الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة - ج ٣

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]

الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة - ج ٣

المؤلف:

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: شريعت
الطبعة: ٢
ISBN: 964-5662-47-8
ISBN الدورة:
964-5662-44-3

الصفحات: ٥٩٠

والرواية مطلقة يتعيّن حملها على أمته كما مرّ.

(وللسيّد أن يفرّق بين رقيقيه *متى شاء بلفظ الطلاق وبغيره **) من الفسخ والأمر بالاعتزال ، ونحوهما.

هذا إذا زوّجهما بعقد النكاح. أمّا إذا جعله إباحة فلا طلاق ، إلّاأن يجعل دالّاً على التفريق من غير أن يلحقه أحكامه. ولو أوقع لفظ الطلاق مع كون السابق عقداً فظاهر الأصحاب لحوق أحكامه واشتراطه بشرائطه ، عملاً بالعموم مع احتمال العدم بناءً على أنّه إباحة وإن وقع بعقد.

(وتباح الأمة) لغير مالكها (بالتحليل) من المالك لمن يجوز له التزويج بها ، وقد تقدّمت (١) شرائطه التي من جملتها كونه مؤمناً في المؤمنة ومسلماً في المسلمة ، وكونها كتابيّة لو كانت كافرة ، وغير ذلك من أحكام النسب والمصاهرة وغيرها. وحلّ الأمة بذلك هو المشهور بين الأصحاب ، بل كاد يكون إجماعاً ، وأخبارهم الصحيحة به مستفيضة (٢).

ولا بدّ له من صيغة دالّة عليه (مثل : أحللت لك وطأها ، أو جعلتك في حلٍّ من وطئها) وهاتان الصيغتان كافيتان فيه اتّفاقاً.

(وفي) صحّته بلفظ (الإباحة قولان) : أحدهما إلحاقها به (٣)

__________________

(*) في (ق) و (س) : رقيقه. والرقيق يُطلق على الواحد والجمع.

(**) في (ق) : أو غيره.

(١) تقدّمت في الصفحة ٢٢٦.

(٢) اُنظر الوسائل ١٤ : ٥٣٢ ـ ٥٣٣ ، الباب ٣١ من أبواب نكاح العبيد والإماء ، وغيره.

(٣) اختاره الشيخ في المبسوط ٣ : ٥٧ ، وابن إدريس في السرائر ٢ : ٦٣٣ ، والمحقّق في الشرائع ٢ : ٣١٦ ، والعلّامة في المختلف ٧ : ٢٧٧ ، والقواعد ٣ : ٦٢.

٢٦١

لمشاركتها له في المعنى ، فيكون كالمرادف الذي يجوز إقامته مقام رديفه. والأكثر على منعه (١) وقوفاً فيما خالف الأصل على موضع اليقين ، وتمسّكاً بالأصل ، ومراعاةً للاحتياط في الفروج المبنيّة عليه. وهو الأقوى ، وتمنع المرادفة أوّلاً ، ثمّ الاكتفاء بالمرادف مطلقاً ، فإنّ كثيراً من أحكام النكاح توقيفيّة وفيه شائبة العبادة ، والاحتياط فيه مهمّ. فإن جوّزناه بلفظ الإباحة كفى (أذنت) و (سوّغت) و (ملّكت) و (وهبت) ونحوها.

(والأشبه أنّه ملك يمين لا عقد) نكاح؛ لانحصار العقد في الدائم والمتعة ، وكلاهما منتفيان عنه؛ لتوقّف رفع الأوّل على الطلاق في غير الفسخ باُمور محصورة ليس هذا منها ، ولزوم المهر فيه بالدخول وغير ذلك من لوازمه ، وانتفاء اللازم يدلّ على انتفاء الملزوم. ولتوقّف الثاني على المهر والأجل وهما منتفيان هنا أيضاً فينتفي ، ولأنّ عقد النكاح لازم ولا شيء من التحليل بلازم ، وإذا انتفى كونه عقداً ثبت الملك؛ لانحصار حِلّ النكاح فيهما بمقتضى الآية (٢).

وعلى القولين لا بدّ من القبول؛ لتوقّف الملك عليه أيضاً.

وقيل : إنّ الفائدة تظهر فيما لو أباح أمته لعبده ، فإن قلنا : إنّه عقد أو تمليك وأنّ العبد يملك حلّت ، وإلّا فلا (٣).

__________________

(١) منهم : الشيخ في النهاية : ٤٩٤ ، وابن زهرة في الغنية : ٣٦٠ ، والعلّامة في التحرير ٣ : ٥١٦ ، الرقم ٥٠٩٦ ، وولده في الإيضاح ٣ : ١٦٦ ، والمحقّق الثاني في جامع المقاصد ١٣ : ١٨٣.

(٢) وهي الآية ٦ من سورة المؤمنون.

(٣) لم نعثر على قائله.

٢٦٢

وفيه نظر؛ لأنّ الملك فيه ليس على حدّ الملك المحض بحيث لا يكون العبد أهلاً له ، بل المراد به الاستحقاق كما يقال : يملك زيد إحضار مجلس الحكم ونحوه. ومثل هذا يستوي فيه الحرّ والعبد ، فصحّة التحليل في حقّه على القول [بعدم الملك] (١) متّجهة.

(ويجب الاقتصار على ما تناوله اللفظ وما يشهد الحال بدخوله فيه) فإن أحلَّه بعض مقدّمات الوطء كالتقبيل والنظر لم يحلّ له الآخر ولا الوطء ، وكذا لو أحلَّه بعضَها في عضو مخصوص اختصّ به. وإن أحلَّه الوطء حلّت المقدّمات بشهادة الحال؛ ولأ نّه لا ينفكّ عنها غالباً ، ولا موقع له بدونها؛ ولأنّ تحليل الأقوى يدلّ على الأضعف بطريق أولى ، بخلاف المساوي والعكس.

وهل يدخل اللمس بشهوة في تحليل القُبلة؟ نظر ، من الاستلزام المذكور في الجملة فيدخل ، ومن أنّ اللازم دخول لمس ما استلزمته القُبلة لا مطلقاً فلا يدخل إلّاما توقّفت عليه خاصّة ، وهو الأقوى.

(والولد) الحاصل من الأمة المحلَّلة (حرّ) مع اشتراط حرّيّته ، أو الإطلاق ، ولو شرط رقّيّته ففيه ما مرّ (٢) ويظهر من العبارة عدم صحّة الشرط ، حيث أطلق الحرّيّة وهو الوجه. ولا يخفى أنّ ذلك مبنيّ على الغالب من حرّيّة الأب ، أو على القول باختصاصه بالحرّ فلو كان مملوكاً وسوّغناه ـ كما سلف ـ فهو رقّ.

(و) حيث يحكم بحرّيّته (لا قيمة على الأب) مع اشتراط حرّيّته

__________________

(١) لم يرد في المخطوطات.

(٢) مرّ في الصفحة ٢٥٢.

٢٦٣

إجماعاً ، ومع الإطلاق على أصحّ القولين (١) وبه أخبار كثيرة (٢) ولأنّ الحرّيّة مبنيّة على التغليب ، ولهذا يسري العتق بأقلّ جزء يتصوّر. ولا شبهة في كون الولد متكوّناً من نطفة الرجل والمرأة فيغلب جانب الحرّيّة ، والحرّ لا قيمة له.

وفي قول آخر : إنّه يكون رقّاً لمولى الجارية ويفكّه أبوه إن كان له مال ، وإلّا استسعى في ثمنه (٣) والأوّل أشهر.

(ولا بأس بوطء الأمة وفي البيت آخر) مميّز ، أمّا غيره فلا يكره مطلقاً (وأن ينام بين أمتين. ويكره ذلك) المذكور في الموضعين (في الحرّة. و) كذا (يُكره وطء الأمة الفاجرة كالحرّة الفاجرة) لما فيه من العار وخوف اختلاط الماءين (ووطء من وُلدت من الزنا بالعقد *) ولا بأس به بالملك ، لكن لا يتّخذها اُمّ ولد ، بل يعزل عنها حذراً من الحمل ، روى ذلك محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام (٤).

__________________

(١) ذهب إليه ابن إدريس في السرائر ٢ : ٥٩٨ ، والمحقّق في الشرائع ٢ : ٣١٧ ، والمختصر : ١٨٦ ، والعلّامة في المختلف ٧ : ٢٦٢ ـ ٢٦٤ ، والقواعد ٣ : ٦٣ ، وولده في الإيضاح ٣ : ١٦٨ ، والمحقّق الثاني في الجامع ١٣ : ١٩٥ ، والصيمري في غاية المرام ٣ : ١١٩ ، والسيوري في التنقيح الرائع ٣ : ١٧٧.

(٢) اُنظر الوسائل ١٤ : ٥٢٨ ، الباب ٣٠ من أبواب نكاح العبيد والإماء ، و ٥٤٠ ـ ٥٤١ ، الباب ٣٧ من أبواب نكاح العبيد والإماء ، الحديث ٣ و ٤ و ٦ و ٧.

(٣) قاله الشيخ في النهاية : ٤٩٤.

(*) في (ق) و (س) : بالعقد والملك.

(٤) الوسائل ١٤ : ٥٧٠ ، الباب ٦٠ من أبواب نكاح العبيد والإماء ، الحديث الأوّل.

٢٦٤

(الفصل السادس)

(في المهر)

(كلّ ما صحّ أن يُملك وإن قلّ بعد أن يكون متموّلاً عيناً كان أو منفعة) وإن كانت منفعة حرّ ولو أنّه الزوج ، كتعليم صنعة أو سورة أو علم غير واجب أو شيء من الحِكَم والآداب أو شعر ، أو غيرها من الأعمال المحلّلة المقصودة (يصحّ إمهاره) ولا خلاف في ذلك كلّه سوى العقد على منفعة الزوج ، فقد منع منه الشيخ في أحد قوليه (١) استناداً إلى رواية (٢) لا تنهض دليلاً متناً وسنداً (٣).

(ولو عقد الذمّيّان على ما لا يُملك في شرعنا) كالخمر والخنزير (صحّ) لأنّهما يملكانه (فإن أسلما) أو أسلم أحدهما قبل التقابض (انتقل إلى القيمة) عند مستحلّيه؛ لخروجه عن ملك المسلم ، سواء كان عيناً أو مضموناً؛ لأنّ المسمّى لم يفسد ، ولهذا لو كان قد أقبضها إيّاه قبل الإسلام برئ ،

__________________

(١) النهاية : ٤٦٩.

(٢) وهي رواية البزنطي عن أبي الحسن عليه السلام ، اُنظر الوسائل ١٥ : ٣٣ ، الباب ٢٢ من أبواب المهور ، الحديث الأوّل.

(٣) فإنّ في طريقها سهل بن زياد وهو ضعيف ، ولها طريق آخر حسن ، فيه إبراهيم بن هاشم ، ولم يبلغ حدّ الثقة وإن كان ممدوحاً. المسالك ٨ : ١٥٩.

٢٦٥

وإنّما تعذّر الحكم به فوجب المصير إلى قيمته؛ لأنّها أقرب شيء إليه ، كما لو جرى العقد على عينٍ وتعذّر تسليمها.

ومثله ما لو جعلاه ثمناً لمبيع أو عوضاً لصلح أو غيرهما.

وقيل : يجب مهر المثل (١) تنزيلاً لتعذّر تسليم العين منزلة الفساد ، ولأنّ وجوب القيمة فرع وجوب دفع العين مع الإمكان ، وهو هنا ممكن ، وإنّما عرض عدم صلاحيّته للتملّك لهما.

ويضعَّف بمنع الفساد كما تقدّم (٢) والتعذّر الشرعي منزَّل منزلة الحسّي أو أقوى ، ومهر المثل قد يكون أزيد من المسمّى فهي تعترف بعدم استحقاق الزائد ، أو أنقص فيعترف هو باستحقاق الزائد حيث لم يقع المسمّى فاسداً ، فكيف يرجع إلى غيره بعد استقراره؟ ولو كان الإسلام بعد قبض بعضه سقط بقدر المقبوض ووجب قيمة الباقي ، وعلى الآخر يجب بنسبته من مهر المثل.

(ولا تقدير في المهر قلّة) ما لم يقصر عن التقويم كحبّة حِنطة ، (ولا كثرة) على المشهور؛ لقوله تعالى : (وَآتَيْتُمْ إِحْدٰاهُنَّ قِنْطٰاراً) (٣) وهو المال العظيم. وفي القاموس : القِنطار ـ بالكسر ـ وزن أربعين اُوقية من ذهب أو فضّة أو ألف (٤) دينار أو ألف ومئتا اُوقية [من ذهب أو فضّة] (٥) أو سبعون ألف دينار ، أو ثمانون ألف درهم ، أو مئة رطل من ذهب أو فضّة ، أو مِلء مَسك ثور ذهباً

__________________

(١) لم نعثر على القائل ، نعم احتمله المحقّق الثاني في جامع المقاصد ١٣ : ٣٣٧.

(٢) تقدّم في الصفحة السابقة.

(٣) النساء : ٢٠.

(٤) في المصدر : أو ألف ومئتا.

(٥) لم يرد في المخطوطات والمصدر.

٢٦٦

أو فضّة (١) وفي صحيحة الوشّاء عن الرضا عليه السلام : (لو أنّ رجلاً تزوّج امرأة وجعل مهرها عشرين ألفاً ، ولأبيها عشرة آلاف كان المهر جائزاً ، والذي جعله لأبيها فاسداً) (٢).

(ويُكره أن يتجاوز) مهر (السنّة) وهو ما أصدقه النبيّ صلى الله عليه وآله لأزواجه جُمع (٣) (وهو خمسمئة درهم) قيمتها خمسون ديناراً. ومنع المرتضى من الزيادة عليها وحكم بردّ من زاد عنها إليها محتجّاً بالإجماع (٤) وبه خبر ضعيف (٥) لا يصلحُ حجّة ، والإجماع ممنوع ، وجميع التفسيرات السابقة للقنطار ترد عليه ، والخبر الصحيح (٦) حجّة بيّنة. نعم ، يستحبّ الاقتصار عليه؛ لذلك.

(ويكفي فيه المشاهدة عن اعتباره) بالكيل أو الوزن أو العدد ، كقطعة من ذهب مشاهَدة لا يُعلم وزنها ، وقُبّةٍ من طعام لا يُعلم كيلها؛ لارتفاع معظم الغرر بالمشاهدة واغتفار الباقي في النكاح؛ لأنّه ليس معاوضة محضة بحيث ينافيه ما زاد منه. ويُشكل الحال لو تلف قبل التسليم أو بعده وقد طلّقها قبل الدخول.

ولو لم يشاهد اعتبر التعيين قدراً ووصفاً إن كان ممّا يُعتبر به ، أو وصفاً

__________________

(١) القاموس المحيط ٢ : ١٢٢.

(٢) الوسائل ١٥ : ١٩ ، الباب ٩ من أبواب المهور ، الحديث الأوّل.

(٣) اُنظر الوسائل ١٥ : ٥ ـ ٨ ، الباب ٤ من أبواب المهور.

(٤) الانتصار : ٢٩٢ ، المسألة ١٦٤.

(٥) وهو خبر مفضل بن عمر عن الصادق عليه السلام ، اُنظر الوسائل ١٥ : ١٧ ـ ١٨ ، الباب ٨ من أبواب المهور ، الحديث ١٤. ووجه ضعفه أنّ في طريقه محمّد بن سنان ، وهو ضعيف غالٍ مطعون عليه باُمور كثيرة ، وكذا المفضل بن عمر وهو مثله في الضعف. المسالك ٨ : ١٦٩.

(٦) اُنظر الوسائل ١٥ : ١ ـ ٣ ، الباب الأوّل من أبواب المهور ، وغيره.

٢٦٧

خاصّة إن اكتُفي به كالعبد (ولو تزوّجها على كتاب اللّٰه وسنّة نبيّه صلى الله عليه وآله وسلم فهو خمسمئة درهم) للنصّ (١) والإجماع. وبهما يندفع الإشكال مع جهل الزوجين أو أحدهما بما جرت به السنّة منه وبقبوله الغرر كما تقرّر.

(ويجوز جعل تعليم القرآن مهراً) لرواية سهل الساعدي (٢) المشهورة ، فيعتبر تقديره بسورة معيّنة أو آيات خاصّة. ويجب حينئذٍ أن يُعلِّمها القراءة الجائزة شرعاً ، ولا يجب تعيين قراءة شخص بعينه وإن تفاوتت في السهولة والصعوبة ، ولو تشاحّا في التعيين قُدّم مختاره؛ لأنّ الواجب في ذمّته منها أمر كلّي فتعيينه إليه كالدين.

وحدّ التعليم أن تستقلّ بالتلاوة ، ولا يكفي تتبّعها نطقَه ، والمرجع في قدر المستقلّ به إلى العرف ، فلا يكفي الاستقلال بنحو الكلمة والكلمتين. ومتى صدق التعليم عرفاً لا يقدح فيه نسيانها ما علمته وإن لم تكن قد أكملت جميع ما شُرط؛ لتحقّق البراءة.

ولو تعذَّر تعلّمها لبلادتها أو موتها أو موت الزوج حيث يشترط (٣) التعليم منه ، أو تعلّمت من غيره فعليه اُجرة المثل؛ لأنّها عوضه حيث يتعذّر ، ولو افتقرت إلى مشقّة عظيمة زائدة على عادة أمثالها لم يبعد إلحاقه بالتعذّر؛ وكذا القول في تعليم الصنعة.

(ويصحّ العقد الدائم من غير ذكر المهر) وهو المعبّر عنه بتفويض البُضع ،

__________________

(١) الوسائل ١٥ : ٢٥ ، الباب ١٣ من أبواب المهور ، الحديث الأوّل.

(٢) المستدرك ١٥ : ٦١ ، الباب ٢ من أبواب المهور ، الحديث ٢.

(٣) في (ش) : شرط.

٢٦٨

بأن تقول : (زوّجتك نفسي) فيقول : (قبلت) سواء أهملا ذكرَه أم نفياه صريحاً. وحينئذٍ فلا يجب المهر بمجرّد العقد (فإن دخل) بها (فمهر المثل) والمراد به ما يُرغَب به في مثلها نسباً وسنّاً وعقلاً ويساراً وبكارةً ، وأضدادها ، وغيرها ممّا تختلف به الأغراض.

(وإن طلّق قبل الدخول) وقبل اتّفاقهما على فرض مهر (فلها المتعة) المدلول عليها بقوله تعالى : (لاٰ جُنٰاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ اَلنِّسٰاءَ) ... الآية (١) (حرّة كانت) الزوجة المفوّضة (أو أمة) والمعتبر في المتعة بحال الزوج في السعة والإقتار (فالغنيّ) يُمتِّع (بالدابّة) وهي الفرس؛ لأنّه الشائع في معناها عرفاً. والمعتبر منها ما يقع عليه اسمها صغيرة كانت أم كبيرة ، برذوناً كانت أم عتيقاً ، قاربت قيمةَ (٢) الثوب والعشرة الدنانير أم لا (أو الثوب المرتفع) (٣) عادةً ، ناسبت قيمته قسيميه أم لا (أو عشرة دنانير) وهي المثاقيل الشرعيّة.

(والمتوسّط) في الفقر والغناء يُمتِّع (بخمسة دنانير ، والفقير بدينار أو خاتم) ذهب أو فضّة معتدّ به عادةً (وشبهه) من الأموال المناسبة لما ذُكر في كلّ مرتبة. والمرجع في الأحوال الثلاثة إلى العرف بحسب زمانه ومكانه وشأنه.

(ولا متعة لغير هذه) الزوجة وهي المفوِّضة لبُضعها المطلّقة قبل الدخول والفرض ، لكن يستحبّ لو فارقها بغير الطلاق من لعان وفسخ ، بل قيل بوجوبه

__________________

(١) البقرة : ٢٣٦.

(٢) في (ع) و (ر) : قيمته.

(٣) في (ر) زيادة : قيمته.

٢٦٩

حينئذٍ؛ لأنّه في معنى الطلاق (١).

والأوّل أقوى؛ لأنّه مدلول الآية ، وأصالة البراءة في غيره تقتضي العدم. واُلحق بهذه مَنْ فُرض لها مهر فاسد ، فإنّه في قوّة التفويض ، ومَن فسخت في المهر قبل الدخول بوجهٍ مجوّز.

(ولو تراضيا بعد العقد بفرض المهر جاز وصار لازماً) لأنّ الحقّ فيه لهما ، زاد عن مهر المثل أم ساواه أم قصر. فإن اختلفا قيل : للحاكم فرضه بمهر المثل (٢) كما أنّ له تعيين (٣) النفقة للزوجة على الغائب ومن جرى مجراه. ويحتمل إبقاء الحال إلى أن يحصل أحد الاُمور الموجبة للقدر أو المسقطة للحقّ؛ لأنّ ذلك لازم التفويض الذي قد قدما عليه.

(ولو فوّضا) في العقد (تقدير المهر إلى أحدهما صحّ) وهو المعبَّر عنه بتفويض المهر ، بأن تقول : زوّجتك (٤) على أن تفرض من المهر ما شئتَ أو ما شئتُ. وفي جواز تفويضه إلى غيرهما أو إليهما معاً وجهان : من عدم النصّ ، و[من] (٥) أنّه كالنائب عنهما والوقوف مع النصّ طريق اليقين (ولزم ما حكم به الزوج ممّا يتموّل) وإن قلّ (وما حكمت به الزوجة إذا لم يتجاوز) مهر (السنّة) وهو خمسمئة درهم. وكذا الأجنبيّ لو قيل به؛ لرواية زرارة عن الباقر عليه السلام ، وعلّله بأ نّه «إذا حكَّمها لم يكن لها أن تتجاوز ما سنّ رسول اللّٰه صلى الله عليه وآله

__________________

(١) قوّاه الشيخ في المبسوط ٤ : ٣٢٠ ، واختاره العلّامة في المختلف ٧ : ١٨٠.

(٢) قاله العلّامة في القواعد ٣ : ٨٠ ، والتحرير ٣ : ٥٦٥ ، الرقم ٥٢١٢.

(٣) في (ع) و (ف) : كما يعيّن.

(٤) في مصحّحة (ع) زيادة : نفسي.

(٥) لم يرد في المخطوطات.

٢٧٠

وتزوّج عليه نساءه ، وإذا حكَّمته فعليها أن تقبل حكمه قليلاً كان أو كثيراً) (١).

(ولو طلّق قبل الدخول فنصف ما يحكم به) الحاكم؛ لأنّ ذلك هو الفرض الذي يتنصّف (٢) بالطلاق ، سواء وقع الحكم قبل الطلاق أم بعده. وكذا لو طلّقها بعد الدخول لزم الحاكم الفرض واستقرّ في ذمّة الزوج.

(ولو مات الحاكم قبل الدخول) والحكم (فالمرويّ) في صحيحة محمّد بن مسلم عن الباقر عليه السلام (في رجل تزوّج امرأة على حكمها أو حكمه فمات أو ماتت قبل الدخول ، أنّ لها (المتعة) والميراث ، ولا مهر لها» (٣) ويؤيّده أنّ مهر المثل لا يجب إلّامع الدخول ولم يحصل ، ولا مسمّى ، ولا يجوز إخلاء النكاح عن مهر ، فتجب المتعة؛ إذ لا رابع.

وقيل : يثبت لها مهر المثل (٤) لأنّه قيمة المعوّض حيث لم يتعيّن غيره ، ولأنّ المهر المذكور غايته أنّه مجهول ، فإذا تعذّرت معرفته وجب الرجوع إلى مهر المثل. وهو غير مسموع في مقابلة النصّ الصحيح.

ولا فرق مع موت الحاكم بين موت المحكوم عليه معه وعدمه ، عملاً بإطلاق النصّ.

ولو مات المحكوم عليه وحده فللحاكم الحكم؛ إذ لا يشترط حضور المحكوم عليه عنده ، والتفويض إليه قد لزم بالعقد فلا يبطل بموت المحكوم عليه ، ولأصالة بقائه ، والنصّ لا يعارضه.

__________________

(١) الوسائل ١٥ : ٣١ ـ ٣٢ ، الباب ٢١ من أبواب المهور ، الحديث الأوّل.

(٢) في (ش) و (ر) : ينتصف.

(٣) الوسائل ١٥ : ٣٢ ، الباب ٢١ من أبواب المهور ، الحديث ٢.

(٤) قاله العلّامة في القواعد ٣ : ٨٢.

٢٧١

وربما قيل بأ نّه مع موت الحاكم لا شيء (١) وهو ضعيف.

(ولو مات أحد الزوجين مع تفويض البُضع قبل الدخول فلا شيء) لرضاهما بغير مهر ، ولصحيحة الحلبي عن الصادق عليه السلام «في المتوفّى عنها زوجها قبل الدخول ، إن كان فرض لها مهراً فلها ، وإن لم يكن فرض [لها] (٢) مهراً فلا مهر لها» (٣) وهذا ممّا لا خلاف فيه ظاهراً.

لاُولى (٤) :

(الصداق يُملك) بأجمعه للزوجة (بالعقد) ملكاً متزلزلاً ، ويستقرّ بأحد اُمور أربعة (٥) : الدخول إجماعاً ، وردّة الزوج عن فطرة ، وموته ، وموتها في الأشهر (ولها التصرّف فيه قبل القبض) إذ لا مدخليّة للقبض هنا في الملك ، سواء طلّقها قبل الدخول أم لا وإن رجع إليه نصفه بالطلاق (فلو نما) بعد العقد (كان) النماء (لها) خاصّة؛ لرواية عبيد بن زرارة عن الصادق عليه السلام «في زوج ساق إلى زوجته غنماً ورقيقاً فولدت عندها وطلّقها قبل أن يدخل ، فقال : إن كنّ حملن عنده فله نصفها ونصف ولدها ، وإن كنّ حملن عندها

__________________

(١) قاله ابن إدريس في السرائر ٢ : ٥٨٧.

(٢) أثبتناه من المصدر.

(٣) الوسائل ١٥ : ٧٦ ، الباب ٥٨ من أبواب المهور ، الحديث ٢٢.

(٤) لم يرد (الاُولى) في (ف) و (ش).

(٥) قد تقدّم أنّه يستقرّ بالفرقة في مواضع ولكنّها غير مشهورة. (منه رحمه الله).

٢٧٢

فلا شيء له من الأولاد» (١).

(فإن تعقّبه طلاق قبل الدخول ملك الزوج النصف حينئذٍ) ولا شيء له في النماء ، ثمّ إن وجده باقياً على ملكها أجمع أخذ نصفه ، وإن وجده تالفاً أو منتقلاً عن ملكها فنصف مثله أو قيمته.

ثمّ إن اتّفقت القيمة ، وإلّا فله الأقلّ من حين العقد إلى حين التسليم؛ لأنّ الزيادة حدثت في ملكها. وإن وجده معيباً رجع في نصف العين مع الأرش ، ولو نقصت القيمة للسوق فله نصف العين خاصّة. وكذا لو زادت وهي باقية ، ولو زاد زيادةً متّصلةً كالسمن تخيّرت بين دفع نصف العين الزائدة ونصف القيمة من دونها. وكذا لو تغيّرت في يدها بما أوجب زيادة القيمة كصياغة الفضّة وخياطة الثوب. ويُجبر على العين لو بذلتها في الأوّل دون الثاني؛ لقبول الفضّة لما يريده منها ، دون الثوب ، إلّاأن يكون مفصّلاً على ذلك الوجه قبل دفعه إليها.

(ويُستحبّ لها العفو عن الجميع) لقوله تعالى : (وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوىٰ) (٢) والمراد بالعفو إسقاط المهر بالهبة إن كان عيناً ، والإبراء وما في معناه من العفو والإسقاط إن كان ديناً.

وربما قيل بصحّته بلفظ (العفو) مطلقاً (٣) عملاً بظاهر الآية. وردُّه إلى القوانين الشرعيّة أولى ، والآية لا تدلّ على أزيد منه.

__________________

(١) التهذيب ٧ : ٣٦٨ ، الحديث ١٤٩١ ، والوسائل ١٥ : ٤٣ ، الباب ٣٤ من أبواب المهور ، الحديث الأوّل.

(٢) البقرة : ٢٣٧.

(٣) نسبه في المسالك ٨ : ٢٦١ إلى مقتضى إطلاق المحقّق وقال : وبهذا صرّح الشيخ في المبسوط والأكثر ، اُنظر الشرائع ٢ : ٣٣٠ ، والمبسوط ٤ : ٣٠٦ ـ ٣٠٧.

٢٧٣

(ولوليّها الإجباري) الذي بيده عقدة النكاح أصالة وهو الأب والجدّ له بالنسبة إلى الصغيرة (العفو عن البعض) أي بعض النصف الذي تستحقّه بالطلاق قبل الدخول؛ لأنّ عفو الوليّ مشروط بكون الطلاق قبل الدخول (لا الجميع).

واحترز ب‍ «الإجباري» عن وكيل الرشيدة ، فليس له العفو مع الإطلاق في أصحّ القولين (١) نعم ، لو وكّلته في العفو جاز قطعاً. وكذا وكيل الزوج في النصف الذي يستحقّه بالطلاق.

(الثانية) :

(لو دخل قبل دفع المهر كان ديناً عليه وإن طالت المدّة) للأصل والأخبار (٢) وما رُوي : من أنّ الدخول يهدم العاجل أو (٣) أنّ طول المدّة يسقطه (٤) شاذٌّ (٥)

__________________

(١) نسبه فخر المحقّقين في الإيضاح ٣ : ٢٢٦ إلى المشهور ، وقال : وهو اختيار الشيخ الطوسي في الخلاف [٤ : ٣٨٩] وادّعى فيه الإجماع ، واختاره ابن إدريس في السرائر ٢ : ٥٧٢ ـ ٥٧٣ ، والعلّامة في المختلف ٧ : ١١٧ ـ ١١٨. والقول الآخر للشيخ في النهاية : ٤٦٨ ، والقاضي في المهذّب ٢ : ١٩٦.

(٢) اُنظر الوسائل ١٥ : ١٦ ـ ١٧ ، الباب ٨ من أبواب المهور ، الحديث ٩ ـ ١٢ ، و ١٥ : ٦٥ ، الباب ٥٤ من أبواب المهور.

(٣) في (ش) و (ر) : و.

(٤) اُنظر الوسائل ١٥ : ١٤ ـ ١٥ ، الباب ٨ من أبواب المهور ، الحديث ٤ ـ ٦ و ٨ وغيرها.

(٥) قال الشارح : عمل بمضمون هذه الأخبار بعض الأصحاب ، لكنّها بعيدة عن اُصول المذهب بل إجماع الاُمّة ، معارضة لما دلّ على ثبوت المهر في ذمّة الزوج على كلّ حال من الكتاب والسنّة. راجع المسالك ٨ : ٢٢٤.

٢٧٤

لا يُلتفت إليه ، أو مؤوّل بقبول قول الزوج في براءته من المهر لو تنازعا.

(والدخول) الموجب للمهر تامّاً (هو الوطء) المتحقّق بغيبوبة الحشفة أو قدرها من مقطوعها.

وضابطه : ما أوجب الغسل (قُبلاً أو دبراً ، لا مجرّد الخلوة) بالمرأة وإرخاء الستر على وجهٍ ينتفي معه المانع من الوطء على أصحّ القولين (١) والأخبار في ذلك مختلفة ، ففي بعضها : أنّ وجوبه أجمع متوقّف على الدخول (٢) وفي آخر : بالخلوة (٣) والآية (٤) ظاهرة في الأوّل ، ومعه مع ذلك الشهرةُ بين الأصحاب وكثرة الأخبار.

(الثالثة) :

(لو أبرأته من الصداق ثمّ طلّقها قبل الدخول رجع) عليها (بنصفه) لأنّها حين الإبراء كانت مالكة لجميع المهر ملكاً تامّاً ، وما يرجع إليه بالطلاق ملك جديد؛ ولهذا كان نماؤه لها ، فإذا طلّقها رجع عليها بنصفه ، كما لو صادفها قد

__________________

(١) اختاره المحقّق في الشرائع ٢ : ٣٢٨ ، والمختصر النافع : ١٨٩ ، والعلّامة في المختلف ٧ : ١٤٢ ، والتحرير ٣ : ٥٧٥ ، والقواعد ٣ : ٨٢ ، والإرشاد ٢ : ١٧ ، وفخر المحقّقين في الإيضاح ٣ : ١٩٩ ، ونسبه في التنقيح الرائع ٣ : ٢٢٦ إلى الأكثر ، ومثله في المسالك ٨ : ٢٢٦. وأمّا الخلوة وإرخاء الستر ففيهما أقوال وتفصيلات ، راجع الإيضاح ٣ : ١٩٩ ، والمهذّب البارع ٣ : ٣٩٨ ـ ٤٠٢.

(٢) اُنظر الوسائل ١٥ : ٦٥ ، الباب ٥٤ من أبواب المهور ، و ٥٥ من أبواب المهور ، الحديث ١ و ٥.

(٣) اُنظر الوسائل ١٥ : ٦٧ ـ ٦٨ ، الباب ٥٦ من أبواب المهور ، الحديث ٢ و ٤ و ٦.

(٤) وهي الآية ٢٣٧ من سورة البقرة.

٢٧٥

أتلفته ، فإنّ تصرّفها فيه بالإبراء بمنزلة الإتلاف ، فيرجع بنصفه. وكذا لو كان عيناً ووهبته إيّاها ثمّ طلّقها ، فإنّه يرجع عليها بنصف القيمة.

ويحتمل ضعيفاً عدم الرجوع في صورة الإبراء؛ لأنّها لم تأخذ منه مالاً ولا نقلت إليه الصداق؛ لأنّ الإبراء إسقاط لا تمليك ، ولا أتلفته عليه ، كما لو رجع الشاهدان بدَين في ذمّة زيد لعمرو بعد حكم الحاكم عليه وقبل الاستيفاء وكان قد أبرأ المشهود عليه ، فإنّه لا يرجع على الشاهدين بشيءٍ ، ولو كان الإبراء إتلافاً على من في ذمّته لغرما له.

والفرق واضح ، فإنّ حقّ المهر ثابت حال الإبراء في ذمّة الزوج ظاهراً وباطناً ، فإسقاط الحقّ بعد ثبوته متحقّق بخلاف مسألة الشاهد ، فإنّ الحقّ لم يكن ثابتاً كذلك فلم تصادف البراءة حقّاً يسقط بالإبراء.

(وكذا) يرجع عليها بنصفه (لو خلعها به أجمع) قبل الدخول؛ لاستحقاقه له ببذلها عوضاً مع الطلاق ، فكان انتقاله عنها سابقاً على استحقاقه النصف بالطلاق ، فينزَّل منزلة المنتقل عنها حين استحقاقه النصف ، فيرجع عليها بنصفه ديناً أو عيناً.

(الرابعة) :

(يجوز اشتراط ما يوافق * الشرع في عقد النكاح) سواء كان من مقتضى عقد النكاح كأن تشترط عليه العدل في القَسْم والنفقة ، أو يشترط عليها أن يتزوّج عليها متى شاء ، أو يتسرّى (١) أو خارجاً عنه كشرط تأجيل المهر أو بعضه

__________________

(*) في (س) زيادة : (به) ، وهكذا في (ر) من الشرح.

(١) أي يأخذ السُريّة ، وهي ـ بضمّ السين ـ الأمة المنسوبة إلى السرّ ، وهو الجماع. (هامش ر).

٢٧٦

إلى أجل معيّن.

(فلو شرط ما يخالفه لغا الشرط) وصحّ العقد والمهر (كاشتراط أن لا يتزوّج عليها أو لا يتسرّى) أو لا يطأ ، أو يطلّق كما في نكاح المحلِّل.

أمّا فساد الشرط حينئذٍ فواضح؛ لمخالفته المشروع. وأمّا صحّة العقد فالظاهر إطباق الأصحاب عليه ، وإلّا كان للنظر فيه مجال كما عُلم من غيره من العقود المشتملة على الشرط الفاسد (١).

وربما قيل بفساد المهر خاصّة (٢) لأنّ الشرط كالعوض المضاف إلى الصداق ، فهو في حكم المال ، والرجوع إلى قيمته متعذّر للجهالة ، فيجهل (٣) الصداق فيرجع إلى مهر المثل.

(ولو شرط إبقاءها في بلدها لزم) لأنّه شرط لا يخالف المشروع ، فإنّ خصوصيّات الوطن أمر مطلوب للعقلاء بواسطة النشوء والأهل والاُنس وغيرها ، فجاز شرطه توصّلاً إلى الغرض المباح ، ولصحيحة أبي العبّاس عن الصادق عليه السلام (في الرجل يتزوّج امرأة ويشترط أن لا يُخرِجها من بلدها ، قال عليه السلام : يفي لها بذلك ، أو قال : يلزمه ذلك) (٤) ولعموم (المؤمنون عند شروطهم) (٥).

__________________

(١) نسب في المسالك ٨ : ٢٤٥ إفسادَ الشرط الفاسد للعقد إلى المحقّق والأكثر ، وراجع للتفصيل مفتاح الكرامة ٤ : ٧٣٢.

(٢) لم نعثر عليه ، نعم قال العلّامة في القواعد ٣ : ٧٧ ـ بعد الحكم بفساد الشرط وصحّة العقد والمهر ـ : وفي فساد المهر وجه.

(٣) في (ع) و (ف) ونسخة بدل (ش) : فيتجهّل.

(٤) الوسائل ١٥ : ٤٩ ، الباب ٤٠ من أبواب المهور ، الحديث الأوّل.

(٥) المصدر السابق : ٣٠ ، الباب ٢٠ من أبواب المهور ، الحديث ٤.

٢٧٧

(وكذا) لو شرط إبقاءها (في منزلها) وإن لم يكن منصوصاً؛ لاتّحاد الطريق.

وقيل : يبطل الشرط فيهما (١) لأنّ الاستمتاع بالزوجة في الأزمنة والأمكنة حقّ الزوج بأصل الشرع ، وكذا السلطنة له عليها ، فإذا شرط ما يخالفه كان باطلاً ، وحملوا الرواية على الاستحباب.

ويشكل بأنّ ذلك وارد في سائر الشروط السائغة التي ليست بمقتضى العقد كتأجيل المهر ، فإنّ استحقاقها المطالبة به في كلّ زمان ومكان ثابت بأصل الشرع أيضاً ، فالتزام عدم ذلك في مدّة الأجل يكون مخالفاً ، وكذا القول في كلّ تأجيل ونحوه من الشروط السائغة.

والحقّ أنّ مثل ذلك لا يمنع ، خصوصاً مع ورود النصّ الصحيح بجوازه. وأمّا حمل الأمر المستفاد من الخبر الذي بمعناه على الاستحباب فلا ريب أنّه خلاف الحقيقة ، فلا يصار إليه مع إمكان الحمل عليها ، وهو ممكن. فالقول بالجواز أوجه في مسألة النصّ.

وأمّا المنزل فيمكن القول بالمنع فيه ، وقوفاً فيما خالف الأصل على موضع النصّ. وفي التعدّي إليه قوّة؛ لعموم الأدلّة واتّحاد طريق المسألتين. وحكم المحلّة والموضع المخصوص حكم المنزل.

ومتى حكمنا بصحّته لم يصحّ إسقاطه بوجه؛ لأنّه حقّ يتجدّد في كلّ آن ، فلا يُعقل إسقاط ما لم يوجد حكمه وإن وجد سببه.

__________________

(١) قاله ابن إدريس في السرائر ٢ : ٥٩٠ ، وفخر المحقّقين في الإيضاح ٣ : ٢٠٩ ، والكركي في جامع المقاصد ١٣ : ٣٩٨ ـ ٣٩٩.

٢٧٨

(الخامسة) :

(لو أصدقها تعليم صناعة ثمّ طلّقها قبل الدخول كان لها نصف اُجرة التعليم) لعدم إمكان تعليمها نصف الصنعة وهو الواجب لها بالطلاق خاصّة. (ولو كان قد علّمها) الصنعة (رجع بنصف الاُجرة) لعدم إمكان ارتجاع نفس الواجب فيرجع إلى عوضه.

(ولو كان) الصداق (تعليم سورة) ونحوها (فكذلك) لأنّه وإن أمكن تعليم نصفها عقلاً إلّاأ نّه ممتنع شرعاً؛ لأنّها صارت أجنبيّة (وقيل : يعلِّمها النصف من وراء حجاب) كما يعلِّمها الواجب (١) (وهو قريب) لأنّ تحريم سماع صوتها مشروط بحالة الاختيار (والسماع هنا من باب الضرورة).

(السادسة [حكم ما لو اعتاضت عن المهر بدونه او ازيد منه ثم طلقها]) :

(لو اعتاضت عن المهر بدونه أو أزيد منه) أو بمغايره جنساً أو وصفاً (ثمّ طلّقها رجع بنصف المسمّى) لأنّه الواجب بالطلاق (لا) بنصف (العوض) لأنّه معاوضة جديدة لا تعلّق له بها.

(السابعة [حكم لو وهبته نصف مهرها مشاعا او معينا]) :

(لو وهبته نصف مهرها مشاعاً قبل الدخول فله الباقي) لأنّه بقدر حقّه فينحصر فيه ، ولأ نّه لا ينتقل مستحقّ العين إلى بدلها إلّابالتراضي أو تعذّر الرجوع لمانع أو تلف ، والكلّ منتفٍ.

__________________

(١) قاله الشيخ في المبسوط ٤ : ٢٧٥ ، والخلاف ٤ : ٣٦٨ ، المسألة ٥ من الصداق.

٢٧٩

ويحتمل الرجوع إلى نصف النصف الموجود وبدل نصف الموهوب؛ لأنّ الهبة وردت على مطلق النصف فيشيع فيكون حقّه في الباقي والتالف ، فيرجع بنصفه وببدل الذاهب ، ويكون هذا هو المانع ، وهو أحد الثلاثة المسوّغة للانتقال إلى البدل.

وردّ بأ نّه يؤدّي إلى الضرر بتبعيض حقّه ، فيلزم ثبوت احتمال آخر ، وهو تخيّره بين أخذ النصف الموجود وبين التشطير المذكور (١).

(ولو كان) الموهوب (معيّناً فله نصف الباقي ونصف ما وهبته مثلاً أو قيمةً) لأنّ حقّه مشاع في جميع العين وقد ذهب نصفها معيّناً ، فيرجع إلى بدله ، بخلاف الموهوب على الإشاعة. ونبّه بقوله : (وهبته) على أنّ المهر عين ، فلو كان ديناً وأبرأته من نصفه برئ من الكلّ وجهاً واحداً (وكذا لو تزوّجها بعبدين فمات أحدهما أو باعته ، فللزوج نصف الباقي ونصف قيمة التالف) لأنّه تلف على ملكها واستحقاقه لنصفه تجدّد بالطلاق من غير اعتبار الموجود وغيره. والتقريب ما تقدّم.

(الثامنة) :

(للزوجة الامتناع قبل الدخول حتّى تقبض مهرها إن كان) المهر (حالّاً) موسراً كان الزوج أم معسراً ، عيناً كان المهر أم منفعة ، متعيّناً كان أم في الذمّة؛ لأنّ النكاح في معنى المعاوضة وإن لم تكن محضة. ومن حكمها أنّ لكلّ من المتعاوضين الامتناع من التسليم إلى أن يسلّم إليه الآخر ، فيجبرهما الحاكم على التقابض معاً؛ لعدم الأولويّة ، بوضع الصداق عند عدل إن لم يدفعه إليها ،

__________________

(١) ردّه فخر المحقّقين في الإيضاح ٣ : ٢٣٣.

٢٨٠