جواهر الكلام - ج ٣٠

الشيخ محمّد حسن النّجفي

١

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‌

( السبب الرابع )

( استيفاء العدد ، وهو قسمان‌ )

( الأول )

( إذا استكمل الحر أربعا بالعقد الدائم حرم عليه ) مع وجود الأربع عنده نكاح ( ما زاد غبطة ) أي دواما إجماعا من المسلمين بل ضرورة من الدين ، وما عن طائفة من الزيدية من جواز نكاح تسع لم يثبت ، بل المحكي عن مشايخهم البراءة من ذلك ، نعم قد اختص النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بنكاح الأزيد من ذلك ، وهل كان يجوز له أزيد من التسع الذي مات عنهن أو لا يجوز؟ فيه بحث ، لكنه قليل الجدوى ، وعلى كل حال فالأصل فيه قوله تعالى (١) : ( وَإِنْ خِفْتُمْ

__________________

(١) سورة النساء : ٤ ـ الآية ٣.

٢

أَلاّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ ) بناء على ما عرفته سابقا من أن الأمر فيها للإباحة ، ومقتضى إباحة الأعداد المخصوصة تحريم ما زاد عليها ، إذ لو كان مباحا لما خص الجواز بها ، لمنافاته الامتنان وقصد التوسيع على العباد ، ولأن مفهوم إباحة الأربع حصر ما دون الأربع أو ما زاد عليها ، والأول باطل بتجويز الثلاث فيها صريحا ، فتعين الثاني.

بل يمكن أن يكون المراد منها إن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى بالإنفاق من أموالهم التي في أيديكم التي جوز الله لوليهم الإنفاق منها بالمعروف فاقتصروا على نكاح ما طاب لكم ، وحل وساغ من العدد أعني مثنى وثلاث ورباع إلى أن قال : ( ذلِكَ أَدْنى أَلاّ تَعُولُوا ) فيستفاد منها حينئذ انحصار الحل في العدد المزبور ، ولذا‌

أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قيس بن الحرث عند نزول الآية وكان تحته ثمانية أن يطلق أربعا ويمسك أربعا قال : « فجعلت أقول للمرئة التي لم تلد : يا فلانة أدبري ، والتي قد ولدت : يا فلانة أقبلى » (١) ‌فمن الغريب دعوى بعض الناس عدم دلالة الآية على تحريم ما زاد ، وإنما استفيد من دليل آخر.

ثم إن هذه الألفاظ ألفاظ معدولة عن أعداد مكررة هي ثنتين ثنتين ، وثلاث ثلاث ، وأربع أربع ، وهي غير منصرفة للعدل والصفة ، فإنها بينت صفات وإن كانت أصولها لم تبن لها ، وقيل عدم انصرافها لتكرير العدل عدلها عن صيغها وعدلها عن تكررها ، أى أن الأصل كان اثنين اثنين مثلا فغير اللفظ إلى مثنى ، وعدل بها عن التكرير ، فصار بها عدلان لفظي ومعنوي ، ونصبها على البدلية من المفعول ، أو على الحال من فاعل طاب ، ومعنى الحالية فيها مثلها في قولك : « جئت فارسا وراجلا وحافيا وناعلا » تريد أنك جئت في كل حال من هذه الأحوال لا أنك جئت في حال ثبوت جميعها ، وكذا الحال في الآية ، فان المراد جواز النكاح في كل حال من الأحوال الثلاثة دون مجموعها ، وإلا لزم نكاح التسع.

__________________

(١) سنن البيهقي ج ٧ ص ١٨٣ مع اختلاف يسير ، وفيه أنه أسلم وعنده ثمان نسوة.

٣

واليه يرجع ما عن الكشاف من تقدير الحال المذكورة ، فانكحوا الفتيات معدودات ، هذا العدد ثنتين ثنتين ، وثلاثا ثلاثا وأربعا أربعا ، وعلى كل حال فمقتضى العطف بالواو جمع المتعاطفة في الجواز ، لا جواز الجمع بينها فلا يلزم نكاح التسع ، بل قيل معنى الآية الاذن لكل ناكح يريد الجمع أن ينكح ما شاء من العدد المذكور متفقين فيه ومختلفين ، كقولك : « اقتسموا هذه البدرة درهمين درهمين وثلاثة ثلاثة » ولو أفردت كان المعنى تجويز الجمع بين هذه الأعداد دون التوزيع ، ولو ذكرت بأو لذهب تجويز الاختلاف في العدد وإن كان لا يخلو من نظر ، لما عرفت من أن الجمع بالحكم لا يقتضي الحكم بالجمع ، فلا يلزم من الأفراد تجويز الجمع بين الأعداد ، ولأن تجويز الأعداد لجماعة المخاطبين بمعنى تجويزه ، لكل واحد منهم لا للمجموع من حيث الإجماع ، فالتخيير الذي يقتضيه العطف بأو لو كان يكون لكل ناكح يريد الجمع ، فلو اختلفوا لم يفعلوا إلا ما هو الجائز كما لو اتفقوا ، فلا يلزم أن يذهب تجويز الاختلاف على تقديره.

نعم يمكن أن يقال : إن العطف بالواو للدلالة على جواز كل من الأعداد لكل جامع أو مريد للجمع ، فيجوز الأربع لواجد الثلاث بالتكميل ، وكذا الثنتان بالنقص ، ولو عطف بأو لذهب التجويز في حق الجامع ، لأنه قد استوفي العدد المباح له ، فلا يجوز له غيره على ما يقتضيه التخيير.

وكيف كان فالغرض دلالة الآية على المطلوب من دون حاجة الى جعل الواو فيها بمعنى أو كما في جامع المقاصد والمسالك ، معللين ذلك بأنها لو بقيت على معناها اقتضت الآية جواز نكاح الثمانية عشر.

وفيه أو لا أن مثنى مثلا بمنزلة اثنين اثنين ذكرا ، وهو أعم من كونه اثنين واثنين على جهة التغاير ، ولذا قال بعضهم إنه يلزم نكاح التسع لا الثمانية عشر ، وثانيا أن إباحة هذه المراتب من الأعداد من حيث كونها أعدادا لا يقتضي جواز الجمع على الوجه المزبور ، ضرورة عدم كون المراد من إباحة الثلاثة مثلا أنها أفراد غير الاثنين والأربعة غير الثلاثة ، بل قد عرفت أن الواو تقتضي الجمع‌

٤

في الحكم الذي هو الإباحة لا الحكم بالجمع كما هو واضح ، والأمر سهل بعد ضرورية أصل الحكم الذي لا فرق فيه بين الابتداء والاستدامة ، ولذا‌ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لغيلان بن سلمة لما أسلم وتحته عشر نسوة : « أمسك أربعا وفارق سائرهن » (١) ‌بل هو مقتضى‌ قول الصادق عليه‌السلام في صحيح زرارة (٢) : « لا يجمع ماءه في خمس ».

( و ) كذا ( لا يحل له ) أي الحر ( من الإماء بالعقد ) الدائم ( أكثر من اثنتين ) بلا خلاف أجده فيه ، بل الإجماع بقسميه عليه ، وقد يستفاد ذلك من‌

خبر أبي بصير (٣) عن أبي جعفر عليه‌السلام « سألته عن رجل له امرأة نصرانية له أن يتزوج عليها يهودية ، فقال : إن أهل الكتاب مماليك الامام ، وذلك موسع منا عليكم خاصة ، فلا بأس أن يتزوج. قلت : فإنه يتزوج عليها أمة ، قال : لا يصلح أن يتزوج ثلاث إماء » ‌الحديث بل‌ في خبر عباد بن صهيب (٤) عن الصادق عليه‌السلام « ولا يحل له من الإماء إلا واحدة » ‌بل قد عرفت فيما مضى أن المختار عدم جواز نكاح الأمة إلا بالشرطين ، ومن هنا قال في المسالك : « هذا كله على القول بجواز نكاح الأمة اختيارا ، أما عند من يعتبر الشرطين فلا يجوز نكاح الثانية » وإن كان قد عرفت ما فيه سابقا من إمكان فرض تحقق الشرطين مع نكاح الأمة لعدم رفع العنت بها وغيره ، بل لو لا الإجماع لأمكن فرضهما مع الاثنتين أيضا.

وعلى كل حال فحيث ينكح الاثنتين فهما محسوبان عليه ( من جملة الأربع ) لا أنهما معا بمنزلة حرة ، لإطلاق الأدلة ، فلا يجوز له حينئذ الجمع بين ثلاث حرائر وأمتين فضلا عن حرتين وثلاث إماء أو أربع كما هو واضح.

( وإذا استكمل العبد أربعا من الإماء أو حرتين أو حرة وأمتين حرم عليه‌

__________________

(١) سنن البيهقي ج ٧ ص ١٨١.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب استيفاء العدد الحديث ١ ـ ٢.

(٤) المستدرك الباب ـ ٤١ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ١.

٥

ما زاد ) إجماعا منا بقسميه ، ونصوصا كادت تكون متواترة ، ففي صحيح ابن مسلم (١) عن أحدهما عليهما‌السلام « سألته عن العبد يتزوج أربع حرائر ، قال : لا ، ولكن يتزوج حرتين ، وإن شاء تزوج أربع إماء » وفي خبر الصيقل (٢) عن أبى عبد الله عليه‌السلام « سألته عن المملوك ما يحل له من النساء ، فقال : حرتان أو أربع إماء » وفي خبر زرارة (٣) عن أحدهما عليهما‌السلام « سألته عن المملوك كم يحل له أن يتزوج؟ قال : حرتان أو أربع إماء » وفي خبره الآخر (٤) عن أبى جعفر عليه‌السلام « لا يجمع من النساء أكثر من الحرتين » ‌ولا ينافي ذلك ما‌ في خبر الكناني (٥) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المملوك كم يحل له من النساء؟ قال : امرأتان » ‌وكذا خبر سماعة (٦) بل‌ في خبر زرارة (٧) عن أبى جعفر عليه‌السلام « لا يجمع المملوك من النساء أكثر من امرأتين » ‌وخبر الفضيل (٨) « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن المملوك كم تحل له من النساء ، فقال : لا يحل إلا ثنتين » ‌بعد موافقتها لما تسمعه من العامة ، وإمكان إرادة الحرائر من ذلك.

نعم قد يقال : إنه لا دلالة في شي‌ء منها على جواز حرة وأمتين الذي ذكره المصنف وغيره ، ودعوى إمكان استفادة تنزيل الحرة بالنسبة إلى العبد منزلة الأمتين وتنزيل الأمتين للحر منزلة الحرة يدفعها منع دلالة النصوص على ذلك ، وإن اشتملت على بعض ما ينطبق على ذلك لكنه لا يستفاد منها على وجه التعميم بعد حرمة القياس واستنباط العلة والسير ونحو ذلك عندنا ، على أنه إن تم في العبد فلا يتم في الحر لما عرفته من عدم جواز ثلاث حرائر وأمتين للحر وحرتين وثلاث إماء ونحو ذلك مما لا يطابق ما عرفت.

__________________

(١ و ٢ و ٤) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب استيفاء العدد الحديث ١ ـ ٢ ـ ٤.

(٣ و ٥ و ٦ و ٧) الوسائل الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ٢.

(٨) الوسائل الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ٣ عن محمد بن الفضيل.

٦

نعم قد يقال بإمكان الاستدلال على جوازه بما دل على جواز الحرتين للعبد (١) القاضي بجواز الحرة له قطعا وجواز الأربع (٢) القاضي بجواز ما دون ذلك له ، وأن الأدلة أقصى ما دلت عليه المنع من الزيادة على الحرتين والزيادة على الأربع إماء بمعنى إن تزوج حرائر فلا يزيد على حرتين ، وإن تزوج إماء فلا يزيد على أربع ، وأما صور الخلط فليس في شي‌ء من الأدلة التعرض الى منعه ، فيبقى على أصل الجواز وعلى فحوى دليل كل من الصنفين ، وفيه أن مقتضى ذلك جواز الحرة وثلاث إماء ، بل جواز الحرتين وأربع إماء ، ودعوى استفادة المنع فيه من دليل آخر كما ترى ، فالأوجه أن يقال : إن دليله بعد الإجماع بقسميه عليه وعدم صدق الزيادة على أربع منه ما في الفقيه ، فإنه بعد أن‌ روى عن حماد بن عيسى (٣) « أنه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام كم يتزوج العبد؟ قال : قال أبى عليه‌السلام : قال علي عليه‌السلام : لا يزيد على امرأتين » ‌قال : و‌في حديث آخر (٤) « يتزوج العبد حرتين ، أو أربع إماء ، أو أمتين وحرة » ‌مؤيدا بإمكان دعوى ظهور نصوص العبد خاصة في تنزيل الحرة بالنسبة إليه منزلة الأمتين ، فالعدد الممتنع منه الزيادة على أربع إماء حقيقة أو حكما ، والأمتان والحرة بمنزلة الأربع حكما ، فلا زيادة فيه ، فلا منع ، والأمر سهل بعد وضوح الحكم عندنا بخلاف غيرنا ، فعن الأكثر أنه لا يتجاوز اثنتين مطلقا على النصف من الحر وعن بعض أن له أربعا مطلقا كالحر ، وإجماع الفرقة المحقة ونصوصها على خلافهم.

وعلى كل حال فقد ذكر غير واحد من الأصحاب إن الأمة المبعضة كالأمة في حق الحر ، وكالحرة في حق العبد ، والمبعض كالحر في حق الإماء ، فلا يتجاوز أمتين ، وكالعبد في حق الحرائر ، فلا يتجاوز حرتين تغليبا لجانب الحرية في الجامع للوصفين ، ولا ريب في أنه أحوط وإن كان لا يخلو من بحث إن لم يكن إجماعا ،

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ١ و ٢.

(٣) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد الحديث ٣.

(٤) الوسائل الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء الحديث ١٠.

٧

خصوصا في التبعيض اللاحق في التزويج الذي قد يتعارض فيه الاحتياط ، فتأمل جيدا والله العالم.

( و ) كيف كان فـ ( لكل منهما أن ينكح بالعقد المنقطع ما شاء ) بلا خلاف معتد به فيه بيننا ، لظهور الآية (١) في نكاح الدوام بقرائنه فيها ، واستفاضة النصوص (٢) وتواترها في ذلك ، نعم‌ في خبر البزنطي (٣) عن الرضا عليه‌السلام قال : « قال أبو جعفر عليه‌السلام : اجعلوهن من الأربع ، فقال له صفوان بن يحيى : على الاحتياط ، قال : نعم » وفي خبره الأخر (٤) عن أبى الحسن عليه‌السلام أيضا « سألته عن الرجل يكون عنده الامرأة أيحل له أن يتزوج بأختها متعة؟ قال : لا ، قلت : حكى زرارة عن أبى جعفر عليه‌السلام إنما هي مثل الإماء يتزوج ما شاء ، قال : لا هي من الأربع » ‌وخبر الساباطي (٥) عن أبى عبد الله عليه‌السلام « عن المتعة ، قال : هي أحد الأربعة » ‌ومن المعلوم إرادة جعلها من الأربع حذرا من اطلاع المخالفين ، كما أومأ إليه الخبر الأول بذكر الاحتياط الذي لا يتصور من الامام عليه‌السلام الأمر به بالنسبة إلى الحكم ، على أنها في مقابلة ما جاء في الجواز كالعدم.

فمن الغريب ما عن ابن حمزة من أنها إحدى الأربع ، وأغرب منه ميلة في المسالك إلى ذلك ، مناقشا في أسانيد بعض روايات الجواز ، حاكيا عن المختلف أنه اقتصر في الحكم على مجرد الشهرة ولم يصرح بمختاره ، قال : « وعذره واضح ، ودعوي الإجماع في ذلك غير سديد » قلت : لا بأس بدعوى ضرورة المذهب على ذلك فضلا عن الإجماع ، والنصوص ـ بعد استفاضتها وتعاضدها واشتمالها على ضروب من الدلالة والتعليلات واعتضادها بمثل هذا العمل ـ لا ينظر إلى أسنادها ، كما لا يخفى على من له أدنى خبرة بأصول المذهب وقواعده ، والله العالم.

( وكذا ) لكل منهما أن ينكح ( بملك اليمين ) ما شاء بلا خلاف فيه بين المسلمين فضلا عن المؤمنين ، بل لعله من ضروريات الدين ، نعم قد تقدم‌

__________________

(١) سورة النساء : ٤ ـ الآية ٣.

(٢ و ٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب المتعة الحديث.ـ ٩ ـ ١١ ـ ١٠.

٨

سابقا البحث في ملك العبد وعدمه ، لكن قد استفاضت النصوص (١) هنا بأنه لا بأس في إذن المولى لعبده بأن يتسرى ما شاء ويشترى ما يشاء من الجواري ويطأهن ، والمراد منها التحليل له ، ومنه يعلم أنه لا بأس بالوطء بالتحليل لغيره ما شاء أيضا ، مع أن الظاهر عدم الخلاف فيه ، سواء قلنا إنه إباحة أو تمليك ، ضرورة عدم تناول ما دل على النهي عن الأربع له بعد ظهوره في نكاح الدوام كما هو واضح ، والله العالم.

( مسألتان )

( الأولى )

( إذا طلق واحدة من الأربع ، حرم عليه العقد على غيرها حتى تنقضي عدتها إن كان الطلاق رجعيا ) بلا خلاف أجده فيه ، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه ، لأنها بحكم الزوجة نصا (٢) وفتوى الذي منه ذلك ، بل ظاهرهما أنها كذلك ( و ) إن التزم بعدم الرجوع بملزم شرعي ، فإنه لا يخرجها عن حكم المطلقة رجعيا التي هي بحكم الزوجة ، نعم ( لو كان الطلاق بائنا جاز له العقد على الأخرى في الحال ) لخروجها عن الزوجية بالطلاق ، وعدم ما يدل على أنها بحكمها في العدة ، فلا جمع حينئذ بين خمس ، فيشمله حينئذ دليل الإباحة ( وكذا القول في نكاح أخت الزوجة ) مع البينونة إلا أنه ( على كراهة مع البينونة ) لبقاء عصمة النكاح في الجملة ، و‌لصحيح زرارة (٣) المحمول على ذلك عن الصادق عليه‌السلام « إذا جمع الرجل‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء.

(٢) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب أقسام الطلاق والباب ـ ١٣ ـ منها الحديث ٦ والباب ـ ٢٠ ـ منها الحديث ١١ والباب ـ ١٨ و ٢٠ و ٢١ ـ من أبواب العدد من كتاب الطلاق.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد الحديث ١.

٩

أربعا فطلق إحداهن فلا يتزوج الخامسة حتى تنقضي عدة المرأة التي طلقت » ‌أو على الرجعي ، وبمعناه غيره من النصوص (١) المستفيضة ، لكن في كشف اللثام عن ظاهر التهذيب الحرمة ، قال : « وهو ظاهر الأخبار » وفي المسالك « في الحمل نظر من حيث عدم المعارض ، نعم ورد التفصيل في الأخت في روايات : منها‌ حسنة الحلبي (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « في الرجل طلق امرأته أو اختلعت منه أو بانت إله أن يتزوج أختها؟ فقال : إذا برأ عصمتها فلم يكن له عليها رجعة فله أن يخطب أختها » ‌قلت : قد يستفاد ذلك من هذه الرواية ، ضرورة ظهورها في أن المدار على الإبراء من العصمة بعدم ملك الرجعة ، فهو حينئذ كالتعليل الذي لا يخص الأخت ولو بقرينة فتوى الأصحاب مع ذلك.

بل يمكن أن يكون في النصوص إشارة إلى ذلك أيضا بجعل العدة له ، ففي الموثق (٣) أنه سئل أبو عبد الله عليه‌السلام « عن رجل جمع أربع نسوة فطلق واحدة فهل يحل له أن يتزوج اخرى مكان التي طلق؟ قال : لا يحل له أن يتزوج اخرى حتى يعتد مثل عدتها » ‌بل‌ في خبرهم الآخر (٤) أنه سئل أبو عبد الله عليه‌السلام « عن الرجل يكون له أربع نسوة فتموت إحداهن هل يحل له أن يتزوج اخرى مكانها؟ قال : لا حتى يأتي عليه أربعة أشهر وعشرا ، سئل فإن طلق واحدة هل يحل له أن يتزوج؟ قال : لا حتى يأتي عليها عدة المطلقة » وفي خبر أبى بصير (٥) عنه عليه‌السلام أيضا ، قال : « سألته عن رجل له أربع نسوة فطلق واحدة يضيف إليهن أخرى ، قال : لا حتى تنقضي العدة ، فقلت : من يعتد؟ فقال : هو ، قلت : وإن كان متعة ، قال : وإن كان متعة » ‌إلى غير ذلك من النصوص المشعرة بكون الحكم على‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد والباب ـ ٤٧ ـ من أبواب العدد من كتاب الطلاق.

(٢) الوسائل الباب ـ ٤٨ ـ من أبواب العدد الحديث ٢ من كتاب الطلاق.

(٣) الوسائل الباب ـ ٤٧ ـ من أبواب العدد الحديث ٢ من كتاب الطلاق.

(٤ و ٥) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد الحديث ٥ ـ ٤.

١٠

ضرب من الكراهة والندب ، نعم لو لم يكن للمرأة عدة لعدم الدخول لم يكن بأس أصلا ، كما أومأ اليه‌ خبر ابن طريف (١) قال : « سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن رجل كن له ثلاث نسوة ثم تزوج امرأة أخرى فلم يدخل بها ، ثم أراد أن يعتق أمة ويتزوجها ، فقال : إن هو طلق التي لم يدخل بها فلا بأس أن يتزوج اخرى من يومه ذلك ، وإن هو طلق من الثلاث النسوة اللاتي دخل بهن واحدة لم يكن له أن يتزوج امرأة أخرى حتى تنقضي عدة التي طلقها » ‌وعلى كل حال فلا ريب في الحكم المزبور ، ولا ينافيه إمكان رجوع البائنة رجعيا في بعض الأحوال ، ضرورة عدم جريان هذا الحكم عليه مع فرض التزويج ، والله العالم.

المسألة ( الثانية )

( إذا طلق إحدى الأربع بائنا وتزوج اثنتين فان سبقت إحداهما كان العقد لها ) بلا خلاف ولا إشكال. ( وإن اتفقتا في حالة بطل العقدان ) وفاقا للمشهور ، لاستلزام صحة كل منهما بطلان الأخر ولا ترجيح ، وصحة أحدهما دون الأخر غير معقولة ، والصحة في إحدى الامرأتين على جهة الإطلاق الذي مرجعه الى تخيير الزوج في تعيينها غير مفادهما ، ولو فرض قصد ذلك فهو غير صحيح ، للإجماع على اعتبار تعيين الزوجة في عقد النكاح على وجه التشخيص. ( و ) لكن في المتن ( روى أنه يتخير ) ثم قال : ( وفي الرواية ضعف ) قلت : بل لم نعثر عليها في خصوص الفرض ، كما اعترف به في المسالك وغيرها ، نعم‌ روى عنبسة بن مصعب (٢) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل كانت له ثلاث نسوة فتزوج عليهن امرأتين في عقد ، فدخل بواحدة منهما ثم مات ، قال : إن كان دخل بالمرأة التي بدأ باسمها‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد الحديث ٦.

(٢) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد الحديث ١.

١١

وذكرها عند عقدة النكاح فان نكاحها جائز ، ولها الميراث ، وعليها العدة ، وإن كان دخل بالمرأة التي سميت وذكرت بعد ذكر المرأة الأولى فإن نكاحها باطل » ‌الحديث. وهو كما ترى لا تخيير فيه ، مع احتمال أن يراد به وقوع النكاح للأولى فيما لو قال الوكيل مثلا : « زوجتك فاطمة وزينب » فقال : « قبلت تزويج فاطمة وزينب » فان النكاح يقع للأولى حينئذ. وعلى كل حال هو خارج عما نحن فيه.

ويمكن أن يريد المصنف‌ صحيح جميل (١) المروي في الكافي والفقيه والتهذيب الوارد عن أبى عبد الله عليه‌السلام « في رجل تزوج خمسا في عقدة ، قال : يخلي سبيل أيتهن شاء ويمسك الأربع » ‌لعدم الفرق بين المسألتين ، إلا أنه لا ضعف في سنده ، اللهم إلا أن يريد الضعف في دلالته باعتبار احتمال إرادة التزوج حال الكفر ، واحتمال الإمساك بالعقد الجديد ، خصوصا بعد أن عبر بمثله فيما علم إرادة ذلك منه فيمن تزوج أختين على الترتيب ، كما سمعته فيما تقدم إلا أنه كما ترى خلاف الظاهر الذي هو الحجة ، على أن الخبر غير مهجور ، بل عمل به الشيخ وأتباعه ، بل وتبعهم يحيى بن سعيد في المحكي عنه والعلامة في المختلف ، وليس متضمنا لممتنع كي يتجه طرحه أو تأويله ، إذ يمكن كون التخيير فيه على حسب التخيير لمن أسلم على أزيد من النصاب ، وإن كان ذلك في الاستدامة وهذا في الابتداء لكنه لا يصلح فارقا ، فان ما لا يؤثر في الابتداء لا يؤثر استدامة ، بل ذلك غير فاقد للتعيين ، وليس هو بمنزلة « زوجتك إحدى الامرأتين » ضرورة كون الفرض تعيين كل منهما.

ولعله إلى ذلك أومأ في المختلف ، حيث احتج له مضافا الى الصحيح بوجود المقتضى وانتفاء المانع ، إذ ليس إلا انضمام العقد على الأخرى ، وهو لا يقتضي تحريم المباح ، كما لو جمع بين محرمة عينا ومحللة عينا في عقد ، وكما لو جمع بين المحلل والمحرم في البيع ، ولا أثر للإطلاق والتعيين ، إذ في التعيين تحرم واحدة معينة ، فيبطل العقد عليها ، وتحل أخرى معينة ، وفي الإطلاق تحل واحدة‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد الحديث ١.

١٢

مطلقة وتحرم اخرى مطلقة ، وقد عقد عليهما معا ، فيدخلان في العقد ، إذ لا وجود للكلي إلا في جزئياته ، فما في المسالك ـ من مناقشته بأن العقد على المحرمة ثابت بدون العقد وعلى المحللة كذلك ، فلا يضر الانضمام ، بخلاف غير المعينة ، لأن كل واحدة صالحة للصحة منفردة ومنهي عنها مع الانضمام ، ولا أولوية ، وتعلق العقد بغير معينة غير كاف في الصحة ، بل لا بد من تعينها قبل العقد ، ولذا لا يجوز على إحدى المرأتين إجماعا ، وبهذا يحصل الفرق بين من يحرم نكاحها عينا ومطلقا ـ مدفوعة بما عرفت من أن ذلك ليس من فاقد التعيين ، بل هو كأثر العقد بعد الإسلام.

ومن ذلك يظهر لك قوة القول بالتخيير ، بل لو قلنا بأن القواعد تقتضي البطلان كان المتجه ذلك ، للنص الحاكم عليها بعد جمعه شرائط الحجية ، والاحتياط مع أنه غير واجب هو ليس في البطلان مطلقا ، ضرورة عدم موافقته لجواز تزويجهما من غير طلاق ، وتغليب جانب الحرمة إنما يسلم وجوبه في متحقق الحرمة ، ولا يخلص إلا بالاجتناب ، وهو في المقام ممنوع ، ولو تزوج الحر حرة في عقد واثنتين في عقد وثلاثا في عقد واشتبه السابق صح نكاح الواحدة على القول بالبطلان ، للقطع بصحة نكاحها كيفما فرض ، ويبقى الاشتباه في الآخرين ، والوجه استعمال القرعة كما سمعته سابقا في مسألة الأختين ، وعن التذكرة الحكم بها هنا ولعله أولى من المحكي عن الشافعية من الوجهين : أحدهما بطلان العقد ، والأخر الإيقاف إلى البيان ، فان لم يعلم كان لهن الفسخ ، وإن صبرن لم ينفسخ ، وعليه الإنفاق عليهن في مدة التوقف ، وأما على القول بالتخيير فلا يتعين الواحدة للصحة ، لاحتمال تأخر عقدها عن الآخرين مع جواز صحتهما باختيار إحدى الاثنتين أو اثنتين من الثلاث.

١٣

( القسم الثاني )

من قسمي استيفاء العدد ( إذا استكملت الحرة ثلاث طلقات ) لم ينكحها بينها زوج آخر ( حرمت على المطلق حتى تنكح ) دواما ( زوجا غيره ) وتذوق عسيلته ويذوق عسيلتها بلا خلاف أجده في شي‌ء من ذلك ، بل الإجماع بقسميه عليه ، مضافا الى الكتاب (١) والسنة (٢) قال الله تعالى ( الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ ) ـ ثم قال : ـ ( فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ ، فَإِنْ طَلَّقَها فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا ) » الآية فإنها صريحة في حرمة المطلقة على زوجها بالطلاق ، وأن حلها موقوف على أن تنكح زوجا غيره ، وأما أن الطلاق المحرم هو الثالث فمستفاد منها بمعونة تعقيبها لقوله تعالى : ( الطَّلاقُ مَرَّتانِ ) فإنه يقتضي كون المعنى إن طلقها بعد المرتين أى التطليقتين الأولتين ، والطلاق الواقع بعدهما ليس إلا الثالث ، إذ غيره لا يطلق عليه أنه بعد المرتين عرفا ، بل بعد الثلاث فما زاد ، ولأن التحريم بالثالث يقتضي انتفاءه في غيره ، إلا إذا انتهى الدور ، فيحرم لكونه ثالثا أيضا ، فلا يكون التحريم إلا به.

ثم إن الظاهر إرادة الرجعي من الطلاق في قوله تعالى ( الطَّلاقُ مَرَّتانِ ) بمعنى إن الطلاق الرجعي الذي يجوز للزوج الرجوع فيه مرتان ، أي تطليقتان ، فالثالث بائن لا رجعي ، ومعنى قوله تعالى ( فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ ) إن الزوج بعد التطليقتين الأولتين مخير بين إمساك المرأة بالرجوع وحسن المعاشرة على الوجه المعروف شرعا وعرفا وتسريحها بالإحسان ، بأن يطلقها التطليقة الثالثة‌

__________________

(١) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ٢٢٩ و ٢٣٠.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣ و ٤ ـ من أبواب أقسام الطلاق من كتاب الطلاق.

١٤

ولا يراجعها حتى تنقضي عدتها وتبين عنه بانقضاء العدة ، فإنه يجوز له كل من الأمرين ، لكون الطلاق في المرتين رجعيا ، ومقتضاه جواز الرجوع في العدة ، ويكون قوله تعالى ( فَإِمْساكٌ ) بيانا للازم الحكم الأول ، وهو كون الطلاق رجعيا.

وقيل : إن المعنى في الآية : الطلاق الشرعي مرتان ، أي تطليقة بعد تطليقة ، على أن تكون التثنية لمطلق التكرير ، كما في قوله تعالى (١) ( ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ ) أى كرة بعد اخرى ، والفرض نفي شرعية الجمع والإرسال كما ذهب إليه أكثر العامة ، ووجوب التفريق بين الطلاقين كما ذهب إليه أصحابنا ، وعلى هذا يكون قوله تعالى ( فَإِمْساكٌ ) تخييرا للأزواج بعد تعليمهم كيفية الطلاق الشرعي بين الإمساك بحسن المعاشرة والقيام بحقوق الزوجية والتسريح بالإحسان ، أي التسريح الجميل الذي علمهم ، وهو الطلاق الذي لا إرسال فيه ، أو يكون المعنى على قياس ما سبق في الأول أنه بعد وقوع الطلاق المشتمل على التفريق ما يوجب أحد الأمرين من إمساك الزوجة بالرجوع وتسريحها بالطلاق الثالث ، أو ترك الرجوع حتى تنقضي العدة ، وذلك لأن تفريق الطلاق يستلزم تعدده ، وأقل ما يصدق معه التعدد المرتان ، فيكون الطلاق الواقع بعده ثالثا ، وحينئذ يكون قوله تعالى ( فَإِمْساكٌ ) إلخ بيانا لحكم الزوجة بعد تطليقها من غير ترتب على سابقه كما في الأول.

وكيف كان فالطلاق المشار اليه بقوله تعالى ( فَإِنْ طَلَّقَها ) هو الثالث ، أما على الأول فظاهر ، وأما على الثاني فلأن المعنى إن طلقها بعد التكرير ، أى التطليقة الواقعة بعد اخرى ، ولا ريب في صدق المعنى المذكور في الطلاق الثالث ، فإن أقل ما يتحقق معه التكرير مرتان ، والواقع بعد هما هو الثالث.

لكن لا يخفى أن الأصح ما قلناه أولا من أن المراد الطلاق الرجعي وأن الثالث هو التسريح بإحسان ، أما الأول فلوضوح كون المرتين حقيقة في معنى التثنية ، واستعماله في مطلق التكرير مجاز قليل الاستعمال ، ودعوى تبادر الشرعي في أمثال‌

__________________

(١) سورة الملك : ٦٧ ـ الآية ٤.

١٥

ذلك ممنوعة هنا ، فان قوله تعالى ( فَإِنْ طَلَّقَها ) قرينة على أن المراد مما قبله الرجعي الذي تحل معه الزوجة ، وكذا قوله تعالى ( فَإِنْ طَلَّقَها فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا ) كما هو واضح ، مضافا إلى‌ المروي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) « إنه قيل له : ( الطَّلاقُ مَرَّتانِ ) فأين الثالثة؟ قال ( فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ ) » ‌وإلى ما‌ روى في سبب نزولها (٢) « أن امرأة أتت عائشة فشكت من زوجها يطلقها ويسترجعها يضارها ، وكان الرجل في الجاهلية إذا طلق امرأته له أن يراجعها ولو ألف مرة ، فذكرت ذلك لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فنزلت الطلاق مرتان » ‌فجعل حد الطلاق ثلاثا.

وأما الثاني فللنبوى الذي سمعته ، ولخبر أبى بصير المروي عن تفسير العياشي (٣) عن أبى عبد الله عليه‌السلام ، قال : « المرأة التي لا تحل لزوجها حتى تنكح زوجا غيره التي تطلق ثم تراجع ثم تطلق ثم تراجع ثم تطلق الثالثة ، فلا تحل حتى ـ إلى آخرها ـ إن الله يقول : الطلاق مرتان ـ إلى آخرها ـ والتسريح هو التطليقة الثالثة » ‌وعنه (٤) عن أبي جعفر عليه‌السلام « إن الله تعالى يقول ( الطَّلاقُ ) ـ الى آخرها ـ والتسريح بإحسان هي التطليقة الثالثة » وعن سماعة بن مهران (٥) « سألته عن المرأة التي لا تحل ( حَتّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ ) وتذوق عسيلته ويذوق عسيلتها ، وهو قول الله عز وجل ( الطَّلاقُ ) ـ الى آخرها ـ قال : التسريح بإحسان التطليقة الثالثة » ‌ولا ينافي ذلك ما‌ روي (٦) « من أن قوله تعالى ( فَإِنْ طَلَّقَها ) فلا تحل له هي التطليقة الثالثة » ‌لأن قوله تعالى ( فَإِنْ طَلَّقَها ) على هذا التقدير بيان لحكم التسريح في قوله تعالى ( أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ ) فيكون الطلاق الثالث مرادا منه أيضا ، وإنما سمي تسريحا لأن المرأة تطلق به من قيد الزواج ، إذ هو مأخوذ من السرح ، وهو الإطلاق ، يقال : سرح الماشية في المرعى سرحا : إذا أطلقها ترعى ، وسرحت‌

__________________

(١ و ٢) سنن البيهقي ج ٧ ص ٣٤٠ ـ ٣٣٣.

(٣ و ٤ و ٥ و ٦) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ١٠ ـ ١٢ ـ ١٣ ـ ١١.

١٦

الماشية : انطلقت في المرعى ، ومنه المسرح للمشط ، لانطلاق الشعر به ، وإنما كان بإحسان لأنه لا يرجى معه الرجوع المضار للزوجة ، لبيونتها به ، وعلى كل حال فدلالة الآية ظاهرة على المطلوب الذي هو نفي الحل له بجميع وجوهه ، من غير فرق بين الدوام والمتعة.

وأما النصوص (١) فهي متواترة فيه أيضا وفي أنها لا تحل له حتى ينكحها دواما زوج آخر غيره ، ولا تكفي المتعة منها ، لخبر الصيقل (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « قلت : رجل طلق امرأته طلاقا لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره فتزوجها رجل متعة أتحل للأول؟ قال : لا ، لأن الله تعالى يقول ( فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَها ) ، والمتعة ليس فيها طلاق » ‌وقد يشعر هذا الخبر بالحكم في المسألة الأصولية ، وهو تخصيص العام أو تقييد المطلق بذكر الحكم الخاص لبعض أفرادهما في مساقهما ، بل لعل من ذلك مسألة الضمير أيضا ، هذا ويأتي إن شاء الله باقي أحكام المسألة في كتاب الطلاق.

نعم الحكم المذكور ثابت للحرة ( سواء كانت تحت حر أو عبد ) عندنا ، لأن نصوصنا قد تواترت في أن العبرة بعدد الطلقات النساء لا الرجل. ( و ) حينئذ فـ ( إذا استكملت الأمة طلقتين ) لم يتخلل بينهما نكاح رجل آخر ( حرمت عليه ) أي المطلق ( حتى تنكح زوجا غيره ولو كانت تحت حر ) بلا خلاف أجده بيننا ، بل الإجماع بقسميه عليه ، والنصوص (٣) متواترة فيه أيضا كما تسمعها إن شاء الله ، خلافا للمحكي عن العامة ، فجعلوا العبرة بالزوج ، فان كان عبدا حرمت عليه بالطلقتين وإن كانت حرة ، وإن كان حرا اعتبر الثلاث وإن كانت زوجته أمة ، والمراد حرمة وطئها عليه ولو بملك اليمين كما صرحت به النصوص (٤) أيضا.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣ و ٤ و ٩ ـ من أبواب أقسام الطلاق من كتاب الطلاق.

(٢) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ٤ من كتاب الطلاق.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب أقسام الطلاق من كتاب الطلاق.

(٤) الوسائل الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب أقسام الطلاق من كتاب الطلاق.

١٧

ولا فرق في الطلقات المحرمة على هذا الوجه بين كونها للعدة وغيرها ، خلافا لابن بكير وأصحابه فاعتبروا كونها للعدة ، وإلا حلت لزوجها من دون محلل ولو ألف مرة كما تسمعه إن شاء الله فيما يأتي ، وتسمع أيضا أن النكاح المتخلل بين الطلقات يهدم ما تقدمه من الطلاق ، فإذا رجعت لزوجها مثلا بعده تكون عنده على الثلاث كحالها السابق أولا ، والله العالم.

( وإذا استكملت المطلقة تسعا للعدة ينكحها بينها رجلان حرمت على المطلق أبدا ) إجماعا بقسميه ، والمراد بالطلاق للعدة أن يطلقها بالشرائط ثم يراجع في العدة ويطأ ، ثم يطلق في طهر آخر ثم يراجع في العدة ويطأ ، ثم يطلق الثالثة فينكحها بعد عدتها زوج آخر ، ثم يفارقها بعد أن يطأها ، فيتزوجها الأول بعد العدة ، ويفعل كما فعل أولا إلى أن يكمل لها تسعا كذلك يتخلل بينهما نكاح رجلين ، فتحرم في التاسعة مؤبدا لكن لا يخفى عليك أن إطلاق التسع للعدة حينئذ مجاز ، لأن الثالثة من كل ثلاثة ليست للعدة ، بل للسنة ، ووجه التجوز إما بإطلاق اسم الأكثر على الأقل أو باعتبار المجاورة ، وتظهر فائدة الاعتبارين فيما لو طلق الأول للعدة والثانية للسنة ، فان المعنيين ينتفيان عن الثالثة ، ويصدق على الثانية اسم العدية بالاعتبار الثاني دون الأول ، وفيما لو كانت الثانية للعدة والأولى للسنة ، فعلى الأول يختص بها الاسم ، وعلى الثاني يصدق الاسم على الطرفين لمجاورتها.

وفي المسالك بعد أن ذكر ما عرفت قال : « ومع ذلك ففي اعتبار التحريم بمثل هذا إشكال ، من وجود العلاقة فيهما كما اعتبرت في الثالثة إجماعا ، ومن أن تعليق الحكم على المعنى المجازي على خلاف الأصل لا يصار إليه في موضع الاشتباه ، وهذا هو الأقوى ، فيجب الاقتصار في التحريم المؤبد على موضع اليقين ، وهو وقوع التسع على الوجه الأول ، أو إكمال التسع للعدة حقيقة مع التفرق ، ولا تغتفر الثالثة كما اغتفرت في الأولى لكونها على خلاف الأصل مما ذكرناه ، فيقتصر بها على موردها وهو وقوعها بعد عدتين ، وعلى هذا إن وقع في كل ثلاث واحدة عدية احتسبت خاصة ،

١٨

وإن وقع في بعض الأدوار عدتين احتمل إلحاق الثالثة بهما كما في مورد النص ، لوجود العلاقة بالمعنيين ، وعدمه لخروج مجموع الواقع من مورده ، وللتوقف في الحكم بالتحريم مطلقا فيما خرج عن موضع النص والإجماع مجال ـ ثم قال ـ هذا كله في الحرة ، وأما الأمة فيحتمل تحريمها بالست لتنزيلها منزلة التسع للحرة ، ولأن نكاح الرجلين يتحقق فيهما كتسع الحرة ، وبالتسع كالحرة ، لأنها إذا طلقت تسعا ينكحها بعد كل طلقتين رجل صدق أنه نكحها بين التسع رجلان ، فيجتمع الشرطان المعتبران في التحريم المؤبد ، وهما التسع ونكاح الرجلين ، بخلاف الست ، لتخلف الأول ، ويحتمل عدم تحريمها مؤبدا مطلقا ، لأن ظاهر النص كون مورده الحرة ، فيتمسك في الأمة بأصالة بقاء الحل ، ولأن شرط التحريم المؤبد وقوع التسع للعدة ينكحها بينها رجلان ، وذلك منتف في الأمة على كل حال ، لتوقف التسع فيها على نكاح أزيد من رجلين ، وهو مغاير لظاهر اعتبار الرجلين خاصة ، وبالجملة فالحكم بالتحريم المؤبد بمثل هذه المناسبات مشكل ، ووروده في كيفية مخصوصة لا يوجب تعديته إلى غيرها ، لجواز أن يكون للهيئة الاجتماعية ، من كون طلقتين متواليتين للعدة وثالثة بعدهما محرمة وهكذا ثلاث مرات يوجب حكما لا يحصل بدونها ، ومع ذلك ففيها إشكال آخر ، وهو أن الحكم بالتحريم مع تمام العدد يوجب تعلقه بغير ثالثة وثانية في الأمة لأنه يتم في الحرة بالخامسة والعشرين إن كانت العدية هي أول الدور ، والسابعة عشر في الأمة ، وذلك غير معهود في حكم التحريم المرتب على الطلاق ».

قلت مضافا إلى أن المفهوم من النصوص (١) التي عثرنا عليها اعتبار توالي التسع للعدة في التحريم المؤبد وهو لا يكون إلا في الصورة الأولى ، فيبقى غيرها على إطلاق ما دل على الحل بالمحلل في كل ثلاث ، ومن ذلك يعلم أنه لا وجه للحكم بالتحريم المؤبد في صور الشك تمسكا بإطلاق ما دل (٢) عليه بالتسع خرج ما خرج‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب أقسام الطلاق من كتاب الطلاق.

(٢) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ٤ و ٨ من كتاب الطلاق.

١٩

مما لم يكن للعدة ويبقى غيره ، ضرورة أنك قد عرفت ظهور النصوص في اعتبار توالي التسع المحرمة ، إذ هي ليست إلا‌ الموثق (١) عن أبى عبد الله عليه‌السلام قال : « الملاعنة إذا لاعنها زوجها لم تحل له أبدا ، والذي يتزوج امرأة في عدتها وهو يعلم لا تحل له أبدا ، والذي يطلق الطلاق الذي لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره ثلاث مرات وتتزوج ثلاث مرات لا تحل له أبدا » وخبر أبى بصير (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام أيضا قال : « وسألته عن الذي يطلق ثم يراجع ثم يطلق ثم يراجع ثم يطلق ، قال : لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره ، فيتزوجها رجل آخر فيطلقها على السنة ، ثم ترجع الى زوجها الأول فيطلقها ثلاث تطليقات فتنكح زوجا غيره فيطلقها ، ثم ترجع الى زوجها الأول فيطلقها ثلاث مرات على السنة ، ثم تنكح ، فتلك التي لا تحل له أبدا » ‌وصحيح إبراهيم بن عبد الحميد (٣) عن أبى عبد الله وأبى الحسن عليهما‌السلام « إذا طلق الرجل المرأة فتزوجت ، ثم طلقها زوجها فتزوجها الأول ، ثم طلقها فتزوجت رجلا ، ثم طلقها فتزوجت الأول ، ثم طلقها هكذا ثلاثا لم تحل له أبدا ».

وهي كما ترى ظاهرة أو صريحة في اعتبار التوالي ، نعم لا ظهور فيها باعتبار كونها للعدة في التحريم المؤبد ، بل الصحيح الأخير منها صريح في عدم ذلك ، كما أن الثاني منها صريح أيضا في أن الثلاثة الأخيرة للسنة ، ومطلق في الثلاثة الثانية ، بل ظاهر الأول منها أن موضوع المحرمة حتى تنكح وموضوع المحرمة أبدا واحد إلا أن الاولى الثلاث والثانية التسع ، فالمتجه حينئذ إما تخصيصهما معا‌

__________________

(١) ذكر صدره في الوسائل في الباب ـ ٣١ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ١ ووسطه في الباب ـ ١٧ ـ منها الحديث ١ وذيله في الباب ٤ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ٤ من كتاب الطلاق.

(٢) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أقسام الطلاق الحديث ٢.

(٣) أشار إليه في الوسائل في الباب ـ ١١ ـ من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد الحديث ٢ وذكره في الكافي ج ٥ ص ٤٢٨.

٢٠