جواهر الكلام - ج ٣٠

الشيخ محمّد حسن النّجفي

« إن الله قد رفع بالإسلام كل خسيسة ، وأتم به الناقصة وأذهب به اللؤم ، فلا لؤم على مسلم ، إنما اللؤم لؤم الجاهلية » ‌ونحوه عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في قصة جويبر (١) المعروفة.

كل ذلك مضافا إلى ما وقع من تزويج أمير المؤمنين عليه‌السلام ابنته من عمر (٢) وتزوج عبد الله بن عمر بن عثمان فاطمة بنت الحسين عليه‌السلام (٣) وتزوج مصعب بن الزبير أختها سكينة (٤) وغير ذلك ، بل الظاهر أن التقية الزمانية تسوغ أزيد من ذلك ، نعم لو انقلب الزمان وظهرت كلمة الحق لم يتكافؤ الدماء ولا الفروج ولا غير ذلك ، فلا يقتل المؤمن بالألف منهم ، نسأل الله تعجيل الفرج وقيام العدل ، ومن لا حظ شدة ما جاء في أمر التقية التي بها حفظت الدماء وتزوج المذهب علم أن ذلك كله سهل في مقابلة المصالح المرتبة عليها ، ولولاها لم يكن للشيعة اسم ولا وقف منهم على رسم ، فجزى الله محمدا وآله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عنا خير الجزاء ، لم يألوا جهدا في حفظ هذه الفرقة دينا وآخرة.

وكان المسألة من الواضحات وإن اشتهر خلاف ذلك بين المتأخرين ومتأخريهم ، ولوضوحها تركنا الإطناب فيها والإكثار من ذكر النصوص والمؤيدات لذلك. وما يتفرع على القول المقابل من الانفساخ لو تجددت المعرفة بعد النكاح ما لم يؤمن الزوج في العدة على حسب ما سمعته في الكافر وعدمه ، ومن جريان المسألة في فرق الشيعة غير الاثني عشرية ، فلا تتزوج المؤمنة بهذا المعنى غير المؤمن به ، ومن جريانها في فرق الشيعة غير الإمامية بالنسبة إلى بعضهم بعض إذا كانوا مختلفين في الإقرار بالأئمة عليهم‌السلام ، فلا يجوز للمقرة بالسبعة منهم مثلا‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب مقدمات النكاح الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث ٢ و ٣ والمستدرك الباب ١٠ منها.

(٣) غاية الاختصار ص ٤٢ ط النجف.

(٤) وفيات الأعيان ج ٢ ص ١٣١ ط مصر والأغاني ج ١٤ ص ١٦٥ و ١٦٨.

١٠١

نكاح المقر بالخمسة مثلا ، ولا نكاح من أشرك غيرهم معهم في الإمامة كالزيدية وغيرهم ، فضلا عن عدم جواز نكاحها للمخالف مع احتمال الجواز ، لاشتراكهم في عدم الايمان بالمعنى الأخص ، فهم حينئذ بالنسبة الى ذلك ملة واحدة ، وإغفال النصوص والفتاوى التعرض لذلك وغيرها مما يؤيد كون المدار على الإسلام في النكاح ، وأن جميع فرقه التي لم يثبت لها الكفر بنصب أو غلو أو نحو ذلك ملة واحدة يشتركون في التناكح بينهم والتوارث وغيرهما من الأحكام والحدود ، والله العالم.

( نعم لا يصح نكاح الناصب المعلن بعداوة أهل البيت عليهم‌السلام ) ولا نكاح الناصبية كذلك ( لارتكابهـ ) ما ( ما يعلم بطلانه من دين الإسلام ) مع فرض تدينهما بذلك ، فهو حينئذ إنكار لضروري من ضروريات الدين ، ودخول في سبيل الكافرين ، كغيره ممن كان كذلك بلا خلاف أجده فيه ، بل الإجماع بقسميه عليه ، والنصوص (١) كادت تكون متواترة فيه ، بل هي كذلك ، بل الظاهر تحقق النصب المقتضي للكفر بالبغض والعداوة لواحد من أهل البيت وإن لم يتخذ ذلك دينا ، ضرورة صدق اسم الناصب عليه ، فإنه العدو المبغض ، بل الظاهر تحققه بالبغض والعداوة وإن لم يكن معلنا ، ففي خبر زرارة (٢) عن أبى جعفر عليه‌السلام قال : « دخل رجل على علي بن الحسين عليهما‌السلام ، فقال : إن امرأتك الشيبانية خارجية تشتم عليا عليه‌السلام فان سرك أن أسمعك ذلك منها أسمعتك ، فقال : نعم ، فقال : إذا كان غدا حين تريد أن تخرج كما كنت تخرج فعدوا كمن في جانب الدار ، قال فلما كان من الغد كمن في جانب الدار ، وجاء الرجل فكلمها ، فتبين ذلك منها ، فخلى سبيلها وكانت تعجبه » ‌نعم الظاهر ندرة ذلك في هذا الزمان أو عدمه ، كما اعترف به في المسالك وأومأ اليه عليه‌السلام‌ في خبر ابن سنان (٣) بقوله : « إنك لا تجد أحدا‌

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث ـ ٧.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب ما يجب فيه الخمس الحديث ٣ والباب ـ ٦٨ ـ من أبواب القصاص في النفس الحديث ٣ من كتاب القصاص.

١٠٢

يقول : إنى أبغض آل محمد » ‌فلا يلتفت الى دعوى كون الناصب مطلق المخالف كما سمعته سابقا ، وقد أشبعنا الكلام في تفسير الناصب في كتاب الطهارة (١).

( و ) كيف كان فـ ( هل يشترط ) في الكفو مع ذلك ( تمكنه من النفقة؟ قيل : نعم ) والقائل الشيخان في المقنعة والمبسوط والخلاف وبنو زهرة وإدريس وسعيد والعلامة في التذكرة والمختلف على ما حكي عن البعض ، لقول الله تعالى (٢) ( وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ) إلى آخرها ، و‌قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٣) لفاطمة بنت قيس لما أخبرته أن معاوية يخطبها : « إن معاوية صعلوك لا مال له » وقول الصادق عليه‌السلام (٤) : « الكفو أن يكون عفيفا وعنده يسار » ‌ولما في ذلك من الإضرار بالمرأة ، ولعده في النقص عرفا ، لتفاضل الناس في اليسار تفاضلهم في النسب ، ولأن بالنفقة قوام النكاح ودوام الأزواج.

( وقيل ) والقائل الأكثر : ( لا ) يشترط ذلك للعمومات (٥) ولقوله تعالى (٦) ( إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ ) وقوله تعالى (٧) ( إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً ) و‌قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في تفسير الكفو (٨) : « أن يرضى دينه وخلقه » وخبر جويبر (٩) ( و ) غيره فـ ( هو الأشبه ) بأصول المذهب وقواعده ، والآية‌

__________________

(١) الجزء السادس ص ٦٣ الى ص ٦٧.

(٢) سورة النساء : ٤ ـ الآية ٢٥.

(٣) سنن البيهقي ج ٧ ص ١٣٥.

(٤) الوسائل الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب مقدمات النكاح الحديث ٤.

(٥) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب مقدمات النكاح.

(٦) سورة النور : ٢٤ ـ الآية ٣٢.

(٧) سورة الشرح : ٩٤ ـ الآية ٦.

(٨) الوسائل الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب مقدمات النكاح الحديث ١ الا انه ليس في تفسير الكفو.

(٩) الوسائل الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب مقدمات النكاح الحديث ١.

١٠٣

من الإرشاد أو في المهر ، كقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لفاطمة (١) لما استشارته وأرادت النصيحة منه ، والمراد من الكفوء في الثاني العرفي ، ضرورة عدم اعتبار العفة فيه شرعا ولا إضرار بعد الإخبار ، ولا نقص في عدم المال خصوصا بعد كون أولياء الله غالبا كذلك ، بل كان المسألة من الواضحات.

ومن هنا نص ابنا إدريس وسعيد فيما حكي عنهما على أن المراد أن لها الخيار إذا تبين لها العدم لا الفساد ، بل في المختلف الإجماع على عدم اشتراطه في صحة العقد مع علمها ، وفي كشف اللثام بعد أن حكى ذلك عنه قال : والأمر كذلك ، ولعلهم مجمعون على الصحة مع الجهل أيضا كما ذكره الشهيد ، ولكن في الإيضاح أن الأقوال ثلاثة : الاشتراط وعدمه والخيار ، قلت : كأنه لحظ ظاهر اعتبار الشيخين وابن زهرة الايمان والتمكن من النفقة في الكفاءة في مقابلة من اعتبر أزيد من ذلك فيها من العامة.

وعلى كل حال هو على تقديره في غاية الضعف ، ويمكن حمل كلامهم على إرادة وجوب اعتبار ذلك من الولي والوكيل باعتبار المفسدة على الامرأة بذلك ، إلا أن ذلك يقتضي كون العقد فضولا حينئذ فاسدا أو يحمل على إرادة عدم وجوب الإجابة على القول به فيما لو خطب القادر على النفقة دفعا للحرج وجمعا بين الأدلة ، بل عن الشهيد لا أظن أحدا خالف فيه.

ومن ذلك يعلم الحال في اعتبارهم الايمان مع التمكن من النفقة في الكفاءة ، فإنه يحتمل إرادتهم التسلط على الخيار ، أو أن للمرأة الفسخ مع فرض نكاح الولي أو الوكيل ، أو أن المراد عدم وجوب الإجابة بناء على إرادة المعنى الأخص من نحو ما سمعته في التمكن من النفقة ، لاتحاد المساق فيهما وإلا كان الفساد متجها إليهما معا أيضا.

بل الظاهر فساد دعوى الخيار أيضا ، لأصالة اللزوم وخصوصا في النكاح الذي لم يقبل اشتراط الخيار ، خلافا لجماعة منهم الفاضل في المختلف وإن كان هو قد‌

__________________

(١) البحار ج ٤٣ ص ٩٩.

١٠٤

اضطراب رأيه في المسألة ، ففي الكتاب المزبور لم يعتبر اليسار في الكفاءة ، واكتفى بالايمان ، ولكن خيرها مع الجهل لو تزوجت بفقير ، وفي المحكي عن تذكرته أنه اعتبر فيها اليسار ، وجوز للولي أن يزوجها بالفقير ، ولو كان الذي يزوجها السلطان لم يكن له أن يزوجها إلا بكفو ، وفي القواعد لم يجعله شرطا ولا سببا للخيار ، وهو الأصح لما عرفت ، ونفي الضرار لا يقتضي التسلط على الخيار مع عدم الانجبار ، خصوصا مع عدم إحراز الراغب فيها من المؤسرين ، وخصوصا بعد قوله تعالى (١) ( إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ ) و ( إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً ) (٢) الذي استدل به أمير المؤمنين عليه‌السلام في الخبر (٣) الآتي الذي قد يستفاد منه أيضا ما نحن فيه ، وخصوصا بعد أن شرع الله ما يرتفع به الضرار المزبور ، ضرورة وجوب الإنفاق عليهما من بيت المال أو من المسلمين كفاية مع فرض الإعسار.

( و ) من ذلك يعلم الحال فيما ( لو تجدّد عجز الزوج عن النفقة ) وأنه ( هل تتسلط ) بذلك ( على الفسخ؟ ) وإن قال المصنف : ( فيه روايتان ) لكن ( أشهرهما ) عملا ( أنه ليس لها ذلك ) لا بنفسها ولا بالحاكم ، بل في المسالك أنه المشهور ، وهي ما‌ روي (٤) عن أمير المؤمنين عليه‌السلام « إن امرأة استعدت إليه على زوجها للإعسار ، فأبى أن يحبسه ، وقال : ( إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً ) » ‌مضافا إلى ما عرفت من العمومات وغيرها وزيادة الاستصحاب هنا ، خلافا للمحكي عن أبي علي ، فسلطها على الفسخ ، وفي كشف اللثام وقيل يفسخه الحاكم ، وهو قوي ، فان لم يكن الحاكم فسخت ، لقوله تعالى (٥) ( فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ ) والإمساك بلا نفقة ليس بمعروف ، وللضرر والحرج ، و‌صحيح أبى بصير (٦)

__________________

(١) سورة النور : ٢٤ ـ الآية ٣٢.

(٢) سورة الشرح : ٩٤ ـ الآية ٦.

(٣ و ٤) المستدرك الباب ـ ١ ـ من أبواب النفقات الحديث ٥.

(٥) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٢٩.

(٦) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب النفقات الحديث ٢.

١٠٥

عن الباقر عليه‌السلام « من كانت عنده امرأة فلم يكسها ما يواري عورتها ويطعمها ما يقيم صلبها كان حقا على الامام أن يفرق بينهما » وصحيح ربعي والفضيل (١) عن الصادق عليه‌السلام « إن أنفق عليها ما يقيم ظهرها مع كسوة وإلا فرق بينهما ».

وفيه منع كون الإمساك بلا نفقة من غير المعروف مع الإعسار وكونها دينا عليه ، على أنه قد تقدم في تفسير الآية من النصوص (٢) ما ينافي ذلك ، وإلزام الحاكم ـ مع المرافعة والمنازعة وقيام عصاة الشرع ونظره الى المصلحة للقادر الممتنع بالطلاق الذي يحمل عليه ما في الخبرين إن لم يكن ظاهرهما ولو للجمع بينهما وبين ما سمعته من أمير المؤمنين عليه‌السلام ـ أمر خارج عما نحن فيه من تسلطها على الفسخ أو تسلط الحاكم عليه ، كما هو واضح.

هذا وعن فخر المحققين بناء ما هنا من الخلاف على أن اليسار بالنفقة ليس شرطا في لزوم العقد ، إذ لو جعلناه شرطا لسلطت على الفسخ بتجدد العجز بغير إشكال ، وفيه أنه يمكن عليه اختصاص ذلك بالابتداء دون الاستدامة كما في العيوب المجوزة للفسخ ، وربما يؤيده إطلاق الأصحاب هنا ، نعم لا إشكال في عدم الفسخ بناء على عدم تسلطها عليه به لو بان قبل العقد ، ضرورة أولوية ما هنا منه بذلك ، كما هو واضح.

( و ) كيف كان فلا إشكال ولا خلاف معتد به في أنه ( يجوز ) عندنا ( إنكاح الحرة العبد والعربية العجمي والهاشمية غير الهاشمي وبالعكس ، وكذا أرباب الصنائع الدنية ) كالكناس والحجام وغيرهما ( بذوات الدين ) من العلم والصلاح ( والبيوتات ) وغيرهم ، لعموم الأدلة وخصوص ما جاء من تزويج جويبر الدلفاء (٣) ومنجح بن رباح مولى علي بن الحسين عليهما‌السلام بنت ابن أبي رافع (٤) ونكاح‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب النفقات الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ٧ و ١٠ و ١٢ و ١٣ من كتاب الطلاق.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب مقدمات النكاح الحديث ١.

١٠٦

علي بن الحسين عليهما‌السلام مولاته (١) ونكاح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عائشة وحفصة (٢) ونكاح العوام صفية (٣) والمقداد ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب (٤) وعثمان (٥) وأبي العاص (٦) ٢٦٣٥٨٢ وعمر (٧) وعبد الله بن عمر بن عثمان (٨) ومصعب بن الزبير (٩) بنات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلي والحسين عليهما‌السلام ، وقد‌ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما زوج المقداد ابنة الزبير بن عبد المطلب (١٠) : « إنما أردت أن تتضع المناكح » ‌كقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١١) : « المسلم كفو المسلمة ، والمؤمن كفو المؤمنة » ‌و « المؤمنون بعضهم أكفاء بعض » (١٢) ‌و « إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه ، ( إِلاّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ ) » (١٣).

فما عن ابن الجنيد ـ من أنه اعتبر فيمن تحرم عليهم الصدقة أن لا يتزوج‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب مقدمات النكاح الحديث ٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث ١٤.

(٣) أنساب الاشراف ج ١ ص ٩٠ ط مصر.

(٤) الوسائل الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب مقدمات النكاح الحديث ١.

(٥) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث ١٤.

(٦) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث ١٤ والباب ـ ١٣ ـ منها ـ الحديث ٢.

(٧) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث ٢ و ٣ والمستدرك الباب ـ ١٠ ـ منها.

(٨) غاية الاختصار ص ٤٢ ط النجف.

(٩) وفيات الأعيان ج ٢ ص ١٣١ ط مصر والأغاني ج ١٤ ص ١٦٥ و ١٦٨.

(١٠) الوسائل الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب مقدمات النكاح الحديث ٥.

(١١) الوسائل الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب مقدمات النكاح الحديث ١.

(١٢) الوسائل الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب مقدمات النكاح الحديث ٢.

(١٣) الوسائل الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب مقدمات النكاح الحديث ١.

١٠٧

فيهم إلا منهم لئلا يستحل بذلك الصدقة من حرمت عليه إذا كان الولد منسوبا الى من تحل له الصدقة ـ مسبوق بالإجماع وملحوق به وإن كان ربما يشهد له في الجملة‌ خبر (١) بلال قال : « لقي هشام بن الحكم بعض الخوارج فقال : يا هشام ما تقول في العجم يجوز أن يتزوجوا الى العرب؟ قال : نعم ، قال : فالعرب تتزوج من قريش ، قال : نعم ، قال : فقريش تتزوج في بني هاشم ، قال : نعم ، قال : عمن أخذت هذا؟ قال : عن جعفر بن محمد عليهما‌السلام سمعته يقول : يتكافؤ دماؤكم ولا تتكافؤ فروجكم؟ قال : فخرج الخارجي حتى أتى أبا عبد الله عليه‌السلام ، فقال : إنى لقيت هشاما فسألته عن كذا فأخبرني بكذا ، وذكر أنه سمعه منك ، قال : نعم قد قلت ذلك ، فقال الخارجي : فها أنا ذا قد جئتك خاطبا ، فقال له أبو عبد الله عليه‌السلام : إنك لكوفي دينك وحسبك في قومك ، ولكن الله تعالى صاننا عن الصدقة ، وهي أوساخ أيدي الناس ، فنكره أن نشرك فيما فضلنا الله به من لم يجعل الله له مثل ما جعل لنا ، فقام الخارجي وهو يقول : تا لله ما رأيت رجلا قط مثله ، ردني والله أقبح رد وما خرج عن قول صاحبه » ‌والمرسل في الفقيه (٢) « إنه نظر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى أولاد علي عليه‌السلام وجعفر فقال بناتنا لبنينا وبنونا لبناتنا » ‌لكن من المعلوم خصوصا الأخير عدم إرادة حرمة ذلك.

نعم في المسالك « إنه اعتبر بعض في الكفاءة زيادة على ما ذكر الحرية والنسب والحرفة ، وفرع على النسب أن العجمي ليس كفوا للعربية ، وغير القريشي ليس كفوا له ، ولا مطلق القريشي كفوا للهاشمية ، وعلى الحرفة أن أصحاب الحرف الدنية ليسوا أكفاء للشراف ولا لسائر المحترفة. والكل ضعيف والأخبار النبوية والأفعال تنفيه ».

قلت : ما حضرني من كتبهم قد اعتبر فيه في الكفاءة ذلك وأزيد منه من بعض الأمور المنافية للكفاءة عرفا أو لكمالها لا شرعا ، لكنهم صرحوا بكون المراد‌

__________________

(١) ذكر صدره في الوسائل في الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب مقدمات النكاح الحديث ٣ وتمامه في الكافي ج ٥ ص ٣٤٥ وفيهما عن على بن بلال.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب مقدمات النكاح الحديث ٧.

١٠٨

من ذلك تسلط المرأة على الفسخ إن شاءت مع فرض تزويج وليها إياها وهي غير عالمة ، لا أن المراد فساد النكاح حتى مع العلم والرضا ، ولعل للأصحاب فيما تقدم سابقا من نكاح الولي الصغيرة كلاما يشبه ذلك ، ونحو قولهم لو زوجها الولي من غير الكفو كان لها الخيار ، ضرورة إرادة الكفو عرفا لا شرعا وإلا كان النكاح باطلا ، لأن لها الخيار ، ومبناه على اعتبار المصلحة في تصرف الولي بالنسبة إلى ذلك أو عدم المفسدة ، ونحو ما سمعته من اعتبار التمكن من النفقة في الكفاءة ، نعم ربما كان بعض كلام في أفراد فاقد المصلحة وواجد المفسدة ، كالكلام في أن المراد بالخيار اجازة العقد وعدمه أو فسخه بعد الصحة وأن الولي تبقى ولايته على البكر البالغة الرشيدة أو لا ، كما عرفت البحث في ذلك كله ، والأمر سهل ، والله العالم.

( و ) كيف كان فقد ذكر المصنف وغيره أنه ( لو خطب المؤمن القادر على النفقة وجب إجابته وإن كان أخفض نسبا ، ولو امتنع الولي كان عاصيا ) ولكن لا ريب في منافاته لما وقع منه ومن غيره أيضا من كراهة تزويج الفاسق ، وخصوصا شارب الخمر والزاني والمخالف ، ولما في النصوص (١) من كراهة تزوج المهاجرة بالأعرابي ، وغير ذلك مما لا يجتمع مع وجوب الإجابة إلاّ بنوع من التأويل ، فلا بد من تقييد ذلك بما إذا لم يكن ممن يكره منا كحته ، بل في كشف اللثام زيادة : ولم يعلم فيه شي‌ء من المسلطات على الفسخ ، ولم تأب المولى عليها ، مضافا إلى ما في المسالك من تقييده بعدم قصد العدول إلى الأعلى مع وجوده بالفعل أو القوة ، ثم قال : « وإنما يكون عاصيا مع الامتناع إذا لم يكن هناك طالب آخر مكافئ وإن كان أدون منه ، وإلا جاز العدول إليه ، وكان وجوب الإجابة تخييريا ، فلا يكون الولي عاصيا بذلك ».

على أن أصل الحكم لا يخلو من إشكال ، إذ هو في الولي الشرعي لصغر ونحوه مع عدم مصلحة خارجية تقتضي الوجوب يشكل دعواه ، للأصل وانتفاء الحاجة ، وفي المخطوبة التي هي أولى بنفسها لا يجب عليها أصل النكاح فضلا عن خصوصياته ،

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب ما يحرم بالكفر.

١٠٩

ودعوى وجوب الإجابة عليها للخاص بعد فرض عزمها على أصل النكاح لا دليل عليها ، بل السيرة المستمرة على خلافها ، وربما كان في تعليق الأمر على رضاها إشارة إلى عدم وجوب الإجابة عليها ، والأمر في النصوص (١) السابقة بتزويج من يرضى دينه وخلقه إنما هو للأولياء العرفيين بمعنى عدم مشروعية الامتناع من حيث الحسب والنسب والشرف والغناء والعظمة ونحو ذلك مما كان مستعملا للعرب في الجاهلية ، وكذا قوله تعالى (٢) ( وَأَنْكِحُوا الْأَيامى ) إلى آخرها ، أو أن المراد به عدم جواز الامتناع منهم بعد فرض رضا المخطوبة ولو بقرائن الأحوال مع تأدية امتناعه إلى عدم وقوع النكاح ، ولو للعادة بعدم استقلال البنت في أمرها رغبا ورهبا في وليها ومنه أو نحو ذلك مما لا يقتضي الوجوب على من بيده عقدة النكاح من الولي ، أو المخطوبة من حيث خطبة المؤمن القادر على النفقة.

وكأنه لذلك‌ قال ابن إدريس فيما حكي عنه (٣) « روي أنه إذا خطب المؤمن إلى غيره بنته وكان عنده يسار بقدر نفقتها وكان ممن يرضى أفعاله وأمانته ولا يكون مرتكبا لشي‌ء ما يدخل به في جملة الفساق وإن كان حقيرا في نسبه قليل المال فلم يزوجه إياها كان عاصيا لله تعالى مخالفا لسنة نبيه ، » ‌ووجه الحديث في ذلك انه إنما يكون عاصيا إذا رده ولم يزوجه لما هو عليه من الفقر والأنفة منه لذلك ، واعتقاده أن ذلك ليس بكفو في الشرع ، فأما إن رده ولم يزوجه لا لذلك بل لأمر آخر وغرض غير ذلك من مصالح دنياه فلا حرج عليه ، ولا يكون عاصيا ، فهذا فقه الحديث ، ومرجعه إلى ما ذكرنا من معصيته إذا ازدرى بالخاطب أو ضار المخطوبة.

ومن ذلك يعلم ما في المسالك ، فإنه ـ بعد أن ذكر أنه هل يعتبر في وجوب الإجابة بلوغ المرأة أم يجب على الولي الإجابة لمن ذكر وإن كانت صغيرة؟ وجهان من إطلاق الأمر وانتفاء الحاجة ، والأصل في تخصيص الأولياء بالحكم أنه المجيب‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب مقدمات النكاح.

(٢) سورة النور : ٢٤ ـ الآية ٣٢.

(٣) السرائر ص ٢٩٥ ط إيران.

١١٠

والمانع غالبا وإن لم يكن له الولاية شرعا ، والأمر في الأخبار متعلق به لذلك ـ قال : « وفي‌ صحيحة علي بن مهزيار (١) قال : « كتب علي بن أسباط إلى أبي جعفر عليه‌السلام في أمر بناته وأنه لا يجد أحدا مثله ، فكتب إليه أبو جعفر عليه‌السلام : فهمت ما ذكرت من أمر بناتك وأنك لا تجد أحدا مثلك ، فلا تنظر في ذلك رحمك الله ، فان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه ، إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير » ‌دلالة على جميع ما ذكره المصنف من الأحكام لاقتضاء الأمر الوجوب ، واستلزام مخالفته المعصية وتناوله الأخفض نسبا » قلت : لكن قد عرفت أن المراد من هذا الأمر (٢).

وكذا ما في كشف اللثام فإنه بعد أن ذكر النبوي (٣) قال : « ولأن على الولي أن يفعل ما هو أصلح للمولى عليه ، ثم إن كانت البالغة مولى عليها فلا إشكال ، وإلا فإن كانت المخطوبة بالغة ولكن يعلم من حالها أنها لا تستقل بالنكاح حرم على الولي رد الخاطب إذا اتصف بما ذكر ، فإنه ليس إلا منعا لهما عن حاجتهما المرغوبة شرعا وإن كانت صغيرة فالظاهر أنه كذلك إن كان فيه مصلحتها ، ويؤيده‌ قوله عليه‌السلام (٤) « لا تؤخروا أربعا ـ وعدّ منها ـ تزويج بكر إذا وجد كفوا » ‌قلت : ليس محل البحث وجود المصلحة بالنسبة إلى المولى عليه ، ضرورة خروجه عما نحن فيه ، إنما الكلام في الوجوب شرعا من الولي الحقيقي من حيث خطبة المؤمن القادر على النفقة ، كما أنه ليس منه فرض رغبة الخاطب والمخطوبة ، فإنه ليس للولي العرفي المنع قطعا.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب مقدمات النكاح الحديث ١.

(٢) هكذا في النسخة الأصلية المبيضة ، والصحيح « لكن قد عرفت المراد من هذا الأمر » كما هو كذلك في المسودة التي هي بخط المصنف طاب ثراه.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب مقدمات النكاح الحديث ١ و ٢.

(٤) سنن البيهقي ج ٧ ص ١٣٣ وفيه‌ « ثلاثة لا تؤخرها. والأيم إذا وجدت كفوا » ..

١١١

ولعله لما ذكرنا أطلق في محكي التذكرة استحباب تأخير تزويج الصغيرين إلى البلوغ ، قال : « لأن النكاح يلزمهما حقوقا ، وليكونا من أهل الاذن فليستأذنا أو يليا العقد بأنفسهما عندنا ، لأن قضاء الشهوة إنما يتعلق بالزوجين ، فنظرهما لأنفسهما فيه أولى من غيرهما ، خصوصا فيمن يلزمهما عقده ، كالأب والجد » كما أن منه عرفت الحال في أصل الحكم ، والله العالم.

( ولو انتسب الزوج إلى قبيلة فبان من غيرها كان للزوجة الفسخ ) عند الشيخ في النهاية وابني حمزة وسعيد على ما حكي عن الأخير منهم ، للتدليس ، و‌مضمر الحلبي الصحيح (١) « في رجل تزوج امرأة فيقول : أنا من بني فلان فلا يكون كذلك ، قال : يفسخ النكاح ، أو قال : يرد » ‌ورده في كشف اللثام وغيره بالإضمار قال : « ولا يجدى أن الحلبي أعظم من أن يروي نحو ذلك عن غير الامام ، لاحتمال رجوع الضمير إلى الحلبي ، ويكون الراوي عنه سأله » وعلى كل حال فقد وافقهم في المختلف إذا ظهر أنه أدنى ممن انتسب إليه بحيث لا يلائم شرف المرأة ، لما فيه من الغضاضة والضرر ، والخبر ، بدعوى أن المتبادر منه ذلك ، وابن إدريس فيما حكي عنه « إن شرط ذلك في العقد سواء كان من قبيلة أدنى ممن انتسب إليها أو أعلى ، للتدليس في العقد ، فإنهما إنما تراضيا بالعقد على ذلك ، فإذا ظهر الخلاف أعرض للفساد » بل ظاهر المسالك المفروغية من ذلك ، للعموم.

( وقيل ) والقائل الشيخ فيما حكي عن مبسوطة والأكثر على ما في المسالك : ( ليس لها ) الفسخ ( وهو أشبه ) بأصول المذهب وقواعده المستفادة من قوله تعالى (٢) ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) وحصر رد النكاح في غير ذلك في صحيح الحلبي (٣) ومن معلومية بناء النكاح على اللزوم ولذا لم يجز فيه اشتراط الخيار ، بل ظاهر المصنف والفاضل في القواعد كما اعترف به في كشف اللثام عدم الفرق بين أن تكون‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٦ ـ من أبواب العيوب والتدليس الحديث ١.

(٢) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ١٠.

(٣) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب العيوب والتدليس الحديث ٦.

١١٢

قبيلته دون من انتسب إليها أم لا ، وسواء كانت دون قبيلتها أم لا ، ومن غير فرق بين الشرط وعدمه ، بل في كشف اللثام عن المبسوط « إنه بعد أن ذكر أن من دلس بالحرية فان لم يشترطها في العقد كان النكاح صحيحا قولا واحدا ، وإن شرطها فيه كان فيه قولان » قال : « وهكذا القولان إذا انتسب إليها نسبا فوجد بخلافه ، سواء كان أعلى مما ذكر أو دونه » وهو يعطي أن الخلاف إنما هو عند الاشتراط في العقد ، ثم قال : « وإن كان الغرور بالنسب فان وجد دون ما شرط ودون نسبها فلها الخيار ، لأنه ليس كفوا ، وإن كان دون ما شرط لكنه مثل نسبها وأعلى منه ، مثل أن كانت عربية فشرط هاشميا فبان قرشيا أو عربيا ، فهل لها الخيار أم لا؟ فالأقوى أنه لا خيار لها ، وفي الناس من قال : لها الخيار ، وقد روى (١) ذلك في أخبارنا » انتهى ، ومراده بالكفو العرفي لا الشرعي ، ولها الخيار حينئذ دفعا للضرورة والغضاضة ، وأما من كان مثل نسبها أو أعلى فليس من ذلك ، وفي كشف اللثام « وفيه الاشتراك في التدليس ».

قلت : لكن الكلام فيما يدل على الخيار به في النكاح مطلقا سواء حصل منه ضرر أو لا ، بل وفيما يدل عليه فيه بتخلف الوصف في الزوجة أو الزوج ، بل وبتخلف نحو ذلك لو كان على جهة الشرطية دون الوصف ، بل وبتخلف الشرائط التي ليست بشرائط أوصاف ، بل شرائط إلزامات ، كشرطية تمليك دار أو عبد مثلا ، وقياس النكاح على البيع في ذلك كله كما ترى ، خصوصا مع الفرق بينهما بملاحظة الوصف في البيع في الثمن والمثمن بخلافه في الزوج والزوجة ، على أن المهر في النكاح فضلا عن الشرائط التي هي قسط منه قد عرفت أن فساده لا يبطل النكاح ، ويصح فيه اشتراط الخيار دونه ، وليس ركنا من أركان النكاح ، بخلاف الثمن في البيع ، « والمؤمنون عند شروطهم » (٢) لا يقتضي أزيد من الإلزام بالشرط القابل لأن يلزم بتأديته ، لا مثل شرط أوصاف العين الخارجية ، والاستناد‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٦ ـ من أبواب العيوب والتدليس.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب المهور الحديث ٤.

١١٣

إلى المضمر المزبور يقتضي العمل بإطلاقه الذي لم يفرق فيه بين الاشتراط وعدمه ، والتعدية عن مضمونه تقتضي عدم الفرق بين الانتساب إلى قوم وغيره من الأوصاف وبين انتسابها وانتسابه وأوصافها وأوصافه ، كما أن قاعدة الشرطية تقتضي ذلك أيضا.

ولكن لا يخفى عليك ما في ذلك كله من الاشكال ، ولعله لذلك صرح الشيخ بعدم الخيار مع الاشتراط ، ولا ينافيه إثباته الخيار في الأول الذي علله بعدم الكفاءة لا من جهة الشرطية ، ويمكن حمل المضمر المزبور على تزويج الولي أو الوكيل أو غير هما ممن يعتبر في لزوم نكاحه المصلحة أو عدم المفسدة ، والمفروض تخلف ذلك ، فتسلط على الخيار أو على رد العقد.

هذا ولكن ستعرف في باب التدليس ما يدل على ثبوت الخيار به مع اشتراط ذلك في متنه ، بل ظاهرهم هناك الإجماع على ذلك ، بل يقوى في النظر ثبوت الخيار إذا تزوجها على الوصف الذي دلست به فبان الخلاف وإن لم يشترط ذلك في متن العقد ، فلا حظ وتأمل ، والله العالم.

( ويكره أن يزوج الفاسق ) كما في القواعد وغيرها ، بل في المسالك لا شبهة في كراهة تزويجه ، حتى منع منه بعض العلماء لقوله تعالى (١) ( أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ ) ومفهوم‌ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) : « إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه » ‌الدال على أن من لا يرضى دينه لا يزوج ، والفاسق كذلك وفي كشف اللثام تعليله بأنه لفسقه حري بالاعراض والإهانة ، والتزويج إكرام ومودة ، ولأنه لا يؤمن من الإضرار بها وقهرها على الفسق ، ولا أقل من ميلها إليه أو سقوط محله من الحرمة عندها.

ولكن الجميع كما ترى لا يفيد الكراهة لمطلق الفسق حتى الإصرار على بعض الصغائر الذي قل ما يخلو منه أحد ، والآية إنما يراد من الفسق فيها الكفر‌

__________________

(١) سورة السجدة : ٣٢ ـ الآية ١٨.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب مقدمات النكاح الحديث ١.

١١٤

بقرينة مقابلة الايمان ، على أن نفي الاستواء لا يقتضي بكراهة التزويج ، وليس مندرجا فيمن لا يرضى دينه قطعا ، بل والخلق بناء على أن المراد منه حسن السجايا التي لا ينافيها بعض أنواع الفسق ، كما عساه يومئ إليه النهي عن تزويج سيئ الخلق ، قال الحسين بن بشار الواسطي (١) : « كتبت إلى أبي الحسن الرضا عليه‌السلام أن لي قرابة قد خطب إلى ابنتي وفي خلقه سوء ، فقال : لا تزوجه إن كان سيئ الخلق » ‌وليس كل فسق حريا بالاعراض والإهانة على وجه ينافيه التزويج ولا يؤمن معه من الإضرار بها ومن قهرها عليه ، خصوصا مع فرض فسقها ، ولا كل فسق يسقط حرمة الإيمان التي قد علمت من الشريعة ، ولم نعرف من نسب إليه من العلماء المنع منا ، بل في كشف اللثام لا يحرم اتفاقا منا ، ولعله من العامة ، إلا أنه يمكن أن يكون من إنكار الضروريات.

نعم لا ريب في الكراهة بالنسبة إلى بعض أنواع الفسق ، كشرب الخمر الذي قال المصنف فيه ( وتتأكد ) أي الكراهة ( في شارب الخمر ) و‌قال الصادق عليه‌السلام (٢) : « من زوج كريمته من شارب الخمر فقد قطع رحمها » ( ‌و ) كالزنا وغيرهما من أنواع الفسق التي فيها من الغضاضة وعدم الائتمان ما لا يخفى ، خصوصا بالنسبة إلى بعض الناس وبعض النساء.

كما لا ريب في كراهة ( أن تزوج المؤمنة بالمخالف ) لما عرفته ( ولا بأس بالمستضعف ، وهو الذي لا يعرف بعناد ) بمعنى عدم تلك الكراهة الحاصلة في غيره وإن كان هو أيضا مكروها ، للنهى عنه (٣) كالنهي عن النكاح منهم (٤) وخصوصا على المؤمن ، وإن خفت الكراهة في البله من نسائهم والمستضعفات منهن ،

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب مقدمات النكاح الحديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب مقدمات النكاح الحديث ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث ٦.

(٤) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب ما يحرم بالكفر.

١١٥

و‌في خبر سدير (١) قال : « قال لي أبو جعفر عليه‌السلام : يا سدير بلغني عن نساء أهل الكوفة جمال وحسن تبعل فابتغ لي امرأة ذات جمال في موضع ، فقلت : قد أصبتها جعلت فداك ، فلانة بنت فلان بن محمد بن الأشعث بن قيس ، فقال لي : يا سدير إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعن قوما فجرت اللعنة في أعقابهم ، وإن عليا عليه‌السلام لعن قوما فجرت اللعنة في أعقابهم إلى يوم القيامة ، وأنا أكره أن يصيب جسدي جسد أحد من أهل النار ».

وكذا يكره نكاح الزنج‌ قال أمير المؤمنين عليه‌السلام (٢) : « إياكم ونكاحهم ، فإنه خلق مشوه » ‌وقال الصادق عليه‌السلام (٣) « لا تناكحوا الزنج والخزر ، فان لهم أرحاما تدل على غير الوفاء ، قال : والسند والهند والقند ليس فيهم نجيب ، يعنى القندهار » ‌وقال عليه‌السلام أيضا (٤) « لا تنكحوا في ( من خ ل ) الأكراد فإنهم حي من الجن كشف الله عنهم الغطاء » وقال أمير المؤمنين عليه‌السلام (٥) « إياكم وتزويج الحمقاء ، فان صحبتها بلاء ، وولدها ضياع » وقال الصادق عليه‌السلام (٦) « زوجوا الأحمق ولا تزوجوا الحمقاء ، فإن الأحمق قد ينجب والحمقاء لا تنجب » ‌وعن الباقر عليه‌السلام (٧) وقد « سئل عن الرجل المسلم تعجبه المرأة الحسناء أيصلح له أن يتزوجها وهي مجنونة؟ قال : لا ، ولكن إن كانت عنده أمة مجنونة فلا بأس بأن يطئها ، ولا يطلب ولدها » ‌إلى غير ذلك مما ورد في النصوص النهي عن نكاحه وإنكاحه المحمول على الكراهة وشدتها ، والله العالم.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٤٣ ـ من أبواب مقدمات النكاح الحديث ١ وليس فيه ‌« ان عليا عليه‌السلام لعن قوما فجرت اللعنة في أعقابهم ».

(٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ٣١ ـ من أبواب مقدمات النكاح الحديث ١ ـ ٢.

(٤) الوسائل الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب مقدمات النكاح الحديث ١.

(٥ و ٦) الوسائل الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب مقدمات النكاح الحديث ١ ـ ٢.

(٧) الوسائل الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب مقدمات النكاح الحديث ١.

١١٦

المسألة ( الثانية )

( إذا تزوج بامرأة ) ولو بزعم أنها عفيفة ( ثم علم ) أي بأن ( أنها كانت زنت لم يكن له فسخ العقد ) وفاقا للمحكي عن النهاية والخلاف والسرائر والجامع وموضع من المهذب وغيرها ، بل هو المشهور ، للأصل وحصر موجب الفسخ في غيره‌ في صحيح الحلبي (١) عن الصادق عليه‌السلام « إنما يرد النكاح من البرص والجذام والجنون والعفل » وخبر رفاعة (٢) عنه عليه‌السلام سأله « عن المحدود والمحدودة هل يرد من النكاح؟ قال : لا » ‌خلافا للمحكي عن الصدوق وأبى علي ، فخيراه ، للعار الذي يندفع بالطلاق ، ولقول أمير المؤمنين عليه‌السلام (٣) « في المرأة إذا زنت قبل أن يدخل بها ، قال : يفرق بينهما ، ولا صداق لها ، لأن الحدث كان من قبلها » ‌وهو مع الضعف وظهوره في الانفساخ لا يفيد المطلوب ، فان ظاهره أن الزنا بعد العقد ، مع احتمال التفريق بالطلاق ، بل قيل : أنه أولى ، والمحكي عن المفيد وسلار والتقى والقاضي وموضع آخر من المهذب ، فخيروه إذا ظهر أنها حدث في الزنا ، من غير تعرض لغير المحدودة من الزنا ، ولعله لكون العار فيها أشد ، وهم محجوجون بما عرفت.

وعلى كل حال فلا فسخ له ( ولا الرجوع على الولي بالمهر ) بعد فرض استحقاقها له بالدخول ، سواء أمسكها أو فارقها ، للأصل واستيفائه المعوض ، وإلا كان جامعا بين العوض والمعوض عنه ، بل الظاهر أن عدم الفسخ لا يجامع تضمين المهر ، خلافا للشيخ في النهاية ، فقال : له الرجوع ، وكذا ابن إدريس إن كان‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب العيوب والتدليس الحديث ٦.

(٢) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب العيوب والتدليس الحديث ٢.

(٣) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب العيوب والتدليس الحديث ٣.

١١٧

الولي عالما بأمرها ، للتدليس و‌صحيح معاوية بن وهب (١) سأل الصادق عليه‌السلام عن ذلك فقال : « إن شاء زوجها أخذ الصداق ممن زوجها ، ولها الصداق بما استحل من فرجها ، وإن شاء تركها » ‌ونحوه خبر عبد الرحمن بن أبي عبد الله (٢) عنه عليه‌السلام‌ ولحسن الحلبي (٣) سأله « عن المرأة تلد من الزنا ولا يعلم بذلك أحد إلا وليها أيصلح له أن يزوجها ويسكت على ذلك إذا كان قد رأى منها توبة أو معروفا؟ فقال : إن لم يذكر ذلك لزوجها ثم علم بعد ذلك فشاء أن يأخذ صداقها من وليها بما دلس عليه كان له ذلك على وليها ، وكان الصداق الذي أخذت لها ، لا سبيل عليها فيه بما استحل من فرجها ، وإن شاء زوجها أن يمسكها فلا بأس ».

وإلى ذلك أشار المصنف بقوله : ( وروى أن له الرجوع ، ولها الصداق بما استحل من فرجها ، وهو شاذ ) وفي كشف اللثام « يمكن حملها على ما إذا شرط على الولي أن لا تكون زانية ، وقوله عليه‌السلام في الخبر الأول : « إن شاء تركها » يحتمل أن يكون بمعنى الإمساك كما في هذا الخبر ، وأن يكون بمعنى الفراق بطلاق أو فسخ على القول به ، قلت : على الأول يكون المراد بالإمساك من غير رجوع بالمهر كي يصح مقابلا لقوله عليه‌السلام أولا : « إن شاء أخذ » بل يتعين إرادة الكناية بالأول عن الفسخ ثم الرجوع بما اغترمه للمرأة ، وحينئذ يتجه الاستدلال بهذه النصوص للصدوق والإسكافي على الخيار ، بل قد يؤيد ذلك إمكان دعوى منافاة عدم الفسخ للرجوع بالمهر الذي قد تضمنته على الولي ، ضرورة اقتضائه رضاه بالبضع الذي هو بدل عوضه ، نعم لو فسخ العقد والفرض أن الامرأة قد غرمته بما استحل من فرجها الصداق كان له الرجوع به على من غره لا أنه يرجع به عليه مع عدم الفسخ ، فيكون حينئذ قد جمع بين العوض والمعوض عنه ، ومقيما على الانتفاع بالبضع بلا عوض.

__________________

(١) أشار إليه في الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب العيوب والتدليس الحديث ٤ وذكره في الكافي ج ٥ ص ٣٥٥.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب العيوب والتدليس الحديث ٤ ـ ١.

١١٨

ومن ذلك يعلم ضعف القول بالرجوع بالمهر على الولي مع عدم الفسخ ، خصوصا مع اقتضاء التعليل المقتضي لذلك أنه يرجع عليها لو فرض مباشرتها للنكاح بنفسها من غير ولي ، ويلزم منه استدامة استحلال الانتفاع ببعضها من غير عوض ، وهو خلاف المعلوم نصا وفتوى في غير المقام ، كما أن منه يعلم شذوذ مفاد الأخبار المزبورة ، ضرورة عدم ثبوت القول بالرجوع بالمهر على الولي مع الفسخ من الصدوق وأبي علي ، بل ظاهر الخبر المذكور سندا لهما عدم الصداق لها ، واقتصار الشيخ وغيره على الرجوع بالمهر من غير فسخ ، وقد عرفت أنه خلاف ظاهرها ، فتكون حينئذ شاذة لم يفت أحد بمضمونها ، وبذلك يعلم قصورها عن معارضة قاعدة اللزوم واستصحابه ، خصوصا في النكاح الراجح فيه جهة اللزوم بدليل عدم صحة اشتراطها الخيار فيه ، على أنه ربما لا يكون غرور من الولي بذلك ، ولا نقص في المعارضة التي وقعت منه ، ضرورة عدم مدخلية الزنا السابق في نقص الانتفاع بالبضع الذي هو المقابل بالمهر ، فيقوى حينئذ عدم الفسخ وعدم الرجوع بالمهر أصلا ، ولو قيل بأن له الفسخ في خصوص المهر والرجوع إلى مهر المثل مع فرض نقصانه عن المسمى كان وجها ، والله سبحانه هو العالم.

المسألة ( الثالثة )

( لا يجوز التعريض بالخطبة ) بالكسر ولو معلقة على فراق الزوج لذات البعل ، بل ولا ( لذات العدة الرجعية ) من غير الزوج ( لأنها زوجة ) حكما فضلا عن التصريح إجماعا محكيا من غير واحد إن لم يكن محصلا ، وهو الحجة مضافا إلى ما في ذلك من منافاة احترام العرض المحترم كالمال والدم ، ومن إفساد الامرأة على زوجها الذي ربما أدى إلى سعيها بالتخلص منه ولو بقتله بسم ونحوه كما وقع لجعيدة بنت الأشعث زوجة الحسن عليه‌السلام لما خطبها معاوية بن أبي سفيان‌

١١٩

لجروه يزيد (١) نعم لا بأس بها تعريضا وتصريحا للخلية من الزوج والعدة ، بل هي حينئذ مستحبة للتأسي (٢) ولما فيها من تأليف قلبها وقلوب أوليائها ، وليست شرطا ولا واجبة اتفاقا.

( ويجوز ) التعريض ( للمطلقة ثلاثا ) في العدة ( من الزوج وغيره ولا يجوز ) فيها ( التصريح لها منه ولا من غيره ) قيل : للآية (٣) منطوقا ومفهوما ، ودعوى اختصاصها بعدة الوفاة ممنوعة وإن كانت بائنا لكن ذلك لا يقتضي التخصيص ، ويجوز تصريحا بعد العدة من غيره لا منه قبل المحلل ، لحرمتها عليه دون غيره.

( أما المطلقة تسعا للعدة ينكحها بينها رجلان ) ونحوها مما تحرم على الرجل ابدأ كالملاعنة والمرضعة ( فلا يجوز التعريض لها من الزوج ) في غير العدة فضلا عنها ، ( ويجوز من غيره ) للآية (٤) ( ولا يجوز التصريح في العدة منه ولا من غيره.

وأما المعتدة البائنة سواء كانت عن خلع أو فسخ فيجوز التعريض من الزوج وغيره ) للآية (٥) وعن الشيخ التردد في الغير من ذلك ومن أنها في عدة الغير مع جواز رجوعها إليه بنكاح ( و ) يجوز ( التصريح من الزّوج ) في العدة المضروبة احتراما له ، ولذا جاز له نكاحها فيها ، فيجوز له حينئذ التصريح فيها ( دون غيره ) الذي لا يجوز له ذلك ، والعمدة في هذه الأحكام ما حكوه من الإجماع الذي به يتم ارادة خصوص التعريض المرادف للتلويح المقابل للتصريح‌

__________________

(١) البحار ج ٤٤ ص ١٤٨ و ١٤٩ و ١٥٤ و ١٥٥. والجرو بتثليث الجيم : ولد الكلب.

(٢) الوسائل الباب ـ ٤٢ ـ من أبواب مقدمات النكاح والمستدرك الباب ـ ٣٣ ـ منها.

(٣ و ٤ و ٥) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٣٥.

١٢٠