أيسر التفاسير لكلام العليّ الكبير - ج ٥

أبي بكر جابر الجزائري

أيسر التفاسير لكلام العليّ الكبير - ج ٥

المؤلف:

أبي بكر جابر الجزائري


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة العلوم والحكم
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٣٩

معنى الآيات :

فاتحة هذه السورة (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي (١) وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ ..). الآيات. نزلت في شأن حاطب بن أبي بلتعة وكان من المهاجرين الذين شهدوا بدرا روى مسلم في صحيحه عن على بن أبي طالب رضي الله عنه قال بعثنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنا والزبير والمقداد فقال ائتوا روضة خاخ «موضع بينه وبين المدينة اثنا عشر ميلا» فإن بها ظعينة «امرأة مسافرة» (٢) معها كتاب فخذوه منها فانطلقنا نهادى خيلنا أي نسرعها فإذا نحن بامرأة فقلنا أخرجي الكتاب ، فقالت ما معي كتاب. فقلنا لتخرجن الكتاب ، أو لتلقنّ الثياب (٣) «أي من عليك» فأخرجته من عقاصها أي من ظفائر شعر رأسها فأتينا به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فإذا به من حاطب بن أبي بلتعة إلى ناس من المشركين من أهل مكة يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : يا حاطب ما هذا؟ فقال لا تعجل عليّ يا رسول الله إنى كنت امرءا ملصقا في قريش «أي كان حليفا لقريش ولم يكن قرشيا» وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون بها أهليهم فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ فيهم يدا يحمون بها قرابتي ، ولم أفعله كفرا ولا ارتدادا عن ديني ولا رضا بالكفر بعد الإسلام وقد علمت أن الله ينزل بهم بأسه وإن كتابي لا يغنى عنهم من الله شيئا ، وأن الله ناصرك عليهم. فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم صدق. فقال عمر رضي الله عنه دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إنه شهد بدرا ، وما يدريك لعل الله أطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم فأنزل الله عزوجل (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) أي يا من صدقتم الله ورسوله (لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ) من الكفار والمشركين (أَوْلِياءَ) أي أنصارا (تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ (٤) بِالْمَوَدَّةِ) أي أسرار النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم الحربية ذات الخطر والشأن. والحال أنهم (قَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِ) الذي هو دين الإسلام بعقائده وشرائعه وكتابه ورسوله. (يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ) من (٥) دياركم بالمضايقة لكم حتى هاجرتم فارين بدينكم ، (أَنْ تُؤْمِنُوا (٦) بِاللهِ رَبِّكُمْ) أي من أجل أن آمنتم بربكم ، أمثل هؤلاء الكفرة الظلمة تتخذونهم أولياء تدلون إليهم بالمودة .. إنه لخطأ جسيم

__________________

(١) العدو : ذو العداوة وهو فعول بمعنى فاعل من عدا يعدو وأصله مصدر على وزن فعول مثل قبول ، ولما كان على وزن المصادر عومل معاملة المصدر فاستوى في الوصف به المفرد والمثنى والجمع والمذكر والمؤنث.

(٢) تسمى سارة مولاة لأبي عمرو بن صيغر بن هاشم بن عبد مناف وهي يومئذ مشركة.

(٣) في رواية ، أو لتلقين الثياب أي : لنجردنك من ثيابك.

(٤) جائز أن تكون جملة : (تُلْقُونَ) في محل نصب على الحال من ضمير (لا تَتَّخِذُوا) والإلقاء حقيقته : رمي ما في اليد على الأرض ، واستعير لإلقاء الشيء بدون تدبر في موقعه أي : تصرفون إليهم مودتكم بدون تأمل في آثارها الضارة.

(٥) الجملة : حال من الضمير في كفروا وحكيت بالمضارع لاستحضار الصورة البشعة في الذهن.

(٦) أي : لأن تؤمنوا بالله ربكم علة وسبب إخراجهم إياكم من دياركم أي : هو اعتداء حملهم عليه أنكم آمنتم بالله ربكم.

٣٢١

ممن فعل هذا.

وقوله تعالى : (إِنْ (١) كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغاءَ مَرْضاتِي) أي إن كنتم خرجتم من دياركم مجاهدين في سبيلي أي لنصرة ديني ورسولي وأوليائي المؤمنين وطلبا لرضاي فلا تتخذوا الكافرين أولياء من دوني تلقون إليهم بالمودة.

وقوله تعالى (تُسِرُّونَ (٢) إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ) أي تخفون المودة إليهم بنقل أخبار الرسول السرية والحال أني (أَعْلَمُ) منكم ومن غيركم (بِما أَخْفَيْتُمْ وَما أَعْلَنْتُمْ). وها قد أطلعت رسولي على رسالتكم المرفوعة إلى مشركي مكة والتى تتضمن فضح سر رسولي في عزمه على غزوهم مفاجأة لهم حتى يتمكن من فتح مكة بدون كثير إراقة دم وإزهاق أنفس.

وقوله تعالى : (وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ) أي الولاء والمودة للمشركين (فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ) أي اخطأ وسط الطريق المأمون من الانحراف يريد جانب الإسلام الصحيح.

وقوله تعالى : (إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْداءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ) أي أنهم أعداؤكم حقا إن يثقفوكم أي يظفروا بكم متمكنين منكم يكونوا لكم أعداء ولا يبالون بمودتكم إياهم ، ويبسطوا إليكم أيدهم بالضرب والقتل وألسنتهم بالسب والشتم وتمنوا كفركم لتعودوا إلى الشرك مثلهم.

وقوله تعالى : (لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحامُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ) (٣) الذين واددتم الكفار من أجلهم من عذاب الله في الآخرة إذ حاطب كتب الكتاب من أجل قرابته وأولاده فبين تعالى خطأ حاطب في ذلك.

وقوله تعالى : (يَوْمَ الْقِيامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ) بأن تكونوا في الجنة أيها المؤمنون ويكون أقرباؤكم وأولادكم المشركون في النار. فما الفائدة إذا من المعصية من أجلهم؟! (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) فراقبوه واحذروه فلا تخرجوا عن طاعته وطاعة رسوله.

هداية الآيات

من هداية الآيات :

١ ـ حرمة موالاة الكافرين بالنصرة والتأييد والمودة دون المسلمين.

__________________

(١) هذه الجملة شرطية ذيّل بها النهي : (لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي) والغرض هو تأكيد الكلام السابق.

(٢) الجملة بيانية لسابقتها ، وجملة : (وَأَنَا أَعْلَمُ) حالية فيها معنى التعجب بضميمة التي قبلها.

(٣) (لَنْ تَنْفَعَكُمْ.). الجملة مستأنفة استئنافا بيانيا إذ الذي يسمع جملة : (وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ) بتطلع إلى ما يترتب على الكفر فيجاب بجملة : لن تنفعهم أرحامهم ولا أولادهم ولو في قوله : (وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ) مصدرية أي : ودوا كفركم.

٣٢٢

٢ ـ الذي ينقل أسرار المسلمين الحربية الى الكافرين على خطر عظيم وإن صام وصلى.

٣ ـ بيان أن الكافرين لا يرحمون المؤمنين متى تمكنوا منهم لأن قلوبهم عمياء لا يعرفون معروفا ولا منكرا بظلمة الكفر في نفوسهم وعدم مراقبة الله عزوجل لأنهم لا يعرفونه ولا يؤمنون بما عنده من نعيم وجحيم يوم القيامة.

٤ ـ فضل أهل بدر وكرامتهم على الله عزوجل.

٥ ـ قبول عذر الصادقين الصالحين ذوى السبق في الإسلام إذا عثر أحدهم اجتهادا منه.

٦ ـ عدم انتفاع المرء بقرابته يوم القيامة إذا كان مسلما وهم كافرون.

(قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ كَفَرْنا بِكُمْ وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَالْبَغْضاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ إِلاَّ قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا وَإِلَيْكَ أَنَبْنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (٤) رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنا رَبَّنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٥) لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (٦))

شرح الكلمات :

قد كان لكم : أي أيها المؤمنون.

(أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) : أي قدوة صالحة.

(فِي إِبْراهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ) : من المؤمنين فأتسوا بهم.

(إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ) : أي المشركين.

(إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) : أي نحن متبرئون منكم ، ومن أوثانكم التي تعبدونها.

٣٢٣

(كَفَرْنا بِكُمْ) : أي جحدنا بكم فلم نعترف لكم بقرابة ولا ولاء.

(وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَالْبَغْضاءُ) : أي ظهر ذلك واضحا جليا لا لبس فيه ولا خفاء.

(حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ) : أي ستستمر عداوتنا لكم وبغضنا إلى غاية إيمانكم بالله وحده.

(وَإِلَيْكَ أَنَبْنا) : أي رجعنا في أمورنا كلها.

(رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا) : أي بأن تظهرهم علينا فيفتنوننا في ديننا ويفتتنون بنا يرون أنهم على حق لما يغلبوننا.

(لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) : أي لقد كان لكم أيها المؤمنون في إبراهيم والذين معه أسوة حسنة.

(لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ) : أي هي أسوة حسنة لمن كان يؤمن بالله ويرجو ما عنده يوم القيامة.

(وَمَنْ يَتَوَلَ) : أي لم يقبل ما أرشدناه إليه من الإيمان والصبر فيعود إلى الكفر.

فإن الله غني حميد : أي فإن الله ليس في حاجة إلى إيمانه وصبره فإنه غنى بذاته لا يفتقر إلى غيره ، حميد أي محمود بآلائه وإنعامه على عباده.

معنى الآيات :

لما حرم تعالى على المؤمنين موالاة الكافرين مع وجود حاجة قد تدعو إلى موالاتهم كما جاء ذلك في اعتذار حاطب بن أبي بلتعة أراد تعالى أن يشجعهم على معاداة الكافرين وعدم موالاتهم بحال من الأحوال لما في ذلك من الضرر والخطر على العقيدة والصلة بالله وهي أعز ما يملك المؤمنون أعلمهم بأنه يوجد لهم (١) أسوة أي قدوة حسنة في إبراهيم خليله والمؤمنين معه (٢) فإنهم على قلتهم وكثرة عدوهم وعلى ضعفهم وقوة خصومهم تبرأوا من أعداء الله وتنكروا لأية صلة تربطهم بهم فقالوا ما قص الله تعالى عنهم في قوله (إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) «من أصنام وأوثان» (كَفَرْنا بِكُمْ) فلم نعترف لكم بوجود يقتضى مودتنا ونصرتنا لكم ، (وَبَدا) أي ظهر (بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ) (٣) (الْعَداوَةُ وَالْبَغْضاءُ) بصورة مكشوفة لا ستار عليها لأننا موحدون وأنتم مشركون ،

__________________

(١) قرأ نافع إسوة بكسر الهمزة ، وقرأها حفص بالرفع وهي القدوة الصالحة.

(٢) هم : سارة زوجه ولوط ابن أخيه فهم المعنيون بقوله تعالى : (وَالَّذِينَ مَعَهُ).

(٣) العداوة : هي المعاملة بالسوء والاعتداء والبغضاء نفرة النفس والكراهية للمبغض.

٣٢٤

لأننا مؤمنون وأنتم كافرون ، وسوف تستمر هذه المعاداة وهذه البغضاء بيننا وبينكم (حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ) ربا وإلها لا ربّ غيره ولا إله سواه إذا فأتسوا أيها المسلمون بإمام الموحدين إبراهيم اللهم إلا ما كان من استغفار ابراهيم لأبيه فلا تأتسوا به ولا تستغفروا لموتاكم المشركين فإن ابراهيم قد ترك ذلك لما علم أن أباه لا يؤمن وأنه يموت كافرا وأنه في النار فقال تعالى (إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ (١) لِأَبِيهِ) «آزر» (لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ) أي غير الاستغفار. وكان هذا عن وعد قطعه له ساعة المفارقة له إذ قال في سورة مريم : (قالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا) وجاء في سورة التوبة قوله تعالى (وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ).

وقوله تعالى (رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا وَإِلَيْكَ أَنَبْنا) أي رجعنا من الكفر إلى الإيمان بك وتوحيدك في عبادتك ، (وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ). أي مصير كل شيء يعود إليك وينتهى عندك فتقضى وتحكم بما تشاء. (رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً (٢) لِلَّذِينَ كَفَرُوا) أي لا تظهرهم علينا فيفتنونا في ديننا ويردونا إلى الكفر ، ويفتنون بنا فيرون أنهم لما غلبونا أنهم على حق ونحن على باطل فيزدادون كفرا ولا يؤمنون.

(وَاغْفِرْ لَنا رَبَّنا) أي ذنوبنا السالفة واللاحقة فلا تؤاخذنا بها (إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ) الغالب المنتقم ممن عصاك (الْحَكِيمُ) في تدبيرك لأوليائك فدبر لنا ما ينفعنا ويرضيك عنا. هذا الابتهال والضراعة من قوله تعالى (رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا) إلى (الْحَكِيمُ) من الجائز أن يكون هذا مما قاله إبراهيم والمؤمنون معه وأن يكون إرشادا من الله للمؤمنين أن يقولوه تقوية لإيمانهم وتثبيتا لهم عليه كما فعل ذلك إبراهيم ومن معه. وقوله تعالى (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِيهِمْ (٣) أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ) تأكيد لما سبق وتقرير له وتحريك للهمم لتأخذ به. وقوله (لِمَنْ (٤) كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ) إذ هم الذين ينتفعون بالعبر ويأخذون بالنصائح لحياة قلوبهم بالإيمان.

وقوله تعالى : (وَمَنْ يَتَوَلَ) أي عن الأخذ بهذه الأسوة فيوالى الكافرين فإن الله غني عن إيمانه وولايته له التي استبدلها بولاية أعدائه حميد أي محمود بآلائه وإنعامه على خلقه.

__________________

(١) الاستثناء منقطع إذ هذا القول ليس من جنس قولهم : (إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ) إذ قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك هو رفق بأبيه وهو مغاير للتبرؤ.

(٢) الفتنة : اضطراب الحال وفساده ، ومعنى الآية : سؤال الله تعالى أن لا يجعلهم فتنة للذين كفروا أي : أن لا يسلط عليهم الذين كفروا حتى لا يفتنوهم في دينهم ويجوز أن يكون فتنة : اسم فاعل أي : لا تجعلنا بضعفنا فاتنين لهم صارفين لهم عن الإسلام كما هو في التفسير وهو واضح غاية الوضوح.

(٣) (فِيهِمْ) : أي في ابراهيم والمؤمنين معه ، والأسوة الحسنة : القدوة الصالحة أي : اقتدوا بهم في البراءة من الشرك والمشركين.

(٤) هذه الجملة بدل من جملة : (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ.) ..

٣٢٥

هداية الآيات

من هداية الآيات :

١ ـ وجوب الاقتداء بالصالحين في الإيتساء بهم في الصالحات.

٢ ـ حرمة موالاة الكافرين ووجوب معاداتهم ولو كانوا أقرب قريب.

٣ ـ كل عداوة وبغضاء تنتهى برجوع العبد إلى الإيمان والتوحيد بعد الكفر والشرك.

٤ ـ لا يجوز الاقتداء في غير الحق والمعروف فإذا أخطأ العبد الصالح فلا يتابع على الخطأ.

٥ ـ وجوب تقوية المؤمنين بكل أسباب القوة لأمرين الأول خشية أن يغلبهم الكافرون فيفتنوهم في دينهم ويردوهم إلى الكفر والثاني حتى لا يظن الكافرون الغالبون أنهم على حق بسبب ظهورهم على المسلمين فيزدادوا كفرا فيكون المسلمون سببا في ذلك فيأثمون للسببية في ذلك.

(عَسَى اللهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللهُ قَدِيرٌ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٧) لا يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (٨) إِنَّما يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ وَظاهَرُوا عَلى إِخْراجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٩))

شرح الكلمات :

(عادَيْتُمْ مِنْهُمْ) : أي من كفار قريش بمكة طاعة لله واستجابة لأمره.

(مَوَدَّةً) : أي محبة وولاء وذلك بأن يوفقهم للإيمان والإسلام فيؤمنوا ويسلموا ويصبحوا أولياءكم.

(وَاللهُ قَدِيرٌ) : أي على ذلك وقد فعل فأسلم بعد الفتح أهل مكة إلا قليلا منهم.

(لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ) : أي من أجل الدين.

(أَنْ تَبَرُّوهُمْ) : أي تحسنوا إليهم.

٣٢٦

(وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ) : أي تعدلوا فيهم فتنصفوهم

(إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) : أي المنصفين العادلين في أحكامهم ومن ولوا.

(وَظاهَرُوا عَلى إِخْراجِكُمْ) : أي عاونوا وناصروا العدو على إخراجكم من دياركم.

(أَنْ تَوَلَّوْهُمْ) : أي تتولهم بالنصرة والمحبة.

(فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) : لأنهم وضعوا الولاية في غير موضعها ، والظلم هو وضع الشيء في غير موضعه.

معنى الآيات :

ما زال السياق الكريم في بيان حكم الموالاة للكافرين فإنه لما حرم تعالى ذلك ، وكان للمؤمنين قرابات كافرة وبحكم إيمانهم واستجابتهم لنداء ربهم قاطعوهم فبشّرهم تعالى في هذه الآية الكريمة بأنه عزوجل قادر على أن يجعل بينهم وبين أقربائهم مودة فقال عز من قائل (عَسَى اللهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ) أي من المشركين (مَوَدَّةً) (١). وذلك بأن يوفقهم للإسلام ، وهو على ذلك قدير وقد فعل وله الحمد والمنة فقد فتح على رسوله مكة وبذلك آمن أهلها إلا قليلا فكانت المودة وكان الولاء والإيخاء مصداقا لقوله عزوجل عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة (وَاللهُ قَدِيرٌ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) فقد تاب عليهم بعد أن هداهم وغفر لهم ما كان منهم من ذنوب ورحمهم.

وقوله تعالى : (لا يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ (٢) الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ) بمضايقتكم أن تبروهم أي بالإحسان إليهم بطعام (٣) أو كسوة أو إركاب وتقسطوا أي تعدلوا فيهم بأن تنصفوهم وهذا عام في كل الظروف الزمانية والمكانية وفي كل الكفار. ولكن بالشروط التى ذكر تعالى. وهي :

أولا : أنهم لم يقاتلونا من أجل ديننا.

__________________

(١) هذا بعد أن يسلم الكافرون ويوحد المشركون وفعلا فقد أسلم قوم منهم بعد فتح مكة ووالاهم المسلمون كأبي سفيان بن حرب والحارث بن هشام وسهيل بن عمرو وحكيم بن حزام ومن مظاهر هذه المودة تزوج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بأم حبيبة بنت أبي سفيان وبذلك لانت عريكة أبي سفيان واسترخت شكيمته في العداوة حتى إنه لما بلغه تزوج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بها قال : ذلك الفحل لا يقدح أنفه أي : لا يضرب أنفه ، وهي كلمة مدح.

(٢) اختلف في هل هذه الآية محكمة أو منسوخة بقتال المشركين؟ والذي عليه أكثر أهل العلم سلفا وخلفا أنها محكمة بما ذكر فيها من شروط وأن العمل بها باق ببقاء الإسلام كما هو في التفسير.

(٣) روى البخاري ومسلم وأبو داود أن قتيلة أم أسماء بنت أبي بكر الصديق قدمت عليها أمها في فترة الهدنة بين الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمشركين وأهدتها قرطا وأشياء فكرهت أن تقبل ذلك فأتت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فذكرت له ذلك فأذن لها في قبول هدية أمها واستأذنته في صلتها؟ فقال لها صلي أمك.

٣٢٧

وثانيا : لم يخرجونا من ديارنا بمضايقتنا وإلجائنا إلى الهجرة.

وثالثا : أن لا يعاونوا عدوا من أعدائنا بأي معونة ولو بالمشورة والرأي فضلا عن الكراع والسلاح.

وقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) ترغيب لهم في العدل والانصاف حتى مع الكافر وقوله تعالى (إِنَّما يَنْهاكُمُ اللهُ) عن موالاة الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا أي أعانوا (عَلى إِخْراجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ) أي ينهاكم عن موالاتهم. (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ) منكم معرضا عن هذا الإرشاد الإلهي والأمر الرباني (فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) أي لأنفسهم المتعرضون لعذاب الله ونقمته لوضعهم الموالاة في غير موضعها بعد ما عرفوا ذلك وفهموه.

هداية الآيات

من هداية الآيات :

١ ـ بيان حكم الموالاة الممنوعة والمباحة في الإسلام.

٢ ـ الترغيب في العدل والإنصاف بعد وجوبهما للمساعدة على القيام بهما.

٣ ـ تقرير ما قال أهل العلم : أن عسى من الله تفيد وقوع ما يرجى بها ووجوده لا محالة. بخلافها من غير الله فهي للترجى والتوقع وقد يقع ما يترجى بها وقد لا يقع.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ وَسْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْئَلُوا ما أَنْفَقُوا ذلِكُمْ حُكْمُ اللهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (١٠) وَإِنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْواجُهُمْ مِثْلَ ما أَنْفَقُوا وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (١١))

٣٢٨

شرح الكلمات :

(إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ) : أي المؤمنات بألسنتهن مهاجرات من الكفار.

(فَامْتَحِنُوهُنَ) : أي اختبروهن بالحلف أنهن ما خرجن الا رغبة في الإسلام لا بغضا لأزواجهن ، ولا عشقا لرجال من المسلمين.

(فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ) : أي صادقات في إيمانهن بحسب حلفهن.

(فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ) : أي لا تردوهن إلى الكفار بمكة.

(لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَ) : لا المؤمنات يحللن لأزواجهن الكافرين ، ولا الكافرون يحلون لأزواجهم المؤمنات.

(وَآتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا) : أي وأعطوا الكفار أزواج المؤمنات المهاجرات المهور التى أعطوها لأزواجهم.

(وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَ) : أي مهورهن ، وإن لم يتم طلاق من أزواجهن لانفساخ العقد بالإسلام. وبعد انقضاء العدة في المدخول بها وباقى شروط النكاح.

(وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ) : أي زوجاتكم ، لقطع إسلامكم للعصمة الزوجية. وكذا من ارتدت ولحقت بدار الكفر. إلا أن ترجع إلى الإسلام قبل انقضاء عدتها فلا يفسخ نكاحها وتبقى العصمة إن كان مدخولا بها.

(وَسْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ) : أي أطلبوا ما أنفقتم عليهن من مهور في حال الارتداد.

(وَلْيَسْئَلُوا ما أَنْفَقُوا) : أي على المهاجرات من مهور في حال إسلامهن.

(وَإِنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ) : أي بأن فرت امرأة أحدكم إلى الكفار ولحقت بهم ولم يعطوكم مهرها فعاقبتم أي الكفار فغنمتم منهم غنائم.

(فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْواجُهُمْ مِثْلَ ما أَنْفَقُوا) : أي فأعطوا الذين ذهبت أزواجهم إلى الكفار مثل ما أنفقوا عليهن من مهور.

(وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ) : أي وخافوا الله الذي أنتم به مؤمنون فأدوا فرائضه واجتنبوا نواهيه.

٣٢٩

معنى الآيتين :

قوله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ) الآيتين (١٠) و (١١) نزلتا بعد صلح الحديبية إذ تضمنت وثيقة الصلح أن من جاء الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم من مكة من الرجال رده إلى مكة ولو كان مسلما ، ومن جاء المشركين من المدينة لم يردوه إليه ولم ينص عن النساء ، وأثناء ذلك جاءت أم كلثوم بنت عقبة (١) بن أبي معيط مهاجرة من مكة إلى المدينة فلحق بها أخواها عمار (٢) والوليد ليردّاهما إلى قريش فنزلت هذه الآية الكريمة فلم يردها عليهما صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) (٣) أي يا من آمنتم بالله ربا وإلها وبمحمد نبيّا ورسولا والإسلام دينا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات من دار الكفر إلى دار الإسلام (فَامْتَحِنُوهُنَ) (٤) (اللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ ـ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَ) أي غلب على ظنكم أنهن (مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ) وصورة الامتحان أن يقال لها احلفى بالله أي قولي بالله الذي لا إله إلا هو ما خرجت إلا رغبة في الإسلام لا بغضا لزوجي ، ولا عشقا لرجل مسلم.

وقوله تعالى : (لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَ) لأن الإسلام فصم تلك العصمة التي كانت بين الزوج وزوجته ، إذ حرم الله نكاح المشركات ، وإنكاح المشركين ، ولذا لم يأذن الله تعالى في ردهن إلى أزواجهن الكافرين.

وقوله تعالى (وَآتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا) إذا جاء زوجها المشرك يطالب بها أعطوه ما أنفق عليها من مهر والذي يعطيه هو جماعة المسلمين وإمامهم.

وقوله تعالى : (وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَ) أي تتزوجهن (إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَ) أي مهورهن مع باقي شروط النكاح من ولي وشاهدين وانقضاء العدة في المدخول بها.

وقوله تعالى : (وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ) أي إذا أسلم الرجل وبقيت امرأته مشركة انقطعت عصمة الزوجية وأصبحت لا تحل لزوجها الذي أسلم ، وكذا إذا ارتدت امرأة مسلمة

__________________

(١) وكذلك جاءت سبيعة الأسلمية مهاجرة هاربة من زوجها صيفي ، وجاءت أميمة بنت بشر هاربة من زوجها ثابت بن الشمراخ ، فجاء أزواجهن مطالبين بهن فقال زوج سبيعة للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إن طينة الكتاب الذي بيننا وبينك لم تجف بعد فنزلت هذه الآية.

(٢) ذكر القرطبي أن أخوي أم كلثوم أتيا النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم مع أختهما مهاجرين وأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ردهما على المشركين ولم يرد أختهما أم كلثوم وكانت تحت عمرو بن العاص وهو مشرك يومئذ ، وذكر ابن كثير : أن أخوي أم كلثوم وفدا يطالبان بأختهما لا مهاجرين وهذا الظاهر.

(٣) لما كانت المعاهدة لم تنص على النساء بلفظ صريح وهو لفظ أحد وهو صالح للرجال والنساء نزلت هذه الآية مخرجة للنساء من عموم لفظ (أحد) فالآية مبينة أو ناسخة والكل صالح.

(٤) اختلف في صيغة الامتحان فقال ابن عباس : كانت المحنة أن تستحلف بالله أنها ما خرجت من بغض زوجها ولا رغبة عن أرض إلى أرض ولا التماس دنيا ولا عشقا لرجل منا بل حبا لله ورسوله فإن حلفت على ذلك ، أعطى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم زوجها مهرها وما أنفق عليها ولم يردها.

٣٣٠

ولحقت بدار الكفر فإن العصمة قد انقطعت ، ولا يحل الإمساك بها وفائدة ذلك لو كان تحت الرجل نسوة له أن يزيد رابعة لأن التي ارتدت أو التي كانت مشركة واسلم وهي في عصمته لا تمنعه من أن يتزوج رابعة لأن الإسلام قطع العصمة لقوله تعالى ولا تمسكوا بعصم الكوافر والعصم جمع عصمة.

وقوله تعالى : (وَسْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ) اطلبوا من المرتدة ما أنفقتم عليها من مهر يؤدى لكم (وَلْيَسْئَلُوا) هم (ما أَنْفَقُوا) وأعطوهم ايضا مهور نسائهم اللائي أسلمن وهاجرن إليكم وقوله تعالى : (ذلِكُمْ حُكْمُ اللهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ) بخلقه وحاجاتهم (حَكِيمٌ) في قضائه وتدبيره فليسلم له الحكم وليرض به فإنه قائم على أساس المصلحة للجميع.

وقوله تعالى (وَإِنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعاقَبْتُمْ فَآتُوا) (١) (الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْواجُهُمْ مِثْلَ ما أَنْفَقُوا) أي وإن ذهب بعض نسائكم إلى الكفار مرتدات ، وطالبتم بالمهور فلم يعطوكم ، ثم غزوتم وغنمتم فأعطوا من الغنيمة قبل قسمتها الذي ذهبت زوجته إلى دار الكفر ولم يحصل على تعويض أعطوه مثل ما أنفق. وقوله : (وَاتَّقُوا (٢) اللهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ) أي خافوا عقابه فأطيعوه في أمره ونهيه ولا تعصوه.

هداية الآيتين :

من هداية الآيتين :

١ ـ وجوب امتحان المهاجرة فإن علم اسلامها لا يحل إرجاعها الى زوجها الكافر لأنها لا تحل له ، واعطاؤه ما أنفق عليها من مهر. ويجوز بعد ذلك نكاحها بمهر وولي وشاهدين إن كانت مدخولا بها فبعد انقضاء عدتها وإلا فلا حرج في الزواج بها فورا.

٢ ـ حرمة نكاح المشركة.

٣ ـ لا يجوز الإبقاء على عصمة الزوجة (٣) المشركة ، وللزوج المسلم الذي بقيت زوجته على الكفر ، أو ارتدت بعد إسلامها أن يطالب بما أنفق عليها من مهر وللزوج الكافر الذي أسلمت زوجته وهاجرت ان يسأل كذلك ما أنفق عليها.

٤ ـ ومن ذهبت زوجته ولم يردّ عليه شيء مما أنفق عليها ، ثم غزا المسلمون تلك البلاد وغنموا

__________________

(١) (عاقبتم) أي : غزوتم فغنمتم فأعطوا الذين ذهبت أزواجهم من المسلمين. حكى الثعلبي : عن ابن عباس أن ستا من النسوة رجعن عن الإسلام ولحقن بالمشركين وسماهن واحدة واحدة وأكرمهن : أم الحكم بنت أبي سفيان وفي هذه نزلت الآية.

(٢) الجملة تذييلية المراد منها تحريض المؤمنين على الوفاء بما أمروا به ونهوا عنه واتبع اسم الجلالة بجملة (الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ) إشارة إلى أن الإيمان يبعث على التقوى التي هي : امتثال واجتناب.

(٣) اختلف في الرجل يسلم وتحته كافرة أو كافرة تسلم وهي تحت زوج كافر. والذي عليه الشافعي وأحمد أن العصمة تبقى مدة العدة فإذا انقضت العدة ولم يسلم الكافر منهما يفرق بينهما ولا يحلان لبعضهما. وقال مالك : يفرق بينهما من يوم إسلام أحدهما.

٣٣١

فإن من ذهبت زوجته ولم يعوض عنها يعطى ما أنفقه من الغنيمة قبل قسمتها. وإن لم تكن غنيمة فجماعة المسلمين وإمامهم يساعدونه ببعض ما أنفق من باب التكافل والتعاون.

٥ ـ وجوب تقوى الله تعالى بتطبيق شرعه وانفاذ أحكامه والرضا بها.

(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ عَلى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللهِ شَيْئاً وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٢) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَما يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحابِ الْقُبُورِ (١٣))

شرح الكلمات :

(إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ) : أي يوم الفتح والرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم على الصفا وعمر أسفل منه.

(فَبايِعْهُنَ) : أي على أن لا يشركن بالله شيئا إلى ولا يعصينك في معروف.

(أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللهِ) : أي أي شيء من الشرك أو الشركاء.

(وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَ) : أي كما كان أهل الجاهلية يقتلون البنات وأدا لهن.

(وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ) : أي بكذب يكذبنه فيأتين بولد ملقوط وينسبنه الى الزوج وهو ليس بولده.

(وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ) : أي ما عرفه الشرع صالحا حسنا فأمر به وانتدب إليه. أو ما عرفه الشرع منكرا محرما.

(فَبايِعْهُنَ) : أي اقبل بيعتهن.

(وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللهَ) : أي أطلب الله تعالى لهن المغفرة لما سلف من ذنوبهن وما قد يأتي.

(قَوْماً غَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ) : أي اليهود.

٣٣٢

(قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ) : أي من ثوابها مع إيقانهم بها ، وذلك لعنادهم النبي مع علمهم بصدقه.

(كَما يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحابِ الْقُبُورِ) : أي كيأس من سبقهم من اليهود الذين كفروا بعيسى وماتوا على ذلك فهم أيضا قد يئسوا من ثواب الآخرة.

معنى الآيات :

قوله تعالى (يا أَيُّهَا النَّبِيُ) إلى قوله (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) هذه آية بيعة النساء ، فقد بايع عليها رسول الله (١) صلى‌الله‌عليه‌وسلم نساء قريش يوم الفتح وهو جالس على الصفاء وعمر دونه أسفل منه ، وهو يبايع ، وطلب إليه أن يمد يده فقال إنّي لا أصافح النساء فبايعهن (عَلى أَنْ لا يُشْرِكْنَ (٢) بِاللهِ شَيْئاً) أي من الشرك أو الشركاء (وَلا يَسْرِقْنَ ، وَلا يَزْنِينَ ، وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَ) كما كان نساء الجاهلية يئدن بناتهن (وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ) أي كذب (يَفْتَرِينَهُ) أي يكذبنه (بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَ) أي لا يلحقن بأزواجهن غير أولادهن ، (وَلا يَعْصِينَكَ فِي) (٣) (مَعْرُوفٍ) بصورة عامة وفي النياحة بصورة خاصة إذ كان النساء في الجاهلية ينحن على الأموات ويشققن الثياب ويخدشن الوجوه قال تعالى (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ عَلى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللهِ شَيْئاً وَلا يَسْرِقْنَ ، وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ ، وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ ، فَبايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللهَ) فيما مضى من ذنوبهن وما قد يأتي (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).

وقوله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) أي يا من صدقتم الله ورسوله (لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ) وهم اليهود لا تتولوهم بالنصرة والمحبة و (قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ) أي من ثواب الله فيها بدخول الجنة وذلك لعنادهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وكفرهم به مع علمهم أنه رسول الله ومن كفر به وكذبه أو عانده وحاربه لا يدخل الجنة فلذا هم آيسون من دخول الجنة. وقوله تعالى (كَما يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ (٤)

__________________

(١) في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت : (كان المؤمنات إذا هاجرن إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يمتحن بقول الله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ ..). الخ الآية وكان صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا أقررن بذلك بقولهن قال لهن صلى‌الله‌عليه‌وسلم انطلقن فقد بايعتكن ولا والله ما مست يد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يد امرأة قط غير أنه يبايعهن بالكلام).

(٢) روي أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما قال : (على أن لا يشركن بالله شيئا قالت هند بنت عتبة وهي متنقبة والله إنك لتأخذ علينا أمرا ما رأيتك أخذته على الرجال وكان بايع الرجال يومئذ على الإسلام والجهاد فقط ولما قال : ولا يسرقن قالت هند : إن أبا سفيان رجل شحيح وإني أصيب من ماله قوتا فقال أبو سفيان هو لك حلال فضحك النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعرفها لأنها كانت متنكرة لما نالت من حمزة رضي الله عنه وقال : أنت هند؟ فقالت : عفا الله عما سلف. ثم قال : ولا يزنين فقالت هند : أو تزني الحرة؟

(٣) قال قتادة : لا ينحن ولا تخلو امرأة منهن إلا بذي محرم وفي صحيح مسلم عن أم عطية : لما نزلت هذه الآية قالت يا رسول الله إلا آل فلان فإنهم كانوا أسعدوني في الجاهلية فلا بد أن أسعدهم فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلا آل فلان فأذن لها أن تفي بوعدها.

(٤) (كَما يَئِسَ الْكُفَّارُ) صالح لأن يكون معنى الكلام كما يئس الكفار من عودة أصحاب القبور إليهم. وكما يئس أصحاب القبور من العودة إلى الحياة الأولى ، وما في التفسير اختيار ابن جرير رحمه‌الله تعالى.

٣٣٣

أَصْحابِ الْقُبُورِ) أي كما يئس إخوانهم الذين ماتوا قبلهم من دخول الجنة إذ كفروا بعيسى عليه‌السلام وحاربوه ووالدته واتهموا عيسى بالسحر ووالدته بالعهر ، والعياذ بالله فيئس هؤلاء من دخول الجنة كما يئس من مات منهم ممن هم أصحاب قبور.

هداية الآيتين

من هداية الآيتين :

١ ـ مشروعية أخذ البيعة لإمام المسلمين ووجوب الوفاء بها.

٢ ـ حرمة الشرك وما ذكر معه من السرقة والزنا وقتل الأولاد والكذب والبهتان وإلحاق الولد بغير أبيه.

٣ ـ حرمة النياحة وما ذكر معها من شق الثياب وخمش الوجوه والتحدث مع الرجال الأجانب.

٤ ـ بعد الحرة كل البعد من الزنا إذ قالت هند وهي تبايع أو تزني الحرة؟ قال لا تزني الحرة.

٥ ـ حرمة مصافحة النساء لقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في البيعة إني لا أصافح النساء.

٦ ـ حرمة موالاة اليهود بالنصرة والمحبة.

سورة الصّف

مدنية وآياتها أربع عشرة آية

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ (٢) كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ (٣) إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ (٤) وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا

٣٣٤

زاغُوا أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (٥) وَإِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ (٦))

شرح الكلمات :

(سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) : أي نزه وقدس بلسان القال والحال جميع ما في السموات وما في الأرض من كائنات.

(وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) : أي العزيز الغالب على أمره الحكيم في تدبيره وصنعه.

(لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ) : أي لأي شيء تقولون قد فعلنا كذا وكذا وأنتم لم تفعلوا؟ والاستفهام هنا للتوبيخ والتأنيب.

(كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ) : أي عظم مقتا والمقت : أشد البغض والمقيت والممقوت المبغوض.

(أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ) : أي قولكم ما لا تفعلون يبغضه الله أشد البغض.

(صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ) : أي صافين : ومرصوص ملزق بعضه ببعض لا فرجة فيه.

(لِمَ تُؤْذُونَنِي) : أي إذ قالوا أنه آدر كذبا فوبخهم على كذبهم وأذيتهم له.

(وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ) : أي أتؤذونني والحال أنكم تعلمون أني رسول الله إليكم.

(فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ) : أي فلما عدلوا عن الحق بإيذائهم موسى أزاغ الله قلوبهم أي أمالها عن الهدى.

(وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ) : أي الذين فسقوا وتوغلوا في الفسق فما أصبحوا أهلا للهداية.

(يا بَنِي إِسْرائِيلَ) : أي أولاد يعقوب الملقب بإسرائيل ، ولم يقل يا قوم كما قال موسى لأنه لم يكن منهم لأنه ولد بلا أب ، وأمه صديقة.

(مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَ) : أي قبلى من التوراة.

٣٣٥

(يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ) : هو محمد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأحمد أحد أسمائه الخمسة المذكوران والماحى ، والعاقب والحاشر.

(فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْبَيِّناتِ) : أي على صدق رسالته بالمعجزات الباهرات.

(قالُوا : هذا سِحْرٌ مُبِينٌ) : أي قالوا في المعجزات إنها سحر.

معنى الآيات :

قوله تعالى (سَبَّحَ لِلَّهِ (١) ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) يخبر تعالى أنه قد سبحه جميع ما في السموات وما في الأرض بلسان القال والحال ، وأنه العزيز الحكيم العزيز الغالب على أمره لا يمانع في مراده الحكيم في صنعه وتدبيره لملكه. بعد ما أثنى تعالى على نفسه بهذا خاطب المؤمنين بقوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ) (٢) (تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ) (٣) لفظ النداء عام والمراد به جماعة من المؤمنين قالوا لو نعلم أحب الأعمال إلى الله تعالى لفعلناه فلما علموه ضعفوا عنه ولم يعملوا فعاتبهم الله تعالى في هذه الآية ولتبقى تشريعا عاما إلى يوم القيامة فكل من يقول فعلت ولم يفعل فقد كذب وبئس الوصف الكذب ومن قال سأفعل ولم يفعل فهو مخلف للوعد وبئس الوصف خلف الوعد وهكذا يربى الله عباده على الصدق والوفاء. وقوله تعالى (كَبُرَ (٤) مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ) أي قولكم نفعل ولم تفعلوا مما يمقت عليه صاحبه أشد المقت أي يبغض أشد البغض.

وقوله تعالى (إِنَّ اللهَ يُحِبُ (٥) الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا) أي صافين متلاصقين لا فرجة بينهم (كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ) بعضه فوق بعض لا خلل فيه ولا فرجة كأنه ملحم بالرصاص.

وقوله تعالى : (وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ) (٦) أي اذكر إذ قال موسى لقومه من بني اسرائيل (يا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ) والحال أنكم تعلمون أني رسول الله إليكم حقا وصدقا ، وقد آذوه بشتى أنواع الأذى بألسنتهم السليطة وآرائهم الشاذة من ذلك قولهم إن موسى آدر ولذا هو لا يغتسل معنا ، ومعنى آدر به أدرة وهي انتفاخ الخصية.

__________________

(١) في جامع الترمذي عن عبد الله بن سلام قال : قعدنا نفرا من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فتذاكرنا فقلنا : لو نعلم أي الأعمال أحبّ إلى الله لعملناه فأنزل الله تعالى : (سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ.). الخ السورة. ورواه الحاكم وأحمد وغيره.

(٢) اللام حرف جر والميم حرف استفهام وهو هنا إنكاري توبيخي.

(٣) النداء بوصف الإيمان فيه التعريض بأن الإيمان من شأن صاحبه أن لا يخلف إذا وعد وأن يفي إذا نذر لأنه روح وصاحبه حيّ قادر على الفعل والترك بخلاف الكفر وأهله.

(٤) (مَقْتاً) : منصوب على التمييز وهو تمييز نسبة والتقدير : كبر ممقوتا قولكم ما لا تفعلون.

(٥) هذا جواب لقولهم : لو نعلم أحب الأعمال إلى الله تعالى لعملناه فبيّن لهم أحب الأعمال إليه وهو أحب العاملين عنده فله الحمد وله المنة.

(٦) لعلّ وجه المناسبة بين قصة موسى هنا وعتاب المؤمنين على فرار من فر يوم أحد هو : أن قوم موسى أيضا جبنوا عن قتال عدوهم وقالوا لموسى : (فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ).

٣٣٦

وقوله تعالى : (فَلَمَّا زاغُوا) أي مالوا عن الحق بعد علمه غاية العلم فآثروا الباطل على الحق والشر على الخير والكفر على الإيمان عاقبهم الله فصرف قلوبهم عن الهدى نقمة منه تعالى عليهم ، وذلك لأنّه سنته تعالى فيمن عرض عليه الخبر فأباه بعد علمه به ، ثم دعى إليه فلم يستجب ثم رغب فيه فلم يرغب وواصل الشر مختارا له عندئذ يصبح ما اختار من الفسق أو الكفر أو الظلم أو الإجرام طبعا له وخلقا ثابتا لا يتبدل ولا يتغير. وعلى هذا يؤول مثل قوله تعالى والله لا يهدى القوم الفاسقين ، والله لا يهدي القوم الظالمين ، والله لا يهدي القوم المجرمين ، والله لا يهدي القوم الكافرين لأنه تعالى أضلهم حسب سنته في الإضلال فلا يستطيع أحد غيره تعالى أن يهدي عبدا أضله الله على علم وهذا معنى قوله تعالى من سورة النحل (فَإِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُ).

وقوله تعالى : (وَإِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ (١) يا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ) أي اذكر يا رسولنا للاتعاظ والعبرة قول عيسى بن مريم لليهود : يا بني اسرائيل نسبهم إلى جدهم يعقوب الملقب باسرائيل بن اسحق بن ابراهيم الخليل عليهم‌السلام. (إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ) وهذا برهان على صدقي في دعوتي إذ لم أخالف فيما أدعو إليه من عبادة الله وحده ما في التوراة كتاب الله عزوجل وهو بين أيديكم فوفاقنا دال على أن مصدر تشريعنا واحد هو الله عزوجل فكما آمنتم بموسى وهرون وداود وسليمان آمنوا بي فإني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ، (وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ (٢) أَحْمَدُ) ، فلهذا قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنا دعوة (٣) أبي إبراهيم وبشارة عيسى ، إذ ابراهيم لما كان يبنى البيت مع اسماعيل كانا يتقاولان ما أخبر تعالى به في قوله : (رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ.). الآية. وقوله تعالى (فَلَمَّا جاءَهُمْ) أي محمد (٤) صلى‌الله‌عليه‌وسلم (بِالْبَيِّناتِ) أي بالحجج الدالة على صدق رسالته ووجوب اتباعه في العقيدة والشريعة كفروا به و (قالُوا) في القرآن (هذا سِحْرٌ مُبِينٌ) كما قالها فرعون مع موسى. وكما قالتها اليهود مع عيسى عليه‌السلام.

__________________

(١) وجه مناسبة قصة عيسى لما قبلها أن بني اسرائيل كما فسقوا عن أمر الله وعصوا رسوله موسى فسقوا كذلك عن أمر الله وعصوا عيسى وكفروا فكان هذا تعزية لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما لقيه ويلقاه من اليهود.

(٢) هل الاسم هو عين المسمى؟ خلاف كبير والصحيح : أن الاسم هو اللفظ الدال على ذات به تتميز عن سائر الذوات.

(٣) رواه ابن اسحق بسند جيد ورواه أحمد بألفاظ مختلفة.

(٤) جائز أن يكون الضمير في جاءهم عائد إلى عيسى عليه‌السلام وعلى محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذ كلاهما قيل فيه سحر أو ساحر قرأ الجمهور (سحرا) في الآيات وقرأ بعضهم : ساحر أي : محمد أو عيسى عليهما‌السلام.

٣٣٧

هداية الآيات

من هداية الآيات :

١ ـ بيان غنى الله تعالى عن خلقه وأنه سبح لله ما في السموات وما في الأرض وأن ما شرعه لعباده من العبادات والشرائع إنما هو لفائدتهم وصالح أنفسهم يكملوا عليه أرواحا واخلاقا ويسعدوا به في الحياتين.

٢ ـ حرمة الكذب وخلف الوعد إذ قول القائل أفعل كذا ولم يفعل كذب وخلف وعد. ولذا كان قوله من المقت الذي هو أشد البغض ، ومن مقته الله فقد أبغضه أشدّ البغض وكيف يفلح من مقته الله.

٣ ـ فضيلة الجهاد والوحدة والاتفاق وحرمة الخلاف والقتال والصفوف ممزقة حسيا أو معنويا.

٤ ـ التحذير من مواصلة الذنب بعد الذنب فإنه يؤدى إلى الطبع وحرمان الهداية.

٥ ـ بيان كفر اليهود بعيسى عليه‌السلام وازدادوا كفرا بكفرهم بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

٦ ـ بيان كفر النصارى إذ رفضوا بشارة عيسى وردوها عليه ولم يؤمنوا بالمبشر به محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعى إِلَى الْإِسْلامِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٧) يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ (٨) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (٩))

شرح الكلمات :

(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ الْكَذِبَ) : أي لا أحد أعظم ظلما ممن يكذب على الله فينسب إليه الولد والشريك ، والقول والحكم وهو تعالى برىء من ذلك.

(وَهُوَ يُدْعى إِلَى الْإِسْلامِ) : أي والحال أن هذا الذي يفترى الكذب على الله يدعى إلى الإسلام الذي هو الاستسلام والانقياد لحكم الله وشرعه.

(وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) : أي من ظلم ثم ظلم وواصل الظلم يصبح الظلم طبعا له فلا يصبح قابلا للهداية فيحرمها حسب سنة الله تعالى في ذلك.

٣٣٨

(لِيُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ) : أي يريد المشركون بكذبهم على الله وتشويه الدعوة الإسلامية ، ومحاربتهم لأهلها يريدون إطفاء نور الله القرآن وما يحويه من نور وهداية بأفواههم وهذا محال فإنّ إطفاء نور الشمس أو القمر أيسر من إطفاء نور لا يريد الله إطفاءه.

(هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى) : أي أرسل رسوله محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالهدى أي بالهداية البشرية.

(وَدِينِ الْحَقِ) : أي الإسلام إذ هو الدين الحق الثابت بالوحى الصادق.

(لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) : أي لينصره على سائر الأديان حتى لا يبقى إلا الإسلام دينا.

(وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) : أي ولو كره نصره وظهوره على الأديان المشركون الكافرون.

معنى الآيات :

يقول تعالى (وَمَنْ أَظْلَمُ (١) مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ الْكَذِبَ) والحال أنه (يُدْعى إِلَى الْإِسْلامِ) الدين الحق إنه لا أظلم من هذا الإنسان أبدا ، إن ظلمه لا يقارن بظلم هذا معنى قوله تعالى في الآية الأولى (٧) (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ الْكَذِبَ). أي اختلق الكذب على الله عزوجل وقال له كذا وكذا أو قال أو شرع كذا وهو لم يقل ولم يشرع. كما هى حال مشركى قريش نسبوا إليه الولد والشريك وحرموا السوائب والبحائر والحامات وقالوا في عبادة أصنامهم لو شاء الله ما عبدناهم إلى غير ذلك من الكذب والاختلاق على الله عزوجل. وقوله (وَهُوَ يُدْعى إِلَى الْإِسْلامِ) إذ لو كان أيام الجاهلية حيث لا رسول ولا قرآن لهان الأمر أما أن يكذب على الله والنور غامر والوحي ينزل والرسول يدعو ويبين فالأمر أعظم والظلم أظلم.

وقوله تعالى في الآية الثانية (٨) (يُرِيدُونَ (٢) لِيُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ) (٣) أي يريد أولئك الكاذبون على الله القائلون في الرسول : ساحر وفي القرآن إنه سحر مبين إطفاء نور الله الذي هو القرآن وما حواه من عقائد الحق وشرائع الهدى وبأى شيء يريدون إطفاءه إنه بأفواههم وهل نور الله يطفأ بالأفواه كنور شمعة أو مصباح. إن نور الله متى أراد الله إتمامه إطفاء نور القمر أو الشمس أيسر من إطفائه فليعرفوا هذا وليكفوا عن محاولاتهم الفاشلة فإن الله يريد أن يتم (٤) نوره وَلَوْ كَرِهَ

__________________

(١) الاستفهام وإن كان للنفي فهو متضمن الإنكار الشديد على كل من المشركين وأهل الكتابين إذ الجميع افتروا على الله الكذب ، فالمشركون قالوا : الملائكة بنات الله ، واليهود قالوا : عزيز ابن الله ، والنصارى قالوا : عيسى ابن الله.

(٢) استئناف بياني ناشيء عن الاخبار عنهم بأنهم افتروا على الله الكذب في الوقت الذي هم يدعون إلى الإسلام فلما فضحهم القرآن راموا اطفاء نور الله الذي هو كتابه ورسوله ودينه بأفواههم بالكذب والدعاوى الباطلة بل والحروب الشرسة القاسية.

(٣) اللام في (لِيُطْفِؤُا) زائدة لتأكيد الكلام وتقويته إذ الأصل يريدون إطفاء نور الله.

(٤) (وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ) قرأ نافع بتنوين الميم من متمم ونصب نوره على المفعولية ، وقرأ حفص بدون تنوين على أن متم مضاف إلى نور ونور مضاف إلى الضمير.

٣٣٩

المشركون إنه تعالى (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِ) دين الله الحق الذي هو الإسلام (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) وذلك حين نزول عيسى إذ يبطل يومها كل دين ولم يبق الا الإسلام (وَلَوْ كَرِهَ) ذلك (الْمُشْرِكُونَ) فإن الله مظهره لا محالة.

هداية الآيات

من هداية الآيات :

١ ـ عظم جرم الكذب على الله وأنه من أفظع أنواع الظلم.

٢ ـ حرمان الظلمة المتوغلين في الظلم من الهداية.

٣ ـ إيئاس المحاولين إبطال الإسلام وانهاء وجوده بأنهم لا يقدرون إذ الله تعالى أراد إظهاره فهو ظاهر منصور لا محالة.

٤ ـ تقرير نبّوة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (١٠) تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١١) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٢) وَأُخْرى تُحِبُّونَها نَصْرٌ مِنَ اللهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (١٣) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصارَ اللهِ كَما قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوارِيِّينَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللهِ فَآمَنَتْ طائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ وَكَفَرَتْ طائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظاهِرِينَ (١٤))

شرح الكلمات :

(هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ) : أي أرشدكم إلى تجارة رابحة.

(تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ) : أي الربح فيها هو نجاتكم من عذاب مؤلم يتوقع لكم.

(تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ) : أي تصدقون بالله ربّا وإلها وبمحمد نبيا ورسولا لله تعالى.

٣٤٠