جواهر الكلام - ج ٣٠

الشيخ محمّد حسن النّجفي

وعدمه كاشفا عن بقاء الزوجية وعدمها لا شرطا مؤثرا ، إذ هو حين إسلامه إما أن يكون ذا أربع أولا في الواقع ، وناكحا للأخت أو لا فالمعقود عليها حينئذ قبل انكشاف ذلك من مشتبه الموضوع لا يجوز الاقدام عليها ، كالامرأة المشتبهة حالها أنها أم أولا ، وبذلك يعلم أن من عقد على امرأة فضولا لم يجز له أن ينكح أمها قبل الإجازة على وجه يتصرف بها ، لاحتمال انكشاف أنها أم امرأة كما أوضحناه سابقا.

نعم له العقد على وجه يترتب عليه آثاره ، فإذا بقين على الكفر انكشف تأثير العقد حينئذ ، لانكشاف عدم المانع حينه ، ودعوى مسلوبية هذه العبارة حينئذ وإن بان بعد ذلك مصادفتها للحكم بكونهن كالزوجات بالنسبة الى ذلك ، نحو المطلقة رجعيا فإنه لا يجوز له العقد على أختها وإن استمر على عدم الرجوع بها حتى انقضت العدة ممنوعة بعد حرمة القياس ، ضرورة عدم دليل يدل على أنهن بحكم الزوجات على وجه يشمل ذلك بخلاف المطلقة رجعيا ، ومجرد انكشاف الزوجية وعدمها بالإسلام في العدة وعدمه لا يقتضي ذلك ، لكونه أعم منه فتأمل فإنه ربما دق ، وحينئذ لا بأس بحمل نحو عبارة المتن على ما ذكرناه وإن كان هو خلاف ظاهر ثاني الشهيدين والفاضل ، حيث إنهما جعلا ذلك احتمالا بعد أن ذكر الأول ظاهر العبارة ، لكن لا يخفى ما فيه.

( ولو أسلمت الوثنية فتزوج زوجها بأختها قبل إسلامه ) لجواز ذلك في دينه ( وانقضت العدة ) لأختها ( وهو على كفره صح عقد الثانية ) واستقر لظهور بينونة الأولى حينئذ منه بإسلامها ، فيكون حينئذ عقد الثانية لا معارض له ، وكونه لو أسلم تكون الأولى زوجة له غير قادح بعد جواز مثله في دينه ، وليس هو كالمتزوج أخت الزوجة في عدة الأخرى الرجعية.

(نعم لو أسلما ) معا ( قبل انقضاء عدة الاولى تخير ) لأنه قد بان أن الاولى زوجة له ، والفرض أن الثانية قد تزوجها في حال كفره الذي يقر عليه ، فيكون ( كما لو تزوجها وهي ) أي الاولى ( كافرة ) وأسلموا جميعا ، وقد عرفت‌

٨١

أن الحكم فيه التخيير ، بل هو كذلك أيضا لو أسلم هو في عدة الاولى وأسلمت هي بعد انقضائها قبل انقضاء عدتها ، للحكم بكونهما معا زوجتين له ، لانكشاف كون الأولى زوجة من حين إسلامها بإسلامه في عدتها ، وانكشاف كون الثانية زوجة له أيضا من أول إسلامه بإسلامها في عدتها ، فيتجه التخيير ، لا أنه يستقر عقد الاولى وتبين الثانية منه ، كما عساه يوهمه ظاهر عبارة المتن ، نعم لو أن إسلام الثانية قد كان بعد انقضاء عدتها اتجه ذلك ، لا في الفرض الذي قد بان أنها زوجة له بإسلامها في عدتها ، كما هو مقتضى إطلاق الأدلة وإن كان قد انقضت عدة الاولى وهو واضح ، ومثل هذا البحث يأتي فيما لو أسلم زوجاته الأربع المدخول بهن فتزوج خامسة دخل بها ، ثم أسلم وتأخر إسلامها حتى انقضت عدة الأربع ثم أسلمت في عدتها ، والله العالم.

المسألة ( السابعة )

( إذا أسلم الوثني ) على وثنيته بعد الدخول ( ثم ارتد وانقضت عدتها ) وهي باقية ( على الكفر ) من حين إسلامه ( فقد ) بان أنها ( بانت منه ) من أول إسلامه المقتضي لانفساخ النكاح في مثل ذلك ( و ) هو واضح ، نعم ( لو أسلمت ) هي ( في العدة ) بان عدم الانفساخ بالإسلام ، ولكن انفسخ بالارتداد ، ( و ) حينئذ فلا بد من ضرب عدة لها من حين الارتداد فان ( رجع الى الإسلام في العدة فهو أحق بها ) لانكشاف عدم فسخ النكاح بالارتداد ، لأن المسلم منه المستمر الى ما بعد انقضاء العدة ، لا ما إذا رجع فيها ، ودعوى عدم انكشاف كونها زوجة بإسلامها وهو مرتد يدفعها إطلاق الأدلة القاضي بأنها زوجة له حال إسلامه ، فحينئذ يكون الارتداد واردا على النكاح الصحيح ، فينفسخ من حينه إن بقي مستمرا الى انقضاء العدة ( و ) إلا تبين عدم الفسخ به ، كما هو مقتضى إطلاق الأدلة السابقة ، نعم‌

٨٢

( إن خرجت ) العدة ( وهو كافر فلا سبيل له عليها ) وبان أنها بانت منه من حين ردته ، وكذا لو انعكس الفرض بأن أسلمت هي أولا ثم ارتدت ، وعلى كل حال فليس له العود إليها ، بذلك العقد حال ردته ، لأنها إن كانت مسلمة فلا يجوز نكاح المرتد لها ، وإن كانت كافرة فلفساد النكاح بين المرتد والكافر كفساده بينه وبين المسلم ، لأن علقة الإسلام باقية عليه ، ولذلك لا يقر عليه ، بل يقتل إن كان فطريا وكان رجلا ، ويستتاب إن كان مليا ، فان لم يتب قتل إن كان رجلا ، وإن كان امرأة حبست وضربت وضيق عليها في المأكل والمشرب ، كما سمعت الكلام فيه سابقا ، بل لو كانت هي مرتدة مثله أيضا انفسخ النكاح بينهما كما عرفته فيما مضى ، هذا كله بالنسبة إلى الرجوع إليها.

أما غيرها كما لو فرض أنه تزوج وهو مرتد بامرأة ثم عاد إلى الإسلام في عدة الاولى لم يحكم بصحة نكاحه فإن أقصى الأدلة البقاء على النكاح الأول بالرجوع ، لا أنه به ينكشف قابليته للنكاح المبتداء ، وكذا لو أسلمت زوجة الكافر وفرض نكاحه لمسلمة بعدها ثم أسلم هو في العدة ، فإنه لا يصح نكاحه المسلمة وإن انكشف بإسلامه بقاء نكاحه السابق ، لكن ذلك بالنسبة إليه خاصة ، لا أنه ينكشف بذلك أنه بحكم المسلم بالنسبة الى ذلك حتى بالنسبة إلى النكاح المبتدأ فإنه لا دليل عليه ، بل ظاهر ما دل على عدم جواز نكاح الكافر المسلم خلافه كما هو واضح ، والله العالم.

المسألة (الثامنة )

( لو ماتت إحداهن ) مثلا ( بعد إسلامهن قبل الاختيار لم يبطل اختياره لها ) للأصل ( فان اختارها ورث نصيبه منها ، وكذا لو متن كلهن كان له الاختيار ، فإذا اختيار أربعا ورثهن ) لا يقال : إنهن حرمن عليه بإسلامه‌

٨٣

قبل إسلامهن ، فإذا أسلمن احتاج العود الى الحل الى سبب يوجبه ، وقد خرجن عن أهلية ذلك ومجرد إسلامهن ليس سببا تاما في الحل ، بل لا بد فيه من الاختيار ، فإذا متن قبل تمام السبب المبيح ينبغي البطلان ، كما لو مات أحد المتعاقدين قبل تمام السبب المملك بالقبول أو القبض ( لـ ) أنا نقول : ( إن الاختيار ليس استئناف عقد ) حتى يبطل بالموت قبل تمامه ( وإنما هو تعيين لذات العقد الصحيح ) المتحقق في ضمن الجميع ، فلا نقصان للسبب الموجب للإرث ، فإنه الزوجية ، وهي متحققة في جملتهن ، والمانع كان هو الكفر وقد زال ، غايته زيادتهن على العدد المعتبر ، والأمر فيه إليه لا إليهن ، وليس الموت فاسخا للزوجية ، ولذا يجوز للزوج تغسيل زوجته والنظر إليها ، كما أن الاختيار ليس مشروطا بالحياة وإن كان ظاهر‌ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) : « أمسك أربعا » ‌الحياة ، لكنه ظهور مورد لا شرط ( و ) حينئذ فيتجه التمسك بالاستصحاب فيما يتحقق فيه من أفراد ذلك ، ويتم بعدم القول بالفصل.

نعم ( لو مات ومتن ) معه قبل الاختيار ( قيل : يبطل الخيار ) بل لا أجد فيه خلافا بين من تعرض له من أصحابنا ، لأصالة عدم ثبوته لغيره ، خصوصا مع ابتنائه على الشهوة المختصة به ، فاحتمال قيام وارثه مقامه فيه قياسا على الخيار في المال مثلا ولا طلاق‌ قوله عليه‌السلام (٢) : « ما كان للميت فهو لوارثه » ‌مدفوع بذلك.

( و ) لكن ( الوجه ) عند المصنف ( استعمال القرعة ، لأن فيهن وارثات ) للربع أو الثمن إن مات قبلهن ( وموروثات ) إن متن قبله ، ووارثات وموروثات إن مات بعضهن قبله وبعضهن بعده ، فلم يعلم المستحق أو المستحق عليه مع انحصاره في جملتهن ،

__________________

(١) سنن البيهقي ج ٧ ص ١٨٢.

(٢) لم نعثر على هذا اللفظ بعد التتبع التام في مظانها وانما الموجود‌ « من مات وترك مالا فلورثته » ‌أو « فللوارث » كما في الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب ولاء ضمان الجريرة والإمامة الحديث ٤ و ١٤ ومسند أحمد ج ٢ ص ٢٩٠ و ٤٥٣ و ٤٥٦ وج ٣ ص ٢٩٦ و ٣٧١ وج ٤ ص ١٣١.

٨٤

فيستخرج بالقرعة التي هي لكل أمر مشكل ، وربما أشكل ذلك بأنها لتعيين ما هو معين عند الله مشتبه عندنا في الظاهر ، وهو هنا ليس كذلك ، لأن التعيين موكول الى الزوج لا إلى الله تعالى وإن كان هو الذي يلهمه الاختيار ، ولا يقال : إن الله تعالى يعلم من يختارها منهن لو اختار وإن لم يوجد منه اختيار ، لأنا نقول : إن الله تعالى يعلم الأشياء على ما هي عليه فالمعين في نفسه يعلمه معينا وإن اشتبه علينا ، والمبهم في نفسه يعلمه مبهما فلا يمكن تخصيص إحداهن بالميراث عندنا ولا عند الله.

ومن هنا قيل : إن الوجه الإيقاف حتى يصطلح ورثتهن على التساوي أو التفاوت ، لأن الحق منحصر فيهم ، وفيهم من يستحق ومن لا يستحق ، ومال إليه في المسالك تبعا للكركي ، وقيل : يقسم ذلك بالسوية فيأخذ وارث كل واحدة نصيبها ، لأن البيان غير متوقع ، مع اعتراف الجميع بالإشكال ، وأنه لا مزية لإحداهن على الأخرى فاشتبه المال بين المدعيين مثلا.

وربما أشكل بأنه إعطاء غير المستحق قطعا بخلاف المال بين المدعيين ، فان التشريك بينهما محتمل بخلاف المقام المعلوم فيه عدم الاشتراك ، ويدفع بمنع اعتبار احتمال التشريك فيما ثبت فيه ، لإطلاق دليله المبني على إعمال كل من الدعويين واليدين في غير محل التعارض وإبطالهما فيه ، فليس إلا الاشتراك بينهما بالنصف إن كانا اثنين ، نعم ما نحن فيه ليس من ذلك ، لاعتراف الجميع بأن المستحق أربع ، وعدم الدعوى منهن بأنهن الأربع لا غيرهن.

كما أنه قد يشكل سابقه بأن في الإيقاف حتى يصطلح الجميع تعطيلا للحق عن أهله المطالبين به ومثارا للنزاع الذي لم يعهد من الشارع إهماله ، فيتعين القرعة حينئذ.

ويدفع ما سمعته من إشكالها ( أولا ) بمنع اعتبار الاشتباه في موضوعها ، لا طلاق أدلتها من الآية (١) والرواية (٢) و ( ثانيا ) بمنع عدم الاشتباه هنا ، فإنه‌

__________________

(١) سورة آل عمران : ٣ ـ الآية ٤٤ وسورة الصافات : ٣٧ ـ الآية ١٤١.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من أبواب كيفية الحكم من كتاب القضاء.

٨٥

بإسلامه وإسلامهن مثلا بن منه أربع وبقين أربع في علم الله ولو باختياره المستقبل ، إذ لا معنى لقيام البينونة والزوجية في موضوع مبهم في الواقع ، بل هو غير متصور ، نعم باختياره ينكشف أن هذه الأربع هي التي باقية على الزوجية من أول الأمر ، لا أن الاختيار جزء سبب النكاح ولا سبب في الاقتران ، وحينئذ تكون القرعة في محلها.

ويقوى في النظر التخيير للحاكم المعد لحسم مادة النزاع بين استعمال القرعة في حسمه وبين القسمة على السواء بينهم ، ولا يتعين أحدهما ، وربما كان ذلك مراد المصنف بقرينة ما تسمعه منه فيما يأتي فيما لو مات دونهن ، حيث قال : « والوجه القرعة أو التشريك » فتأمل جيدا ، والله العالم.

( ولو مات الزّوج ) خاصة ( قبل ) اختيار أربع منـ ( هن كان عليهن ) أجمع ( الاعتداد منه ، لأن منهن من تلزمه العدة ) بالوفاة ( ولما لم يحصل الامتياز ألزمن ) أجمع ( العدة احتياطا ) فان لم يكن قد دخل بهن وكن ذميات أو قارن إسلامه إسلامهن فليس إلا عدة الوفاة ، وإن كان قد دخل بهن ألزمن العدة ( بأبعد الأجلين ، إذ كل واحدة ) منهن ( تحتمل أن تكون هي الزوجة وأن لا تكون ) هي الزوجة ( فالحامل تعتد بعدة الوفاة ووضع الحمل ) وفي بعض النسخ « تعتد بأبعد الأجلين من عدة الوفاة ووضع الحمل » وعلى كل حال فالمراد واضح وإن كان التعبير الأول فيه تجوز ، لأن عدة الوفاة للحامل هي أبعد الأجلين ، فإطلاقه عدتها على عدة الوفاة من إطلاق اسم المجموع على بعض أفراده ، والأمر سهل.

( و ) أمّا الحائل فـ ( تعتدّ بأبعد الأجلين من عدة الطلاق ) ثلاثة أقراء أو ثلاثة أشهر ( و ) عدة ( الوفاة ) أربعة أشهر وعشرا ، وإنما اكتفي بالتداخل في العدتين لأن المعتبر عدة واحدة ، والتكليف بالزائد للاشتباه وكيف كان فابتداء عدة الوفاة من حينها قطعا ، أما الأقراء فعن التذكرة « يحتمل الاعتبار من وقت إسلامهما إن اقترنا ، ومن حين إسلام من سبق إسلامه إن تعاقبا فيه ، لأن‌

٨٦

الأقراء إنما تجب لاحتمال مفارقة من انفسخ نكاحها ، والانفساخ يحصل من ذلك الوقت » واعترضه في جامع المقاصد بأن « لقائل أن يقول : إن الانفساخ إنما يحصل من حين المفارقة بالاختيار ولم يتحقق ذلك ، فينبغي أن يكون ابتداء عدته من حين الوفاة ، لامتناع التأخر عنه وانتفاء ما يدل على التقدم عليه ، لأن إسلامهما أو إسلام الأسبق منهما لا يقتضي المفارقة قطعا » وفيه أنه يمكن القول بأن الاختيار حيث يحصل يكشف عن الفرقة من حين الإسلام المقتضي لبينونة ما زاد على النصاب ، فتأمل.

ثم لا يخفى عليك عدم الخلاف ظاهرا منهم في وجوب العدة على الجميع بنحو ما عرفت ، لكن فيه أنه لا يتم على تقدير استخراج الوارثات منهن بالقرعة القاضية بكون الزوجات التي خرجن بها ، فيتجه حينئذ عدة الوفاة عليهن والفراق على غيرهن ، اللهم إلا أن يقال : إنها بالنسبة إلى خصوص الإرث ، ومنه يعلم قوة ما ذكرناه سابقا من أنها هنا طريق للحاكم في حسم النزاع كالتشريك ، لا أنها معينة للموضوع الذي تجري عليه جميع الأحكام ، والله العالم.

المسألة ( التاسعة )

لا خلاف أجده بين من تعرض لذلك في أنه ( إذا أسلم وأسلمن ) معه وكن كتابيات لزمه نفقة الجميع حتى يختار أربعا ، فتسقط نفقة البواقي من حين الاختيار لا قبله ( لأنهن ) فيه ( في حكم الزوجات ) وإن زدن على النصاب كالمطلقة رجعيا ( وكذا لو أسلمن أو بعضهن وهو على كفره ، و ) حينئذ فـ ( لو لم يدفع النفقة كان لهن المطالبة بها عن الحاضر والماضي ) لأنها من الديون ( سواء أسلم أو بقي على الكفر ) ولا يقدح في ذلك عدم تمكينه من الاستمتاع بعد أن كان المنع شرعيا بالكفر أو عدم الاختيار الحابس لهن ، نعم قد يشكل ذلك بأنه بالإسلام‌

٨٧

قد بانت منه زوجية الزائد ، فالواجب عليه نفقة أربع توقف حتى يصطلحن عليها أو يقر عن عليها أو تقسم بالسوية بينهن ، بل قد يتجه اختصاصها بمن يتعقبهن الاختيار الكاشف عن كونهن زوجات من حين الإسلام وعن عدم زوجية غيرهن حينه أيضا ، بل قد يشكل وجوب النفقة عليه لغير الزائد مع فرض استمرار الكفر الكاشف عن البينونة من حين الإسلام ، ودعوى كونهن بحكم الزوجات قبل الانكشاف كالمطلقة رجعيا يدفعها عدم الدليل على ذلك ، ومجرد المشاركة للرجعية في بعض الأحكام لا يقتضي المساواة في الجميع الذي منه ما نحن فيه ، خصوصا بعد معلومية المخالفة لها في الإرث وغيره ، كما أومأنا إليه سابقا ، ودفع الأول بوجوب الإنفاق على الجميع وإن زدن على النصاب للمقدمة يدفعه معلومية كون المراد الإنفاق من حيث الزوجية الذي يكون مع عدم القدرة عليه دينا في الذمة ، ومن المعلوم عدم اقتضاء خطاب المقدمة ذلك ، كما هو واضح.

اللهم إلا أن يقال : قال الصادق عليه‌السلام في خبر الحضرمي (١) « إذا ارتد الرجل المسلم عن الإسلام بانت منه امرأته كما تبين المطلقة ، وإن قتل أو مات قبل انقضاء العدة فهي ترثه في العدة ، ولا يرثها إن ماتت وهو مرتد عن الإسلام » ‌وفيه دلالة على أنها بحكم المطلقة رجعيا ، ولذا ورثت ، وفيه أنه لا تلازم بين هذا الحكم وغيره ، ولذا صرح‌ في خبره الآخر (٢) بأنها « تبين منه كما تبين المطلقة ثلاثا وأنها ترثه لو مات في العدة » على أن الكلام هنا في الزائد على الأربع فتأمل جيدا ، والله العالم.

( و ) كيف كان فـ ( لا تلزمه النفقة لو أسلم دونهن ) وكن وثنيات ( لتحقق منع الاستمتاع منهن ) بعدم الإسلام الواجب عليهن ، فهن حينئذ كالنواشز فتسقط النفقة حينئذ عنه وإن أسلمن بعد ذلك وبان به أنهن زوجات من حين إسلامه ، بلا خلاف أجده فيه أيضا بين من تعرض له ، لكن قد يخدش بأن‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب موانع الإرث الحديث ٤ من كتاب المواريث.

(٢) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب موانع الإرث الحديث ٤ من كتاب المواريث بطريق الشيخ ( قده ).

٨٨

المقتضي للإنفاق تحقق الزوجية ، والفرض أنها كذلك عندهم ، وإنما المعلوم من إسقاطه عصيان الزوجة فيما يجب عليها من الخطاب من حيث الزوجية ، لا عصيانها بمخالفة الخطاب الأخر وإن استلزم ذلك عدم جواز وطئه إياها ، فهو منع شرعي لا منع منها ، وإلا فهي ممكنة له من الوطء على هذا الحال ، إلا أن الشارع لم يجوز له وطء الكافرة. اللهم إلا أن يقال : إن الأصل براءة الذمة من النفقة ، إنما المعلوم من وجوبها مع التمكن من وطئها على وجه يشمل المقام ، بل يكفي في السقوط الشك في تحقق شرط الوجوب.

( و ) لعل من ذلك يعلم الحكم فيما لو اختلف الزوجان في السابق إلى الإسلام بعد اتفاقهما على عدم الاقتران ( و ) ان المصنف وغيره بل نسبه ثاني الشهيدين إلى الأصحاب ، ذكروا أن ( القول قول الزوج ، استصحابا للبراءة الأصلية ) إذ لا ريب في ابتناء ذلك على الشك في تحقق شرط وجوب الإنفاق ، بخلاف ما لو قلنا إن الزوجية سببه ، فالنفقة حينئذ ثابتة ، والنزاع في المسقط ، والأصل عدمه ، فيكون القول قولها ، كما عن قول الشافعية واستوجهه في المسالك ، لكن في كشف اللثام يدفعه أن النفقة ليست أمرا واحدا مستمرا من حين النكاح ، وإنما تثبت يوما فيوما ، والأصل في كل يوم عدمها إلى أن يثبت موجبها ، وهو التمكين ، وفيه أن بناء الوجوب كما عرفت على أن الزوجية سبب الإنفاق ، وهو مستمر في كل يوم حتى يعلم تحقق المسقط ، وهو كون المنع منها.

ولو ادعى السبق بالإسلام قبل الوطء الموجب للبينونة بمجرد الاختلاف ففي القواعد « إن القول قولها ، لأن الأصل بقاء استحقاق المهر الذي قد وجب بالنكاح وإنما يسقط بالمسقط ، والأصل عدمه » وفيه إن الأصل عدم الوطء.

ولو قالت : أسلمنا معا فالنكاح باق ، وقال : بل أسلمت قبلي أو أسلمت قبلك ولم تكن مدخولا بها ففي تقديم قوله أو قولها إشكال من تعارض الأصل والظاهر ، ولو قال للوثنية : أسلمت بعد إسلامي بشهرين فلا نفقة لك علي إلا فيما بعدهما ، فقالت : بل بشهر أو قال : أسلمت بعد العدة فلا نفقة ولا نكاح ، فقالت : بل فيها‌

٨٩

قدم قوله ، لأصالة تأخر الحادث ، والبراءة من النفقة ، ولا يعارضهما أصالة صحة النكاح ، فان الاختلاف في الدين معلوم ، وهو مما يرفع النكاح رفعا مراعى ، فالأصل بطلان النكاح إلى أن يسلم في العدة ، والله العالم.

( ولو مات ) الزوج قبل الاختيار دونهن ( ورثه أربع منهن ) و ( لكن لما لم يتعين ) قيل : ( وجب إيقاف الصحة عليهن حتى يصطلحن ) بالتساوي أو التفاوت ( والوجه ) عند المصنف هنا أيضا ( القرعة أو التشريك ) وفي المسالك « إن مراده الإشارة إلى وجهين في المسألة لا إلى التخيير » قلت : قد عرفت فيما مضى أن هذه المسألة وما تقدم من واد واحد ، ضرورة جريان هذه الوجوه في وارثهن ، إذ لا فرق بينهن وبينه بعد أن كان الاختيار لغيرهن وفرض عدمه ، ومنه يعلم أن مراد المصنف هناك بذكر القرعة على أنها أحد الفردين وحمل ما هنا منه على الإشارة إلى الوجهين ليس بأولى من حمله على إرادة التخيير للحاكم بعد عدم الصلح منهن في حسم النزاع بين الأمرين الرافعين للترجيح بلا مرجح ، كما عساه يومئ الى ذلك ما عرفته سابقا من عدم جريان حكم القرعة في الاعتداد ، ولو أنها لتشخيص الموضوع اتجه حينئذ إجراء أحكامه عليه ، واحتمال أنها لتشخيصه بالنسبة إلى الإرث خاصة دون الاعتداد خلاف المعهود فيما يستخرج بالقرعة.

وكيف كان فلو كان فيهن وارثات وغير وارثات فلا إيقاف لهن ، بل لا يورثن إذا كن غير الوارثات أربعا فما فوقهن ، كما لو كان معه أربع وثنيات وأربع كتابيات فأسلم الوثنيات خاصة ثم مات قبل التعيين وفاقا للقواعد والمحكي عن المبسوط ، لعدم العلم بأن له زوجة وارثة ، لاحتمال أن يكون الزوجات منحصرة في غير الوارثات ، خلافا للمحكي عن التذكرة ، فاستقرب الإيقاف ، لعدم العلم باستحقاق الورثة جميع التركة ، لاحتمال زوجية الوارثات منهن ، كما يوقف الميراث إذا كان حمل ، والشكل في أصل الاستحقاق لا يمنع الوقف ، كما في الحمل أيضا ، فإن الاستحقاق أيضا مشكوك فيه ، وربما أشكل بأن الشك في الحمل يرجى زواله بخلاف ذلك ، ولو أسلم الكتابية بعد الموت قبل القسمة فالأقرب إيقاف الحصة ،

٩٠

لعدم الفرق على الأصح في إرث الكافر إذا أسلم قبل القسمة بين الزوجة وغيرها ، كما تسمعه في الميراث ، ومنه يعلم ما في قول المصنف ( ولو مات قبل إسلامهن لم يوقف شي‌ء ، لأن الكافر لا يرث المسلم ) مطلقا أو إذا كان زوجا ، وإن الأصح قوله ( ويمكن أن يقال : ترث من أسلمت قبل القسمة ).

المسألة ( العاشرة )

( روى ) الشيخ والصدوق عن ابن محبوب عن الحكم الأعمى وهشام بن سالم عن عمار الساباطي (١) عن أبى عبد الله عليه‌السلام‌ قال : « سألته عن رجل أذن لعبده في تزويج امرأة حرة فتزوجها ، ثم إن العبد أبق فجائت امرأة العبد تطلب نفقتها من مولى العبد ، فقال : ليس لها على مولاه نفقة ، وقد بانت عصمتها ، فإن إباق العبد طلاق امرأته هو بمنزلة المرتد عن الإسلام ، قلت : فان هو رجع الى مواليه ترجع إليه امرأته قال : إن كان قد انقضت عدتها منه ثم تزوجت بغيره فلا سبيل له عليها وإن كانت لم تتزوج ـ وفي التهذيب ولم تنقض العدة ـ فهي امرأته على النكاح الأول » ‌وقد نقل المصنف مضمونها فقال : ( إن إباق العبد طلاق امرأته وإنه بمنزلة الارتداد ، فان رجع وهي في العدة فهي المرأة بالنكاح الأول ، وإن رجع بعد العدة وقد تزوجت فلا سبيل له عليها ) وعمل بها الصدوق على ما حكي عنه ، والشيخ في النهاية وابن حمزة في الوسيلة ، قال الأول : « إذا أذن الرجل لعبده في التزويج فتزوج ثم أبق لم يكن لها على مولاه نفقة ، وقد بانت من الزوج ، وعليها العدة منه ، فان رجع قبل خروجها من العدة كان أملك برجعتها ، وإن عاد بعد انقضاء عدتها لم يكن له عليها سبيل » وقال ابن حمزة : « وإذا تزوج عبد بأمة غير سيده ورضي سيداهما ثم أبق العبد بعد الدخول بانت منه ولزمتها العدة ، فإن رجع قبل انقضائها كان أملك بها ، وإن رجع بعد انقضاء العدة لم يكن له عليها سبيل ، ولا يلزم سيده‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٧٣ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ١ والباب ـ ٣٥ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ١ من كتاب الطلاق.

٩١

النفقة ».

( و ) لكن مع ذلك ( في العمل بها تردد ) ليس ( مستنده ضعف السند ) إذ هو من الصحيح أو الموثق ، وكل منهما عندنا حجة ، بل لقصوره عن معارضة ما دل على بقاء النكاح من الأصل وعموم حصر ناسخه في غيره ، وشذوذ الخبر المزبور ، ضرورة قصر الحكم في عبارة ابن حمزة على أمة غير السيد ، مع أن مورد الرواية الحرة ، واعتبار عدم التزويج في رواية الفقيه في البقاء على النكاح ، وفي التهذيب ذلك مع عدم انقضاء العدة ، واعتبار التزويج في البينونة عنه في كل منهما ، ولم يعتبر بشي‌ء من ذلك الشيخ وابن حمزة ، على أنه ظاهر في سقوط النفقة في الارتداد ، وهو مخالف لما سمعته سابقا ، ومختص بالحرة ، ولم يستقص فيه تمام أحكام ذلك من رجوع العبد بنفسه ، وإرجاعه ، وإباق الأمة التي تزوجها الحر ، وإباق العبد والأمة ، وغير ذلك من الأحكام الكثيرة ، واتحاد الخبر المزبور في الحكم المذكور ، وبذلك كله يضعف الظن به ، بل يختص الظن بغيره ، ومنه يعلم أن الأقوى العدم ، والله العالم.

( مسائل من لواحق العقد )

( وهي سبع : الأولى ) لا خلاف في أنّ ( الكفاءة شرط في النكاح ) بل الإجماع بقسميه عليه ، ( و ) لكن ( هي ) بمعنى ( التساوي في الإسلام ) فلا يجوز للمسلمة نكاح غير المسلم ، ( وهل يشترط التساوي في الايمان ) بالمعنى الأخص فلا يجوز نكاح المؤمنة غير المؤمن على نحو ما سمعته في الإسلام؟ ( فيه روايتان أظهرهما الاكتفاء بالإسلام وإن تأكد استحباب الايمان ، وهو في طرف الزوجة أتم ، لأن المرأة تأخذ من دين بعلها ) أما العكس فلا خلاف في جوازه كما اعترف به في كشف اللثام وغيره ، نعم ربما حكي عن سلار‌

٩٢

عدم جواز ذلك ، ولم نتحققه إذ المحكي عنه أنه إنما منع من المعاندة ، وهي المناصبة التي ستعرف كفرها ، بل لم يحك أحد هنا الخلاف في ذلك عمن علم أن مذهبه كفر المخالفين ونجاستهم ، كالمرتضى وابن إدريس وغيرهما ، نعم حكى غير واحد هنا الشهرة على عدم جواز نكاح المؤمنة المخالف ، بل في الرياض عن الخلاف والمبسوط والسرائر وسلار والغنية الإجماع عليه ، وهو الحجة للمانع بعد النصوص المستفيضة.

كقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) حين أمر بتزويج الأبكار من الأكفاء : « المؤمنون بعضهم أكفاء بعض » ‌وغيره.

( ومنها ) المشرطة ـ الأمر بنكاحه المراد منه الإباحة ـ برضا دينه وأمانته (٢) وفي بعضها خلقه ودينه (٣) قيل : وليس في إدراج الخلق مع الدين في بعضها قرينة على التدين بالنسبة إلى الدين بناء على اتحاد سياق العبارة مع الإجماع على عدم اعتباره ، لتوقفه على كون المراد منه السجية والطبيعة ، وليس بمتعين ، لاستعماله في الملة كما عن أهل اللغة ، فيحتمل إرادتها منه هنا ، فلا قرينة بالمرة.

( ومنها ) الصحيح (٤) « تزوجوا في الشكاك ولا تزوجوهم ، لأن المرأة تأخذ من أدب زوجها ، ويقهرها على دينه ».

( ومنها ) المرسل كالموثق ، بل الموثق لا رسالة عن غير واحد الملحق مثله عند جماعة بالمسند‌ عن أبان عن الفضيل بن يسار (٥) قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن نكاح الناصب ، فقال : لا والله ما يحل ، قال فضيل : ثم سألته مرة أخرى ، فقلت : جعلت فداك ما تقول في نكاحهم؟ قال : والمرأة عارفة ، قلت : عارفة فقال :

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب مقدمات النكاح الحديث ٢.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب مقدمات النكاح الحديث ٣ و ١.

(٤) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث ٢.

(٥) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث ٥.

٩٣

إنّ العارفة لا توضع إلا عند العارف ».

( ومنها ) المعتبر بوجود المجمع على تصحيح ما يصح عنه في سنده‌ (١) « إن لامرأتي أختا عارفة على رأينا وليس على رأيها بالبصرة إلا قليل فأزوجها ممن لا يرى رأيها ، قال : لا ولا نعمة ولا كرامة ، إن الله تعالى يقول (٢) ( فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفّارِ ، لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ ، وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ ) » ‌بل ربما استفيد من ذيله الاستدلال بالروايات المستفيضة بل المتواترة (٣) المتضمنة كفرهم الذي إن أريد منه الحقيقة كانت دلالته واضحة ، وإلا كان المراد بالمشاركة في الأحكام التي منها ما نحن فيه.

بل ربما استدل أيضا بالنصوص المتواترة (٤) أيضا الدالة على عدم جواز نكاح الناصب ، بناء على أن المراد منه المخالف ، لقول الصادق عليه‌السلام في خبر المعلى ابن خنيس المروي عن العلل (٥) « ليس الناصب من نصب لنا أهل البيت ، لأنك لا تجد أحدا يقول : أنا أبغض محمدا وآل محمد ، ولكن الناصب من نصب لكم وهو يعلم أنكم تتولونا وأنكم من شيعتنا » وفي المرسل المروي عن الشيخ والكليني (٦) عنه‌

__________________

(١ و ٤) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث ٤.

(٢) سورة الممتحنة : ٦٠ ـ الآية ١٠.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب حد المرتد الحديث ١٣ و ١٤ و ١٨ و ١٩ و ٢١ و ٢٣ و ٢٤ و ٢٥ و ٢٧ و ٢٨ و ٢٩ و ٣٨ و ٤٣ و ٤٤ و ٤٨ و ٤٩ من كتاب الحدود والباب ـ ١٠ ـ من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث ١٥.

(٥) الوسائل الباب ـ ٦٨ ـ من أبواب القصاص في النفس الحديث ٢ من كتاب القصاص ، وهو يروى عن معاني الاخبار مع اختلاف في اللفظ ، وهذا اللفظ بعينه مروي عن العلل في خبر عبد الله بن سنان الذي رواه في الوسائل بعد رواية معلى بن خنيس وأشار إليه في الوسائل أيضا في الباب ٢ ـ من أبواب ما يجب فيه الخمس الحديث ٣ من كتاب الخمس.

(٦) الوسائل الباب ـ ٢١ ـ من أبواب الصدقة الحديث ٢ من كتاب الزكاة.

٩٤

أيضا إنه قال : « الزيدية هم النصاب » وعن الكليني في الروضة (١) في جارين ناصب وزيدي فقال عليه‌السلام : « هما سيان هذا نصب لك ، وهذا الزيدي نصب لنا » وعن مستطرفات السرائر من مكاتبات محمد بن علي بن عيسى لمولانا الهادي عليه‌السلام (٢) « سأله عن ناصب هل احتاج في امتحانه إلى أكثر من تقديم الجبت والطاغوت واعتقاد إمامتهما؟ فرجع الجواب : من كان على هذا فهو ناصب ».

ولكن الجميع محل نظر أما الإجماع المحكي فلم نتحققه إذ ليس في المحكي عن المبسوط والخلاف إلا قوله الكفاءة معتبرة في النكاح ، وهي عندنا شيئان : الايمان وإمكان القيام بالنفقة ، واليسار المراعى ما يمكنه القيام بمئونة المرأة وكفايتها لا أكثر من ذلك ثم إنه استدل في الثاني منهما على ذلك بإجماع الفرقة الى أن قال في الرد على من اعتبر فيها أكثر من ذلك : « وما ذكرناه مجمع عليه » وفي الغنية « الكفاءة تثبت عندنا بأمرين الأول الايمان وإمكان القيام بالنفقة بدليل الإجماع المشار إليه ، ولأن ما ذكرناه مجمع على اعتباره ، وليس على اعتبار ما عداه دليل ، ولكن البناء عندنا أن الكفاءة المعتبرة في النكاح أمران الايمان واليسار بقدر ما يقوم بأمرها ، والإنفاق عليها ، ولا يراعي ما عدا ذلك من الأنساب والصنائع ، والأولى أن نقول : إن اليسار ليس بشرط في صحة العقد ، وإنما للمرأة الخيار إذا لم يكن موسرا بنفقتها ، ولا يكون العقد باطلا ، بل الخيار إليها ، وليس كذلك خلاف الإيمان الذي هو الكف إذا بان كافرا فان العقد باطل ، ولا يكون للمرأة الخيار كما كان لها في اليسار » الى آخره ، وقال المرتضى في مسائل الناصرية : « الذي يذهب إليه أصحابنا أن الكفاءة في الدين معتبرة ، لأنه لا خلاف في أنه لا يجوز أن تتزوج » ‌

__________________

(١) روضة الكافي ص ٢٣٥ ـ الرقم ٣١٤ ط طهران.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب ما يجب فيه الخمس الحديث ١٤ من كتاب الخمس عن موسى بن محمد بن على بن عيسى قال : « كتبت اليه. » ولكن روى في الباب ـ ٦٨ ـ من أبواب القصاص في النفس الحديث ٤ من كتاب القصاص : « ان محمد بن على بن عيسى كتب اليه. ».

٩٥

المرأة المسلمة المؤمنة بالكفار » إلى آخره.

والجميع كما ترى إنما يراد من الايمان فيها المرادف للإسلام ، لا المعنى الأخص بقرينة استدلالهم على نفي الزيادة عن ذلك في مقابل الشافعي وغيره من العامة ممن اعتبر في الكفاءة أزيد من ذلك بكون المجمع عليه ذلك ، والأصل عدم الزيادة ، ولا ريب في أن الايمان المعتبر عند الجميع الإسلام ، ضرورة عدم معنى أخص للايمان عندهم ، بل يؤيده أيضا تفريع بعضهم على ذلك عدم جواز تزويج المسلمة غير المسلم ، وغير ذلك من القرائن التي لا يخفى على من لا حظ كلماتهم الدالة على إرادة الإسلام من الايمان.

ومنه يعلم عدم قائل صريح معتد به من القدماء بعدم جواز نكاح المؤمنة غير المؤمن ، ولو من فرق الإمامية ، كالواقفى ونحوه ممن جرى عليه حكم الإسلام في هذا الحال ، على أن عباراتهم لا يخلو من تشويش بالنسبة إلى اعتبارهم في الكفاءة الايمان والتمكن من النفقة ، مع معلومية عدم اعتبار الثاني في صحة العقد ، حتى لو رضيت الامرأة بذلك كما ستعرف.

وكذا النصوص ، ضرورة كون الايمان في السابق مرادفا للإسلام ، فإنه بالمعنى الأخص اصطلاح جديد ، نعم ربما أطلق الإيمان فيها (١) مقابل الإسلام باعتبار ارادة التصديق القلبي والتسالم الظاهري مع النفاق باطنا ، ولكن المعروف مراد فته وكذا لفظ الدين الذي هو عند الله الإسلام (٢) بل‌ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٣) : « إذا جاءكم » ‌الى آخره خطاب مشافهة ، ومن المعلوم أن من لا يرضى دينه في زمنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من لم يكن مسلما ، فلا يستفاد حينئذ منها بقاعدة الاشتراك أزيد من ذلك ، على أن ذكر الخلق معه مع معلومية عدم اعتباره في الكفاءة قرينة على‌

__________________

(١) الكافي ج ٢ ص ٢٥ الى ٢٨.

(٢) سورة آل عمران : ٣ ـ الآية ١٩.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب مقدمات النكاح الحديث ١ و ٢.

٩٦

عدم إرادة بيان الكفاءة المعتبر في الصحة ، ودعوى إرادة الدين منه أيضا مخالفة للظاهر ، على أنها لا تتم فيما اعتبر الامانة مع الدين منها.

وأما الصحيح فلم يعلم المراد من الشكاك فيه ، ويمكن إرادة المستضعفين منهم ، وحينئذ فالتعليل فيه يناسب الأمر فيه باعتبار صيرورته حينئذ سببا لنجاة الامرأة لا النهي ، فان المستضعف لا يخشى منه القهر على ما عنده ، لعدم معرفته ، وعلى كل حال فهو معارض بما تسمعه من النصوص ، خصوصا ما ورد في المستضعف (١) فلا بأس بحمل النهي فيه على الكراهة.

كالنهي في المرسل الذي بعده ، بل والآخر أيضا مع عدم معلومية من لم ير رأيها البصيرة ، ولعلهم الخوارج والمبغضين لأمير المؤمنين والأئمة الطاهرين عليهم‌السلام ، لكثرتهم في ذلك المكان والزمان ، بل هو مقتضى استدلال الامام عليه‌السلام بالاية الكريمة ، ضرورة معلومية عدم كفر المخالفين على وجه تجرى عليهم أحكامهم الدنيوية ، للسيرة القطعية والأدلة السمعية والعسر والحرج وغير ذلك مما هو مسطور في محله.

ومنه يعلم بطلان الاستدلال بما دل على كفرهم المعلوم إرادة حكم الكفار منه في الآخرة كما دلت عليه النصوص المتواترة.

وكذا أخبار النصاب فان المراد كونهم أجمع بحكمهم فيها أيضا ، لمعلومية كفر الناصب وحلية ماله ودمه ، ومعلومية عدم كون المخالف من حيث كونه مخالفا كذلك ، فوجب حينئذ حمل هذه النصوص على ذلك ، نحو ما دل (٢) على أنهم كفار وأنهم شر من اليهود والنصارى أي في الآخرة ، بخلاف الدنيا فإنهم مساوون للمؤمنين في الأحكام ، وبذلك صرحت النصوص وتواترت في الفرق بين الإسلام والايمان.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث ٣ و ٥ و ١٠.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث ١٥ والباب ـ ١١ ـ من أبواب الماء المضاف الحديث ٥ من كتاب الطهارة.

٩٧

قال‌ سماعة (١) : « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أخبرني عن الإسلام والايمان أهما مختلفان؟ فقال : إن الايمان يشارك الإسلام ، والإسلام لا يشارك الايمان ، فقلت : فصفهما لي ، فقال : الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله والتصديق برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وبه حقنت الدماء ، وعليه جرت المناكح ، وعلى ظاهره جماعة الناس ، والايمان الهدى ، وما يثبت في القلوب من صفة الإسلام ، وما ظهر من العمل به ، والايمان أرفع من الإسلام بدرجة ، إن الايمان يشارك الإسلام في الظاهر والإسلام لا يشارك الايمان في الباطن وإن اجتمعا في القول والصفة ».

وقال حمران بن أعين (٢) : « سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : الايمان ما استقر في القلب وأفضى به إلى الله ، وصدقه العمل بالطاعة لله ، والتسليم لأمر الله ، والإسلام ما ظهر من قول أو فعل ، وهو الذي عليه جماعة الناس من الفرق جميعها ، وبه حقنت الدماء ، وعليه جرت المواريث وجاز النكاح واجتمعوا على الصلاة والزكاة والصوم والحج ، فخرجوا بذلك من الكفر وأضيفوا الى الإيمان ـ الى أن قلت ـ : فهل للمؤمن فضل على المسلم في شي‌ء من الفضائل والأحكام والحدود وغير ذلك؟ فقال : لا هما يجريان في ذلك مجرى واحدا ولكن للمؤمن فضل على المسلم في إعمالهما وما يتقربان به الى الله تعالى » ‌الحديث.

و‌قال الفضيل بن يسار (٣) : « سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : إن الايمان يشارك الإسلام ، ولا يشار كه الإسلام ، إن الايمان ما وقر في القلوب ، والإسلام ما عليه المناكح والمواريث وحقن الدماء ، والايمان يشارك الإسلام والإسلام لا يشارك الايمان ».

وقال القاسم الصيرفي شريك المفضل (٤) : « سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : الإسلام يحقن به الدم ويؤدى به الامانة ويستحل به الفروج ، والثواب على الإيمان ».

__________________

(١) الكافي ج ٢ ص ٢٥.

(٢ و ٣) الكافي ج ٢ ص ٢٦.

(٤) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث ٤.

٩٨

و‌صحيح عبد الله بن سنان (١) قال : « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام بم يكون الرجل مسلما يحل منا كحته وموارثته وبم يحرم دمه؟ فقال : يحرم دمه بالإسلام إذا ظهر ويحل مناكحته وموارثته » ‌الى غير ذلك من النصوص المتواترة الدالة على اشتراك المسلم والمؤمن بالمعنى الأخص في هذه الأحكام ، خصوصا في زمان التقية والهدنة ، وهو الزمان الذي لم تقم فيه يد الشرع ، كما أومأ إليه‌ خبر العلاء بن رزين (٢) لما سأل أبا جعفر عليه‌السلام عن جمهور الناس فقال : « هم اليوم أهل هدنة ، ترد ضالتهم ، وتؤدى أمانتهم ، وتحقن دماؤهم ، وتجوز مناكحتهم وموارثتهم في هذا الحال ».

كل ذلك مضافا إلى‌ خبر الفضيل بن يسار (٣) « سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن المرأة العارفة هل أزوجها الناصب؟ قال : لا ، إن الناصب كافر ، قال : فأزوجها الرجل الغير الناصب ولا العارف ، فقال : غيره أحب الى منه » ‌وما يشعر به‌ خبر زرارة (٤) في المستضعف قال : « قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أتزوج مرجئة أم حرورية؟ قال : عليك بالبله من النساء ، قال زرارة : قلت : والله ما هي إلا مؤمنة أو كافرة ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : فأين أهل ثنوي الله؟ قول الله عز وجل أصدق من قولك ( إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً ) (٥) » وخبر حمران بن أعين (٦) « كان بعض أهله يريد التزويج فلم يجد امرأة برضاها ، فذكر ذلك لأبي عبد الله عليه‌السلام ، فقال : أين أنت من البلهاء واللواتي لا يعرفن شيئا؟ قلت : إنا نقول : إن الناس على وجهين : كافر ومؤمن ، فقال : فأين الذين خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا؟ وأين المرجون لأمر الله؟ أي عفو الله » ‌إلى غير ذلك من النصوص الدالة على حكم المستضعفين منهم.

ومنه يعلم إرادة الكراهة من النهي (٧) عن تزويج المستضعف المؤمنة‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث ١٧.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث ١.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث ١١ ـ ١.

(٥) سورة النساء : ٤ ـ الآية ٩٨.

(٦ و ٧) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث ٨ ـ ٦.

٩٩

كالكراهة في تزويج العارفة غير العارف (١) وحينئذ تتفاوت الكراهة في النكاح منهم ترتبها في إنكاحهم ، فكما أنه يكره النكاح منهم وخصوصا غير البله والمستضعفات من نسائهم كذلك يكره إنكاحهم خصوصا غير البله والمستضعفين منهم ، وعلى ذلك تجتمع جميع النصوص التي لا ينكر انسياق الكراهة منها كما لا يخفى على من رزقه الله معرفة لسانهم ورموزهم والجمع بين كلماتهم.

ومن الغريب مناقشة بعضهم في النصوص السابقة بأنها مع قصور أسانيدها لا صراحة فيها بجواز تزويج المؤمنة بالمخالف ، وغايتها العموم القابل للتخصيص بالعكس ، أي تزويج المؤمن المخالفة ، لتصريح الأخبار الأولة بالمنع من تزويج المؤمنة بالمخالف ، فتتعارض الأخبار تعارض العموم والخصوص ، واللازم حمل الأول على الثاني ، إذ لا يخفى عليك عدم قبول صحيح ابن سنان منها وغيره لذلك ، واستبعاد إرادة خصوص هذا الفرد من خصوص لفظ التناكح والفروج منها دون الدماء والمواريث ، وقد‌ قال الباقر عليه‌السلام في خبر هشام بن الحكم (٢) منكرا : « يتكافؤ دماؤكم ولا يتكافؤ فروجكم » ‌على أن ذلك قد ذكر في بيان اتحاد حكم المؤمن والمسلم في ذلك واختلافهما في الكفر باطنا وعدمه.

ومنه يعلم عدم احتمال إرادة الإيمان من الإسلام فيه ، لعدم احتمال إرادة جواز منا كحتهم بعضهم مع بعض ، وأنهما واضحا الفساد ، بل لا يليق ذكرهما ممن له نصيب في هذا العلم ، ومثلهما احتمال جواز ذلك للضرورة من تقية وغيرها ، وليت شعري ما أدرى ما الداعي الى هذه الخرافات ، وكيف تكون الضرورة المزبورة ملحقة للأولاد ومثبتة للمواريث وغير ذلك من الأحكام المعلوم ثبوتها بالضرورة من الدين ، نعم هي التقية الزمانية التي سنشير إليها الجاري عليها أحكام الصحة ، وقد تكرر من علي بن الحسين عليهما‌السلام (٣) لما أنكر عليه النكاح من بعض الناس وإنكاحهم‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث ٥.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب مقدمات النكاح الحديث ٣.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب مقدمات النكاح الحديث ١ و ٢ و ٤ و ٩ و ١١.

١٠٠