أيسر التفاسير لكلام العليّ الكبير - ج ١

أبي بكر جابر الجزائري

أيسر التفاسير لكلام العليّ الكبير - ج ١

المؤلف:

أبي بكر جابر الجزائري


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مكتبة العلوم والحكم
الطبعة: ٣
الصفحات: ٦٦٤
١

٢

٣

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة

الحمد لله تعالى نحمده ونستعينه ، ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسئيات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضلّ له ومن يضلل فلا هادى له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، أرسله بالحق بشيرا ونذيرا بين يدى الساعة. من يطع الله ورسوله فقد رشد ، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئا.

أمّا بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدى هدى محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة

ثم أما بعد أيضا فهذا تفسير موجز لكتاب الله تعالى القرآن الكريم وضعته مراعيا فيه حاجة المسلمين اليوم إلى فهم كلام الله تعالى الذى هو مصدر شريعتهم ، وسبيل هدايتهم وهو عصمتهم من الأهواء وشفاؤهم من الأدواء ، قال تعالى (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) وقال تعالى (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا). وقال تعالى (قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ ، وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ). ومراعيا فيه أيضا رغبة المسلمين اليوم في دراسة كتاب الله وفهمه والعمل به ، وهى رغبة لم تكن لهم منذ قرون عدة حيث كان القرآن يقرأ على الأموات دون الأحياء ويعتبر تفسيره خطيئة من الخطايا وذنبا من الذنوب ، إذ ساد بين المسلمين القول : بأن تفسير القرآن : صوابه خطأ وخطأه كفر ، فلذا القارىء يقرأ : (وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً) ، والناس حول ضريح الولى المدفون في ناحية المسجد يدعونه بأعلى

٤

أصواتهم : يا سيدى يا سيدى كذا وكذا ولا يجرؤ أحد أن يقول : يا إخواننا لا تدعوا السيد فإن الله تعالى يقول : (وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً) ويقرأ القارىء (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ). ويسمعه من يسمعه ، ولا يخطر على باله أن الآية تصرح بكفر من لم يحكم بما أنزل الله ، وأن أكثر المسلمين مورّطون فى هذا الكفر حيث تركوا تحكيم الشريعة الاسلامية الى تحكيم القوانين الملفقة من قوانين الشرق والغرب وهكذا كان يقرأ القرآن على أموات الأحياء وأحياء الأموات فلا يرى له أثر في الحياة.

هذا ونظرا لليقظة الاسلامية اليوم فقد تعين وضع تفسير سهل ميسر يجمع بين المعنى المراد من كلام الله ، وبين اللفظ القريب من فهم المسلم اليوم. تبيّن فيه العقيدة السلفية المنجية ، والأحكام الفقهية الضرورية. مع تربية ملكة التقوى فى النفوس ، بتحبيب الفضائل وتبغيض الرذائل ، والحث على أداء الفرائض واتقاء المحارم. مع التجمل بالأخلاق القرآنية والتحلى بالآداب الربانية. وقد هممت بالقيام بهذا المتعين عدة مرات في ظرف سنوات ، وكثيرا ما يطلب منى مستمعوا دروسي فى التفسير في المسجد النبوى أن لو وضعت تفسيرا للمسلمين سهل العبارة قريب الاشارة يساعد على فهم كلام الله تعالى ، وكنت أعد أحيانا وأتهرب أحيانا أخرى ، حتى ختمت التفسير ثلاث مرات وقاربت الرابعة ، وأنا بين الخوف والرجاء وشاء الله تعالى أن أجلس في أواخر محرم عام ١٤٠٦ ه‍ ، الى فضيلة الدكتور عبد الله بن صالح العبيد رئيس الجامعة الاسلامية ويلهم أن يقول لى : لو أنك وضعت تفسيرا على غرار الجلالين يحل محله في المعاهد ودور الحديث تلتزم فيه العقيدة السلفية التى خلا منها تفسير الجلالين فضرّ كثيرا بقدر ما نفع ، وصادف في النفس رغبتها فأجبته بأن سأفعل ان شاء الله تعالى. وبهذا الوعد تعينت واستعنت الله تعالى وشرعت وفي أوائل رجب من العام نفسه تم تأليف المجلد الأول الحاوى لثلث القرآن الكريم وفي أول رمضان كان المجلد الأول قد طبع والحمد لله ، وواصلت التأليف والله أسأل أن يتم في أقرب وقت ، وأن يتقبله منى وهو منه وله ، فينتفع به كل مسلم يقرأه بنيّة معرفة مراد الله تعالى

٥

من كلامه ليعرف ربّه معرفة تكسبه خشيته ومحبته ويعرف محابه تعالى ليتقرب بفعلها إليه ، ويعرف مساخطه ليتجنبها خوفا مما لديه.

هذا وإن مميزات هذا التفسير التى بها رجوت أن يكون تفسير كل مسلم ومسلمة لا يخلو منه بيت من بيوت المسلمين هي :

١ ـ الوسطيّة بين الاختصار المخل ، والتطويل الممل.

٢ ـ اتباع منهج السلف في العقائد والأسماء والصفات.

٣ ـ الالتزام بعدم الخروج عن المذاهب الأربعة في الأحكام الفقهية.

٤ ـ اخلاؤه من الإسرائيليات صحيحها وسقيمها. إلا ما لا بد منه لفهم الآية الكريمة وكان مما تجوز روايته لحديث .. وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج.

٥ ـ إغفال الخلافات التفسيرية.

٦ ـ الالتزام بما رجحه ابن جرير الطبري في تفسيره عند اختلاف المفسرين في معنى الآية ، وقد لا آخذ برأيه في بعض التوجيهات للآية.

٧ ـ إخلاء الكتاب من المسائل النحوية والبلاغية والشواهد العربية.

٨ ـ عدم التعرض للقراءات الا نادرا جدا للضرورة حيث يتوقف معنى الآية على ذلك وبالنسبة للأحاديث فقد اقتصرت على الصحيح والحسن منها دون غيرهما ، ولذا لم أعزها إلى مصادرها إلا نادرا

٩ ـ خلو هذا التفسير من ذكر الأقوال وان كثرت والالتزام بالمعنى الراجح والذى عليه جمهور المفسرين من السلف الصالح. حتى إن القارىء لا يفهم ان هناك معنى غير الذى فهم من كلام ربه تعالى ، وهذه ميزة جليلة وذلك لحاجة جمع المسلمين على فكر اسلامى موحد صائب سليم.

١٠ ـ التزمت في هذا التفسير بالخطة التى مثلتها هذه المميزات رجاء أن يسهل على المسلمين تناول كتاب الله دراسة وتطبيقا وعملا لا هم لهم إلا مرضاة الله بفهم كلامه والعمل به ، والحياة عليه عقيدة وعبادة وخلقا وأدبا وقضاء وحكما ، فلذا أخليته من كل ما من شأنه أن يشتت الذهن ، أو يصرف عن العمل الى القول والجدل.

٦

ولذا فقد جعلت الكتاب دروسا منظمة متسقة فقد أجعل الآية الواحدة درسا فأشرح كلماتها ، ثم أبين معناها ، ثم أذكر هدايتها المقصودة منها للاعتقاد والعمل. وقد أجعل الآيتين درسا ، والثلاث آيات والأربع والخمس ولا أزيد على الخمس إلا نادرا ، وذلك طلبا لوحدة الموضوع وارتباط المعنى به.

وقد جعلت الآيات مشكولة على قراءة حفص وبخط المصحف وإنى أطالب المسلم أن يقرأ أولا الآيات حتى يحفظها ، فإذا حفظها درس كلماتها حتى يفهمها ، ثم يدرس معناها حتى يعيه ، ثم يقرأ هداياتها للعمل بها. فيجمع بين حفظ كتاب الله تعالى وفهمه والعمل به ، وبذلك يسود ويكمل ويسعد إن شاء الله تعالى. وقد جاء في الحديث (١) «أن الله تعالى يرفع بهذا الكتاب أقواما ، ويضع آخرين» فمن قرأه بحسن نيّة فحفظه وفهمه وعمل به وعلمه فقد يدعى في السماء عظيما ، وفي الحديث الصحيح «خيركم من تعلم القرآن وعلمه». اللهم اجعلنى وسائر المؤمنين ممن يفوزون بهذه الخيرية فيتعلمون كتابك ويعملون به ويعلمونه يا حىّ يا قيوم.

وأخيرا أطالب كل مؤمن ومؤمنة يقرأ تفسيرى هذا المسمى : بأيسر التفاسير لكلام الله العلى الكبير أن يستغفر لي ويترحم علىّ هذا حقى عليه اللهم وفقه لأدائه واغفر لى وله وارحمنى وإياه وسائر المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلّى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

وكتبه الراجى عفو ربه ورضوانه أبو بكر جابر الجزائري

المدينة المنورة ١٧ رمضان ١٤٠٦ ه

__________________

(١) رواه مسلم.

[تنبيه]

مراجع هذا التفسير أربعة وهى : جامع البيان في تفسير القرآن لابن جرير الطبري ، تفسير الجلالين المحلى والسيوطى ، تفسير المراغى ، تيسير الكريم الرحمن لعبد الرحمن بن ناصر السعدى رحمهم‌الله أجمعين وجمعنا معهم في جنات النعيم.

٧

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة الطبعة الثالثة

الحمد لله ذي الفضل والإنعام ، والصلاة والسّلام على محمد خير الأنام ، وآله الأماجد وصحبه الكرام ، وبعد : فإنه نظرا إلى حاجة طلبة العلم إلى المزيد من المعرفة وكان «أيسر التفاسير» قد وضع وضعا خاصا ، إذ الباعث عليه كان تقريب معاني كتاب الله تعالى إلى أفهام عامة المسلمين ، وتجلية الأحكام الشرعية لهم ليعبدوا ربهم باعتقاد الحق ، وبالعمل بما شرع دون ما ابتدع مزكّين نفوسهم بذلك مكملين آدابهم مهذبين أخلاقهم بما أودع الله جل جلاله كتابه من مناهج التربية الروحية والأخلاقية والآداب النفسية ، وهو ما صرحت به أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وقد سئلت عن خلق النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقالت : كان خلقه القرآن. إذ لم يقل الله تعالى ـ فيما علمنا ـ في كتاب من كتبه (تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ) إلّا في القرآن الكريم ، ومرة أخرى أقول : إنه نظرا إلى حاجة طلبة العلم إلى المزيد من المعرفة وضعت هذه الحاشية التي هي أشبه بتعليق على «أيسر التفاسير» وأسميتها (نهر الخير) أودعت فيها مع مراعاة الاختصار بعض ما يرغب طالب العلم في معرفته والحصول عليه من شاهد لغة ، أو بيان ، أو أثر جميل ، أو مستند حديث جليل ، أو كشف عن وجه لآية ذات وجوه ، أو الوقوف على سر من أسرار القرآن أو عجيبة من عجائب القرآن ، التي لا تنقضي بمرور الزمان ، ولا تنتهي بتعاقب الملوان. وأهم من ذلك تصويب رأي ، أو تصحيح خطأ وقعا في التفسير ، مع إزالة إبهام ، أو إضافة بعض الأحكام.

والله تعالى أسأل أن يكون عملي فيه صالحا ، ولوجهه تعالى خالصا ، وأن ينفع بنهر الخير كما نفع بأيسر التفاسير إنه بر رحيم وعلى كل شيء قدير.

أبو بكر جابر الجزائري

٨

الجزء الأول

سورة الفاتحة

وهي مكية وآياتها (١) سبع

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (١))

(الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٢)

الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (٣) مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (٤)

إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (٥) اهْدِنَا

الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (٦) صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ

عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ

وَلا الضَّالِّينَ (٧))

شرح الكلمات :

التفسير (٢) : لغة الشرح والبيان. واصطلاحا : شرح كلام الله ليفهم مراده تعالى منه فيطاع في أمره ونهيه ، ويؤخذ بهدايته وارشاده. ويعتبر بقصصه ، ويتعظ بمواعظه.

السورة : السورة (٣) قطعة من كتاب الله تشتمل على ثلاث آيات فأكثر. وسور القرآن الكريم مائة وأربع عشرة سورة أطولها «البقرة» (٤) وأقصرها «الكوثر».

الفاتحة : فاتحة كل شىء بدايته. وفاتحة القرآن الكريم الحمد لله رب العالمين

__________________

(١) الآية : في اللغة العلامة. ومنه قول الشاعر :

توهمت ايات لها فعرفتها

لستة أعوام وإذا العام سابع.

(٢) مصدر فسر تفسيرا وفعله المجرّد فسر كنصر فسرا إذا أبان الكلام وكشف معناه.

(٣) لفظ السورة مشتق إمّا من سور البلد لارتفاعها وعلو شأنها أو من سور الشراب وهي البقية إذ هي بقية من كتاب الله تعالى أي قطعة منه. وكونها مشتقة من الرفعة وعلو الشأن أولى ، ويشهد لذلك قول الشاعر :

ألم تر أنّ الله أعطاك سورة

ترى كل ملك دونها يتذبذب

(٤) أطول آية في القرآن ، آية الدّين في آخر البقرة ، وأقصر آية فيه (مُدْهامَّتانِ) ، من سورة الرحمن.

٩

ولذا سميت الفاتحة. ولها أسماء (١) كثيرة منها أم القرآن. والسبع (٢) المثانى. وأم الكتاب (٣) ، والصلاة. (*)

مكية : المكىّ من السور : ما نزل بمكة ، والمدنىّ منه ما نزل بالمدينة. والسور المكية غالبها يدور على بيان العقيدة وتقريرها والاحتجاج بها وضرب المثل لبيانها وتثبيتها. وأعظم أركان العقيدة : توحيد الله تعالى في عبادته ، وإثبات نبوة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وتقرير مبدأ المعاد والدار الآخرة. والسور المدنية يكثر فيها التشريع وبيان الأحكام من حلال وحرام.

: الآيات : جمع آية وهى لغة : العلامة. وفي القرآن : جملة من كلام الله تعالى تحمل الهدى للناس بدلالتها على وجود الله تعالى وقدرته وعلمه ، وعلى نبوة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ورسالته. وآيات القرآن الكريم ستّ آلاف ومائتا آية وزيادة (٤). وآيات الفاتحة سبع (٥) بدون البسملة

الاستعاذة (٦)

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

شرح الكلمات

الاستعاذة : قول العبد : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

أعوذ : أستجير وأتحصن

بالله : بربّ كل شىء والقادر على كل شىء والعليم بكل شىء وإله الأولين والآخرين.

__________________

(١) بلغ بها صاحب الاتقان ، نيّفا وعشرين اسما ، ولم يرد في السنة من ذلك سوى أربع : فاتحة الكتاب ، وأم القرآن ، والسبع المثاني ، وأم الكتاب.

(٢) سميت بالسبع المثاني لأنها تثني أي تكرّر في كل ركعة من الصلاة.

(٣) سميت بأم الكتاب لاشتمالها على أصول ما جاء في القرآن من العقائد والعبادات والشرائع والقصص.

(٤) الزيادة تتراوح ما بين أربع آيات إلى أربعين آية على خلاف بين القراء.

(٥) وقيل البسملة هي الآية السابعة ، وإليه ذهب الشافعي فأوجب قراءتها في الصلاة وعلى القول الراجح بأن البسملة ليست آية ، فالآية السابقة هي : (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ) ويكون (صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) الآية السادسة.

(٦) العياذ بالله تعالى يكون للاستجارة بالله من المكروه ، واللّياذ بالله تعالى يكون لطلب المحبوب يشهد لهذا قول الشاعر :

يا من ألوذ به فيما أؤمله

ومن أعوذ به ممن أحاذره

لا يجبر الناس عظما أنت كاسره

ولا يهيضون عظما أنت جابره

(*) لقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن ربه : قسمت الصلاة بيني وبين عبدي قسمين ولعبدي ما سأل فإذا قال الحمد لله رب العالمين قال الله حمدني عبدي ... الحديث رواه النسائي وغيره

١٠

الشيطان : إبليس لعنه الله.

الرجيم : المرجوم المبعد المطرود من كل رحمة وخير.

معنى الاستعاذة :

أستجير وأتحصن بالله ربى من الشيطان الرجيم أن يلبّس علّى قراءتى. أو يضلّنى فأهلك وأشقى.

حكم الاستعاذة :

يسن (١) لكل من يريد قراءة شىء من القرآن سورة فأكثر أن يقول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ثم يقرأ. كما يستحب لمن غضب ، أو خطر بباله خاطر سوء أن يستعيذ كذلك.

البسملة

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

شرح الكلمات :

البسملة : قول العبد : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

الاسم : لفظ جعل علامة على مسمّى يعرف به ويتميّز عن غيره.

(اللهِ) (٢) : إسم علم على ذات الربّ تبارك وتعالى يعرف به.

(الرَّحْمنِ) (*) : اسم من أسماء الله تعالى مشتق من الرحمة دال على كثرتها فيه تعالى.

(الرَّحِيمِ) : إسم وصفة لله تعالى مشتق من الرحمة ومعناه ذو الرحمة بعباده المفيضها عليهم في الدنيا والآخرة.

معنى البسملة :

ابتدىء (٣) قراءتى متبركا باسم الله الرحمن الرحيم مستعينا به عزوجل.

__________________

(١) لقول الله تعالى : (فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ) من سورة النحل.

(٢) اسم لم يسمّ به غير الله تعالى ، وهل هو جامد أو مشتق من أله يأله إلهة ، وألوهة إذا عبد ، فالإله بمعنى المألوه أي المعبود ، فلفظ إله اسم جنس يطلق على كل معبود بباطل كسائر الآلهة أو بحق كالله جلّ جلاله.

(٣) يقدر متعلق الجار والمجرور بحسب المقام فالقارىء يقول : أبتدئى قراءتي والكاتب يقول أبتدىء كتابتي ، والآكل يقول : أبتدىء أكلي وهكذا.

(*) روى أن عيسى عليه‌السلام قال : الرحمن رحمان الدنيا والآخرة والرحيم رحيم الآخرة وأعم منه قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : رحمان الدنيا والآخرة ورحيمهما.

١١

حكم البسملة :

مشروع للعبد مطلوب منه أن يبسمل عند قراءة كل سورة من كتاب الله تعالى الا عند قراءة سورة التوبة فإنه لا يبسمل وان كان في الصلاة المفروضة يبسمل سرا إن كانت الصلاة جهرية.

ويسن للعبد أن يقول باسم الله (١). عند الأكل والشرب ، ولبس الثوب. وعند دخول المسجد والخروج منه ، وعند الركوب. وعند كل أمر (٢) ذى بال.

كما يجب عليه أن يقول بسم الله والله أكبر عند الذبح والنحر.

(١) (الْحَمْدُ (٣) لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ)

شرح الكلمات :

(الْحَمْدُ) : الوصف بالجميل ، والثناء به على المحمود ذى الفضائل والفواضل ، كالمدح (٤) والشكر (٥)

(لِلَّهِ) : اللام حرف جر ومعناها الاستحقاق أى أن الله مستحق لجميع المحامد والله علم على ذات الرب تبارك وتعالى.

الرب : السيد المالك المصلح المعبود (٦) بحق جل جلاله.

(الْعالَمِينَ) : جمع عالم وهو كل ما سوى الله تعالى ، كعالم الملائكة وعالم الجن وعالم الانس وعالم الحيوان ، وعالم النبات.

__________________

(١) لحديث : سمّ الله وكل بيمينك ، وهو في الصحيح.

(٢) لحديث : كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله فهو أبتر والحديث وإن كان ضعيفا فإن العمل به لما في معناه من أحاديث صحاح.

(٣) الحمد لله أعظم سورة في القرآن لحديث البخاري عن أبي سعيد بن المعلى أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال له : لأعلمنك أعظم سورة في القرآن ، وقوله له ما أنزل في التوراة ولا في الإنجيل ولا في القرآن مثلها.

(٤) هناك فرق بين المدح والحمد ، فالحمد يكون على الجميل الاختياري كما يحمد الله تعالى على لطفه ورحمته وإحسانه وأما المدح فإنه يكون على الاختياري والاضطراري كما يمدح الإنسان على جمال وجهه وهو ليس فعله وعلى إحسانه الذي هو عمله الاختياري والثناء المدح وتكراره مرة بعد مرة.

(٥) الشكر : الثناء باللّسان على المنعم بما أولى من النعم ، فهو أخص من الحمد موردا إذ مورده النعمة فقط وأعمّ متعلقا إذ متعلقه القلب واللّسان والجوارح لقول القائل :

أفادتك النعماء مني ثلاثة

يدي ولساني والضمير المحجبا

والحمد يعم المدح والشكر لحديث : الحمد رأس الشكر.

(٦) مما شهد لاطلاق لفظ الرّب على المعبود قول الشاعر :

أربّ يبول الثعلبان برأسه

لقد هان من بالت عليه الثعالب

١٢

معنى الآية :

يخبر تعالى أن جميع أنواع المحامد من صفات الجلال والكمال هى له وحده دون من سواه ؛ إذ هو رب كل شىء وخالقه ومالكه.

وأن علينا (١) أن نحمده ونثنى عليه بذلك.

(٢) (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

تقدم شرح هاتين الكلمتين في البسملة. وأنهما اسمان وصف بهما اسم الجلالة «الله» فى قوله : (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ثناء على الله تعالى لاستحقاقه الحمد كلّه.

(٣) (مالِكِ (٢) يَوْمِ الدِّينِ)

شرح الكلمات :

(مالِكِ) : المالك : صاحب الملك المتصرف كيف يشاء

ملك : الملك ذو السلطان الآمر الناهى المعطى المانع بلا ممانع ولا منازع

(يَوْمِ الدِّينِ) : يوم الجزاء (٣) وهو يوم القيامة حيث يجزى الله كل نفس ما كسبت.

معنى الآية :

تمجيد لله تعالى بأنه المالك لكل ما في يوم القيامة حيث لا تملك نفس لنفس شيئا والملك الذى لا ملك يوم القيامة سواه.

__________________

(١) لأن اللفظ خبر ومعناه الانشاء أي قولوا : الحمد لله.

(٢) قرأ حفص مالك باسم الفاعل ، وقرأ نافع ملك بدون ألف وهما قراءتان سبعيتان والله حقا هو الملك المالك.

(٣) صح تفسير يوم الدين بيوم الحساب عن السلف من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولما كان الحساب غايته الجزاء صح اطلاق لفظ الجزاء على يوم الدين ، إذ يقال دانه يدينه بكذا دينا ودينا إذا حاسبه وجزاه ، وفي الحديث الكيّس من دان نفسه أي : حاسبها ، وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني. رواه أحمد والترمذي وغيرهما وهو صحيح.

١٣

هداية الآيات :

فى هذه الآيات الثلاث من الهداية ما يلى :

١ ـ أن الله تعالى يحب (١) الحمد فلذا حمد تعالى نفسه وأمر عباده به.

٢ ـ أن المدح يكون لمقتض. وإلا فهو باطل وزور فالله تعالى لما حمد نفسه ذكر مقتضى الحمد وهو كونه ربّ العالمين والرحمن الرحيم ومالك يوم الدين.

(٤) (إِيَّاكَ (٢) نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)

شرح الكلمات :

(إِيَّاكَ) : ضمير نصب يخاطب به الواحد

(نَعْبُدُ) (٣) : نطيع مع غاية الذل لك والتعظيم والحب

(نَسْتَعِينُ) : نطلب عونك لنا على طاعتك (٤)

معنى الآية :

علّمنا الله تعالى كيف نتوسل إليه في قبول دعائنا فقال احمدوا الله واثنوا عليه ومجدوه ، والتزموا له بأن تعبدوه وحده ولا تشركوا به وتستعينوه ولا تستعينوا بغيره.

هداية الآية :

من هداية هذه الآية ما يلى :

١ ـ آداب الدعاء (٥) حيث يقدم السائل بين يدى دعائه حمد الله والثناء عليه وتمجيده. وزادت

__________________

(١) قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما من أحد أحب إليه الحمد من الله تعالى حتى إنه حمد نفسه ، ولفظ البخاري ، لا أحد أغير من الله ولذلك حرّم الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا شيء أحب إليه المدح من الله ولذلك مدح نفسه وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ما أنعم الله على عبده بنعمة فقال : الحمد لله إلا كان الذي أعطى أفضل مما أخذ. رواه البيهقي عن أنس بسند حسن.

(٢) العدول عن نعبدك ونستعينك إلى ايّاك نعبد وإيّاك نستعين لإفادة الاختصاص والحصر ، وفي إياك نعبد وايّاك نستعين نكتة بلاعية وهي : الالتفات من الغيبة إلى الخطاب وهي من المحسنات البديعية.

(٣) نعبد مضارع عبده إذا أطاعه متذلّلا له خوفا منه وطمعا فيما عنده فأحبه لذلك غاية الحب وعظمه غاية التعظيم وهكذا تكون عبادة المؤمن لربّه تعالى.

(٤) وعلى كل ما يهم العبد من أمور دينه ودنياه.

(٥) روى أبو داود والترمذي ، والنسائي أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سمع رجلا يدعو في صلاته فلم يصل على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : عجل هذا ، ثم دعاه فقال له أو لغيره ، إذا صلى أحدكم فليبدأ بحمد الله والثناء عليه ثم ليصل على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثم ليدع بعد مما شاء.

١٤

السنة الصلاة على النبىّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ثم يسأل حاجته فإنه يستجاب (١) له.

٢ ـ أن لا يعبد غير ربه. وأن لا يستعينه إلّا هو سبحانه وتعالى.

(٥) (اهْدِنَا (٢) الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ)

شرح الكلمات :

(اهْدِنَا) : أرشدنا وأدم هدايتنا

(الصِّراطَ) : الطريق الموصل إلى رضاك وجنّتك وهو الإسلام لك

(الْمُسْتَقِيمَ) : الذى لا ميل فيه عن الحق ولا زيغ عن الهدى

معنى الآية :

بتعليم من الله تعالى يقول العبد في جملة إخوانه المؤمنين سائلا ربّه بعد أن توسل إليه بحمده والثناء عليه وتمجيده ، ومعاهدته أن لا يعبد هو واخوانه المؤمنون إلا هو ، وان لا يستعينوا إلا به. يسألونه أن يديم هدايتهم (٣) للإسلام حتى لا ينقطعوا عنه.

من هداية الآية :

الترغيب في دعاء الله والتضرّع إليه وفي الحديث الدعاء (٤) هو العبادة.

(٦) (صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ)

شرح الكلمات :

الصراط : تقدم بيانه.

(الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) : هم النبيون والصديقون والشهداء والصالحون (٥) ، وكل من أنعم الله

__________________

(١) روى أحمد عن أبي سعيد رضي الله عنه أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : ما من مسلم يدعو الله عزوجل بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث خصال : إمّا أن يعجل له دعوته وإما أن يدخرها له في الأخرى ، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها قالوا : إذا نكثر ، قال : الله أكثر.

(٢) فعل الهداية يتعدى بنفسه وبحرف الجر فمن الأول قوله تعالى : (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) ومن الثاني قوله تعالى : (فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ).

(٣) الهداية نوعان : هداية بيان وإرشاد ، وهذه تطلب من ذوي العلم ، فهم يبينون للسائل طرق الخير ويرشدونه إليها. هداية توفيق إلى اعتقاد الحق ولزمه في الاعتقاد والقول والعمل ، وهذه لا تطلب إلا من الله تعالى ومنها هذه الدعوة : (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) ويشهد للهداية الأولى وهي هداية البيان قوله تعالى : (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ). ويشهد للثانية قوله تعالى : (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ). فأثبت لنبيه هداية البيان ونفى عنه هداية التوفيق وهي الهداية القلبية الباطنة.

(٤) رواه أصحاب السنن ، وصححه الترمذي عن النعمان بن بشير رضي الله عنه.

(٥) ورد هذا البيان في قوله تعالى من سورة النساء (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً).

١٥

عليهم بالإيمان به تعالى ومعرفته ، ومعرفة محابه ، ومساخطه ، والتوفيق لفعل المحاب وترك المكاره.

معنى الآية :

لما سأل المؤمن له ولاخوانه الهداية الى الصراط المستقيم ، وكان الصراط مجملا بيّنه بقوله (صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) وهو المنهج القويم المفضى بالعبد إلى رضوان الله تعالى والجنة وهو الاسلام القائم على الإيمان والعلم والعمل مع اجتناب الشرك (١) والمعاصى.

هداية الآية :

من هداية الآية ما يلى :

١ ـ الاعتراف بالنعمة

٢ ـ طلب حسن القدوة

(٧) (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ)

شرح الكلمات :

(غَيْرِ) : لفظ يستثنى (٢) به كإلّا.

(الْمَغْضُوبِ) عليهم : من غضب الله تعالى عليهم لكفرهم وافسادهم في الأرض كاليهود.

(الضَّالِّينَ) : من اخطأوا طريق الحق فعبدوا (٣) الله بما لم يشرعه كالنصارى.

__________________

(١) الشرك : عبادة غير الله مع الله تعالى أو اعتقاد ربوبية أو ألهية كائن من كان مع الله تعالى ولو لم يعبده إشراك المخلوق فى صفات الخالق الذاتية أو الفعلية.

(٢) لفظ غير مفرد مضاف دائما لفظا أو معنى وإدخال أل عليه خطأ وأصله الوصف ويستثنى به.

(٣) الضلال الانحراف والبعد عن الهدى المطلوب وهو في الشرع نوعان : ضلال في الاعتقاد ، وضلال في العمل فالضلال فى الاعتقاد : هو كل اعتقاد مخالف كلا أو بعضا للمعتقد الإسلامي الذي بينه الله تعالى في كتابه وعلى لسان رسوله محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم والضلال في العمل : هو عبادة الله تعالى بغير ما شرع والتقرب إليه عزوجل بما لم يشرعه قربة ، ولا ينجو من هذا الضلال إلّا من تمسك بكتاب الله وسنة رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

١٦

معنى الآية :

لما سأل المؤمن ربّه الصراط المستقيم وبينه بأنه صراط من أنعم عليهم بنعمة الإيمان (١) والعلم والعمل. ومبالغة في طلب الهداية الى الحق ، وخوفا من الغواية استثنى كلا من طريق المغضوب عليهم ، والضالين.

هداية الآية :

من هداية الآية :

الترغيب في سلوك سبيل الصالحين ، والترهيب من سلوك سبيل الغاوين.

[تنبيه أول] : كلمة آمين ليست من الفاتحة. ويستحب أن يقولها الإمام إذا قرأ الفاتحة يمد بها صوته ويقولها المأموم ، والمنفرد كذلك لقول الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا أمن الإمام فأمنوا. (٢) أي قولوا آمين بمعنى اللهم استجب دعاءنا ، ويستحب الجهر بها ؛ لحديث ابن ماجة : كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا قال : (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ) قال آمين حتى يسمعها أهل الصف الأول فيرتج بها المسجد.

[تنبيه ثان] : قراءة الفاتحة واجبة في كل ركعة من الصلاة ، أمّا المنفرد والإمام فلا خلاف في ذلك ، وأمّا المأموم فإن الجمهور من الفقهاء على أنه يسن له قراءتها في السريّة دون الجهرية لحديث : من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة ويكون مخصصا لعموم حديث : لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب.

__________________

(١) لفظ النعمة اسم جنس تحته أربعة أنواع : الأولى : نعمة الإيمان بالله وبما أوجب الإيمان به الثانية : نعمة معرفة الله تعالى بأسمائه وصفاته ، والثالثة : نعمة معرفة محابه ومكارهه. والرابعة : نعمة التوفيق لفعل المحاب وترك المكاره.

(٢) رواه البخاري عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا أمّن الإمام فأمنوا فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنوبه.

١٧

سورة البقرة (١)

مدنية وآياتها مائتان وست أو سبع وثمانون آية

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(الم (١) ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً

لِلْمُتَّقِينَ (٢) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ

وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (٣) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ

إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (٤)

أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ

هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٥)) (٢)

(١) (الم)

شرح الكلمة :

(الم) : هذه من الحروف المقطعة تكتب الم. وتقرأ هكذا :

ألف لام مّيم. والسور المفتتحة بالحروف المقطعة تسع وعشرون سورة أولها البقرة هذه وآخرها القلم (ن) ومنها الأحادية مثل (ص). و (ق) ، و (ن) ، ومنها الثنائية مثل (طه) ، و (يس) ، و (حم) ، ومنها الثلاثية والرباعية والخماسية ولم يثبت في تفسيرها عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم شيء وكونها من المتشابه الذى استأثر الله تعالى بعلمه أقرب إلى الصواب ولذا يقال

__________________

(١) ورد وصح في فضل سورة البقرة قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اقرأوا سورة البقرة فإن أخذها بركة وتركها حسرة ، ولا يستطيعها البطلة» أي السحرة. وروى الترمذي وصححه أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعث بعثا وهم ذو وعدد وقدّم عليهم أحدثهم سنا لحفظه سورة البقرة وقال له : «اذهب فأنت أميرهم» وروي أيضا أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «لا تجعلوا بيوتكم مقابر ، إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة».

(٢) قرأ نافع يؤمنون بتخفيف الهمزة جمعا وإفرادا في كامل القرآن وقرأها حفص مهموزة في كل القرآن.

١٨

فيها : (الم) : الله أعلم (١) بمراده بذلك.

وقد استخرج منها بعض أهل العلم فائدتين : الأولى أنه لما كان المشركون يمنعون سماع (٢) القرآن مخافة أن يؤثر في نفوس السامعين كان النطق بهذه الحروف (حم). (طس). (ق). (كهيعص) وهو منطق غريب عنهم يستميلهم إلى سماع القرآن فيسمعون فيتأثرون وينجذبون فيؤمنون ويسمعون وكفى بهذه الفائدة من فائدة. والثانية لما انكر المشركون كون القرآن كلام الله أوحاه إلى رسوله محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم كانت هذه الحروف بمثابة المتحدّى لهم كأنها تقول لهم : ان هذا القرآن مؤلف من مثل هذه الحروف فألفوا انتم مثله. ويشهد بهذه الفائدة ذكر لفظ القرآن بعدها غالبا نحو (الم ذلِكَ الْكِتابُ). (الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ) ، (طس تِلْكَ آياتُ الْقُرْآنِ) ، كأنها تقول : إنه من مثل هذه الحروف تألف القرآن فألفوا أنتم نظيره فإن عجزتم فسلموا أنه كلام الله ووحيه وآمنوا به تفلحوا.

(ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) (٢)

شرح الكلمات :

(ذلِكَ) : هذا ، وانما عدل عن لفظ هذا إلى ذلك. لما تفيده الإشارة بلام البعد (٣) من علو المنزلة وارتفاع القدر والشأن.

(الْكِتابُ) (٤) : القرآن الكريم الذى يقرأه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على الناس.

(لا رَيْبَ) (٥) : لا شك في أنه وحى الله وكلامه أوحاه الى رسوله.

__________________

(١) روي عن أبي بكر وعلي رضي الله عنهما ، وعن عامر الشعبي وسفيان الثوري أنهم قالوا : الحروف المقطعة هي سرّ الله فى القرآن ولله في كل كتاب من كتبه سر. فهي من المتشابه الذي انفرد الله بعلمه. فلا ينبغي أن نتكلم فيها ولكن نؤمن بها.

(٢) دليله قوله تعالى من سورة فصلت : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ).

(٣) اسم الإشارة هو (ذا) وهو للقريب ويقال (ذاك) للمتوسط البعد و (ذلك) للبعيد.

(٤) يطلق لفظ الكتاب على الفرض نحو (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ) أي فرض. وعلى العقد بين العبد وسيّده نحو (وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتابَ) وعلى القدر نحو (كِتابَ اللهِ) أي قدره وقضاؤه. ويصح في إعراب الكتاب أن يكون بدلا من اسم الإشارة ويصح أن يكون خبرا له.

(٥) وريب الدهر صروفه وخطوبه ، وأصل الرّيب قلق النفس لحديث الصحيح : «دع ما يريبك إلى مالا يريبك فإن الشك ريبة وإن الصدق طمأنينة».

١٩

(فِيهِ هُدىً) (١) : دلالة على الطريق الموصل الى السعادة والكمال في الدارين.

(لِلْمُتَّقِينَ) (٢) : المتقين أي عذاب الله بطاعته بفعل أوامره واجتناب نواهيه.

معنى الآية :

يخبر تعالى أن ما أنزله على عبده ورسوله من قرآن يمثل كتابا فخما عظيما لا يحتمل الشك ولا يتطرق إليه احتمال كونه غير وحى الله وكتابه بحال ، وذلك لإعجازه ، وما يحمله من هدى ونور لأهل الايمان والتقوى يهتدون بهما الى سبل السّلام والسعادة والكمال.

هداية الآية :

من هداية الآية :

١ ـ تقوية الإيمان بالله تعالى وكتابه ورسوله ، الحث على طلب الهداية من الكتاب الكريم.

٢ ـ بيان فضيلة التقوى وأهلها.

(الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ، وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ)

(وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ ، وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ).

(أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ ، وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).

شرح الجمل :

(يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) : يصدقون تصديقا جازما بكل ما هو غيب (٣) لا يدرك بالحواس كالربّ تبارك وتعالى ذاتا وصفات والملائكة والبعث ، والجنة ونعيمها والنار وعذابها.

(وَيُقِيمُونَ (٤) الصَّلاةَ) (٥) : يديمون أداء الصلوات الخمس في أوقاتها مع مراعاة شرائطها وأركانها وسننها ونوافلها الراتبة وغيرها.

__________________

(١) الهدى مصدر هدى يهدي وهو مذكر نحو هذا هدى وهو من أسماء النهار. وهو على وزن السّرى والبكى واللّقى من لقي الشيء يلقاه لقى.

(٢) المتقي اسم فاعل من اتقى ، الذي أصله وقى إذا حفظ. واتقى بزيادة تاء الافتعال لاتخاذ وقاية تقيه وأبدلت واو وقى فى اتقى تاء وزيدت فيها همزة الوصل وتاء الافتعال فصارت اتقى أي طلب الوقاية والحفظ مما يخاف ويكره.

(٣) الغيب مصدر غاب يغيب غيبا وغيبة إذا لم يظهر فلم يرى للعيان ومعناه محصّل في الصدور. والإيمان. بالغيب مفتاح كل التقوى وكل خير.

(٤) إقام الصلاة جعلها قائمة أي مؤداة لا تسقط ولا تهمل. نحو (أَقِيمُوا الدِّينَ) أي أظهروه بالعمل به والدعوة إليه ، والصلاة عمود الدين فمن أقامها أقام الدين ومن أقعدها فلم يقمها فقد ترك الدين وأهمله.

(٥) الصلاة اسم جامد وزنها فعلة ولذا يجمع على صوات بفتح الفاء والعين واللام بمعنى الدعاء يقال : صلى إذا دعا وهي

٢٠