الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة - ج ٣

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]

الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة - ج ٣

المؤلف:

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: شريعت
الطبعة: ٢
ISBN: 964-5662-47-8
ISBN الدورة:
964-5662-44-3

الصفحات: ٥٩٠

(الفصل الثالث)

(في الأحكام)

(تصحّ الوصيّة للذمّي وإن كان أجنبيّاً) للأصل والآية (١) والرواية (٢) (بخلاف الحربيّ وإن كان رحماً) لا لاستلزامها الموادّة المنهيّ عنها لهم (٣) لمنع الاستلزام ، بل لأنّ صحّة الوصيّة تقتضي ترتيب أثرها الذي من جملته وجوب الوفاء بها وترتّب العقاب على تبديلها ومنعها ، وصحّتها تقتضي كونها مالاً (٤) للحربي ، وماله فيء للمسلم في الحقيقة ولا يجب دفعه إليه ، وهو ينافي صحَّتها

__________________

(١) (٢) أمّا الأصل فظاهرٌ في الصحّة والجواز. وأمّا الآية : فهي قوله تعالى :(لاٰ يَنْهٰاكُمُ اَللّٰهُ عَنِ اَلَّذِينَ لَمْ يُقٰاتِلُوكُمْ فِي اَلدِّينِ) إلى قوله : (أن تبرّوهم وتقسطوا إليهم إنّما ينهاكم اللّٰه عن الذين قاتلوكم في الدين) [الممتحنة : ٨ ـ ٩] فأجاز مبرّة الذمّي ومنع مبرّة الحربي ، والوصيّة مبرّة. وأمّا الرواية : فرواها محمّد بن مسلم عن أحدهما عليه السلام في رجل أوصى بماله في سبيل اللّٰه. قال : أعطه لمن أوصى له ، وإن كان يهوديّاً أو نصرانيّاً ، إنّ اللّٰه يقول : (فمن بدّله من بعد ما سمعه فإنّما إثمه على الذين يبدّلونه) [البقرة : ١٨١] ، [الوسائل ١٣ : ٤١٧ ، الباب ٣٥ من أبواب أحكام الوصايا ، الحديث ٥]. (منه رحمه الله).

(٣) المنهيّ عنها في الآية ٢٢ من سورة المجادلة.

(٤) لم يرد (مالاً) في (ع).

١٢١

بذلك المعنى ، بخلاف الذمّي.

وهذا المعنى من الطرفين يشترك فيه الرَحِم وغيره. ويمكن أن تمنع المنافاة ، فإنّ منع الحربي منها من حيث إنّها ماله غير منافٍ للوفاء بالوصيّة من حيث إنّها وصيّة ، بل منعه من تلك الحيثيّة مترتّب على صحّة الوصيّة وعدم تبديلها. وفي المسألة أقوال اُخر (١).

(وكذا المرتدّ) عطف على الحربيّ ، فلا تصحّ الوصيّة له؛ لأنّه بحكم الكافر المنهيّ عن موادّته.

ويشكل بما مرّ. نعم يتمّ ذلك في الفطري بناءً على أنّه لا يملك الكسب المتجدّد. أمّا الملّي والمرأة مطلقاً فلا مانع من صحّة الوصيّة له ، وهو خيرة المصنّف في الدروس (٢).

(ولو أوصى في سبيل اللّٰه فلكلّ قربة) لأنّ (السبيل) هو الطريق والمراد هنا ما كان طريقاً إلى ثوابه ، فيتناول كلّ قربة جرياً له على عمومه.

__________________

(١) قول بعدم الصحّة مطلقاً وهو المشهور بين الأصحاب كما في المهذّب البارع ٣ : ١٠٠ ، والمقتصر : ٢١٥. وقول بالصحّة مطلقاً وهو ابن إدريس في السرائر ٣ : ١٨٦ ، ويحيى بن سعيد في الجامع : ٤٩٤. وقولٌ بالتفصيل بين الرحم وغيره فيصحّ في الأوّل ولا يصحّ في الثاني ، وهو المنسوب في المهذّب البارع ٣ : ١٠٠ إلى ظاهر المبسوط وإطلاق المفيد وأبي الصلاح ، وانظر المبسوط ٤ : ٤ ، والمقنعة : ٦٧١ ، والكافي في الفقه : ٣٦٤ ، ومثلها في الغنية : ٣٠٧ ، والوسيلة : ٣٧٥. وهنا تفصيل آخر من الحلبي في الكافي بين ما كانت مكافأة على مكرمة دنيويّة أو مبتدأ بها فتجوز ، وبين غيره فلا تجوز ، راجع للتفصيل كشف الرموز ٢ : ٧٠ ـ ٧١ ، والتنقيح الرائع ٢ : ٣٧٠ ـ ٣٧١.

(٢) الدروس ٢ : ٣٠٨.

١٢٢

وقيل : يختصّ الغزاة (١).

(ولو قال : أعطوا فلاناً كذا ولم يبيّن ما يصنع به ، دفع إليه يصنع به ما شاء) لأنّ الوصيّة بمنزلة التمليك ، فتقتضي تسلّطَ الموصى له تسلّطَ المالك ، ولو عيّن له المصرف تعيّن.

(وتستحبّ الوصيّة لذي القرابة ، وارثاً كان أم غيره) (٢) لقوله تعالى : (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذٰا حَضَرَ أَحَدَكُمُ اَلْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً اَلْوَصِيَّةُ لِلْوٰالِدَيْنِ وَاَلْأَقْرَبِينَ) (٣) ولأنّ فيه صلة الرحم (٤) وأقلّ مراتبه الاستحباب.

(ولو أوصى للأقرب) أي أقرب الناس إليه نسباً (نُزّل على مراتب الإرث) لأنّ كلّ مرتبة أقرب إليه من التي بعدَها ، لكن يتساوى المستحقّ هنا؛ لاستواء نسبتهم إلى سبب الاستحقاق وهو الوصيّة ، والأصل عدم التفاضل ، فللذكر مثل حظّ (٥) الاُنثى. وللمتقرّب بالأب مثل المتقرّب بالاُمّ. ولا يتقدّم ابن العمّ من الأبوين على العمّ للأب وإن قُدّم في الميراث. ويتساوى الأخ من الاُمّ والأخ من الأبوين. وفي تقديم الأخ من الأبوين على الأخ من الأب وجه قويّ؛ لأنّ تقدّمه عليه (٦) في الميراث يقتضي كونه أقرب شرعاً ، والرجوع

__________________

(١) قاله المفيد في المقنعة : ٦٧٤ ، والشيخ في المبسوط ٤ : ٣٥ ، والنهاية : ٦١٣ ، وابن حمزة في الوسيلة : ٣٧١.

(٢) خالف في ذلك بعض العامّة فمنع من الوصيّة للوارث [راجع المغني لابن قدامة ٦ : ٤٥٠]. (منه رحمه الله).

(٣) البقرة : ١٨٠.

(٤) في (ع) : صلة للرحمة.

(٥) لم يرد (حظّ) في (ع) و (ف).

(٦) لم يرد (عليه) في (ع).

١٢٣

إلى مراتب الإرث يرشد إليه. ولا يرد مثله في ابن العمّ للأبوين؛ لاعترافهم بأنّ العمّ أقرب منه ، ولهذا جعلوه مستثنى بالإجماع (١) ويحتمل تقديمه هنا؛ لكونه أولى بالميراث.

(ولو أوصى بمثل نصيب ابنه فالنصف إن كان له ابن واحد ، والثلث إن كان له ابنان ، وعلى هذا) والضابط : أنّه يجعل كأحد الورّاث ويزاد في عددهم. ولا فرق بين أن يوصي له بمثل نصيب معيَّن وغيره.

ثمّ إن زاد نصيبه على الثلث توقّف الزائد عليه على الإجازة ، فلو كان له ابن وبنت وأوصى لأجنبيّ بمثل نصيب البنت فللموصى له ربع التركة ، وإن أوصى له بمثل نصيب الابن فقد أوصى له بخمسي التركة ، فيتوقّف الزائد عن الثلث ـ وهو ثُلثُ خُمس ـ على إجازتهما ، فإن أجازا فالمسألة من خَمسة؛ لأنّ الموصى له بمنزلة ابن آخر وسهام الابنين مع البنت خمسة. وإن ردّا فمن تسعة؛ لأنّ للموصى له ثُلث التركة ، وما يبقى لهما أثلاثاً ، فتضرب ثلاثة في ثلاثة. وإن أجاز أحدهما وردّ الآخر ضربت مسألة الإجازة في مسألة الردّ ، فمن أجاز ضربت نصيبه من مسألة الإجازة في مسألة الردّ ، ومن ردّ ضربت نصيبه من مسألة الردّ في مسألة الإجازة ، فلها مع إجازتها تسعة من خمسة وأربعين ، وله عشرون ، وللموصى له ستّة عشر هي ثلث الفريضة وثلث الباقي من النصيب على تقدير الإجازة. وله مع إجازته ثمانية عشر ، ولها عشرة ، وللموصى له سبعة عشر ، وعلى هذا القياس ...

(ولو قال) : أعطوه (مثلَ سهم أحد وُرّاثي اُعطي مثل سهم الأقلّ(

__________________

(١) منهم العلّامة في القواعد ٣ : ٣٧٠ ، والتحرير ٥ : ٣٣ ، المسألة ٦٣١٤ ، وغيرهما ، والفاضل المقداد في التنقيح الرائع ٤ : ١٨١ ، وابن فهد الحلّي في المهذّب البارع ٤ : ٣٩٣ ، والشهيد في الدروس ٢ : ٣٣٦.

١٢٤

لصدق السهم به وأصالة البراءة من الزائد ، فلو ترك ابناً وبنتاً فله الربع ، ولو ترك ابناً وأربع زوجات فله سهم من ثلاثة وثلاثين.

(ولو أوصى بضِعف نصيب ولده فمثلاه) على المشهور بين الفقهاء (١) وأهل اللغة (٢) وقيل : مثله (٣) وهو قول بعض أهل اللغة (٤) والأصحّ الأوّل.

(وبضعفَيه ثلاثة أمثاله) لأنّ ضعف الشيء ضمّ مثله إليه ، فإذا قال : (ضعفَيه) فكأ نّه ضمّ مثليه إليه. وقيل : أربعة أمثاله (٥) لأنّ الضِعف مثلان كما سبق ، فإذا ثنّى كان أربعة. ومثله القول في ضِعف الضِعف.

(ولو أوصى بثُلثه للفقراء جاز صرف كلّ ثُلث إلى فقراء بلد المال) الذي هو فيه ، وهو الأفضل؛ ليسلم من خطر النقل. وفي حكمه احتسابه على غائب مع قبض وكيله في البلد (ولو صرف الجميع في فقراء بلد الموصي) أو غيره (جاز) لحصول الغرض من الوصيّة ، وهو صرفه إلى الفقراء.

واستشكل المصنّف جواز ذلك في بعض الصور : بأ نّه إن نقل المال من البلاد المتفرّقة إلى بلد الإخراج كان فيه تغرير في المال وتأخير للإخراج ، وإن أخرج

__________________

(١) منهم الشيخ في الخلاف ٤ : ١٣٨ ، المسألة ٥ ، والمبسوط ٤ : ٧ ، والمحقّق في الشرائع ٢ : ٢٥٩ ، والعلّامة في القواعد ٢ : ٤٧٨ ، والشهيد في الدروس ٢ : ٣١٦ ، وغيرهم.

(٢) مثل ابن الأثير في النهاية ٣ : ٨٩ ، وابن منظور في اللسان ٨ : ٦٢.

(٣) قاله أبو عبيدة ، كما في الخلاف ٤ : ١٣٨ ، المسألة ٥ ، والتحرير ٣ : ٣٥٥ ، الرقم ٤٧٨٤ ، وغيرهما.

(٤) مثل الجوهري في الصحاح ٤ : ١٣٩٠ ، والفيروزآبادي في القاموس ٣ : ١٦٥ ، ونسبه في اللسان ٨ : ٦٢ إلى الزجّاج.

(٥) قاله الشيخ في المبسوط ٤ : ٧ ، وقوّاه في الخلاف ٤ : ١٣٩ ، المسألة ٦.

١٢٥

قدر الثلث من بعض الأموال ففيه خروج عن الوصيّة؛ إذ مقتضاها الإشاعة (١) والأوسط (٢) منها متوجّه ، فإنّ تأخير إخراج الوصيّة مع القدرة عليه غير جائز ، إلّاأن يفرض عدم وجوبه ، إمّا لعدم المستحقّ في ذلك الوقت الذي نقل فيه ، أو تعيين الموصي الإخراج في وقت مترقَّب بحيث يمكن نقله إلى غير البلد قبلَ حضوره ، ونحو ذلك.

وينبغي جوازه أيضاً لغرض صحيح ، ككثرة الصلحاء ، وشدّة الفقر ، ووجود من يرجع إليه في أحكام ذلك ، كما يجوز نقل الزكاة للغرض. وأمّا التغرير فغير لازم في جميع أفراد النقل. وأمّا إخراج الثُلث من بعض الأموال فالظاهر أنّه لا مانع منه؛ إذ ليس الغرض الإخراج من جميع أعيان التركة ، بل المراد إخراج ثلثها بالقيمة ، إلّاأن يتعلّق غرض الموصي بذلك ، أو تتفاوت فيه مصلحة الفقراء.

والمعتبر صرفه إلى الموجودين في البلد ، ولا يجب تتبّع الغائب. ويجب الدفع إلى ثلاثة فصاعداً ، لا في كلّ بلد ، بل المجموع.

(ولو اُوصي له بأبيه فقبل وهو مريض ثمّ مات) الموصى له (عُتق) أبوه (من صلب ماله) لأنّه لم يُتلف على الورثة شيئاً ممّا هو محسوب مالاً له وإنّما يعتبر من الثُلث ما يخرجه عن ملكه كذلك (٣) وإنّما ملكه هنا

__________________

(١) نقله في جامع المقاصد ١٠ : ٢٢٣ عن بعض حواشيه ، والظاهر أنّه في حاشيته على القواعد ، ولا توجد لدينا.

(٢) أي أوسط التعليلات الثلاثة وهي التغرير وتأخير الإخراج وإخراج الثلث من بعض الأموال دون بعض. (منه رحمه الله).

(٣) وهنا لم يخرجه المريض كذلك وإنّما أخرجه اللّٰه تعالى عن ملكه بالقبول وانعتق عليه تبعاً لملكه بغير اختياره ، فلم يكن مفوّتاً بغير اختياره وإنّما جاء الفوات من قبل اللّٰه تعالى. (هامش ر).

١٢٦

بالقبول وانعتق عليه قهراً تبعاً لملكه. ومثله ما لو ملكه بالإرث أو بالاتّهاب على الأقوى.

أمّا لو ملكه بالشراء فإنّه ينعتق من الثلث على الأقوى؛ لاستناد العتق إلى حصول الملك الناشئ عن الشراء وهو مَلِكه في مقابلة عوض ، فهو بشرائه ما لا يبقى في ملكه مضيِّع للثمن على الوارث ، كما لو اشتري ما يقطع بتلفه. ويحتمل اعتباره من الأصل؛ لأنّه مال متقوّم بثمن مثله؛ إذ الفرض (١) ذلك ، والعتق أمر قهريّ طرأ بسبب القرابة. وضعفه واضح؛ لأنّ بذل الثمن في مقابلة ما قطع بزوال ماليّته محض التضييع على الوارث.

(ولو قال : أعطوا زيداً والفقراء ، فلزيد النصف) لأنّ الوصيّة لفريقين فلا يُنظر إلى آحادهما كما لو أوصى لشخصين أو قبيلتين (وقيل : الربع) لأنّ أقلّ الفقراء ثلاثة من حيث الجمع وإن كان جمع كثرة؛ لما تقدّم من دلالة العرف واللغة على اتّحاد الجمعين (٢) فإذا شرّك بين زيد وبينهم بالعطف كان كأحدهم (٣).

ويضعَّف بأنّ التشريك بين زيد والفقراء ، لا بينه وبين آحادهم ، فيكون زيد فريقاً والفقراء فريقاً آخر.

وفي المسألة وجه ثالث ، وهو أن يكون زيد كواحد منهم؛ لأنّهم وإن كانوا جمعاً يصدق بالثلاثة ، لكنّه يقع على ما زاد ، ولا يتعيّن الدفع إلى ثلاثة بل يجوز إلى ما زاد. أو يتعيّن حيث يوجد في البلد ، ومقتضى التشريك أن يكون كواحد منهم. وهو أمتن من السابق ، وإن كان الأصحّ الأوّل.

__________________

(١) في (ع) و (ش) : الغرض.

(٢) تقدّم في الصفحة ١١٣.

(٣) قوّاه الشيخ في المبسوط ٤ : ٣٩.

١٢٧

(ولو جمع بين) عطيّة (منجّزة) في المرض كهبة ووقف وإبراء (ومؤخّرة) إلى بعد الموت (قدّمت المنجّزة) من الثلث وإن تأخّرت في اللفظ ، فإن بقي من الثلث شيء بُدئ بالأوّل فالأوّل من المؤخّرة كما مرّ (١) ولا فرق في المؤخّرة بين أن يكون فيها واجب يخرج من الثلث وغيره. نعم لو كان ممّا يخرج من الأصل قُدّم مطلقاً.

واعلم أنّ المنجّزة تشارك الوصيّة في الخروج من الثلث في أجود القولين (٢) وأنّ خروجها من الثلث يعتبر حالَ الموت ، وأ نّه يقدّم الأسبق منها فالأسبق لو قصر الثلث عنها. وتفارقها في تقدّمها (٣) عليها (٤) ولزومها من قِبل المعطي ، وقبولها كغيرها من العقود ، وشروطها شروطه ، وأ نّه لو برئ من مرضه لزمت من الأصل ، بخلاف الوصيّة.

(ويصحّ) للموصي (الرجوع في الوصيّة) ما دام حيّاً (قولاً ، مثل رجعت ، أو نقضت ، أو أبطلت) أو فسخت (٥) أو «هذا لوارثي أو ميراثي» ، أو «حرام على الموصى له» (أو لا تفعلوا كذا) ونحو ذلك من الألفاظ الدالّة عليه

__________________

(١) مرّ في الصفحة ١١٥ ـ ١١٦.

(٢) نسب في المسالك ٦ : ٣٠٥ ، قول الأجود إلى الأكثر ، وذهب إليه الشيخ في المبسوط ٤ : ٤٣ ـ ٤٤ ، والعلّامة في التحرير ٣ : ٣٨٦ ، والمختلف ٦ : ٤١٣ ، وغيرهما ، والفخر في الإيضاح ٢ : ٥٩٣ ، والصيمري في غاية المرام ٢ : ٤٥١ ، وغيرهم. والقول الآخر وهو الخروج من الأصل للمفيد في المقنعة : ٦٧١ ، والشيخ في النهاية : ٦٢٠ ، والقاضي في المهذّب ١ : ٤٢٠ ، وابن إدريس في السرائر ٣ : ١٩٩ ـ ٢٢١ ، والآبي في كشف الرموز ٢ : ٩١.

(٣) في (ش) و (ر) : تقديمها.

(٤) يعني تفارق المنجّزةُ الوصيّةَ في تقدّم المنجّزة على الوصيّة.

(٥) لم يرد (أو فسخت) في (ع).

١٢٨

(وفعلاً ، مثل بيع العين الموصى بها) وإن لم يقبضها (أو رهنها) مع الإقباض قطعاً ، وبدونه على الأقوى.

ومثله ما لو وهبها ، أو أوصى بها لغير من أوصى [بها] (١) له أوّلاً.

والأقوى أنّ مجرّد العرض على البيع والتوكيل فيه وإيجابه وإيجاب العقود الجائزة المذكورة كافٍ في الفسخ؛ لدلالته عليه ، لا تزويج العبد والأمة وإجارتهما وختانهما وتعليمهما ، ووطء الأمة بدون الإحبال.

(أو) فعل ما يبطل الاسم ويدلّ على الرجوع مثل (طحن الطعام ، أو عجن الدقيق) أو غزل القطن أو نسج مغزوله (أو خلطه بالأجود) بحيث لا يتميّز ، وإنّما قيّد بالأجود لإفادته الزيادة في الموصى به ، بخلاف المساوي والأردأ. وفي الدروس لم يفرّق بين خلطه بالأجود وغيره في كونه رجوعاً (٢) وفي التحرير لم يفرّق كذلك في عدمه (٣) والأنسب عدم الفرق وتوقّف كونه رجوعاً على القرائن الخارجة ، فإن لم يُحكم بكونه رجوعاً يكون مع خلطه بالأجود شريكاً بنسبة القيمتين.

__________________

(١) لم يرد في المخطوطات.

(٢) الدروس ٢ : ٣١٧.

(٣) اُنظر التحرير ٣ : ٣٣٦ ، ذيل الرقم ٤٧٣٥.

١٢٩
١٣٠

(الفصل الرابع)

(في الوصاية)

بكسر الواو وفتحها ، وهي استنابة الموصي غيره بعد موته في التصرّف فيما كان له التصرّف فيه ، من إخراج حقّ أو استيفائه أو ولاية على طفل أو مجنون يملك الولاية عليه بالأصالة أو بالعرض (١) (وإنّما تصحّ الوصيّة على الأطفال بالولاية من الأب والجدّ له) وإن علا (أو الوصيّ) لأحدهما (المأذون له من أحدهما) في الإيصاء لغيره ، فلو نهاه عنه لم تصحّ إجماعاً. ولو أطلق قيل : جاز (٢) لظاهر مكاتبة الصفّار (٣) ولأنّ الموصي أقامه مقام نفسه فيثبت له من الولاية ما ثبت له ، ولأنّ الاستنابة من جملة التصرّفات المملوكة له بالنصّ.

وفيه : منع دلالة الرواية ، وإقامته مقامَ نفسه في فعله مباشرة كما هو الظاهر ، ونمنع كون الاستنابة من جملة التصرّفات ، فإنّ رضاه بنظره مباشرة لا يقتضي رضاه بفعل غيره؛ لاختلاف الأنظار والأغراض في ذلك. والأقوى المنع.

(ويعتبر في الوصيّ الكمال) بالبلوغ والعقل ، فلا يصحّ إلى صبيّ بحيث

__________________

(١) كالوصي إذا اُذن له في الوصاية. ويمكن دخول الحاكم فيها.

(٢) جوّزه الشيخ في النهاية : ٦٠٧ ، والقاضي في المهذّب ٢ : ١١٧.

(٣) الوسائل ١٣ : ٤٦٠ ، الباب ٧٠ من أبواب أحكام الوصايا ، وفيه حديث واحد.

١٣١

يتصرّف حال صباه مطلقاً (١) ولا إلى مجنون كذلك (٢) (والإسلام) فلا تصحّ الوصيّة إلى كافر وإن كان رحماً؛ لأنّه ليس من أهل الولاية على المسلمين ، ولا من أهل الأمانة ، وللنهي عن الركون إليه (٣) (إلّاأن يوصي الكافر إلى مثله) إن لم نشترط العدالة في الوصيّ؛ لعدم المانع حينئذٍ. ولو اشترطناها فهل تكفي عدالته في دينه ، أم تبطل مطلقاً؟ وجهان : من أنّ الكفر أعظم من فسق المسلم ، ومن أنّ الغرض صيانة مال الطفل وأداء الأمانة ، وهو يحصل بالعدل منهم. والأقوى المنع بالنظر إلى مذهبنا. ولو اُريد صحّتها عندهم وعدمه فلا غرض لنا في ذلك ، ولو ترافعوا إلينا فإن رددناهم إلى مذهبهم ، وإلّا فاللازم الحكم ببطلانها بناءً على اشتراط العدالة؛ إذ لا وثوق بعدالته في دينه ولا ركون إلى أفعاله؛ لمخالفتها لكثير من أحكام الإسلام.

(والعدالة في قول قويّ) (٤) لأنّ الوصيّة استئمان والفاسق ليس أهلاً له؛ لوجوب التثبّت عند خبره ، ولتضمّنها الركون إليه ، والفاسق ظالم منهيّ عن الركون إليه؛ ولأ نّها استنابة على الغير ، فيشترط في النائب العدالة كوكيل الوكيل ، بل

__________________

(١) مستقلّاً أو منضمّاً إلى بالغ.

(٢) أي بحيث يتصرّف حالَ جنونه مطلقاً ، أي سواء كان جنونه أدواريّاً أو لا. (هامش ر).

(٣) نهي عنه في الآية ١١٣ من سورة هود بقوله تعالى : (وَلاٰ تَرْكَنُوا إِلَى اَلَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ اَلنّٰارُ).

(٤) ذهب إليه المفيد في المقنعة : ٦٦٨ ، والشيخ في النهاية : ٦٠٥ ، والمبسوط ٤ : ٥١ ، والقاضي في المهذّب ٢ : ١١٦ ، وابن حمزة في الوسيلة : ٣٧٣ ، ونسبه في جامع المقاصد ١١ : ٢٧٤ إلى أكثر الأصحاب. والقول الآخر هو عدم الاشتراط ، ذهب إليه ابن إدريس في السرائر ٣ : ١٨٩ ، ورجّحه المحقّق في المختصر النافع : ١٦٤ ، وقرّبه العلّامة في المختلف ٦ : ٣٩٥.

١٣٢

أولى؛ لأنّ تقصير وكيل الوكيل مجبور بنظر الوكيل والموكّل وتفحّصهما على مصلحتهما ، بخلاف نائب الميّت. ورضاه به غيرَ عدل لا يقدح في ذلك؛ لأنّ مقتضاها إثبات الولاية بعد الموت ، وحينئذٍ فترتفع أهليّته عن الإذن والولاية ، فيصير التصرّف متعلّقاً بحقّ غير المستنيب من طفل ومجنون وفقير وغيرهم ، فيكون أولى باعتبار العدالة من وكيل الوكيل ووكيل الحاكم على مثل هذه المصالح.

وبذلك يظهر ضعف ما احتجّ به نافي اشتراطها : من أنّها في معنى الوكالة ووكالة الفاسق جائزة إجماعاً وكذا استيداعه (١) لما عرفت من الفرق بينها وبين الوكالة والاستيداع ، فإنّهما متعلّقان بحقّ الموكّل والمودع ، وهو مسلَّط على إتلاف ماله فضلاً عن تسليط غير العدل عليه. والموصي إنّما سلّطه على حقّ الغير؛ لخروجه عن ملكه بالموت مطلقاً ، مع أنّا نمنع أنّ مطلق الوكيل والمستودَع لا يشترط فيهما العدالة.

واعلم أنّ هذا الشرط إنّما اعتبر ليحصل الوثوق بفعل الوصيّ ويقبل خبره به ، كما يستفاد ذلك من دليله ، لا في صحّة الفعل في نفسه ، فلو أوصى لمن ظاهره العدالة وهو فاسق في نفسه ففعل مقتضى الوصيّة فالظاهر نفوذ فعله وخروجه عن العهدة.

ويمكن كون ظاهر الفسق كذلك لو أوصى إليه فيما بينه وبينه وفعل مقتضاه ، بل لو فعله ظاهراً كذلك لم تبعد الصحّة وإن حكم ظاهراً بعدم وقوعه وضمانه ما ادّعى فعلَه.

وتظهر الفائدة لو فعل مقتضى الوصيّة باطّلاع عدلين أو باطّلاع الحاكم.

__________________

(١) احتجّ به ابن إدريس في السرائر ٣ : ١٨٩ ، والعلّامة في المختلف ٦ : ٣٩٤ ـ ٣٩٥.

١٣٣

إلّا أنّ ظاهر اشتراط العدالة ينافي ذلك كلّه. ومثله يأتي في نيابة الفاسق عن غيره في الحجّ ونحوه.

وقد ذكر المصنّف وغيره : أنّ عدالة النائب شرط في صحّة الاستنابة ، لا في صحّة النيابة (١).

(و) كذا يشترط في الوصيّ (الحرّيّة) فلا تصحّ وصاية المملوك؛ لاستلزامها التصرّف في مال الغير بغير إذنه ، كما لا تصحّ وكالته (إلّاأن يأذن المولى) فتصحّ؛ لزوال المانع ، وحينئذٍ فليس للمولى الرجوع في الإذن بعد موت الموصي ، ويصحّ قبلَه ، كما إذا قَبِل الحرّ.

(وتصحّ الوصيّة إلى الصبيّ منضمّاً إلى كامل) لكن لا يتصرّف الصبيّ حتّى يكمل ، فينفرد الكامل قبله ثمّ يشتركان فيها مجتمعَين. نعم ، لو شرط عدم تصرّف الكامل إلى أن يبلغ الصبيّ اتّبع شرطه. وحيث يجوز تصرّف الكامل قبل بلوغه لا يختصّ بالضروري ، بل له كمال التصرّف ، وإنّما يقع الاشتراك في المتخلّف. ولا اعتراض للصبيّ بعد بلوغه في نقض ما وقع من فعل الكامل موافقاً للمشروع.

(وإلى المرأة والخنثى) عندنا مع اجتماع الشرائط؛ لانتفاء المانع. وقياس الوصيّة على القضاء واضح الفساد.

(ويصحّ تعدّد الوصيّ فيجتمعان) لو كانا اثنين في التصرّف ، بمعنى صدوره عن رأيهما ونظرهما وإن باشره أحدهما (إلّاأن يشترط لهما الانفراد) فيجوز حينئذٍ لكلٍّ منهما التصرّف بمقتضى نظره (فإن تعاسرا) فأراد أحدهما نوعاً من التصرّف ومنعه الآخر (صحّ) تصرّفهما (فيما لا بدّ منه ، كمؤونة

__________________

(١) الدروس ١ : ٣٢٠ ، والقواعد ١ : ٤١٠ ، والإيضاح ١ : ٢٧٧.

١٣٤

اليتيم) والدابّة وإصلاح العقار ، ووَقَفَ غيرُه على اتّفاقهما. (وللحاكم) الشرعيّ (إجبارهما على الاجتماع) من غير أن يستبدل بهما مع الإمكان؛ إذ لا ولاية له فيما فيه وصيّ (فإن تعذّر) عليه جمعهما (استبدل بهما) تنزيلاً لهما بالتعذّر منزلة المعدوم؛ لاشتراكهما في الغاية.

كذا أطلق الأصحاب ، وهو يتمّ مع عدم اشتراط عدالة الوصيّ ، أمّا معه فلا؛ لأ نّهما بتعاسرهما يفسقان؛ لوجوب المبادرة إلى إخراج الوصيّة مع الإمكان ، فيخرجان بالفسق عن الوصاية ويستبدل بهما الحاكم ، فلا يتصوّر إجبارهما على هذا التقدير ، وكذا لو لم نشترطها وكانا عدلين؛ لبطلانها بالفسق حينئذٍ على المشهور. نعم لو لم نشترطها ولا كانا عدلين أمكن إجبارهما مع التشاحّ.

(وليس لهما قسمة المال) لأنّه خلاف مقتضى الوصيّة من الاجتماع في التصرّف.

(ولو شرط لهما الانفراد ففي جواز الاجتماع نظر) من أنّه خلاف الشرط فلا يصحّ ، ومن أنّ الاتّفاق على الاجتماع يقتضي صدوره عن رأي كلّ واحد منهما ، وشرط الانفراد اقتضى الرضا برأي كلّ واحد وهو حاصل إن لم يكن هنا آكد.

والظاهر أنّ شرط الانفراد رخصة لهما ، لا تضييق. نعم لو حصل لهما في حال الاجتماع نظر مخالف له حالة الانفراد توجّه المنع؛ لجواز كون المصيب هو حالة الانفراد ولم يرضَ الموصي إلّابه.

(ولو نهاهما عن الاجتماع اتّبع) قطعاً ، عملاً بمقتضى الشرط الدالّ صريحاً على النهي عن الاجتماع ، فيمتنع.

(ولو جوّز لهما الأمرين) الاجتماع والانفراد (اُمضي) ما جوّزه وتصرّف كلّ منهما كيف شاء من الاجتماع والانفراد (فلو اقتسما المال) في

١٣٥

هذه الحالة (جاز) بالتنصيف والتفاوت حيث لا يحصل بالقسمة ضرر؛ لأنّ مرجع القسمة حينئذٍ إلى تصرّف كلّ منهما في البعض وهو جائز بدونها. ثمّ بعد القسمة لكلّ منهما التصرّف في قسمة الآخر وإن كانت في يد صاحبه؛ لأنّه وصيّ في المجموع ، فلا تزيل القسمةُ ولايتَه فيه.

(ولو ظهر من الوصيّ) المتّحد والمتعدّد على وجه يفيد الاجتماع (عجز ضمّ الحاكم إليه) معيناً؛ لأنّه بعجزه خرج عن الاستقلال المانع من ولاية الحاكم ، وبقدرته على المباشرة في الجملة لم يخرج عن الوصاية بحيث يستقلّ الحاكم ، فيجمع بينهما بالضمّ.

ومثله ما لو مات أحد الوصيّين على الاجتماع. أمّا المأذون لهما في الانفراد فليس للحاكم الضمّ إلى أحدهما بعجز الآخر؛ لبقاء وصيّ كامل.

وبقي قسم آخر ، وهو ما لو شرط لأحدهما الاجتماع وسوّغ للآخر الانفراد ، فيجب اتّباع شرطه ، فيتصرّف المستقلّ بالاستقلال والآخر مع الاجتماع خاصّة.

وقريب منه ما لو شرط لهما الاجتماع موجودين وانفراد الباقي بعد موت الآخر أو عجزه ، فيتّبع شرطه.

وكذا يصحّ شرط مشرف على أحدهما بحيث لا يكون للمشرف شيء من التصرّفات وإنّما تصدر عن رأيه ، فليس للوصيّ التصرّف بدون إذنه مع الإمكان ، فإن تعذّر ـ ولو بامتناعه ـ ضمّ الحاكمُ إلى الوصيّ معيناً كالمشروط له الاجتماع على الأقوى؛ لأنّه في معناه حيث لم يرضَ الموصي برأيه منفرداً. وكذا يجوز اشتراط تصرّف أحدهما في نوع خاصّ والآخر في الجميع منفردين ومجتمعين على ما اشتركا فيه.

١٣٦

(ولو خان) الوصيّ المتّحد أو أحد المجتمعين (١) أو فسق بغير الخيانة (عزله) الحاكم ، بل الأجود انعزاله بذلك من غير توقّف على عزل الحاكم؛ لخروجه عن شرط الوصاية (وأقام) الحاكم (مكانه) وصيّاً مستقلّاً إن كان المعزول واحداً ، أو منضمّاً إلى الباقي إن كان أكثر.

(ويجوز للوصيّ استيفاء دينه ممّا في يده) من غير توقّف على حكم الحاكم بثبوته ، ولا على حلفه على بقائه؛ لأنّ ذلك للاستظهار ببقائه؛ لجواز إبراء صاحب الدين أو استيفائه ، والمعلوم هنا خلافه ، والمكلّف بالاستظهار هو الوصيّ.

(و) كذا يجوز له (قضاء ديون الميّت التي يعلم بقاءها) إلى حين القضاء. ويتحقّق العلم بسماعه إقرارَ الموصي بها قبلَ الموت بزمانٍ لا يمكنه بعده القضاء ويكون المستحقّ [ممّن] (٢) لا يمكن في حقّه الإسقاط كالطفل والمجنون (٣). أمّا ما كان أربابها مكلّفين يمكنهم إسقاطها فلا بدّ من إحلافهم على بقائها وإن علم بها سابقاً ، ولا يكفي إحلافه إيّاهم إلّاإذا كان مستجمعاً لشرائط الحكم. وليس للحاكم أن يأذن له في التحليف استناداً إلى علمه بالدين ، بل لا بدّ من ثبوته عنده؛ لأنّه تحكيم لا يجوز لغير أهله. نعم ، له بعد ثبوته عنده بالبيّنة توكيله في الإحلاف.

وله ردّ ما يعلم كونه وديعة أو عارية أو غصباً ، أو نحو ذلك من الأعيان التي لا يحتمل انتقالها عن ملك مالكها إلى الموصي ، أو إلى وارثه في ذلك الوقت.

__________________

(١) في هامش (ش) زيادة : على ما اشتركا فيه.

(٢) في المخطوطات : ممّا.

(٣) في (ع) زيادة : والمسجد.

١٣٧

(ولا يوصي) الوصيّ إلى غيره عمّن أوصى إليه (إلّابإذن) منه له في الإيصاء على أصحّ القولين (١) وقد تقدّم وإنّما أعادها لفائدة التعميم؛ إذ السابقة مختصّة بالوصيّ (٢) على الطفل ومن بحكمه من أبيه وجدّه ، وهنا شاملة لسائر الأوصياء. وحيث يأذن له فيه فيقتصر على مدلول الإذن ، فإن خصّه بشخصٍ أو وصفٍ اختصّ ، وإن عمّم أوصى إلى مستجمع الشرائط. ويتعدّى الحكم إلى وصيّ الوصيّ أبداً مع الإذن فيه ، لا بدونه.

(و) حيث لا يصرّح له بالإذن في الإيصاء (يكون النظر بعده) في وصيّة الأوّل (إلى الحاكم) لأنّه وصيّ من لا وصيّ له (وكذا) حكم كلّ (من مات ولا وصيّ له. ومع تعذّر الحاكم) لفقده أو بُعده بحيث يشقّ الوصول إليه عادةً يتولّى إنفاذ الوصيّة (بعض عدول المؤمنين) من باب الحسبة والمعاونة على البرّ والتقوى المأمور بها (٣) واشتراط العدالة يدفع محذور إتلاف مال الطفل وشبهه والتصرّف فيه بدون إذن شرعيّ ، فإنّ ما ذكرناه هو الإذن.

وينبغي الاقتصار على القدر الضروري الذي يضطرّ إلى تقديمه قبل مراجعة الحاكم وتأخير غيره إلى حين التمكّن من إذنه ، ولو لم يمكن لفقده لم يختصّ. وحيث يجوز ذلك يجب؛ لأنّه من فروض الكفاية.

__________________

(١) القول الأصحّ للمفيد في المقنعة : ٦٧٥ ، والحلبي في الكافي : ٣٦٦ ، وابن إدريس في السرائر ٣ : ١٨٥ و ١٩٢ ، والمحقّق في الشرائع ٢ : ٢٥٧ ، ونسبه في جامع المقاصد ١٠ : ٢٦٥ إلى أكثر الأصحاب. وأمّا القول الآخر فقد تقدّم عن الشيخ والقاضي في الصفحة ١٣١ في الهامش رقم ٢.

(٢) في (ع) : بالوصيّة.

(٣) بقوله تعالى : (وَتَعٰاوَنُوا عَلَى اَلْبِرِّ وَاَلتَّقْوىٰ ...) المائدة : ٣.

١٣٨

وربما منع ذلك كلّه بعض الأصحاب (١) لعدم النصّ. وما ذكر من العمومات (٢) كافٍ في ذلك. وفي بعض الأخبار ما يرشد إليه (٣).

(والصفات المعتبرة في الوصيّ) من البلوغ والعقل والإسلام ـ على وجهٍ ـ والحرّيّة والعدالة يشترط حصولها (حال الإيصاء) لأنّه وقت إنشاء العقد ، فإذا لم تكن مجتمعة لم يقع صحيحاً كغيره من العقود؛ ولأ نّه وقتَ الوصيّة ممنوع من التفويض إلى من ليس بالصفات.

(وقيل) : يكفي حصولها حالَ الوفاة ، حتّى لو أوصى إلى من ليس بأهل فاتّفق حصول صفات الأهليّة له قبل الموت صحّ؛ لأنّ المقصود بالتصرّف هو ما بعد الموت وهو محلّ الولاية ولا حاجة إليها قبله (٤) ويضعّف بما مرّ (٥).

وقيل : يعتبر (من حين الإيصاء إلى حين الوفاة) (٦) جمعاً بين الدليلين. والأقوى اعتبارها من حيث الإيصاء واستمراره ما دام وصيّاً.

(وللوصيّ اُجرة المثل عن نظره في مال الموصى عليهم مع الحاجة) وهي الفقر ، كما نبّه عليه تعالى بقوله : (وَمَنْ كٰانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ) (٧)

__________________

(١) منع ذلك ابن إدريس في السرائر ٣ : ١٩٤.

(٢) المقصود بها عمومات الحسبة والأمر بالمعاونة على البرّ والتقوى.

(٣) الوسائل ١٣ : ٤٧٤ ـ ٤٧٥ ، الباب ٨٨ من أبواب أحكام الوصايا ، الحديث ٢ و ٣.

(٤) لم نعثر على القائل بعينه ، ولعلّه هو مختار العلّامة في التذكرة (الحجريّة) ٢ : ٥١١. وقد نسبه في المغني ٦ : ٥٧١ إلى بعض الشافعيّة ، وانظر المجموع ١٦ : ٤٩٨.

(٥) مرّ بقوله آنفاً : لأنّه وقت إنشاء العقد ...

(٦) اختاره المصنّف في الدروس ٢ : ٣٢٣ ، ولم نعثر على غيره.

(٧) النساء : ٦.

١٣٩

ولا يجوز مع الغناء؛ لقوله تعالى : (وَمَنْ كٰانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ) (١).

وقيل : يجوز أخذ الاُجرة مطلقاً (٢) لأنّها عوض عمل محترم.

وقيل : يأخذ قدرَ الكفاية؛ لظاهر قوله تعالى : (فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ) (٣) فإنّ المعروف ما لا إسراف فيه ولا تقتير من القوت.

وقيل : أقلّ الأمرين (٤) لأنّ الأقلّ إن كان اُجرةَ المثل فلا عوض لعمله شرعاً سواها ، وإن كان الأقلّ الكفاية فلأ نّها هي القدر المأذون فيه بظاهر الآية.

والأقوى جواز أخذ أقلّهما مع فقره خاصّة؛ لما ذكر ، ولأنّ حصول قدر الكفاية يوجب الغنا فيجب الاستعفاف عن الزائد وإن كان من جملة اُجرة المثل.

(ويصحّ) للوصيّ (الردّ) للوصيّة (ما دام) الموصي (حيّاً) مع بلوغه الردّ (فلو ردّ ولمّا يبلغ) الموصي (الردّ بطل الردّ. ولو لم يعلم بالوصيّة إلّا بعد وفاة الموصي لزمه القيام بها) وإن لم يكن قد سبق قبول (إلّامع العجز) عن القيام بها ، فيسقط وجوب القيام عن المعجوز عنه قطعاً؛ للحرج.

وظاهر العبارة أنّه يسقط غيره أيضاً. وليس بجيّد ، بل يجب القيام بما أمكن منها؛ لعموم الأدلّة. ومستند هذا الحكم المخالف للأصل من إثبات حقّ على الموصى إليه على وجه قهريّ وتسليط الموصي على إثبات وصيّته على من شاء أخبار كثيرة (٥) تدلّ بظاهرها عليه.

__________________

(١) النساء : ٦.

(٢) قاله الشيخ في النهاية : ٣٦٢ ، وابن الجنيد كما نقله العلّامة في المختلف ٥ : ٣٥ ، واختاره هو أيضاً.

(٣) قاله ابن إدريس في السرائر ٢ : ٢١١.

(٤) قاله الشيخ في الخلاف ٣ : ١٧٩ ، المسألة ٢٩٥ ، والمبسوط ٢ : ١٦٣.

(٥) اُنظر الوسائل ١٣ : ٣٩٨ ـ ٣٩٩ ، الباب ٢٣ من أبواب أحكام الوصايا.

١٤٠