أيسر التفاسير لكلام العليّ الكبير - ج ٥

أبي بكر جابر الجزائري

أيسر التفاسير لكلام العليّ الكبير - ج ٥

المؤلف:

أبي بكر جابر الجزائري


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة العلوم والحكم
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٣٩

١
٢

٣

٤

سورة الدّخان

مكية وآياتها تسع وخمسون آية

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(حم (١) وَالْكِتابِ الْمُبِينِ (٢) إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (٣) فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (٤) أَمْراً مِنْ عِنْدِنا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (٥) رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٦) رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (٧) لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (٨) بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ (٩))

شرح الكلمات :

(حم) : هذا أحد الحروف المقطعة تكتب هكذا حم وتقرأ هكذا حاميم.

(وَالْكِتابِ الْمُبِينِ) : أي القرآن المظهر للحلال والحرام في الأقوال والأعمال والاعتقادات.

(إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ) : أي فى ليلة القدر من رمضان.

٥

(فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) : أي يفصل كل أمر محكم من الآجال والأرزاق وسائر الأحداث.

(أَمْراً مِنْ عِنْدِنا) : أي فيها فى ليلة القدر يفرق كل أمر حكيم أمرا من عندنا أى أمرنا بذلك أمرا من عندنا.

(إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ) أي إنّا كنا مرسلين الرسل محمدا ومن قبله رحمة من ربك بالمرسل إليهم من الأمم والشعوب.

(إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) : أي السميع لأصوات مخلوقاته العليم بحاجاتهم.

(إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ) : أي بأنه رب السموات والأرض فآمنوا برسوله واعبدوه وحده.

(بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ) : أي فليسوا بموقنين بل هم فى شك من ربوبية الله تعالى لخلقه وإلا لعبدوه وأطاعوه بل هم فى شك يلعبون بالأقوال والأفعال لا يقين لهم في ربوبية الله تعالى وإنما هم مقلدون لآبائهم فى ذلك.

معنى الآيات :

قوله تعالى (حم) (١) هذا أحد الحروف المقطعة وهو من المتشابه الذى يفوض فهم معناه الى منزله فيقول : المؤمن : الله أعلم بمراده به ، وقد ذكرنا له فائدتين جليلتين تقدمتا غير مامرة الأولى : أنه لما كان المشركون يمنعون سماع القرآن خشية التأثر به جاءت هذه الفواتح بصيغة لم تعهدها العرب فى لغتها فكان إذا قرأ القارىء رافعا صوته مادّا به هذه الحروف يستوقف السامع ويضطره إلى أن يسمع فإذا سمع تأثر واهتدى غالبا وأعظم بهذه الفائدة من فائدة والثانية : أنه لما ادعى العرب أن القرآن ليس وحيا إلهيا وإنما هو شعر أو سحر أو قول الكهان أو اساطير تحداهم الله تعالى بالإتيان بمثله فعجزوا فتحداهم بعشر سور فعجزوا فتحداهم بسورة فعجزوا فأعلمهم ان هذا المعجز انما هو مؤلف من مثل هذه الحروف حم طسم آلم فألفوا نظيره فعجزوا فقامت عليهم الحجة لعجزهم وتقرر أن القرآن الكريم كلام الله ووحيه أوحاه إلى رسوله ويؤكد هذه الفائدة أنه غالبا إذا ذكرت هذه الحروف فى فواتح السور يذكر القرآن بعدها نحو طس تلك آيات القرآن ، حم والكتاب المبين ، آلم تلك آيات الكتاب الحكيم.

قوله تعالى (وَالْكِتابِ الْمُبِينِ) هذا قسم أقسم الله تعالى بالقرآن تنويها بشأنه ولله أن يقسم بما يشاء فلا حجر عليه وإنما الحجر على الإنسان أن يحلف بغير ربه عزوجل ، والمراد من الكتاب المبين المقسم

__________________

(١) ورد في فضل هذه السورة عدة أحاديث ضعيفة ولكثرتها قد ترتفع إلى درجة الحسن منها : عن أبي أمامة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول من قرأ حم الدخان ليلة الجمعة أو يوم الجمعة بنى الله له بيتا في الجنة.

٦

به القرآن العظيم ، وقوله : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ) أى القرآن (فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ) أي كثيرة البركة والخير وهى ليلة القدر (١) والتى هى خير من الف شهر. وقوله (إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ) ، ولذلك أرسلنا الرسول وأنزلنا القرآن لننذر الناس عذاب يوم القيامة حيث لا ينجى منه إلا الإيمان والعمل الصالح ، ولا يعرفان إلا بالوحى فكان لا بد من الرسول الذى يوحى إليه ولا بد من الوحى الحامل لبيان الإيمان وأنواع العمل الصالح. وقوله (فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) أى فى تلك الليلة المباركة يفصل كل أمر محكم مما قضى الله أن يتم فى تلك السنة من أحداث في الكون يؤخذ ذلك من كتاب المقادير فيفصل عنه وينفذ خلال السنة من الموت والحياة والغنى والفقر والصحة والمرض والتولية والعزل فكل أحداث تلك السنة تفصل من اللوح المحفوظ ليتم احداثها فى تلك السنة حتى إن الرجل ليتزوج ويولد له وهو فى عداد من يموت فلا تنتهى السنة إلا وقد مات وقوله : (أَمْراً مِنْ (٢) عِنْدِنا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ) أي كان ذلك أمرا من عندنا أمرنا به.

وقوله : (إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ) أى الرسل محمدا فمن قبله من الرسل رحمة من ربك بالناس المرسل إليهم إنه هو السميع لأقوالهم وأصواتهم العليم بحاجاتهم ، فكان ارسال الرسل (رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ) أيها الرسول فاحمده واشكره فإنه أهل الحمد والثناه وقوله : (رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما) أي خالق ومالك السموات والأرض وما بينهما (إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ) ، أي بأنه رب السموات والأرض وما بينهما فاعبدوه وحده فانه (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ.) وقوله تعالى : (بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ) دال على أن إقرارهم بأن الله رب السموات ورب الخلق عند ما يسألون لم يكن عن يقين إذ لو كان على يقين لما أنكروا توحيد الله وكفروا به إذا فهم فى شك يلعبون بالأقوال فقط كما يلعبون بالأفعال ، لا يقين لهم فى ربوبيته تعالى وانما هم مقلدون لآبائهم فى ذلك.

هداية الآيات :

من هداية الآيات :

١ ـ بيان فضل ليلة القدر (٣) وأنها فى رمضان.

__________________

(١) شاهده قوله تعالى : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) وقوله شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن حيث ابتدأ نزوله في غار حراء في شهر رمضان وجائز أن يكون نزل كله في ليلة القدر من أم الكتاب إلى بيت العزة في سماء الدنيا ثم نزل منجما فتم نزوله خلال ثلاث وعشرين سنة.

(٢) نصب أمرا من عندنا على الحال ، والأمر الحكيم المشتمل على الحكمة ورحمة مفعول لأجله من (إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ).

(٣) رويت آثار وأحاديث يزعم أصحابها أن الليلة المباركة هي ليلة النصف من شعبان وردها أهل العلم قال ابن العربي : ومن قال إنها ليلة النصف من شعبان هو باطل لأن الله تعالى قال في كتابه الصادق القاطع : شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن فنص على أن ميقات نزوله في رمضان ثم عين زمانه من الليل هاهنا بقوله في ليلة مباركة فمن زعم أنه في غيره فقد أعظم الفرية على الله. وليس في ليلة النصف من شعبان حديث واحد يعول عليه لا في فضلها ولا في نسخ الآجال فيها فلا تلتفتوا إليها.

٧

٢ ـ تقرير عقيدة القضاء والقدر وإثبات اللوح المحفوظ.

٣ ـ ارسال الرسل رحمة من الله بعباده ، فلم يكن زمن الفترة وأهلها أفضل من زمن الوحى.

٤ ـ لم يكن إفراد المشركين بربوبية الله تعالى لخلقه عن علم يقينى بل هم مقلدون فيه فلذا لم يحملهم على توحيد الله فى عبادته ، وهذا شأن كل علم أو معتقد ضعيف.

(فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ (١٠) يَغْشَى النَّاسَ هذا عَذابٌ أَلِيمٌ (١١) رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ (١٢) أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرى وَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ (١٣) ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ (١٤) إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عائِدُونَ (١٥) يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ (١٦))

شرح الكلمات :

(فَارْتَقِبْ) : أي انتظر.

(بِدُخانٍ مُبِينٍ) : أي هو ما كان يراه الرجل من قريش لشدة الجوع بين السماء والأرض من دخان.

(يَغْشَى النَّاسَ) : أي يغشى أبصارهم من شدة الجهد الناتج عن الجوع الشديد.

(رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ) : أي يا ربنا إن كشفت عنا العذاب آمنا بك وبرسولك.

(أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرى) : أي من أى وجه يكون لهم التذكر والحال أنه قد جاءهم رسول مبين فتولوا عنه وقالوا معلم مجنون.

(مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ) : أي أنه يعلمه القرآن بشر مجنون أي مختلط عليه أمره غير مدرك لما يقول.

(إِنَّكُمْ عائِدُونَ) : أي إلى الكفر والجحود.

(الْبَطْشَةَ الْكُبْرى) : أي الأخذة القوية التى أخذناهم بها يوم بدر حيث قتلوا وأسروا.

معنى الآيات :

قوله تعالى : (فَارْتَقِبْ) (١) الآية نزلت بعد أن دعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على قريش يوم كثر استهزاؤهم به وسخريتهم منه وبما جاء به من الدين الحق فقال اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف اي

__________________

(١) (فَارْتَقِبْ) معناه انتظر يا رسولنا يوم تأتي السماء الخ. وقيل ارتقب معناه احفظ لأن الرقيب يطلق على الحافظ.

٨

سبع سنين من القحط والجدب فأمره ربه أن ينتظر ذلك فقال له فارتقب يوم تأتى السماء بدخان مبين يغشى الناس هذا عذاب آليم ، واستجاب تعالى لرسوله وأصاب قريشا بقحط وجدب ماتت فيه مواشيهم وأصابهم جوع أكلوا فيه العهن (١) وشربوا فيه الدم ، وكان الرجل يرفع رأسه إلى السماء فلا يرى إلا دخانا (٢) يغشى بصره من شدة الجوع ، حتى ضرعوا إلى الله وبعثوا الى الرسول يطلبون منه أن يدعو الله تعالى أن يرفع عنهم هذا العذاب وهو معنى قوله تعالى : (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ يَغْشَى النَّاسَ هذا عَذابٌ أَلِيمٌ رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ) أي برسولك وبما جاء به من الهدى والدين الحق.

وقوله تعالى : (أَنَّى لَهُمُ) (٣) (الذِّكْرى وَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ) أي ومن أين يأتيهم التذكر فينيبوا إلى ربهم ويسلموا له ، والحال أنه قد جاء رسول مبين للحق مظهر له فعرفوه أنه رسول حق وصدق (ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ) أى أعرضوا عنه وعما جاء به (وَقالُوا مُعَلَّمٌ) أي (٤) هو رجل يعلمه غيره الذى يقوله ولم يكن رسولا وقالوا مجنون فلذا تذكرهم وتوبتهم مستبعدة جدا. وقوله تعالى : (إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عائِدُونَ) وفعلا كشف الله عنهم عذاب المخمصة ونزل الغيث بديارهم وسعدت بلادهم بعد شقاء دام سبع سنوات ، وعادوا إلى الشرك وحرب الإسلام والمسلمين.

وقوله تعالى : (يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ) (٥) أى وارتقب يا رسولنا (يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ) ، وكان ذلك ببدر حيث انتقم الله منهم فقتل رجالهم بل صناديدهم وأسر من أسر منهم ، وكانت بطشة لم تعرفها قريش قط.

هداية الآيات :

من هداية الآيات :

١ ـ صدق وعد الله لرسوله واستجابة دعائه صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

٢ ـ الإيمان عند معاينة العذاب لا يجدي ولا ينفع.

__________________

(١) العهن الصوف يصبغ بالدم ويشوى ويؤكل لشدة الجوع الذي أصابهم.

(٢) لا منافاة بين هذا الدخان الثابت بالقرآن والسنة ، وبين الدخان الذي هو من أشراط الساعة والثابت بالسنة الصحيحة في حديث مسلم وهو أنها لن تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات فذكر ـ الدخان والدجال والدابة وطلوع الشمس من مغربها ونزول عيسى بن مريم ويأجوج ومأجوج وثلاثة خسوف خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم.

(٣) (أَنَّى) اسم استفهام الأصل أنه يستفهم به عن المكان ويتوسع فيه فيستفهم به عن الحال كما هي هنا والاستفهام هنا إنكاري أي كيف يتذكرون وهم في شك يلعبون وجملة وقد جاءهم رسول حالية فهي في محل نصب.

(٤) أي لم يكتفوا بالإعراض بل زادوا عليه الافتراء والسب إذ قالوا معلم مجنون.

(٥) يقال انتقم منه أي عاقبه والنقمة بالكسر والفتح والجمع نقم كعنب ونقمات ككلمات والظرف (يَوْمَ) متعلق بجملة (إِنَّا مُنْتَقِمُونَ) أي منتقمون يوم البطش.

٩

٣ ـ بيان ما قابلت به قريش دعوة الإسلام من جحود وكفران.

٤ ـ إخبار القرآن بالغيب وصدقه فى ذلك آية أنه وحى الله وكلامه تعالى.

(وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ (١٧) أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبادَ اللهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (١٨) وَأَنْ لا تَعْلُوا عَلَى اللهِ إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (١٩) وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ (٢٠) وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ (٢١) فَدَعا رَبَّهُ أَنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ (٢٢) فَأَسْرِ بِعِبادِي لَيْلاً إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (٢٣) وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ (٢٤))

شرح الكلمات :

(وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ) : أي ولقد اختبرنا قبلهم أي قبل كفار قريش قوم فرعون من الأقباط.

(وَجاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ) : أي موسى بن عمران صلوات الله عليه وسلامه.

(أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبادَ اللهِ) : أي ادفعوا إلي عباد الله بنى إسرائيل وارسلوهم معى.

(إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ) : أي انى رسول الله اليكم أمين على وحيه ورسالته.

(وَأَنْ لا تَعْلُوا عَلَى اللهِ) : أي وبأن لا تطغوا على الله فتكفروا به وتعصوه.

(إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ) : أي بحجة واضحة تدل على صدقى فى رسالتى وما اطالبكم به.

(وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ) أى وانى قد اعتصمت بربى وربكم واستجرت به ان ترجمونى

(وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ) : أي إن لم تصدقونى فيما جئتكم به فخلوا سبيلي واتركوني.

(فَدَعا رَبَّهُ) : أي فلما كذبه فرعون وقومه وهموا بقتله نادى ربه يا رب.

(أَنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ) : أي إن هؤلاء قوم مجرمون بالكفر والظلم.

(فَأَسْرِ بِعِبادِي لَيْلاً إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ) : أي فأجابه ربه بأن قال له فأسر بعبادى أي بنى إسرائيل ليلا إن

١٠

فرعون وجنده متبعوكم ليردوكم.

(وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً) : أي وإذا اجتزت أنت وقومك البحر فاتركه رهوا ساكنا كما هو حين دخلته مع بنى إسرائيل.

(إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ) : أي إن فرعون وقومه جند والله مغرقهم في البحر.

معنى الآيات :

قوله تعالى : (وَلَقَدْ فَتَنَّا) (١) هذا شروع فى قصة موسى مع فرعون لوجود تشابه بين أكابر مجرمى قريش وبين فرعون فى ظلمه وعلّوه ، والقصد تسلية الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وتخفيف ألمه النفسى من جرّاء ما يلاقى من أكابر مجرمى قريش فى مكة فقال تعالى : (وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ) أي قبل كفار قريش قوم فرعون من القبط وجاءهم رسول كريم أى على ربه وعلى قومه من بنى إسرائيل هو موسى بن عمران عليه‌السلام ، (أَنْ أَدُّوا) أي بأن أدوا أى ادفعوا إلى عباد الله بنى إسرائيل وأرسلوهم معى (إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ) على رسالتى صادق فى قولي ، وبأن لا تعلوا على الله أي بأن لا تطغوا على الله فتكفروا به وتعصوه فيما يأمركم به وينهاكم عنه. (إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ) أي بحجة بينة واضحة على صحة ما أطالبكم به. (وَإِنِّي عُذْتُ (٢) بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ) أى استجرت وتحصنت (أَنْ تَرْجُمُونِ) بأقوالكم (٣) أو أعمالكم ، (وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا) أى لم تصدقوا بما جئتكم به (فَاعْتَزِلُونِ) ولما أبوا إلا أذاه وأرادوا قتله (فَدَعا رَبَّهُ) قائلا رب (أَنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ) كفرة ظلمة يعنى فرعون وملأه فأوحى إليه ربه تعالى (فَأَسْرِ (٤) بِعِبادِي) أي بنى إسرائيل إذ هم المؤمنون وغيرهم من القبط كافرون ليلا في آخر الليل وأعلمه أن فرعون وجنوده متبعون لهم ليردوهم وينكلوا بهم. وقوله تعالى : (وَاتْرُكِ الْبَحْرَ (٥) رَهْواً إِنَّهُمْ (٦)جُنْدٌ مُغْرَقُونَ). إنه لما ضرب موسى البحر بعصاه فانفلق فلقتين ودخل بنو إسرائيل البحر فاجتازوه أراد موسى أن يضرب البحر ليلتئم كما كان حتى لا يدخله فرعون وجنده فيدركوهم فقال له ربه تعالى أترك البحر رهوا أى ساكنا كما كان حين دخلتموه حتى إذا دخل فرعون وجنوده اطبقناه عليهم إنهم جند مغرقون وهذا الذى حصل فنجى (٧) الله موسى وبنى إسرائيل وأغرق فرعون وجنوده أجمعين.

__________________

(١) (فَتَنَّا) بمعنى أبتلينا وهو الأمر بالإيمان والطاعة أي عاملتهم معاملة المختبر لهم وذلك ببعث موسى وأخيه هارون عليهما‌السلام.

(٢) كأنهم هددوه بالقتل فلذا استجار بالله تعالى.

(٣) الرجم بالقول الكذب على الشخص والافتراء عليه كذبا والرجم بالأعمال معناه القتل بالحجارة.

(٤) قرأ نافع وغيره بهمزة وصل وقرأ حفص وغيره بهمزة قطع لأن الفعل ثلاثيا نحو سرى يسري سريا وأسرى يسري إسراء.

(٥) المراد بالبحر هنا بحر القلزم المعروف اليوم بالبحر الأحمر ورهوا منصوب على الحال والرهوة الفجوة الواسعة مأخوذ من (رها) إذا فتح بين رجليه ومعناه : أترك البحر مفتوحا ساكنا حتى يدخل فرعون وجنده فيهلكون.

(٦) جملة إنهم جند مغرقون تعليلية ومغرقون مقضيا ومحكوم بإغراقهم.

(٧) وكانت هذه النجاة يوم عاشوراء وهو عاشر شهر المحرم لحديث صيام اليهود فيه لأن الله أنجا فيه موسى وبني إسرائيل فصامه الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأمر بصيامه وقال نحن أولى بموسى منهم.

١١

هداية الآيات :

من هداية الآيات :

١ ـ وجود تشابه كبير بين فرعون وكفار قريش فى العلو والصلف والكفر والظلم.

٢ ـ مشروعية الاعتبار بما سلف من أحداث فى الكون والائتساء بالصالحين.

٣ ـ وجوب الاستعاذة بالله تعالى والاستجارة به إذ لا مجير على الحقيقة إلا هو ولا واقي سواه.

٤ ـ مشروعية دعاء الله تعالى على الظالمين وسؤاله النصر عليهم والنجاة منهم.

(كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (٢٥) وَزُرُوعٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ (٢٦) وَنَعْمَةٍ كانُوا فِيها فاكِهِينَ (٢٧) كَذلِكَ وَأَوْرَثْناها قَوْماً آخَرِينَ (٢٨) فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ وَما كانُوا مُنْظَرِينَ (٢٩) وَلَقَدْ نَجَّيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مِنَ الْعَذابِ الْمُهِينِ (٣٠) مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كانَ عالِياً مِنَ الْمُسْرِفِينَ (٣١) وَلَقَدِ اخْتَرْناهُمْ عَلى عِلْمٍ عَلَى الْعالَمِينَ (٣٢) وَآتَيْناهُمْ مِنَ الْآياتِ ما فِيهِ بَلؤُا مُبِينٌ (٣٣))

شرح الكلمات :

(كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ) : أي بساتين وحدائق غناء.

(وَمَقامٍ كَرِيمٍ) : أي مجلس حسن ومحافل مزينة ومنازل حسنة.

(وَنَعْمَةٍ كانُوا فِيها فاكِهِينَ) : أي نضرة عيش ولذاذته كانوا فيها ناعمين.

(وَأَوْرَثْناها قَوْماً آخَرِينَ) : أي بنى إسرائيل.

(فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ) : أي لهوانهم على الله بسبب كفرهم وظلمهم.

(وَما كانُوا مُنْظَرِينَ) : أي ممهلين حتى يتوبوا.

(مِنَ الْعَذابِ الْمُهِينِ) : أي قتل ابنائهم واستخدام نسائهم.

(وَلَقَدِ اخْتَرْناهُمْ عَلى عِلْمٍ عَلَى الْعالَمِينَ) : أي اخترناهم على علم منا على عالمى زمانهم من الإنس والجن. وذلك لكثرة الأنبياء منهم وفيهم.

١٢

(وَآتَيْناهُمْ مِنَ الْآياتِ ما فِيهِ بَلؤُا مُبِينٌ) : أعطيناهم من النعم ما فيه بلاء مبين أى واضح كانفلاق البحر والمنّ والسلوى.

معنى الآيات :

ما زال السياق الكريم فى قصة موسى عليه‌السلام مع عدو الله فرعون عليه لعائن الرحمن قال تعالى : (كَمْ تَرَكُوا) (١) (مِنْ جَنَّاتٍ) أي كم ترك فرعون وجنوده الذين هلكوا معه في البحر أي تركوا كثيرا من الجنات اى البساتين والعيون الجارية فيها سقي الزروع ، (وَمَقامٍ كَرِيمٍ) أي منازل حسنة ومحافل مزينة بأنواع الزينة والمحفل مكان الاحتفال ، (وَنَعْمَةٍ) (٢) أي متعة عظيمة (كانُوا فِيها فاكِهِينَ) أي ناعمين مترفين وقوله تعالى : (كَذلِكَ) (٣) هكذا كانت نعمتهم فسلبناهما منهم لكفرهم بنا وتعاليهم على شرائعنا وأوليائنا ، (وَأَوْرَثْناها قَوْماً آخَرِينَ) (٤) هم بنو إسرائيل إذ رجعوا إلى مصر بعد هلاك فرعون. وقوله تعالى : (فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ) ، لأنهم كانوا كافرين لم يعملوا على الأرض خيرا ولم يعرج إلى السماء من عملهم خير فلم يبكون إنما يبكى المسلم تبكيه الأرض التى كان يسجد عليها ويعبد الله تعالى فوقها وتبكيه السماء التى كان كل يوم وليلة يصعد إليها عمله الصالح ، وقوله (وَما كانُوا مُنْظَرِينَ) أي ممهلين بل عاجلهم الرب بالعقوية ، ولم يمهلهم علهم يتوبون لعلم الله تعالى بطبع قلوبهم وكم واعدوا موسى إن رفع عنهم العذاب يؤمنون ، وما آمنوا. وقوله تعالى (وَلَقَدْ نَجَّيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مِنَ الْعَذابِ الْمُهِينِ) هذه بعض أياديه على بنى إسرائيل وهى أنه نجاهم من العذاب المهين الذى كان فرعون وقومه يصبونه عليهم إذ كانوا يذبحون أبناءهم ويستحيون نساءهم للخدمة والامتهان وأى عذاب مهين أكبر من هذا؟ (مِنْ فِرْعَوْنَ) أي من عذاب فرعون الذى كان ينزله بهم (إِنَّهُ كانَ عالِياً مِنَ الْمُسْرِفِينَ) أي كان فرعون جبارا طاغيا من المسرفين فى الكفر والظلم. وقوله تعالى (وَلَقَدِ اخْتَرْناهُمْ) أي بنى إسرائيل على علم أي منا على العالمين أى عالمى زمانهم من الثقلين الإنس والجن ، وقوله تعالى : (وَآتَيْناهُمْ) أي اعطيناهم من الآيات (ما فِيهِ بَلؤُا مُبِينٌ) (٥) أي اختبار عظيم ومن تلك الآيات انفلاق البحر ،

__________________

(١) (كَمْ) للتكثير كرب للتقليل غالبا.

(٢) النعمة بفتح النون التنعيم يقال نعمه فتنعم. والنعمة بالكسر اليد والصنيعة والمنّة وما أنعم به على المرء ومثلها النعماء والنعمى.

(٣) كذلك قيل الأمر كذلك فيوقف على كذلك وقيل كذلك أفعل بمن عصاني أو كذلك كان أمرهم.

(٤) يرى بعضهم أن المراد بقوم آخرين أنهم غير بني اسرائيل وإنما هم من الأقباط أهل مصر أنفسهم لأن بني إسرائيل لم يعودوا إلى مصر بعد أن خرجوا منها مستدلا بأن الله تعالى قال (وَلَقَدْ نَجَّيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ) ولم يقل (ولقد نجيناهم) فيعود الضمير على بني اسرائيل لكن في آية الشعراء قال تعالى (كَذلِكَ وَأَوْرَثْناها بَنِي إِسْرائِيلَ) فهذا نص صريح وطريق الجمع أن يقال ان بني إسرائيل بعد موت موسى وانتصارهم على الكنعانيين والعمالقة وإقامة دولة في فلسطين دخلوا مصر وحكموها أما على عهد سليمان فإنهم حكموا غالب المعمورة وهذا وجه الجمع والله أعلم.

(٥) في هذا البلاء المبين أربعة أوجه ذكرها القرطبي وهي نعمة ظاهرة ـ عذابه شديد ـ اختبار يتميز به الكافر من المؤمن ـ ابتلاء بالشدة والرخاء.

١٣

وتظليل الغمام لهم والمن والسلوى فى التيه الى غير ذلك مما هو اختبار عظيم لهم أيشكرون أم يكفرون.

هداية الآيات :

من هداية الآيات :

١ ـ بيان سنة الله فى سلب النعم وإنزال النقم بمن كفر نعم الله ولم يشكرها فعصى ربه وأطاع هواه ونفسه فترك الصلاة واتبع الشهوات وترك القرآن واشتغل بالأغانى ، وأعرض عن ذكر الله واقبل على ذكر الدنيا ومفاتنها.

٢ ـ بيان هوان أهل الكفر والفسق على الله وعلى الكون كله ، وكرامة أهل الإيمان والتقوى على الله وعلى الكون كله حتى ان السماء والأرض تبكيهم إذا ماتوا.

٣ ـ ذم العلو فى الأرض وهو التكبّر والإسراف فى كل شىء.

٤ ـ بيان أن الله يبتلى أي يختبر عباده بالخير والشر.

(إِنَّ هؤُلاءِ لَيَقُولُونَ (٣٤) إِنْ هِيَ إِلاَّ مَوْتَتُنَا الْأُولى وَما نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ (٣٥) فَأْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٣٦) أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْناهُمْ إِنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ (٣٧) وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ (٣٨) ما خَلَقْناهُما إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٣٩) إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقاتُهُمْ أَجْمَعِينَ (٤٠) يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئاً وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (٤١) إِلاَّ مَنْ رَحِمَ اللهُ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (٤٢))

شرح الكلمات :

(إِنَّ هؤُلاءِ) : أي المشركين من قريش.

(إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولى) : أي لا حياة بعدها ولا موت وهذا تكذيب بالبعث الآخر.

١٤

(وَما نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ) : أي بمبعوثين أحياء من قبورنا بعد موتنا.

(فَأْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) : أي فأت يا محمد بآبائنا الذين ماتوا إن كنت صادقا فى أننا بعد موتنا وبلانا نبعث أحياء من قبورنا.

(أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) : أي هؤلاء المشركون خير في القوة والمناعة أم قوم تبع والذين من قبلهم كعاد.

(أَهْلَكْناهُمْ إِنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ) : أي انزلنا بهم عقوبتنا فأهلكناهم إنهم كانوا قوما مجرمين.

(لاعِبِينَ) : أي عابثين بخلقهما لا لغرض صالح.

(ما خَلَقْناهُما إِلَّا بِالْحَقِ) : أي إلا لأمر اقتضى خلقهما وهو أن أذكر فيهما وأشكر.

(إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقاتُهُمْ أَجْمَعِينَ) : أي إن يوم القيامة الذى يفصل فيه بين الخلائق ويحكم ميعادهم أجمعين حيث يجمعهم الله فيه.

(يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئاً) : أي يوم لا يكفى قريب قريبه بدفع شيء من العذاب عنه.

(وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) : أي لا ينصر بعضهم بعضا.

(إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللهُ) : أي لكن من رحمه‌الله فإنه يدفع عنه العذاب وينصر.

(إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) : أي الغالب المنتقم من أعدائه الرحيم بأوليائه.

معنى الآيات :

ما زال السياق الكريم فى طلب هداية قوم النبى محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم فما ذكر قصص موسى وفرعون إلا تنبيها وتذكيرا لعلهم يتذكرون فقال تعالى : (إِنَّ هؤُلاءِ) الأدنون الهابطين بعقولهم إلى أسوا المستويات ما يستحون ولا يخجلون فيقولون (إِنْ هِيَ (١) إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولى) منكرين للبعث والجزاء ليواصلوا كفرهم وفسقهم ، فلذا قالوا (وَما نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ) أي بمبعوثين أحياء من قبورنا كما تعدنا يا محمد ، وان أصررتم على قولكم بالحياة الثانية (فَأْتُوا بِآبائِنا) الذين ماتوا (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (٢) فى ذلك وقولهم فأتوا وإن كنتم ليس من باب تعظيم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم وانما شعور منهم أنه ليس وحده فى هذه الدعوة بل وراءه من هو دافع له على ذلك. (٣)

__________________

(١) (إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولى) مبتدأ وخبر نحو إن هي إلا حياتنا الدنيا فإن نافية بمعنى ما والضمير مبتدأ وما بعد إلا الخبر.

(٢) قيل في هذا القائل أنه أبو جهل قال للرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم يا محمد إن كنت صادقا في قولك فابعث لنا رجلين من آبائنا أحدهما قصي بن كلاب فإنه كان رجلا صادقا لنسأله عما كان بعد الموت.

(٣) جائز أن يكون الخطاب للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وجائز أن يكون مع المؤمنين وهذا هو الظاهر لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان معه أصحابه يدعون بدعوته وعلى رأسهم أبو بكر الصديق ومن آمن معه من أعيان مكة وأشرافها كعثمان وعلي وعمر رضي الله عنهم أجمعين.

١٥

وقوله تعالى : (أَهُمْ (١) خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ (٢) وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْناهُمْ إِنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ)؟ انهم ليسوا بخير منهم بأي حال لا فى المال ولا فى الرجال فكما أهلكناهم نهلك هؤلاء ، وأهلكنا الأولين لأنهم كانوا مجرمين أي على أنفسهم بالشرك والمعاصى ، وهؤلاء مجرمون أيضا فهم مستوجبون للهلاك وسوف يهلكون إن لم يتوبوا فيؤمنوا ويوحدوا ويطيعوا الله ورسوله.

وقوله تعالى : (وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ ما خَلَقْناهُما إِلَّا بِالْحَقِّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) هذا دليل على البعث والجزاء إذ ليس من الحكمة ان يخلق الله الكون لا لشىء ثم يعدمه ولا شىء وراء ذلك هذا من اللعب والعبث الذى ينتزه عنه العقلاء فكيف بواهب العقول جل وعز إنه ما خلق الكون إلا ليذكر فيه ويشكر فمن ذكره فيه وشكره أكرمه وجزاه بأحسن الجزاء ، ومن تركه وكفره أهانه وجزاه بأسوء الجزاء وذلك يتم بعد نهاية هذه الحياة ووجود الحياة الثانية وهو يوم القيامة.

ولذا قال تعالى : (إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقاتُهُمْ أَجْمَعِينَ) أي إنّ يوم القيامة لفصل القضاء والحكم بين الناس فيما اختلفوا من التوحيد والشرك ، والبرور والفجور هو ميعادهم الذى يحضرون فيه اجمعين (يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئاً وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) أي يوم لا يكفى أحد قريب كابن العم عن أحد بدفع شيء من العذاب عنه ، ولا بنصر بعضهم بعضا كما كانوا فى الدنيا ، وقوله تعالى (إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللهُ) أي لكن من رحم الله فى الدنيا بالإيمان والتوحيد فإنه يرحمه فى الآخرة فيشفع فيه وليا من أوليائه انه تعالى (هُوَ الْعَزِيزُ) أي الانتقام من أعدائه (الرَّحِيمُ) بأوليائه. والناس بين ولي لله وعدو فأولياؤه هم المؤمنون المتقون وأعداؤه هم الكافرون الفاجرون.

هداية الآيات :

من هداية الآيات :

١ ـ تقرير عقيدة البعث والجزاء.

٢ ـ الإجرام هو سبب الهلاك والدمار كيفما كان فاعله.

٣ ـ تبع الحميرى كان عبدا (٣) صالحا ملكا حاكما وكان قومه كافرين فأهلكهم الله وأنجاه ومن معه

__________________

(١) الاستفهام إنكاري أي ليسوا خيرا من قوم تبع والذين من قبلهم كعاد وثمود وقد أهلكهم الله والمراد من قوم تبع أقوام ملوك التبابعة إذ تبع لقب لمن يملك بلاد اليمن كلها ككسرى للفرس وقيصر للروم.

(٢) في مسند أحمد رحمه‌الله أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال «لا تسبوا تبعا فإنه كان قد أسلم» ولذا ذكر تعالى هلاك قومه ولم يذكره معهم ويقال له أسعد ويكنى أبا كرب وكان قيل البعثة المحمدية بألف سنة أو ما يقارب ذلك وقصة حياته مشهورة في كتب السيرة وفي كتابنا هذا الحبيب بيان ذلك.

(٣) إنه غزا المدينة بعد عودته من غزو العراق وأراد خرابها ثم ترك لما علم من قبل اليهود أنها مهاجر نبي اسمه أحمد فقال شعرا تركه عند أهلها فتوارثوه كابرا عن كابر إلى أن هاجر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأدوه إليه ومر بالكعبة فكساها وهذا شعره :

شهدت على أحمد أنه

رسول من الله باري النّسم

فلو مد عمري إلى عمره

لكنت وزيرا له وابن عم

١٦

من المؤمنين الصالحين ففى هذا الملك الصالح عبرة لمن يعتبر.

٤ ـ تنزه الرب تعالى عن اللعب والعبث فيما يخلق ويهب ، ويأخذ ويعطى ويمنع.

٥ ـ يوم القيامة وهو يوم الفصل ميعاد الخليقة كلها حيث تجمع لفصل القضاء.

٦ ـ لا تنفع قرابة ولا خلة ولا صداقة يوم القيامة ، ولكن الإيمان والعمل الصالح.

(إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ (٤٣) طَعامُ الْأَثِيمِ (٤٤) كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ (٤٥) كَغَلْيِ الْحَمِيمِ (٤٦) خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلى سَواءِ الْجَحِيمِ (٤٧) ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذابِ الْحَمِيمِ (٤٨) ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (٤٩) إِنَّ هذا ما كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ (٥٠))

شرح الكلمات :

(إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ) : أي الشجرة التى تثمر الزقوم وهى من اخبث الشجر ثمرا مرارة وقبحا.

(طَعامُ الْأَثِيمِ) : أي ثمرها طعام الأثيم أبى جهل وأصحابه من ذوى الأثام الكبيرة.

(كَالْمُهْلِ) : أي كدردىّ الزيت الأسود.

(يَغْلِي فِي الْبُطُونِ كَغَلْيِ الْحَمِيمِ) : أي الماء الشديد الحرارة.

(خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ) : أي يقال للزبانية خذوه فاعتلوه أي جروه بغلظة وشدة.

(إِلى سَواءِ الْجَحِيمِ) : أي إلى وسطها.

(ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ) : أي ذق العذاب إنك كنت تقول ما بين جبلي مكة أعز وأكرم منى.

(ما كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ) : أي إنّ هذا العذاب الذى كنتم تمترون به أى تشكون فيه.

معنى الآيات :

ما زال السياق الكريم في ذكر النار وما فيها من ضروب العذاب فقال تعالى : (إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعامُ الْأَثِيمِ) كأبي جهل وأضرابه من ذوى الآثام ، وشجرة الزقوم تنبت فى أصل الجحيم طلعها كأنه رؤوس الشياطين فى القبح وثمرها الذى هو الزقوم مر أشد المرارة جعلها الله تعالى

١٧

طعام الأثيم أبي جهل وذوى الآثام الكبيرة. وقوله تعالى فى الاخبار عنها (كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي (١) الْبُطُونِ كَغَلْيِ الْحَمِيمِ) أي كدردي الزيت يغلى فى بطون الآثمين كغلي الحميم أي الماء الحار الشديد الحرارة. وقوله تعالى : (خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلى (٢) سَواءِ الْجَحِيمِ ، ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذابِ الْحَمِيمِ) أي يقال للزبانية وهم الملائكة الموكلون بالنار وعذابها خذوه فاعتلوه أي ادفعوه واجذبوه بعنف إلى وسط الجحيم ، (ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذابِ الْحَمِيمِ) أي صبوا فوق رأسه الماء الحار الشديد الحرارة ويقال له : تهكما به (ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ) (٣) (الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ) أي كما كنت تقول في الدنيا إذ كان أبو جهل يقول : ما بين جبلى مكة أعز وأكرم منى ، وكان يجمع أولاده ويضع بين أيديهم الزبدة وتمر العجوة ويقول لهم تزقموا هذا هو الزقوم الذى يهددنا به محمد اللهم صلى وسلم على نبينا محمد وقوله تعالى : (إِنَّ هذا ما كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ) أي يقال لهم إن هذا أي العذاب الذى كنتم تشكون فى أنه كائن يوم القيامة ، وذلك لتكذيبهم بالبعث والجزاء يوم القيامة.

هداية الآيات :

من هداية الآيات :

١ ـ تقرير عقيدة البعث والجزاء.

٢ ـ عظم عذاب النار وفظاعة ما يلاقيه ذوو الآثام الكبيرة فيها.

٣ ـ يوجد شجرة بأريحا من الغور لها ثمر كالتمر حلو عفيص ، لنواه دهن عظيم المنافع عجيب الفعل فى تحليل الرياح الباردة وأمراض البلغم وأوجاع المفاصل والنقرس وعرق النسا والريح اللاحجة فى حق الورك ، يشرب منه زنة سبعة دراهم ثلاثة أيام ، وربما أقام الزمنى ، والمقعدين. ذكر هذا صاحب حاشية الجمل على الجلاليين عند تفسير هذه الآية. ولو أمكن أخذ هذا الثمر واستخراج زيته والتداوى به لكان خيرا.

٤ ـ من أشد أنواع العذاب فى النار العذاب النفسى بالتهكم والسخرية من المعذبين وهو العذاب المهين الذى يهين المعذبين ويدوس كرامتهم.

__________________

(١) قرأ نافع تغلي بالتاء وقرأ حفص بالياء على رجوع الضمير إلى الطعام لا إلى المهل.

(٢) العتل القود بعنف وشدة. وقرأ نافع فاعتلوه بضم التاء وقرأ حفص (فَاعْتِلُوهُ) بجر التاء.

(٣) هذا مقول قول محذوف تقديره : قولوا ذق .. والذوق مستعار للإحساس وصيغة الأمر هنا مستعملة في الإهانة وجملة. إنك أنت العزيز الكريم جملة تعليلية للأمر قبله ذق انك. والمراد بها التهكم والازدراء إذ المراد أنك أنت الذليل المهان.

١٨

(إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقامٍ أَمِينٍ (٥١) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (٥٢) يَلْبَسُونَ مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقابِلِينَ (٥٣) كَذلِكَ وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (٥٤) يَدْعُونَ فِيها بِكُلِّ فاكِهَةٍ آمِنِينَ (٥٥) لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلاَّ الْمَوْتَةَ الْأُولى وَوَقاهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ (٥٦) فَضْلاً مِنْ رَبِّكَ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٥٧) فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٥٨) فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ (٥٩))

شرح الكلمات :

(إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقامٍ أَمِينٍ) : أي إن الذين اتقوا ربهم فى الدنيا فآمنوا وعملوا الصالحات بعد اجتناب الشرك والمعاصى فى مجلس آمين لا يلحقهم فيه خوف بحال.

(فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ) : هذا هو المقام الأمين.

(مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ) : أي مارق من الديباج ، وما غلظ منه.

(مُتَقابِلِينَ) : أي لا ينظر بعضهم إلى قفا بعض لأن الأسرة تدور بهم.

(كَذلِكَ ، وَزَوَّجْناهُمْ) : أي الأمر كذلك وزوجناهم.

(بِحُورٍ عِينٍ) : أي بنساء بيض واسعات الأعين.

(يَدْعُونَ فِيها) : أي يطلبون الخدم فيها أن يأتوهم بكل فاكهة.

(آمِنِينَ) : أي من انقطاعها ومن مضراتها ومن كل مخوف.

(لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى) : أي لكن الموتة الأولى فقد ذاقوها.

(فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ) : أي سهلنا القرآن بلغتك.

(لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) : أي يتعظون فيؤمنون ويوحدون لكنهم لا يؤمنون.

(فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ) : أي فانتظر هلاكهم فإنهم منتظرون هلاكك.

١٩

معنى الآيات :

لما ذكر تعالى حال أهل النار عقب عليه بذكر حال أهل الجنة وهذا هو أسلوب الترغيب والترهيب الذى تميز به القرآن الكريم لأنه كتاب دعوة وهداية زيادة على أنه كتاب تشريع وأحكام فقال عز من قائل : (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي) (١) (مَقامٍ أَمِينٍ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ) فأخبر تعالى أن الذين اتقوه فى الدنيا فآمنوا به وأطاعوه فى أمره ونهيه ولم يشركوا به هؤلاء (فِي مَقامٍ أَمِينٍ) أي فى مجلس آمن لا يلحقهم فيه خوف ، وبين ذلك المقام الآمن بقوله (فِي جَنَّاتٍ) أي بساتين وعيون. (يَلْبَسُونَ) أي ثيابهم (مِنْ (٢) سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ) ، والسندس مارق من الحرير والاستبرق ما غلظ منه ، وقوله (مُتَقابِلِينَ) أي لا ينظر بعضهم إلى قفا بعض لأن الأسرة التى هم عليها تدور. وقوله تعالى : (كَذلِكَ) أي الأمر كذلك أي كما وصفنا (وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ (٣) عِينٍ) ، الحوراء من النساء البيضاء ومن فى عينيها حور وهو كبر بياض العين على سوادها والعين جمع عيناء وهى واسعة العينين. وقوله (يَدْعُونَ فِيها بِكُلِّ فاكِهَةٍ آمِنِينَ) أي يطلبون الخدمة أن يوافوهم بكل فاكهة حال كونهم آمنين من انقطاعها ومن ضررها ومن كل مخوف يلحق بسببها أو بسبب غيرها.

وقوله تعالى : (لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى) (٤) أي لا يذوقون فى الجنة الموت بعد الموتة الأولى التى ذاقوها فى الدنيا فإن أهلها لا يمرضون ولا يهرمون ولا يموتون وقوله تعالى : (وَوَقاهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ ،) وهذا دال على أن غير المتقين من الموحدين قد يذوقون عذاب الجحيم قبل دخولهم الجنة بخلاف المتقين فإنهم لا يدخلون النار البتة وقوله تعالى : (فَضْلاً مِنْ رَبِّكَ) أى كان ذلك الإنعام والتكريم فضلا من ربك إذ لم يستوجبوه لمجرد تقواهم وقد قال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى حديث مسلم «سددوا وقاربوا وأبشروا واعلموا أنه لن يدخل أحدكم الجنة عمله» قالوا ولا أنت يا رسول الله قال «ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل». وقوله ذلك هو الفوز العظيم. أي النجاة من النار ودخول الجنة هو الفوز العظيم وهو كما فى قوله من سورة آل عمران : (فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ).

وقوله تعالى : (فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) (٥) أي فإنما سهلنا القرآن بلغتك العربية

__________________

(١) المقام بضم الميم مكان الإقامة ، والمقام بالفتح مكان القيام ويتناول السكن وما يتبعه. وقرأه نافع بضم الميم وقرأه حفص بفتح الميم.

(٢) من سندس من لبيان الجنس والمبين محذوف دل عليه يلبسون أي ثيابا.

(٣) عن ابن مسعود أن المرأة من الحور العين ليرى مخ ساقها من وراء اللحم والعظم. وقال مجاهد إنما سميت الحور حورا لأنهن يحار الطرف في حسنهن وبياضهن وصفاء لونهن ولا منافاة بين هذه الصفات. وروى أن إخراج القمامة من المسجد مهور الحور العين في أثرين أحدهما عن أنس ونصه كنس المساجد مهور الحور العين.

(٤) الاستثناء منقطع أي لكن الموتة الأولى قد ذاقوها في الدنيا.

(٥) الباء سببية أي يسرناه للحفظ والفهم بسبب لغتك العربية إذ المراد باللسان اللغة لا الجارحة المعروفة.

٢٠