أيسر التفاسير لكلام العليّ الكبير - ج ٥

أبي بكر جابر الجزائري

أيسر التفاسير لكلام العليّ الكبير - ج ٥

المؤلف:

أبي بكر جابر الجزائري


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة العلوم والحكم
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٣٩

هداية الآيات :

من هداية الآيات :

١ ـ تقرير عقيدة البعث والجزاء.

٢ ـ أيما قلب خلا من عقيدة البعث والجزاء إلا وصاحبه شر الخلق لا خير فيه البتة.

٣ ـ التنديد بالذين يأكلون أموال اليتامى ويدفعونهم عن حقوقهم استصغارا لهم واحتقارا.

٤ ـ التنديد والوعيد للذين يتهاونون بالصلاة ولا يبالون في أي وقت صلوها وهو من علامات النفاق والعياذ بالله.

٥ ـ منع الماعون من صفات المنافقين والمانع لما المسلمون في حاجة إليه ليس منهم لحديث من لم يهتم بأمور المسلمين فليس منهم فكيف بالذي يمنعهم ما هو فضل عنده وهم في حاجة إليه؟

سورة الكوثر (١)

مكية وآياتها ثلاث آيات

(بسم الله الرحمن الرحيم)

(إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ (١) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (٢) إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (٣))

شرح الكلمات :

(إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ) : أي إنا رب العزة والجلال وهبناك يا نبينا الكوثر أي نهرا في الجنة.

(فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) : أي فاشكر ذلك بصلاتك لربك المنعم عليك وحده وانحر له وحده.

(إِنَّ شانِئَكَ) : أي مبغضك.

(هُوَ الْأَبْتَرُ) : أي الأقل الأذل المنقطع عقبه.

معنى الآيات :

قوله تعالى (إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ (٢) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ) هذه الآيات الثلاث

__________________

(١) وتسمى سورة النحر.

(٢) روى مسلم عن أنس بن مالك قال بينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ذات يوم بين أظهرنا إذ أغفى إغفاءة ثم رفع رأسه وقال أنزلت علي آنفا سورة فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم (إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ) ، ثم قال أتدرون من الكوثر؟ قلنا الله ورسوله أعلم قال فإنه نهر وعدنيه ربي عزوجل عليه خير كثير هو حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة وظاهر هذه الرواية أن سورة الكوثر مدنية ولا مانع من نزولها مرتين مرة بمكة وأخرى بالمدينة.

٦٢١

مختصة برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذ هو المخاطب بها وأنها تحمل طابع التعزية لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقد روي أنه لما مات ابن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم القاسم قال العاص بن وائل السهمي بتر محمد أو هو أبتر أي لا عقب له بعده فأنزل الله تعالى هذه السورة تحمل الرد على العاص والتعزية للرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم والبشرى له ولأمته بالكوثر الذي هو نهر في الجنة حافتاه من الذهب ومجراه على الدر والياقوت وتربته أطيب من المسك وماؤه أحلى من العسل وأبيض من الثلج ، ومن الكوثر يملأ الحوض الذي في عرصات القيامة ولا يرده إلا الصالحون من أمته صلى‌الله‌عليه‌وسلم. فقوله تعالى (إِنَّا أَعْطَيْناكَ) أي خصصناك بالكوثر (١) الذي هو نهر في (٢) الجنة من أعظم أنهارها مع الخير الكثير الذي وهبه الله تعالى لك من النبوة والدين الحق ورفع الذكر والمقام المحمود وقوله (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) (٣) أي فاشكر هذا الإنعام بأن تصلي لربك وحده ولا تشرك به غيره وكذا النحر فلا تذبح لغيره تعالى وفي هذا تعليم لأمته وهل المراد من الصلاة صلاة العيد والنحر الأضحية لا مانع من دخول هذا في سائر الصلوات والنسك وقوله تعالى (إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ) (٤) أي إن مبغضك في كل زمان ومكان هو الأقل الأذل المنقطع النسل والعقب.

هداية الآيات :

من هداية الآيات :

١ ـ بيان إكرام الله تعالى لرسوله محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

٢ ـ تأكيد أحاديث الكوثر وأنه نهر في الجنة.

٣ ـ وجوب الإخلاص في العبادات كلها لا سيما الصلاة والنحر.

٤ ـ مشروعية الدعاء على الظالم.

__________________

(١) لفظ الكوثر يطلق عربية على الخير الكثير كما هي صيغة فوعل نحو النوفل من النفل والجوهر من الجهر والعرب تسمي كل شيء كثير في العدد والقدر كوثرا والكوثر الذي أعطيه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم نهر في الجنة كما في البخاري والنبوة والكتاب والعلم والحكمة.

(٢) في حديث البخاري دخلت الجنة فإذا أنا بنهر حافتاه خيام اللؤلؤ فضربت بيدي إلى ما يجري فيه الماء فإذا مسك أظفر قلت ما هذا يا جبريل؟ قال هذا الكوثر الذي أعطاك الله عزوجل.

(٣) في الآية دليل على وجوب تقديم صلاة العيد على النحر وهو ما عليه جمهور الفقهاء وجائز أن يكون المراد من صل لربك وانحر أي صل صلاة الصبح بمزدلفة وانحر هديك بمنى.

(٤) (الْأَبْتَرُ) حقيقته : المقطوع بعضه وغلب على المقطوع ذنبه من الدواب ويستعار لمن نقص منه ما هو من الخير في نظر الناس تشبيه بالدواب المقطوع أذنابها ومنه الخبطة البتراء التي لم يحمد فيها الله ولم يصل فيها على نبيه محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

٦٢٢

سورة الكافرون

مكية وآياتها ست آيات

(بسم الله الرحمن الرحيم)

(قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ (١) لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ (٢) وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ (٣) وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ (٤) وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ (٥) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (٦))

شرح الكلمات :

(قُلْ) : أي يا رسول الله.

(يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ) : أي المشركون وهم الوليد والعاص وابن خلف والأسود بن المطلب.

(لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ) : أي من الآلهة الباطلة الآن.

(وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ) : أي الآن.

(وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ) : أي في المستقبل أبدا.

(وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ) : أي في المستقبل أبدا لعلم الله تعالى بذلك.

(لَكُمْ دِينُكُمْ) : أي ما أنتم عليه من الوثنية سوف لا تتركونها أبدا حتى تهلكوا.

(وَلِيَ دِينِ) : أي الإسلام فلا أتركه أبدا.

معنى الآيات :

قوله تعالى (قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ) (١) الآيات الست الكريمات نزلت ردا على اقتراح تقدم به بعض المشركين وهم الوليد بن المغيرة والعاص بن وائل السهمي ، والأسود بن المطلب وأمية بن خلف مفاده أن يعبد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم معهم آلهتهم سنة ويعبدون معه إلهه سنة مصالحة بينهم وبينه وإنهاء للخصومات في نظرهم ، ولم يجبهم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم بشيء حتى نزلت هذه السورة (قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ) أي قل يا رسولنا لهؤلاء المقترحين الباطل يا أيها الكافرون بالوحي الإلهي وبالتوحيد

__________________

(١) ورد في فضل هذه السورة أنها تعدل ربع القرآن كسورة الزلزلة والنصر وصح عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه كان يقرؤها في الشفع في الركعة الثانية ويقرأ في الأولى بالأعلى ، وصح أنه كان يقرأ بها وبالصمد في ركعتي الطواف.

٦٢٣

المشركون في عبادة الله تعالى أصناما وأوثانا (لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ) (١) الآن كما اقترحتم (وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ) الآن (ما أَعْبُدُ) لما قضاه الله لكم بذلك ، (وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ) في المستقبل أبدا (وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ) في المستقبل أبدا لأن ربي حكم فيكم بالموت على الكفر والشرك حتى تدخلوا النار لما علمه من قلوبكم وأحوالكم وقبح سلوككم وفساد أعمالكم (لَكُمْ دِينُكُمْ) لا أتابعكم عليه (وَلِيَ دِينِ) (٢) لا تتابعونني عليه. بهذا أيأس الله رسوله من إيمان هذه الجماعة التي كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بطمع في إيمانهم وأيأس المشركين من الطمع في موافقة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم على مقترحهم الفاسد ، وقد هلك هؤلاء المشركون على الكفر فلم يؤمن منهم أحد فمنهم من هلك في بدر ومنهم من هلك في مكة على الكفر والشرك وصدق الله العظيم فيما أخبر به عنهم أنهم لا يعبدون الله عبادة تنجيهم من عذابه وتدخلهم رحمته.

هداية الآيات :

من هداية الآيات :

١ ـ تقرير عقيدة القضاء والقدر وأن الكافر من كفر أزلا والمؤمن من آمن أزلا.

٢ ـ ولاية الله تعالى لرسوله عصمته من قبول اقتراح المشركين الباطل.

٣ ـ تقرير وجود المفاصلة بين أهل الإيمان وأهل الكفر والشرك.

سورة النصر

مدنية وآياتها ثلاث آيات

(بسم الله الرحمن الرحيم)

(إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ (١) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْواجاً (٢) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً (٣))

__________________

(١) التكرار الموجود في الآية المراد منه التأكيد الذي يحمل المقترحين على اليأس من قبول الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم اقتراحهم بعبادة آلهتهم معهم سنة وهذا التكرار وارد في سورة الرحمن وسورة المرسلات ، والتكرار شائع في لغة العرب من ذلك قول الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم فلا آذن ثم لا آذن إنما فاطمة بضعة مني (مسلم) وقال الشاعر :

يا لبكر انشروا لي كليبا

يا لبكر أين أين الفرار

وقال آخر :

يا علقمة يا علقمة يا علقمة

خير تميم كلها وأكرمه

(٢) حذفت ياء الضمير تخفيفا من ولي دين وبه قرأ جمهور القراء.

٦٢٤

شرح الكلمات :

(إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ) : أي نصر الله نبيه محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم على أعدائه المشركين.

(وَالْفَتْحُ) : أي فتح مكة.

(فِي دِينِ اللهِ أَفْواجاً) : أي في الإسلام جماعات جماعات.

(فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ) : أي نزهه عن الشريك ملتبسا بحمده.

(وَاسْتَغْفِرْهُ) : أي أطلب منه المغفرة توبة منك إليه.

معنى الآيات :

قوله تعالى (إِذا جاءَ (١) نَصْرُ اللهِ) (٢) الآيات الثلاث المباركات نزلت في أخريات أيام الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهي تحمل علامة للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم على قرب أجله فقوله تعالى (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ) أي لك يا رسولنا فأصبحت تنتصر على أعدائك في كل معركة تخوضها معهم وجاءك الفتح فتح مكة ففتحها الله عليك وأصبحت دار إسلام بعد أن كانت دار كفر (٣) ، (وَرَأَيْتَ النَّاسَ) من سكان اليمن وغيرهم (يَدْخُلُونَ فِي) دينك الدين الإسلامي (أَفْواجاً) وجماعات جماعة بعد أخرى بعد أن كانوا يدخلون فرادى واحدا واحدا وهم خائفون إذا تم هذا ورأيته

(فَسَبِّحْ (٤) بِحَمْدِ رَبِّكَ) شكرا له على نعمة النصر والفتح ودخول الناس في دينك وانتهاء دين المشركين الباطل. (وَاسْتَغْفِرْهُ) أي اطلب منه المغفرة لما فرط منك مما هو ذنب في حقك لقربك وكمال علمك وأما غيرك فليس هو بالذنب الذي يستغفر منه ويناب إلى الله تعالى منه وقوله تعالى (إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً) أي إن الله تعالى الذي أمرك بالاستغفار توبة إليه كان توابا على عباده يقبل توبتهم فيغفر ذنوبهم ويرحمهم.

هداية الآيات :

من هداية الآيات :

١ ـ مشروعية نعي الميت إلى أهله ولكن بدون إعلان وصوت عال.

__________________

(١) الإجماع على أن آخر سورة نزلت جميعا هي سورة النصر هذه قاله ابن عباس كما في صحيح مسلم.

(٢) النصر : العون مأخوذ من قولهم نصر الغيث الأرض إذا أعان نباتها ومنع من قحطها قال الشاعر :

إذا انسلخ الشهر الحرام فودعي

بلاد تميم وانصري أرض عامر

(٣) روي أن العرب قالت : أما إذا ظفر محمد بأهل الحرم وقد كان الله أجارهم من أصحاب الفيل فليس لكم به يدان ، فكانوا يسلمون أفواجا أمة أمة ، والأمة أربعون رجلا.

(٤) روى مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يكثر من قول سبحان الله وبحمده استغفر الله وأتوب اليه : قالت فقلت يا رسول الله أراك تكثر من قول سبحان الله وبحمده ، استغفر الله وأتوب إليه : قال خبرني ربي اني سأرى علامة في أمتي فإذا رأيتها أكثرت من قول سبحان الله وبحمده أستغفر الله وأتوب إليه فقد رأيتها : (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ.). الخ. وصح أنه كان صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول في ركوعه ، سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي.

٦٢٥

٢ ـ وجوب الشكر عند تحقق النعمة ومن ذلك سجدة الشكر.

٣ ـ مشروعية قول سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي في الركوع.

سورة المسد

مكية وآياتها خمس آيات

(بسم الله الرحمن الرحيم)

(تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (١) ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ (٢) سَيَصْلى ناراً ذاتَ لَهَبٍ (٣) وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (٤) فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ (٥))

شرح الكلمات :

(تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ) : أي خسرت يدا أبي لهب بن عبد المطلب أي خسر عمله.

(وَتَبَ) : أي خسر هو بذاته إذ هو من أهل النار.

(ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ) : أي أي شيء أغنى عنه ماله لما سخط الله تعالى عليه وعذبه في الدنيا والآخرة.

(وَما كَسَبَ) : أي من المال والولد وغيرها.

(سَيَصْلى ناراً) : أي يدخل نارا يصطلي بحرها ولفحها.

(ذاتَ لَهَبٍ) : أي توقد واشتعال.

(وَامْرَأَتُهُ) : أي أم جميل العوراء.

(حَمَّالَةَ الْحَطَبِ) : أي تحمل شوك السعدان وتلقيه في طريق النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أذية له وكرها.

(فِي جِيدِها) : أي في عنقها.

(حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ) : أي من ليف.

معنى الآيات :

قوله تعالى (تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ) الآيات الخمس المباركات نزلت ردا على أبي لهب عم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذ صح أنه لما نزلت آية (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) من سورة الشعراء طلع صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى جبل الصفا ونادى : واصباحاه واصباحاه فاجتمع الناس حوله فقال لهم إني لكم نذير بين يدي عذاب شديد : قولوا لا إله إلا الله كلمة تملكون بها العرب وتدين لكم بها العجم. فنطق أبو لهب فقال :

٦٢٦

ألهذا جمعتنا تبالك طول اليوم فأنزل (١) الله تعالى ردا عليه (تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ) (٢) أي خسر أبو لهب وخسر كل شيء له وهذه جملة دعائية ولذا هلك بمرض (٣) خطير لم يتمكنوا من غسله فأراقوا عليه الماء ، فقط وقوله (وَتَبَ) إخبار من الله تعالى بهلاك عبد العزى أبي لهب وقوله (ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ) (٤) أي لما سخط الله عليه وادخله ناره لم يغن عنه أي لم يدفع عنه العذاب ماله ولا ولده. وقوله تعالى (سَيَصْلى ناراً ذاتَ لَهَبٍ) أي توقد وتأجج. (وَامْرَأَتُهُ) أم جميل العوراء (حَمَّالَةَ الْحَطَبِ) (٥) حيث كانت تأتي بشوك السعدان وتضعه في طريق النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عند ذهابه إلى صلاة الصبح بالمسجد الحرام. وقوله تعالى (فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ) أي في (٦) عنقها حبل من ليف النخل أو مسد شجر الدوم بهذا حكم الله تعالى على أعدائه وأعداء رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

هداية

من هداية الآيات :

١ ـ بيان حكم الله بهلاك أبي لهب وإبطال كيده الذي كان يكيده لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

٢ ـ لا يغني المال ولا الولد عن العبد شيئا من عذاب الله إذا عمل بمساخطه وترك مراضيه.

٣ ـ حرمة أذية المؤمنين مطلقا.

٤ ـ عدم إغناء القرابة شيئا مع الشرك والكفر إذ أبو لهب عم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو في النار ذات اللهب.

__________________

(١) صح أنه لما سمعت امرأة أبي لهب ما نزل فيها وزوجها من القرآن أتت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو جالس في المسجد عند الكعبة ومعه أبو بكر رضي الله عنه وفي يدها فهر من حجارة فلما وقفت عليه أخذ الله بصرها عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فلا ترى إلا أبا بكر ، فقالت يا أبا بكر أين صاحبك قد بلغني أنه يهجوني. والله لو وجدته لضربته بهذا الفهر ، والله إني لشاعرة : مذمما عصينا وأمره أبينا ، ثم انصرفت فقال أبو بكر يا رسول الله أما تراها رأتك؟ قال : ما رأتني لقد أخذ الله بصرها عني.

(٢) سمي أبو لهب بأبي لهب وكان اسمه عبد العزى فسمي باللهب لحسنه وإشراق وجهه. وقال العلماء سمي بأبي لهب لمعان أربع والذي أراه أنه سمي بقضاء وقدر أبا لهب ليكون من أهل النار نظيره اختيار الشيوعيين اليوم شعار الحمرة ، وكلمة اليسار ، لما سبق أنهم أهل النار وأصحاب الشمال وهم أهل النار.

(٣) يسمى المرض الذي أصابه الله به مرض العدسة فمات وأقام ثلاثة أيام لم يدفن حتى أنتن ثم إن ولده غسلوه بالماء من بعيد مخافة عدوى العدسة؟ إذ كانت العرب تتقي هذا المرض كما يتقى الطاعون.

(٤) الكسب يكون حلالا ويكون حراما وخيره ما كان حلالا ، وفي الصحيح حديث عائشة رضي الله عنها إذ قالت قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه وان ولده من كسبه رواه أبو داود.

(٥) قال ابن عباس ومجاهد وقتادة والسدي كانت تمشي بالنميمة بين الناس ، تقول العرب فلان يحطب على فلان إذا ورش عليه أي حرش. قال الشاعر :

إن بني الأدرم حمالوا الحطب

هم الوشاة في الرضا وفي الغضب

ولا منافاة مع ما روي أنها كانت تحمل حزمة الشوك إذ هي تفعل هذا أو ذاك.

(٦) الجيد العنق شاهده قول الشاعر :

وجيد كجيد الريم ليس بفاحش

إذا هي نصته ولا بمعطل

الريم : الظبي الأبيض الخالص البياض. ونصته : رفعته ، والمعطل الذي لا حلي عليه.

٦٢٧

سورة الإخلاص

مكية وآياتها أربع آيات

(بسم الله الرحمن الرحيم)

(قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ (١) اللهُ الصَّمَدُ (٢) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (٣) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ (٤))

شرح الكلمات :

(قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) : أي قل لمن سألك يا نبينا عن ربك هو الله أحد.

(اللهُ الصَّمَدُ) : أي الله الذي لا تنبغي العبادة إلا له ، الصمد : السيد الذي يصمد إليه.

في الحوائج. فهو المقصود في قضاء الحوائج على الدوام.

(لَمْ يَلِدْ) : أي لا يفنى إذ لا شيء يلد إلا وهو فان بائد لا محالة.

(وَلَمْ يُولَدْ) : أي ليس بمحدث بأن لم يكن فكان فهو كائن أولا وأبدا.

(وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) : أي لم يكن أحد شبيه له أو مثيل إذ ليس كمثله شيء.

معنى الآيات :

قوله تعالى (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) (١) الآيات الأربع المباركات نزلت جوابا لمن قالوا للرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم من المشركين انسب (٢) لنا ربك أو صفه لنا فقال تعالى لرسوله محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم قل أي لمن سألوك ذلك (هُوَ اللهُ أَحَدٌ) (٣) (اللهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) أي ربي هو الله أي إلإله الذي لا تنبغي الألوهية إلا له ، ولا تصلح العبادة إلا له أحد في ذاته وصفاته وأفعاله فليس له نظير ولا مثيل في ذلك إذ هو خالق الكل ومالك الجميع فلن تكون المحدثات المخلوقات كخالقها ومحدثها الله أي المعبود الذي لا معبود بحق إلا هو ، الصمد أي السيد المقصود في قضاء الحوائج الذي استغنى عن كل خلقه وافتقر الكل إليه (لَمْ يَلِدْ) أي لم يكن له ولد لانتفاء

__________________

(١) ورد في فضل السورة أنها تعدل ثلث القرآن رواه البخاري وروى مسلم عن عائشة أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعث رجلا على سرية وكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم فيختتم ب (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ). فلما رجعوا ذكروا ذلك للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال سلوه لأي شيء يصنع ذلك؟ فسألوه فقال لأنها صفة الرحمن فأنا أحب أن أقرأ بها فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أخبروه أن الله عزوجل يحبه.

(٢) روى الترمذي عن أبي بن كعب أن المشركين قالوا لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنسب لنا ربك فأنزل الله عزوجل قل هو الله أحد الله الصمد.

(٣) أحد أصلها وحد قلبت الواو فيها همزة قال النابغة :

كان رحلي وقد زال النهار بنا

بذي الجليل على مستأنس وحد

و (أَحَدٌ) مرفوع على أنه خبر لمبتدأ تقديره هو أحد و (هُوَ) ضمير شأن أي المسؤول عنه هو الله أحد.

٦٢٨

من يجانسه إذ الولد يجانس والده ، والمجانسة منفية عنه تعالى إذ ليس كمثله شيء (وَلَمْ يُولَدْ) لانتفاء الحدوث عنه تعالى.

(وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) (١) أي ولم يكن أحد كفوا له ولا مثيلا ولا نظيرا ولا شبيها إذ ليس كمثله شيء وهو السميع البصير. فلذا هو يعرف بالأحدية والصمدية فالأحدية هو أنه واحد في ذاته وصفاته وأفعاله لم يكن له كفو ولا شبيه ولا نظير والصمدية هي أنه المستغني عن كل ما سواه والمفتقر إليه في وجوده وبقائه كل ما عداه كما يعرف بأسمائه وصفاته وآياته.

من هداية الآيات :

١ ـ معرفة الله تعالى بأسمائه وصفاته.

٢ ـ تقرير التوحيد والنبوة.

٣ ـ بطلان نسبة الولد إلى الله تعالى.

٤ ـ وجوب عبادته تعالى وحده لا شريك له فيها ، إذ هو الله ذو الألوهية على خلقه دون سواه.

سورة الفلق

مدنية وآياتها خمس آيات

(بسم الله الرحمن الرحيم)

(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (١) مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ (٢) وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ (٣) وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ (٤) وَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ (٥))

شرح الكلمات :

(أَعُوذُ) : أي استجير واتحصن.

(الْفَلَقِ) : أي الصبح.

__________________

(١) قرأ نافع كفؤا. مهموزا وقرأ حفص (كُفُواً) بإبدال الهمزة واوا تخفيفا.

٦٢٩

(مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ) : من حيوان وجماد.

(غاسِقٍ إِذا وَقَبَ) : أي الليل إذا أظلم أو القمر إذا غاب.

(النَّفَّاثاتِ) : أي السواحر اللاتي ينفثن.

(فِي الْعُقَدِ) : أي في العقد التي يعقدنها.

(حاسِدٍ إِذا حَسَدَ) : أي إذا أظهر حسده وأعمله.

معنى الآيات :

قوله تعالى (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) (١) أنه لما سحر لبيد بن معصم (٢) اليهودي بالمدينة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنزل تعالى المعوذتين فرقاه بهما جبريل فشفاه الله تعالى ولذا فالسورتان مدنيتان وقوله تعالى (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) أي قل يا رسولنا أعوذ أي استجير وأتحصن برب الفلق وهو الله عزوجل إذ هو فالق الإصباح وفالق الحب والنوى ولا يقدر على ذلك إلا هو لعظيم قدرته وسعة علمه. (مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ) أي من شر ما خلق تعالى من الكائنات من حيوان مكلف كالإنسان وغير مكلف كسائر الحيوانات ومن الجمادات أي من شر كل ذي شر منها ومن سائر المخلوقات. وقوله (وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ) أي الليل إذا أظلم والقمر (٣) إذا غاب إذ الظلام بدخول الليل أو بغياب القمر يكون مظنة خروج الحيات السامة والحيوانات المفترسة والجماعات المتلصصة للسطو والسرقة وابتغاء الشر والفساد. وقوله تعالى (وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ) أي وتعوذ بالله برب الفلق من شر السواحر وهن النساء اللاتي ينفثن في كل عقدة يرقين عليها ويعقدنها والنفث هي إخراج هواء من الفم بدون ريق ولذا ورد من عقد عقدة ونفث فيها فقد سحر. وقوله تعالى (وَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ (٤) إِذا حَسَدَ) (٥) أي وتعوذ برب الفلق من شر حاسد أي من الناس إذا حسد أي أظهر حسده فابتغاك بضر أو أرادك بشر أو طلبك بسوء بحسده لك لأن الحسد طلب زوال النعمة عن المحسود وسواء أرادها له أو لم يردها وهو شر الحسد.

__________________

(١) هذه أولى المعوذتين والثانية الناس وقبلهما الصمد قال فيهن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم يتعوذ الناس بمثلهن وفي صحيح البخاري ومسلم عن عائشة أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان إذا اشتكى قرأ على نفسه بالمعوذتين وينفث فلما اشتد وجعه كنت أقرأ عليه وأمسح عنه بيده رجاء بركتها.

(٢) حديث سحر لبيد بن الأعصم اليهودي للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثابت في الصحيح وغيرهما. ومما رقى به جبريل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قوله بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك من شر حاسد وعين والله يشفيك.

(٣) روى الترمذي وصححه عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم نظر إلى القمر فقال يا عائشة استعيذي بالله من شر هذا فإن هذا هو الغاسق إذا وقب.

(٤) روى النسائي عن أبي هريرة أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال من عقد عقدة ثم نفث فيها فقد سحر ومن سحر فقد أشرك ومن تعلق شيئا وكل إليه. لهذا كره بعض السلف النفث في الرقية وقالوا يرقى ولا ينفث ، والجمهور على الجواز.

(٥) الحسد حرام وهو أول ذنب عصى به الله تعالى إذ حسد أبليس آدم وحسد قابيل هابيل وحقيقته تمني زوال النعمة على الغير لتحصل له ، أو لا تحصل وهو شر الحسد.

٦٣٠

هداية الآيات :

من هداية الآيات :

١ ـ وجوب التعوذ بالله والاستعاذة بجنابه تعالى من كل مخوف لا يقدر المرء على دفعه لخفائه أو عدم القدرة عليه.

٢ ـ تحريم النفث في العقد إذ هو من السحر. والسحر كفر وحد الساحر ضربة بالسيف.

٣ ـ تحريم الحسد قطعيا وهو داء خطير حمل ابن آدم على قتل أخيه وحمل إخوة يوسف على الكيد له.

٤ ـ الغبطة ليست من الحسد لحديث الصحيح لا حسد إلا في اثنتين إذ المراد به الغبطة.

سورة الناس

مدنية وآياتها ست آيات

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (١) مَلِكِ النَّاسِ (٢) إِلهِ النَّاسِ (٣) مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ (٤) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (٥) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (٦))

شرح الكلمات :

(أَعُوذُ) : أي أتحصن وأستجير

(بِرَبِّ النَّاسِ) : أي خالقهم ومالكهم.

(مَلِكِ النَّاسِ) : أي سيد الناس ومالكهم وحاكمهم.

(إِلهِ النَّاسِ) : أي معبود الناس بحق إذ لا معبود سواه.

(مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ) : أي من شر الشيطان سمى بالمصدر لكثرة ملابسته له.

(الْخَنَّاسِ) : أي الذي يخنس ويتأخر عن القلب عند ذكر الله تعالى.

(فِي صُدُورِ النَّاسِ) : أي في قلوبهم إذا غفلوا عن ذكر الله تعالى.

(مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ) : أي من شيطان الجن ومن شيطان الإنس.

٦٣١

معنى الآيات :

قوله تعالى (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) هذه السورة هي إحدى المعوذتين الأولى الفلق وهذه الناس والأولى اشتملت على أربع خصال يستعاذ منها وهي من شر كل ذي شيء من سائر الخلق والثانية من شر ما يحدث في الظلام ظلام الليل أو ظلام القمر إذا غاب والثالثة من شر السواحر النفاثات في العقد والرابعة من شر حاسد إذا حسد وقد اشتملت هذه الأربع على كل ما يخاف لأذاه وضرره أما سورة الناس فإنها قد اشتملت على شر واحد إلا أنه أخطر من تلك الأربع وذلك لتعلقه بالقلب ، والقلب إذا فسد فسد كل شيء وإذا صلح صلح كل شيء ولذا كانت سورة الناس خاصة بالتعوذ من شر الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس. فقوله تعالى (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (١) مَلِكِ النَّاسِ إِلهِ النَّاسِ) أمر منه تعالى لرسوله وأمته تابعة له أعوذ أي أتحصن برب الناس أي خالقهم ومالكهم وإلههم الذي لا إله لهم سواه (مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ) (٢) الذي هو الشيطان الموسوس في صدور الناس وذلك بصوت خفي لا يسمع فيلقى الشبه في القلب ، والمخاوف والظنون السيئة ويزين القبيح ويقبح الحسن وذلك متى غفل المرء عن ذكر الله تعالى ، وقوله تعالى (الْخَنَّاسِ) هذا وصف للشيطان من الجن فإنه إذا ذكر العبد ربه خنس أي استتر وكانه غاب ولم يغب فإذا غفل العبد عن ذكر الله عاد للوسوسة. وقوله تعالى (مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ) يعني أن الموسوس للإنسان كما يكون من الجن يكون من الناس والإنسان يوسوس (٤) بمعنى يعمل عمل الشيطان في تزيين الشر وتحسين القبيح. والقاء الشبه في النفس ، وإثارة الهواجس والخواطر بالكلمات الفاسدة والعبارات المضللة حتى إن ضرر الإنسان على الإنسان أكبر من ضرر الشيطان على الإنسان ، إذ الشيطان من الجن يطرد بالاستعاذة وشيطان الإنس لا يطرد بها وإنما يصانع ويدارى للتخلص منه اللهم إنا نعوذ بك من شر كل ذي شر ومن شر الإنس والجن ، فأعذنا ربنا فإنه لا يعيذنا إلا أنت ربنا ولك الحمد والشكر.

__________________

(١) لما كان في الناس ملوك ، وفيهم من يعبد غير الله تعالى ذكر تعالى أنه ملك الناس وإلههم ومعبودهم الحق الذي لا يستحق العبادة سواه فيه يستعاذ وبجنابه يلاذ.

(٢) جائز أن يكون المستعاذ منه لا الوسواس وإنما صاحب الوسواس وهو الشيطان أي من شر ذي الوسواس والوسوسة حديث النفس. صح عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن الوسوسة التي هي حديث النفس الخالية من القول والعمل معفو عنها ولا يؤاخذ به العبد لقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (إن الله عزوجل تجاوز لأمتي عما حدثت أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم به).

(٤) قال مقاتل إن الشيطان في صورة خنزير يجري من ابن آدم مجرى الدم في العروق سلطه الله على ذلك وفي الصحيح إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم.

٦٣٢

هداية الآيات :

من هداية الآيات :

١ ـ وجوب الاستعاذة بالله تعالى من شياطين الإنس والجن.

٢ ـ تقرير ربوبية الله تعالى وألوهيته عزوجل.

٣ ـ بيان لفظ الاستعاذة وهو أعوذ بالله من الشيطان الرجيم كما بينته السنة الصحيحة إذ تلاحى رجلان في الروضة النبوية فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إني أعلم كلمة لو قالها هذا لذهب عنه أي الغضب : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.

٦٣٣

«خاتمة الطبعة الأولى والثانية»

الحمد لله ملء السموات وملء الأرض ، والشكر لله ملأهما وملء ما بينهما والصلاة والسلام التامان الأكملان على نبي الرحمة وقائد الأمة وعلى آله وصحابته والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

وبعد ففي ليلة السبت الثالث والعشرين من محرم الحرام لعام ١٤٠٧ وبالروضة الشريفة من المسجد النبوي الشريف قد تم ختم هذا التفسير المبارك المسمى بأيسر التفاسير لكلام العلي الكبير والحمد لله أولا وآخرا.

هذا وأقدم اعتذاري لأخي القارىء وهو أني لم أستطع الالتزام بما نوهت عليه في مقدمة الكتاب وهو أني لا أزيد على الخمس أو الست آيات في الدرس الواحد ، حيث واجهتني في المفصل بالذات آيات كثيرة لا تزيد على جملة قصيرة نحو (وَالنَّجْمِ إِذا هَوى) فلذا كنت أنظر إلى عدد الأسطر لا إلى عدد الآيات. والله المستعان ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

هذا اعتذار ، وآخر هو أني كتبت هذا التفسير في ظروف مختلفة مرة في الطائرة ، ومرة في الحضر ، وأخرى في السفر ، ومرة والبال مشغول وثانية والجسم معلول ، فلذا قد يجد القارىء أحيانا جفافا في الشرح أو قلقا في العبارة ، يضاف إلى ذلك الخطأ المطبعي الذي أصبح لا ينجو منه كتاب ، ولا يسلم منه خطاب.

وكلمة أخيرة وهي أني ما آلوت جهدا في تحري الحق والصواب وفي التيسير والتسهيل في هذا الكتاب ، وما توفيقي إلا بالله. وعليه فإنه ما كان من كمال فهو من الله ، وما كان من نقصان فإنه مني ، وأعتذر مستغفرا الله تعالى لي ولوالدي وللمؤمنين والمؤمنات ، والمسلمين والمسلمات ، الأحياء منهم والأموات ، ومصليا ومسلما على أشرف المخلوقات وصاحب المعجزات نبينا محمد وآله الطاهرين ، وصحابته أجمعين.

أبو بكر جابر الجزائري

٦٣٤

«خاتمة الطبعة الثالثة»

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ، والصلاة والسلام على أشرف المخلوقات محمد ذي الكمالات ، وآله وصحبه ما أشرقت بنور ربها قلوب المؤمنين والمؤمنات.

وبعد : ففي الروضة الشريفة من المسجد النبوي الشريف ، وبين العشائين من ليلة السبت الموافق لعيد الفطر المبارك من عام ١٤٠٩ من الهجرة النبوية كتبت هذه الكلمة «الخاتمة» (لنهر الخير) على أيسر التفاسير ، فكانت إحدى النعم التي والاها الله ذو الفضل والإنعام على أضعف عباده وأقلهم شأنا ، وأدناهم فضلا ، ولكن الله يمن على من يشاء من عباده وهو ذو الفضل العظيم.

لقد ابتدأت كتابة هذه الحاشية المباركة إن شاء الله تعالى في أواخر محرم الحرام وأنا بين خوف ورجاء : خوف من موافاة الأجل قبل إتمام العمل ، إذ كثيرون ما أتموا ما بدأوا ولا أدركوا ما أملوا أذكر منهم الشيخين الجليلين : محمد عبده ، وتلميذه محمد رشيد رضا ، فقد بدءا تفسيرهما فتركه الأول في سورة النساء وتركه الثاني في سورة يوسف عليه‌السلام وأجابا نداء ربهما وتركا تفسيرهما لم يتماه ولم يكملاه لأمر أراده الله ، فأعظم الله أجرهما وأحسن عزاءنا فيهما ونفعنا بتفسيرهما وقد فعل فله الحمد وله المنة فقد قرأت وطالعت (المنار) أكثر من أربع مرات ، وكنت إذا وصلت إلى موضع انتهاء ما كان الشيخ رشيد يتلقاه عن شيخه ويقول إلى هنا انتهى ما كنت أتلقاه من الشيخ ، يغلبني البكاء فأبكي وأرى أن رزية ما فوقها رزية في موت الشيخين قبل إتمام تفسيرهما.

واستجاب الله لي ووقاني كل ما يعوقني أو يعوقني عن إتمام هذه الحاشية التي أراها ضرورية لأيسر التفاسير الذي ما كتبته وجمعته إلا لعلمي بحاجة المسلمين اليوم إلى مثله فأتم الله علي نعمة من أجل النعم ومنة من أعظم المنن فاللهم لك الحمد ولك الشكر حمدا لا ينتهي وشكرا لا ينقضي ، وكما أنعمت وأفضلت فاغفر وارحم وأنت خير الراحمين واعف وتجاوز وأنت العفو الكريم ، وصل وسلم وبارك على خاتم أنبيائك ، محمد عبدك ورسولك وآله الطاهرين وصحابته أجمعين وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

أبو بكر جابر الجزائري

٦٣٥
٦٣٦

فهرس المجلد الخامس

سورة الدخان.................................................................. ٥

سورة الجاثية................................................................. ٢١

الجزء السادس والعشرون...................................................... ٤٤

سورة الأحقاف.............................................................. ٤٤

سورة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم.................................................. ٦٩

سورة الفتح.................................................................. ٩٢

سورة الحجرات............................................................. ١١٩

سورة ق................................................................... ١٣٦

سورة الذاريات............................................................. ١٥٤

الجزء السابع والعشرون...................................................... ١٦٣

سورة الذاريات من الآية (٣١)............................................... ١٦٣

سورة الطور................................................................ ١٧٣

سورة النجم................................................................ ١٨٧

سورة القمر................................................................ ٢٠٤

سورة الرحمن............................................................... ٢٢٨

سورة الواقعة............................................................... ٢٣٧

سورة الحديد............................................................... ٢٥٧

الجزء الثامن والعشرون....................................................... ٢٨٢

سورة المجادلة............................................................... ٢٨٢

سورة الحشر............................................................... ٣٠٠

سورة الممتحنة.............................................................. ٣١٩

سورة الصف............................................................... ٣٣٤

سورة الجمعة............................................................... ٣٤٤

سورة المنافقون.............................................................. ٣٥٢

سورة التغابن............................................................... ٣٦٠

سورة الطلاق.............................................................. ٣٧١

سورة التحريم............................................................... ٣٨٣

٦٣٧

الجزء التاسع والعشرون...................................................... ٣٩٣

سورة الملك................................................................ ٣٩٣

سورة القلم................................................................ ٤٠٥

سورة الحاقة................................................................ ٤١٩

سورة المعارج............................................................... ٤٢٩

سورة نوح................................................................. ٤٣٢

سورة الجن................................................................. ٤٤٥

سورة المزمل................................................................ ٤٥٥

سورة المدثر................................................................ ٤٦٢

سورة القيامة............................................................... ٤٧٣

سورة الإنسان.............................................................. ٤٨١

سورة المرسلات............................................................. ٤٩٠

الجزء الثلاثون.............................................................. ٥٠٠

سورة النبأ................................................................. ٥٠٠

سورة النازعات............................................................. ٥٠٧

سورة عبس................................................................ ٥١٦

سورة التكوير.............................................................. ٥٢٣

سورة الانفطار............................................................. ٥٢٨

سورة المطففين.............................................................. ٥٣٣

سورة الانشقاق............................................................ ٥٤٢

سورة البروج................................................................ ٥٤٧

سورة الطارق............................................................... ٥٥٢

سورة الأعلى............................................................... ٥٥٥

سورة الغاشية.............................................................. ٥٥٩

سورة الفجر............................................................... ٥٦٤

سورة البلد................................................................. ٥٧١

سورة الشمس.............................................................. ٥٧٥

سورة الليل................................................................. ٥٨٠

سورة الضحى.............................................................. ٥٨٥

سورة الشرح............................................................... ٥٨٧

٦٣٨

سورة التين................................................................. ٥٩٠

سورة العلق................................................................ ٥٩٢

سورة القدر................................................................ ٥٩٧

سورة البينة................................................................ ٥٩٩

سورة الزلزلة................................................................ ٦٠٣

سورة العاديات............................................................. ٦٠٥

سورة القارعة............................................................... ٦٠٨

سورة التكاثر............................................................... ٦١٠

سورة العصر............................................................... ٦١٢

سورة الهمزة................................................................ ٦١٣

سورة الفيل................................................................ ٦١٥

سورة قريش................................................................ ٦١٧

سورة الماعون............................................................... ٦١٩

سورة الكوثر............................................................... ٦٢١

سورة الكافرون............................................................. ٦٢٣

سورة النصر............................................................... ٦٢٤

سورة المسد................................................................ ٦٢٦

سورة الإخلاص............................................................ ٦٢٨

سورة الفلق................................................................ ٦٢٩

سورة الناس................................................................ ٦٣١

خاتمة الطبعة الأولى والثانية.................................................. ٦٣٤

خاتمة الطبعة الثالثة......................................................... ٦٣٥

٦٣٩