الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة - ج ٣

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]

الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة - ج ٣

المؤلف:

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: شريعت
الطبعة: ٢
ISBN: 964-5662-47-8
ISBN الدورة:
964-5662-44-3

الصفحات: ٥٩٠

والوقوع فيما يُكره ، رُوي «أنّ عليّاً عليه السلام وكّل عقيلاً في خصومة ، وقال : إنّ للخصومة قُحماً ، وإنّ الشيطان ليحضرها ، وإنّي لأكره أن أحضرها «(١) والقُحم ـ بالضمّ ـ المهلكة ، والمراد هنا أنّها تُقحم بصاحبها إلى ما لا يريده.

(ولا تبطل الوكالة بارتداد الوكيل) من حيث إنّه ارتداد ، وإن كانت قد تبطل من جهة اُخرى في بعض الموارد ، ككونه وكيلاً على مسلم ، فإنّه في ذلك بحكم الكافر. ولا فرق بين الفطري وغيره وإن حكم ببطلان تصرّفاته لنفسه (ولا يتوكّل المسلم للذمّي على المسلم على قول) الشيخ (٢) والأقوى الجواز على كراهية؛ للأصل (ولا الذمّي على المسلم لمسلم ، ولا لذمّي قطعاً) فيهما؛ لاستلزامهما إثبات السبيل للكافر على المسلم المنفيّ بالآية (٣) (وباقي الصور جائزة ، وهي ثمان) بإضافة الصور الثلاث المتقدّمة إلى باقيها. وتفصيلها : أنّ كلّاً من الموكِّل والوكيل والموكَّل عليه إمّا مسلم أو كافر ، ومنه تتشعّب الثمان بضرب قسمي الوكيل في قسمي الموكّل ، ثمّ المجتمع في قسمي الموكَّل عليه. ولا فرق في الكافر بين الذمّي وغيره ، كما يقتضيه التعليل.

(ولا يتجاوز الوكيل ما حُدّ له) في طرف (٤) الزيادة والنقصان (إلّاأن تشهد العادة بدخوله) ـ أي دخول ما تجاوز ـ في الإذن (كالزيادة في ثمن ما وُكّل في بيعه) بثمن معيّن إن لم يعلم منه الغرض في التخصيص به (والنقيصة

__________________

(١) عوالي اللآلئ ٣ : ٢٥٧ ، الحديث ٦ ، والسنن الكبرى ٦ : ٨١ ، وليس فيهما عبارة : وإنّ‌الشيطان ... إلى : أن أحضرها. ولم نعثر على العبارة فيما بأيدينا من مصادر الحديث

(٢) النهاية : ٣١٧

(٣) النساء : ١٤١

(٤) كذا في المخطوطات ، وفي (ر) : طرفي

٤١

في ثمن ما وكّل في شرائه) بثمن معيّن؛ لشهادة الحال غالباً بالرضا بذلك فيهما. لكن قد يتخلّف بأن لا يريد الإشطاط (١) في البيع ، أو غيره من الأغراض.

(وتثبت الوكالة بعدلين) كما يثبت بهما غيرها من الحقوق الماليّة وغيرها (ولا تُقبل فيها شهادة النساء منفردات) لاختصاصها بما يعسر اطّلاع الرجال عليه والوصيّة كما سلف في بابه (٢) (ولا منضمّات) إلى الرجال؛ لاختصاصها حينئذٍ بالمال وما في حكمه (٣) والوكالة ولاية على التصرّف وإن ترتّب عليها المال ، لكنّه غير مقصود.

(ولا تثبت بشاهد ويمين) لما ذكر ، إلّاأن يشتمل على جهتين كما لو ادّعى شخص على آخر وكالة بجُعلٍ وأقام شاهداً وامرأتين ، أو شاهداً وحلف معه ، فالأقوى ثبوت المال ، لا الوكالة وإن تبعّضت الشهادة ، كما لو أقام ذلك بالسرقة يثبت المال لا القطع. نعم ، لو كان ذلك قبل العمل لم يثبت شيء (ولا بتصديق الغريم) لمدّعي الوكالة عليها في أخذ حقٍّ منه لغيره؛ لأنّه تصديق في حقّ غيره.

هذا إذا كان الحقّ الذي يدّعي الوكالة فيه عيناً. أمّا لو كان ديناً ففي وجوب دفعه إليه بتصديقه قولان (٤) أجودهما ذلك؛ لأنّه إقرار في حقّ نفسه خاصّة؛ إذ الحقّ لا يتعيّن إلّابقبض مالكه أو وكيله ، فإذا حضر وأنكر بقي دينه في ذمّة

__________________

(١) الشطط : مجاوزة القدر في كلّ شيء.

(٢) في كتاب الشهادة ، راجع الجزء الثاني : ١٢٥.

(٣) كالجناية الموجبة للدية مثلاً.

(٤) قول بوجوب الدفع ، ذهب إليه ابن إدريس في السرائر ٢ : ٩٨ ، والمحقّق الثاني في جامع المقاصد ٨ : ٢٩٩. وقول بعدم وجوب الدفع ، ذهب إليه الشيخ في الخلاف ٣ : ٣٤٩ ، المسألة ١٣.

٤٢

الغريم ، فلا ضرر عليه في ذلك ، وإنّما اُلزم الغريم بالدفع؛ لاعترافه بلزومه له. وبهذا يظهر الفرق بينه وبين العين؛ لأنّها حقّ محض لغيره وفائتها لا يُستدرك.

نعم ، يجوز له تسليمها إليه مع تصديقه له؛ إذ لا منازع له الآن ويبقى المالك على حجّته ، فإذا حضر وصدّق الوكيل بَرِئ الدافع. وإن كذّبه فالقول قوله مع يمينه ، فإن كانت العين موجودة أخذها ، وله مطالبة من شاء منهما بردّها؛ لترتّب أيديهما على ماله. وللدافع مطالبة الوكيل بإحضارها لو طولب به ، دون العكس. وإن تعذّر ردّها بتلف وغيره تخيّر في الرجوع على من شاء منهما ، فإن رجع على الوكيل لم يرجع على الغريم مطلقاً؛ لاعترافه ببراءته بدفعها إليه. وإن رجع على الغريم لم يرجع على الوكيل مع تلفها في يده بغير تفريط؛ لأنّه بتصديقه له أمين عنده ، وإلّا رجع عليه.

(والوكيل أمين لا يضمن إلّابالتعدّي أو التفريط) وهو وفاقٌ (١).

(ويجب عليه تسليم ما في يده إلى الموكّل إذا طولب به) سواء في ذلك المالُ الذي وُكّل في بيعه وثمنُه والمبيعُ الذي اشتراه وثمنُه ، قبلَ الشراء وغيرها. ونبّه بقوله : (إذا طولب) على أنّه لا يجب عليه دفعه إليه قبل طلبه بل معه ، ومع إمكان الدفع شرعاً وعرفاً كالوديعة (فلو أخّر مع الإمكان) أي إمكان الدفع شرعاً ، بأن لا يكون في صلاة واجبة مطلقاً ولا مريداً لها مع تضيّق وقتها ، ونحو ذلك من الواجبات المنافية. أو عرفاً ، بأن لا يكون على حاجةٍ يريد قضاءها ، ولا في حمّام أو أكل طعام ، ونحوها من الأعذار العرفيّة (ضمن. وله أن يمتنع) من التسليم (حتّى يُشهد) على الموكّل بقبض حقّه ، حذراً من إنكاره فيضمن له ثانياً أو يلزمه اليمين.

__________________

(١) في (ر) : موضع وفاق.

٤٣

(وكذا) حكم (كلّ من عليه حقّ وإن كان وديعة) يُقبل قوله في ردّها؛ لافتقاره إلى اليمين ، فله دفعها بالإشهاد وإن كان صادقاً.

ولا فرق في ذلك بين من يكون له على الحقّ بيّنة وغيره؛ لما ذكرناه من الوجه (١) هذا هو أجود الأقوال في المسألة.

وفرّق بعضهم بين من يُقبل قوله في الردّ وغيره (٢) وآخرون بين من عليه بقبض الحقّ بيّنة وغيره. ودفعُ ضرر اليمين يدفع ذلك كلَّه ، خصوصاً في بعض الناس ، فإنّ ضرر الغرامة عليهم أسهل من اليمين.

(والوكيل في الوديعة) لمال شخص عند آخر (لا يجب عليه الإشهاد) على المستودع (بخلاف الوكيل في قضاء الدين وتسليم المبيع) فليس له ذلك حتّى يُشهد. والفرق : أنّ الوديعة مبنيّة على الإخفاء بخلاف غيرها ، ولأنّ الإشهاد على الوَدَعيّ لا يفيد ضمانه؛ لقبول قوله في الردّ بخلاف غيره (فلو لم يُشهِد) على غير الوديعة (ضمن) لتفريطه إذا لم يكن الأداء بحضرة الموكّل ، وإلّا انتفى الضمان؛ لأنّ التفريط حينئذٍ مستند إليه.

(ويجوز للوكيل تولّي طرفي العقد بإذن الموكّل) لانتفاء المانع حينئذٍ. ومغايرة الموجب للقابل يكفي فيها الاعتبار. ولو أطلق له الإذن ، ففي جواز تولّيهما لنفسه قولان (٣) منشؤهما : دخوله في الإطلاق ، ومن ظاهر الروايات الدالّة

__________________

(١) وهو قوله : حذراً من إنكاره ....

(٢) فرّق بذلك الشيخ في المبسوط ٢ : ٣٧٥ ـ ٣٧٦ ، ووافقه يحيى بن سعيد الحلّي في الجامع للشرائع : ٣٢٣.

(٣) قول بالجواز للعلّامة في المختلف ٥ : ٥٧ ـ ٥٨ ، ونسبه فيه إلى أبي الصلاح ، وانظر الكافي في الفقه : ٣٦٠ ، والمختلف ٦ : ٣١ ـ ٣٢. وقول بالمنع للشيخ في المبسوط ٢ : ٣٨٢ ، والخلاف ٣ : ٣٤٦ ، المسألة ٩ ، وابن إدريس في السرائر ٢ : ٩٧ ـ ٩٨.

٤٤

على المنع (١) وهو أولى.

واعلم أنّ تولّيه طرفي العقد أعمّ من كون البيع أو الشراء لنفسه. وموضع الخلاف مع عدم الإذن تولّيه لنفسه. أمّا لغيره بأن يكون وكيلاً لهما فلا إشكال إلّا على القول بمنع كونه موجباً قابلاً (٢) وذلك لا يفرق فيه بين إذن الموكّل وعدمه.

(ولو اختلفا في أصل الوكالة حلف المنكر) لأصالة عدمها ، سواء كان منكرها الموكّل أم الوكيل.

وتظهر فائدة إنكار الوكيل فيما لو كانت الوكالة مشروطة في عقد لازم لأمر لا يتلافى حين النزاع ، فيدّعي الموكّل حصولها ليتمّ له العقد ، وينكرها الوكيل ليتزلزل ويتسلّط على الفسخ.

(و) لو اختلفا (في الردّ حلف الموكّل) لأصالة عدمه ، سواء كانت الوكالة بجُعل أم لا.

(وقيل) : يحلف (الوكيل ، إلّاأن تكون بجُعل) فالموكّل (٣) أمّا الأوّل : فلأ نّه أمين وقد قبض المال لمصلحة المالك فكان محسناً محضاً كالوَدَعيّ. وأمّا الثاني : فلما مرّ (٤) ولأ نّه قبض لمصلحة نفسه كعامل القراض والمستأجر.

__________________

(١) اُنظر الوسائل ١٢ : ٢٨٨ ـ ٢٨٩ ، الباب ٥ من أبواب آداب التجارة ، الحديثين ١ ، ٢ ، و ١٤ : ٢١٦ ، الباب ١٠ من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد.

(٢) قاله الشيخ في المبسوط ٢ : ٣٨١ ، وهو المنسوب إلى ابن الجنيد ، اُنظر المختلف ٦ : ٣١ ، وانظر للتفصيل مفتاح الكرامة ٧ : ٥٤٩.

(٣) قاله الشيخ في المبسوط ٢ : ٣٧٢ ـ ٣٧٣ ، والقاضي في جواهر الفقه : ٧٨ ، المسألة ٢٨٨ ، والمحقّق في المختصر النافع : ١٥٥ ، وابن سعيد الحلّي في الجامع للشرائع : ٣٢٢.

(٤) من أصالة عدم الردّ.

٤٥

ويُضعّف بأنّ الأمانة لا تستلزم القبول كما لا يستلزمه في الثاني مع اشتراكهما في الأمانة ، وكذلك الإحسان ، والسبيل المنفيّ (١) مخصوص ، فإنّ اليمين سبيل.

(و) لو اختلفا (في التلف) أي تلف المال الذي بيد الوكيل كالعين الموكَّل في بيعها وشرائها أو الثمن أو غيره (حلف الوكيل) لأنّه أمين ، وقد يتعذّر إقامة البيّنة على التلف فاقتُنع بقوله وإن كان مخالفاً للأصل. ولا فرق بين دعواه التلف بأمر ظاهر وخفيّ (وكذا) يحلف لو اختلفا (في التفريط) والمراد به ما يشمل التعدّي؛ لأنّه منكر (و) كذا يحلف لو اختلفا في (القيمة) على تقدير ثبوت الضمان؛ لأصالة عدم الزائد.

(ولو زوّجه امرأة بدعوى الوكالة) منه (فأنكر الزوج) الوكالة (حلف) لأصالة عدمها (وعلى الوكيل نصف المهر) لرواية عمر بن حنظلة عن الصادق عليه السلام (٢) ولأ نّه فسخ قبلَ الدخول فيجب معه نصف المهر كالطلاق (ولها التزويج) بغيره لبطلان نكاحه بإنكاره الوكالة (ويجب على الزوج) فيما بينه وبين اللّٰه تعالى (الطلاق إن كان وكَّل) في التزويج؛ لأنّها حينئذٍ

__________________

(١) السبيل المنفيّ في الآية [التوبة : ٩١] نكرة في سياق النفي فيعمّ ، وتخصيصه في بعض أفراده ـ بإثبات اليمين عليه إجماعاً ـ لا ينفي حجّيته في الباقي ـ على المختار عند المحقّقين ـ فيبقى دالّاً على محلّ النزاع ، إلّاأن يدّعى أنّ السبيل لايتناول مثل ذلك. (منه رحمه الله).

(٢) الوسائل ١٣ : ٢٨٨ ، الباب ٤ من كتاب الوكالة ، الحديث الأوّل ، في طريقه داود بن الحصين وهو واقفي ، ودينار بن حكيم وهو مجهول ، وأمّا عمر بن حنظلة فالأصحاب وإن لم ينصّوا عليه بجرح ولا تعديل ، لكن عندي أنّه ثقة؛ لمدح رأيته في حديث الصادق عليه السلام [التهذيب ٢ : ٢٠ ، الحديث ٥٦]. (منه رحمه الله).

٤٦

زوجته فإنكارها وتعريضها للتزويج بغيره محرّم (ويسوق نصف المهر إلى الوكيل) للزومه بالطلاق ، وغرم الوكيل له بسببه.

(وقيل : يبطل) العقد (ظاهراً (١) ولا غُرم على الوكيل) لعدم ثبوت عقد حتّى يحكم بالمهر أو نصفه ، ولأ نّه على تقدير ثبوته إنّما يلزم الزوج؛ لأنّه عوض البُضع والوكيل ليس بزوج ، والحديث ضعيف السند ، وإلّا لما كان عنه عدول مع عمل الأكثر بمضمونه ، والتعليل بالفسخ فاسد. فالقول الأخير قويّ. نعم ، لو ضمن الوكيل المهر كلَّه أو نصفَه لزمه حسب ما ضمن.

وإنّما يجوز للمرأة التزويج إذا لم تصدّق الوكيلَ عليها ، وإلّا لم يجز لها التزويج قبلَ الطلاق؛ لأنّها بزعمها زوجة ، بخلاف ما إذا لم تكن عالمةً بالحال. ولو امتنع من الطلاق حينئذٍ لم يُجبر عليه؛ لانتفاء النكاح ظاهراً. وحينئذٍ ففي تسلّطها على الفسخ دفعاً للضرر ، أو تسلّط الحاكم عليه أو على الطلاق ، أو بقائه كذلك حتّى يطلّق أو يموت؟ أوجه.

ولو أوقع الطلاق معلّقاً على الشرط ك‍ (إن كانت زوجتي فهي طالق) صحّ ولم يكن إقراراً ولا تعليقاً مانعاً؛ لأنّه أمر يَعلم حالَه ، وكذا في نظائره كقول من يعلم أنّ اليوم الجمعة : «إن كان اليوم الجمعة فقد بعتك كذا» أو غيره من العقود.

(ولو اختلفا في تصرّف الوكيل) بأن قال : بعت ، أو قبضت ، أو اشتريت (حلف) الوكيل؛ لأنّه أمين وقادر على الإنشاء ، والتصرّف إليه ومرجع الاختلاف إلى فعله ، وهو أعلم به.

(وقيل) : يحلف (الموكّل) لأصالة عدم التصرّف وبقاءِ الملك على

__________________

(١) نقله المحقّق في الشرائع ٢ : ٢٠٦ ، وقال : وهو قويّ ، ومثله العلّامة في المختلف ٦ : ٢٩ ـ ٣٠ ، واختاره المحقّق الكركي في جامع المقاصد ٨ : ٢٩٤.

٤٧

مالكه (١) والأقوى الأوّل.

ولا فرق بين قوله في دعوى التصرّف : (بعت) و (قبضت الثمن) و (تلف في يدي) وغيره؛ لاشتراك الجميع في المعنى ، ودعوى التلف أمر آخر.

(وكذا الخلاف لو تنازعا في قدر الثمن الذي اشتريت به السلعة) كأن قال الوكيل : «اشتريته بمئة» والحال أنّه يساوي مئة ، ليمكن صحّة البيع ، فقال الموكّل : «بل بثمانين» فقيل : يقدّم قول الوكيل؛ لأنّه أمين (٢) والاختلاف في فعله ودلالة الظاهر على كون الشيء إنّما يباع بقيمته وهو الأقوى.

وقيل : قول الموكِّل (٣) لأصالة براءته من الزائد ، ولأنّ في ذلك إثبات حقّ للبائع عليه فلا يُسمع.

__________________

(١) قاله العلّامة في التذكرة (الحجريّة) ٢ : ١٣٧ ، في ما إذا كان النزاع بعد عزل الوكيل.

(٢) قاله الشيخ في المبسوط ٢ : ٣٩٢ ، وقوّاه الكركي في جامع المقاصد ٨ : ٣١٥.

(٣) اختاره المحقّق في الشرائع ٢ : ٢٠٦.

٤٨

كتاب الشفعة

٤٩
٥٠

(كتاب الشفعة)

(وهي) فُعلة من قولك : شفعتُ كذا بكذا ، إذا جعلته شَفْعاً به أي زوجاً ، كأنّ الشفيع يجعل نصيبه شفعاً بنصيب شريكه. وأصلُها التقوية والإعانة ، ومنه الشفاعة والشفع. وشرعاً (استحقاق الشريك الحصّةَ المبيعة في شركته) ولا يحتاج إلى قيد الاتّحاد وغيره ممّا يعتبر في الاستحقاق؛ لاستلزام (الاستحقاق) له وإنّما يفتقر إلى ذكرها في الأحكام.

ولا يرد النقض في طرده (١) بشراء الشريك حصّة شريكه ، فإنّه بعد البيع يصدق (استحقاق الشريك الحصّة المبيعة في شركته) إذ ليس في التعريف أنّها مبيعة لغيره أو له ، وكما يصدق «الاستحقاق» بالأخذ يصدق بنفس الملك.

ووجه دفعه : أنّ الاستحقاق المذكور هنا للشريك المقتضي لكونه شريكاً حالَ شركته ، والأمر في البيع ليس كذلك؛ لأنّه حال الشركة غير مستحقّ ، وبعد الاستحقاق ليس بشريك؛ إذ المراد بالشريك هنا الشريك بالفعل؛ لأنّه المعتبر شرعاً ، لا ما كان فيه شريكاً مع ارتفاع الشركة ، نظراً إلى عدم اشتراط بقاء المعنى المشتقّ منه في المشتقّ. نعم ، يمكن ورود ذلك مع تعدّد الشركاء إذا اشترى أحدهم نصيب بعضهم مع بقاء الشركة في غير الحصّة المبيعة.

__________________

(١) في (ف) : عكسه.

٥١

ولو قيّد المبيع بكونه لغير المستحقّ ، أو علّق الاستحقاق بتملّك الحصّة فقال : «استحقاق الشريك تملّك الحصّة المبيعة ...» سَلِم من ذلك؛ لأنّ استحقاق التملّك غير استحقاق الملك.

(ولا تثبت لغير) الشريك (الواحد) على أشهر القولين (١) وصحيح الأخبار (٢) يدلّ عليه. وذهب بعض الأصحاب إلى ثبوتها مع الكثرة (٣) استناداً إلى روايات (٤) معارَضة بأقوى منها.

(وموضوعها) وهو المال الذي تثبت فيه على تقدير بيعه (ما لا ينقل ، كالأرض والشجر) إذا بيع منضمّاً إلى مغرسه ، لا منفرداً. ومثله البناء ، فلو اشتركت غرفة بين اثنين دون قرارها فلا شفعة فيها ، وإن ضُمّت إلى أرض غيره ، كالشجر إذا ضُمّ إلى غير مغرسه.

(وفي اشتراط إمكان قسمته قولان) (٥) أجودهما اشتراطه؛ لأصالة

__________________

(١) القول بعدم الثبوت لغير الشريك الواحد للمفيد في المقنعة : ٦١٨ ، والسيّد في الانتصار : ٤٥٠ ، المسألة ٢٥٧ ، والشيخ في النهاية : ٤٢٣ ـ ٤٢٤ ، وابن إدريس في السرائر ٢ : ٣٨٧ وادّعى عليه الإجماع.

(٢) الوسائل ١٧ : ٣٢١ ـ ٣٢٢ ، الباب ٧ من أبواب الشفعة ، الأحاديث ١ ـ ٤ ، ٧.

(٣) ابن الجنيد [كما نقل عنه العلّامة في المختلف ٥ : ٣٣٤] والصدوق [في من لا يحضره الفقيه ٣ : ٨٠ ، ذيل الحديث ٣٣٧٧ في غير الحيوان]. (منه رحمه الله).

(٤) اُنظر الوسائل ١٧ : ٣١٨ ، الباب ٤ من أبواب الشفعة ، الحديثين ١ ، ٢ ، و ٣١٩ ، الباب ٥ من الأبواب ، الحديث الأوّل ، و ٣٢٢ ، الباب ٧ من الأبواب ، الحديث ٥.

(٥) القول بالاشتراط للشيخ في النهاية : ٤٢٤ ، والمبسوط ٣ : ١١٩ ، والقاضي في المهذّب ١ : ٤٥٨ ، وسلّار في المراسم : ١٨٤ ، وغيرهم ، وقال الشارح في المسالك ١٢ : ٢٦٥ : هو المشهور.

٥٢

عدم ثبوتها في محلّ النزاع ، وعليه شواهد من الأخبار (١) لكن في طريقها ضعف (٢) ومن لم يشترط نظر إلى عموم أدلّة ثبوتها ، مع ضعف المخصّص. وعلى الأوّل فلا شفعة في الحمّام الصغير ، والعضائد الضيّقة ، والنهر والطريق الضيّقين ، والرحى حيث لا يمكن قسمة أحجارها وبيتها. وفي حكم الضيّق قلّة النصيب بحيث يتضرّر صاحب القليل بالقسمة.

(ولا تثبت) الشفعة (في المقسوم) بل غير المشترك مطلقاً (إلّا مع الشركة في المجاز) وهو الطريق (والشِرْب (٣)) إذا ضمّهما في البيع إلى المقسوم.

وهل يشترط قبولهما القسمة كالأصل؟ إطلاق العبارة يقتضي عدمه ، وفي الدروس اشترطه (٤) والأقوى الاكتفاء بقبول المقسوم القسمةَ. نعم ، لو بيعا منفردين اعتبر قبولهما كالأصل.

(ويشترط قدرة الشفيع على الثمن) وبذله للمشتري ، فلا شفعة للعاجز ، ولا للممتنع مع قدرته ، والمماطل. ويرجع في العجز إلى اعترافه ، لا إلى حاله؛ لإمكان استدانته. ولا يجب على المشتري قبول الرهن والضامن والعوض.

__________________

والقول بعدم الاشتراط للسيّد في الانتصار : ٤٤٨ ، المسألة ٢٥٦ ، وابن الجنيد كما حكاه عنه العلّامة في المختلف ٥ : ٣٣٢ ، وابن إدريس في السرائر ٢ : ٣٩٠.

(١) اُنظر الوسائل ١٧ : ٣٢٣ ، الباب ٨ من أبواب الشفعة ، الحديث ١ وذيله و ٢ ، وعوالي اللآلئ ٣ : ٤٧٥ ، الحديث ١ و ٣.

(٢) فإنّ بعضها روايات عامّيّة وبعضها الآخر ضعيفة بالإرسال وغيره ، راجع المسالك ١٢ : ٣٦٢.

(٣) وهو مورد الماء.

(٤) الدروس ٣ : ٣٥٦.

٥٣

(وإسلامه إذا كان المشتري مسلماً) فلا شفعة لكافر مطلقاً على مسلم.

(ولو ادّعى غيبة الثمن اُجِّل ثلاثة أيّام) ولو ملفّقةً ، وفي دخول الليالي وجهان. نعم ، لو كان الأخذ عشيّة دخلت الليلة تبعاً ، ولا إشكال في دخول الليلتين المتوسّطتين كالاعتكاف. ولو ادّعى أنّه في بلد آخر اُجِّل زماناً يسع ذهابه وإيابه ، وثلاثةً (ما لم يتضرّر المشتري) لبُعد البلد عادةً كالعراق من الشام.

وفي العبارة : أنّ تضرّر المشتري يُسقِط الإمهال ثلاثةً مطلقاً ، والموجود في كلامه في الدروس (١) وكلام غيره (٢) اعتباره في البلد النائي خاصّة.

(وتثبت) الشفعة (للغائب) وإن طالت غيبته (فإذا قدم) من سفره (أخذ) إن لم يتمكّن من الأخذ في الغيبة بنفسه أو وكيله ، ولا عبرة بتمكّنه من الإشهاد. وفي حكمه المريض والمحبوس ظلماً أو بحقّ يعجز عنه ، ولو قدر عليه ولم يطالب بعد مضيّ زمانٍ يتمكّن من التخلّص والمطالبة بطلت.

(و) كذا تثبت (للصبيّ والمجنون والسفيه ، ويتولّى الأخذ) لهم (الوليّ مع الغبطة) لهم في الأخذ كسائر التصرّفات. ولا فرق بين كون الشريك البائع هو الوليّ وغيره ، وكما يأخذ لهم يأخذ منهم لو باع عنهم ما هو بشركته ، وكذا يأخذ لأحد المولَّيين نصيب الآخر لو باعه بشركته (فإن ترك) في موضع الثبوت (فلهم عند الكمال الأخذ) لا إن ترك لعدم المصلحة. ولو جهل الحال ففي استحقاقهم الأخذ نظراً إلى وجود السبب فيستصحب ، أم لا التفاتاً إلى أنّه

__________________

(١) الدروس ٣ : ٣٥٩ ـ ٣٦٠.

(٢) مثل الشيخ في النهاية : ٤٢٥ ، والقاضي في المهذّب ١ : ٤٥٩ ، والمحقّق في الشرائع ٣ : ٢٥٥ ، والعلّامة في القواعد ٢ : ٢٤٤ ، وغيرهم. راجع للتفصيل مفتاح الكرامة ٦ : ٣٣٤.

٥٤

مقيّد بالمصلحة ولم تُعلم ، وجهان ، أوجههما الثاني.

أمّا المفلَّس فتثبت له أيضاً ، لكن لا يجب على الغرماء تمكينه من الثمن ، فإن بذلوه أو رضي المشتري بذمّته فأخذ تعلّق بالشِقص حقّ الغرماء. ولا يجب عليه الأخذ ولو طلبوه منه مطلقاً.

(ويستحقّ) الأخذ بالشفعة (بنفس العقد وإن كان فيه خيار) بناءً على انتقال المبيع إلى ملك المشتري به ، فلو أوقفناه على انقضاء الخيار ـ كالشيخ (١) ـ توقّف على انقضائه.

(و) على المشهور (لا يمنع) الأخذ (من التخاير) لأصالة بقاء الخيار (فإن اختار المشتري أو البائع الفسخ بطلت) الشفعة وإلّا استقرّ الأخذ.

وجعل بعض الأصحاب الأخذ بعد انقضاء الخيار مع حكمه بملكه بالعقد (٢) نظراً إلى عدم الفائدة به قبله؛ إذ ليس له انتزاع العين قبل مضيّ مدّة الخيار؛ لعدم استقرار ملكه. والظاهر أنّ ذلك جائز ، لا لازم ، بل يجوز قبلَه وإن منع من العين. والفائدة تظهر في النماء وغيره.

واحتمل المصنّف في الدروس بطلان خيار المشتري بالأخذ (٣) لانتفاء فائدته؛ إذ الغرض الثمن وقد حصل من الشفيع ، كما لو أراد الردّ بالعيب فأخذ الشفيع.

ويضعَّف بأنّ الفائدة ليست منحصرة في الثمن ، فجاز أن يريد دفع الدرك عنه.

__________________

(١) اُنظر المبسوط ٣ : ١٢٣.

(٢) مثل العلّامة في الإرشاد ١ : ٣٧٥ و ٣٨٥.

(٣) الدروس ٣ : ٣٦٢.

٥٥

(وليس للشفيع أخذ البعض ، بل يأخذ الجميع ، أو يدع) لئلّا يتضرّر المشتري بتبعيض الصفقة؛ ولأنّ حقّه في المجموع من حيث هو مجموع كالخيار ، حتّى لو قال : أخذت نصفه ـ مثلاً ـ بطلت الشفعة؛ لمنافاته الفوريّة ، حيث تعتبر.

(ويأخذ بالثمن الذي وقع عليه العقد) أي بمثله؛ لعدم إمكان الأخذ بعينه ، إلّاأن يتملّكه ، وليس بلازم (ولا يلزمه غيره من دلالة أو وكالة) واُجرة نقد ووزن ، وغيرها؛ لأنّها ليست من الثمن وإن كانت من توابعه.

(ثمّ إن كان) الثمن (مثليّاً فعليه مثله ، وإن كان قيميّاً فقيمته).

وقيل : لا شفعة هنا (١) لتعذّر الأخذ بالثمن ، وعملاً بروايةٍ (٢) لا تخلو من ضعفٍ وقصورٍ عن الدلالة.

وعلى الأوّل يعتبر قيمته (يومَ العقد) لأنّه وقت استحقاق الثمن ، فحيث لا يمكن الأخذ به تعتبر قيمته حينئذٍ. وقيل : أعلى القيم من حينه إلى حين دفعها (٣)

__________________

(١) قاله الشيخ في الخلاف ٣ : ٤٣٢ ، المسألة ٧ ، وابن حمزة في الوسيلة : ٢٥٨ ، والعلّامة في المختلف ٥ : ٣٣٨.

(٢) الوسائل ١٧ : ٣٢٤ ، الباب ١١ من أبواب الشفعة ، الحديث الأوّل ، وهي رواية عليّ بن رئاب عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام في رجل اشترى داراً برقيق ومتاع وبزّ وجوهر ، قال : ليس لأحد فيها شفعة. وضعف سندها بالحسن بن سماعة وهو واقفي. وأمّا قصورها عن الدلالة فلأ نّه لم يذكر فيها أنّ فيها شركة لأحد ، فجاز أن تكون الشفعة المنفية شفعة الجوار ونحوها. ولو سلّم أنّها مشتركة فليس فيها ما يدلّ على أنّ المانع كون الثمن قيميّاً فجاز كونه غيره كعدم قبولها القسمة وغيره. ونبّه بذلك على خلاف العلّامة في التحرير [٤ : ٥٧٣] وغيره [المختلف ٥ : ٣٣٨] حيث جعل الرواية صحيحة ودالّة على عدم ثبوت الشفعة في القيمي ، وقد عرفت ضعفها. (منه رحمه الله).

(٣) قاله فخر المحقّقين في الإيضاح ٢ : ٢١٠.

٥٦

كالغاصب. وهو ضعيف.

(وهي على الفور) في أشهر القولين (١) اقتصاراً فيما خالف الأصل على محلّ الوفاق ، ولما رُوي أنّها كحَلّ العقال (٢) ولأ نّها شُرّعت لدفع الضرر. وربما جاء من التراخي على المشتري ضرر أقوى؛ لأنّه إن تصرّف كان معرضاً للنقص ، وإن أهمل انتفت فائدة الملك.

وقيل : على التراخي (٣) استصحاباً لما ثبت ، وأصالة عدم الفوريّة وهو مخرج عن الأصل ، والرواية عامّيّة. نعم ، روى عليّ بن مهزيار عن الجواد عليه السلام : إنظاره بالثمن ثلاثة أيّام (٤) وهو يؤذن بعدم التراخي مطلقاً (٥) ولا قائل بالفرق (٦) وهذا حسن.

وعليه (فإذا علم وأهمل) عالماً مختاراً (بطلت) ويعذَّر جاهل الفوريّة كجاهل الشفعة وناسيهما. وتُقبل دعوى الجهل ممّن يمكن في حقّه عادة.

وكذا يعذَّر مؤخِّر الطلب إلى الصبح لو بلغه ليلاً ، وإلى الطهارة والصلاة ولو بالأذان والإقامة والسنن المعهودة ، وانتظار الجماعة لها ، والأكل والشرب ،

__________________

(١) وهو قول المفيد في المقنعة : ٦١٨ ـ ٦١٩ ، والشيخ في المبسوط ٣ : ١٠٨ ، والخلاف ٣ : ٤٣٠ ، المسألة ٤ ، وأتباع الشيخ مثل القاضي في المهذّب ١ : ٤٥٨ ـ ٤٥٩ ، وابن حمزة في الوسيلة : ٢٥٨.

(٢) السنن الكبرى ٦ : ١٠٨ ، وكنز العمّال ٧ : ٤ ، الحديث ١٧٦٨٦.

(٣) قاله السيّد في الانتصار : ٤٥٤ ـ ٤٥٧ ، المسألة ٢٥٩ ، والإسكافي وعليّ بن بابويه على ما نقل عنهما في المختلف ٥ : ٣٤١ ، وابن إدريس في السرائر ٢ : ٣٨٨.

(٤) الوسائل ١٧ : ٣٢٤ ، الباب ١٠ من أبواب الشفعة ، وفيه حديث واحد.

(٥) حتّى في الثلاثة.

(٦) يعني من جوّز التراخي جوّزه مطلقاً ومن لم يجوّزه لم يجوّز أصلاً.

٥٧

والخروج من الحمّام بعد قضاء وطره منه ، وتشييع المسافر ، وشهود الجنازة ، وقضاء حاجة طالبها ، وعيادة المريض ، ونحو ذلك؛ لشهادة العرف به ، إلّاأن يكون المشتري حاضراً عنده بحيث لا يمنعه من شغله.

ولا بدّ من ثبوت البيع عنده بشهادة عدلين أو الشياع ، فلا عبرة بخبر الفاسق والمجهول والصبيّ والمرأة مطلقاً ، وفي شهادة العدل الواحد وجه ، واكتفى به المصنّف في الدروس مع القرينة (١) نعم لو صدّق المخبرَ كان كثبوته في حقّه. وكذا لو علم صدقه بأمر خارج.

(ولا تسقط الشفعة بالفسخ المتعقّب للبيع بتقايل ، أو فسخ بعيب) أمّا مع التقايل فظاهر؛ لأنّه لاحِقٌ للعقد ، والشفعة تثبت به فتقدّم. وأمّا [مع] (٢) العيب ، فلأنّ استحقاق الفسخ به فرع دخول المعيب في ملكه؛ إذ لا يعقل ردّ ما كان ملكاً للغير ، ودخوله في ملكه إنّما يتحقّق بوقوع العقد صحيحاً ، وفي هذا الوقت تثبت الشفعة فيقترنان ويقدّم حقّ الشفيع؛ لعموم أدلّة الشفعة للشريك واستصحاب الحال ، ولأنّ فيه جمعاً بين الحقّين؛ لأنّ العيب إن كان في الثمن المعيّن فالبائع يرجع إلى قيمة الشقص ، وإن كان في الشقص فالمشتري يطلب الثمن ، وهو حاصل له من الشفيع. بخلاف ما إذا قدّمنا البائع في الأوّل ، فإنّه يقتضي سقوط حقّ الشفيع من الشقص عيناً وقيمة ، وكذا لو قدّمنا المشتري.

وربما فُرّق بين أخذ الشفيع قبل الفسخ وبعده؛ لتساويهما في الثبوت ، فيقدَّم السابق في الأخذ. ويضعَّف بما ذكرناه (٣).

__________________

(١) الدروس ٣ : ٣٦٥.

(٢) لم يرد في المخطوطات.

(٣) من تقديم حقّ الشفيع؛ لعموم الأدلّة.

٥٨

وقيل بتقديم حقّ المتبايعين (١) لاستناد الفسخ إلى العيب المقارن للعقد ، والشفعة تثبت بعده ، فيكون العيب أسبق.

وفيه نظر؛ لأنّ مجرّد وجودِ العيب غير كافٍ في السببيّة بل هو مع العقد ، كما أنّ الشركة غير كافية في سببيّة الشفعة بل هي مع العقد ، فهما متساويان من هذا الوجه ، وإن كان جانب العيب لا يخلو من قوّة ، إلّاأ نّها لا توجب التقديم ، فالعمل على ما اختاره المصنّف أولى.

ولو اختار البائع أخذ أرش الثمن المعيب من المشتري رجع المشتري به على الشفيع إن كان أخذ بقيمة المعيب أو بمعيب مثله ، وإلّا فلا. ولو ترك البائع الردّ والأرش معاً مع أخذ الشفيع له بقيمة المعيب أو مثله ، فلا رجوع له بشيء؛ لأنّه كإسقاط بعض الثمن.

وكذا لو اختار المشتري أخذ أرش الشقص قبل أخذ الشفيع أخَذَه الشفيع بما بعد الأرش؛ لأنّه كجزءٍ من الثمن. ولو أخذه بعد أخذ الشفيع رجع الشفيع به.

ويُفهم من تقييد الفسخ بالعيب أنّه لو كان بغيره بطلت ، وقد تقدّم ذلك في الفسخ بالخيار.

وبقي تجدّد الفسخ بذاته ـ كما لو تلف الثمن المعيّن قبل القبض ـ وفي بطلانها به قول (٢) من حيث إنّه يوجب بطلان العقد. وآخر بعدمه (٣) لأنّ البطلان من

__________________

(١) لم نعثر عليه.

(٢) قاله الشيخ في المبسوط ٣ : ١٣٣.

(٣) استقربه العلّامة في المختلف ٥ : ٣٦٠ و ٣٦١ ، وصحّحه ولده في الإيضاح ٢ : ٢١٧ ، واختاره الصيمري في غاية المرام ٤ : ١٢٠.

٥٩

حين التلف لا من أصله ، فلا يزيل ما سبق من استحقاقها. وثالث بالفرق بين أخذ الشفيع قبل التلف فتثبت وبعده فتبطل (١) والأوسط أوسط.

(و) كذا (لا) تسقط الشفعة (بالعقود اللاحقة) للبيع (كما لو باع) المشتري الشقص (أو وهب أو وقف) لسبق حقّ الشفيع على ما تأخّر من العقود (بل للشفيع إبطال ذلك كلّه) والأخذ بالبيع الأوّل (وله أن) يجيز البيع و (يأخذ بالبيع الثاني) لأنّ كلّاً من البيعين سبب تامّ في ثبوت الشفعة ، والثاني صحيح وإن توقّف على إجازة الشفيع ، فالتعيين إلى اختياره.

وكذا لو تعدّدت العقود ، فإن أخذ من الأخير صحّت العقود السابقة ، وإن أخذ من الأوّل بطلت اللاحقة ، وإن أخذ من المتوسّط صحّ ما قبله وبطل ما بعده.

ولا فرق في بطلان الهبة لو اختاره الشفيع بين اللازمة وغيرها ، ولا بين المعوّض عنها وغيرها ، فيأخذ الواهب الثمن ويرجع العوض إلى باذله.

(والشفيع يأخذ من المشتري) لا من البائع؛ لأنّه المالك الآن (ودركه) أي درك الشقص لو ظهر مستحقّاً (عليه) فيرجع عليه بالثمن وبما اغترمه لو أخذه المالك. ولا فرق في ذلك بين كونه في يد المشتري ويد البائع بأن لم يكن أقبضه ، لكن هنا لا يكلّف المشتري قبضه منه ، بل يكلَّف الشفيع الأخذ منه أو الترك؛ لأنّ الشقص هو حقّ الشفيع ، فحيثما وجده أخذه ، ويكون قبضه كقبض المشتري ، والدرك عليه على التقديرين.

(والشفعة تورث) عن الشفيع كما يورث الخيار وحدّ القذف والقصاص

__________________

(١) قاله العلّامة في القواعد ٢ : ٢٥٦.

٦٠