، وليس نصا في مختار ابن بكير ، لقبوله التقييد بحصول المحلل بعد كل ثلاث ، فيكون مقتضاه حينئذ حل التزويج له أبدا بعد حصول المحلل لا مطلقا.

قيل : وأصرح منهما‌ الموثق (٢) عن الصادق عليه‌السلام « فان فعل هذا ـ مشيرا إلى المطلقة بالسنة ـ مأة مرة هدم ما قبله ، وحلت بلا زوج ، وإن راجعها قبل أن تملك نفسها ثم طلقها ثلاث مرات يراجعها ويطلقها لم تحل له إلا بزوج » ‌بالتقريب السابق ، وخروج الذيل عن الحجية بالإجماع والمعتبرة غير ملازم لخروج الجميع عنها ، فقد يكون من إلحاق ابن بكير الذي في سنده ، وكلامه‌

__________________

(١) ذكر أحدهما وأشار الى الثاني في الوسائل في الباب ـ ٣ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ١٣ وذكرهما في الكافي ج ٦ ص ٧٧.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ١٦ من كتاب الطلاق عن أبى جعفر عليه‌السلام.

٢٢

اجتهاد منه ، ويؤيده تصريح ابن بكير على ما حكي عنه في عدة من الأخبار (١) بعدم سماعه عدم اعتبار المحلل من أحد الأئمة صلوات الله وسلامه عليهم ، وأنه من الرأي الذي رآه ورزقه الله إياه.

هذا ولكن الجميع كما ترى إذ خبر العلل مع أنه من المفهوم الضعيف يمكن إرادة الطلاق في طهر لم يواقعها فيه الذي هو ابتداء العدة على نحو قوله تعالى (٢) : ( فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ ) وحينئذ فيندرج فيه الطلاق السني المقابل للبدعي الذي هو الطلاق في طهر المواقعة ، وربما يؤيده ذلك أن التسع للعدة لا يكون حقيقة إلا بهذا المعنى ، ضرورة عدم كون التسع للعدة فيما فرضوه ، لما عرفت من خروج كل ثالث منه ، فليس هو إلا مجازا (٣) لا قرينة عليه ، وما في النص (٤) والفتوى من تفسير الطلاق العدي بالمراجع فيه في العدة مواقعا فيها في مقابل السني لا يقتضي أن التسع للعدة كذلك ، بل لعله يقضي بخلافه ، بل لعل ذكرهم التسع مع نصهم على الحرمة بالمفروض قرينة على عدم ذلك ، وإلا كان مقتضاه تحريمها بالرابعة عشر ، فإنها هي التي تكمل بها التسع للعدة حقيقة.

وأما الرضوي فهو ـ مع أنه لم يثبت نسبته الى الرضا عليه‌السلام عندنا ـ يجرى فيه نحو ذلك.

وأما الأخبار الثلاث فلا يخفى تجشم ما سمعته فيها ، بل يمكن القطع بعدم إرادة ذلك منها وإن كان هو مقتضى صناعة الأصول ، إذ ليس كل ما تقتضيه الصناعة حجة يعمل عليه مع القطع أو الظن المعتد به بعدم إرادته ، بل فتح الباب المزبور في الخبر الثالث يسقط الأخبار عن الحجية ، ضرورة قيام احتمال تصرف الراوي‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ١١ و ١٢ والكافي ج ٦ ص ٧٧ و ٧٨ والاستبصار ج ٣ ص ٢٧١ الرقم ٩٦٣ و ٩٦٤.

(٢) سورة الطلاق : ٦٥ ـ الآية ١.

(٣) في النسختين الأصليتين المبيضة والمسودة « الا مجاز » والصحيح ما أثبتناه.

(٤) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ١ من كتاب الطلاق.

٢٣

في جميعها ، فليس هي إلا أخبار موافقة لابن بكير وأصحابه ، فالمتجه إما طرحها لمعارضتها بالأقوى منها ، أو العمل بها كما تعرفه في محله إن شاء الله.

ومن ذلك كله توقف بعض متأخري الأصحاب في الحكم المزبور ، وهو في محله ، نعم إن تم الإجماع المدعى على عدم اعتبار الطلاق العدي في الحرمة حتى تنكح في مقابل ابن بكير ، وتم الإجماع المدعى أيضا على اعتبار العدي في الحرمة أبدا ، وتم الإجماع المدعى أيضا على تحقق التسع للعدة بالمعنى المجازي ثبت ما ذكروه ، وإلا كان للنظر فيه مجال.

وعليه فالمتجه حينئذ الاقتصار عليه وقوفا على ما خالف الأصل على المتيقن من النص والفتوى ، فلا تكفي المتفرقة ، ولا يجرى الحكم في الأمة لما عرفت من عدم إطلاق يرجع إليه حينئذ في صور الشك بعد فهم التوالي من النصوص المزبورة ، والله العالم وربما يأتي زيادة تحقيق للمسألة في باب الطلاق إن شاء الله.

( السبب الخامس )

( اللعان ، وهو سبب لتحريم الملاعنة تحريما مؤبدا ) نصا (١) وإجماعا ، ولكن شروطه (٢) الآتية في محله كأن يرميها بالزنا ويدعي المشاهدة ولا بينة ، أو ينفى ولدها الجامع لشرائط الإلحاق به وتنكر ذلك ، فتلزمهما حينئذ الملاعنة ، ويأمرهما الحاكم بها ، فإذا تلاعنا سقط عنه حد القذف وعنها حد الزنا ، وانتفى الولد عنه ، وحرمت عليه مؤبدا ، بلا إشكال في شي‌ء من ذلك ولا خلاف ، ولو لم يدع المشاهدة أو أقام بينة فلا لعان إجماعا ، لاشتراطه بعدم الشهداء بنص الآية (٣).

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١ ـ من كتاب اللعان.

(٢) هكذا في النسخة الأصلية المبيضة ، الا أن الموجود في المسودة التي هي بخط المصنف ( قده ) « بشروطه » وهو الصحيح.

(٣) سورة النور : ٢٤ ـ الآية ٦.

٢٤

( وكذا ) في كونه سببا للحرمة أبدا قذف الزوجة الصماء أو الخرساء بما يوجب اللعان لو لم تكن كذلك وإن لم يكن لعان بينهما ، لانتفاء شرطه بلا خلاف أجده فيه ، بل الإجماع بقسميه عليه ، مضافا الى‌ صحيح أبى بصير أو موثقه (١) قال : « سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن رجل قذف امرأته بالزنا وهي خرساء صماء لا تسمع ما قال ، فقال : إن كان لها بينة تشهد لها عند الإمام جلده الحد وفرق بينهما ، ثم لا تحل له أبدا ، وإن لم تكن لها بينة فهي حرام عليه ما أقام معها ولا إثم عليها » ‌وحسن الحلبي ومحمد بن مسلم (٢) عنه عليه‌السلام « في رجل قذف امرأته وهي خرساء ، قال : يفرق بينهما » وخبر محمد بن مروان (٣) عنه عليه‌السلام « في المرأة الخرساء كيف يلاعنها زوجها؟ قال : يفرق بينهما ولا تحل له أبدا » ‌وظاهر الأخيرين الاكتفاء بالخرس وحده ، بل هو ظاهر الأول أيضا بناء على رواية الشيخ له هنا بأو ، لكن رواه في باب اللعان بدونها كالكليني الذي هو أضبط من الشيخ قطعا ، لكن مع كون ذلك في كلام السائل والاقتصار على الخرس في الروايتين والتعبير بأو في كلام الأكثر بل هو في معقد إجماعي الغنية ومحكي السرائر يتجه الاكتفاء بأحدهما ، نعم في محكي التحرير الإشكال في الصماء ، وفي المسالك هو مبنى على اعتبار الأمرين.

وفيه أنه لو كان كذلك لم يخص الصماء بالإشكال ، ضرورة كونهما حينئذ من واد واحد ، بل هو مبني على مفروغية سببية الخرس وحده للروايتين ، وإحدى النسختين ومعقد الإجماعين ، أما الصمم فقد يتوقف فيه من حيث إنه ليس إلا في سؤال خبر أبى بصير المحتمل كونه مذكورا فيه لبيان الواقع ، لا لأن له مدخلية في الحكم ، كما أنه ليس في الجواب إلا الحكم المزبور الذي لا إشكال في ثبوته على فرض تمامية الخرس في التسبيب ، إذ الصمم إن لم يكن مؤكدا لم يكن مانعا ، فالعمومات حينئذ تقتضي عدم التحريم معه ، ومن الإجماعين المزبورين وإحدى النسختين وظهور السؤال في مدخليته في الحكم سيما مع قول السائل : « لا تسمع ما قال » مع تقرير الامام له ، فإذا ثبت أن الخرس وحده سبب في الحكم استلزم ذلك‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من كتاب اللعان الحديث ٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من كتاب اللعان الحديث ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من كتاب اللعان الحديث ٤.

٢٥

ثبوت الصمم وحده أيضا بعد فرض ظهور الخبر في مدخليته في الحكم ، إذ احتمال الإطلاق في سببية الخرس وتقييد سببية الصمم به لا يرجع إلى محصل.

نعم ربما يقوى في النفس أن الاختلاف المزبور في النصوص للتلازم بين الخرس الخلقي والصمم ، ومنه ينقدح تخصيص موضوع هذا الحكم المخالف للأصول بذلك ، أما الخرس العارضي بقطع لسان ونحوه وكذلك الصمم فلا يثبت له هذا الحكم ، وهو جيد جدا إن لم يكن إجماع على خلافه.

وعلى كل حال فقد سمعت في المتن وغيره اعتبار ما يوجب اللعان في القذف المسبب لذلك ، وقد يشكل ذلك بخلو الصحيح والحسن بل ومعقد إجماع الغنية عن ذلك ، ومن هنا قال بعضهم : « لو لا الإجماع على القيد المزبور لأمكن جعل السبب مطلقا قذف الزوج الصماء والخرساء » لكن قد يقال مضافا إلى ذلك : إن الخبر الثالث ـ وإن لم يكن مقيدا لهما باعتبار عدم منافاته لهما ـ مشعر بأن التفرقة المزبورة هي اللعان بينهما ، بل لعل السؤال في الخبرين الأولين مبني على ذلك ، بمعنى أن الخرساء والصماء التي لا لعان معها باعتبار خرسها وصممها إذا قذفها زوجها كيف الحكم في هذا القذف؟ فأجاب عليه‌السلام بما عرفت ، أي أن حكم اللعان يجري وإن لم يكن فيكون هذا هو اللعان بينهما ، وهذا هو المناسب لقاعدة الاقتصار على المتيقن فيما خالف الأصل والعمومات ، ومن هنا قيد المصنف وغيره القذف بما يوجبه ، بل هو ظاهر غيره أيضا مما ذكره متصلا بحكم الملاعنة.

ومن ذلك يعلم أن الحكم ثابت على سببي اللعان ، وهو القذف وإنكار الولد ، وهذا معنى قوله : « كيف يلاعنها؟ » أي إذا حصل سبب اللعان في غيرها معها كيف يلاعنها؟ فما وقع من بعضهم من التصريح باختصاص الحكم في القذف بالزنا دون نفي الولد في غير محله ، كاحتمال جريان اللعان منها بالإشارة فيه بخلاف الأول ، لما ستعرف من اشتراط اللعان في كل من سببية بعدم الخرس والصمم ، كما هو واضح.

بل من ذلك يعلم أيضا سقوط ما عن الصدوق من ثبوت الحكم لو قذفت الزوجة‌

٢٦

الزوج الأخرس أو الأصم وإن شهد له‌ المرسل (١) الفاقد لشرائط الحجية وإن كان المرسل ممن اجتمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه على ما رواه الكشي (٢) « في امرأة قذفت زوجها الأصم ، قال : يفرق بينهما ولا يحل له أبدا » ‌لكن قد عرفت أن هذا الحكم من أحكام اللعان بين الزوجة وزوجها ، وهو إنما في قذف الزوج للزوجة لا العكس ، نعم لو قلنا : إنه حكم للقذف من حيث كونه قذفا ـ ترتب عليه لعان لو لا الآفة أو لم يترتب ـ أمكن حينئذ تعميم الحكم ولو لقاعدة الاشتراك في وجه ، ويخرج المرسل حينئذ شاهدا ، لكن قد عرفت أن الحكم مترتب عليه من حيث كونه سبب لعان ، فلا يتجه ذلك ، ولذا لو قذفها على وجه لا يكون لعان به لعدم دعوى المشاهدة أو لحصول البينة أو لغير ذلك لم يترتب عليه الحكم المزبور ، كما هو واضح ، والله العالم.

( السبب السادس )

( الكفر ، والنظر فيه يستدعي بيان مقاصد : )

( الأول )

( لا يجوز للمسلم نكاح غير الكتابية إجماعا ) من المسلمين فضلا عن المؤمنين ، وكتابا (٣) وسنة (٤) وما عساه يظهر من محكي الخلاف عن بعض أصحاب الحديث من أصحابنا من القول بالجواز مع أنا لم نتحققه ولا نقله غيره مسبوق بالإجماع ( و ) ملحوق به ، نعم ( في تحريم الكتابية من اليهود والنصارى روايتان (٥)

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من كتاب اللعان الحديث ٣.

(٢) رجال الكشي ص ٤٦٦ ط النجف.

(٣) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٢١.

(٤) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب ما يحرم بالكفر.

(٥) الوسائل الباب ـ ١ و ٢ ـ من أبواب ما يحرم بالكفر.

٢٧

أشهرهما ) عملا بين المتأخرين ( المنع في النكاح الدائم ، والجواز في المؤجل وملك اليمين ) جمعا بين الدليلين ، لكن لا ريب في دلالة قوله تعالى (١) ( وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ ) الآية على منع النكاح مطلقا ، لأن تعليق النهي على الغاية التي هي الإيمان يدل على اشتراطه في النكاح ، بل تعقيب النهي بقوله تعالى ( أُولئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النّارِ ، وَاللهُ يَدْعُوا إِلَى الْجَنَّةِ ) يقتضي كونه علة للمنع ، فان الزوجين ربما أخذ أحدهما من دين صاحبه ، فيدعو ذلك إلى دخول النار ، وهذا المعنى مطرد في جميع أقسام الكفر ، ولا اختصاص له بالشرك ، على أنه قيل : إن اليهود والنصارى منهم أيضا ، لقول النصارى بالأقانيم الثلاثة ، وقد قال الله تعالى (٢) ( وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ ) وقال أيضا (٣) ( اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ وَالْمَسِيحَ ) ـ إلى أن قال : ـ ( سُبْحانَهُ عَمّا يُشْرِكُونَ ) » والإشراك كما يتحقق بإثبات إله آخر مع الله سبحانه كذا يتحقق بإثبات إله غيره ، فتكون الآية حينئذ دالة على المطلوب.

بل لعل قوله تعالى (٤) ( وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً ) الآية دال على المطلوب أيضا ، فإنه إنما جوز نكاح الأمة إن لم يقدر على الحرة المؤمنة ، فلو جاز نكاح الكافرة لزم جواز نكاح الأمة مع الحرة الكافرة ، ولم يقل به أحد ، ولأن التوصيف بالمؤمنات في قوله تعالى (٥) ( مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ ) يقتضي أن لا يجوز نكاح الكافرة من الفتيات مع انتفاء الطول ، وليس إلا لامتناع نكاحها مطلقا ، للإجماع على انتفاء الخصوصية بهذا الوجه ، ولأن المنع عنها مع انتفاء الطول يقتضي المنع معه بطريق أولى ، وفي المحكي‌ عن نوادر الراوندي بإسناده (٦) عن موسى بن جعفر عن آبائه عن علي عليهم‌السلام « لا يجوز للمسلم التزويج بالأمة اليهودية‌

__________________

(١) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٢١.

(٢ و ٣) سورة التوبة : ٩ ـ الآية ٣٠ ـ ٣١.

(٤ و ٥) سورة النساء : ٤ ـ الآية ٢٥.

(٦) البحار ج ١٠٣ ص ٣٨٠ ط الحديث.

٢٨

ولا النصرانية ، لأن الله تعالى يقول ( مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ ) ».

بل قوله تعالى (١) ( وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ ) دال على المطلوب أيضا فإن العصم جمع عصمة ، وهي ما يعتصم به من عقد أو ملك ، لأن المرأة بالنكاح تعصم من غير زوجها ، والكوافر جمع كافرة ، فالمراد نهي المؤمنين عن المقام على نكاح الكافرات ، لانقطاع العصمة بينهما بالإسلام ، وقد‌ روى (٢) « إنها لما نزلت أطلق المسلمون نساءهم التي لم يهاجرن حتى تزوج بهن الكفار » وفي مرسل علي بن إبراهيم (٣) عن أبي جعفر عليه‌السلام في تفسيرها « من كانت عنده امرأة كافرة على غير ملة الإسلام وهو على ملة الإسلام فليعرض عليها الإسلام ، فإن قبلت فهي امرأته ، وإلا فهي بريئة منه ، نهي الله أن يمسك بعصمهم » ‌ومتى ثبت انقطاع العصمة الثابتة بالنكاح السابق لزم منه عدم تأثير اللاحق ، بل لعله أولى ، بل يمكن إرادة الأعم من السابق واللاحق من الإمساك المنهي عنه فيها ، فإن الاستدامة من لوازم التحصيل عادة ، والمنع من اللازم يقتضي المنع من الملزوم ، وعلى كل حال فلا ريب في دلالتها على ذلك من غير اختصاص بالمشركات وإن نزلت فيهن على ما قيل ، لأن العبرة بعموم اللفظ لا بحصول السبب.

مضافا إلى‌ موثق ابن الجهم (٤) قال : « قال لي أبو الحسن الرضا عليه‌السلام : يا أبا محمد ما تقول في رجل يتزوج نصرانية على مسلمة؟ قلت : جعلت فداك وما قولي بين يديك؟ قال : لتقولن ، فان ذلك تعلم به قولي ، قلت : لا يجوز تزويج نصرانية على مسلمة ولا على غير مسلمة ، قال : ولم؟ قلت : لقول الله عز وجل (٥) : ( وَلا

__________________

(١) سورة الممتحنة : ٦٠ ـ الآية ١٠.

(٢) مجمع البيان ذيل الآية ١٠ من سورة الممتحنة.

(٣) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث ٧.

(٤) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث ٣.

(٥) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٢١.

٢٩

تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ ) ـ إلى آخرها ـ قال : فما تقول في هذه الآية (١) ( وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ )؟ قلت : قوله : ( وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ ) نسخت هذه الآية ، فتبسم ثم سكت ».

وإلى‌ خبر زرارة (٢) عن أبي جعفر عليه‌السلام : « لا ينبغي نكاح أهل الكتاب ، قلت : جعلت فداك وأين تحريمه؟ قال : قوله ( وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ ) » (٣) وصحيحه الآخر (٤) « سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن قول الله سبحانه ( وَالْمُحْصَناتُ ) ـ إلى آخرها ـ قال : هذه منسوخة بقوله ( وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ ) ».

وإلى‌ خبر مسعدة بن صدقة المروي عن تفسير العياشي (٥) قال : « سئل أبو جعفر عليه‌السلام عن قول الله تعالى ( وَالْمُحْصَناتُ ) ـ إلى آخرها ـ قال : نسختها ( وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ ) ».

وإلى ما‌ عن الطبرسي أنه روى عند قوله تعالى ( وَالْمُحْصَناتُ ) عن أبي ـ الجارود (٦) عن أبي جعفر عليه‌السلام « أنه منسوخ بقوله تعالى ( وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ ) » ‌بل قيل إن المراد بالمحصنات اللاتي أسلمن منهن ، وبالمحصنات من المؤمنات اللائي كن في الأصل مؤمنات بأن ولدن على الإسلام ، لما حكي أن قوما كانوا يتحرجون من العقد على من أسلمت عن كفر ، فبين سبحانه أنه لا حرج في ذلك ، فلذا أفرده بالذكر.

وإلى قوله تعالى (٧) ( لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ ) إلى آخرها ، فإن‌

__________________

(١) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ٥.

(٢) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث ٤.

(٣) سورة الممتحنة : ٦٠ ـ الآية ١٠.

(٤ و ٦) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث ١ ـ ٧.

(٥) المستدرك الباب ـ ١ ـ من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث ١.

(٧) سورة المجادلة : ٥٨ ـ الآية ٢٢.

٣٠

التزويج بهن مودة ، خصوصا بعد قوله تعالى (١) ( وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ).

وإلى قوله (٢) ( لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ ) فان نفي الاستواء يقتضي نفيه من جميع الوجوه التي منها المناكحة ، ومن ذلك كله ذهب المفيد والمرتضى وابن إدريس فيما حكى عنه إلى المنع مطلقا حتى الوطء بملك اليمين الذي هو أحد العصم ، بل ادعى المرتضى منهم الإجماع على ذلك.

إلا أن التحقيق الجواز مطلقا وفاقا للحسن والصدوقين على كراهية متفاوتة في الشدة والضعف بالنسبة (٣) إلى الدائم والمنقطع وملك اليمين ، وبالنسبة (٤) إلى من يستطيع نكاح المسلمة وغيره ، وبالنسبة (٥) لمن يكون عنده المسلمة وغيره ، وبالنسبة (٦) إلى البله منهن وغيرها ، كما أومأت إلى ذلك كله النصوص التي ستسمعها ، لقوله تعالى (٧) ( وَالْمُحْصَناتُ ) إلى آخرها التي هي من سورة المائدة المشهورة في أنها محكمة لا نسخ فيها.

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٨) : « إن سورة المائدة آخر القرآن نزولا فأحلوا حلالها وحرموا حرامها ».

والمروي (٩) عن الطبرسي عن العياشي بإسناده وعيسى بن عبد الله ، عن أبيه‌

__________________

(١) سورة الروم : ٣٠ ـ الآية ٢١.

(٢) سورة الحشر : ٥٩ ـ الآية ٢٠.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب ما يحرم بالكفر والباب ـ ١٣ ـ من أبواب المتعة والباب ـ ١٦ ـ من أبواب ما يكتسب به الحديث ١ من كتاب التجارة.

(٤) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب ما يحرم بالكفر.

(٥) الوسائل الباب ـ ٢ و ٧ و ٨ ـ من أبواب ما يحرم بالكفر.

(٦) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب ما يحرم بالكفر.

(٧) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ٥.

(٨) الدر المنثور ج ٢ ص ٢٥٢.

(٩) البحار ج ٩٢ ص ٢٧٤.

٣١

عن جده ، عن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : « كان القرآن ينسخ بعضه بعضا ، وإنما يؤخذ من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بآخره ، وكان من آخر ما نزل عليه سورة المائدة نسخت ما قبلها ولم ينسخها شي‌ء ، لقد نزلت عليه وهو على بغلة شهباء ، وقد ثقل عليه الوحي حتى وقفت وتدلى بطنها حتى رأيت سرتها تكاد تمس الأرض وأعيى ، وأغمي على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى وضع يده على ذؤابة شيبة بن وهب الجمحي ، ثم رفع ذلك عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقرأ علينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سورة المائدة ، فعمل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعملنا ».

والمروي مرسلا (١) عن أبي جعفر عليه‌السلام في قوله تعالى (٢) ( لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ ) الآية « إنه لم ينسخ من هذه السورة شي‌ء ولا من هذه الآية لأنه لا يجوز أن يبتدأ المشركون في أشهر الحرم بالقتال إلا إذا قاتلوا » ‌وفيه رد على من زعم أن قوله تعالى (٣) ( وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ ) منسوخ بقوله (٤) ( فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ).

و‌صحيح زرارة (٥) عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : « سمعته يقول : جمع عمر بن الخطاب أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفيهم على عليه‌السلام ، فقال : ما تقولون في المسح على الخفين؟ فقام المغيرة بن شعبة ، فقال : رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يمسح على الخفين ، فقال علي عليه‌السلام : قبل المائدة أو بعدها ، فقال : لا أدري ، فقال علي عليه‌السلام : سبق الكتاب الخفين ، إنما نزلت المائدة قبل أن يقبض بشهرين أو ثلاثة ».

والمروي عن العياشي ، عن زرارة وأبي حنيفة عن أبي بكر بن حزم (٦) قال :

__________________

(١) مجمع البيان ذيل الآية ٢ من سورة المائدة.

(٢ و ٣) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ٢.

(٤) سورة التوبة : ٩ ـ الآية ٥.

(٥) الوسائل الباب ـ ٣٨ ـ من أبواب الوضوء ـ الحديث ٦ من كتاب الطهارة.

(٦) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب صفات القاضي ـ الحديث ٤٨ من كتاب القضاء.

٣٢

« توضأ رجل فمسح على خفيه فدخل المسجد فصلى ، فجاء علي عليه‌السلام فوطأ على رقبته ، فقال : ويلك تصلى على غير وضوء ، فقال : أمرني عمر بن الخطاب ، قال : فأخذ بيده فانتهى به اليه ، فقال : انظر ما يروى هذا عليك ورفع صوته ، فقال : نعم أنا أمرته إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مسح على الخفين ، قال : قبل المائدة أو بعدها ، قال : لا أدرى ، قال : فلم تفتي وأنت لا تدري ، سبق الكتاب الخفين ».

بل يدل على انتفاء النسخ في خصوص الآية بل هي ناسخة لما ادعوا نسخها به ما رواه السيد في المحكي من‌ رسالة المحكم والمتشابه نقلا عن تفسير النعماني بإسناده (١) عن علي عليه‌السلام قال : « وأما الآيات التي نصفها منسوخ ونصفها متروك بحاله لم ينسخ ، وما جاء من الرخصة في العزيمة فقوله تعالى ( وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ ) ـ إلى آخرها ـ وذلك أن المسلمين كانوا ينكحون في أهل الكتاب من اليهود والنصارى وينكحونهم حتى نزلت هذه الآية نهيا أن ينكح المسلم في المشرك أو ينكحونه ، ثم قال الله تعالى في سورة المائدة ما نسخ هذه الآية ، فقال ( وَالْمُحْصَناتُ ) ـ الآية ـ فأطلق الله تعالى مناكحتهن بعد أن كان نهى ، وترك قوله ( وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتّى يُؤْمِنُوا ) على حاله ، لم ينسخه ».

بل يشهد له أيضا ما ذكره الثقة الجليل‌ علي بن إبراهيم (٢) في تفسيره عند قوله تعالى ( وَلا تَنْكِحُوا ) الآية « هي منسوخة بقوله تعالى في سورة المائدة :

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث ٦.

(٢) الموجود في تفسير على بن إبراهيم في ص ٦٣ ( طبع إيران عام ١٣١٣ ) ذيل الآية ٢٢١ من سورة البقرة « فقوله ( وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتّى يُؤْمِنَّ ) منسوخة بقوله : ( وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ ) ، وقوله ( وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتّى يُؤْمِنُوا ) على حاله لم ينسخ » وفي ص ١٥١ ذيل الآية ٥ من سورة المائدة « فقد أحل الله نكاح أهل الكتاب بعد تحريمه في قوله في سورة البقرة ( وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتّى يُؤْمِنَّ ) ، وانما يحل نكاح أهل الكتاب الذين يؤدون الجزية على ما يجب ، فأما إذا كانوا في دار الشرك ولم يؤدوا الجزية لم يحل مناكحتهم ».

٣٣

( الْيَوْمَ ) ـ الآية ـ ثم قال : نسخت هذه الآية قوله ( وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ ) ، وترك قوله ( وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ ) على حاله لم ينسخ ، لأنه لا يحل للمسلم أن ينكح المشرك ، ويحل له أن يتزوج المشركة من اليهود والنصارى » ‌فإنه وإن لم يسنده إلى حجة إلا أن الظاهر كونه مأخوذا عنهم عليهم‌السلام ، كما يشهد به طريقة المحدثين وخصوصا فيما طريقه النقل من نقل متون الأخبار بحذف الإسناد كأنه من كلامهم.

ومن ذلك كله يظهر لك ما في المحكي عن جماعة من منع كون سورة المائدة محكمة ، لاشتمالها على ما هو منسوخ ، وعدوا منه قوله تعالى (١) ( فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ ) وقوله تعالى (٢) ( ما عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ ) وقوله تعالى (٣) ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ) فإنها جميعا منسوخة بآية السيف ، وهي قوله تعالى (٤) ( وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ) على أن ذلك ليس من النسخ قطعا.

وأيضا فإن الروايات السابقة الدالة على نسخ آية المائدة منها ما دل على أنها منسوخة بقوله تعالى ( وَلا تُمْسِكُوا ) ومنها ما دل على أنها منسوخة بقوله تعالى : ( وَلا تَنْكِحُوا ) إلى آخرها ، ومن المعلوم أن النسخ بأحدهما لا يجتمع مع النسخ بالأخرى لاستحالة نسخ الشي‌ء ورفعه بعد زواله وارتفاعه.

ومنه يعلم أن ما تضمنته رواية الطبرسي من اسناد النسخ إليهما معا خلاف ما يقتضيه الاعتبار ، إلا أن يقال : إن الناسخ هو إحدى الآيتين خاصة ، وإنما أضيف النسخ إلى الأخرى لكونها بمنزلة الناسخ من حيث الدلالة على ما يخالف حكم المنسوخ وإن حصل الرفع بغيرها ، أو ما من شأنه النسخ به ، أو يقال بتكرر النسخ وإن المنسوخ هو حل الكتابية لا من حيث استفادته من خصوص الآية بل حلها مطلقا وإن كان لأجل السنة لكن الكل كما ترى.

وأيضا قد عرفت أن الظاهر من آية النهي عن الإمساك المنع عن البقاء على‌

__________________

(١) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ١٣.

(٢) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ٩٩.

(٣) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ١٠٥.

(٤) سورة النساء : ٤ ـ الآية ٨٩.

٣٤

نكاح الكوافر واستدامته كما نص عليه المفسرون ، فيشكل الحكم بكونه ناسخا لحل الكتابية ، للإجماع على بقاء النكاح إذا أسلم زوج الذمية دونها وإن اختلفوا في جواز نكاحها ابتداء وعدمه ، ولا تجدي أولوية المنع عن الابتداء بعد انتفاء حكم الأصل ، نعم يصح جعل الآية ناسخة لو حمل الإمساك على ما يعم الابتداء والاستدامة ، لكنه خلاف المتبادر من اللفظ ، ولذا لم يذكره المفسرون.

وأما النسخ بقوله تعالى ( وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ ) فيتوجه عليه منع دخول الكتابية في المشركة ، لأن المتبادر من الشرك في إطلاق الشرع غير أهل الكتاب ، كما يؤيده عطف المشركين على أهل الكتاب وبالعكس في كثير من الآيات (١) وهذا لا ينافي اعتقادهم ما يوجب الشرك ، إذ ليس الغرض نفي الشرك عنهم ، بل عدم تبادره من إطلاق لفظ المشرك ، وادعاء النسخ بالاية لفهم العموم منها بالقرائن وإن كان ممكنا إلا أنه خلاف ظاهر الرواية الدالة على النسخ بها من غير التفات إلى قرائن العموم ، فوجب حينئذ طرح ما دل على ذلك ، أو تأويله. على أن خبر ابن الجهم ليس فيه إلا أنه تبسم وسكت ، ويمكن أن يكون تبسمه على اشتباهه ، خصوصا والامام عليه‌السلام سأله عن تزويج النصرانية على المسلمة الظاهر في المفروغية من جواز نكاحها لا على مسلمة.

وأيضا صدر آية المائدة بقوله تعالى (٢) ( الْيَوْمَ أُحِلَّ ) إلى آخرها المراد منه بحسب الظاهر ما تعلق بالكتابيين ، فإنه ظاهر في تجدد الحل ورفع الحرمة السابقة ، فهو حينئذ كالصريح في أنه ناسخ لا منسوخ ، على أنه لو أغضينا عن ترجيح ما ذكرناه ، وقلنا : إن خبر الواحد لا يثبت به النسخ ولا الناسخ فلا أقل من التعارض ، ولا ريب في أن التخصيص أولى من النسخ ، وهو حاصل بتحكيم سورة المائدة.

هذا كله مضافا إلى موافقة ذلك للنصوص المستفيضة أو المتواترة الدالة على‌

__________________

(١) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ١٠٥ وسورة البينة : ٩٨ ـ الآية ١ و ٦.

(٢) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ٥.

٣٥

جواز نكاح الكتابية منطوقا ومفهوما كصحيح ابن وهب (١) وغيره المروي في الكافي والفقيه عن أبى عبد الله عليه‌السلام « في الرجل المؤمن يتزوج النصرانية واليهودية ، قال : إذا أصاب المسلمة فما يصنع باليهودية والنصرانية؟ فقلت : يكون له فيها الهوى ، فقال : إن فعل فليمنعها من شرب الخمر وأكل لحم الخنزير ، واعلم أن عليه في دينه في تزويجه إياها غضاضة » ‌ومنه يعلم الكراهة لمن يجد المسلمة‌ في خبر محمد (٢) عن أبي جعفر عليه‌السلام « لا ينبغي للمسلم أن يتزوج يهودية ولا نصرانية وهو يجد مسلمة حرة أو أمة » ‌مضافا إلى إشعار لفظ « لا ينبغي » فيه ، وإلى‌ خبر عبد الله بن سنان (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « سأله أبي وأنا أسمع عن نكاح اليهودية والنصرانية ، فقال : نكاحهما أحب إلى من نكاح الناصبية ، وما أحب للرجل المسلم أن يتزوج اليهودية ولا النصرانية مخافة أن يتهود ولده أو يتنصروا ».

فما عن أبي علي ـ من حرمة النكاح اختيارا والجواز اضطرارا للخبر المزبور و‌خبر حفص بن غياث (٤) قال : « كتب إلى بعض إخواني أن أسأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن مسائل ، فسألته عن الأسير هل له أن يتزوج في دار الحرب؟ فقال : أكره ذلك فان فعل في بلاد الروم فليس هو بحرام ، وهو نكاح ، وأما في الترك والديلم والخزر فلا يحل له ذلك » ‌ونحوه ، كخبر الخزاز (٥) عنه عليه‌السلام ـ واضح الضعف ، على أن خبر حفص لا صراحة فيه ، بل ولا ظهور في اشتراط الاضطرار المزبور في الجواز ، بل هو في الدلالة على عدمه أظهر ، فيندرج حينئذ في أدلة المختار التي منها ما عرفت.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث ١ ـ ٢.

(٣) ذكر صدره في الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث ١٠. وذيله في الباب ـ ١ ـ منها ـ الحديث ٥.

(٤) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث ٤.

(٥) أشار إليه في الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب ما يحرم بالكفر ـ الحديث ٤ وذكره في التهذيب ج ٧ ص ٤٣٣ الرقم ١٧٢٧.

٣٦

و ( منها ) أيضا‌ موثق سماعة (١) « سألته عن اليهودية والنصرانية أيتزوجها الرجل على المسلمة؟ قال : لا وتزوج المسلمة على اليهودية والنصرانية » ‌الذي منه تظهر دلالة القيد في‌ الصحيح أو الحسن (٢) عن أبي جعفر عليه‌السلام « لا يتزوج اليهودية والنصرانية على المسلمة » ‌بل و‌خبر أبي بصير (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « لا يتزوج اليهودية ولا النصرانية على حرة متعة وغير متعة ».

و ( منها ) خبر أبي بصير (٤) أيضا عن أبي جعفر عليه‌السلام « سألته عن رجل له امرأة نصرانية له أن يتزوج عليها يهودية؟ فقال إن أهل الكتاب مماليك للإمام ، وذلك موسع منا عليكم خاصة ، فلا بأس أن يتزوج ، قلت : فإنه يتزوج عليها أمة ، قال : لا يصلح له أن يتزوج ثلاث إماء ، فإن تزوج عليها حرة مسلمة ولم تعلم أن له امرأة نصرانية ويهودية ثم دخل بها فان لها ما أخذت من المهر ، فإن شاءت أن تقيم بعد معه أقامت ، وإن شاءت أن تذهب إلى أهلها ذهبت ، وإذا حاضت ثلاث حيض أو مرت ثلاثة أشهر حلت للأزواج ، قلت : فان طلق عليها اليهودية والنصرانية قبل أن تنقضي عدة المسلمة له عليها سبيل أن يردها إلى منزله؟ قال : نعم » وخبر منصور بن حازم (٥) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « سألته عن رجل تزوج ذمية على مسلمة ولم يستأمرها ، قال : يفرق بينهما ، قلت : فعليه أدب؟ قال : نعم اثنى عشر سوطا ونصف ثمن حد الزاني وهو صاغر ، قلت : فان رضيت المرأة الحرة المسلمة بفعله بعد ما كان فعل ، قال : لا يضرب ولا يفرق بينهما ، يبقيان على النكاح الأول » وخبر هشام بن سالم (٦) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في رجل تزوج ذمية على‌

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث ٢ ـ ١ ـ ٥.

(٤) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث ١.

(٥) أشار إليه في الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث ٤ وذكره في الباب ـ ٤٩ ـ من أبواب حد الزنا ـ الحديث ١ من كتاب الحدود.

(٦) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث ٤.

٣٧

مسلمة ، قال : يفرق بينهما ويضرب ثمن الحد ، اثني عشر سوطا ونصف ، فان رضيت المسلمة ضرب ثمن الحد ولم يفرق بينهما ، قلت : كيف يضرب النصف؟ قال : يؤخذ السوط بالنصف فيضرب به » وخبر أبي مريم الأنصاري (١) عن أبي جعفر عليه‌السلام « سألته عن طعام أهل الكتاب ونكاحهم حلال هو؟ فقال : نعم قد كانت تحت طلحة يهودية » وصحيح محمد بن مسلم (٢) عنه عليه‌السلام أيضا « سألته عن نكاح اليهودية والنصرانية ، فقال : لا بأس به ، أما علمت أنه كان تحت طلحة بن عبد الله يهودية على عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟ ».

و ( منها ) خصوص ما جاء في المتعة كمرسل ابن فضال (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « لا بأس أن يتمتع الرجل باليهودية والنصرانية وعنده حرة » وخبر زرارة (٤) « سمعته عليه‌السلام يقول : لا بأس أن يتزوج اليهودية والنصرانية ، فقال : لا بأس به يعني متعة » وخبر الأشعري (٥) « سألته عليه‌السلام عن الرجل يتمتع من اليهودية والنصرانية ، فقال : لا أرى بذلك بأسا » ‌الحديث. و‌خبر الحسن التغلبي (٦) « سألت الرضا عليه‌السلام أنتمتع من اليهودية والنصرانية؟ فقال : تتمتع من الحرة المؤمنة أحب إلى ، وهي أعظم حرمة منها » إلى غير ذلك من‌

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث ٣ و ٤.

(٣) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث ١.

(٤) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب ما يحرم بالكفر ـ الحديث ٢ والباب ١٣ من أبواب المتعة ـ الحديث ٢. وفي الموضعين قال : « سمعته يقول : لا بأس أن يتزوج اليهودية والنصرانية متعة وعنده امرأة » ‌واما قوله : فقال : لا بأس به يعني متعة » فهو من تتمة حديث محمد بن سنان الذي ذكره في الوسائل بعد خبر زرارة في الموضع الثاني بلا فصل ، والظاهر انه سهو من قلمه وطفرة من نظره الشريف طاب تراه.

(٥) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من أبواب المتعة الحديث ١.

(٦) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب المتعة الحديث ٣ والباب ـ ١٣ ـ منها ـ الحديث ٦ عن الحسن التفليسي كما في الاستبصار ـ ج ٣ ص ١٤٥ ـ الرقم ٥٢٤.

٣٨

النصوص الدالة على ذلك ، مضافا إلى ما عن المبسوط من أنه قد أجاز أصحابنا كلهم التمتع بالكتابية ووطءها بملك اليمين.

إلا أن النصوص جميعها كما ترى لا تفصيل في شي‌ء منها بالدائم والمؤجل وملك اليمين الذي اختاره المصنف وغيره ، بل قيل : إنه المشهور ، بل ظاهر بعضها أو صريحه التعميم زيادة على إطلاق النكاح والتزويج الذي إن لم يكن ظاهرا في الدوام فلا ريب في تناوله لهما معا.

ودعوى ظهور الآية (١) في المتعة ـ باعتبار ذكر الأجر فيها الظاهر في عوضها ، دون الدائم ، فإن عوضه يسمى بالمهر والصداق ونحوهما ـ يدفعها ـ مع أنه لا دلالة فيها على التفصيل المنافي للطلاق ، بل هي حينئذ كأخبار المتعة ـ منع اختصاص لفظ الأجر في ذلك ، ومنع انصرافه إليه ، بل أطلق في الكتاب والسنة على المهر باعتبار كونه عوض ملك منفعة البضع ، على أن الآية قد اشتملت على المحصنات من المؤمنات والمحصنات من أهل الكتاب ، والمراد أجور الجميع ، ولا ريب في عدم اختصاص الجواز في المؤمنات بالتمتع ، واحتمال اختصاص القيد بالكتابيات يدفعه ظهور الآية في خلافه ، وخبر زرارة (٢) المشتمل على التفسير بالمتعة مع أنه منه لأمن الإمام عليه‌السلام لا يقتضي التقييد ، إذ أقصاه أن مراد الامام عليه‌السلام في خصوص الخبر المزبور من التزويج المتعة.

ودعوى حمل جميع ما دل على جواز الدوام على التقية يدفعها أن جملة من رواة تلك النصوص ممن لا يعطون من جراب النورة ، على أن فيها ما ينافي التقية كالخبر المشتمل على كونهن ملكا للإمام ، وغيره. كل ذلك مع عدم المعارض الذي يحمل لأجله الخبر على التقية المسقطة لحجيته ، وعدم الإشعار في شي‌ء منها بذلك ، كما هو المتعارف في الأخبار الواردة مورد التقية ، والاستدلال بفعل طلحة باعتبار تقرير النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم له عليه فلا دلالة فيه على ذلك ، كما هو واضح.

__________________

(١) سورة النساء : ٤ ـ الآية ٢٥.

(٢) راجع التعليقة (٤) من الصفحة (٣٨).

٣٩

وكذا المناقشة فيها ـ باشتمالها على اعتبار المنع من أكل لحم الخنزير وشرب الخمر ، وهو غير شرط في صحة النكاح ، ولا واجب من حيث كونها زوجة ووجوبه من حيث الأمر بالمعروف خارج عما نحن فيه ، واشتمال الأخر على اختصاص التوسعة بالشيعة ، وعلى معاملتهن معاملة الأمة في عدم جواز الجمع بين الثلاث منهن ، وعدم نكاحهن على المسلمة ، والخيار للمسلمة لو نكحت عليهن وهي غير عالمة ، وأن له الرجوع على المسلمة في عدة الفسخ لو طلق اليهودية ، وغير ذلك مما لا يلتزمه القائل بالجواز ـ يدفعها عدم سقوط الخبر عن الحجية بذلك ، على أن الصدوق وابنه قد أفتيا بمضمون الصحيح المشتمل على المنع من لحم الخنزير وشرب الخمر ، فلعلهما يعملان به بالنسبة إلى ذلك ، وإن كان الأقوى خلافه ، لا طلاق النصوص ، نعم لا يبعد الاستحباب المؤكد أو الوجوب مع التمكن ولو بالاشتراط في عقد النكاح ، كما أنه لا يبعد الكراهة في نكاحها على المسلمة احتراما لها ، بل لعل الرجوع إليها بعد الطلاق دليل على عدم كون الفسخ حقيقة ، وأنها باقية لعى حباله ، كل ذلك بعد فرض الإجماع على عدم هذه الأحكام فيهن ، كما هو واضح ، ومن ذلك كله يظهر لك أن مختار المصنف وغيره من التفصيل في غاية الضعف.

وأضعف منه اختصاص الجواز بملك اليمين كما هو ظاهر المفيد ، وكذا القول بالتفصيل بين الاضطرار وغيره في الدائم والجواز مطلقا متعة ، فإن جميع ذلك مناف للعمومات ولما سمعته من الكتاب والسنة السالمة عن معارضة ما عدا التعميم والتخصيص إلا ما تقدم من النصوص (١) المتضمنة لنسخ آية المائدة (٢) بآية ( وَلا تُمْسِكُوا ) (٣) وبآية ( وَلا تَنْكِحُوا ) (٤) وقد عرفت الحال فيها وقصورها عن‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب ما يحرم بالكفر ـ الحديث ١ و ٣ و ٧ والمستدرك الباب ـ ١ ـ منها ـ الحديث ١.

(٢) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ٥.

(٣) سورة الممتحنة : ٦٠ ـ الآية ١٠.

(٤) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٢١.

٤٠