جواهر الكلام - ج ٣٠

الشيخ محمّد حسن النّجفي

فيما ليس له تعلق بتبليغ الأحكام الشرعية كتدبير الحرب واستصلاح الجيش ونصب العمال وعزلهم وما أشبه ذلك ، وأما ما يتعلق بالأحكام الشرعية وتبليغها فقد أوجبوا العصمة فيها ، لأن الخطأ فيها مناف لما يقتضيه المعجزة من وجوب تصديق النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيما يبلغه عن الله تعالى ، والقول بجواز صدور الخطأ فيها عنه سهوا كما يعزى إلى شذوذ مباهتة بينة لا يلتفت إليها ، لاقتضائه إفحام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعجزه عن تسجيل الأحكام لاحتمال السهو والاشتباه وعدم اندفاعه إلا بالعصمة.

بل قيل : إن المستفاد من كلام الآمدي في الأحكام وغيره إجماع القائلين بجواز الخطأ على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على أنه لا يقرر عليه ، بل ينبه على خطائه ، فتحليله المتعة لو كان خطأ لوجب أن ينبه عليه وأن يعدل عنه.

وأيضا فالكتاب العزيز دال على وجوب طاعة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ( وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلاّ لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللهِ ) (١) ( وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ، وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً ) (٢) ( فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) (٣) ( وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً ) (٤) ( وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ) (٥) الى غير ذلك فان كان وجوب هذه الطاعة لعصمة ربانية تمنعه عن الخطأ والخطيئة كما هو مذهب الإمامية فالأمر واضح ، وإن كان لأمر آخر غير العصمة يجتمع مع انتفائها وجب القول بتحريم مخالفته في أحكامه وإن كانت صادرة عن اجتهاد.

كل ذلك مضافا إلى ما يعلم من تتبع السير وتصفح آثار السلف اتفاق الصحابة والتابعين على نفي الاجتهاد والرأي مع ورود النص عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وظهور حكمه‌

__________________

(١ و ٢ و ٣) سورة النساء : ٤ ـ الآية ٦٤ ـ ٦٥ ـ ٦١.

(٤) سورة الأحزاب : ٣٣ ـ الآية ٣٦.

(٥) سورة الحشر : ٥٩ ـ الآية ٧.

١٤١

في شي‌ء من الوقائع والأحكام ، فإنهم كثيرا ما كانوا يختلفون في المسائل ويتناظرون فيها ، ومتى أورد أحدهم نصا يدل على مقالته التزم به خصمه ، ولم يقل أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مجتهد فيجوز لمجتهد آخر مخالفته ، أو أنه يجوز دفع النص الوارد عنه بالاجتهاد ومراعاة المصالح.

بل وقع من المخالف المحرم للمتعة والشيخ المتقدم على ما يقتضي الاعتراف بالمنع من مخالفة النص وعدم جواز التعلل في ذلك بالمصالح ، كقول أبى بكر (١) حين استأذنه أسامة برسالة عمر بن الخطاب في الرجوع معللا بأن معه وجوه الناس ، ولا يأمن على خليفة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحرمه وحرم المسلمين أن يتخطفهم المشركون حول المدينة : « لو تخطفني الكلاب والذئاب لم أرد قضاء قضى به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » ‌وقوله حين سألته الأنصار برسالة عمر أيضا أن يولي أمرهم أقدم سنا من أسامة فوثب من مكانه وأخذ بلحية عمر (٢) : « ثكلتك أمك يا ابن الخطاب استعمله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتأمرني أن أنزعه ».

وقول عمر مخاطبا للأنصار يوم السقيفة (٣) : « أيكم يرضى أن يتقدم قدمين قدمهما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رضيك لأمر ديننا أفلا نرضاك لأمر دنيانا حين احتجوا على أولويتهم بالأمر بكونهم الأنصار آووا ونصروا إلى آخر ما احتجوا به في ذلك اليوم » وليس احتجاجه عليهم بما سمعت إلا تقديما للنص على الاجتهاد ، ولو جاز الاجتهاد مع النص لم يصح له ذلك ، و‌قوله (٤) حين قال قائل : أتؤمر علينا هذا الشاب الحدث ونحن جلة قريش : « دعني يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أضرب عنقه فقد‌

__________________

(١ و ٢) السيرة الحلبية ج ٣ ص ٢٣٦ ط عام ١٣٥٣ وتاريخ الطبري ج ٣ ص ٢٢٤ ط مصر عام ١٩٦٢ وكامل ابن الأثير ج ٢ ص ٣٣٤ و ٣٣٥ ط بيروت عام ١٣٨٥.

(٣) تاريخ الطبري ج ٣ ص ٢٠٢ ط مصر عام ١٩٦٢ وكامل ابن الأثير ج ٢ ص ٣٢٥ ط بيروت عام ١٣٨٥ مع اختلاف يسير.

(٤) الشافي للسيد المرتضى ( قده ) ص ٢٤٦ باختلاف يسير.

١٤٢

نافق » ‌وقوله يوم بدر (١) حين أوصى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن لا يقتل أحد من بني هاشم لأنهم أكرهوا على الخروج فقال أبو حذيفة : « أنقتل أبناءنا وإخواننا ونترك بني هاشم ، فلو أنى لقيت عم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأضربن خياشيمه بالسيف » : « دعني يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أضرب عنق هذا المنافق ، ولم ينكر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوله ، بل لما رأى إصراره على ذلك اعتذر عنه بأنه يحب الله ورسوله » ‌وقوله لعثمان (٢) إذ سأله أن يراد الحكم بن العاص الذي نفاه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن المدينة بعد أن زبره وأغلظ له في القول : « يخرجه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتأمرني أن أدخله ، والله لو أدخلته لم آمن أن يقول قائل غير عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والله لأن أشق باثنتين كما تشق الايله أحب إلى من أن أخالف رسول الله ، وإياك يا ابن عفان أن تعاودني فيه بعد اليوم ».

ومن ذلك أيضا (٣) ‌« إن عمر كان يرى أن الدية للأقارب وأن المرأة لا ترث من دية زوجها شيئا وكان يفتي بذلك حتى أخبره الضحاك بن سفيان الكلابي بأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ورث الزوجة منها ، فترك اجتهاده فيها » ‌وعول على النص المنقول بخبر الواحد و‌قال « أعيتهم الأحاديث أن يحفظوها فقالوا بالرأي فضلوا وأضلوا كثيرا » ‌وبذلك (٤) ظهر أنه لو كانت مخالفة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالاجتهاد جائزة له لم يصح منه ما صح عنه من احتجاجه على الأنصار وحكمه على المخالف بالنفاق واستئماره إياه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في قتله وامتناعه من رد الحكم وغير ذلك مما يطول استقصاؤه ، بل هو صريح في أن مخالفته تقتضي الضلال والإضلال والكفر والنفاق كما هو الحق الذي أجرى علي لسانه إلزاما له بتحريمه المتعة التي هو روى إباحة‌

__________________

(١) مستدرك الحاكم ج ٣ ص ٣٢٣ وسيرة أبي هشام ج ١ ص ٦٢٩ ط ١٣٧٥ مع الاختلاف اليسير.

(٢) الشافي للسيد المرتضى ( قده ) ص ٢٧٣ ونقله في البحار أيضا ج ٨ ص ٣٢٣ طبعة الكمپاني.

(٣) راجع الغدير للامينى (ره) ج ٦ ص ١٦٨. أخرجه عن عدة من صحاحهم وكتبهم.

(٤) نقله في الغدير ج ٧ ص ١١٩ باختلاف يسير.

١٤٣

النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لها.

ومن هنا عدل جماعة أخرى عن الجواب بذلك إلى دعوى النسخ في زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإن نهي عمر كان عن نهيه لا من نفسه ، فالمراد من قوله : « أنا أنهى » إني أبين أن الأمر تقرر على النهي ، ومن قوله : « كانتا » الكون في بعض أوقاته ، محتجين على ذلك بالأخبار التي رووها (١) وبأن عمر قد ذكر التحريم على المنبر بملإ من الصحابة والناس ، ولو لا معلومية النسخ لأنكرت عليه الصحابة ، سيما أمير المؤمنين عليه‌السلام الذي لا زال ينكر على اجتهاده.

وفيه أولا : أنه خلاف ظاهر الخبر المزبور ، وثانيا أنهم رووا في صحاحهم المشهورة ما يدل على عدم نسخها ، فعن صحيحي البخاري ومسلم وتفسير الثعلبي عن عمران بن حصين (٢) قال : « نزلت آية المتعة في كتاب الله عز وجل ولم تنزل آية بعدها تنسخها ، فأمرنا بها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم ينهانا عنها ، فقال رجل برأيه ما شاء » ‌قال البخاري : « يقال إنه ـ أي الرجل المذكور ـ هو عمر » بل قال مسلم : « يعنى عمر » ولم يقل « يقال » وما‌ عن الصحيحين أيضا عن ابن مسعود (٣) قال : كنا نغزوا مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليس معنا نساء ، فقلنا ألا نستحصن فنهانا عن ذلك ، ثم رخص لنا أن نستمتع فكان أحدنا ينكح المرأة بالثوب إلى أجل ، ثم قرأ عبد الله ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ ) » (٤) ‌فإن قراءة الآية بعد إخباره عن حل المتعة صريحة في دوام الحل وبطلان النسخ ، بل فيها تعريض بمن حرمها ، وما‌ عن تفسيري الثعلبي ومحمد بن جرير الطبري وابن الأثير في نهايته عن علي بن أبى طالب عليه‌السلام (٥) قال : « لو لا أن نهى عمر عن المتعة ما زنى إلا شقي » ‌وفي المحكي‌

__________________

(١) سنن البيهقي ج ٧ ص ٢٠١ الى ص ٢٠٧.

(٢) راجع الغدير للامينى (ره) ج ٦ ص ١٩٨.

(٣) سنن البيهقي ج ٧ ص ٢٠٠ وفيه « ألا نختصى » راجع الغدير ج ٦ ص ٢٢٠.

(٤) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ٨٧.

(٥) راجع الغدير للامينى ( قده ) ج ٦ ص ٢٠٦.

١٤٤

عن صحيح مسلم عن عطاء (١) قال : « قدم جابر بن عبد الله معتمرا فجئنا في منزله فسأله القوم عن أشياء ثم ذكروا المتعة فقال : نعم استمتعنا على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبى بكر وعمر » ‌وعن ابن الزبير ( أبي الزبير خ ل ) (٢) قال : « سمعت جابر بن عبد الله يقول : كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق الأيام على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبى بكر وعمر حتى نهى عمر عنه في شأن عمرو بن حريث » وعن أبي نضرة (٣) قال : « كنت عند جابر بن عبد الله فأتاه آت ، فقال : إن ابن عباس وابن الزبير اختلفا في المتعتين ، فقال جابر : فعلنا هما مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم نهانا عمر عنهما فلم نعد » وروى ابن الأثير في المحكي من نهايته عن ابن عباس (٤) قال : « ما كانت المتعة إلا رحمة رحم الله بها أمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لو لا نهيه عنها ما احتاج الى الزنا إلا شفا » (٥) وعن شعبة (٦) « إني سألت الحكم بن عيينة عن هذه الآية (٧) ( فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ ) ، منسوخة هي؟ قال : لا ، ثم قال : قال علي بن أبى طالب عليه‌السلام لو لا أن عمر نهى عن المتعة ما زنى إلا شقي » ‌وعن صحيح الترمذي (٨) « أنه سأل رجل من أهل الشام ابن عمر عن متعة النساء ، قال : جلال فقال : إن أباك قد نهى عنها ، فقال : أرأيت إن كان أبي قد نهى عنها وسنها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نترك السنة ونتبع أبي » ‌الى غير ذلك من الأخبار الدالة على عدم النسخ التي هي أولى من الدالة عليه بالموافقة للأصل ، وبأنها متفق عليها عند المخالف والمؤلف ، بخلاف أخبار النسخ التي تفرد بها الأول.

وقد تضمنت الأخبار المزبورة الإنكار على المحرم من علي عليه‌السلام وابن عباس وابن مسعود وجابر وغيرهم ، ولا فرق في ذلك بين وقوعه في عصره أو فيما بعده ، فان‌

__________________

(١ و ٢ و ٣) راجع الغدير للامينى ( قد ) ج ٦ ص ٢٠٧ ـ ٢٠٥ ـ ٢٠٩.

(٤ و ٦) راجع الغدير للامينى (ره) ج ٦ ص ٢٠٦.

(٥) ذكر في هامش النسخة الأصلية هنا تفسيرا لشفا « أى قليل من الناس ».

(٧) سورة النساء : ٤ ـ الآية ٢٤.

(٨) راجع الغدير للامينى (ره) ج ٦ ص ٢٠١ و ٢٠٢.

١٤٥

الإنكار المتأخر كاشف عن كون السكوت السابق لمصلحة لا رضا ، وإلا لما تعقبه الإنكار ، و‌عن ابن أبى الحديد إنه روي عن محمد بن جرير الطبري قال : روى عبد الرحمن بن أبى زيد عن عمران بن سوادة الليثي (١) « إنه قال لعمر : عابت رعيتك عليك أربعا ، قال : فوضع عود الدرة ثم ذقن عليها ، وقال : هات ـ إلى أن قال ـ ذكروا أنك حرمت متعة النساء وقد كانت رخصة من الله يستمتع بقبضة ويفارق من ثلاث ، قال : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحلها في زمان ضرورة ورجع الناس إلى السعة ، ثم لم أجد أحدا من المسلمين عاد إليها ولا عمل بها ، لأن من شاء نكح بقبضة فارق عن طلاق بثلاث » ‌الحديث. وهو صريح في وقوع التنكير عليه من الصحابة في عصره وفي الاعتراف بمخالفة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فالاعتذار عنه بالنسخ تحكم من غير تراضي الخصمين. على أن الإمساك عن النكير إنما يدل على الرضا مع فقد الأسباب المقتضية له غير الرضا ، وهو هنا ممنوع ، لاحتمال مخافة الفتك بهم ، كما هو المعلوم من حاله وفضاضته وغلظته لما له من الشأن في تحريمها.

كل ذلك مضافا الى ما عرفته من صراحة عبارته في دوام الحكم وعدم النسخ ، وأن التحريم إنما كان من قبله لا عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم يذكر هو في ذلك المقام ولا غيره النسخ ، بل حكي عنه الاعتذار بما سمعت ، ولو أن النسخ ثابت كما ادعاه المجيب لأشار إليه ، ليكون أدخل في الكف عنها وأقطع لألسن الطاعنين عليه والمتتبعين لعثراته ، حتى استمر الطعن عليه بذلك مدى الأعصار مثبتا في الصحف ومحفوظا في الصدور تتناقله الرواة والنقلة خلفا عن سلف.

وأيضا فإنه قد قرن تحريم المتعتين بلفظ واحد ، ولم يدع أحد منهم النسخ في متعة الحج ، بل صرحوا فيها بدوام الحكم ، بل عن بعضهم دعوى الإجماع على الجواز ، وحينئذ فحمل الكلام على ظاهره من إسناد التحريم الى نفسه فيهما متعين ، وإلا فحمله على النسخ في خصوص متعة النساء بعيد جدا ، بل مقطوع بفساده.

__________________

(١) راجع الغدير للامينى (ره) ج ٦ ص ٢١٢.

١٤٦

على أن الأخبار التي رووها في النسخ متناقضة على وجه يعلم منه أنها موضوعة ، فإنهم رووا أنها أبيحت عام الفتح وأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يخرج من مكة حتى حرمها (١) وأنها أبيحت عام أوطاس ثلاثة أيام (٢) أو يوما أو ليلة وأنها أبيحت في حجة الوداع ، ثم نهى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عنها (٣) وأنها أبيحت أول الإسلام حتى نزلت ( إِلاّ عَلى أَزْواجِهِمْ ) (٤) الآية (٥) وأنها نسخت يوم خبير ويوم تبوك (٦) وأين حجة الوداع والفتح وخيبر وتبوك عن أول الإسلام ، كما أنه أين هو وأين عام أوطاس.

على أن هذه الآية تكررت في سورتين سورة المعارج والمؤمنون وهما مكيان كما ذكره المفسرون فكيف ينسخ بها ما حكمه مدني؟ وقد التجأوا في رفع هذا الاختلاف الى القول بتكرر التحريم والإباحة ، وليس هو كذلك.

ولكن لما لم يكن لدعوى النسخ أصل وإنما أرادوا بافترائه رفع الطعن ، وقد توارد خاطر جماعة منهم على ذلك ، فوضع كل منهم من غير أن يعلم بالاخر ، فحصل ما حصل مما يعلم به الزور في الأخبار والشهادة عند تفريق الشهود ، كما هو المعروف في قصة دانيال (٧).

كل ذلك مضافا الى دلالة الآية على مشروعيتها ، فإنها كما عن أكثر المفسرين من العامة فضلا عن الخاصة نزلت فيه ، بل قد يؤيد ذلك لفظ الاستمتاع ، بناء على أنه حقيقة في المنقطع وإن كان في اللغة موضوعا للانتفاع والالتذاذ ، بل لو لم‌

__________________

(١ و ٢ و ٣) سنن البيهقي ج ٧ ص ٢٠٢ ـ ٢٠٤ ـ ٢٠٣.

(٤) سنن البيهقي ج ٧ ص ٢٠٥ و ٢٠٦.

(٥) سورة المؤمنون : ٢٣ ـ الآية ٦.

(٦) سنن البيهقي ج ٧ ص ٢٠١ الى ٢٠٧.

(٧) الحديث طويل ذكر قسما منه مما يشير إليه في الوسائل في الباب ـ ١٩ ـ من أبواب كيفية الحكم الحديث ١ من كتاب القضاء وتمامه في الكافي ج ٧ ص ٤٢٥ و ٤٢٦ والتهذيب ج ٦ ص ٣٠٨ الرقم ٨٥٢.

١٤٧

نقل بثبوت الحقيقة الشرعية فيه أمكن القول بتعيين الحمل عليه ، لتعذر إرادة اللغوية منه باعتبار تعليق الأجر عليه ، ومن المعلوم عدم دورانه مداره.

كما أنه يؤيده أيضا ما‌ روى عن أمير المؤمنين عليه‌السلام وعبد الله بن عباس وعبد الله بن مسعود وأبي بن كعب ومجاهد وعطاء وجماعة كثيرة من الصحابة والتابعين من أنهم كانوا يقرءون « ( فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ ) إلى أجل مسمى ».

بل قد يؤيده أيضا بظهور لفظ الأجر في العوض للمؤجل ، فإنه يسمى في النكاح الدائم صداقا ونحلا وفرضا ، وإطلاقه عليه في مطلق النكاح في قوله تعالى (١) : ( لا جُناحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ) وقوله تعالى (٢) : ( فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ) لا ينافي الظهور الكافي في المطلوب.

وقد يؤيد أيضا بقوله تعالى فيها (٣) ( وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ ) فإن المعنى على ما ذكره الأصحاب أن تزيدها في الأجر وتزيدك في الأجل ، وقد يناقش باحتمال إرادة رفع الجناح عما تراضيا عليه من الإبراء كلا أو بعضا والاعتياض عليه ونحو ذلك ، ويدفع بأن الحمل على الأول يقتضي دلالة الآية على ما لا يستفاد من غيرها بخلاف الثاني ، فإنه معلوم بالضرورة من العقل والنقل غير الآية ، والتأسيس خير من التأكيد ، لكنه كما ترى.

وإلى الأخبار المتواترة من طرقنا (٤) بل لعلها كذلك من طرقهم (٥) وقد سمعت كلام ابن المحرم ، بل المحرم نفسه قد روى ذلك ، ومن طريف ذلك ما حكى الراغب في محاضراته (٦) « أن يحيى بن أكثم القاضي قال لشيخ بالبصرة كان يتمتع : عمن أخذت المتعة؟ فقال : عن عمر ، فقال له : كيف وهو أشد الناس نهيا عنها؟

__________________

(١) سورة الممتحنة : ٦٠ ـ الآية ١٠.

(٢ و ٣) سورة النساء : ٤ ـ الآية ٢٥ ـ ٢٤.

(٤) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب المتعة.

(٥) راجع الغدير للامينى (ره) ج ٦ ص ١٩٨ الى ٢١٣.

(٦) ذكره للامينى (ره) في الغدير ج ٦ ص ٢١٢ عن المحاضرات ج ٢ ص ٩٢.

١٤٨

فقال : إن الخبر الصحيح جاء عنه أنه صعد المنبر ، وقال : إن الله ورسوله أحل لكم متعتين وأنا أحرمهما وأعاقب عليهما فقبلنا شهادته وروايته عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم نقبل تحريمه لها من قبل نفسه ».

وإلى الإجماع ، أما من الطائفة المحقة فهو واضح ، بل هو من ضروريات مذهبهم ، وأما من غيرهم فلاتفاق الصحابة ومن كان في صدر الإسلام على إباحتها وشرعيتها من غير نكير ، كما يظهر من أخبار جابر وغيرها ، حتى ما روى عن المحرم نفسه ، فإنه يدل على أن الحكم بالحل كان شائعا معروفا في زمان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومدة خلافة أبي بكر وبرهة من خلافته ، فالقول بالتحريم بعد ذلك مخالف لإجماع الأمة التي لا تجتمع على ضلالة.

احتجوا بقوله تعالى (١) ( إِلاّ عَلى أَزْواجِهِمْ ) الآية ، والمتعة ليس ملك يمين ولا زوجة ، لأنها لا ترث ولا تورث ، ولأنها تبين بغير طلاق ولا لعان ولا ظهار ولا إيلاء ، ولا نفقة ولا قسم ، وانتفاء لوازم الزوجية عنها تقتضي انتفاء الملزوم ، فإذا لم تكن زوجة ولا ملك يمين كانت من العدوان المحرم بمقتضى الآية (٢).

وفيه ( أولا ) أن دلالة الآية بطريق العموم الذي لا ينافي التخصيص بدليل ، و ( ثانيا ) منع لزوم الأمور المزبورة للزوجة ، لانتفاء الإرث في الذمية والقاتلة والأمة ، وحصول الإبانة بغير الطلاق في الملاعنة والمرتدة والأمة المبيعة ، وسقوط النفقة بالنشوز ، وعدم اللعان والظهار والإيلاء فلاشتراطها بالدوام لا الزوجية ، ولو فرض ما يدل على وقوعها بالزوجة وجب تخصيصه بالدائمة جمعا بينه وبين ما دل على عدم لحوقها بالمتعة.

واحتجوا أيضا بالأخبار (٣) الدالة على تحريمها ونسخها ، وفيه أنها معارضة بالأخبار الكثيرة الدالة على حليتها واستمرار الحكم بها في عهد الرسالة وما بعد‌

__________________

(١ و ٢) سورة المؤمنون : ٢٣ ـ الآية ٦.

(٣) سنن البيهقي ج ٧ ص ٢٠١ الى ٢٠٧.

١٤٩

ذلك إلى أن حرمها عمر ، والترجيح لهذه الأخبار لكثرتها واتفاق الفريقين عليها بخلاف روايات التحريم ، فان المخالفين انفردوا بها ولم يرد من طريق الإمامية ما يقتضي التحريم ، مع اشتهار الحكم به بين أهل الخلاف وكثرة اختلاف الروايات من جهتهم ، واعتضادها بظاهر الكتاب وإجماع المسلمين في الجملة ، والأصل دوام الحكم وانتفاء النسخ حتى يعلم خلافه ، مضافا الى ما عرفته من ظهور الوضع على روايات التحريم الذي منه أيضا أنهم رووا ذلك (١) عن على عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، مع أن مذهب علي عليه‌السلام في ذلك معلوم ، وقد نقله‌ جماعة من رواتهم ، وأنه عليه‌السلام كان يقول (٢) : « لو لا نهى عمر عن المتعة ما زنى إلا شقي ».

واحتجوا أيضا بالإجماع على تحريمها ، فإن الصحابة قد اتفقوا عليه بعد نهي عمر عنه ، ولم يخالف فيه إلا ابن عباس ، وقد نقل عنه الرجوع إليه في آخر عمره ، وفيه منع الإجماع ، وكفى بذلك اتفاق أهل البيت الذين هم أساطين الإسلام على خلافه ، واتفاق شيعتهم على ذلك ، حتى صار من ضروريات مذهبهم يعرفه كل أحد منهم ، فدعوى الإجماع مجازفة بينة لا تصدر إلا عن معاند متصلف ، وأيضا فالقول عليها منقول عن أعاظم الصحابة والتابعين ، كابن عباس وابن مسعود وأبي بن كعب وجابر وأبي سعيد الخدري وسلمة بن الأكوع والمغيرة بن شعبة ومجاهد وعطاء بن أبى رياح وطاوس وأبي الزهري مطرف ومحمد بن سدى ، وعن مسلم في صحيحه وأبي الحسن بن علي بن زيد في كتاب الألفة أنهما زادا في الصحابة معاوية بن أبى سفيان وعبد الله بن عمر بن الخطاب وعمر بن جويدة وربيعة بن أمية وسلمة بن أمية وصفوان بن أمية ومعلى بن أمية والبراء بن عازب وربيع بن ميسرة وسهل بن سعد الساعدي ، كما عن أبى الحسن علي بن الحسين الحافظ في كتاب سير العباد الزيادة في التابعين الحسن البصري وإبراهيم النخعي وسعيد بن حبيب وابن جريح وعمر بن دينار ، ونقل عن مالك وابن شبرمة من الفقهاء الميل إليها ، وما ذكر من رجوع ابن عباس عن ذلك‌

__________________

(١) سنن البيهقي ج ٧ ص ٢٠١.

(٢) راجع الغدير للامينى (ره) ج ٦ ص ٢٠٦.

١٥٠

غير ثابت ، ولو صح لم يلزم منه الإجماع على التحريم إلا مع العلم بانتفاء الخلاف ، وقد عرفت بطلانه.

وقد ظهر لك من ذلك كله أنه لا إشكال في إباحتها ، بل لا يبعد استحبابها مؤكدا بمعنى رجحانها من حيث خصوصيتها ، لكونها من شعار الايمان وعلامات المؤمن ، ولما فيها من الرد على من نهى عنها وحرمها فان المباح يصير مندوبا بتحريم أصحاب البدع ، كما يصير بايجابهم إياه مكروها قمعا لآثار البدعة ، ففي خبر بشير بن حمزة (١) عن رجل من قريش قال : « بعثت الي ابنة عم لي كان لها مال كثير : قد عرفت كثرة من يخطبني من الرجال فلم أزوجهم نفسي ، وما بعثت إليك رغبة في الرجال غير أنه بلغني أن المتعة أحلها الله عز وجل في كتابه وبينها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في سنته فحرمها زفر ، فأحببت أن أطيع الله عز وجل فوق عرشه وأطيع رسوله وأعصي زفر ، فتزوجني متعة ، فقلت : حتى أدخل على أبى جعفر عليه‌السلام فأستشيره ، قال : فدخلت عليه فخبرته ، فقال : افعل صلى الله عليكما من زوج » ‌وعنه عليه‌السلام أيضا (٢) إنه قال لرجل سأله هل في المتعة ثواب؟ فقال : « إن كان يريد بذلك وجه الله وخلافا على من أنكرها لم يكلمها كلمة إلا كتب الله له بها حسنة ، فإذا دنى منها غفر الله له بذلك ، فإذا اغتسل غفر الله له بقدر ما مر من الماء على شعره ، قلت : بعدد الشعر قال : نعم بعدد الشعر » وفي المرسل عنه عليه‌السلام أيضا (٣) « إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما أسري به الى السماء قال : لحقني جبرئيل فقال : يا محمد إن الله تعالى يقول : إنى قد غفرت للمتمتعين من أمتك من النساء » وفي آخر (٤) « ما من رجل تمتع ثم اغتسل إلا خلق الله من كل قطرة تقطر منه سبعين ملكا يستغفرون له إلى يوم القيامة ، ويلعنون مجتنبها إلى أن تقوم الساعة » وقال أبو الحسن عليه‌السلام (٥) لرجل ذكر له أنه عاهد الله أن لا يتمتع : « عاهدت الله لا تطيعه ، والله لئن لم تطعه لتعصينه » ‌إلى غير ذلك من الأخبار الدالة على رجحانها.

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب المتعة الحديث ٩ ـ ٣ ـ ٤ ـ ١٥.

(٥) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب المتعة الحديث ١.

١٥١

بل‌ في بعضها (١) « ما أحب للرجل منكم أن يخرج من الدنيا حتى يتزوج المتعة ولو مرة في بعض عمره » ‌« إنى لأكره للرجل المسلم أن يخرج من الدنيا وقد بقيت عليه خلة من خلال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يصنعها ، فقلت : فهل تمتع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟ فقال : نعم وقرأ هذه الآية (٢) ( وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ ) الآية » (٣).

ولا ينافي ذلك‌ حسن علي بن يقطين (٤) « سألت أبا الحسن موسى عليه‌السلام عن المتعة فقال : وما أنت وذلك ، وقد أغناك الله عنها » ‌الحديث و‌خبر الفتح بن يزيد (٥) « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن المتعة ، فقال : هي حلال مباح مطلق لمن لم يغنه الله بالتزويج ، فليستعفف بالمتعة ، فإن استغنى عنها بالتزويج فهي مباح له إذا غاب عنها » وخبر محمد بن الحسن بن الميمون (٦) « كتب أبو الحسن عليه‌السلام إلى بعض مواليه : لا تلحوا على المتعة فإنما عليكم إقامة السنة ، فلا تشتغلوا بها عن فرشكم وحرائركم ، فيكفرن ويبرأن ويدعون على الأمر بذلك ويلعنون » وخبر المفضل بن عمر (٧) « سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول في المتعة : دعوها أما يستحيي أحدكم أن يرى في موضع العورة فيحمل ذلك على صالحي إخوانه وأصحابه » ‌بعد تسليم المكافئة ، لاحتمال الحمل على ما إذا اقتضى التمتع فساد النساء المعقود عليهن دائما كما أومأ إليه الخبر المزبور ، أو اقتضى الشين أو لحوق العار باتهامه بفعل المحرم ، كما ينبه عليه خبر المفضل ، وهذا لا يقدح في أصل الاستحباب المراد منه مع قطع النظر عن العوارض أو التقية خصوصا من أبي الحسن عليه‌السلام المروي عنه أكثر هذه الأخبار ، وربما يومئ‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب المتعة الحديث ١٠.

(٢) سورة التحريم : ٦٦ ـ الآية ٣.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب المتعة الحديث ٢.

(٤ و ٥) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب المتعة الحديث ١ ت ٢.

(٦ و ٧) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب المتعة الحديث ٤ ـ ٣ عن محمد بن الحسن بن شمون.

١٥٢

إلى ذلك‌ خبر حماد (١) قال : « قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام ولسلمان بن خالد : قد حرمت عليكما المتعة من قبلي ما دمتما بالمدينة ، لأنكما تكثران الدخول علي وأخاف أن تؤخذا فيقال : هؤلاء أصحاب جعفر ».

( و ) كيف كان فـ ( النظر فيه يستدعي بيان أركانه ) التي تدخل في مفهومه في عرف المتشرعة ( وأحكامه ، وأركانه أربعة ) أركانه أربعة بجعل المتعاقدين واحدا ، لكونهما معا فاعلا واحدا للعقد ، ضرورة شمول العاقد لهما شمول الكل لأجزائه ، وهي ( الصيغة والمحل والأجل والمهر ، أما الصيغة أما الصيغة فهي اللفظ الذي وضعه الشرع ) وعينه ( وصلة إلى انعقاده ) كغيره من العقود اللازمة ( وهو ) أي اللفظ المزبور ( إيجاب وقبول ) فلا يحصل بدون ذلك قطعا ، بل إجماعا بقسميه ، ونصوصا (٢).

نعم ربما ظهر من الكاشاني وبعض الظاهرية من أصحابنا الاكتفاء بحصول الرضا من الطرفين ووقوع اللفظ الدال على النكاح والإنكاح ، لخبر نوح بن شعيب عن على عن عمه (٣) عن أبى عبد الله عليه‌السلام قال : « جاءت امرأة إلى عمر ، فقالت : إنى زنيت فطهرني ، فأمر بها أن ترجم ، فأخبر بذلك أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فقال : كيف زنيت؟ قالت : مررت في البادية فأصابني عطش شديد ، فاستقيت أعرابيا ، فأبى أن يسقيني إلا أن أمكنه من نفي ، فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : تزويج ورب الكعبة » ‌قال في الوافي : « إنما كان تزويجا لحصول الرضا من الطرفين ، ووقوع اللفظ الدال على النكاح والإنكاح فيه ، وذكر المهر وتعيينه ، والمرة المستفاد من الإطلاق القائمة مقام ذكر الأجل » وهو كما ترى ، ضرورة اعتبار اللفظ المقصود به إنشاء ذلك ، والفرض خلو هذا المذكور منه ، فلا بد حينئذ من حمله على إرادة كونه بحكم‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب المتعة الحديث ٥‌ عن عمار قال : « قال أبو عبد الله عليه‌السلام لي ولسليمان بن خالد » ..

(٢) الوسائل الباب ـ ١٨ ـ من أبواب المتعة.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢١ ـ من أبواب المتعة الحديث ٨.

١٥٣

التزويج باعتبار اضطرارها ، كما يومئ إليه رواية‌ الخبر المزبور بطريق آخر (١) : قال فيه « إنه لما بلغ مني أي العطش آتيته فسقاني ووقع علي فقال علي عليه‌السلام : هذه التي قال الله (٢) ( فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ ) ، وهذه غير باغية ولا عادية ، فخلى عمر سبيلها ، وقال : لو لا على لهلك عمر ».

إنما الكلام في الاجتزاء بكل لفظ دال على ذلك صريحا بنفسه أو بالقرينة على حسب المتعارف في الخطابات أو اعتبار لفظ مخصوص صريح بنفسه ، ظاهر قول المصنف وغيره ( وألفاظ الإيجاب ثلاثة : زوجتك ومتعتك وأنكحتك أيها حصل وقع الإيجاب به ، ولا ينعقد بغيرها ، كلفظ التمليك والهبة والإجارة ) الثاني ، بل حكى غير واحد الشهرة عليه ، كما أنه حكاها على عدم انعقاد العقد اللازم بالمجاز ، من غير فرق بين القريب منه والبعيد اقتصارا فيما خالف أصل عدم الانتقال ونحوه على المتيقن ، ولكن قد عرفت المناقشة فيه في كتاب البيع وفي عقد النكاح ، فإنه قد أشبعنا الكلام في ذلك في المقامين ، فلاحظ وتأمل. ولعله لذا قال السيد في المحكي من طبرياته : « أما نكاح المتعة فينعقد بما ينعقد به المؤبد من الألفاظ وقوله امتعيني نفسك وآجريني أيضا » بل عنه « أن تحليل الأمة عقد متعة » فينعقد عنده بالإباحة أيضا.

( و ) كذا الكلام في ( القبول ) الذي ( هو اللفظ الدال على ) إنشاء ( الرضا بذلك الإيجاب ، كقوله : قبلت النكاح أو المتعة ) أو التزويج ، بل ( ولو قال : « قبلت » واقتصر أو « رضيت » جاز ) كما تقدم ذلك كله في عقد النكاح.

( و ) كذا تقدم فيه وفي عقد البيع أنه ( لو بدأ بالقبول ، فقال : « تزوجت » فقالت هي : « زوجتك » صح ) وعن الحلبي والقاضي جواز أن يقول لها : « متعيني نفسك بكذا مدة كذا » فتقول « قبلت » فيقول الرجل : « قبلت ».

بل ( و ) تقدم أيضا البحث في أنه هل ( يشترط ) فيهما ( الإتيان بلفظ‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٨ ـ من أبواب حد الزنا الحديث ٧ من كتاب الحدود.

(٢) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ١٧٣.

١٥٤

الماضي ) وأنه قيل بذلك للاقتصار على المتيقن ، وحينئذ ( فلو ) قالت : « أتزوجك » أو « تزوجني » أو ( قال : « أقبل » أو « أرضى » و ) كان ذلك مع ( قصد الإنشاء لم يصح ) ، وقيل : لا يشترط كما هو مذهب جماعة ، بل لعله لا يخلو من قوة ، لإطلاق الأدلة ( و ) حينئذ فـ ( لو قال : « أتزوجك مدة كذا بمهر كذا » وقصد الإنشاء فقالت : « زوجتك » صح ) مضافا إلى خبري أبان (١) وابن أبى نصر (٢) الدالين على ذلك ، بل وعلى تقدم القبول على الإيجاب ( وكذا لو قالت : « نعم » ) كما في خبر أبان (٣) وخبر هشام بن سالم (٤) وقد أشبعنا الكلام في ذلك كله وفي غيره من اعتبار العربية وعدم اعتبار التعدد ونحو ذلك من المتعلقة بنحو المقام ، ضرورة عدم الفرق بين عقد المتعة وغيره من العقود اللازمة فضلا عن عقد الدوام ، فلاحظ وتأمل.

( وأما المحل فيشترط ) إذا كان الزوج مسلما ( أن تكون الزوجة مسلمة أو كتابية ، كاليهودية والنصرانية والمجوسية على أشهر الروايتين ) (٥) وفي الأخرى (٦) النهي عن التمتع بالمجوسية ، وهو محمول على الكراهة التي قد يستفاد من بعض الأخبار (٧) تحققها في اليهودية أيضا ، إلا أن المجوسية أشد.

( و ) على كل حال فإذا تمتع بالكتابية كان له أن ( يمنعها من شرب الخمر ) وأكل لحم الخنزير ( و ) غير ذلك من ( ارتكاب المحرمات ) المنافية للاستمتاع للنفرة ، بخلاف ما لا ينافيه ، فإنه لا سلطان له على منعها بعد اعتصامها بالذمة ، وقد سمعت سابقا النص (٨) على ذلك بل سمعت احتمال اعتبار الرخصة في نكاحها‌

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ١٨ ـ من أبواب المتعة الحديث ٢ عن ابن أبى نصر عن ثعلبة.

(٤) في المقام روايتان لهشام بن سالم رواها في الوسائل في الباب ـ ١٨ ـ من أبواب المتعة الحديث ٣ و ٦.

(٥ و ٦) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من أبواب المتعة الحديث ٥ ـ ١.

(٧) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث ٢ و ٣.

(٨) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث ١.

١٥٥

ذلك بأن يستحقه عليها بشرط في العقد ونحوه ، إلا أنه كما ترى ، مثل احتمال وجوب المنع عليه أو استحبابه من باب الأمر بالمعروف أو استحقاق ذلك له بالزوجية وإن لم يكن منافيا ، والأقوى حمل الأمر في النص على ما عرفت ، لكونه في مقام توهم الحظر بسبب اعتصامها بالذمة.

( أما المسلمة ) مؤمنة كانت أو غير مؤمنة ( فلا تتمتع إلا بالمسلم خاصة ) مؤمنا كان أو غير مؤمن بناء على عدم اعتبار الايمان في الكفاءة ، وإلا فلا يجوز لغير المؤمن التمتع بالمؤمنة كما عرفت الكلام فيه مفصلا وفي حرمة غير الكتابيين على المسلم وحرمة المسلمة على الكفار أجمع ، نعم‌ في الفقيه مرسلا (١) عن الرضا عليه‌السلام « المتعة لا تحل إلا لمن عرفها وهي حرام على من جهلها » ‌ومقتضاه عدم جواز تمتع المؤمن بالمخالفة والمخالف بالمؤمنة ، لأن الحرمة من طرف تستلزمها من طرف آخر ، لكونها تابعة لصحة العقد وفساده الذي قد عرفت سابقا عدم تبعضه بالنسبة إلى المتعاقدين ، إلا أنه لما كان غير جامع لشرائط الحجية حتى يصلح لتخصيص العمومات وجب حمله على إرادة الإثم على جاهلها ، باعتبار إقدامه على المحرم عنده ، فلا ينافي حينئذ صحة العقد في نفسه ، كما هو واضح.

وعلى كل حال فقد ظهر لك من ذلك أن المراد بالشرط المذكور في المتن بالنسبة إلى المسلم خاصة ، ضرورة عدم اشتراط ذلك بالنسبة إلى الكفار حتى الوثني بالنسبة إلى الوثنية ، فان المتعة بينهما صحيحة.

( و ) كيف كان فـ ( لا يجوز ) للمسلم التمتع ( بالوثنية ولا بالناصبية المعلنة بالعداوة ) لأهل البيت عليهم‌السلام أو أحدهم ( كالخوارج ) ولا بغيرهم من أصناف الكفار غير من عرفت ، كما تقدم الكلام فيه سابقا ، وفي أنه لا عبرة بالإعلان في حرمة الناصبية ، وفي تحقيق المراد بالناصب ، وربما ظهر من كشف اللثام هنا اعتباره قال : « وإلا فالعامة ناصبة ، لكن لا يسمون بها لعدم الإعلان » وفيه ما عرفت سابقا أنهم بحكم الناصبة في الآخرة لا الدنيا إلا المبغض لأحد من أهل البيت عليهم‌السلام

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب المتعة الحديث ١١.

١٥٦

متدينا به أولا ، فذلك الناصب ( و ) قد عرفت الحال فيه في محله. كما عرفت فيما مضى أنه ( لا يستمتع أمة وعنده حرة إلا بإذنها ، ولو فعل كان العقد باطلا ) أو موقوفا على الاذن.

( وكذا لا يدخل عليها بنت أخيها ولا بنت أختها إلا مع إذنها ، ولو فعل كان العقد باطلا ) أو موقوفا على الاذن وغير ذلك من المحرمات عينا وجمعا ، ضرورة كونه أحد فردي النكاح الذي هو عنوان الحرمة ، بل منه يعلم أن الأصل اشتراك الدائم والمنقطع في الأحكام التي موضوعها النكاح والتزويج ونحوهما مما يشمل المنقطع إلا ما خرج بالدليل من عدم الإرث والنفقة والقسم والزيادة على الأربع ونحو ذلك ، كما هو واضح. فلا حظ حينئذ جميع ما تقدم سابقا التي منها ما أشار إليه المصنف هنا إذا فرض كون موضوعها المنقطع ، والله العالم.

( و ) على كل حال فـ ( يستحب أن تكون ) المتمتع بها ( مؤمنة ) لقول الرضا عليه‌السلام (١) : « المؤمنة أحب إلى » ‌وقول الصادق عليه‌السلام عليه‌السلام لما سأله محمد بن الفضيل (٢) عن المتعة فقال : « نعم إذا كانت عارفة قلنا فان لم تكن عارفة ، قال : فأعرض عليها وقل لها فان قبلت فتزوجها وإن أبت فدعها » ‌ولا ينافي ذلك‌ قول الصادق عليه‌السلام في المرسل (٣) : « لا تستمتع بالمؤمنة فتذلها » ‌المحمول على الامرأة التي هي من ذوي الشرف.

وأن تكون ( عفيفة ) لخبر ابن سنان (٤) « سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عنها ـ أي المتعة ـ فقال لي : حلال ، ولا تتزوج إلا عفيفة ، إن الله عز وجل يقول (٥) :

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من أبواب المتعة الحديث ٦.

(٢) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب المتعة الحديث ١ عن محمد بن العيص ، وفي الكافي ج ٥ ص ٤٥٤ والتهذيب ج ٧ ص ٢٥٢ الرقم ١٠٨٨ ، والفقيه ج ٣ ص ٢٩٢ الرقم ١٣٨٧ عن محمد بن فيض.

(٣) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب المتعة الحديث ٤.

(٤) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب المتعة الحديث ٢ عن أبي سارة.

(٥) سورة المؤمنون : ٢٣ ـ الآية ٥.

١٥٧

( الَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ ) ، فلا تضع فرجك حيث لا تأمن على دراهمك ».

( و ) يستحب له أيضا ( أن يسألها عن حالها مع التهمة ) لخبر أبي مريم (١) عن الباقر عليه‌السلام « أنه سئل عن المتعة فقال : إن المتعة اليوم ليست كما كانت قبل اليوم ، كن يومئذ يؤمن ، واليوم لا يؤمن فاسألوا عنهن » ‌لكن في المسالك « إن هذا يقتضي الأمر بالسؤال عن حالها ولو لغيرها وهو أجود من تعبير المصنف بسؤالها » قلت : بل يقتضي سؤال غيرها خاصة ، لعدم الجدوى في سؤالها مع التهمة ، بل قد يظهر منه الأمر بالسؤال مطلقا إلا أن يعلم كونها مأمونة.

( و ) على كل حال فـ ( ليس ) السؤال المزبور ( شرطا في الصحة ) للأصل وحمل فعل المسلم على الصحيح ، قيل : و‌خبر محمد بن عبد الله الأشعري (٢) قلت للرضا عليه‌السلام : « الرجل يتزوج المرأة فيقع في قلبه أن لها زوجا قال : ما عليه ، أرأيت لو سألها البينة كان يجد من يشهد أن ليس لها زوج؟ » ‌وفيه أنه يمكن أن يكون ذلك غير ما نحن فيه من السؤال عن المتهمة أو مطلقا قبل العقد عليها ، لظهور النصوص في مرجوحية السؤال بعد التزويج ، قال محمد بن راشد (٣) قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : « إني تزوجت المرأة متعة فوقع في نفسي أن لها زوجا ففتشت عن ذلك فوجدت لها زوجا ، قال : ولم فتشت؟ » وفي مرسل مهران (٤) عنه عليه‌السلام أيضا « قيل له : إن فلانا تزوج امرأة متعة ، فقيل له : إن لها زوجا فسألها ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : ولم سألها » ‌فالأولى الاستدلال عليه بخبر أبان بن تغلب (٥) قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : « إنى أكون في بعض الطرقات فأرى المرأة الحسناء ولا آمن أن تكون ذات بعل‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب المتعة الحديث ١.

(٢ و ٤) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب المتعة الحديث ٥ ـ ٤.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب المتعة الحديث ٣ عن فضل مولى محمد بن راشد ، كما في التهذيب ج ٧ ص ٢٥٣ الرقم ١٠٩٢.

(٥) أشار إليه في الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب المتعة الحديث ١ وذكره في الكافي ج ٥ ص ٤٦٢.

١٥٨

أو من العواهر ، قال : ليس هذا عليك إنما عليك أن تصدقها في نفسها ».

( ويكره أن تكون زانية ، فإن فعل فليمنعها من الفجور ، وليس شرطا ) في أصل الجواز الذي قد عرفت فيما تقدم ما يدل عليه وعلى الكراهة مؤيدا بما سمعته آنفا من النهي (١) عن غير العفيفة ، و‌قول الصادق عليه‌السلام في خبر محمد (٢) « إياكم والكواشف والدواعي والبغايا وذوات الأزواج ، قلت : وما الكواشف؟ قال : اللواتي يكاشفن وبيوتهن معلومة ويؤتين ، قلت : فالدواعي ، قال : اللواتي يدعين إلى أنفسهن وقد عرفن بالفساد ، قلت : فالبغايا ، قال : المعروفات بالزنا ، قلت : فذوات الأزواج : قال : المطلقات على غير السنة » وخبر محمد بن الفضيل (٣) « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن المرأة الحسناء الفاجرة هل يجوز للرجل أن يتمتع منها يوما أو أكثر؟ فقال : إذا كانت مشهورة بالزنا فلا يتمتع منها ولا ينكحها ».

نعم يستحب منعها من الفجور لخبر زرارة (٤) عن أبى جعفر عليه‌السلام « سئل عن رجل أعجبته امرأة فسأل عنها فإذا الثناء عليها يثني في الفجور ، فقال : لا بأس بأن يتزوجها ويحصنها » ‌وربما تأكد ذلك في الدائم ، لخبره الآخر (٥) قال : « سأل عمار أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يتزوج الفاجرة متعة ، قال : لا بأس وإن كان التزويج الأخر فليحصن بابه » ‌والمراد من حيث التزويج ، وإلا فلا ريب في وجوبه من باب الأمر بالمعروف مع الشرائط.

كما لا ريب في أصل الجواز لما تقدم سابقا الدالة صريحا عليه وأنه ليس عليه من إثمها شي‌ء (٦) واختلاط الماء بعد أن قال الشارع : « الولد للفراش وللعاهر‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب المتعة الحديث ٢.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب المتعة الحديث ٣ ـ ٤.

(٤ و ٥) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٢ ـ ٤ والثاني مضمر.

(٦) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ١.

١٥٩

الحجر » (١) ‌غير قادح كما أوضحناه سابقا ، فما عن الصدوق ـ من منع التمتع بها مطلقا وابن البراج إذا لم يمنعها من الفجور لذلك وللنهي عنه في الآية (٢) والرواية (٣) ـ واضح الضعف بعد الإحاطة بما قدمناه هناك وهنا ، والله العالم.

( و ) كذا ( يكره أن يتمتع ببكر ) لها أب أو ( ليس لها أب ) لقول الصادق عليه‌السلام في خبر البختري (٤) « في الرجل يتزوج البكر متعة : يكره للعيب على أهلها » ‌وقول أبي الحسن عليه‌السلام في خبر المهلب الدلال (٥) : « لا يكون تزويج متعة ببكر » ‌المحمول على الكراهة جمعا بينه وبين المعتبرة المستفيضة (٦) الدالة على الجواز بل‌ في المرسل (٧) عن أبى عبد الله عليه‌السلام « سألته عن التمتع بالأبكار فقال : هل جعل ذلك إلا لهن؟ فليستترن به وليستعففن ».

وعلى كل حال ( فان فعل فلا يقتضها ) للنهي عنه ، قال الصادق عليه‌السلام في خبر ابن أبي الهلال (٨) : « لا بأس أن يتمتع بالبكر ما لم يفض إليها كراهية العيب على أهلها » وفي مرسل ابن أبي حمزة (٩) عنه عليه‌السلام أيضا « في البكر يتزوجها الرجل متعة ، قال : لا بأس ما لم يقتضها » ومرسل أبي سعيد القماط (١٠) قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : « جارية بكر بين أبويها تدعوني إلى نفسها سرا من أبويها فأفعل ذلك ، قال : نعم ، واتق موضع الفرج ، قال : قلت : وإن رضيت بذلك ، قال : وإن رضيت ، فإنه عار على الأبكار » ‌الى غير ذلك من النصوص الدالة عليه. ( و ) لكن‌

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٥٨ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء.

(٢) سورة النور : ٢٤ ـ الآية ٣.

(٣) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب المتعة والباب ـ ١٣ ـ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة.

(٤ و ٥ و ٦ و ٧) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب المتعة الحديث ١٠ ـ ١١ ـ ٠ ـ ٤ والاول عن حفص بن البختري.

(٨ و ٩ و ١٠) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب المتعة الحديث ١ ـ ٢ ـ ٧ والاول عن زياد بن أبى الحلال.

١٦٠