جواهر الكلام - ج ٣٠

الشيخ محمّد حسن النّجفي

المعارضة من وجوه.

وآية المحادة (١) ـ بعد منع كون التزويج موادة ، فإنه ربما كان للحاجة دون المحبة ، وآية ( وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ) (٢) محمولة على الغالب ، لتحقق النشوز والشقاق المنافيين للمودة قطعا ـ ظاهرة في أن المراد موادة المحاد من حيث المحادة ، لتعليقها على الوصف الظاهر في العلية ، إذ الموادة لا من تلك الجهة لا تكون داخلة تحت الاختيار ، فلا يتوجه النهي إليها ، ولا يصح الحمل على اللوازم ، لجواز صلة المحاد ، لقوله تعالى (٣) ( وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً ) و‌قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٤) : « لكل كبد حرى أجر » ‌ولا ريب في تحريم الموادة من حيث المحادة ، بل منافاتها للايمان ، فإنه ومحبة الكفر مما لا يجتمعان ، وحينئذ فالاية محمولة على ظاهرها ، ولا حاجة فيها إلى تأويل قوله تعالى ( لا تَجِدُ ) بما قيل من أن المعنى لا ينبغي أن تجدوا ، فإنه انما يحتاج إلى ذلك لو أريد بالموادة مطلق المحبة ، وقد عرفت فساده ، بل لعل الغرض من هذا الحكم نفي الايمان عن الذين كانوا يدعون الايمان ويضمرون الموادة للكفار المعلنين بالكفر ، وهم المنافقون الذين كان يعرفهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بلحن القول وإشارات الوحي ، وإنما ترك التصريح ، لأن الكناية أوفق بالبلاغة وادعى إلى الرجوع إلى الحق ، ولما في التصريح من خشية تظاهرهم بالأمر ولحوقهم بالكفار الداعي إلى تقوية الكفر وضعف الإسلام لكثرة المنافقين في عصره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولا ريب في نقضه للغرض.

أما آية الاستواء (٥) فهي أجنبية عما نحن فيه ، على أنها هي وغيرها من‌

__________________

(١) سورة المجادلة : ٥٨ ـ الآية ٢٢.

(٢) سورة الروم : ٣٠ ـ الآية ٢١.

(٣) سورة لقمان : ٣١ ـ الآية ١٥.

(٤) مسند أحمد ج ٢ ص ٢٢٢ وفيه‌ « في كل ذات كبد حرا أجر ».

(٥) سورة الحشر : ٥٩ الآية ٢٠.

٤١

الايات معارضة لاية المائدة بالعموم الذي لا يعارض الخاص ، وأما احتمال إرادة المسلمات من ( الْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ ) (١) فتخرج عن أصل المعارضة فيدفعه أنه مناف للظاهر خصوصا مع المقابلة بالمحصنات من المؤمنات واتصال هذا الحكم بأحكام أهل الكتاب الثابتين على الكفر في قوله تعالى (٢) ( وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ ) إلى آخرها ، فإنه لا ريب في أن المراد من أهل الكتاب من ثبت منهم على الكفر دون من أسلم باتفاق المفسرين ـ على ما قيل ـ والنصوص الواردة في تفسيرها ، على أن العمدة للخصم النص الدال على أنها منسوخة ، ولولاه لكان الواجب التخصيص ، وحينئذ فالأمر دائر بين النسخ والتخصيص. وعلى كل حال فالمراد بالمحصنات من الذين اللاتي لم يسلمن من الكتابيات ، وقد عرفت رجحان عدم نسخها ، بل قد عرفت ما يدل على أنها ناسخة.

وأما‌ صحيح زرارة (٣) « سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن نكاح اليهودية والنصرانية فقال : لا يصلح للمسلم أن ينكح يهودية ولا نصرانية ، إنما يحل منهن نكاح البله » ‌فلم أجد عاملا به ، نعم يحكى عن سلار أنه جوز نكاح المؤمنة والمستضعفة دواما ومطلق الذمية متعة ، لكنه على كل حال قاصر عن معارضة غيره مما عرفت ، على أن قوله عليه‌السلام فيه : « لا يصلح » مشعر بالكراهة ، وإرادة الحرمة منه بقرينة قوله عليه‌السلام : « إنما يحل » ليس بأولى من إرادة ضعف الكراهة من الثاني بقرينة قوله : « لا يصلح » في الأول ، فيكون عدم البلاهة مرتبة من مراتب الكراهة التي أشرنا إليها ، وقلنا بتنزيل النصوص عليها ، للإشعار فيها بذلك من وجوه.

وقد ظهر لك من ذلك كله ضعف الأقوال الستة أو السبعة ، وأن الأقوال المفصلة منها مبنية على الجمع بلا شاهد ونحوه مما هو واضح البطلان ، ومما سمعته تعرف ما في دعوى المرتضى (ره) من الإجماع على عدم الجواز مطلقا المتبين خلافه ، خصوصا في المتعة وملك اليمين ، فلم يبق بحمد الله سبحانه في المسألة بعد اليوم من‌

__________________

(١ و ٢) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ٥.

(٣) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث ١.

٤٢

إشكال ، والحمد لله المتعال ، والله هو العالم بحقيقة الحال.

هذا وقد قال المصنف تبعا لجماعة وكذا حكم المجوس على أشبه الروايتين أي لا يجوز النكاح فيهم إلا مؤجلا أو ملك يمين ، ففي صحيح ابن مسلم (١) « سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن الرجل المسلم أيتزوج المجوسية؟ قال : لا ، ولكن إن كانت له أمة مجوسية فلا بأس أن يطأها ويعزل عنها ، ولا يطلب ولدها » ‌وخبر منصور الصيقل (٢) عن أبى عبد الله عليه‌السلام « لا بأس بالرجل أن يتمتع بالمجوسية » ‌ونحوه خبرا محمد بن سنان (٣) وحماد بن عيسى (٤) عن الرضا وأبي عبد الله عليهما‌السلام ، فالجمع بين الصحيح المزبور وبين ما دل على عدم جواز نكاح المشركات والكوافر (٥) وبينها قاض بذلك ، مضافا إلى مشابهة المتعة لملك اليمين ، بل وإلى ما دل على أن المجوس كتابيون ـ بناء على أن حكمهم عند المصنف ذلك ـ من‌ مرسل الواسطي (٦) عن الصادق عليه‌السلام قال : « سئل عن المجوس أكان لهم نبي؟ فقال : نعم أما بلغك كتاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى أهل مكة أن أسلموا وإلا فأذنوا بحرب ، فكتبوا إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خذ منا الجزية ودعنا على عبادة الأوثان ، فكتب إليهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إني لست آخذ الجزية إلا من أهل الكتاب ، فكتبوا إليه يريدون تكذيبه : زعمت أنك لا تأخذ الجزية إلا من أهل الكتاب ، ثم أخذت الجزية من مجوس هجر؟ فكتب إليهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن المجوس كان لهم نبي فقتلوه ، وكتاب أحرقوه أتاهم نبيهم بكتابهم في اثنى عشر ألف جلد ثور » ‌ونحوه‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث ١.

(٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من أبواب المتعة الحديث ٥.

(٥) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث ١ و ٣ و ٧.

(٦) الوسائل الباب ـ ٤٩ ـ من أبواب جهاد العدو ـ الحديث ١ من كتاب الجهاد.

٤٣

المروي في محكي العلل عن أمير المؤمنين عليه‌السلام (١) و‌النبوي (٢) « سنوا بهم سنة أهل الكتاب ».

لكن قد يناقش في ذلك كله بأن مقتضى الآية والصحيح الأول عدم جواز النكاح مطلقا غبطة ومتعة ، والأخبار الثلاثة ضعيفة لا جابر لها ، ضرورة عدم تحقق شهرة بذلك ، بل لعل الشهرة على الخلاف ، بل عن التبيان والسرائر الإجماع على ذلك ، والمرسلان فاقدان شرائط الحجية ، بل زيد في الثاني منهما « غير ناكحي نسائهم ولا آكلي ذبائحهم » فيراد منهما بالنسبة إلى غير ما نحن فيه ، ففي المقنعة عن أمير المؤمنين عليه‌السلام (٣) أنه قال : « المجوس إنما ألحقوا باليهود والنصارى في الجزية والديات لأنه قد كان لهم فيما مضى كتاب ».

على أن المراد بأهل الكتاب من أظهر اتباعه والانقياد له ، لا من أحرقه وأعرض عنه ، بل المنساق من أهل الكتاب في مثل آية المائدة التي في محل البحث اليهود والنصارى كما لا يخفى على من تأمل موارد إطلاق هذا اللفظ ، لعدم العبرة عندنا بغير التوراة والإنجيل من باقي الكتب التي هي على ما قيل نقل من الأنبياء بالمعنى ، لا أن ألفاظها نزلت من رب العزة ، أو أنها مواعظ ونحوها لا أحكام ، ولعله لذلك خص أهل الكتابين ببعض الأحكام دون غيرهم ، فالذي يقوى في النظر حرمة نكاحهم مطلقا إلا بملك اليمين.

نعم الظاهر أن السامرة ـ على ما قيل ـ قوم من اليهود يسكتون بيت المقدس وقرايا من أعمال مصر يتقشفون في الطهارة أكثر من سائر اليهود ، أثبتوا نبوة موسى وهارون ويوشع وأنكروا نبوة من بعدهم رأسا إلا نبيا واحدا ، وقالوا :

__________________

(١) لم نعثر على هذه الرواية في العلل بعد التتبع التام فيه وانما روى الصدوق قده في الأمالي والتوحيد عن أمير المؤمنين عليه‌السلام ما يدل على ان المجوس كان لهم كتاب وبعث إليهم النبي وقد ذكره في الوسائل في الباب ـ ٣ ـ من أبواب ما يحرم بالنسب ـ الحديث ٣.

(٢) الوسائل الباب ـ ٤٩ ـ من أبواب جهاد العدو الحديث ٥ و ٩ من كتاب الجهاد.

(٣) الوسائل الباب ـ ٤٩ ـ من أبواب جهاد العدو الحديث ٨ من كتاب الجهاد.

٤٤

التوراة إنما بشرت بنبي واحد يأتي بعد موسى بصدق ما بين يديه من التوراة ويحكم بحكمها ، ولا يخالفها البتة ، وقبلتهم الطور الذي كلم الله تعالى عليه موسى ، وقالوا : إن الله تعالى أمر داود أن يبنى عليه بيت المقدس ، فخالف وظلم فبناه بايليا.

وأما الصابئون فعن أبي على « أنهم قوم من النصارى » وعن المبسوط « أن الصحيح خلافه ، لأنهم يعبدون الكواكب » وعن التبيان ومجمع البيان « أنه لا يجوز عندنا أخذ الجزية منهم ، لأنهم ليسوا أهل الكتاب » وفي المحكي عن الخلاف « نقل الإجماع على أنه لا يجري على الصابئة حكم أهل الكتاب » وعن العين ان دينهم يشبه دين النصارى ، إلا أن قبلتهم نحو مهب الجنوب حيال نصف النهار ، يزعمون أنهم على دين نوح ، وقيل : قوم من أهل الكتاب يقرؤون الزبور ، وقيل : بين اليهود والمجوس ، وقيل : قوم يوحدون ولا يؤمنون برسول ، وقيل : قوم يقرون بالله عز وجل ويعبدون الملائكة ويقرؤون الزبور ويصلون إلى الكعبة ، وقيل : قوم كانوا في زمن إبراهيم عليه‌السلام يقولون بأنا نحتاج في معرفة الله ومعرفة طاعته إلى متوسط روحاني لا جسماني ، ثم لما لم يمكنهم الاقتصار على الروحانيات والتوسل بها فزعوا إلى الكواكب ، فمنهم من عبد السيارات السبع ، ومنهم من عبد الثوابت ، ثم إن منهم من اعتقد الإلهية في الكواكب ، ومنهم من سماها ملائكة ، ومنهم من تنزل عنها إلى الأصنام.

لكن في القواعد « الأصل في الباب أنهم ، ـ أي السامرة والصابئين ـ إن كانوا إنما يخالفون القبيلتين في فروع الدين فهم منهم ، وإن خالفوهم في أصله فهم ملحدة لهم حكم الحربيين » وفي كشف اللثام « بهذا يمكن الجمع بين القولين لجواز أن يعدوا منهم وإن خالفوهم ببعض الأصول ، كما يعد كثير من الفرق من المسلمين مع المخالفة في الأصول ، بل الأمر كذلك في غير الإمامية ، وقد قيل : إنه لا كلام في عد هما من القبيلتين ، وانما الكلام في الأحكام ».

قلت : لا ينبغي الكلام في الأحكام بعد فرض أنهم من القبيلتين ، أي اليهود والنصارى ، ضرورة تعليق الأحكام في النص والفتوى على المسمين بهذا الاسم الذي يشملهم أهل الكتاب ، فمع فرض انتحالهم ملة موسى وعيسى والتوراة والإنجيل وركونهم إلى ما جاءا به جرت عليهم الأحكام ، بل الظاهر عدم العبرة فيما بينهم من الاختلاف‌

٤٥

في الأصول والفروع ، ضرورة تناول الاسم لهم جميعا ، وهو مدار الأحكام.

كما أن الظاهر الاكتفاء في إثبات يهوديته مثلا بإقراره من غير حاجة إلى العلم بالتواتر ، أو بالشياع المفيد له أو ما يقوم مقامه من شهادة العدلين وإن احتمله في جامع المقاصد ، لكن الذي يقوى خلافه ، ضرورة كونهم في ذلك كالمسلمين في أصل الإسلام وفي فرقه ، وكغيره من الأشياء التي لا تعلم إلا من قبل أصحابها ، ضرورة كونها من الاعتقادات المقبول خبر أصحابها بالنسبة إلى جريان أحكامها من غير فرق بين ما رجع منها إليهم وبين ما رجع منها إلى غيرهم التي منها جواز نكاحهم.

نعم لا عبرة عندنا بمن تهود أو تنصر بعد البعثة ، لأن كل من انتقل من الإسلام أو من دين من أديان الكفر إلى دين أهل الكتاب بعد مبعث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يقبل منه عندنا من غير خلاف يعرف فيه إلا ما تسمعه من الشيخ (ره) بل عن بعضهم دعوى الإجماع عليه ، بل قيل لقوله تعالى (١) ( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ ) وعموم‌ قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) : « من بدل دينه فاقتلوه » ‌ولأن دينهم لنسخة لم تبق له حرمة ، خلافا للمحكي عن الشيخ من إقرار الكتابي المنتقل إلى غير ملته إذا كان الثاني مما يقر عليه ، ناقلا عليه الإجماع ، والأول أقوى وحينئذ فليس لأولادهم حرمة وإن نشؤوا على دين أهل الكتاب ولا يقرون عليه ، إذ الأولاد إنما يحترمون لاحترام آبائهم ، وكذا أولاد الوثنيين إذا نشؤوا على اليهودية أو النصرانية ، فإنه في حكم الانتقال.

ولو كان التهود والتنصر قبل البعثة لم يبعد القبول مطلقا سواء كان انتقاله إلى الدين المبدل بهم أو إلى القديم ، لكن في القواعد « إن كان الانتقال قبله ـ أي المبعث ـ وقبل التبديل قبل وأقر أولادهم عليه ، وثبت لهم حرمة أهل الكتاب ، وهل التهود بعد مبعث عيسى كهو بعد مبعث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟ إشكال ، وإن كان بينهما‌

__________________

(١) سورة آل عمران : ٣ ـ الآية ٨٥.

(٢) المستدرك الباب ـ ١ ـ من أبواب حد المرتد الحديث ٢ من كتاب الحدود.

٤٦

فان انتقل إلى دين من بدل لم يقبل ، وإلا قبل ، ولو أشكل هل انتقلوا قبل التبديل ، أو بعده؟ أو علم وأشكل هل دخلوا في دين من بدل أولا؟ فالأقرب إجراؤهم مجرى الكتابيين » قلت : لا إشكال في القبول لعموم الأدلة الشامل لهم ، بل هو شامل لمن انتقل بين المبعث والتبديل ، خصوصا والمبدلون في زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمة عليهم‌السلام أكثر من غيرهم ، بل لم يكن لهم إلا الدين المبدل ، فإن الإقرار بنبوة نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من دينهم ، فاما أن يكونوا هم المبدلين أو الداخلين في دين المبدل وآبائهم ، بل هو شامل أيضا للمتهود بعد مبعث عيسى عليه‌السلام ، فالأقوى حينئذ إجراء حكم اليهود والنصارى على هؤلاء أجمع إلا من علم تهوده بعد البعثة بناء على عدم قبول ذلك منه لما عرفت ، كما هو واضح ، والله العالم.

( ولو ارتد أحد الزوجين ) عن الإسلام أو ارتدا معا دفعة ( قبل الدخول وقع الفسخ في الحال ) مطلقا ، سواء كان الارتداد عن فطرة أو ملة ، بلا خلاف أجده فيه بيننا ، بل الإجماع بقسميه عليه ، بل من أهل العلم كافة في الأول على ما عن التذكرة ، لعدم جواز نكاح المسلم والمسلمة كافرة وكافرا ابتداء واستدامة ولو كتابيا ، لعدم إقرارهم عليه إذا كان ارتدادا ، وللمعتبرة (١) في المرتد الفطري الشاملة لصورتي الدخول وعدمه كما تسمعها ، و‌الخبر (٢) في الملي « المرتد تعزل عنه امرأته ، ولا تؤكل ذبيحته ، ويستتاب ثلاثة أيام ، فإن تاب وإلا قتل » ‌وهو وإن كان خاصا بارتداد الرجل لكن في الرياض إن ارتداد المرأة ملحق به ، للإجماع المركب ، نعم قد يناقش بظهوره فيما بعد الدخول ، اللهم إلا أن يقال : إن ما قبل الدخول أولى فتأمل.

كما أنه قد يناقش في الفسخ بردتهما دفعة ، ولعله لإطلاق ما دل على ذلك‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب حد المرتد الحديث ٢ و ٣ من كتاب الحدود والباب ـ ٦ ـ من موانع الإرث ـ الحديث ٤ و ٥ من كتاب الإرث.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب حد المرتد الحديث ٥ من كتاب الحدود.

٤٧

من نص أو معقد إجماع ، بل قد يقال : إن المرتد مطلقا وإن كان مليا لا يصح نكاحه ابتداء ولا استدامة ولو لكافرة كتابية أو غيرها ، وكذا المرتدة ، لأنه بعد أن كان حكمه القتل ولو بعد الاستتابة صار بحكم العدم الذي لا يصح نكاحه ، وكذا الامرأة ، فإن حكمها السجن والضرب أوقات الصلاة حتى تتوب أو تموت ، ومن هنا قال في الدروس : « وتمنع الردة صحة النكاح لكافرة أو مسلمة » وقال أيضا : « ولا يصح تزويج المرتد والمرتدة على الإطلاق ، لأنه دون المسلمة وفوق الكافرة ، ولأنه لا يقر على دينه ، والمرتدة فوقه ، لأنها لا تقتل » قلت : ومن ذلك يظهر لك الوجه في المرتدين دفعة ولو عن ملة ، مضافا إلى دعوى الإجماع وإطلاق ما دل على البينونة بالارتداد الشامل لحالي ارتداد الأخر وعدمه ، بل يظهر لك الوجه في الانفساخ حتى لو كانت الزوجة كتابية والزوج مرتدا مليا عن ذلك الصنف من الكتابي ، كما هو واضح.

( و ) على كل حال فـ ( يسقط المهر إن كان من المرأة ) بلا خلاف أجده فيه لأن الفسخ جاء من قبلها ، ولأن المعاوضة انفسخت قبل التقابض ونصفه إن كان من الرجل تنزيلا للفسخ بارتداده منزلة طلاقه المنصف للمهر قبل الدخول سواء كان لمسمى أو لمهر مثل ، وفيه أن الأصل يقتضي وجوب المهر للعقد المسبب لذلك ، وخروج الطلاق بدليل خاص لا يقتضي التعدية بعد حرمة القياس عندنا ، ومن هنا صرح غير واحد بوجوب الجميع عليه ، خصوصا في الارتداد الفطري المنزل المرتد (١) منزلة الميت ، وستعرف أن الموت قبل الدخول يوجب الجميع ، اللهم إلا أن يقال : إن الأصل في الفسخ أو ما يقوم مقامه رد كل عوض إلى صاحبه كالإقالة في البيع ، فمع فرض عدم الدخول لم يكن لها عليه شي‌ء ، لعدم التقابض ، لكن ثبت في الطلاق النصف للدليل ، وألحق به كل فسخ جاء من قبله بوجوب‌

__________________

(١) هكذا في النسخة الأصلية المبيضة والصحيح ( للمرتد ) كما هو كذلك في المسودة التي هي بخط المصنف طاب ثراه.

٤٨

المنصف ، للإجماع عليه ، كما قد أشرنا إلى ذلك في الرضا ، فلا حظ وتأمل.

( و ) كيف كان فـ ( لمووقع ) الارتداد ( بعد الدخول وقف الفسخ على انقضاء العدة ) من غير فرق في وقوعه ( من أيهما كان ) بل ومن غير فرق في ارتداد الزوجة بين الفطري والملي ، نعم يعتبر في الزوج أن يكون عن ملة لما ستعرف أنه لا انتظار للفطري ، وحينئذ فإن رجع أو رجعت قبل انقضاء العدة كانت زوجته وإلا انكشف أنها بانت من أول الارتداد ، كما أنه ينكشف بالإسلام منها أن مثل هذه الردة غير مانعة وأن النكاح باق ، لما ستعرفه من النصوص (١) الدالة على ذلك في نكاح الكفار إذا أسلموا ، بل هو ظاهر العزل في الخبر السابق (٢) بل منها يعلم أن الرجوع إلى الزوجية بالإسلام قهري لا حاجة فيه إلى قول : « رجعت » ونحوه كالمطلقة ، فما‌ في خبر الحضرمي (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « إذا ارتد الرجل المسلم عن الإسلام بانت منه امرأته كما تبين المطلقة ثلاثا ، وتعتد منه كما تعتد المطلقة فإن رجع إلى الإسلام وتاب قبل أن تتزوج فهو خاطب ، ولا عدة عليها منه له ، وإنما عليها العدة لغيره ، فان قتل أو مات قبل انقضاء العدة اعتدت منه عدة المتوفى عنها زوجها ، وهي ترثه في العدة ، ولا يرثها إن ماتت وهو مرتد عن الإسلام » ‌محمول على الرجوع بعد العدة ، كما أنه يحمل ما فيه من التشبيه بالمطلقة ثلاثا على إرادة عدم الرجوع له وهو كافر ، بل تبين عنه في هذا الحال بينونة تامة.

( و ) على كل حال فـ ( لا يسقط شي‌ء من المهر ) قطعا ( لاستقراره بالدخول ) هذا كله في المرتد عن ملة.

( و ) اما ( إن كان ) أي ( الزوج ولد على الفطرة فارتد انفسخ النكاح في الحال وإن كان بعد الدخول ، لأنه لا يقبل عوده ) بالنسبة إلى ذلك بلا خلاف ، بل‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب ما يحرم بالكفر.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب حد المرتد الحديث ٥ من كتاب الحدود.

(٣) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب موانع الإرث الحديث ٤ من كتاب المواريث بطريق الشيخ.

٤٩

الإجماع بقسميه عليه ، قال الساباطي (١) : « سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : كل مسلم بين مسلمين ارتد عن الإسلام وجحد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نبوته وكذبه فإن دمه مباح لمن سمع ذلك منه ، وامرأته بائنة منه يوم ارتد ، ويقسم ماله على ورثته ، وتعتد امرأته عدة المتوفى عنها زوجها ، وعلى الامام أن يقتله ولا يستتيبه » وقال ابن مسلم (٢) « سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن المرتد ، فقال : من رغب عن الإسلام وكفر بما أنزل على محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد إسلامه فلا توبة له ، وقد وجب قتله ، وبانت منه امرأته ، ويقسم ما ترك على ولده » ‌وقد تقدم في كتاب الطهارة (٣) تمام البحث في قبول توبته باطنا مفصلا ، فلاحظ وتأمل ، والله العالم.

( وإذا أسلم زوج الكتابية فهو على نكاحه سواء كان قبل الدخول أو بعده ) بلا خلاف أجده ، بل في المسالك وغيرها الإجماع عليه ، بل ولا إشكال على المختار من جواز نكاح المسلم الكتابية ابتداء فضلا عن الاستدامة ، بل وعلى غيره لضعف الاستدامة عن الابتداء ، ولما عرفت من الإجماع المعتضد بنفي الخلاف ، و‌خبر العبيدي عن يونس (٤) قال : « الذمي تكون له المرأة الذمية فتسلم امرأته قال : هي امرأته يكون عندها بالنهار ولا يكون عندها بالليل ، قال : فإن أسلم الرجل ولم تسلم المرأة يكون الرجل عندها بالليل والنهار » ‌ولحسن ابن أبي عمير عن بعض أصحابه عن ابن مسلم (٥) عن أبي جعفر عليه‌السلام « إن أهل الكتاب وجميع من له ذمة‌

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب حد المرتد ـ الحديث ٣ من كتاب الحدود.

(٣) الجزء الأول ص ٤٢٠.

(٤) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث ٨ مع الاختلاف ورواه بعينه في الكافي ج ٥ ص ٤٣٧.

(٥) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث ٥ رواه عن الكليني بإسناده عن إبراهيم بن هاشم ، عن بعض أصحابه ، عن محمد بن مسلم وفي الاستبصار ج ٣ ص ١٨٣ الرقم ٦٦٣ عن ابن أبى عمير ، عن بعض أصحابه ، عن محمد بن مسلم.

٥٠

إذا أسلم أحد الزوجين فهما على نكاحهما ، وليس له أن يخرجها من دار الإسلام إلى غيرها ، ولا يبيت معها ، ولكنه يأتيها بالنهار ، وأما المشركون مثل مشركي العرب وغيرهم فهم على نكاحهم إلى انقضاء العدة فإن أسلمت المرأة ثم أسلم الرجل قبل انقضاء عدتها فهي امرأته ، وإن لم تسلم إلا بعد انقضاء العدة فقد بانت منه ولا سبيل له عليها ، وكذلك جميع من لا ذمة له » ‌وما‌ في صحيح ابن سنان (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام « سألته عن رجل هاجر وترك امرأته في المشركين ثم لحقت به بعد أيمسكها بالنكاح الأول أو تنقطع عصمتها منه؟ قال : يمسكها وهي امرأته ».

ولإطلاق هذين ألحق الشيخ المجوسية في هذا الحكم ، لكن ينافيه‌ خبر منصور بن حازم (٢) « سأل الصادق عليه‌السلام عن رجل مجوسي كانت تحته امرأة على دينه فأسلم أو أسلمت ، قال : ينتظر بذلك انقضاء عدتها ، وإن هو أسلم أو أسلمت قبل أن تنقضي عدتها فهما على نكاحهما الأول ، وإن هو لم يسلم حتى تنقضي فقد بانت منه » ‌ونحوه خبر آخر له عنه عليه‌السلام (٣) ومن هنا جعلها في محكي الخلاف والمبسوط كالوثنيين ، لكن يمكن حملهما على من لم يكن له ذمة بل كان في دار الحرب ، كما عن الشيخ في الكتابية وإن تختص البينونة بما إذا أسلمت دونه ، فإنه الذي نص عليه آخرا ولا ينافيه التعميم أولا ، إلا أنهما معا كما ترى ، فالأقوى حينئذ عدم الإلحاق.

( ولو أسلمت زوجته قبل الدخول انفسخ العقد ) لحرمة تزويجها بالكافر ولو استدامة ، فإن الله لم يجعل ( لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ) (٤) ( و ) لصحيح‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب ما يحرم بالكفر ـ الحديث ١.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب ما يحرم بالكفر ـ الحديث ٣ بطريق الكليني ( قده ).

(٤) سورة النساء : ٤ ـ الآية ١٤١.

٥١

ابن سنان (١) عن الصادق عليه‌السلام « إذا أسلمت امرأة وزوجها على غير الإسلام فرق بينهما » ‌الحديث.

نعم ( لا مهر لها ) لأن الفسخ جاء من قبلها ، و‌في صحيح ابن الحجاج (٢) عن أبي الحسن عليه‌السلام « في نصراني تزوج نصرانية فأسلمت قبل أن يدخل بها ، قال : قد انقطعت عصمتها منه ، ولا مهر لها ، ولا عدة عليها منه » ‌لكن‌ في الحسن كالصحيح (٣) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : « قال أمير المؤمنين عليه‌السلام في مجوسية أسلمت قبل أن يدخل بها زوجها ، فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام لزوجها : أسلم فأبى زوجها أن يسلم ، فقضى لها عليه نصف الصداق ، وقال : لم يزدها الإسلام إلا عزا » ‌إلا أني لم أجد عاملا به.

( وإن كان ) إسلامها ( بعد الدخول وقف الفسخ على انقضاء العدة ) فإن أسلم فيها فهي امرأته وإلا بان أنها بانت منه بإسلامها ، وفاقا للأكثر ، بل المشهور ، لنفي السبيل (٤) وللنصوص السابقة (٥) مضافا إلى‌ صحيح البزنطي (٦) « سأل الرضا عليه‌السلام عن الرجل تكون له الزوجة النصرانية فتسلم ، يحل لها أن تقيم معه؟ قال : إذا أسلمت لم تحل له ، قلت : جعلت فداك فان الزوج أسلم بعد ذلك أيكونان على النكاح؟ قال : لا إلا بتزويج جديد » ‌خلافا للشيخ في نهايته والمحكي من كتابي الأخبار له ، لمرسل ابن أبي عمير (٧) السابق ، و‌مرسل جميل بن دراج (٨) عن أحدهما عليهما‌السلام قال : « في اليهودي والنصراني والمجوسي إذا أسلمت‌

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب ما يحرم بالكفر ـ الحديث ٤ ـ ٦ ـ ٧.

(٤) سورة النساء : ٤ ـ الآية ١٤١.

(٥) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث ٢ و ٣ و ٥.

(٦) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث ٥.

(٧) راجع التعليقة (٥) من صفحة (٥٠).

(٨) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث ١.

٥٢

امرأته ولم يسلم ، قال : هما على نكاحهما ، ولا يفرق بينهما ، ولا يترك يخرج بها من دار الإسلام إلى الهجرة » ‌أو إليه أشار المصنف.

( وقيل : إن كان الزوج بشرائط الذمة كان نكاحه باقيا ، غير أنه لا يمكن من الدخول عليها ليلا ولا من الخلوة بها ) وفي بعض النسخ زيادة ( نهارا ) لكن الموجود في النهاية ما هذا لفظه « وإذا أسلمت زوجة الذمي ولم يسلم الرجل وكان الرجل على شرائط الذمة فإنه يملك عقدها ، غير أنه لا يمكن من الدخول إليها ليلا ، ولا من الخلوة بها ، ولا من إخراجها من دار الهجرة إلى دار الحرب » إلى آخره ، وفي محكي السرائر « قول الشيخ مما يضحك الثكلى ، إن كانت زوجته فلا يحل أن يمنع منها ، ثم إن منع منها ومن الدخول إليها كانت نفقتها ساقطة ، لأنها في مقابلة الاستمتاع وهو لا يتمكن منه ، فتسقط عنه » قلت : قد سمعت خلو الخبرين المزبورين اللذين هما مستند الشيخ عن جواز الوطء وعدمه ، وما في أولهما من عدم المبيت عندها لا دلالة فيه على ذلك ، خصوصا بعد‌ قوله عليه‌السلام : « ويأتيها نهارا » ‌وعلى تقدير أن الشيخ (ره) فهم ذلك منه يتخرج له ما ذكره ، ولا استبعاد بالعقوبة له بذلك ، ولا تسقط النفقة عنه ، لأن الامتناع من الوطء لتقصيره بعدم الإسلام الذي قد فرض اشتراط جواز الوطء به ، كالخلو من الحيض مثلا.

والأمر سهل بعد ضعف القول في نفسه ، وأن الشيخ (ره) إنما ذكره في الكتب الثلاثة التي لم تعد للفتوى ، ولذا رجع عنه في المحكي من خلافه ومبسوطة ، على أن الخبرين فاقدان لشرائط الحجية بالإرسال والضعف بعلي بن حديد ، ومرسل (١) جميل فضلا عن أن يعارضا تلك الأدلة المعمول بها من خبري منصور وغيرهما. ( و ) من ذلك كله بان لك أن ( الأول أشبه ) بقواعد الفن.

هذا وفي المسالك وغيرها « إنه لا فرق على قول الشيخ بين حالي الدخول‌

__________________

(١) هكذا في النسخة الأصلية المبيضة والصحيح « في مرسل. » كما هو كذلك في المسودة التي هي بخط المصنف طاب ثراه.

٥٣

وعدمه ، لا طلاق دليله » قلت : قد يفرق الشيخ بينهما لصحيح ابن الحجاج (١) المتقدم ولعله لذا ظهر من بعضهم أن محل خلافه (ره) فيما بعد الدخول ، والله العالم. هذا كله في إسلام زوج الكتابية وإن لم يكن هو كتابيا ، وفي إسلام زوجة الكتابي وإن لم تكن هي كتابية.

( وأما غير الكتابيين ) أي أن الزوج والزوجة غير كتابيين ( فـ ) الحكم فيهما ان ( إسلام أحد الزوجين موجب لانفساخ العقد في الحال إن كان قبل الدخول ، وإن كان بعده وقف على انقضاء العدة ) بلا خلاف في شي‌ء من ذلك ولا إشكال نصا (٢) وفتوى ، بل لعل الاتفاق نقلا وتحصيلا عليه.

( ولو انتقلت زوجة الذمي إلى غير دينها من ملل الكفر وقع الفسخ في الحال ولو عادت إلى دينها ، وهو بناء على أنه لا يقبل منها ) بعد البعثة إلا الإسلام لقوله تعالى (٣) ( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ ) و‌النبوي (٤) « من بدل دينه فاقتلوه » ‌من غير فرق بين المدخول بها وغيرها ، وفي المنتقلة منه وإليه بين كونه ممن يقر عليه أهله أولا ، وحينئذ ، فلو أسلمت هي بعد ذلك أو أسلم هو أو أسلما مما لم يكن بينهما نكاح وإن كان ذلك قبل انقضاء العدة ، لحصول الفسخ قبل الإسلام.

لكن لا يخفى عليك ما في هذا الحكم من الإشكال ، ضرورة عدم الاعتراض لنا على نكاح أهل الذمة فيما بينهم ، فمع فرض جواز ذلك عندهم لم يكن وجه لفسخ النكاح ، وعدم إقرارها على الدين الجديد لا ينافي بقاء النكاح ، وكذا عدم قبول رجوعها إلى دينها الأول ، اللهم إلا أن يدعى أن الحكم بوجوب القتل يستلزم انفساخ النكاح كما سمعته في المرتد ، وهو كما ترى ، على أن وجوب‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث ٦.

(٢) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب ما يحرم بالكفر ـ الحديث ٢ و ٣ و ٥ و ٦.

(٣) سورة آل عمران : ٣ ـ الآية ٨٥.

(٤) المستدرك الباب ـ ١ ـ من أبواب حد المرتد الحديث ٢ من كتاب الحدود.

٥٤

القتل إن لم تسلم ، فلا أقل حينئذ من أن تكون كالمرتد الملي الذي لا ينفسخ نكاحه للمسلمة مثلا بعد الدخول إلا بعد عدم إسلامه إلى انقضاء العدة.

والذي يقوى في نفسي أن عبارة المتن كانت « زوجته الذمية » أي زوجة المسلم الذمية ، نحو ما فرضه العلامة في المحكي من تذكرته من انتقال الكتابية زوجة المسلم إلى التوثن ، وانما التغيير من النساخ ، والحكم فيه حينئذ كما ذكر مع فرض بقائها على الكفر إلى انقضاء العدة وإلا فلو أسلمت فيها كانت زوجة له مع الدخول بخلاف ما لو بقيت ، ضرورة عدم جواز نكاح المسلم ابتداء واستدامة غير الكتابية ، والفرض خروجها عن ذلك إلى ما لا يقبل منها ولو ملة كتابية ، كعدم قبول دينها الأول منها ، فيتعين الفسخ حينئذ.

لكن يبعده فرض هذه المسألة في محكي الخلاف على نحو ما هو موجود هنا ، بل وفي القواعد أيضا قال فيها : « ولو انتقلت الذمية إلى ما لا يقر أهله عليه فان كان قبل الدخول فسد ، وبعده يقف على الانقضاء ، فان خرجت ولم يسلم الزوجان فسد العقد ، وإن قلنا بقبول الرجوع كان العقد باقيا إن رجعت في العدة ، ولو انتقلت إلى ما يقر أهله عليه فكذلك إن لم نقرها عليه ، وإلا كان النكاح باقيا ، ولو انتقلت الوثنية إلى الكتابية وأسلم الزوج فان قبلنا منها غير الإسلام فالنكاح باق ، وإلا وقف على الانقضاء بعد الدخول ، وقبله يبطل » فان قوله في القسم الأول : « ولم يسلم الزوجان » يقتضي أن الزوج غير مسلم ، فيلزم منه أن الذمية تحت الذمي إذا توثنت ينفسخ النكاح في الحال إن كان ذلك قبل الدخول.

وفي كشف اللثام إنه أطلق في التحرير فساد العقد في الحال إذا انتقلت الذمية زوجة الذمي إلى غير دينها من ملل الكفر بناء على أنه لا يقبل منها إلا الإسلام حتى الرجوع إلى دينها ، فيمكن تقييد ذلك منهم بما إذا لم يكن النكاح مع ذلك صحيحا عندهم ، أو يكون المراد انفساخ النكاح وإن لم يجب التفريق ، بمعنى أن الذمي حكمه حكم المسلم في الصحة والفساد ، وإن أقر على ما عقده فحينئذ إذا كان‌

٥٥

متزوجا ذمية مثلا كان نكاحه صحيحا في نفس الأمر بناء على جواز نكاح المسلم لها ، فان انتقلت إلى غير دينها انفسخ نكاحه كالمسلم ، وإن وجب إقراره عليه مع فرض صحته في دينه ، لكن ذلك لا ينافي حرمة الوطء عليه مثلا ، ومرجع ذلك إلى أن الردة من الباطل إلى الباطل تفسخ النكاح مع استمرارها ، كالردة من الحق إلى الباطل ، حتى في الكفار بعضهم مع بعض ، للشركة معنا في الفروع وإن أقروا عليه مع فرض الصحة عندهم ، ومن ذلك كله ظهر لك الحكم في جميع أقسام المسألة في الذمية إذا كانت زوجة لمسلم أو ذمي وقد انتقلت إلى غير دينها.

( وإذا أسلم الذمي ) أو غيره ( على أكثر من أربع من المنكوحات ) الكتابيات ( بالعقد الدائم استدام أربعا من الحرائر أو أمتين وحرتين ) أو ثلاث حرائر وأمة إن جاز ابتداء نكاح الأمة مع الحرة وجاز نكاح أمتين ، لأولوية الاستدامة منه ، بل عن المبسوط والتذكرة ظهور الاتفاق على جوازها وإن كان قد يشكل إن لم يتم الإجماع بإطلاق دليل المنع على حسب غيره من الممنوع الذي يعتبر في الإقرار عليه بعد الإسلام جواز الابتداء ، بمعنى ملاحظة الاستدامة ابتداء فيعتبر فيها ما يعتبر فيه.

( ولو كان عبدا استدام حرتين أو حرة وأمتين ) أو أربع إماء ( وفارق سائرهن ) من غير فرق في ذلك كله بين ترتب عقدهن وعدمه ، وبين اتحاده وتعدده ، وبين دخوله بهن وعدمه ، وبين الأوائل والأواخر ، لعموم أدلة الاختيار. وللعامة قول بانفساخ نكاح الجميع مع اتحاد العقد ، كالقول بانفساخ نكاح الأواخر ، وفيه أنه مناف لقاعدة الإقرار المقتضية لعدم وجوب الفحص والبحث عن كيفية وقوع نكاحهم ، لأن الأصل الصحة والبراءة من الفحص ، ولأن كثيرا من الكفار أسلموا على عهده صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع أزواجهم ، فأقرهم على نكاحهم من غير استفصال.

نعم لو علم أن نكاحهم مشتمل على مقتضى الفساد استدامة أيضا كنكاح إحدى المحرمات عينا أو جمعا أجرى عليه حكم الإسلام ، ولذا‌ روي (١) عن‌

__________________

(١) سنن البيهقي ج ٧ ص ١٨٤.

٥٦

النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « أن فيروز الديلمي لما أسلم عن أختين قال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اختر إحداهما » ‌إذ عنوان الحرمة في الجميع لا فرق فيه بين الابتداء والاستدامة ، ولذا يبطل النكاح بالأمومة الحادثة بالرضاع ، والبنت كذلك ، والجمع بالأختين الحادثة به ، وهكذا. ومن ذلك على الظاهر الجمع بين الأمة والحرة ، اللهم إلا أن يثبت ما سمعته من الإجماع إلا مع عدم بقاء المفسد ، فالظاهر إقرارهم عليه مع صحته عندهم وإن كان فاسدا عندنا ، فضلا عن الصحيح عندنا وإن كان فاسدا عندهم ، كما لو اعتقدوا اباحة النكاح الموقت من غير مهر أو العقد في العدة وأسلما بعد انقضائها أو جواز شرط الخيار مدة وأسلما بعد انقضائها بخلاف ما إذا أسلما والعدة أو مدة الخيار باقية ، فان المانع حينئذ موجود ، فيجري عليه حكم المسلمين دون الأول الذي قد مضى فيه المفسد في زمن الكفر المقرين عليه ومنه نكاح الأزيد من أربع ، فإن المفسد كان في زمن الكفر المقر عليه ، فشارك العقد السابق في استدامة الصحة ، ولذا كان له الخيار في إمساك الأوائل والأواخر ، ضرورة كونهن بالنسبة إليه كثمن الخمر الذي أسلم عليه ، فإنه لا إشكال في ملكيته عليه وإن كان هو أثر العقد الفاسد ، إلا أن المفسد لم يكن موجودا حال الاستدامة ، نعم الزيادة على الأربع ممنوعة ابتداء واستدامة ، فلذا كان له الخيار من غير فرق بين الجميع ، فتأمل جيدا ، وربما يأتي له تتمة.

وكيف كان فلا يشترط إسلامهن لما عرفت من جواز ابتداء نكاح الكتابية ، نعم لو كن وثنيات انفسخ مع عدم الدخول ، ومعه انتظر إسلامهن في العدة ، ولو أسلم معه أربع من ثمان كان له اختيار الكتابيات ، لا طلاق دليل التخيير ، ولأن الإسلام لا يحرمهن عليه ، ولا يوجب نكاح المسلمات ، نعم الأولى له اختيار المسلمات ، لشرفهن ، وليس للمرأة المتزوجة في الكفر بزوجين اختيار أحدهما إذا أسلما ، بل يبطل عقدهما معا مع الاقتران ، والثاني خاصة مع الترتيب وإن اشتبه فالقرعة أو البطلان أو الإيقاف أو الإلزام بالطلاق أو نحو ذلك مما تقدم في نظائره.

وعلى كل حال فلا مهر للزائد مع عدم الدخول ، ومهر المثل معه إن قلنا بعدم‌

٥٧

الصحة للعقد الزائد من أصله ، وإن الاختيار لمن عداها كاشف عن ذلك ، وأما إن قلنا بصحته على الكل بناء على صحة نكاحهم ، وإن الاختيار هو المبطل له عن غير المختار فينبغي أن يثبت المسمى بالدخول ، ونصفه أو كله مع عدم الدخول ، كما هو واضح.

( ولو لم يزد عددهن ) بعد إسلامه ( على القدر المحلل له ) لو كان مسلما ( كان عقدهن ثابتا ) بلا خلاف ولا إشكال ( وليس للمسلم إجبار زوجته الذمية ) مثلا ( على الغسل ) من الحيض فضلا عن غيره ( لأن الاستمتاع ممكن من دونه ) بناء على الأصح من عدم اشتراط الوطء به ، وذمتهم تمنع من إجبارهم على ما ليس في دينهم ، نعم قد ذكر غير واحد من الأصحاب إن له إجبارها عليه بناء على اشتراط جواز الوطء به وإن كان فاسدا ، لعدم صحته منها ، وفيه منع حصول الشرط حينئذ بذلك ، بل المتجه استمرار الحرمة عليه حتى تؤمن ، ضرورة عدم رفع حكم حدث الحيض المفروض منعه بالغسل الفاسد ، ودعوى قيامه مقام الصحيح في ذلك محتاجة إلى دليل يدل عليه.

( ولو اتصفت بما يمنع من الاستمتاع ) ألزمت بالمنع منه كالمسلمة ، بل لا يبعد مع كونه مانعا لكماله باعتبار أنه ينفره ( كالنتن الغالب ، وطول الأظفار المنفر ) ونحو ذلك ( كان له إلزامها بإزالته ) أما إذا كان مانعا للكمال لا للنفرة بل لعدم حصول داع إلى هيجان الشهوة معه ففي تسلطه على إلزامها بإزالته إشكال ( وله منعها من الخروج ) من منزله ( إلى الكنائس والبيع ) كالمسلمة إلى المساجد ونحوها ، لمنافاته للاستمتاع ( كما له منعها من ) مطلق الخروج من منزله ولو إلى دور أهلها وأرحامها.

( و ) كذا ( له منعها من شرب الخمر وأكل لحم الخنزير واستعمال النجاسات ) لقول الصادق عليه‌السلام في صحيح ابن وهب (١) الذي سأل فيه عن تزوج‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٢ ـ من أبواب ما يحرم بالكفر ـ الحديث ١.

٥٨

النصرانية واليهودية : « إن فعل فليمنعها من شرب الخمر وأكل لحم الخنزير » ‌وفي كشف اللثام تعليله مع ذلك بالنفرة ، كما أن فيه عن المبسوط إن قدر ما يسكر له منعها ، والقدر الذي لا يسكر قيل : فيه قولان ، وإن أكلت لحم الخنزير قيل : فيه قولان ، أقواهما أنه ليس له ذلك ، أي زوجة كانت ، مسلمة كانت أو مشركة بل فيه عنه أنه قوي عدم المنع له عما ينقص الاستمتاع من استعمال النجاسات التي هي كذلك ، ومن أكل الثوم والبصل والكراث ونحوها وإن كان هو كما ترى.

نعم قد يتجه الإشكال في غير المنفر ، وغير المانع أو المنقص من الاستمتاع ولو كان شرب خمر وأكل لحم خنزير واستعمال نجس ، ضرورة عدم الدليل على ذلك من حيث الزوجية والصحيح المزبور لأدلة فيه على ذلك ، فإنه ليس له ذلك في المسلمة فضلا عن الذمية التي لا تجبر على ما هو غير مناف لدينها ، كما أن الظاهر منه أيضا عدم شرطية حل النكاح بذلك وإن كان ربما يتوهم إلا أنه يجب حمله على ضرب من الندب أو نحوه ، لإطلاق النص والفتوى ، والله العالم.

( المقصد الثاني )

( في كيفية الاختيار ) الذي لم نعثر على التعبير عنه بلفظة في شي‌ء من نصوصنا ، نعم‌ في شرح الإرشاد لبعض فضلاء المخالفين « إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لغيلان ابن سلمة لما أسلم وتحته عشر نسوة » (١) : « اختر أربعا وفارق سائرهن » قال : رواه ابن حيان بهذا اللفظ ، ورواه الشافعي والترمذي وابن ماجة ، وصححه الحاكم وغيره في ألفاظهم خصوصا المخالفين « أمسك أربعا وفارق سائرهن » ‌وهو أشهر في كتب الفقه ، قلت : وهو كذلك ، وهو وإن كان بمعنى الاختيار إلا أنه لا يوجب البحث عن كيفية الاختيار وعما يتحقق به مفهومه وغير ذلك مما أطالوا به في هذا المقام الذي هو ليس أولى من غيره ، بل لعل استقصاء البحث فيه في بحث الخيار أولى من‌

__________________

(١) سنن البيهقي ج ٧ ص ١٨٢.

٥٩

ذلك ، كما هو واضح.

( و ) على كل حال فـ ( هو ) يتحقق ( إما بالقول الدال على الإمساك ) صريحا ( كقوله : « اخترتك » أو « أمسكتك » أو ما أشبهه ) أو « اخترت نكاحك » أو « أمسكته » أو نحو ذلك من الألفاظ الدالة عليه صريحا من أي لغة كانت وعن بعض الشافعية إن ما لم يذكر فيه لفظ النكاح كناية ، وحكى عن الرافعي بل هو ظاهر الشهيد منافي المسالك ، وضعفه واضح ، نعم من الكناية ما يدل على فسخ من عدا المختارات ، فإنه يلزمه حينئذ نكاح المختارات ، ونحو قوله : « أريد كن » أو « لا اريدكن » والأمر سهل بعد فرض استواء الجميع في ترتيب الحكم ، فان احتمال اعتبار صراحة اللفظ هنا كالعقود والإيقاعات بناء على ذلك فيها بعيد وإن أمكن تقرير ما استدلوا به على ذلك هناك هنا ، إلا أن الظاهر إمكان تحصيل الإجماع على خلافه هنا ، ولعله لصدق إمساك الأربع بذلك كله ، بل ستعرف ثبوته ، بالفعل فضلا عن القول ، بل إن لم يكن إجماعا أمكن دعوى ترتب الحكم عليه بالمعنى النفساني الإنشائي وإن لم يذكر ما يدل عليه من قول أو فعل ، على حسب ما احتمل في تحقق الرضا فيما اعتبر به فيه بذلك ، و‌قوله عليه‌السلام (١) : « انما يحلل الكلام ويحرم الكلام » ‌إنما يراد به في العقود والإيقاعات المعهودة ، دون ما كان من توابع العقود مثلا ، كالرضا والخيار والاختيار ونحو ذلك ( ولو رتب الاختيار ثبت عقد الأربع الأول واندفع ) عقد ( البواقي ) لاستيفائه العدد بما سبق من اختياره كما هو المفروض ، ولو حصر اختياره في ستة مثلا أو خمسة اندفع عقد غيرهن ، وكان بمنزلة ما اختار فراق إحداهن مثلا ( ولو قال لما زاد على الأربع : « اخترت فراقكن » اندفعن وثبت نكاح البواقي ) وإن لم يحصل منه إنشاء بقاء نكاحهن ، ضرورة عدم الملازمة بين اختيار فراق ما زاد وبين ذلك ، إلا أن العقد الأول بعد فسخ الزائد مقتض تام في بقاء نكاحهن ، ومنه يعلم عدم توقف بقائه على أنشأ الاختيار النفساني ، فلا حاجة إلى تكلف دلالة ذلك عليه بالكناية‌

__________________

(١) الوسائل ـ الباب ـ ٨ ـ من أبواب أحكام العقود الحديث ٤ من كتاب التجارة.

٦٠